الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

أبواب: الحضانة - الجراح - دعوى الدم والقسامة - البغاة - الأشربة والمخدرات

"باب الحضانة"
"وسئل" رضي الله تعالى عنه في رجل طلق زوجته طلاقا بائنا وله منها بنت سنها خمس سنين وزوجها والدها بشخص وأراد ذلك الشخص أن ينزعها من والدتها وينفق عليها ويربيها عنده في بيته مثلا أو عند من يختار فهل له ذلك وتسقط حضانة الأم بذلك أم لا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا تسقط حضانة الأم بذلك لأن الزوج إنما يكون أولى بالحضانة من جميع الأقارب حيث كان له بالزوجة استمتاع بأن تطيق الوطء وإلا لم تسلم له، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين هل له أن ينزع بنت عمه من أمها ويسكنها بقربه وإن كان بلده شاسعا عن بلد الأم؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله انتزاع بنت عمه من أمها التي لا حضانة لها ويسكنها عنده لكن بشرط أن لا يخلو بها بأن تكون عنده زوجته، أو أمته، أو بعض محارمه أو محارمها سواء أبعدت بلده عن بلد الأم أم لا وهذا إن كانت غير رشيدة، أو كان هناك ريبة وإلا سكنت حيث شاءت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين عمن طلق زوجته وله منها ولد رضيع ووجد له مرضعة متبرعة وطلبت الأم الأجرة فهل يلزمه لها أجرة وهل له نزعه منها غصبا عليها؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا يلزمه دفع أجرة لها مع وجود مرضعة متبرعة وإذا لم ترض الأم إلا بالأجرة وتبرعت غيرها وكانت أكثر من إدرار الأم جاز للأب نزع الولد منها كرها وإعطاؤه للمتبرعة.
"وسئل" عن الأم الحاضنة إذا طلبت أجرة المسكن الذي تحضن فيه أولادها هل يجب على الأب استئجار المسكن أو لا وهل تسقط حضانتها إذا لم يكن لها مسكن أم لا وهل يدخل في مؤنة الحضانة أجرة المسكن أم لا؟ "فأجاب" بقوله: الأم الحاضنة إن كانت في عصمة الزوج الأب فالإسكان عليه وإلا فليس لها أجرة الحضانة فتستأجر منها مسكنا إن شاءت ولا تسقط حضانتها بعدم ملكها، أو نحوه لمسكن، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب إليه المرجع والمآب.

 

ج / 4 ص -185-        "كتاب الجراح"
"وسئل" رضي الله تعالى عنه عمن استأجر سفينة من ولي الأمر لشحنها ببندر السويس إلى بندر جدة المعمورة وعاقد جماعة للركوب فيها بما معهم من الأحمال لكل منهم عدة معلومة بورقة تختص به ثم إن ولي الأمر المشار إليه عين شخصا للتوجه في السفينة المذكورة لإعانة المستأجر المذكور في شحنها وعمل مصالحها والذب عنها وعن ركبتها وكتب له مثالا كريما بذلك ومن مضمونه التأكيد في شحنه جميع ما عين للمعاقدين المذكورين من الحمل المعين بأوراقهم المذكورة ثم إن الشخص المذكور خالف ما أمر به من ذلك ولم يمتثله ولم يعمل به وامتنع من شحنه جميع ما عين للمعاقدين المذكورين في أوراقهم ولم يشحن لهم منها إلا البعض خاصة والحال أن المستأجر المذكور جعل للمأمور المذكور جعالة معينة للتكلم عليه في الشحنة المذكورة بهذه السفينة على الحكم المأمور به المعين أعلاه واستمر على الامتناع من شحن بقية حمل المعاقدين المذكورين بطريق الافتيات والتعدي وأشحن بالسفينة المذكورة حمله حمل من اختاره وبارز المعاقدين المذكورين بالسب والشتم وضرب واحدا منهم كسر ذراعه وضرب غيره أيضا كل ذلك بطريق الظلم والعدوان والضرر والطغيان من غير سبب ولا موجب وليس له في ذلك عذر شرعي ولا عرفي ثم إن المعاقدين المذكورين تلطفوا بالمأمور المذكور وقالوا له أنت الآن راع ونحن رعيتك وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، فقال أنا لا أعتبر هذا الكلام ولا أعمل به فقيل إن هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم صريحا لئن لم تنتهوا لأكفر فيكم وإنما مثلكم مثل الخنزير الذي اشتريته فإنه عندي أشرف منكم ومن جميع أهل مصر على العموم ثم إنه أخذ في التكلم على سفينة ثانية غير السفينة المذكورة وشحن بها باليد والقوة بقية حمل المعاقدين المذكورين المتأخر شحنه بالمركب المذكور أولا وأركبهم بها وأخذ منهم أجرة ذلك كل ذلك بالجبر والإكراه والتغلب والافتيات ثم إن المركب الثانية المذكورة سارت قليلا وغرقت بجميع ما فيها من الأحمال والركاب ولم ينج منهم إلا القليل وكان هذا التلف والضياع بمخالفة المأمور المذكور وافتياته وتعديه إذا كان الأمر كذلك فماذا يلزم المأمور المذكور ومخالفة ولي الأمر المشار إليه والامتناع من شحنه بقية حمل المعاقدين المذكورين بالمركب الأول المذكور وما يجب عليه في رد الجواب عن الحديث الشريف النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام بما ذكره وما يجب عليه أيضا

 

ج / 4 ص -186-        في مقالته إنما مثلكم مثل الخنزير الذي اشتريته وأن ذلك أشرف منكم ومن جميع أهل مصر على العموم وعما صدر منه من السب والضرب وكسر ذراع الرجل المذكور وهل يلزمه أجرة بقية الحمل المذكور الذي أشحنه بالمركب الثانية وتلف بغرقها ولم يصل إلى محله وقيمة ما تلف بالمركب الثانية من الحمل الذي أشحنه فيها بالقهر والقوة كرها على أصحابه أم لا وماذا يلزمه أيضا فيمن غرق من الركاب بالمركب المذكورة عند إكراههم على الركوب فيها وهل تسقط الجعالة المعينة للمأمور المذكور لمخالفته المشروحة أم لا وماذا يلزمه أيضا بمخالفة ولي الأمر وما حكم الله سبحانه وتعالى في ذلك ابسطوا لنا الجواب "فأجاب" بقوله اشتمل ما حكي عن هذا الظالم الفاسق المتمرد على قبائح ومثالب فيتعين على ولي الأمر أيد الله سبحانه وتعالى به الدين وقصم بسيف عدله الطغاة والملحدين أن يقابله على كل واحدة من ذلك إن ثبت عليه بما يناسبها من العقوبة الشديدة الأكيدة البليغة الزاجرة له ولأمثاله عن مثل هذه العظائم حسبما تقتضيه الشريعة الغراء والمحجة الواضحة البيضاء التي ليلها كنهارها ونهارها كليلها فلا يزيغ عنها إلا هالك وبيان ذلك على وجهه يستدعي الكلام على كل واحدة مما ذكر عنه فأما مخالفته لما أمره به ولي الأمر من النظر فيما ذكر بالمصلحة والرفق إلى الحيف والجور فيترتب عليه فيها العقوبة العظيمة المناسبة لقبيح حاله وعظيم جراءته حتى على ولي الأمر بمخالفته له فيما أمره به مما ذكره ومبارزته لأوامره التي يجب على كل الناس امتثالها والإذعان لها بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة ولا شك أن العقوبة على هذه المخالفة تشتد وتتضاعف بحسب ما يناسب ذلك حتى يزجر الناس عن الوقوع في هذه الورطة القبيحة وأما امتناعه من شحنه بقية حمل مال المستأجرين وشحنه بماله ومال غيره فيلزمه فيه أيضا التعزير البليغ وأجرة ما شحنه فيه في مركبهم التي استحقوا منافعها وأما الجعالة التي جعلت له في مقابلة التكلم على السفينة المذكورة بالمصلحة فلا يستحق منها شيئا لأن ما فعله مما ذكر عنه عين المفسدة والجور المسودين لوجهه في الدنيا والآخرة والمقتضيين لتعميل حلول سطوات الانتقام به وأما سبه وضربه وشتمه لمن ذكر فيعاقب عليه العقاب الشديد حتى ينزجر عنه وعن أمثاله من قبائحه وأما كسر ذراع من ذكر فيعزر عليه كذلك ويلزمه فيه الحكومة بل قطع يده، أو الدية أن يعرفوا شروط ذلك وأما قوله لما قيل له الحديث المذكور على قائله أفضل الصلاة والسلام أنه لا يعتبر بهذا الكلام ولا يعمل به فقرينة حاله قاضية على أنه أراد بذلك السخرية والاستهزاء وحينئذ يكون كافرا مرتدا مراق الدم مهدره لا يساوي عند الله تعالى جناح بعوضة فيضرب عنقه إن لم يتب وكذا إن تاب على رأي قال به كثيرون وأما قوله: إن لم تنتهوا عن ذلك لأكفر فيكم فإن أراد تعليق الكفر على عدم انتهائهم، أو التردد فيه عند ذلك كفر في الحال فيضرب عنقه إن لم يتب أيضا وأما قوله: وإنما مثلكم مثل الخنزير الخ، فإنه يعزر عليه التعزير الأكيد البليغ الشديد المناسب لما في هذا الكلام الصادر منه من

 

ج / 4 ص -187-        القبح والفظاعة والقساوة والجلافة ومزيد التجرؤ على الله سبحانه وتعالى وأوليائه وأئمة دينه وغيرهم من المسلمين وأما شحنه بقية حمل المستأجرين في السفينة فإنه يضمنه المثلي منه بمثله والمتقوم بقيمة وأما أخذه الأجر ممن أركبه، أو شحن ماله كرها فهو حرام عليه فيعزر عليه أيضا وتنزع منه تلك الأجرة وترد لأربابها إذ لا أجرة عليهم وإن سلموا هم وأحمالهم وأما جبر من غرق من أهل السفينة المذكورة الذين أكرههم على الركوب فيها فإن سيرها بهم وقصر في ذلك حتى غرقت فإن كان قد تعمد ذلك بما يقتل غالبا قتل بواحد منهم بالقرعة إن ماتوا معا وإلا فبأولهم موتا ويلزمه ديات الباقين، أو بما لا يقتل غالبا فلا قصاص عليه لكن الواجب حينئذ دياتهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" هل يقتل من يصلي بتارك الصلاة ففي شرح الروض ما قد يوهم أنه لا يقتل به بقوله بعد قول الأصل وللمضطر قتل حربي ومرتد ومن له عليه قصاص ليأكله وكذا الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة وإن لم يأذن فيه الإمام لأن قتلهم مستحق وإنما اعتبرنا إذنه في غير حالة الضرورة تأدبا معه وحالة الضرورة ليس فيها رعاية أدب؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا يقتل المصلي بتارك الصلاة الذي كان تركه سببا لإهدار دمه بأن وجدت فيه شروط الإهدار المذكورة في باب قتل تارك الصلاة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين عن رجل ضرب حجرا فخرج منه شيء فأزال عين آخر ما الحكم فيه؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله من ضرب حجرا فخرج منه قطعة فأصابت عين آخر فأذهبتها لزم عاقلته ديتها وهي خمسون بعيرا، والله أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى به عن اليمين إذا تعلقت بالدم فهل تغلظ بالعدد وتكون خمسين يمينا كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب في القواعد الزركشية وسواء كان الدم لوثا أم غير لوث فما الحكم في ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله أن المنقول المعتمد أن كون اليمين تتعدد خمسين لا يختص باللوث بل تجب الخمسون على المدعى عليه القتل بلا لوث وعلى مدع له معه شاهد وفي اليمين المردودة ولو في غير اللوث من المدعي، أو المدعى عليه ولو تعدد المدعى عليه حلف كل منهم خمسين يمينا أو المدعي حلف كل منهم بنسبة حقه لأن كلا منهم لو انفرد لا يثبت لنفسه ما يثبته الواحد لو انفرد بل يثبت بعض الأرش فيحلف بقدر الحصة بخلاف المدعى عليهم فإن كلا منهم ينفي ما ينفيه الواحد لو انفرد ويمين الجراحات وإن قلت، أو لم يكن لها أرش مقدر كالنفس فيكون فيها خمسون يمينا بتفصيله المذكور، والله سبحانه أعلم.
"وسئل" عن رجل مرض فأرسل إلى حكيم فجاء إليه وأمره بشربة فشربها فتعب لها تعبا شديدا بحيث قارب الموت ثم من الله سبحانه وتعالى عليه ببعض شيء من العافية ثم اشتد

 

ج / 4 ص -188-        المرض فقال لورثته ما أنا لكم بصاحب وسبب ذلك الشربة التي أسقانيها فلان ثم مات فما حكم الله سبحانه وتعالى في ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا قصاص ولا دية على الطبيب المذكور بمجرد أمره للمريض المذكور بشرب الدواء المذكور، والله أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى به المسلمين سؤالا صورته سئل بعض المفتين عما إذا جرح بهيمة غيره مثلا أو عبده ثم اندملت الجراحة وبقي أثرها ولم ينقص من قيمتها شيء فهل يجب عليه شيء أم لا؟ فأجاب بقوله لا يجب شيء في البهيمة والعبد وفي العبد خلاف والصحيح أنه يجب أيضا شيء والله أعلم فهل جوابكم كذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله أما ما ذكر عن بعض المفتين في مسألة البهيمة والعبد فيحتاج إلى تفصيل وهو أن البهيمة حيث اندمل جرحها ولا نقص فيها لا يجب على جارحها إلا التعزير ويشهد لذلك قول الفوراني الحيوان يخالف الجماد في شيء وهو أنه لا يضمن إلا بعد الاندمال والجماد يضمن في الحال بما نقص وجزم به في الأنوار فقال لو فقأ إحدى عيني حمار لم يجب في الحال شيء حتى يندمل ثم يجب ما بين قيمته صحيح العين ومفقوءها قال ولو قال المالك لا أداويه حتى يموت أجبره الحاكم أي على مداواته ولو قال الجاني مكني من مداواته لم يلزمه التمكين منه وأما الرقيق فإن قطع منه ما يقدر في الحر كاليد لزمه نصف القيمة في هذا المثال مطلقا سواء أبرئ ولم تنقص قيمته أم نقصت بقدر نصف القيمة أم أقل أم أكثر وإن جرح جرحا لا مقدر له فيه من الحر فبرئ ولم تنقص قيمته كأن قطع منه أصبعا زائدة فبرئ ولم تنقص قيمته فقال ابن سريج لا شيء عليه وقال أبو إسحاق يلزمه ما نقص ويقوم قبل البرء والدم سائل للضرورة وهذا الثاني هو الذي ينبغي ترجيحه لقولهم في الجناية على الحر أن أثر الجناية عليه من ضعف، أو شين إذا بقي بعد البرء وجبت الحكومة وإن لم يبق فإن كانت الجناية جرحا، أو كسرا ولم ينقص بعد الاندمال شيء من منفعة أو جمال كقلع سن، أو أصبع زائدة اعتبر أقرب نقص إلى الاندمال ثم ما قبله وهكذا إلى حال سيلان الدم حتى تنقص القيمة لتأثرها بالخوف والخطر فإن لم ينقص به شيء ولا حال سيلان الدم فهل يعزر فقط، أو يعزر ويفرض القاضي عليه شيئا باجتهاده وجهان رجح البلقيني الثاني وإن كانت الجناية غير جرح ولا كسر كإزالة الشعور واللطمة لم يجب شيء سوى التعزير فتأمل هذا الذي ذكروه في باب الجنايات فإنه قاض بترجيح كلام أبي إسحاق فعلم أن إطلاق بعض المفتين أنه لا يجب شيء في العبد إطلاق في محل التقييد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى به بما لفظه إذا قلتم على المذهب أن الأب وإن علا والابن وإن سفل والقاتل ليسوا هم من العاقلة ولا يحملون من الدية شيئا وإذا قلتم أيضا أن الدية مؤجلة في ثلاث سنين من حين القتل وأن أكثر ما يجعل على الموسر نصف دينار وعلى

 

ج / 4 ص -189-        المتوسط ربع وأنها على الأقرب فالأقرب وأنها على العاقلة التي في بلد الجاني ومن كان في غير بلده في إقليم آخر ليس عليه شيء فإذا كان القاتل غنيا والعاقلة فقراء أو كانوا كلهم فقراء فعلى من عليه نفقته أم تسقط أم إلى اليسار أم في بيت المال وإذا كان القريب في غير بلد الجاني والأبعد في بلده هل تسقط عنهما، أو تلزمهما، أو أحدهما وإذا كان القريب في حال الجناية في إقليم آخر ثم حضر بعدها إلى بلد الجاني هل تلزمه أم لا تلزمه وإذا قلتم إنها من حين القتل وإذا كان القريب واحدا أو اثنين أو ثلاثة مثلا موسرين أو متوسطين كيف تسقط الدية عليهم في ثلاث سنين؟ والحال أن الموسر ألزمتهموه بنصف دينار والمتوسط ربع دينار ولا شك أن هذا التقسيط لا يفي في مدة ثلاث سنين بالدية فإذا مضت المدة والدية باقية ما الحكم في ذلك وكيف تلزم العاقلة الدنانير والحال أن الواجب عليهم الإبل المعلومات في الخطإ وهي مائة مخمسة وليس العدول عنها إلا بالصلح فإذا امتنعت أصحاب الدم من الصلح فكيف توزع الإبل عليهم في ثلاث سنين إذا كانوا ثلاثة أو أقل؟ أوضحوا لنا ذلك وضوحا شافيا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله ما ذكره السائل نفع الله سبحانه وتعالى به من اختصاص الضرب بعاقلة بلد الجاني على الإطلاق لم أر من قال به هكذا وإنما الخلاف في ذلك مقيد بما يعلم من ذلك تفاصيل المسألة وهي أن العاقلة إن كانوا حاضرين ببلد الجناية ضربت الدية عليهم على ترتيبهم المعروف وإن غابوا ولهم ثم مال أخذ منه وإلا حكم القاضي عليهم بالدية على ترتيبهم وكتب بذلك إلى حاكم بلدهم ليأخذها منهم وله أن يكتب بالقتل إليه ليحكم عليهم بها ويأخذها منهم وإن حضر بعضهم بها وغاب بعضهم فإن استوى الجميع درجة فهل يقدم من حضر قولان أحدهما وبه قال مالك رضي الله تعالى عنه نعم لاختصاصهم بقرب المكان فهم كالمختصين بقرب القرابة ولأن النصرة التي هي ملحظ التحمل إنما هي بهم ولأن في الضرب على الغائبين مشقة وأصحهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهما تضرب على الكل لاستوائهم في العصوبة والميراث وعلى هذا فالحكم كما لو حضروا جميعا أو غابوا جميعا فيما مر وعلى الضعيف إذا لم يف الحاضرون ضرب على الغائبين ويكتب القاضي كما مر وعليه أيضا إذا اختلفت بلادهم قدم الأقرب دارا فالأقرب هكذا أورد القولين أكثر الأصحاب وبعضهم قطع بالقول الأصح وبعضهم حكاهما على ما مر والحاصل أن المعتمد من المذهب عند الأصحاب أنه لا نظر لاختلاف البلدان فتضرب على الأقارب وإن اختلفت دورهم سواء الحاضر والغائب، ولا يقدم بقرب دار مطلقا وجميع التفاريع التي ذكرها السائل على ما ذكره من الاختصاص لمن ببلد الجاني لا جواب لها، وأما تفاريع القول الضعيف الذي حكيناه فقد أشرنا إليها فتأملها نعم من تلك التفاريع ما يتأتى على المذهب فلنذكر جوابه وهو أنه ليس المراد بالضرب على العاقلة أنه يضرب عليهم الجميع مطلقا بل الواجب عليهم في كل سنة من الدية الكاملة الثلث فيوزع عليهم مع رعاية أن الغني لا يزاد على نصف والمتوسط

 

ج / 4 ص -190-        لا يزاد على ربع فإن وفى الأقربون بها لكثرتهم وإلا ضرب على من بعدهم وهكذا حتى لا يبقى منهم أحد فإن فضل شيء فعلى عصبة الولاء فإن فضل شيء فعلى بيت المال فإن فضل شيء فعلى الجاني وكذا يفعل في السنة الثانية والسنة الثالثة وإن كان الواجب أكثر من الدية الكاملة لم يزادوا على الثلث في كل سنة ولا تزاد السنون على ثلاث وإن كان أنقص وزع الثلث في الأولى وأدون منه فإن زاد عليه شيء إلى الثلث الثاني وزع عليهم في سنة ثانية وإن زاد شيء على الثلث الثاني وزع عليهم في سنة ثالثة ولا يمكن أن يزاد على الغني أكثر من دينار ونصف في الثلاث مطلقا ولا على المتوسط أكثر من ثلاثة أرباع دينار في الثلاث مطلقا ثم المأخوذ منهم إنما هو نقد البلد ثم ما تحصل منه اشترى به الواجب من الإبل وهكذا يفعل في كل سنة من الثلاث.
"وسئل" عن رجل أزال بكارة زوجته بغير ذكره ثم طلقها قبل الدخول فهل يلزمه شيء غير نصف مهرها لتفويت البكارة عليها؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا يلزمه شيء لإزالة البكارة لأنه يستحقها لكنه يعزر لكونه أذاها بإزالتها بغير الذكر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين عما إذا داوى طبيب غيره فهل يضمن؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله إن كان غير عارف بالطب وتولد الهلاك من ذلك الدواء بقول عدلين ضمن لخبر أبي داود في سننه وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"من يطبب ولم يعرف الطب فهو ضامن" وبذلك جزم صاحب الأنوار وغيره بل نقل ابن سريج فيه الإجماع وإن عرف الطب وأخطأ لم يضمن كما ذكره ابن سريج وغيره وخصه ابن الصلاح بما إذا قال داواني بهذا أما إذا قال داواني من غير تعيين فيضمن واعتمد بعضهم الأول فقال لا يضمن العارف مطلقا حيث أخطأ واستدل له في الخادم بحديث المشجوج الذي أمروه بالغسل فمات فقال صلى الله عليه وسلم: "قتلوه قتلهم الله" ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضمنهم هذا كله إذا باشر الطبيب الدواء بنفسه كأن قال له ابلع هذا ففي المميز تجب الدية وفي غيره يجب القود بشروط وأما إذا لم يباشر كأن قال تفعل كذا أو أعطى الدواء غيره فإنه وإن لم يضمن عليه التعزير ما لم يخطئ ويعذر في خطئه ويتعين على الحاكم منعه صونا لدماء المسلمين وأبدانهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" هل في الظفر حكومة؟ "فأجاب" بقوله الظاهر كما بحثه بعضهم أنه لا حكومة فيه إذا لم يفسد منبته بخلاف ما إذا أفسده فإنه تجب فيه حكومة كالشعر فيهما.
"وسئل" عما إذا حضر نساء ولادة ذكر فقطعت إحداهن سرته من غير ربط ونهاها الباقيات فمات بعد القطع بقليل فهل يقتلن مثلا أو هي فقط؟؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بقوله إن كان القطع مع عدم الربط يقتل غالبا فهو عمد موجب للقود عليها وهو ظاهر إن

 

ج / 4 ص -191-        منعت الباقيات من الربط لو أردن فعله أما إذا لم يردنه فهن آثمات أيضا لأنه يلزمهن جميعا فإذا تركنه من غير منع كان لهن دخل في الجناية على ما بحثه بعضهم واستدل لذلك بقول الشيخين لو فصد شخصا ومنع المفصود من العصب لزمه القود قال فعلقا وجوب القود بالمنع فكذا هنا لا يلزمها قود إلا إن منعتهن اهـ. وفيه نظر ظاهر وغاية الأمر المترتبة على ما زعمه أنها مباشرة وهن متسببات والمباشرة مقدمة على أنهن في الحقيقة لسن متسببات أيضا لأنه لم يصدر منهن فعل أصلا وإنما صدر منهن ترك وهي استقلت بالقطع مع عدم الربط فإذا كان مهلكا لم يباشر المهلك غيرها وإذا لم يباشره غيرها لم يكن لها شريك أصلا فالوجه وجوب القود عليها إن تعمدت قتله بما يقتل غالبا فإن عفي عنها على مال فدية العمد وإن لم يقتل غالبا فعلى عاقلتها دية شبه العمد ولا دليل له في مسألة المفصود لأن تركه العصب مع قدرته عليه صيره قاتلا لنفسه وقاطعا لفعل الفاصد لأن الفصد بذاته ليس هو القاتل وإنما القاتل ترك العصب وليس في مسألتنا نظير ذلك لأنه لم يصدر فيها من المقطوع ما يقطع فعل القاطع فنيط الهلاك به ونظير مسألتنا ما لو فصد غير مميز وعنده جماعة فتهاونوا في ربط محل الفصد حتى مات وقضية كلام الأصحاب أن القود في هذه على الفاصد وحده دون الحاضرين لما قررته من أنه المباشر وحده ولا قاطع لفعله من المفصود ويلزم ذلك الباحث أنه لا قود على أحد من هؤلاء لا الفاصد ولا غيره وهو في غاية البعد فالقياس وجوب القود عليهما بل لو قيل بوجوبه على الكل لم يبعد لأن نفس القطع هنا كالفصد في كونه غير مهلك في حد ذاته وإنما المهلك ترك الربط هنا وثم؛ لأن البرء موثوق به لو ربط في العادة المطردة فالهلاك ينسب إليهن كلهن فيلزمهن القود وإلا فدية العمد موزعة على رءوسهن وأما لزوم الضمان لها دونهن الذي زعمه ذلك الباحث فبعيد جدا ومما يبعده أنه ناقض نفسه لأنه جعل لهن دخلا في الجناية بالنسبة لعدم وجوب القود عليها وعدم دخل فيها بالنسبة لعدم وجوب شيء عليهن ولا على عاقلتهن وهو تحكم غير مرضي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه عن قول التاج السبكي في ألغازه ومن يزد جرمه ينقص مؤاخذة ويفتدي بعض ما يجنيه كالهدر؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله جرمه إن ضم أوله فهو فيمن فعل صغيرة ثم أراد كبيرة ثم تركها خوفا من الله سبحانه وتعالى فتركه للكبيرة بعد العزم عليها مكفر لتلك الصغيرة التي ارتكبها وإن كسر فهو في الميزان إن وقع كله فأتلف فنصف الضمان، أو نصفه فكل الضمان، والله سبحانه وتعالى أعلم

باب دعوى الدم والقسامة
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين عن زوجين متناكحين مثلا أو رجلين مثلا أو جماعة في

 

ج / 4 ص -192-        سفر مثلا أو بيت ودار كبيرة بها سكان أو في صحنها مثلا أو سكتها النافذة أو غير النافذة وجدنا بينهم منهم أو من غيرهم قتيلا أو ميتا يحتمل موته وخنقه هل يكون هذا لوثا في الجميع مثلا أو في البعض؟ بينوا لنا ذلك فإذا قلتم بأنه لوث في المسائل كلها فهل يدعي وليه على الجماعة، أو السكان الذين بالدار جميعا لاحتمال تواطئهم على ذلك وقتلهم جميعا، أو على واحد منهم بعينه إذا غلب على ظنه أنه قتله ويقسم عليه خمسين يمينا إذا أنكر وتسقط الدعوى عن الباقين بمجرد الدعوى على الواحد المعين أم لا وإذا قلتم لا لوث ولا دعوى ولا قسامة على من ذكر، أو لا فهل له الدعوى على غير من ذكر أعلاه إذا ظنه واتهمه وهل يقسم عليه خمسين يمينا إذا أنكر أو يحلف المدعى عليه يمينا واحدة ويبرأ من ذلك كسائر الدعاوى وهل فرق بين أن يكون بين القتيل وبين من عنده عداوة أم لا وإذا شهد اثنان من الجماعة، أو السكان المذكورين على واحد منهم، أو من غيرهم أنه القاتل هل تقبل شهادتهما أم لا تقبل؛ لأنها تدفع عنهما ضررا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا بد في اللوث والقسامة من ظهور أثر كالخنق والعض والجرح فإن لم يوجد أثر فلا لوث ولا قسامة لاحتمال موته فجأة والأصل عدم تعرض غيره له فلا بد أن يعلم أنه قتيل ليبحث عن قاتله وهذا ما صححه الشيخان وأطال الإسنوي في رده وإن المذهب المنصور وقول الجمهور أنه يثبت اللوث والقسامة فعلى الأول المعتمد للولي أن يدعي على من شاء من أهل تلك الدار مثلا وعلى كلهم لكن اليمين هنا على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا وعلى الثاني يتأتى هنا ما قالوه أن من اللوث أن يوجد قتيل في مسكن لعدوه كحصن أو قرية صغيرة، أو محلة منفردة عن البلد الكبير ولم يساكنهم غيرهم عند الشيخين واعترضهما جمع وقالوا المنقول المعتمد اعتبار أن لا يخالطهم غيرهم والمراد بالغير على كلا القولين من لم تعلم صداقته للقتيل ولا كونه من أهله وإلا فاللوث موجود فلا يمنع القسامة قال العمراني ولو لم يدخل ذلك المكان غير أهله لم تعتبر العداوة فيكون وجود قتيل بينهم لوثا في حقهم وإن كانوا غير أعدائه ولا تسقط الدعوى عن باقيهم بمجرد الدعوى على واحد معين منهم وتقبل شهادة عدلين منهم بأن فلانا قتله ما لم يكذبهما الولي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى ببركته المسلمين عن تعيين المجروح لجارحه هل هو لوث في حقه مثلا أو لا؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بقوله ليس ذلك بلوث عندنا لضعف القرينة فيه فإن قلت يشكل عليه قول الشافعي رضي الله تعالى عنه يصح "إقرار المريض بدين، أو عين لوارث وغيره؛ لأنه وصل إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب فيها الفاجر فإذا كان وصل إلى هذه الحالة فلم لا يكون تعيينه لجارحه لوثا؛ لأن وصوله إلى هذه الحالة يؤكد ظن صدقه ومدار اللوث على مؤكد ظن هنا الصدق قلت قد عارض تلك القرينة غلبة وقوع الضغائن بين المجروح والمتهمين بجرحه فكان في تعيينه ما يؤكد عدم ظن صدقه فلم يعمل به وأما ثم فلا قرينة تنافي ما دل عليه حاله من الصدق فعمل بقوله وصححنا إقراره

 

ج / 4 ص -193-        إذ لا عذر لمن أقر وأيضا فالحق هنا له إذ الدية له وإنما تنتقل لورثته عنه فلم يقبل قوله فيه مطلقا للتهمة وأما ثم فهو مقر على نفسه بالحق لغيره فلا تهمة فيه فقبل مطلقا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

"باب البغاة"
"وسئل" هل يجوز حضور المسلمين الحروب التي تقع فيما بين الكفرة للمشاهدة والتفرج، أو لا يجوز لما في ذلك من تكثير جمعهم وإعانتهم على ظلمهم وتحسين طائفة وتقبيح أخرى ووجود الخطر فإنه ربما تصل أسهمهم إلى الناظرين وكان مشايخنا من أهل مليبار يمنعون المسلمين من حضورهم حروبهم وهل يجوز قتال المسلمين مع إحدى الطائفتين من الكفار حتى يقتل مثلا أو يقتل من غير حاجة إلى ذلك، أو لا وهل يؤجر؛ لأنه إما أن يقتل كافرا، أو يقتله كافر وهل يعامل به معاملة الشهيد؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بقوله إذا وقع قتال بين طائفتين من الحربيين لم يحرم الحضور؛ لأن كلا من الطائفتين مهدر فالقتل فيهما واقع في محله فليس ثم معصية، أقر عليها المتفرج بحضوره نعم إن خشي لا على ندور عود ضرر عليه من الحضور حرم عليه ولعل منع المشايخ المذكورين الحضور كان لأجل ذلك وللمسلمين أن يقاتلوا كلا من الطائفتين وأن يقاتلوا أحدهما لا بقصد نصرة الطائفة الأخرى بل بقصد إعلاء كلمة الإسلام وإلحاق النكاية في أعداء الله تعالى ومن فعل ذلك بهذا القصد حصل له أجر المجاهد لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر البخاري وغيره:
"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"، ولا شك أن من قاتل إحدى الطائفتين بقصد ذلك كان كذلك حتى إذا قتل في الحرب أو انقضت وحركته حركة مذبوح، أو ليس به حياة مستقرة عومل معاملة الشهيد في الدنيا والآخرة فلا يغسل ولا يصلى عليه نعم يشترط أن يعلم مريد القتال أنه يبلغ نوع نكاية فيهم أما لو علم أنه بمجرد أن يبرز للقتال بادره بالقتل من غير أدنى نكاية فيهم فلا يجوز له قتالهم حينئذ؛ لأنه يقتل نفسه من غير فائدة ألبتة فيكون عليه إثم قاتل نفسه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين هل غير قرشي عد من أمراء المؤمنين في زمن الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم على ألسنتهم فمن هو ولمن يحكم؟؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله هو أسامة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على جيش فيه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فلم يخرج حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى الشام وكان الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم في ذلك السفر يدعونه أمير المؤمنين وقد كان عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه يدعوه بذلك ويقول له مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير.

 

ج / 4 ص -194-        "وسئل" نفعنا الله تعالى بعلومه عمن هو من المسلمين ويسكن في بلاد المشركين الحربيين وإذا وصل إليهم من يكون له التكلم في البلد خرجوا إليه ولاقوه وكثروا سواده وركبوا معه وزادوا في صفوفه فهل يجوز لهم ذلك أم لا وإذا قلتم بعدم الجواز فما يلزمهم بهذه الفعلة وما الحكم في ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله إن خشوا ضررا على نحو أنفسهم، أو مالهم إن لم يفعلوا ذلك جاز لهم فعله وإن لم يخشوا شيئا لم يجز لهم شيء مما فيه تعظيم الكافر فيعزر من فعل ذلك التعزير البليغ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه هل يجوز للمسلم أن يقبل يد الحربي المشرك وأن يقوم إليه وأن يصافحه وأن يتخضع إليه وكل ذلك ليناله منه مالية وإذا قلتم بعدم الجواز فما يترتب عليه وماذا يلزمه؟ "فأجاب" بقوله لا يجوز للمسلم أن يعظم الكافر بنوع من أنواع التعظيم سواء المذكورات وغيرها ومن فعل ذلك طمعا في مال الكافر فهو آثم جاهل كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"من تواضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه" فإذا كان التواضع للمسلم الغني يذهب ثلثي الدين فما بالك بالتواضع للكافر، والله سبحانه وتعالى أعلم.

"باب الأشربة والمخدرات"
"سئل" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين عن مسألة فأجاب فيها بجواب مختصر ثم بلغه أن بعض المفتين أفتى بخلاف ذلك فصنف فيها تصنيفا سماه تحذير الثقات من استعمال القات لأنه في حكم الفتاوى باعتبار أصله كما علم مما تقرر وذلك المصنف أحمدك اللهم أن مننت على المصطفين من عبادك بمجانبة سبل الشبهات وحبوتهم بأن يذودوا الناس عن أن يحوموا حول حمى المسكرات والمخدرات وسائر المحرمات وأشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك شهادة أنجو بها من قبيح المخالفات وأشهد أن سيدنا محمدا عبدك ورسولك الذي أرسلته مكملا لسائر الحضرات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه حماة الدين الأوفى وكماة فتح الأرجاء الذين نصروا الحق وأشادوا فخره ودمغوا الباطل وأهله وأماتوا ذكره ما عبثت بخوامد القرائح أرواح القبول فحركتها إلى أن ظفرت ببلوغ المأمول