الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

أبواب: السرقة - السير - الهدنة - الصيد والذبائح - الأضحية - العقيقة - الأطعمة

ج / 4 ص -222-        باب السرقة
"وسئل" نفعنا الله سبحانه وتعالى ببركته عمن سرق آنية موقوفة للشرب في المسجد أو مصحفا موقوفا للقراءة فيه وهو غير قارئ فهل يقطع أم لا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين بقوله هو كالقناديل التي للوقود ونحوها وقد قالوا لا قطع بذلك فهذه مثلها ولابن العماد احتمالان في الثانية أحدهما يقطع إن لم يكن قارئا إذ لا حق له والثاني لا لأنه قد يدفعه إلى من يقرأ له فيه أو يتعلم ويقرأ والذي يظهر الثاني وإن كان للأول وجه وجيه لأنهم قالوا يقطع الذمي بذلك واحتمال تعلم هذا كاحتمال إسلام ذاك لكن الفرق على الثاني أن للمسلم في حال عدم قراءته حقا بخلاف الذمي فإنه حال كفره لا حق له في ذلك ألبتة ولو وقف على من يقرأ فيه لإسماع الحاضرين لم يقطع قطعا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

باب السير
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى في كل ما يعم نفعه البلد كعمارة مساجدها وعمارة سورها ومؤنة القائمين بحصونها ذكر الأئمة أنه على أهل القدرة من أهل تلك البلد فما المراد بأهل القدرة هل هم كل من لا تحل له الزكاة أم لهم حد غير ذلك وهل يجوز للوالي أصلحه الله تعالى أن يخص بعضهم بالقيام بذلك دون بعض، أو يخص البعض في وقت والبعض الآخر في وقت آخر، أو يجب عليه التوزيع بينهم لأن المؤنة تختلف باختلاف الأوقات وهل التوزيع على قدر المال أم على الرءوس وحيث قيل إنه على قدر المال بدليل أن الفقير لا شيء عليه فلو كانت الأموال عقارا فهل التوزيع على قدر مساحة الأرض، أو قيمتها وكذا في النخيل ونحوها هل الاعتبار بالقيمة، أو العدد فالمسألة واقعة وإليكم أحكامها راجعة؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بأن الذي يتجه هنا أن المراد بأهل القدرة الذين يملكون ما زاد على الكفاية سنة كما يصرح به كلام الشيخين وغيرهما وعبارة الروضة ومنها أي من فروض الكفايات ما يتعلق بمصالح المعايش وانتظام أمور الناس كدفع الضرر عن المسلمين وإزالة فاقتهم كستر العورة وإطعام الجائعين وإغاثة المستغيثين في النائبات فكل ذلك فرض كفاية في حق أصحاب الثروة والمروءة إذا لم تف الصدقات الواجبة بسد حاجاتهم ولم يكن في بيت المال ما يصرف إليها فلو انسدت الضرورة فهل يكفي ذلك أم تحجب الزيادة إلى تمام الكفاية التي يقوم بها من تلزمه النفقة وجهان قلت قال الإمام في كتابه الغياثي يجب على الموسر المواساة بما زاد على الكفاية سنة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. فقوله: ما يتعلق بمصالح المعاش وانتظام أمور الناس كدفع الضرر عن المسلمين وإغاثة المستغيثين في النائبات يشمل عمارة السور ونحوها مما يضطر الناس

 

ج / 4 ص -223-        إليها وقد بين أن ذلك لا يجب إلا على الموسر وأن المراد به من عنده فاضل عن كفاية سنة فعلم أن المسألة منقولة في كلام الشيخين والمراد بكفاية السنة هنا كما هو ظاهر كفايته وكفاية ممونه مطعما وملبسا ومسكنا ودواء وغيرهما مما يحتاج إليه ويستفاد من كلامهما هذا أن الموسرين لا يخاطبون بنحو عمارة السور إلا إذا لم يكن في بيت المال شيء، أو كان فيه شيء وجار الناظر في أمره فلم يصرفه في مصارفه، أو احتيج لصرفه فيما هو أهم من ذلك كسد ثغر يعظم ضرره لو ترك أو حالت الظلمة دونه والراجح من الوجهين المطلقين أولهما.
ومنه يؤخذ أن الواجب في عمارة السور إنما هو القدر الذي يندفع به الضرورة فقط وبهذا تعلم أن من جعل عمارة المسجد كعمارة السور فقد أبعد لأن المسجد لا يضطر إليه إذ لا تتوقف صلاة على صحته ولا نظر لتوقف الاعتكاف عليه لأن الاعتكاف نادر وغير واجب والواجب منه بنذر نذر فلا يصلح حينئذ غير المسجد مما يضطر إليه حتى يلزم الموسرون ببنائه ويؤخذ من تعبيره بدفع الضرر أن عمارة ذلك لا يخاطب بها الموسرون إلا إن تحقق، أو غلب على الظن أن عدم عمارته يكون سببا لتلف نفس، أو مال محترم فإن قلت اعتبار الموسر هنا بمن زاد ماله على كفاية سنة ينافيه جعلهم الموسر في العاقلة من يملك عشرين دينارا قلت يفرق بينهما بأن ملحظ التحمل في العاقلة أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة الجاني منهم ويمنعون أولياء الدم أخذ حقهم فأبدل الشرع تلك النصرة ببدل المال وملحظ سد الضرورة هنا وقاية النفس من التلف، أو نحوه من غير تسبب من المحتمل في ذلك بوجه لا باعتبار أمر أصلي ولا عارض ومن غير نفع يعود عليه في رحمه وقراباته فلذلك وسع في أمره ولم يلزم بذلك إلا حيث كان من أهل المواساة ولا يكون منهم إلا إذا زادت كفايته على سنة لأن كثيرين من أئمتنا حرموا عليه الزكاة حينئذ بخلاف التحمل في العاقلة فإن سببه من المحتمل في الأصل وهو منع الجاني وبعود نفع على القريب بحفظه من القتل باعتبار ما كان فضويق في أمره وألزم به غير الغني أيضا وهو المتوسط الذي يملك أكثر من ربع دينار والذي يؤخذ منه ولو بشيء قليل فإن قلت قد يكون معه كفاية سنة ويحل له أخذ الزكاة فهو أهل لأن يواسيه الناس فكيف مع ذلك يجب عليه مواساة غيره قلت لا مانع من ذلك ألا ترى أن من معه نصاب، أو أكثر وقام به وصف يجوز له أخذ الزكاة لا يقتضي ذلك سقوطها عنه ولا مانع من كونه يجوز له الأخذ، أو يجب عليه باعتبار ويجب عليه الإعطاء باعتبار آخر والأحكام تختلف باختلاف الاعتبارات وإن اتحدت الذوات كما هو جلي وقول السائل نفع الله
سبحانه وتعالى به وهل يجوز للولي إلخ جوابه أن مقتضى كلامهم في باب اللقيط أن الأغنياء إن أمكن استيعابهم قسطا على رءوسهم فإن تعذر استيعابهم لكثرتهم قسطها على من رآه منهم باجتهاده فإن استووا في اجتهاده تخير وإنما قلنا إنه يقسطه على رءوسهم لأنهم استووا كلهم في ملك فاضل عن السنة فكلهم من أهل التحمل وحيث كانوا كلهم كذلك فتخصيص

 

ج / 4 ص -224-        أحدهم ترجيح له من غير مرجح فلزمه حيث أمكنه استيعابهم أن يوزعه عليهم باعتبار رءوسهم دون أموالهم بخلاف ما إذا لم يمكنه استيعابهم فإنه يجتهد في التخصيص فإن استووا تخير ولا نظر إلى ما يترتب على الحالة الأولى من استواء غرم صاحب ألف وصاحب مائة ألف مثلا لأنا لا نعتبر قدر الزيادة على كفاية سنة حتى نوزع المغروم على نسبته وإنما نعتبر أن يكون معه فاضل عن كفايتها من غير اعتبار قدره ثم إذا خصه في التوزيع شيء لم يلزمه إلا إذا كان الفاضل فإن كان بعضه من الفاضل وبعضه من كفاية السنة لم يلزمه إلا البعض الذي من الفاضل وسقط عنه ما هو من كفاية السنة ووزع على غيره ممن لو خصه غرمه من الفاضل فإن قلت إنما يتجه القياس على ما قالوه في اللقيط إذا كان مرادهم بالغنى فيه ما قالوه في باب السير في المسألة السابقة وهو من معه فاضل عن كفاية سنة قلت الظاهر أن مرادهم في البابين واحد وهو من معه ما ذكر لاتحاد ملحظهما وهو سد الضرورة عن ذويها بل ما في اللقيط فرد من أفراد ما في السير كما هو ظاهر لأن نفقة اللقيط إنما لزمت الأغنياء لدفع ضرورته فهو من إطعام الجائع المذكور في السير لكنهم في اللقيط ذكروا حكم تعدد المنفق ولم يذكروه في السير إحالة على ما قدموه في اللقيط ثم المراد بالأغنياء في اللقيط ما يعم أغنياء بلده وغيرهم وكذا يقال المراد بهم في السير ذلك فما في السؤال من أنه على أهل القدرة من أهل تلك البلد لا ينبغي أن يفهم منه التخصيص حتى لو اضطر أهل بلد لعمارة سورها ولا غني فيهم لم يسقط الخطاب بعمارته عن بقية الأغنياء الذين في غير تلك البلد بل يخاطبون به وكان تخصيص أهل البلد لأنه الأيسر فهو نظير ما قاله جمع من أن تخصيصهم الاقتراض والإنفاق إلى اللقيط بأغنياء بلده ليس للاختصاص بهم بل لأنه الأيسر، والله سبحانه وتعالى أعلم. 
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل يشمت الصغير والمجنون إذا عطسا وإن لم يحمدا الله سبحانه وتعالى؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله الذي دل عليه كلامهم أنه لا يشمت عاطس إلا إذا حمد الله وأسمع المشمت فغير الحامد بالكلية والحامد بحيث لا يسمعه من يريد تشميته لا يسن تشميته سواء كان تركه الحمد، أو الجهر به لعذر أو غيره وحاضن الطفل وغيره سواء في النجاسات المعفو عنها وغيرها فلا مزية للحاضن على غيره لسهولة اجتنابه للنجاسة عند تحري ذلك وعدم السهولة على كثير من النساء إنما هو لتساهلهن وعدم تحريهن للطهارة والنظافة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئلت" ما حكم المصافحة بعد التدريس وفي ليالي رمضان بعد الدعاء عقب الوتر والتراويح وكذلك بعد صلاة العيد وما الأرحام وكيف كيفية صلتهم "فأجبت" بقولي الذي دلت عليه صرائح السنة وصرح به النووي وغيره أنه حيث وجد تلاق بين اثنين سن لكل منهما أن يصافح الآخر وحيث لم يوجد ذلك بأن ضمهما نحو مجلس ولم يتفرقا لا تسن

 

ج / 4 ص -225-        سواء في ذلك المصافحة التي تفعل عقب الصلاة ولو يوم العيد، أو الدرس أو غيرهما بل متى وجد منهما تلاق ولو بحيلولة شيء بين اثنين بحيث يقطع أحدهما عن الآخر سنت وإلا لم تسن نعم التهنئة بالعيد والشهور سنة كما ذكره بعض أئمتنا واستدل له ولا يلزم من ندبها ندب المصافحة فيها وإن لم يوجد شرطها السابق والمراد بالأرحام الذين يتأكد برهم وتحرم قطيعتهم جميع الأقارب من جهة الأب، أو الأم وإن بعدوا ومن ثم قال في الأذكار يستحب استحبابا متأكدا زيارة الصالحين والإخوان والجيران والأصدقاء والأقارب وإكرامهم وبرهم وصلتهم وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم وينبغي أن يكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه وفي وقت يرضونه والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة اهـ. وبه علم الجواب عن قول السائل فكيف كيفية صلتهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله عن الغنائم التي لم تقسم القسمة الشرعية كغنائم هذا الزمان إذا وصل منها شيء إلى من له حق في الغنيمة هل يجوز له الانتفاع به مثلا أو لا فيجب الرد إلى الأمير الظالم الذي يصرفها في غير موضعها وما حكم الله سبحانه وتعالى في هذا الزمان في مثلها وعن كفار مليبار الذين يعتادون إعانة المسلمين وإجراء أحكام الدين بينهم لأن عمارة بلدانهم بالمسلمين مع أنه لم يقع بين الطائفتين عهد ولا قول بل المسلمون رعيتهم ويسكنون بلادهم ويسلمون العشور والغرامات إليهم هل هم حربيون، أو لا وهل يجوز أخذ الربا من الحربيين والخيانة في مبايعتهم في الكيل والوزن، أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله ذكر الغزالي في الإحياء أن السلطان إذا لم يدفع للمستحقين حقوقهم من بيت المال ففي جواز أخذ أحدهم شيئا منه أربعة أوجه أحدها يأخذ ما يعطى وهو حصته والباقون مظلومون قال وهذا هو القياس لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين لأن ذلك ملك لهم حتى لو ماتوا قسم بين ورثتهم وهنا لو مات لم يستحق وارثه شيئا حكاه عنه في المجموع وأقره ثانيها المنع لأنه مشترك ولا يدري نصيبه منه قال وهذا غلو لكن جزم به الشيخ عز الدين في قواعده اهـ. المقصود منه وبما قرره يعلم الفرق بين الغنيمة وغيرها فعلى الأول من له حق في بيت المال إذا وصل إليه منه شيء يجوز له أخذه والتصرف فيه سواء أكان ذلك من فيء، أو غيره من بقية أموال بيت المال كالجزية والعشور ومال ذمي مات بلا وارث وما فضل عن وارثه غير المستغرق وكذا خمس الغنيمة إذا قسمها الإمام وأعطى الغانمين أربعة أخماسهم وأبقى الخمس الآخر فإذا وصل من ذلك الخمس شيء لمن له فيه حق جاز له أخذه كما مر أما إذا لم يقسم للغانمين فلا يجوز لأحد وصل إليه من الغنيمة شيء قبل القسمة أخذه لما أشار إليه الغزالي من أن الغانمين شركاء على الحقيقة فالمال مشترك بينهم وبين أهل الخمس فهم شركاء لأهل الخمس وأحد الشريكين لا يجوز له أن يستبد من المال المشترك بذرة إلا بإذن شريكه، أو شركائه وإنما جاز في نحو

 

ج / 4 ص -226-        الفيء ما مر لما قرره الغزالي من أن الشركة في غير الغنيمة ليست حقيقية بدليل أن من مات منهم لا تنتقل حصته لوارثه بخلاف الغانمين فإن شركتهم حقيقية إذ من مات منهم تنتقل حصته لوارثه ولا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ظالما أو عادلا والكفار المذكورون حربيون ومع ذلك لا تجوز معاملتهم بالربا ولا خيانتهم في كيل ولا وزن ولا غيرهما كما صرح بذلك الأئمة وبسطوا الكلام عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل يصح شراء المسلم أطفال الكفار من آبائهم وأمهاتهم الكفرة أم لا؟ "فأجاب" رحمه الله سبحانه وتعالى بقوله لا يمكن شراء الولد من أبيه، أو أمه لأن شرط صحة البيع الملك في المبيع لمن وقع له عقد البيع وهذا متعذر هنا لأن الوالد متى ملك ابنه بأن استولى عليه وقصد تملكه بذلك عتق عليه فلم يمكن اجتماع الوالدية والملكية فإن باعه من غير استيلاء وقصد تملكه فالبيع باطل أيضا لعدم الملك هذا كله في الحربيين أما من بدارنا بأمان فلا يمكن تملك الوالد لابنه بقهر؛ لأن دارنا دار إنصاف بخلاف دارهم ولمن اشترى حربيا من أبيه، أو أمه وأنه إذا صار بيده يستولي عليه ويقصد تملكه فحينئذ يملكه بذلك لا بعقد الشراء لعدم إمكانه كما علمت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" هل يلزم رد جواب الكتاب ولو بلغ السلام في كتاب هل يلزم التلفظ برده على الكاتب والرسول وما فائدة التلفظ مع غيبة الكاتب والرسول ابسطوا الجواب؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله يسن السلام على الغائب إما برسوله وإما بكتابه ويلزم الرسول إذا رضي بتحمله بالإبلاغ وأما المرسل إليه فلزمه الرد فورا ثم إن كان السلام عليه بالإرسال لزمه الرد باللفظ وإن كان بالكتابة لزمه الرد بها، أو باللفظ ويندب الرد على الرسول أيضا وتقديمه فيقول وعليك وعليه السلام وكأن سبب عدم جعلهم قوله وعليك السلام قاطعا لفورية الرد لأنه غير أجنبي فكما اغتفروه في عدم قطعه لفورية القبول في نحو البيع فكذلك يغتفر الفصل به هنا بل ندب تقديمه لأن الحاضر أولى بالرعاية من الغائب وفائدة وجوب الرد باللفظ مع غيبة المسلم أن في وجوب الرد حقين حقا لله سبحانه وتعالى وحقا للآدمي فلو فرض سقوط حق الآدمي لغيبته لم يسقط حق الله سبحانه وتعالى إذ لا مقتضى لإسقاطه وأيضا إذا وقع الرد في حضرة الرسول باللفظ بلغه لمرسله فهذه فائدة ظاهرة وأما وجوب الرد بالكتابة فحكمته ظاهرة لأن الكتاب إذا وصل للمسلم كان بمنزلة الرد عليه حينئذ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله سبحانه وتعالى بما لفظه ما حكم المصافحة وتقبيل اليد والرجل والرأس والانحناء بالظهر والقيام ابسطوا الجواب؟ "فأجاب" بقوله المصافحة للقادم سنة وكذا تقبيل ما ذكر من نحو عالم وصالح وشريف نسب والانحناء بالظهر مكروه والقيام لمن ذكر سنة هذا مذهبنا ووراء ذلك تذنيبات لا بأس بالتعرض لها قال ابن عبد السلام:

 

ج / 4 ص -227-        المصافحة المعتادة بعد الصلاة بدعة إلا لقادم لم يجتمع بمن صافحه قبل الصلاة قال بعض المالكية ومذهبنا في المصافحة كما ذكره العز وروى الترمذي أيضا أن رجلا قال يا رسول الله الرجل منا يلتقي مع أخيه أفينحني له قال: "لا" قال أفيلتزمه ويقبله قال: "لا" قال أفيأخذ بيده ويصافحه قال: "نعم" وفي سنده مقال وقد روى الدارقطني من حديث عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها لما قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه من أرض الحبشة خرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فعانقه، وسنده ضعيف لكن اتفقوا كما قال النووي أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال بل ظاهر كلام مالك وابن عيينة وهما من هما من حديث وغيره صحته فإن مالكا لما أنكر المعانقة استدل عليه ابن عيينة به فأجابه مالك بأنه مخصوص بجعفر فرد عليه ابن عيينة بأن الأصل عدم الخصوصية فانقطع مالك وسكت ومن ثم قال بعض أئمة مذهبه الحق مع ابن عيينة قال بعض أئمة المالكية وروى شيوخنا طريق المصافحة وصفتها وهي أن يجعل كفه اليمنى في كفه اليمنى ويقبض كل أصابعه على يد صاحبه وأنكر مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه تقبيل اليد وما ورد فيه والحق أنه سنة كما قدمناه لما روى الترمذي أن اليهوديين اللذين سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن التسع الآيات فأجابهم قبلا يده ورجله ولم ينكر عليهما، ورواه أبو داود أيضا لكن الأول فيه زيادة وروى ابن حبان عن كعب بن مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت يديه وركبتيه وروى أيضا حديث الأعرابي في إتيان الشجرة للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ائذن لي أن أقبل رأسك ويدك ورجلك وفيه: ائذن لي في السجود لك، فقال: "لا يسجد أحد لأحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظيم حقه عليها"، وفي حديث وفد عبد القيس لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم فمنهم من سعى ومنهم من مشى ومنهم من هرول حتى أتوا إليه وأخذوا بيده فقبلوه، إلى غير ذلك من الطرق وفي بعضها أن عليا كرم الله وجهه قبل يد العباس ورجله ويقول أي عم ارض عني قال الإمام البرزلي المالكي أردت أن أفعل ذلك أي تقبيل اليد مع شيخي فأراد أن ينزع يده فقلت له لا ترو هذا الكتاب حين لم تعمل به فقال كرهه مالك فقلت له مالك أنكر ما روي فيه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ فتركني بعد ذلك وكذا كان شيخنا الفقيه الإمام وغيره من أشياخي لا ينكرون على ذلك وقصدي بذلك التعظيم والتكرمة لأشياخي ولما تقرر عندي
من الأحاديث وعدم إنكار ذلك عن معظم من يقتدى به وفعلت ذلك مع بعض الكبراء فقال هو من باب المدحة في الوجه فإن لم يخف على المفعول له من تعاظم نفسه فلا بأس وإلا كره لما فيه من المفسدة وسئل العز بن عبد السلام عن القيام فقال لا بأس به لمسلم يرجى خيره أو يخاف شره ولا يفعل لكافر؛ لأنا مأمورون بإهانته وإظهار صغاره فإن خيف من شره ضرر عظيم جاز لأن التلفظ بكلمة الكفر جائز للإكراه فهذا أولى ولا يجوز تكريمه باللقب الحسن إلا لضرورة، أو حاجة ماسة وينبغي أن يهان

 

ج / 4 ص -228-        الكفرة والفسقة زجرا عن كفرهم وفسقهم وغيرة لله عز وجل قال والانحناء البالغ حد الركوع لا يفعله أحد لأحد كالسجود ولا بأس بما نقص عن حد الركوع لمن يكرم من أهل الإسلام وإذا تأذى مسلم بترك القيام فالأولى أن يقام له فإن تأذيه بذلك مؤد إلى العداوة والبغضاء وكذلك التلقيب بما لا بأس به من الألقاب والأصل في ندب القيام لأهل الفضل قوله صلى الله عليه وسلم حين قدم سيد الأنصار سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه: "قوموا إلى سيدكم" والخطاب للأنصار، أو للكل وقد صنف النووي رحمه الله تعالى جزءا فيه وذكر الأحاديث الواردة فيه وأحكامها وما يتعلق بها قال ابن عبد السلام وغيره وقد صار تركه في هذه الأزمنة مؤديا إلى التباغض والتقاطع والتحاسد فينبغي أن يفعل لهذا المحذور وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله سبحانه وتعالى"، فهو لا يؤمر به بعينه بل لكون تركه صار وسيلة إلى هذه المفاسد في هذا الوقت ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا لأن تركه صار إهانة واحتقارا لمن اعتيد القيام له، ولله سبحانه وتعالى أحكام تحدث عن حدوث أسباب لم تكن موجودة في الصدر الأول اهـ..
وعلى القيام ومحبته للتعاظم والكبر حمل قوله صلى الله عليه وسلم:
"من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار" أعاذنا الله سبحانه وتعالى من ذلك بمنه وكرمه آمين.
"وسئل" رحمه الله تعالى أفتى بعضهم بهدم جميع كنائس اليمن فهل ما قاله صحيح أم لا؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله اليمن مما أسلم أهله عليه وقد ألحق الشيخان هذا القسم بما علم حدوثه في الإسلام في أن ما شك في حدوثه، أو قدمه فيه من الكنائس لا يهدم لاحتمال أنه كان ببرية وأن العمارة اتصلت به لكن جرى ابن الرفعة ومنتبعه في كنائس القاهرة على ما يصرح بهدم جميع كنائس عدن لاستحالة ذلك الاحتمال فيها لأن السور المحيط بها قديم قبل الإسلام وهو محفوف بالجبال والبحر فلا يمكن أن كنائسها كانت بغير عمارة البلد وأنها اتصلت بها.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل تتأدى سنة التشميت فيرحم الله سيدي والسلام بالسلام على سيدي؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بقوله لا تتأدى سنتهما وفرض رد الثاني إلا بنحو يرحمك الله والسلام عليك مما فيه خطاب وجمع بعضهم بين الأدب والسنة فقال رحمك الله سيدي.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عما يقال ما لي إلا الله سبحانه وتعالى وأنت هل له أصل؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله استدل له بقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64]، بناء على أن العطف على الجلالة لكن الأرجح أنه على الكاف واعترض هذا الاستدلال أيضا بأن ذلك من الله سبحانه وتعالى فلا يقاس به ما من المخلوق ومن ثم كره الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه أن

 

ج / 4 ص -229-        يقال قال الرسول مع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} لأن لله عز وجل أن يخاطب خلقه بما شاء وليس ذلك لبعضهم مع بعض وأقسم سبحانه وتعالى بكثير من مخلوقاته إعلاما بشرفهم ويكره لنا ذلك وذكر ابن عبد السلام في قوله صلى الله عليه وسلم: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"، إن التشريك في الضمير من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ونهيه عنه إنما هو بالنسبة لغيره ويدل على عدم الاستدلال بالآية ما ورد أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت قال: "جعلتني لله عز وجل عدلا ما شاء الله وحده".
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عمن سلم عليه وهو قابض ذكره وعورته مستورة هل يجب عليه الرد أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته بقوله إن الضابط أن كل من كان على حالة لا يخاطب فيها عرفا لا يلزمه الرد ولا شك أن قابض ذكره للاستجمار كذلك فلا يلزمه الرد وكذا قابضه لنحو الاستجمار لشدة انتشاره بين الناس، أو لينزل مني منه أو غير ذلك مما يظهر ويستحي من التكلم معه بسببه.
"سئل" عن كافر ضل عن طريق صنمه فسأل مسلما عن الطريق إليه فهل له أن يدله الطريق إليه؟ "فأجاب" بقوله ليس له أن يدله لذلك؛ لأنا لا نقر عابدي الأصنام على عبادتها فإرشاده للطريق إليه إعانة له على معصية عظيمة فحرم عليه ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

باب الهدنة
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عما إذا أسلم واحد من كفار مليبار فلحق بنا وتبعه المشركون وألزمونا رده إليهم لقوتهم وضعفنا فهل يجوز رده إليهم مع أننا إذا لم نرده إليهم فلا بد من هجرتنا وطننا حتى نسلم من شرورهم وإذا ارتد مملوك لنا ولحق بهم ولا قدرة لنا على استخلاصه من أيديهم فهل لنا أخذ قيمته منهم وهل يصح شراء المرتد منهم إلا باعوه لنا.
"فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله إذا عجزنا عن أن نحول بينهم وبينه لم نأثم بأخذهم له وكذا لو لم نقدر على منعه منهم إلا بجلائنا عن أوطاننا فلا يلزمنا ذلك بل قضية كلام أصحابنا جواز الرد أي تمكينهم من أخذه مطلقا حيث قالوا لو جاءنا منهم حر بالغ عاقل مسلم والرد مشروط علينا لزمنا إن كان له عشيرة تحميه وطلبته عشيرته وكذا إن كان المطلوب يقهرهم وينفلت منهم وخرج بقولنا والرد مشروط ما إذا لم يشرط فلا يجب الرد مطلقا اهـ. فأفهم قولهم لا يجب الرد مطلقا أنه يجوز وهذا وإن كان محتملا ويتردد النظر فيه إلا أن ما ذكرته من الجواز بقيده ظاهر لا مرية فيه ولنا أخذ قيمة المرتد منهم كما صرح به أئمتنا ولا يملكونه بدفعها إلينا وما أوهمه كلام الشيخين في الهدنة من ملكهم له بدفعها مبني على الضعيف أنه يجوز بيع المرتد للكافر والمعتمد كما في

 

ج / 4 ص -230-        المجموع وغيره أنه لا يجوز ولا يصح بيع المرتد للكافر لبقاء علقة الإسلام فيه فعليه لا يملكونه
وإن دفعوا القيمة إلينا وإنما هي بمنزلة القيمة المأخوذة للحيلولة فإذا ردوه إلينا رددناها إليهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الصيد والذبائح
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عن رجل سرق له شاة فخرج في طلبها فوجد السارق قد ذبحها وحنذها فاستنقذها منه فأراد أن يأكل من لحم شاته فقال له بعض أهل بلده حرمت وما يلزم السارق بعد إتلافها؟ "فأجاب" نفع الله تبارك وتعالى بعلومه المسلمين بأنه يجوز له أكل شاته ويلزم السارق ما بين قيمتها حية وحنيذة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما إذا اعتدى رجل على ماشية قوم فقطع بطونها وبعضها قطع لسانها وبعضها قطع إحدى قوائمها أو جميع القوائم مثلا أو أخرج كروشها وبقي شيء منها فيه بعض حياة فماذا يحل من هذه المواشي التي هذا حالها وماذا يجب عليه إذا قلتم إن الذي قطع لسانها تحل فإن قلتم لا فهل يحل بيع شيء منها إذا كان يرجى لصاحبة اللسان العافية وكذا البقرة إذا قطع لسانها هل يحل لحمها وبيعها لمن يبيع اللحم أم لا فإن هذا واقع في بلدنا لا محالة لأن هذه البلدة ما فيها سلطان؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إذا قطع شيء من البهيمة سواء لسانها وغيره فإن أشرفت على الموت بأن كانت حياتها مستقرة وإن قطع بموتها بعد يومين، أو ثلاثة كانت حلالا إذا ذبحت ويحل بيعها وأكلها وعلى الجاني ما بين قيمتها صحيحة ومجروحة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفعنا الله تعالى بعلومه عما لو لقي شيئا مطروحا وشك أهو معرض عنه فيأخذه أم لا فيتركه هل يحل له الأخذ أم لا؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بأن الذي يتجه في ذلك أنه يراعى في ذلك القرائن الدالة في العادة على أن مثل ذلك الشيء المطروح مما يعرض عنه، أو لا فإن اقتضت أنه مما يعرض عنه جاز أخذه والتصرف فيه كما يصرح به قول الروضة والأرجح أنه يملك الكسرة والسنابل ونحوها ويصح تصرفه فيها بالبيع ونحوه وهذا ظاهر حال السلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم ولم يحك أنهم منعوا من أخذ شيء من ذلك والتصرف فيه اهـ. قال البلقيني وقوله: الأرجح يقتضي إثبات خلاف في السنابل بين أن يكون الزرع لصغير، أو نحوه ممن لا يعتبر إذنه وكذلك في صورة الماء على الوجه المذكور والذي ذكره في الماء هو قوله: وأما الشرب من الماء فإن كان يجري على وجه لا يحتفل به ملاكه ولا يمنعون منه أحدا وعادته المطردة كذلك فهذا يجوز الشرب منه ولو كان في ملاكه في الأصل الصغير وغيره ممن لا يعتبر إذنه وليس هذا كما إذا أعرض عن كسره

 

ج / 4 ص -231-        لأن ذلك في الذي يعتبر إعراضه وأما التقاط السنابل فهو قريب مما نحن فيه اهـ..
وكلامه صريح فيما ذكرته من النظر إلى العادة والعمل بما دلت عليه ألا ترى أنه لا فرق بين الكسرة والسنابل في أن الأولى لا بد في المعرض عنها أن يكون مطلق التصرف بخلاف الثانية وإن اقتضت أنه مما لا يعرض عنه، أو لم تقتض شيئا لم يجز أخذه إلا على جهة الالتقاط فيجب عليه تعريفه سنة، أو ما يليق به وقد قال القفال لو وجد درهما في بيته لا يدري أهو له، أو لمن دخل بيته فعليه تعريفه لمن يدخل بيته كاللقطة أي الموجودة في غير بيته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل يجوز إحراق الجراد حيا لأكله؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته يجوز شي الجراد حيا لأكله كما يصرح به ما في الروضة من جواز قليه حيا ومنازعة الزركشي فيه بأن الجمهور على الحرمة رددتها في شرح العباب بقول الإمام المذهب الحل وبأن قول الشيخ أبي حامد ومن تبعه بالحرمة مبني كما قاله النووي على اختياره حرمة ابتلاع السمك وهو ضعيف ومن ثم تبع ابن الرفعة مع تحقيقه وكثرة اطلاعه النووي فيما ذكره ورددت فيه أيضا استشكال الإسنوي قول الروضة وقلي السمك حيا جائز كابتلاعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في شخص نزل عن دابته لإعيائها وتركها فأخذها غيره وأنفق عليها فلمن هي؟ "فأجاب" بقوله هي باقية على ملك مالكها إذ الإعراض لا يؤثر في مثل ذلك ولا رجوع للمنفق لأنه متبرع وقال أحمد إنها للآخذ ومالك لمالكها وعليه ما أنفق عليها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل يحل الاصطياد بالبندق؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله أفتى النووي رحمه الله تبارك وتعالى بحله واستدل له بحديث النهي عن الحذف وتعليله بأنه يفقأ العين ولا ينكأ العدو ولا يقتل الصيد وفيه نظر لأن المراد ولا يقتل الصيد قتلا يبيحه فخرج البندق لأنه يقتله قتلا لا يبيحه ومن ثم جزم في الذخائر بتحريمه ثم الرمي به وبما لا حد له كالدبوس وعلله بأن فيه تعريض الحيوان للهلاك ويجاب بأنا لم نتحقق أن البندق يقتله قتلا محرما بل يحتمل أن يبطل حركته مع بقاء الحياة المستقرة فيه فإذا ذبحه حينئذ حل فهو طريق لإبطال امتناعه لا لقتله وتقويته وبهذا يتضح ما قاله النووي.
"وسئل" سؤالا صورته ورد في أبي داود ما معناه أن بعض الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم اصطاد ولد حمرة فجاءت أمه تعرش فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"من فجع هذه بولدها"، فقالوا فلان فأمره بإطلاقه فما الجواب عن هذا على مذهب الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه من تحريم إطلاق ملكه من ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بقوله:

 

ج / 4 ص -232-        ذكر بعض محققي مشايخنا أن أمره صلى الله عليه وسلم بإطلاقه محمول على خوف تلفه بسبب حبسها عنه.
"وسئل" - رحمه الله تبارك وتعالى - عن بنادق الأروام والإفرنج التي فيها البارود والنار هل يحل الاصطياد بها لأنها أشد من المحدد؟ وهل هي كغيرها من البنادق التي يصاد بها؟ وهل المراد بما في فتاوى الإمام النووي - رحمه الله تبارك وتعالى - من حل الاصطياد بها جواز الاصطياد بها، أو حل أكل ما صيد بها، أو لا؟ والحيوان إذا صار إلى حركة مذبوح بجرح هرة، أو نحوها، أو بندق هل يحل أكله بذبحه في تلك الحالة مع أنه يضطرب اضطرابا شديدا بعد الذبح وينفجر منه الدم، أو لا يحل؟ "فأجاب" - نفعنا الله سبحانه وتعالى - بعلومه بقوله لا خلاف في حرمة الرمي إلى الصيد بالبندق الذي فيه النار كما يعلم مما يأتي وإنما الخلاف في البندق الذي من طين فصاحب الذخائر يقول لا يحل؛ لأن فيه تعريض الحيوان للهلاك والنووي يقول: يحل لأنه طريق إلى الاصطياد وهو مباح واستدل له بخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال:
"إنه لا ينكأ العدو ولا يقتل الصيد ولكن يفقأ العين ويكسر السن"، قال فمقتضى الحديث إباحة الصيد بالبندق وذكر البخاري في صحيحه أنه كره الرمي به في القرى خشية أن يصيب من فيها دون الصحراء ومن علتي صاحب الذخائر والنووي يعلم أنه لا خلاف بينهما لأن الأول علل عدم الحل بأن فيه تعريض الصيد للهلاك.
والثاني علل الحل بأنه طريق إلى الاصطياد فعلمنا أن الأول يقول بالحل إذا غلب على الظن أن البندق لا يهلكه، والثاني يقول بالحرمة إذا غلب على الظن أن البندق يقتله قبل التمكن من ذبحه فلا تخالف بينهما وكان هذا الذي قررته هو ملحظ ما في فتاوى البلقيني فإنه سئل عن رمي الطير بالبندق ما حكمه؟ فأجاب بقوله أما الرمي بالبندق فقد صح النهي عنه لما يحصل به من الضرر ولا سيما في البنيان، وأما رمي الطيور به فإن كان مما أمر بقتله فلا حرج في ذلك وإن كان غير ذلك فإن كان غير مأكول اللحم فالنهي باق وإن كان مأكولا يرجى أن يسقط وفيه حياة مستقرة فيذبح بحيث يحل فهذا جائز وإن لم يرجى ذلك فالنهي باق إلا إذا كان هناك ضرر اقتضى تنفير ذلك الطير فيجوز اهـ. وهو كلام حسن وبه يتأيد ما قدمته من حمل كلام النووي أخذا من علته على ما إذا علم أو غلب على ظنه أن البندقة لا تهلكه وإنما تزيل منعته حتى يصير مقدورا عليه فالرمي به حينئذ حلال وكذا لو كان من الفواسق أو صال عليه مثلا ولم يندفع عنه إلا بذلك فيرميه وإن علم أنه يقتله هذا كله في الاصطياد بها وأما حل ما صيد بها فإن أدركه وبه حياة مستقرة وذبحه حل وإلا فلا وما وصل إلى حركة مذبوح بسبب ما ذكر في السؤال بأن لم يبق فيه حركة اختيارية فإنه لا يحل ذبحه مطلقا وما لم يصل لذلك حل إن تيقن حال الذبح أن به حياة مستقرة وكذا غلب على ظنه ذلك بالحركة الشديدة وانفجار الدم ومتى شك في استقرار الحياة حرم وإن وجد انفجار الدم وغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -233-        باب الأضحية
"وسئل" رضي الله تعالى عنه عما إذا ذبح أضحيته فلا يجوز له إتلاف شيء منها بغير الأكل والانتفاع له ولمن أذن له إن كانت تطوعا فلو أتلفه بغير ذلك فمقتضى كلامهم أنه يلزمه بدله يصرفه مصرفها وأنه يستقل بذلك ويكفيه نيته للبدل ويكون بقيمته من نقد البلد يشتري به مثله أو مثليه إن كان نبأ وإن لم يتعمد إتلافه كأن تطير عليه شيء من ودكها أو عثر بإنائه فانقلب وكذا قد يتخيل أنه لا يجوز إطعام هرة أو غير آدمي منه وفي كل ما ذكر حرج وخلاف للعادة فإن كان هناك شيء فيه سعة فليتفضل من وقف عليه بذكره ولا يجوز له بيع شيء من أجزائها فلو مات فورثته موضعه فلا يجوز لهم بيع شيء منها ذكره الأذرعي وغيره ولهم الأكل والانتفاع والإهداء كهو قال السبكي ويزول ملكه عنها بالذبح ولا تورث لكن ينبغي أن يكون لوارثه ولاية القسمة مثله ولا تقل فيها بخصوصها اهـ. ولا يشكل ذلك بما في فتاوى القفال إذا ضحيت الأضحية عن الميت لا يجوز الأكل منها بغير إذنه لأن الميت حين موته لم يكن له حق الأكل مما ضحي عنه به بعد موته حتى يقوم وارثه مقامه.
ويجوز له الأكل منه كهو كما قالوه فيما ضحى به في حياته فلو كان ورثته أو بعضهم صغارا فلا شك أنه يجوز إطعامهم منها بالقسط لئلا يضيع واسم القسمة عليها بمعنى استحقاق كل منهم شيئا يختص به ممنوع فيما يظهر وإن قلنا ببقاء الملك في أضحية التطوع للتعلق اللازم به المانع من نقل الملك أبدا كالمرهون بلا ولي وهل يجوز للولي أن يطعم منها الفقراء والمساكين فيه نظر ولم أجده منصوصا مع كثرة التفتيش عنه والظاهر جوازه كما يرمي إليه كلام بعضهم في غضون المسائل لتعينها لذلك وكونه هو الأصل الذي شرعت التضحية لأجله. وإنما جوز الأكل ترخيصا كما علم من الدين في منع النبي صلى الله عليه وسلم أولا من ادخارها بعد ثلاث عند الحاجة الداعية إليها في عصره صلى الله عليه وسلم وإن كان نسخ لزوال ذلك فإنه يعلم به إن الصدقة هي الأصل فيها فإن قلنا يجوز له أن يتصدق منها فالظاهر جواز أكله منها حالا إن كان فقيرا كغيره ولا نقول هنا يمتنع لأنه يتحد فيه قبضه وإقباضه لأنه نائب المالك والمالك له الاستبداد بذلك نعم الظاهر أنه لا يجوز له الادخار لينتفع بنفسه إن لم يكن وارثا إذ لا حق له فيها بترك ما يراه صلاحا للمولى عليهم ويتصدق بالباقي في الحال.
وإذا كانوا جماعة أو اثنين ميز لكل منهم ما يحتاج إليه قبل أن رآه وإن اتفقت حاجتهم وضاف الشيء وزع عليهم بالسوية تشبيها بالغانمين في طعام الغنيمة قبل وصولهم أوطانهم فيكون كل مختصا بما ميز له لا ملكا ويتعين التصدق إذا كان الصغير ضعيفا لم يبلغ أن يأكل اللحم وخشي تغيره إذ لا يمكن نقله وله نظير من الشرع هذا ما تقرر لي بعد النظر والبحث وإن كان نقل بخلافه فسمعا وطاعة وهو أولى فلينظر فيه وإذا ضحى الولي عن صغير من مال نفسه قال شيخنا عبد الله أبو فضل الظاهر منع أكله منها لأنه يقدر أنه ملكها في ضمن التضحية قبلها أقول وما قدره ممكن ظاهر إذا كان الولي أبا أو جدا يتولى طرفي التمليك وفي غيره نظر وقد أفتى بعض

 

ج / 4 ص -234-        أئمة اليمن بجوازه من غير ذكر تقدير انتقال ملك إليه قال شيخنا ولا يجوز ذلك في العقيقة عنه لأن الأب مندوب إليها لنفسه أقول فإما أن تكون الضحية مثلها ويتصرف الأب فيها كضحية نفسه وإما أن يمنع منها غير الأب والجد وتصح منهما بتقدير انتقال الملك ثم يتضيق الأمر فيها بأن يطعم منها الصبي فقط ويكون في التصدق بشيء منها ما سبق في لحم الضحية المخلف عن الميت وفي ذلك كله ظلمة أزالها الله سبحانه وتعالى وسائر الظلمات بنور الإيمان والعلم والهداية والله سبحانه وتعالى أعلم فالمسئول ممن وقف على هذا من أئمة الدين رحمهم الله تعالى ونفع بهم إمعان النظر في ذلك وبيان ما ظهر له فيه بنقل أو بحث بإيضاح بين لا أخلا الله سبحانه وتعالى منهم آمين "فأجاب" نفعنا الله تبارك وتعالى بعلومه بقوله أما الجواب عن هذه المسألة فقول السائل نفع الله تبارك وتعالى ببركته وعلومه لا يجوز له إتلاف شيء منها إلخ ظاهر وقد صرحوا به وأما قوله فلو أتلفه بغير ذلك فمقتضى كلامهم إلخ ممنوع لأنه إن أراد أنه أتلف القدر الذي يجب التصدق به فذلك ليس مقتضى كلامهم بل صرحوا به وحينئذ فلا فرق بين أن يتلفه عمدا أو سهوا بل ينبغي أنه لو تلف بتقصيره ضمنه أيضا لأن مقتضى كلامهم أن يده عليه يد أمانة وهذا حكمها وإن أراد أنه أتلف القدر الزائد على ذلك كان ذبحها وتصدق بقدر الواجب وأتلف ما عداه قبل التصدق أو بعده فليس الضمان حينئذ مقتضى كلامهم وإنما مقتضى كلامهم بل صريحه عدم الضمان إذ لو ضمنه لضمنه لنفسه لأنه إذا تصدق بقدر الواجب صار مستحقا لأكل الجميع وإن ندب له التصدق به فلو قلنا بوجوب ضمان ما أتلفه لضمنه لنفسه وضمان الإنسان متلفه لنفسه أو لما يئول إلى نفسه ممتنع ظاهر الامتناع والاستحالة فإن قلت كيف يستحيل ذلك وهو بالتضحية قد زال ملكه وإن زال بقي له استحقاق الأكل ولم يبق عليه بعد إخراج القدر الواجب شيء لغيره فانحصر الاستحقاق فيه وحينئذ فكيف يضمن لنفسه شيئا انحصر استحقاقه له فالاستحالة باقية.
فإن قلت كلامهم في إتلاف الموقوف عليه للوقف الذي عليه ينافي ذلك قلت لا ينافيه لظهور فرقان ما بينهما لأن الاستحقاق ثم لا يقتصر على الموقوف عليه بل من بعده يستحقه أيضا فضمنه لأجل غيره وهنا ليس لأحد غيره استحقاق فيه بوجه فلم يضمنه وأيضا فالوقف فيه ناظره إما عام أو خاص يطالب الموقوف عليه بالبدل وهنا لا مطالب وأيضا فالقصد بالوقف الدوام فلو لم يضمن لنا في مقصوده والقصد من التضحية إراقة الدم مع إرفاق المساكين بأدنى جزء منها غير تافه وقد حصل هذا المقصود فلا وجه للضمان على أن جماعة من أكابر أصحابنا كأبي العباس بن سريج وأبي العباس بن القاص والإصطخري وابن الوكيل قالوا إنه
يجوز له أكل الجميع ولا يجب عليه التصدق بشيء منها ونقله ابن القاص عن نص الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه لأن القصد بالتضحية أتم اهـ. والتقرب بإراقة الدم فحسب وأما الضحية بعد الذبح فكسائر الذبائح غيرها وعليه فلا ضمان مطلقا وكذا يقال في جلدها ونحوه مما له

 

ج / 4 ص -235-        الانتفاع بعينه ما دامت باقية دون نحو بيعه هذا حكم الإتلاف من حيث الضمان وعدمه وهو ظاهر لا محيد عنه فيتعين اعتماده لأن قواعدهم تصرح به وإن لم أر من نص عليه وأما بالنسبة للإثم فإن تعمد أثم لا من حيث التضحية بل من حيث كونها إضاعة مال وإن لم يتعمد لم يأثم وأما قوله وكذا قد يتخيل الخ فهو إنما يتجه في الغني الذي أهدي إليه دون نفسه ودون الفقير كما يعلم ذلك من قولي في شرح العباب كغيره من الأغنياء لا تمليكهم على المعتمد الذي عليه الشيخان وغيرهما خلافا لابن الصلاح وغيره كما يأتي فلا يجوز تمليك الأغنياء شيئا من الأضحية ليتصرفوا فيه بالبيع وغيره بل بالأكل ولذا جاز إطعامهم على وجه الإباحة كما في الجواهر وغيرها وكذا الإهداء إليهم كما يأتي واستثنى البلقيني من ذلك ضحية الإمام من بيت المال قال فيملك الأغنياء ما يعطيهم منها بخلاف الفقراء كما أفهمه كلامهم فيجوز إطعامهم وتمليكهم حتى من الزائد على ما يجب تمليكه نيئا ويتصرفوا فيه بالبيع وغيره أما الأغنياء فيما يهدى إليهم فلا يتصرفوا فيه بغير الأكل كما دل عليه قول الرافعي يجوز إطعامهم كما يطعم الضيف ويوافقه قول القمولي نقلا عن الإمام والغزالي ما يجوز له أكله من أضحية التطوع لا يجوز له إتلافه لأنه لا يجوز له بيعه ولا أن يملكه الأغنياء ليتصرفوا فيه بالبيع وغيره وإنما جاز له ولهم الأكل على وجه الإباحة ونظر فيه ابن الصلاح بأن ظاهر إطلاقهم جواز الإهداء إلى الأغنياء في الهبة المفيدة للملك الممكنة من التصرف لا الإطعام على وجه الإباحة فإنه لا يسمى هدية ويرد وإن قال ابن الرفعة إن الظاهر معه، وغيره أن ما قاله هو ظاهر كلام الشافعي والأصحاب الذين ذكروا الإهداء بأن الأصل منع أكلهم منها وإنما جاز لهم على خلاف الأصل فلا يحسن أن يوسع لهم في غيره من التصرفات وظاهر التشبيه بالضيف أنه ليس لغني أهدي له شيء منها إهداؤه لغيره وهو متجه ويؤيده قول الزركشي رحمه الله تعالى يحمل الإهداء إليهم على الإباحة لا الملك فللمهدي استرجاعه ولو بعد الوصول للمهدى إليه.
وأما قوله بعد ذلك للأذرعي قضية التشبيه بالضيف أن المهدى إليه لا يتصرف بغير الأكل من صدقة ونحوها وفي منعه من الصدقة والإيثار به بعد بخلاف منعه من البيع لأنه كالمضحي يمتنع عليه أي البيع دون الصدقة وإطعام الغير فيرد بأنه لا بعد في ذلك وليس كالمضحي لأن له ولاية التفرقة المستلزمة لجواز التصدق وإطعام الغير بخلاف المهدى إليه اهـ. ما في الشرح المذكور وهو ظاهر فيما ذكرته أما الفقير فواضح لما علم أنه يتصرف فيه بالبيع وغيره فأولى إطعام نحو الهرة وأما المضحي فلما علم أيضا أن له التصرف بالأكل والصدقة وإطعام الغير وإطعام نحو الهرة من جملة ذلك وأما الغني المهدى إليه فلما علم أنه إباحة له وأنه كالضيف وقد صرحوا فيه أنه لا يجوز له التصدق ولا إطعام نحو الهرة ومما يؤيد ما ذكرته في المضحي قولهم يجوز له شرب ما فضل من لبن المنذورة عن ري ولدها وأن يسبقه غيره أي ولو ولد دابة أخرى فكما جاز له سقي الدابة كذلك يجوز له إطعام نحو الهرة وهو ظاهر وقوله ولا

 

ج / 4 ص -236-        يجوز له بيع شيء من أجزائها إلى قوله اهـ. ظاهر ومن ثم قلت في شرح العباب فرع مات المضحي وعنده شيء من لحم الأضحية الذي يجوز له أكله وإهداؤه لم يورث عنه لأنه ليس بمملوك له كما علم مما مر لكن لوارثه ولاية القسمة والتفرقة والإهداء والأكل كما كان له ذكره السبكي وغيره اهـ. وأما قوله ولا يشكل ذلك بما في فتاوى القفال وتعليله دفع الإشكال بقوله لأن الميت حين موته إلخ فتخيل الأشكال بذلك بعيد كما يعلم من سوق كلام القفال وعبارة شرح العباب ومحل ذلك أي جواز الأكل للمضحي إذا ضحى عن نفسه فلو ضحى عن غيره بإذنه كميت أوصى بذلك فليس له ولا لغيره من الأغنياء الأكل منه وبه صرح القفال في الميت وعلله بأن الأضحية وقعت عنه أي الميت فلا يحل له أي المضحي الأكل منها إلا بإذنه أي الميت وقد تعذر فيجب التصدق عنه بجميعها واعتمد ابن الرفعة وغيره وعبارة المطلب هل يقوم وارثه مقامه في جواز الأكل والإهداء نظرا إلى أنها تطوع أو نقول قد صارت واجبة الذبح بعد الموت يتخرج على الوجهين في المنذورة أو يتعين صرف الجميع للفقراء لأنها حسبت عليهم من الثلث محل نظر والأقرب الأخير انتهت وفيه بسط مهم ذكرته في حاشية الإيضاح انتهت عبارة الشرح المذكور وبها يعلم ظهور الفرق بين المضحي إذا مات وبين الميت المضحى عنه فإن الأول كانت له ولاية التفرقة والأكل والإهداء فثبت كل ذلك لوارثه وأما الثاني فلم يكن له من ذلك شيء فلم يثبت لوارثه شيء منه لما ذكر.
ولما ذكره ابن الرفعة من أن هذه حسبت على الفقراء من الثلث أي إذا أوصى بها فصارت جميعها مستحقة لهم وورثة الميت الموصى لا يجوز لهم أخذ شيء من ثلثه الموصي به وكذلك الوصي لئلا يتحد القابض والمقبض وأما الأغنياء فلأن الوصايا إنما تنصرف إلى الفقراء غالبا فلم يجز صرف شيء إليهم أيضا وأما قوله فلو كان ورثته أو بعضهم صغارا إلخ فإن أراد بهم ورثة الميت المضحى عنه فغير صحيح لما علمت أن وارثه لا يجوز له الأكل منها لوجوب صرف جميعها للفقراء كما علمته من عبارة ابن الرفعة المذكورة وقوله في حكاية كلام القفال بغير إذنه لم يقله القفال كذلك على هذا الوجه وإنما علل عدم جواز أكل المضحي وغيره من الأغنياء بأن الأضحية وقعت عن الميت فلا يحل الأكل منه إلا بإذنه وهو متعذر فيجب التصدق بها عنه وقوله بالقسط لئلا يضيع إلخ فيه نظر إذ التقسيط ليس بواجب وخشية الضياع ليست هي المبيحة للأكل لما يأتي وقوله ممنوع فيما يظهر ظاهر لكن تعليله بقوله للتعلق اللازم إلخ ممنوع إذ التعلق اللازم لا يمنع الإرث ألا ترى أن الدين والحقوق المتعلقة بعين التركة لا يمنع انتقالها للورثة وإن حجر عليهم في التصرف فيها حتى لو قضوا الدين من غيرها بأنها على ملكهم ولو بيعت فيه كانت زوائدها من حين الموت إلى وقت البيع ملكا لهم.
وقوله والظاهر جوازه إلخ هو كذلك لا لما ذكره فحسب بل لما علم من كلامهم وصرحوا به من زوال ملك المضحى عنها وعدم إرثها عنه وإن الثابت للوارث إنما هو ولاية التفرقة وجواز الأكل فالمورث ليس إلا

 

ج / 4 ص -237-        الولاية والجواز المذكوران فقط كما هو صريح كلامهم فأما الولاية فيخلف الوارث المحجور فيها وليه لعدم تأهله لها وأما جواز الأكل فلا يمكن أن ينوب عنه فيه غيره بل هو باق له بمعنى أن للوارث أن يطعمه منها لا أنه يتعين عليه ذلك وإذا خلفه وليه في ولاية التفرقة ولم يتعين عليه إطعامه وحده فله أن يطعمه وأن يطعم غيره. فعلم بما قررته أن جواز إطعام الولي غير المولى عليه منه اهـ. وصريح كلامهم ولا نظر للتعليل الذي ذكره المصنف لأنه قابل للمنع إذ لا نسلم أن حل أكل المضحى منها رخصة إذ لا يصدق عليه حدها المقرر في الأصول لأنه لم يتغير بل هو ثابت قبل النسخ وبعده لأنهما لم يتواردا على جواز الأكل من حيث هو كما يوهمه كلام المصنف وأتم اهـ. ما متواردات على جواز الادخار منها بعد ثلاث فأما حله قبل ثلاث وحل الأكل مطلقا فلم يقع فيه نسخ مطلقا فتأمله وعلى التنزل فلا نسلم أن الصدقة هي الأصل فيها لأن الحكم إذا نسخ امتنع النظر إليه مطلقا فلا يعمل بما دل عليه ولا بما أشار إليه وأيضا فالمنظور إليه فيها بطريق الذات إنما هو إراقة الدم لأنه المجمع عليه.
وأما الصدقة فوقع الخلاف في وجوبها كما مر وعلى الوجوب فهي بجزء غير تافه فهذه كلها صرائح في منع ما ذكره السائل نفع الله سبحانه وتعالى به وأما التعليل الصحيح والمأخذ الظاهر فهو ما ذكرته واستنبطته من كلامهم وحررته فلا مساغ في العدول عنه وقوله فالظاهر جواز أكله إلخ إنما يتجه على ما قاله جمع فيمن أوصى إلى إنسان بتفرقة ثلثه على نفسه وغيره من أنه يجوز له أن يعطي نفسه وانتصر له الزركشي وغيره وأما على المعتمد أنه لا يجوز لاتحاد القابض والمقبض فلا يجوز له هنا أن يأخذ لنفسه شيئا لاتحادهما ولا نظر لكونه نائب المالك لأن الوصي أيضا نائب المالك وقد منع من ذلك على أن نيابته عنه تقوي ذلك الاتحاد الممنوع فإن قلت فما الفرق بينهما قلت يفرق بأنه بالنسبة للمضحي كالكلإ المباح إذ لا ولاية لأحد عليه فلم يكن فيه اتحاد وأما بالنسبة لنائب المالك فلا لأنه مال يلي تفرقته غير المالك وقد صار النائب وكيلا عن ذلك الولي فإذا أخذ منه كان مقبضا عن غيره وقابضا لنفسه فتأمل ذلك ليظهر لك أن تعليل جواز الاتحاد بكونه نائب المالك في غاية البعد وأنه من تعليل الشيء بما يبطله ويرده وقوله نعم الظاهر إلخ بعيد جدا لأنه بعد أن جوز له الأكل كيف يمنعه من الادخار ويعلل ذلك بأنه لا حق له فيها وهل هذا إلا التناقض البين لأن قوله لا حق له فيها يبطل ما قاله من جواز أكله وتعليله جواز أكله بأنه كغيره يبطل ما قاله من منعه من الادخار فتفطن لذلك وقوله بل يترك ما يراه صلاحا للمولى عليه إلخ يقتضي أن ذلك كله واجب عليه وليس كذلك لما مر بدليل أنه يجوز له التصدق بكلها وإنه لا حق للمولى عليه فيه إلا ولاية التفرقة فقط فاندفع قوله فيترك وقوله يتصدق وقوله ميز وقوله وزع إن أراد أن ذلك واجب عليه نعم وقوله إن رآه يشعر بعدم الوجوب لكن لا مطلقا بل إن لم يره فإن رآه لحاجة محجوره إليه لزمه وليس ببعيد وقوله وإذا ضحى الولي الخ اعلم أنهم استثنوا من منع التضحية عن الغير صورا منها تضحية الولي

 

ج / 4 ص -238-        من ماله عن محاجيره ذكره جماعة منهم الولي أبو زرعة عن شيخه الإمام البلقيني وهو أخذه من مقتضى كلام الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه في الأم ومن مقتضى قول الماوردي ولا يجوز لولي الطفل والمجنون أن يضحي عنهما من أموالهما قال فمفهومه جوازه من ماله.
اهـ. وبنحو عبارة الماوردي هذه عبر النووي في مجموعه فليستدل بها أيضا وجرى شيخ الإسلام صالح البلقيني على ما مر عن والده في تتمته وتدريبه فقال الثانية الولي إذا ضحى من ماله عن الذي تحت حجره من الأطفال والسفهاء والمجانين فمقتضى نص الشافعي في الأم الجواز اهـ. إذا تقرر ذلك فقضية ما مر في منع المضحي عن الميت من أكل شيء منها لأنها انتقلت إلى الميت وإذنه متعذر أن الولي هنا إذا ضحى عن موليه من ماله لا يجوز له أكل شيء منها لأنها انتقلت للمحجور وإذنه متعذر فالوجه ما قاله شيخ السائل نفع الله سبحانه وتعالى بهما وبمددهما لا هو وبعض أئمة اليمن لما علم مما تقرر أن تضحية الولي عن موليه متضمنة لانتقالها إليه شرعا وإن لم يكن أبا ولا جدا فإن قلت قضية الانتقال إليه أن لا يجوز التصدق بشيء منها قلت ليس الانتقال إليه هنا إلا لتحصيل ثوابها توسعة في تحصيل طرقه ولا يتم ذلك إلا بالتصدق منها وبما تقرر فارق ما هنا ما قالوه فيما لو أصدق الولي عن محجوره أو دفع الثمن عنه ثم ارتفع ذلك العقد لأن ذلك من العقود المالية فأدير عليه حكمها وما هنا القصد به كما تقرر الثواب فوسع له في طرق تحصيله كما وسع للميت في ذلك لكن إن أذن له في الحياة على المعتمد لأنه كان من أهل الإذن بخلاف المحجور الصغير والمجنون مطلقا وألحق بهما من جن أو سفه بعد كماله طرد اللباب وقوله أقول فأما إلخ الأوجه الفرق بين العقيقة والتضحية فللأب إذا عق عن ولده الأكل منها لأن الأب مخاطب بها أصالة فهي بالنسبة إليه كضحية نفسه ومن ثم صرحوا بأنه يجوز له الأكل من العقيقة كما له الأكل من أضحية نفسه وأما التضحية عن طفله فهي غير مخاطب بها وإنما وسع له فيها تحصيلا للثواب لموليه لأنها فداء عن نفس المولى لا يعود على الأب منه شيء فتمحض النفع للمولي والوقوع عنه بخلاف العقيقة فإن نفعها من كون الولد بسببها يشفع لأبيه كما قاله أئمة مجتهدون أمر خاص بالولي لعود نفعه عليه فلم يكن كالمضحي عن الغير وإنما هو كالمضحي عن نفسه كما صرحوا به فعلم الجواب عن ترديدات السائل نفع الله سبحانه وتعالى به على أنه لو استحضر تصريحهم بأن للعاق أن يأكل من العقيقة كالأضحية عن نفسه. وأن الضحية عن الغير لا يجوز للمضحي الأكل منها ومن تأمل حكم ذلك وعللها التي قررتها لم يبد تلك الترديدات ولزالت عنه تلك الظلمة أزال الله سبحانه وتعالى عنا وعنه ظلم نفوسنا وحظوظنا وبوأنا منازل شهوده ومعاليها إلى أن نلقاه راضيا عنا بمنه وكرمه إنه الجواد الكريم الرءوف الرحيم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا اشتركا في سبعي بدنة هل يمتنع كاشتراكهما في شاتين أو يفرق؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله: الظاهر أنه لا فرق كما

 

ج / 4 ص -239-        أفتى به بعضهم ويحتمل الفرق بأنه يمكن في الشاتين استقلال كل بإراقة دم كامل فلم يجز له المشاركة فيه وإن حصل من مجموع الشركتين لكل دم لأنه دم ملفق وهو لا يجزئ مع القدرة على عدم التلفيق وأما في السبعين من البدنة فالتفليق حاصل في دمها سواء أجعلنا كل سبع عن واحد وسبعا عن اثنين وسبعا عن آخر فإن قلت هذا فرق ظاهر فما بالك قلت إن الأول هو الظاهر قلت لأنهم نزلوا كل سبع منزلة شاة ولم ينظروا إلى ما ذكر ألا ترى أنهم قالوا لو كان بعض المشتركين في البدنة يريد اللحم وبعضهم يريد الضحية أو الهدي الواجب أو المندوب أجبر حتى لو أراد بعضهم محرما ما لم يمنع مريد المندوب أو الواجب فظهر أنهم منزلون كل سبع منزلة شاة فما قالوه في الشاتين من منع الاشتراك يأتي في السبعين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة فهل يحصلان أو لا ابسطوا الجواب؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين أنه لا تداخل في ذلك لأن كلا من الأضحية والعقيقة سنة مقصودة لذاتها ولها سبب يخالف سبب الأخرى والمقصود منها غير المقصود من الأخرى إذ الأضحية فداء عن النفس والعقيقة فداء عن الولد إذ بها نموه وصلاحه ورجاء بره وشفاعته وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كل منهما فلم يمكن القول به نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد وسنة الظهر وسنة العصر وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد وذلك حاصل بصلاة غيرها وكذا صوم نحو الاثنين لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة وذلك حاصل بأي صوم وقع فيه وأما الأضحية والعقيقة فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح والكلام حيث اقتصر على نحو شاة أو سبع بدنة أو بقرة أما لو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أسباب منها ضحية وعقيقة والباقي كفارات في نحو الحلق في النسك فيجزي ذلك وليس هو من باب التداخل في شيء لأن كل سبع يقع مجزيا عما نوي به وفي شرح العباب لو ولد له ولدان ولو في بطن واحدة فذبح عنهما شاة لم يتأد بها أصل السنة كما في المجموع وغيره وقال ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافا اهـ. وبهذا يعلم أنه لا يجزي التداخل في الأضحية والعقيقة من باب أولى لأنه إذا امتنع مع اتحاد الجنس فأولى مع اختلافه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

"باب العقيقة"
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى به ما حكم حلق ما تحت الذقن؟ "فأجاب" رحمه الله تبارك وتعالى بقوله حلق ما تحت الحلق من اللحية مكروه كما في شرح المهذب عن

 

ج / 4 ص -240-        الغزالي وعبارته قال الغزالي تكره الزيادة في اللحية والنقص وهو أن يزيد في شعر العذارين من شعر الصدغين إذا حلق رأسه وينزل فيحلق بعض العذارين قال كذلك جانبي العنفقة وغير ذلك فلا يغير شيئا وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تبارك وتعالى لا بأس بحلق ما تحت حلقه من لحيته ولا بنقص ما زاد عنها على قبضة اليد ويرو نحوه عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنهم وطاوس وما ذكرناه أولا هو الصحيح انتهت عبارة شرح المهذب وهي صريحة كما ترى في كراهة حلق ما تحت الحلق من اللحية بخلاف ما تحت الحلق من غير اللحية كالشعر النابت على الحلقوم فإنه لا يكره حلقه كما أفهمه تقييد النووي كالغزالي بقولهما من اللحية لكن قال النووي في شرح المهذب قبل ذلك وأما الأخذ من شعر الحاجبين إذا طالا فلم أر فيه شيئا لأصحابنا وينبغي أن يكره لأنه تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى لم يثبت فيه شيء فكره وذكر بعض أصحاب أحمد أنه لا بأس به قال وكان أحمد رضي الله تعالى عنه يفعله وحكي أيضا عن الحسن البصري اهـ. فقضية تعليله ما بحثه من الكراهة بأنه تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى كراهة حلق ما تحت اللحية وغيرها إلا أن يفرق بأن التغيير في الحاجبين لمزيد ظهورهما ووقوع المواجهة بهما أقبح منه في حلق ما تحت الحلق من غير اللحية فلذا كره الأخذ من شعر الحاجبين ولم يكره حلق ما تحت الحلق من غير اللحية.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى ما حكم حناء يدي الرجل ورجليه؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله حكم حناء يدي الرجل ورجليه أنه لغير ضرورة حرام على المعتمد عند النووي وغيره لأنه من زينة النساء وقد لعن صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتشبهين بالنساء وبهذا يرد على من اختار أنه لا يحرم مطلقا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى ما حكم المكاتبات بجمال الدين وتقي الدين ونور الدين إذا كان الملقب بذلك فاسقا ابسطوا الجواب؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه لا حرج في المكاتبات بنحو جمال الدين وتقي الدين ولو لفاسق اشتهر بالتلقب بذلك لأن القصد باللقب حينئذ مجرد التعريف لا حقيقة مدلوله لأن تلك لا يلاحظها إلا واضع ذلك اللقب وأما بعد الوضع فليس القصد به ذلك ألبتة وبذلك يعلم أن الإنسان لو وضع ابتداء لفاسق التلقيب بنحو تقي الدين حرم عليه لأنه كاذب في ذلك ما لم يقصد به مجرد التعريف دون حقيقة مدلوله فحينئذ لا حرمة كما هو ظاهر وإن لم أر من صرح بشيء من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه هل تستحب العقيقة عن السقط مطلقا أو يفرق بين من ظهرت فيه أمارة التخلق من تخطيط وغيره؟ "فأجاب" نفع الله تبارك وتعالى بعلومه المسلمين بأن العقيقة إنما تسن عن سقط نفخت فيه الروح كما جريت عليه في شرحي

 

ج / 4 ص -241-        الإرشاد والعباب تبعا للزركشي وأما ما لم تنفخ فيه الروح فهو جماد لا يبعث ولا ينتفع به في الآخرة فلا تسن له عقيقة بخلاف ما نفخت فيه فإنه حي يبعث في الآخرة وينتفع بشفاعته وقد قال جماعة من السلف من لم يعق عن ولده لا يشفع له يوم القيامة فأفهم ما ذكرته من أن العقيقة تابعة للولد الذي يشفع وهو من نفخت فيه الروح فكذلك يقيد ندبها بمن نفخت فيه الروح، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل العبرة في العقيقة ببلد الولد أو العاق عنه؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله يحتمل أن تعتبر ببلد الولد تخريجا على الفطرة ثم رأيت ما يؤيده وهو قول البلقيني ويعق الكافر عن ولده المسلم كفطرته قلته تخريجا ويحتمل أن العبرة ببلد العاق لأنه هو المخاطب بها ويفارق الزكاة بأنها مواساة فكانت أعني بلد المؤدى عنه ملتفتا إليها دون بلد المؤدي فاختصت ببلد المؤدى عنه وأما العقيقة فليست كذلك لعدم وجوبها واختصاصها بأصناف الزكاة فالأعين لا تطلع إليها فلم يعتبر فيها بلد الولد بل العاق لأن الأعين إن فرض أن لها نوع تطلع فإنما تطلع لبلده وإنما لم ينظر لهذا الفرق في مسألة البلقيني لأن النظر إلى التخرج فيها يترتب عليه المواساة للمستحقين فكان أولى من عدمه لأنه يترتب عليه عدم إيجاب شيء بالكلية وأما هنا فالسنية متفق عليها وإنما التردد في أي المحال أولى بالإخراج وبلد العاق أولى به للمعنى الذي قررناه والظاهر أنه لو أخر أو أرسل إلى بلد الولد وفعلت فيها أجزأت ثم إذا بلغته بعد مضي يوم السابع من الولادة فهل الأفضل فعلها عقب بلوغ الخبر أو يوم السابع منه أو الثالث كل محتمل والأقرب الأول ويقاس بالعقيقة فيما مر الأضحية والوليمة بأنواعها التي ذكروها فالعبرة فيهما على الأقرب ببلد المضحي والمولم زوجا كان أو غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن قراءة سورة الأنعام إلى قوله تبارك وتعالى:
{وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]، يوم يعق عن المولود هل لذلك أصل خبر أو أثر أو لا؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله لا أعلم لذلك أصلا خبرا ولا أثرا والظاهر أنه من مبتدعات العوام الجهلة الطغام فينبغي الانكفاف عنه وتحذير الناس منه ما أمكن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عن حكم خضب اليدين والرجلين بالحناء للرجال فإن بعض العلماء صنف مصنفا في تحريمه على الرجال وتحريمه مشهور في كبار المصنفات وصغارها وبعضهم صنف مصنفا في إباحته لهم وبسط فيه وقال إن الرافعي والنووي رحمهما الله تبارك وتعالى لم يكن لهما ولا لمن بعدهما حجة ظاهرة في تحريمه فتفضلوا بإيضاح الحق في ذلك وهل أحد سبق العجلي إلى القول بتحريمه أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله

 

ج / 4 ص -242-        سبحانه وتعالى بعلومه بقوله: قد وصل إلينا بمكة المشرفة هذا المؤلف الثاني فرأيته مشتملا على عجائب الغلط وغرائب الشطط وبدائع الافتراء وقبائح الجدال والمراء وادعاء الاجتهاد والتصميم على الخطإ والعناد والتشنيع القبيح على أئمة المذهب المتقدمين والمتأخرين ورميهم بالزور والبهتان وزعم أنهم توالوا على الخطإ مئين من السنين فلذلك شمرت له ساعد الهتك وأهويته مكانا سحيقا من أودية الهلاك والشك وألفت في رد جميع مخترعاته الفاسدة وبضاعته الكاسدة تأليفا شريفا في فنه حافلا وكتابا منيفا رافلا مؤيدا بالدلائل القواطع والبراهين السواطع فسيف ذلك المعاند في معاركة المقامع وقطع منه أعناق الأعناق ومطايا المطامع وألجأه إلى أضيق الطرق وأوعر المسالك وأنبأه بما حواه تأليفه من الخرافات الحوالك كما أنبأ عن ذلك كله رسمه وعلمه واسمه إذ هو شن الغارة على من أظهر معرة تقوله في الحناء وعواره، وحاصل بعضه المتعلق بالسؤال والمزيل للإشكال أن تحريم الحناء على الرجال بلا ضرورة دلت عليه الأحاديث الصحيحة والنصوص الصريحة وهو مذهب الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه وجعل جنات المعارف متقلبه ومثواه صريحا واستنباطا وتابعه عليه أصحابه مجانبين تفريطا وإفراطا فقد نقل النووي رحمه الله تبارك وتعالى وهو الثقة العدل في أجل كتبه وأعلاها وهو شرح المهذب أن الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه نص في مختصر المزني على تحريم الحناء للرجال وتابعه عليه أصحابه رحمهم الله تبارك وتعالى وهذا أمر ظاهر جلي قاطع للنزاع ومظهر لخطإ المعترضين وإنهم وقعوا في هوة مقابلة النصوص بالسباق من غير تثبت وتأمل إلى الامتناع من الانقياد والمبادرة بالدفاع فعليهم أن يرجعوا لنص إمامهم الذي عليه جميع أصحابه وأن يعترفوا بأن تحريمه هو الحق الذي قر في نصابه وأن ما كانوا عليه من الحل بان خطله وانحرافه وزلله فإن تمادوا على العناد آبوا بخزي عظيم يوم التناد أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك وأعاذنا من جميع المهالك بمنه وكرمه آمين.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عن قراءة سورة الإخلاص في أذن المولود اليسرى لها أصل أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله نعم لها أصل رواه رزين في مسنده.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عن حديث "خير الأسماء ما عبد وما حمد" هل له أصل؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله: لم أر هذا اللفظ حديثا وإنما الذي في الحديث أحب الأسماء إلى الله تبارك وتعالى ما تعبد له.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل يجوز التسمية بعبد النبي؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله المعتمد حرمة ذلك وما أشبهه بل نقل ذلك بعض المحققين عن الأكثرين فقال ومنع الأكثرون التسمية بعبد النبي.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل ورد في تسريح اللحية والقراءة عنده شيء؟.

 

ج / 4 ص -243-        "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله أخرج البيهقي كان صلى الله عليه وسلم يكثر القناع يعني التطليس ويكثر دهن رأسه ويسرح لحيته بالماء، والترمذي كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته والخطيب كان يسرح لحيته بالمشط وأما القراءة عند تسريحها فلم يرد فيها حديث ولا أثر قاله الحافظ السيوطي.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن حديث دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبيض الرأس واللحية فقال:
"ألست مسلما"، قال بلى قال: "فاختضب"، من أخرجه فأجاب نفع الله تعالى بعلومه المسلمين بقوله أخرجه أبو يعلى في مسنده.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن سرح لحيته ورأسه كل ليلة عوفي من أنواع البلاء من رواه؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله رواه أبو تمام في فوائده وفيه من حسنه بعضهم وروى عنه ابن حبان لكن قال أبو نعيم إنه منكر بمرة وتبعه ابن الجوزي فعده في الموضوعات.
"وسئل" رحمه الله تعالى بما لفظه نهى رسول الله أن يمتشط أحدنا كل يوم من أخرجه؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عن حديث "من سعادة المرء خفة لحيته" من رواه؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله رواه الطبراني والخطيب وضعفه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقيل إن فيه تصحيفا وإنما هو خفة لحييه بذكر الله حكاه الخطيب.
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى عن حديث "من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا كان هو ومولوده في الجنة"، من رواه؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله رواه أحمد وغيره قال الحافظ السيوطي وسنده عندي على شرط الحسن.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن خبر إن لله تعالى ملائكة سياحين عبادتهم كل دار فيها اسم محمد هل هو ثابت وما معناه؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله ليس بثابت وإنما ذكره في الشفاء ومعناه عبادتهم بالباء الموحدة حفظ أو رؤية كل دار فيها ذلك الاسم الشريف والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الأطعمة
"وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى مسخ آدمي بقرة مثلا فهل يحل أكله؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله قال الطحاوي يحل وقضية مذهبنا خلافه ويدل له حديث أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم نزل بأرض كثيرة الضباب فطبخوا منها فقال

 

ج / 4 ص -244-        صلى الله عليه وسلم: "إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب فأخشى أن تكون هذه فأكفئوها"، وجمع بين هذا وإذنه في الأكل منه بحمل ذاك على أول الأمر حين تجويزه أن يكون من الممسوخ فحينئذ أمر بإكفاء القدور وتوقف ولم يأمر ولم ينه فيها بشيء وحمل الإذن على علمه أنها ليست من الممسوخ وكراهيته له إنما كانت تقذرا وفيها دليل على الكراهة لمن يتقذره ونقل صاحب العباب إنه قال الحل بعيد في مسألة السؤال عملا بأصل الذات المحرمة وعنه أنه بحث الحل في مسخ حلال محرما عملا بالأصل ونظر فيه بأن صورته صورة محرم فكيف ينظر إلى أصله وتغليبهم التحريم في المتولي بين حرام وحلال يؤيد الحرمة وأخذ من ذلك أنه لو غصب طعاما فقلبه ولي دما ثم عاد إلى حاله لم يحل أكله بغير إذن المغصوب منه احتراما لمال الغير قيل وقضية قولهم لو قتل الولي بحاله لا يقتل أنه لا ضمان عليه هنا بقلبه دما مثلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه عمن ابتلي بأكل نحو الأفيون وصار إلا لم يأكل منه هلك هل يباح له حينئذ أكله أم لا؟ "فأجاب" عفا الله تبارك وتعالى عنه بقوله إذا علم علما قطعيا بقول الأطباء أو التجربة الصحيحة الصادقة أنه لا دافع لخشية هلاكه إلا أكله من نحو الأفيون القدر الذي اعتاده أو قريبا منه حل له أكله بل وجب عليه لأنه مضطر إليه في بقاء روحه فهو حينئذ كالميتة في حق المضطر إليها بخصوصها وقد صرح بذلك جماعة مع وضوحه نعم أشار شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى شيء حسن يتعين اعتماده وهو أنه يجب على متعاطي ذلك السعي في قطعه بالتدريج بأن يقلل مما اعتاده كل يوم قدر سمسمة فإن نقصها لا يضره قطعا فإذا استمر على ذلك لم تمض إلا مدة قليلة وقد زال تولع المعدة به ونسيته من غير أن تشعر ولا تستضر لفقده فبهذا أمكن زواله وقطعه فهو وسيلة إلى إزالة ذلك المحرم في ذاته وإن وجب تعاطيه لأن الوجوب لعارض لا ينافي الحرمة الذاتية كما أن تناول المضطر للميتة واجب في حقه لعروض الاضطرار مع بقائها في حد ذاتها على وصف الحرمة الذاتي لها وما كان وسيلة إلى إزالة المحرم يكون واجبا فوجب فعل هذا التدريج ومن ترك ذلك فهو عاص آثم فاسق مردود الشهادة ولا عذر له في دوام تعاطيه إن أوجبناه عليه في الحالة الراهنة لبقاء روحه فتأمل ذلك فإن كثيرين من المخذولين بالابتلاء بهذه الخصلة القبيحة الشنيعة يتمسكون بدوام ما هم عليه من المقت والمسخ المعنوي بأنهم نشئوا فيه وتمكن منهم فصار تعاطيه واجبا عليهم وجواب ذلك أنه كلام حق أريد به باطل لأنا نقول لهم لئن سلمنا لكم ما قلتموه هو لا يمنع أنه يجب عليكم السعي في قطعه وزوال ضرره ومسخه لأبدانكم وأديانكم وعقولكم ومحصولكم ولقد أخبرني بعض العارفين أنه يمكن قطع الأفيون في سبعة أيام بدواء بره بعض الأطباء بل أخبرني بعض طلبة العلم الصلحاء إنه كان مبتلى منه في كل يوم بمقدار كثير فساءه حاله وتعطل عليه عقله وقاله وأدرك أنه المسخ الأكبر والقاتل الأكبر والمزيل لكل أنفة ومروءة

 

ج / 4 ص -245-        وأدب ورياسة والمحصل لكل ذلة ورذيلة وبذلة ورثاثة وخساسة قال فذهبت إلى الملتزم الشريف وابتهلت إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حزين ودموع وأنين وحرقة صادقة وتوبة ناصحة وسألت الله تبارك وتعالى أن يمنع ضرر فقده عني ثم ذهبت إلى زمزم وشربت منها بنية تركه وكفاية ضرر فقده فلم أعد إليه بعد ذلك ولم أجد لفقده ضررا بوجه مطلقا اهـ. وصدق في ذلك وبر فإن شغف النفوس عند فقده وظهور علامات الضرر عليها إنما هو لعدم خلوص نباتها وفساد طوياتها وبقاء كمين تشوفها إليه وتعويلها عليه فلم تجد حينئذ ما يسد محله من الكبد فيعظم ضرر فقده حينئذ وأما من عزم عزما صادقا على تركه وتوسل إليه سبحانه وتعالى في ذلك بصدق نية وإخلاص طوية فلا يجد لتركه ألما بحول الله تعالى وقوته.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن ابتلاع قموع النبق وهو الكين هل يحل إذ ليس بضار ولا قذر أم لا وكذلك النوى مع التمر هل يحل ابتلاعه معه أيضا أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إن ابتلاع نوى نحو التمر أو النبق جائز حيث لا ضرر فيه بخلاف نحو التراب فإنه مضر غالبا فيحرم مطلقا وإذا جاز أكل دود نحو الفاكهة والجبن الميت فيه معه وإن سهل تمييزه كما قالوه خلافا لمن غلط فيه فأولى هذا ولا نظر إلى أن هذا من جنس ما يشق تمييزه بخلاف ذاك لأن نوى بعض الفاكهة قد يشق تمييزه فهو مثله أو قريب منه فإن قلت صرحوا بحرمة أكل الجلد المدبوغ فما الفرق قلت الفرق واضح لأنه بالاندباغ انتقل إلى طبع الثياب ولم يبق من جنس المأكول ولا من توابعه بوجه بخلاف النوى فإنه من جنس المأكول ألا ترى أنه يعلف به الدواب ومن توابعه ألا ترى أن بعض النوى له خصوصيات نافعة كما قاله الأطباء فاتجه أنه حيث علم أنه لا ضرر فيه أنه يجوز ابتلاعه.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن أكل لحم الصدف الموجود في مليبار هل يحل أكله أو لا وفيه الصغير والكبير والكبير يكون مثل صدف اللؤلؤ والصغير يكون مدورا وهل هو الدنيلس أو حكمه حكمه وفي لحمه الذي يكون فيه السرطان الصغير هل يجوز أكله معه أو لا إذا طبخ معه وهل يكون حكمه حكم الدود المتولد من المأكول أو لا وفي لحمه سواد يقول بعض الناس إنه خرؤه هل يجوز أكله معه أو لا وهل السرطان مما لا نفس له سائلة أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله الكلام على ذلك يستدعي تحرير الحكم في حيوان البحر والذي في الروضة وأصلها أنه حلال إلا ما يعيش منه في البر بأن يكون فيه عيشه غير عيش مذبوح وإلا الضفدع والتمساح والسرطان والسلحفاة وكذا النسناس على أحد وجهين رجحه غيرهما والذي في المجموع بعد أن ذكر ذلك قلت الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع ويحمل ما ذكره الأصحاب أو بعضهم من

 

ج / 4 ص -246-        السلحفاة والحية والنسناس على غير ما في البحر وفي موضع آخر منه يحل عندنا كجمع من الصحابة والتابعين ومالك وأحمد رضي الله تبارك وتعالى عنهم كل ميتات البحر غير الضفدع اهـ. فعلى ما في المجموع في هذين الموضعين يحل كل أنواع الصدف سواء صغيره وكبيره وسواء السرطان والدنيلس وغيره كالترسة والسلحفاة إلا ما ثبت فيه سمية وعلى ما في الروضة وأصلها وهو المنقول المعتمد يحرم السرطان وسائر أنواع الصدف مما يعيش في البر أيضا واختلفوا في الدنيلس وهو صدف صغير صورته صورة اللوز في باطنه لحم فيه نقطة سوداء فأفتى الشمس ابن عدلان وعلماء عصره وغيرهم بحله قالوا لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه وأفتى ابن عبد السلام بتحريمه وقال هذا مما لا يرتاب فيه سليم العقل واختلف المتأخرون أيضا فمن رجح ما قاله ابن عبد السلام البدر الزركشي ووجهه بأنه أصل السرطان لتولده منه كما ذكره أهل المعرفة بالحيوان وصرحوا بأنه من أنواع الصدف كالسلحفاة. اهـ. وممن رجح ما قاله ابن عدلان وأهل عصره الكمال الدميري فقال متعرضا لرد كلام الزركشي لم يأت على تحريمه دليل وما نقل عن ابن عبد السلام من الإفتاء بتحريم أكله لم يصح وقد أفتى بعض فقهاء عصرنا بتحريم أكله وهذه عبارة من فقد نص الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه على أن حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه يؤكل لعموم الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، اهـ. وفيه نظر وهذا لا يرد ما قاله الزركشي كابن عبد السلام لأن الآية والحديث مخصوصان بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وقد صرح الأصحاب بأن لحم السرطان خبيث وهو متولد من الدنيلس كما علمت نقله عن أهل المعرفة بالحيوان ويؤيده قول بعض اللغويين إن الضفدع يتولد من اللحم الذي في الدنيلس والضفدع خبيث أيضا فعلى كل من قولي تولد الضفدع والسرطان منه هو لا يتولد منه إلا خبيث فليكن خبيثا وإذا ثبت خبثه حرم بنص الآية فالأولى لمن أراد أكله تقليد مالك وأحمد رضي الله تبارك وتعالى عنهما فإنهما يريان حل جميع ميتات البحر كما مر نقله في المجموع عنهما وأهل مصر يأكلون الدنيلس ويبيعونه من غير نكير فلعلهم جارون على إفتاء ابن عدلان ومن عاصره فالحق أنه لا يخلو عن خبث وإن تجنب أكله أولى وإن لم يثبت أن ما فيه من السواد خرؤه على أن ما قبل أنه خرؤه لا أصل له وإلحاقه بالدود المتولد من المأكول بعيد جدا إذ لا جامع بينهما بوجه فإن علة حل أكل الدود عسر تمييزه عما خالطه وأما الدنيلس ونحوه فالمحرمون لذلك يحكمون على جميع عينه بالنجاسة والتحريم لما تقرر من خبثه فحينئذ هو لم يخالط غيره حتى يعفى عنه والسرطان له نفس سائلة وألحقوه بالضفدع ولا ينافيه قول الدميري إنه لا يتخلق بتوالد ونتاج إنما يتخلق في الصدف ثم يخرج منه لأنه لا يلزم من نفي التوالد والنتاج عدم الدم لكن جرى جماعة من أصحابنا على أن الضفدع لا نفس له سائلة فيجري ذلك في السرطان ومع ذلك ما قاله هؤلاء ضعيف.

 

ج / 4 ص -247-        "وسئل" رحمه الله تبارك وتعالى هل يحل أكل البطارخ؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى ببركته وعلومه المسلمين بقوله نعم لأنه بيض السمك كما صرحوا به ولا ينافيه قول الجواهر ولا يحل أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه لأنه في أكل السمكة كلها مع ما في جوفها من النجاسة بخلاف البطارخ فإنه يشق جوفها ثم يخرج منه لكن محل هذا إن لم يعلم مماسته لنجاسة الجوف فإن علمت وجب غسله قبل أكله فإطلاق بعضهم حرمة البطارخ استدلالا بعبارة الجواهر هذه غلط ثم عبارتها محمولة على سمك كبار لما في الروضة في الصغار أنه يجوز أكلها قبل شق أجوافها لعسر تتبع ما فيها.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل ورد النهي عن الحجامة في بعض الأيام والأمر بها في البعض؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته بقوله نعم ورد بل صح النهي عنها يوم الجمعة والسبت والأحد والأربعاء وفي روايات أخر أن يوم الثلاثاء يوم الدم وإن فيه ساعة لا ينقطع فيها الدم وأنه يخشى منها يوم الأربعاء والسبت البرص وأن في يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات وصح الأمر بها يوم الخميس والاثنين، والله سبحانه وتعالى أعلم.