الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب الصيام
وهو شرعا: إمساك عن أشياء مخصوصة بنية في زمن معين من شخص مخصوص.
صوم شهر رمضان أحد أركان الإسلام وفروضه فرض
في السنة الثانية من الهجرة فصام رسول الله
صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات والمستحب قول
شهر رمضان ولا يكره رمضان بإسقاط شهر ويجب
صومه برؤية هلاله فإن لم ير مع الصحو كملوا
عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا وإن حال دون
منظره غيم
ج /
1 ص -303-
أو قتر أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان لم
يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان
ثلاثين نصا ولا تثبت بقية توابعه واختاره
الشيخ وأصحابه وجمع والمذهب يجب صومه بنية
رمضان حكما ظنيا بوجوبه احتياطا لا يقينا
ويجزيه أن بان منه وتصلى التراويح ليلته إذن
احتياطا للسنة وتثبت بقية توابعه من وجوب
كفارة بوطء فيه ونحوه وما لم يتحقق أنه من
شعبان ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال
ووقوع المعلقات وغيرها وإن نواه بلا مستند
شرعي كحساب ونجوم أو مع صحو فبان منه لم يجزئه
ويأتي وكذا لو صام تطوعا فوافق الشهر لم يجزئه
لعدم التعيين وإن رأى الهلال نهار فهو لليلة
المقبلة قبل الزوال أو بعده أول الشهر أو آخره
فلا يجب به صوم ولا يباح به فطر وإذا ثبتت
رؤية الهلال بمكان قريبا كان أو بعيدا لزم
الناس كلهم الصوم وحكم من لم يره حكم من رآه
ولو اختلف المطالع نصا ويقبل فيه قول عدل واحد
لا مستور ولا مميز في غيم والصحو ولو في جمع
كثير وهو خبر فيصام بقوله ويقبل فيه المرأة
والعبد ولا يعتبر لفظ الشهادة ولا يختص بحاكم
فيلزم الصوم من سمعه من عدل قال بعضهم: ولو رد
الحاكم قوله والراد إذا لم ير الحاكم الصيام
بشهادة واحد ونحوه وتثبت بقية الأحكام من وقوع
الطلاق وحلول الآجال وغيرها تبعا ولا يقبل في
بقية الشهور إلا رجلان عدلان وإذا صاموا
بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال
أفطروا لا إن صاموا بشهادة واحد وإن صاموا
ثمانية وعشرون يوما ثم رؤا الهلال
ج /
1 ص -304-
قضوا يوما فقط نصا وإن صاموا لأجل غيم ونحوه
لم يفطروا فلو غم هلال شعبان ورمضان وجب أن
يقدر رجب وشعبان ناقصين: ولا يفطروا حتى يروا
الهلال أو يصوموا اثنين وثلاثين يوما وكذا
الزياد إن غم الهلال رمضان وشوال وأكملنا
شعبان ورمضان وكانا ناقصين قال الشيخ: قد
يتوالى شهران وثلاثة وأكثر ثلاثين ثلاثين وقد
يتوالى شهران وثلاثة وأكثر تسعة وعشرين يوما
وفي شرح مسلم للنووي لا يقع النقص متواليا في
أكثر من أربعة أشهر وقال الشيخ أيضا: قول من
يقول أن رؤى الهلال صبيحة ثمان وعشرين فالشهر
تام وإن لم ير فهو ناقص وهذا بناء على أن
الإستسرار لا يكون إلا ليلتين وليس بصحيح بل
قد يستتر ليلة تارة وثلاث ليال أخرى ومن رأى
هلال شهر رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم
وجميع أحكام الشهر من طلاق وعتق وغيرهما
معلقين به ولا يفطر إلا مع الناس وإن رأى هلال
شوال وحده لم يفطر وقال ابن عقيل: يجب الفطر
سرا وهو حسن والمنفرد برؤيته بمفازة ليس بقربه
بلد يبني على يقين رؤيته لأنه لا يتيقن مخالفة
الجماعة قاله المجد في شرحه وينكر على من أكل
في رمضان ظاهرا وإن كان هناك عذر قاله القاضي
وقيل لابن عقيل يجب منع مسافر ومريض وحائض من
الفطر ظاهرا لئلا يتهم؟ فقال إن كانت أعذار
خفية منع من إظهاره كمريض لا أمارة له ومسافر
لا علامة عليه وإن رآه عدلان ولم يشهدا عند
الحاكم جاز لمن سمع شهادتهما الفطر إذا عرف
عدالتها ولكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا
عرف
ج /
1 ص -305-
عدالة الآخر وإن شهدا عند الحاكم فرد شهادتهما
لجهله بحالهما فلم نعلم عدالتهما الفطر لأن
ردهما هنا ليس بحكم منه إنما هو توقف لعدم
علمه فهو كالوقوف عن الحكم انتظارا للبينة
ولهذا لو ثبتت عدالتهما بعد ذلك حكم بها وإن
لم يعرف أحدهما عدالة الآخر لم يجز له الفطر
إلا أن يحكم بذلك حاكم وإذا اشتبهت الأشهر على
أسير أو مطمور أو من بمفازة ونحوهم تحرى وجوبا
وصام: فإن وافق الشهر أجزأه وكذا ما بعده إن
لم يكن رمضان السنة القابلة فإن كان فلا يجزى
عن واحد منهما وإن تبين أن الشهر الذي صامه
ناقص ورمضان تمام لزمه قضاء النقص ويأتي في
حكم القضاء ويقضي يوم عيد وأيام التشريق وإن
وافق قبله لم يجزه وإن تحرى وشك هل وقع قبله
أو بعده أجزأه ولو صام شعبان ثلاث سنين
متاوالية ثم علم ـ صام ثلاثة أشهر شهرا على
أثر شهر كالصلاة إذا فاتته وإن صام بلا اجتهاد
فكمن خفيت عليه القبلة وإن ظن الشهر لم يدخل
فصام لم يجزه ولو أصاب وكذا لو شك في دخوله.
فصل ولا يجب الصوم إلا على مسلم
عاقل بالغ قادر عليه فلا يجب على كافر ولو
مرتدا والردة تمنع صحة الصوم فلو ارتد في يوم
ثم أسلم فيه أو بعده أو ارتد في ليلته ثم أسلم
فيه ـ فعليه القضاء ولا يجب على مجنون ولا يصح
منه ولا على صغير ويصح من مميز ويجب على وليه
أمره به إذا أطاقه وضربه حينئذ عليه إذا تركه
ليعتاده وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء
النهار لزمه الإمساك ولو بعد فطرهم والقضاء
وإن أسلم كافرا أو أفاق مجنون أو بلغ صغير ـ
فكذلك وكل من أفطر والصوم يجب عليه كالمفطر
لغير عذر ومن أفطر يظن أن
ج /
1 ص -306-
الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو الشمس قد غابت
ولم تغب أو الناسي النية أو طهرت حائض أو
نفساء أو تعمدت الفطر ثم حاضت أو تعمده مقيم
ثم سافر أو قدم مسافر أو برئ مريض مفطرين ـ
فعليهم القضاء والإمساك وإن بلغ الصغير بسن أو
احتلام صائما أتم صومه ولا قضاء عليه إن نوى
من الليل: كنذر إتمام نفل ولا يلزم من أفطر في
صوم واجب غير رمضان الإمساك وإن علم مسافر أنه
يقدم غدا لزمه الصوم نصا بخلاف صبي يعلم أنه
يبلغ غدا لعدم تكليفه ومن عجز عن الصوم لكبر
أو مرض لا يرجى برؤه أفطر لعدم وجوبه عليه
وأطعم عن كل يوم مسكينا ما يجزى في كفارة ولا
يجزى أن يصوم عنه غيره وإن سافر أو مرض فلا
فدية لأنه أفطر بعذر معتاد ولا قضاء وإن قدر
على القضاء فكمعضوب أحج عنه ثم عوفي ولا يسقط
الإطعام بالعجز ويأتي قريبا والمريض إذا خاف
ضررا بزيادة مرضه أو طوله ولو بقول مسلم ثقة
أو كان صحيحا فمرض في يومه أو خاف مرضا لأجل
عطش أو غيره ـ سن فطره وكره صومه وإتمامه فإن
صام أجزأه ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم كمن
به جرب أو وجع ضرس أو إصبع أو دمل ونحوه وقال
الآجري: من صنعته شاقة فإن خاف تلفا أفطر وقضى
فإن لم يضره تركها أثم وإلا فلا ومن قاتل عدوا
أو أحاط العدو ببلده والصوم يضعفه ساغ له
الفطر بدون سفر نصا ومن به شبق يخاف أن ينشق
ذكره ـ جامع وقضى ولا يكفر نصا وإن اندفعت
شهوته بغيره كالاستمناء بيده أو يد زوجته أو
جاريته ونحوه
ج /
1 ص -307-
لم يجز وكذا إن أمكنه ألا يفسد صوم زوجته
المسلمة البالغة بأن يطأ زوجته أو أمته
الكتابيتين أو زوجته أو أمته الصغيرتين أو دون
الفرج وإلا جاز للضرورة ومع الضرورة إلى وطء
حائض وصائمة بالغ فوطء الصائمة أولى وإن لم
تكن بالغا وجب اجتناب الحائض وإن تعذر قضاءه
لوان شبقه فككبير عجز عن الصوم على ما تقدم
وحكم المريض الذي ينتفع بالجماع حكم من خاف
تشقق فرجه والمسافر سفر قصر يسن له الفطر إذا
فارق بيوت قريته كما تقدم في القصر ويكره صومه
ولو لم يجد مشقة ويجزئه لكن لو سافر ليفطر
حرما عليه ولا يجوز لمريض ومسافر أبيح لهما
الفطر أن يصوما في رمضان عن غيره: كمقيم صحيح
فيلغو صومه ولو قلب صوم رمضان إلى نفل لم يصح
له النفل وبطل فرضه ومن نوى الصوم في سفر فله
الفطر بما شاء من جماع وغيره لأن من له الأكل
له الجماع ولا كفارة لحصول الفطر بالنية قبل
الفعل وكذا مريض يباح له الفطر وإن نوى الحاضر
صوم يوم ثم سافر في أثنائه طوعا أو كرها فله
الفطر: بعد خروجه لا قبله والأفضل له الصوم
والحامل والمرضع إذا خافتا الضرر على أنفسهما
أو ولديهما أبيح لهما الفطر وكره صومهما ويجزئ
إن فعلتا وإن أفطرتا قضتا ولا إطعام إن خافتا
على أنفسهما كمريض بل إن خافتا على ولديهما
أطعمتا مع القضاء عن كل يوم مسكينا ما يجزئ في
الكفارة وهو على من يمون الولد على الفور وإن
قبل الولد المرضع ثدي غيرها وقدرت تستأجر له
ما يستأجر منه ـ فعلت ولم تفطر وله صرف
ج /
1 ص -308-
الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة وحكم الظئر
كموضع فيما تقدم فإن لم تفطر فتغير لبنها أو
نقص خير المستأجر وإن قصدت الإضرار أثمت وكان
للحاكم إلزامها بالفطر بطلب المستأجر ولا يسقط
الإطعام بالعجز وكذا عن الكبير والمأيوس ولا
إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره غير كفارة
الجماع ويأتي ولو وجد آدميا معصوما في هلكة
كغريق لزمه مع القدرة إنقاذه وإن دخل الماء في
حلقه لم يفطر وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في
نفسه فأفطر فلا فدية: كالمريض ومن نوى الصوم
ليلا ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح
صومه وإن أفاق جزأ منه صح ومن جن في صوم قضاء
وكفارة ونحوهما قضاه بالوجوب السابق وإن نام
جميع النهار صح صومه ولا يلزم المجنون قضاء
زمن جنونه ويلزم المغمي عليه.
فصل ولا يصح صوم واجب إلا بنية من الليل
لكل يوم نية مفردة لأنها عبادات ولا يفسد يوم
بفساد آخر وكالقضاء ولو نوت حائض صوم غد وقد
عرفت أنها تطهر ليلا صح ولو نسي النية أو أغمي
عليه حتى طلع الفجر أو نوى نهارا صوم الغد ـ
لم يصح ولو نوى من الليل ثم أتى بعد النية فيه
بما يبطل الصوم لم تبطل ومن خطر بباله أنه
صائم غدا فقد نوى والأكل والشرب بنية الصوم
نية ويجب تعيين النية بأن يعتقد أنه يصوم من
رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته ولا يجب
معه نية الفريضة في فرضه ولا الوجوب في واجبه
فلو نوى إن كان غدا من رمضان فهو عنه وإلا فعن
واجب غيره وعينه
ج /
1 ص -309-
بنية ـ لم يجزئه عن واحد منهما وإن قال: وإلا
فهو نفل أو فأنا مفطر لم يصح وإن قاله ليلة
الثلاثين من رمضان صح ومن قال أنا صائم غدا إن
شاء الله: فإن قاصد بالمشيئة الشك والتردد في
العزم والقصد فسدت نيته وإلا لم تفسد إذا قصده
أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره
كما لا يفسد الإيمان بقوله أنا مؤمن إن شاء
الله غير متردد في الحال وكذا سائر العبادات
وإن لم يردد نيته بل نوى ليلة الثلاثين من
شعبان أنه صائم غدا من رمضان بلا مستند شرعي
أو بمستند غير شرعي كحساب ونحوه لم يجزئه وإن
بان منه ولا أثر لشك مع غيم وقتر ولو نوى خارج
رمضان قضاء ونفلا أو نوى الإفطار من القضاء ثم
نوى نفلا أو قلب نية القضاء إلى النفل ـ بطل
القضاء ولم يصح النفل لعدم صحت نفل من عليه
قضاء رمضان قبل القضاء وإن نوى قضاء وكفارة
ظهار ونحوه لم يصحا لما تقدم ومن نوى الإفطار
أفطر فصار كمن لم ينو لا كمن أكل فلو كان في
نفل ثم عاد نواه صح وكذا لو كان من نذر أو
كفارة فقطع نيته ثم نوى نفلا ولو قلب نية نذر
إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاة إلى نفلها
ولو تردد في الفطر أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى
أو إن وجد طعاما أكلت وإلا أتممت ونحوه ـ بطل:
كصلاة ويصح صوم نفل بينة من النهار قبل الزوال
وبعده ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت
النية: فيصح تطوع حائض طهرت وكافر أسلم في يوم
ولم يأكلا بصوم بقية اليوم.
ج /
1 ص -310-
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
وما يتعلق بذلك
من أكل ولو ترابا أو مالا يغذي ولا يماع في الجوف: كالحصى أو شرب أو
استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه أو
احتقن أو داوى الجائفة أو جرحا بما يصل إلى
جوفه أو اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور أو
إثمد ولو غير مطيب يتحقق معه وصوله إلى حلقه ـ
وإلا فلا ـ أو استقاء فقاء طعاما أو مرارا أو
بلغما أو دما أو غيره ولو قل أو أدخل إلى جوفه
أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه وباطن فرجها
وتقدم في الإستطابة إذا أدخلت إصبعها ونحو ذلك
مما ينفذ إلى معدته شيئا من أي موضع كان ولو
خيطا تبتلعه كله أو بعضه أو رأس سكين من فعله
أو فعل غيره بإذنه أو داوى المامومة أو استمنى
فأمنى أو مذي أو قبل أو لمس أو باشر دون الفرج
فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأمنى لا إن أمذى
أو لم يكرر النظر فأمنى أو حجم أو احتجم وظهر
دم لا إن جرح نفسه أو جرحه غيره بإذنه ولو يصل
إلى جوفه ولو بدل الحجامة ولا بفصد وشرط ولا
بإخراج دمه برعاف فلا يفطر غير قاصد الفعل كمن
طار إلى حلقه غبار ونحوه أو ألقى في ماء فوصل
إلى جوفه ولا ناء: فرضا كان الصوم أو نفلا ولا
مكره سواء أكره على الفعل حتى فعل أو فعل به:
بأن صب في حلقه مكرها أو نائما
ج /
1 ص -311-
كما لو أوجر المغمى عليه معالجة ويفطر بردة
وموت فيطعم من تركته في نذر وكفارة ويأتي وإن
دخل حلقه ذباب أو غبار طريق أو دقيق أو دخان
من غير قصد أو قطر في إحليله ولو وصل مثانته
أو فكر فأمنى أو مذى: كما لو حصل بفكر غالب أو
احتلم أو أنزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المنى
أو المذي لمرض أو سقطة أو خروجا من هيجان شهوة
من غير أن يمس ذكره أو أمنى نهارا من وطء ليل
أو ليلا من مباشرته نهار أو ذرعه القيء ولو
عاد إلى جوفه بغير اختياره لا إن عاد باختياره
أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه أو شق لفظه فبلعه
مع ريقه بغير قصد أو جرى ريقه ببقية طعام تعذر
رميه أو بلع ريقه عادة لا إن أمكن لفظه بقية
الطعام بأن تميز عن ريقه فبلعه عمدا ولو دون
حمصة أو اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء
في حلقه بلا قصد أو بلع ما بقي من أجزاء الماء
بعد المضمضة ـ لم يفطر وكذا إن زاد على الثلاث
في أحدهما أو بالغ فيه وإن فعلهما لغير طهارة:
فإن كان لنجاسة ونحوها فكالوضوء وإن كان عبثا
أو لحر أو عطش كره وحكمه حكم الزائد على
الثلاث وكذا إن غاص في الماء في غسل غير مشروع
أو إسراف أو كان عبثا ولو أراد أن يأكل أو
يشرب من وجب عليه الصوم في رمضان ناسيا أو
جاهلا وجب إعلامه على من رآه ولا يكره للصائم
الاغتسال ولو للتبرد لكن يستحب لمن لزمه الغسل
ليلا من جنب وحائض ونحوهما أن يغتسل قبل طلوع
الفجر الثاني فلو أخره واغتسل بعده صح صومه
وكذا إن أخره يوما لكن يأثم بترك الصلاة وإن
كفر بالترك
ج /
1 ص -312-
بطل صومه: بأن يدعى إليها وهو صائم فيأبى أو
بمجرد الترك من غير دعاء على قول الآجري وهو
ظاهر كلام جماعة وإن بصق نخامة بلا قصد من
مخرج الحاء المهملة لم يفطر ومن أكل ونحوه
شاكا في طلوع الفجر ودام شكه فلا قضاء عليه
وإن أكل يظن طلعه فبان ليلا ولم يجدد نية صومه
الواجب قضى وإن أكل ونحوه شاكا في غروب الشمس
ودام شكه لا ظانا ودام شكه ولو شك بعده ودام
أو أكل يظن بقاء النهار قضى وإن بان ليلا لم
يقض وإن أكل يظن أو يعتقد أنه ليل فبان نهار
في أوله أو آخره فعليه القضاء.
فصل وإذا جامع في نهار شهر رمضان بلا عذر
شبق ونحوه بذكر أصلي في فرج أصلي قبلا كان أو
دبرا من آدمي أو غيره حي أو ميت أنزل أم لا ـ
فعليه القضاء والكفارة: عامدا كان أو ساهيا أو
جاهلا أو مخطئا مختارا أو مكرها نصا سواء أكره
حتى فعل أو فعل به من نائم وغيره ولو أولج
بفرج أصلي أو غير أصلي في غير أصلي فلا كفارة
ولم يفسد صوم واحد منهما إلا أن ينزل وإن أولج
بغير أصلي في أصلي فسد صومها فقط لأن داخل
فرجها في حكم الباطن فيفسد بإدخال غير الأصلي
كإصبعها وأصبع غيرها وأولي وكلامهم هنا يخالفه
إلا أن نقول داخل الفرج في حكم الظاهر والله
أعلم والنزع جماع فلو طلع عليه الفجر وهو
مجامع فنزع في الحال مع أول طلوع الفجر فعليه
القضاء والكفارة: كما لو استدام ولو جامع
يعتقد ليلا فبان نهارا وجب القضاء والكفارة
ولا يلزم المرأة الكفارة مع العذر كنوم أو
ج /
1 ص -313-
إكراه ونسيان وجهل يفسد صومها بذلك وتلزمها
الكفارة مع عدم العذر ولو طاوعته أمته كفرت
بالصوم ولو أكره زوجته عليه دفعته بالأسهل
فالأسهل ولو أفضى ذلك إلى ذهاب نفسه: كالمار
بين يدي المصلي ذكر ابن عقيل واقتصر عليه في
الفروع ولو استدخلت ذكر نائم أو صبي أو مجنون
بطل صومها ولا تجب الكفارة بقبلة ولمس ونحوهما
إذا أنزل وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته
وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وإن جامع
دون الفرج عامدا فأنزل ولو مذيا أو أنزل مجبوب
أو امرأتان بمساحقة فسد الصوم ولا كفارة وإن
جامع في يومين من رمضان واحد ولم يكفر
فكفارتان: كما لو كفر عن اليوم الأول وكيومين
من رمضانين وإن جامع ثم جامع في يوم واحد قبل
التكفير فكفارة واحدة وإن جامع ثم كفر ثم جامع
في يومه فكفارة ثانية وكذا كل من لزمه الإمساك
يكفر لوطئه ولو جامع وهو صحيح جن أو مرض أو
سافر أو حاضت أو نفست بعد وطئها لم تسقط
الكفارة ولو مات في أثناء النهار بطل صومه فإن
كان نذرا وجب الإطعام من تركته وإن كان صوم
كفارة تخيير وجبت الكفارة في ماله ومن نوى
الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة وتقدم ولا
تجب بغير الجماع كأكل وشرب ونحوهما في صيام
رمضان أداء ويختص وجوب الكفارة برمضان لأن
غيره لا يساويه: فلا تجب في قضائه والكفارة
على الترتيب: فيجب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين فلو قدر على الرقبة في الصوم
لم يلزمه الانتقال لا إن
ج /
1 ص -314-
قدر قبله فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا
يحرم الوطء هنا قبل التكفير ولا في ليالي صوم
الكفارة فإن لم يجد سقطت عنه: كصدقة فطر بخلاف
كفارة حج وظهار ويمين ونحوها وإن كفر عنه غيره
بإذنه فله أكلها وكذا لو ملكه ما يكفر به.
باب ما يكره وما يستحب في الصوم وحكم القضاء
لا بأس بابتلاع الصائم ريقه على جاري العادة
ويكره أن يجمعه ويبتلعه فإن فعله قصدا لم يفطر
إن لم يخرجه إلى بين شفتيه فإن فعل أو انفصل
عن فمه ثم ابتلعه أو ابتلع ريق غيره أفطر وإن
أخرج من فيه حصاة أو درهما أو خيطا أو نحوه
وعليه من ريقه ثم أعاده فإن كان ما عليه كثير
فبلعه أفطر لا إن قل لعدم تحقق انفصاله ولا إن
أخرج لسانه ثم أعاده وبلع ما عليه ولو كان
كثيرا وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق
وتقدم وإن تنجس فمه ولو بخروج قيء ونحوه فبلعه
أفطر وإن قل وإن بصق وبقي فمه نجسا فبلع ريقه:
فإن تحقق أنه بلع شيئا نجسا أفطر وإلا فلا
ويحرم بلع نخامة ويفطر بها: سواء كانت من جوفه
أو صدره أو دماغه بعد أن تصل إلى فمه ويكره له
ذوق الطعام بلا حاجة وإن وجد طعمه في حلقه
أفطر ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء
فإن وجد طعمه في حلقه أفطر ويحرم مضغ ما يتحلل
منه أجزاء ولو لم يبتلع ريقه وتكره القبلة ممن
تحرك شهوته وإن ظن الإنزال حرم ولا تكره ممن
لا تحرم شهوته وكذا دواعي
ج /
1 ص -315-
الوطء كلها ويكره تركه بقية طعام بين أسنانه
وشم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه: كسحيق
مسك وكافور ودهن ونحوها ويحب اجتناب كذب وغيبة
ونميمة وشتم وفحش ونحوه كل وقت وفي رمضان
ومكان فاضل آكد قال أحمد: ينبغي للصائم أن
يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري ويصون صومه
ولا يغتب أحدا ولا يعمل عملا يخرق به صومه:
فيجب كف لسانه عما يحرم ويسن عما يكره ولا
يفطر بغيبة ونحوها وإن شتم سن قوله جهرا في
رمضان: إني صائم وفي غيره سرا يزجر نفسه بذلك.
فصل يسن تعجيل الإفطار
إذا تحقق الغروب وله الفطر بغلبة الظن وفطره
قبل الصلاة أفضل وتأخير السحور ما لم يخش طلوع
الفجر الثاني ويكره تأخير الجماع مع الشك في
طلوعه ولا الأكل والشرب قال أحمد: إذا شك في
الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه قال الآجري
وغيره: ولو قال لعاملين: أرقبا الفجر فقال
أحدهما: طلع وقال الآخر: لم يطلع ـ أكل حتى
يتفقا فتحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب وإن قل
وتمام الفضيلة بالأكل ويسن أن يفطر على رطب
فإن لم يجد فعلى التمر فإن لم يجد فعلى الماء
وأن يدعو عند فطره فإن له عند فطره دعوة لا
ترد ويقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت
سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع
العليم وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر
الصائم حكما وإن لم يطعم فلا يثاب على الوصال
ومن فطر صائما فله مثل أجره وظاهره أي شيء كان
وقال
ج /
1 ص -316-
الشيخ: المراد إشباعه ويستحب في رمضان الإكثار
من قراءة القرآن والذكر والصدقة ويستحب
التتابع فورا في قضائه ولا يجبان إلا إذا لم
يبق من شعبان إلا ما يتسع للقضاء فقط ولا يكره
القضاء في عشر ذي الحجة ويجب العزم على القضاء
في الموسع وكذا كل عبادة متراخية.
فصل ومن فاته رمضان كله
تاما كان أو ناقصا لعذر وغيره كالأسير
والمطمور وغيرهما قضى عدد أيامه: إبتدأه من
أول الشهر أو من أثنائه كأعداد الصلوات ويجوز
أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف وعكسه وإن كان
عليه معه صوم نذر لا يخاف فوته بدأ بقضاء
رمضان ويجوز تأخير قضائه ما لم يفت وقته وهو
إلى أن يهل رمضان آخر لا يجوز تأخيره إلى
رمضان آخر من غير عذر ويحرم التطوع بالصوم
قبله ولا يصح ولو اتسع الوقت فإن أخره إلى
رمضان آخر أو رمضانات فعليه القضاء وإطعام
مسكين لكي يوم ما يجزئ في كفارة ويجوز إطعامه
قبل القضاء ومعه وبعده والأفضل قبله وإن أخره
لعذر فلا كفارة ولا قضاء إن مات ومن دام عذره
بين الرمضانين ثم زال صام الرمضان الذي أدركه
ثم قضى ما فاته ولا إطعام كما لو مات قل زواله
فإن أخره لغير عذر فمات قبل رمضان آخر أطعم
عنه لكل يوم مسكين ولا يصام عنه لأن الصوم
الواجب بأصل الشرع لا يقضي عنه والإطعام من
رأس ماله أوصى به أولا ولا يجزئ صوم عن كفارة
عن ميت ولو أوصى به لكن لو مات بعد قدرته عليه
وقلنا الاعتبار بحال الوجوب ـ وهو المذهب ـ
أطعم عن ثلاثة مساكين لكل
ج /
1 ص -317-
يوم مسكين ولو مات وعليه صوم شهر من كفارة
أطعم عنه أيضا وكذا صوم متعة وإن مات وعليه
صوم منذور في الذمة ولم يصم منه شيئا مع
إمكانه ففعل عنه أجزأ عنه فإن لم يخلف تركة لم
يلزم الولي شيء لكن يسن له فعله عنه لتفرغ
ذمته: كقضاء دينه وإن خلف تركة وجب فيفعله
الولي بنفسه استحبابا فإن لم يفعل وجب من يدفع
من تركته إلى من يصوم عنه عن كل يوم طعام
مسكين ويجزئ فعل غيره عنه بإذنه وبدونه وإن
مات وقد أمكنه صوم بعض ما نذره قضى عنه ما
أمكنه صومه فقط ويجزئ صوم جماعة عنه في يوم
واحد عن عدتهم من الأيام وإن نذر صوم شهر
بعينه فمات قبل دخوله لم يصم ولم يقض عنه قال
المجد: وهو مذهب سائر الأئمة ولا أعلم فيه
خلافا وإن مات في أثنائه سقط باقيه فإن لم
يصمه لمرض حتى انقضى ثم مات في مرضه فعلى ما
تقدم فيما إذا كان في الذمة من أنه إن كان
أمكنه فعله قبل موته فعل عنه ولا كفارة مع
الصوم عنه أو الإطعام وإن مات وعليه حج منذور
فعل عنه ولا يعتبر تمكنه من الحج في حياته
وكذا العمرة المنذورة ويجوز أن يحج عنه حجة
الإسلام ولو بغير إذن وليه وله الرجوع على
التركة بما أنفق وإن مات وعليه اعتكاف منذور
فعل عنه فإن لم يمكنه فعله حتى مات فكالصوم
وإن كانت عليه صلاة منذورة فعلت عنه ولا كفارة
معه وطواف منذور كصلاة وأما صلاة الفرض فلا
تفعل عنه كقضاء رمضان.
ج /
1 ص -318-
باب صوم التطوع، وما يكره منه وذكر ليلة القدر
أفضله صوم يوم وإفطار يوم ويسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر والأفضل أن
تكون أيام البيض وهي: الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر وهو كصوم الدهر أي يحصل له أجر
صيام الدهر بتضعيف الأجر من غير حصول المفسدة
والله أعلم وسميت بيضا لابيضاضها ليلا بالقمر
ونهارا بالشمس ويسن صوم الاثنين والخميس وست
أيام من شوال ولو متفرقة فمن صامها بعد أن صام
رمضان فكأنما صام الدهر ولا تحصل الفضيلة
بصيامها في غير شوال وصوم التسع من ذي الحجة
وآكده التاسع وهو يوم عرفة إجماعا ثم الثامن ـ
وهو يوم التروبة ـ وصوم المحرم وهو أفضل
الصيام بعد شهر رمضان وأفضله يوم عاشوراء وهو
العاشر ثم تاسوعاء وهو التاسع ويسن الجمع
بينهما وإن اشتبه علينا أول الشهر صام ثلاثة
أيام ولا يكره إفراد العاشر بالصوم وهما آكده
ثم العشر ولم يجب صوم عاشوراء وعنه وجب ثم نسخ
اختاره الشيخ ومال إليه الموفق والشارح وصيام
يوم عاشوراء كفارة سنة وما روي في فضل
الاكتحال والإختضاب والاغتسال والمصافحة
والصلاة فيه فكذب وصيام يوم عرفة كفارة سنتين
قال في شرح مسلم عن العلماء: المراد كفارة
الصغائر فإن لم تكن رجى التخفيف من الكبائر
فإن لم تكن رفع له درجات ولا يستحب صيامه لمن
كان بعرفة من الحاج بل فطره أفضل
ج /
1 ص -319-
إلا لمتمتع وقارن عدما الهدي ويأتي ويكره
إفراد رجب بالصوم وتزول الكراهة بفطره ولو
يوما أو بصومه شهرا آخر من السنة قال المجد:
وإن لم يله ولا يكره إفراد شهر غيره وكل حديث
روي في فضل صوم رجب أو الصلاة فيه فكذب باتفاق
أهل العلم ويكره تعهد إفراد يوم الجمعة بصوم
وإفراد يوم السبت إلا أن يوافق عادة ويكره صوم
يوم الشك تطوعا ويصح أو بنية الرمضانية
احتياطا ـ وهو يوم الثلاثين من شعبان ـ إن لم
يكن في السماء علة ولو ير الهلال أو شهد به من
ردت شهادته إلا أن يوافق عادة أو يصله بصيام
قبله أو يصومه عن قضاء أو نذر ويكره إفراد يوم
نيروز ومهرجان ـ وهما عيدان للكفار وكل عيد
لهم أو يوم يفردونه بتعظيم إلا أن يوافق عادة
ويكره تقدم رمضان بيوم أو يومين ولا يكره أكثر
من يومين ويكره الوصال إلا للنبي صلى الله
عليه وسلم فمباح له وهو ألا يفطر بين اليومين
وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها وكذا بمجرد
الشرب ولا يكره الوصال إلى السحر ولكن ترك سنة
ـ وهي تعجيل الفطر ويحرم صوم يومي العيدين ولا
يصح فرضا ولا نفلا وكذا أيام التشريق إلا عن
دم متبعة وقران يأتي ويجوز صوم الدهر ولم يكره
إذا لم يترك به حقا ولا خاف منه ضررا ولم يصم
هذه الأيام فإن صامها فقد فعل محرما ومن دخل
في تطوع غير حج وعمرة استحب له إتمامها ولو
يجب لكن يكره قطعه بلا عذر وإن أفسده فلا قضاء
عليه وكذا لا تلزم الصدقة ولا الأذكار بالشروع
وإن دخل في فرض كفاية
ج /
1 ص -320-
أو واجب موسع كقضاء رمضان قبل رمضان الثاني
والمكتوبة في أول وقتها وغير ذلك كنذر مطلق
وكفارة ـ حرم خروجه منه بلا عذر بغير خلاف وقد
يجب قطعه لرد معصوم عن هلكة وإنقاذ غريق ونحوه
وإذا دعاه النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة
وله قطعها بهرب غريمه وقلبها نفلا وتقدم وإن
أفسده فلا كفارة ولا يلزمه غير ما كان قبل
شروعه ولو شرع في صلاة تطوع قائما لم يلزمه
إتمامها قائما وذكر القاضي وجماعة أن الطواف
كالصلاة في الأحكام إلا فيما خصه الدليل.
فصل وليلة القدر
شريفة معظمة ترجى إجابة الدعاء فيها وسميت
ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك
السنة وهي باقية لم ترفع وهي مختصة بالعشر
الأواخر من رمضان فتطلب فيه وليالي الوتر آكد
وأرجاها ليلة سبع وعشرين نصا وهي أفضل الليالي
حتى ليلة الجمعة ويستحب أن ينام فيها متربعا
مستندا إلى شيء نصا ويذكر حاجته في دعائه
ويستحب منه ما روت عائشة رضي الله عنها أنها
قالت: يا رسول الله إن وافقتها فيم أدعو؟ قال:
قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وتنتقل في العشر الأخير لا أنها ليلة معينة وحكي ذلك عن الأئمة
الأربعة وغيرهم فيمن قال لزوجته أنت طالق ليلة
القدر: إن كان قبل مضي ليلة أول العشر وقع
الطلاق في الليلة الأخيرة وإن مضى منه ليلة
وقع الطلاق في الليلة الأخيرة من العام المقبل
قال المجد: ويخرج حكم العتق واليمين على مسألة
الطلاق ومن نذر قيام ليلة القدر قام العشر
الأخير كله ونذره في أثنائه كطلاقه وأفضل
الشهور رمضان قال
ج /
1 ص -321-
الشيخ: ليلة الإسراء في حق النبي صلى الله
عليه وسلم أفضل من ليلة القدر وقال: يوم
الجمعة أفضل أيام الأسبوع وقال: يوم النحر
أفضل أيام العام وظاهر ما ذكره أبو حكيم أن
يوم عرفة أفضل قال في الفروع: وهو أظهر وعشر
ذي الحجة أفضل من العشر الأخير من رمضان ومن
أعشار الشهور كلها.
باب الاعتكاف وأحكام المساجد
وهو: لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ولو مميزا
طاهر مما يوجب غسلا وأقله ساعة فلو نذر
اعتكافا وأطلق أجزأته ولا يكفي عبوره ويستحب
ألا ينقص عن يوم وليلة ويسمى جوارا قاله ابن
هبيرة ولا يحل أن يسمي خلوة قال في الفروع
ولعل الكراهة أولى وهو سنة كل وقت إلا أن
ينذره فيجب على صفة ما نذر ولا يختص بزمان
وآكده في رمضان وآكده العشر الأخير منه وإن
علقه أو غيره من التطوعات بشرط فله شرطه نحو:
لله علي أن أعتكف شهر رمضان إن كنت مقيما أو
معاف فلو كان فيه مريضا أو مسافرا لم يلزمه
شيء ويصح بغير صوم: إلا أن يقول في نذره بصوم
وبه أفضل فيصح في ليلة منفردة وفي بعض يوم وإن
كان مفطرا وإذا لم يشترط الصوم في نذره فصام
ثم أفطر عامدا بغير عذر لم يبطل اعتكافه ولم
يلزمه شيء ومن نذر أن يعتكف صائما أو يصوم
معتكفا أو باعتكاف أو يعتكف مصليا أو يصلي
معتكفا لزمه الجمع: كنذر صلاة
ج /
1 ص -322-
بسورة معينة لكن لا يلزمه أن يصلي جميع الزمان
إذا نذر أن يعتكف مصليا والمراد ركعة أو
ركعتان وإن نذر اعتكاف عشر رمضان الأخير فنقص
أجزأه بخلاف نذره عشرة أيام من آخر الشهر فنقص
فيقضي يوما وإن نذر أن يعتكف رمضان ففاته لزمه
شهر غيره ولا يلزمه الصوم ولا يجوز الاعتكاف
للمرأة والعبد بدون إذن زوج وسيد فإن شرعا فيه
بغير إذن فلهما تحليلهما ولو نذرا فإن لم
يحللاهما صح وأجزأ وإن كان بإذن فلهما
تحليلهما إن كان تطوعا وإن كان نذرا ولو غير
معين فلا ولو رجعا بعد الإذن قبل الشروع جاز
والإذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذرا زمنا
معينا بالإذن وإلا فلا وأم الولد والمدبر
والمعلق عتقه بصفة كعبد وللمكاتب أن يعتكف بلا
إذن سيده وله أن يحج بغير إذنه ما لم يحل نجم
ولا يمنع من إنفاق المال في الحج ومن بعضه حر:
عن كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف ويحج في
نوبته بلا إذنه وإلا فلسيدة منعه وإذا اعتكفت
المرأة استحب لها أن تستتر بخباء ونحوه وتجعله
في مكان لا يصلي فيه الرجال ولا بأس أن يستتر
الرجال أيضا ولا يصح الاعتكاف إلا بنية: فإن
كان فرضا لزمه نية الفرضية وإن نوى الخروج منه
أي نوى إبطاله بطل إلحاقا له بالصلاة والصيام
ولا يبطل بإغماء ولا يصح من رجل تلزمه الصلاة
جماعة إلا في مسجد تقام فيه ولو من رجلين
معتكفين أن أتى عليه فعل الصلاة زمن اعتكافه
وإلا صح في كل مسجد وإن كانت تقام فيه بعض
الزمان جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمن فقط ولا
يصح في
ج /
1 ص -323-
مسجد تقام فيه الجمعة دون الجماعة وظهره
ورحبته المحوطة وعليها باب نصا ومنارته التي
بابها فيه ـ منه وكذا ما زيد حتى في الثواب في
المسجد الحرام وكذا مسجد النبي صلى الله عليه
وسلم عند الشيخ وابن رجب وجمع وحكي عن السلف
وخالف فيه ابن عقيل و ابن الجوزي وجمع قال في
الفروع: وهو ظاهر كلام أصحابنا وتوقف أحمد ولو
اعتكف من لا تلزمه الجمعة في مسجد لا تصلى فيه
بطل بخروجه إليها إن لم يشترط والأفضل
الاعتكاف في المسجد الجامع إذا كانت الجمعة
تتخلله وللمرأة ومن لا تلزمه الجماعة كالمريض
والمعذور ومن في قرية لا يصلى فيها غيره
الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها وهو ما
اتخذته لصلاتها ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في
مسجد غير الثلاثة فله فعله في غيره وإن نذره
في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ومسجد
النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى فإن
عين الأفضل منها في نذره لم يجزئه فما دونه
وعكسه بعكسه وإن نذره في غير هذه المساجد
وأراد الذهاب إلى ما عينه فإن احتاج إلى شد
رحل خير وإن دخل فيه ثم انهدم معتكفه ولم يمكن
المقام فيه لزم إتمامه في غيره ولم يبطل ومن
نذر اعتكافه شهر أو عشر يعينه كالعشر الأخير
من رمضان أو أراد ذلك تطوعا ـ دخل معتكفه قبل
ليلته الأولى وخرج بعد آخره ولو نذر يوما
معينا أو مطلقا دخل قبل فجره الثاني وخرج بعد
غروب شمسه ولم
ج /
1 ص -324-
يجز تفريقه لساعات من أيام فلو كان في وسط
النهار فقال: لله علي أن أعتكف يوما من وقتي
هذا لزمه من ذلك الوقت إلى مثله ولا يدخل
الليل وكل زمان معين يدخل قبله ويخرج بعده وإن
اعتكف رمضان أو العشر الأخير منه استحب أن
يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى
المصلى وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع
نصا وحكمه في دخول معتكفه وخروجه منه كما تقدم
ويكفي شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثون يوما
بلياليها وإن ابتدأ الثلاثين في أثناء النهار
فتمامه في مثل تلك الساعة من الليلة الحادية
والثلاثين وإن نذر أياما أو ليالي معدودة فله
تفريقها إن لم ينو التتابع ونذر اعتكافه يوم
لا تدخل ليلته وكذا عكسه وإن نذر شهرا متفرقا
فله تتابعه وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة
لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار وإن نذر
اعتكاف يوم يقدم فلان فقدم في بعض النهار لزمه
اعتكاف الباقي منه ولم يلزمه شيء فإن كان
للناذر عذر يمنعه الاعتكاف عند قدوم فلان من
حبس أو مرض قضى وكفر ويقضي بقية اليوم فقط.
فصل من لزمه تتابع اعتكاف
لم يجز له الخروج إلا لما لا بد منه: كحاجة
الإنسان: من بول وغائط وقيء بغتة وغسل متنجس
يحتاجه والطهارة عن حدث لا التجديد وله
تقديمها ليصلي بها أول الوقت ويتوضأ في المسجد
بلا ضرر فإذا خرج فله المشي على عادته من غير
عجلة وقصد بيته إن لم يجد مكانا يليق به لا
ضرر عليه فيه
ج /
1 ص -325-
ولا منة: كسقاية لا يحتشم مثله منها ولا نقص
عليه ويلزمه قصد أقرب منزليه وإن بذل له صديقه
أو غيره منزله القريب لقضاء حاجته لم يلزمه
للمشقة بترك المروئة والإحتشام ويخرج ليأتي
بمأكول مشروب يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به
ولا يجوز خروجه لأجل أكله وشربه في بيته وله
غسل يده في إناء من وسخ وزفر ونحوهما ليفرغ
خارج المسجد ولا يجوز أن يخرج لغسلهما ويخرج
للجمعة إن كانت واجبة عليه أو شرط الخروج
إليها وله التبكير إليها وإطالة المقام بعدها
ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب ويستحب له سرعة
الرجوع بعد الجمعة وكذا إن تعين خروجه لإطفاء
حريق وإنقاذ غريق ونحوه ولنفير متعين إن أحتيج
إليه ولشهادة تعين عليه أداؤها فيلزمه الخروج
ولخوف من فتنة على نفسه أو حرمته أو ماله نهبا
وحريقا ونحوه ولمرض يتعذر معه المقام أو لا
يمكنه إلا بمشقة شديدة بأن يحتاج إلى خدمة أو
فراش ولا يبطل اعتكافه: كحائض ومريض وخائف أن
يأخذه السلطان ظلما فخرج واختفى وإن أخرجه
لاستيفاء حق عليه: فإن أمكنه الخروج منه بلا
عذر بطل اعتكافه وإلا فلا لوجوب الخروج وإن
خرج من المسجد ناسيا لم يبطل ويبني إذا زال
العذر في الكل فإن أخر الرجوع إليه مع إمكانه
بطل ما مضى كمرض وحيض وتخرج المرأة لوجود حيض
ونفاس فترجع إلى بيتها
ج /
1 ص -326-
فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وإن كان له رحبة
غير محوطة يمكنها ضرب خباء فيها بلا ضرر ـ سن
إن لم تخف تلويثا فإذا طهرت دخلت المسجد ولعدة
وفاة ونحوها مما يجب الخروج له ولا تمنع
المستحاضة الاعتكاف ويجب عليها أن تتحفظ
وتتلجم لئلا تلوث المسجد فإن لم يمكن صيانته
منها خرجت منه ـ ولا يعود مريضا ولا يشهد
جنازة ولا يجهزها خارج المسجد إلا بشرط أو
وجوب وكذا كل قربة لا تتعين كزيارة وتحمل
شهادة وأدائها وتغسيل ميت وغيره وإن شرط ماله
منه بدو لي بقربة كالعشاء في منزله والمبيت
فيه جاز له فعله: لا إن شرط الوطء أو الفرجة
أو النزهة أو الخروج للبيع والشراء للتجارة أو
التكسب بالصناعة في المسجد وإن قال: متى مرضت
أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه وله السؤال عن
المريض والبيع والشراء في طريقه إذا خرج لما
لا بد منه: ما لم يعرج أو يقف لمسألته وله
الدخول إلى مسجد يتم اعتكافه فيه إن كان أقرب
إلى مكان حاجته من الأول وإن كان أبعد أو خرج
إليه ابتداء بلا عذر بطل اعتكافه فإن كان
المسجدان متلاصقين بحيث يخرج من أحدهما فيصير
في الآخر فله الإنتقال من أحدهما إلى الآخر
وإن كان يمشي بينهما في غيرهما لم يجز له
الخروج وإن قرب وإن خرج لما لا بد منه خروجا
معتادا كحاجة الإنسان وطهارة من الحدث والطعام
والشراب والجمعة والحيض والنفاس فلا شيء فيه
وإن خرج لغير معتاد كنفير وشهادة واجبة وخوف
من فتنة ومرض ونحو ذلك ولم يتطاول فهو على
اعتكافه ولا يقضي الوقت الفائت بذلك لكونه
يسيرا وإن تطاول
ج /
1 ص -327-
فإن كان الاعتكاف تطوعا خير بين الرجوع وعدمه
وإن كان واجبا وجب عليه الرجوع إلى معتكفه ثم
لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدهما: نذر اعتكاف
أيام غير متتابعة ولا معينة فيلزمه أن يتم ما
بقي عليه لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من
أوله ولا كفارة ـ الثاني: نذر أياما متتابعة
غير معين فيخير بين البناء على ما مضى بأن
يقضي ما بقي من الأيام عليه كفارة يمين وبين
الاستئناف بلا كفارة ـ الثالث نذر أياما
معينة: كالعشر الأخير من رمضان فعليه قضاء ما
ترك وكفارة يمين وإن خرج جميعه لما له منه بد
مختارا عمدا أو مكرها بحق بطل وإن قل ثم إن
كان في متتابع بشرط أو نية استأنف ولا كفارة
وإن كان مكرها بغير حق أو ناسيا فقد تقدم وإن
كان في معين متتابع كنذر شعبان متتابعا أو في
معين ولو يقيده بالتتابع استأنف وكفر ويكون
القضاء والاستئناف في الكل على صفة الأداء
فيما يمكن ويحرم عليه الوطء فإن وطء في فرج
ولو ناسيا فسد اعتكافه ولا كفارة للوطء بل
لإفساد نذره وإن باشر دون الفرج لغير شهوة فلا
بأس ولشهوة حرم فإن أنزل فكوطء فيفسد وإلا فلا
وإن سكر ولو ليلا أو ارتد بطل اعتكافه ولايبني
لأنه غير معذور وإن شرب ولم يسكر أو أتى كبيرة
لم يفسد ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب
واجتنابه ما لا يعينه من جدال ومراء وكثرة
كلام وغيره لأنه مكروه في غيره ففيه أولى ولا
بأس أن تزوره زوجته وتتحدث معه وتصلح رأسه أو
غيره ما لم يتلذذ بشيء منها وله أن يتحدث مع
من يأتيه ما لم يكثر ويأمر بما يريد خفيفا
ج /
1 ص -328-
لا يشغله ولا يبع ولا يشتري إلا ما لا بد له
منه: طعام أو نحو ذلك وليس الصمت من شريعة
الإسلام قال ابن عقيل: يكره الصمت إلى الليل
قال الموفق و المجد: ظاهر الأخبار تحريمه وجزم
به في الكافي وإن نذره لم يف ولا يجوز أن يجعل
القرآن بدل من الكلام وتقدم في صلاة التطوع
وقال الشيخ: إن قرأ بعد الحكم الذي أنزل له أو
ما يناسبه فحسن كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا}
وقوله عند ما أهمه:
{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}
ولا يستحب له إقراء القرآن وتدريس العلم
ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث فيه
ونحو ذلك مما يتعدى نفعه لكن فعله لذلك أفضل
من الاعتكاف لتعدي نفعه ولا بأس أن يتزوج في
المسجد ويشهد النكاح لنفسه وغيره ويصلح بين
القوم ويعود المريض ويصلي على الجنائز ويهنئ
ويعزي ويؤذن ويقيم كل ذلك في المسجد ويستحب له
ترك لبس رفيع الثياب والتلذذ ما يباح له قبل
الاعتكاف ولا ينام إلا عن غلبة ولو مع قرب
الماء وألا ينام مضطجعا بل متربعا مستندا ولا
يكره شيء من ذلك ولا بأس بأخذ شعره وأظفاره
وأن يأكل في المسجد ويضع سفرة يسقط عليها ما
يقع عنه لئلا يلوث المسجد ويكره أن يتطيب.
فصل يجب بناء المساجد في الأمصار والقرى
والمحال ونحوها حسب الحاجة وأحب البلاد إلى
الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها
ومن بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة
وعمارة المساجد
ج /
1 ص -329-
ومراعاة أبنيتها مستحبة ويسن أن يصان كل مسجد
عن كل وسخ وقذر وقذارة ومخاط وتقليم أظافر وقص
شارب وحلق رأس ونتف إبط وعن رائحة كريهة من
بصل وثوم وكراث ونحوها فإن دخله آكل ذلك أو من
له صنان أو بخر ـ قوي أخرجاه وعلى قياسه إخراج
الريح من دبره فيه ومن بزاق ولو في هوائه وهو
فيه خطيئة فإن كانت أرضه حصباء ونحوها
فكفارتها دفنها وإلا مسحها بثوبه أو غيره ولا
يكفي تغطيتها بحصير وإن لم يرها فاعلها لزم
غيره إزالتها بدفن أو غيره فإن بدره البزاق
أخذه بثوبه وحكه ببعضه وإن كان من حائطه وجب
أيضا إزالتها ويسن تخليق موضعه وتحرم زخرفته
بذهب أو فضة وتجب إزالته ويكره بنقش وصبغ
وكتابة وغير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته
غالبا وإن كان من مال الوقف حرم ووجب الضمان
وفي الغنيمة: لا بأس بتجصيصه انتهى أي: يباح
تجصيص حيطانه أي: تبيضها وصححه الحارثي ولم
يره أحمد وقال: هو من زينة الدنيا ويصان عن
تعليق مصحف وغيره في قبلته دون وضعه بالأرض
ويحرم فيه البيع والشراء والإجارة للمعتكف
وغيره فإن فعل فباطل ويسن أن يقال له: لا أربح
الله تجارتك ولا يجوز التكسب فيه بالصنعة
كخياطة وغيرها قليلا كان أو كثيرا لحاجة
وغيرها ولا يبطل بهن الاعتكاف فلا يجوز أن
يتخذ المسجد مكانا للمعايش وقعود الصناع
والفعلة فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع
البضائع فيه ينتظرون من يشتريها وعلى ولي
الأمر منعهم من ذلك وإن وقفوا خارج أبوابه فلا
بأس قال أحمد: لا أرى
ج /
1 ص -330-
لرجل إذا دخل المسجد إلا أن يلزم نفسه الذكر
والتسبيح فإن المساجد إنما بنيت لذلك وللصلاة
فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه ويجب أن يصان
عن عمل صنعة ولا يكره اليسير لغير التكسب كرقع
ثوبه وخصف نعله: سواء كان الصانع يراعي المسجد
بكنس ونحوه أو لم يكن ويحرم للتكسب كما تقدم
إلا الكتابة فإن أحمد سهل فيها ولم يسهل في
وضع النعش فيه قال الحارثي: لأن الكتابة نوع
تحصيل للعلم فهي في معنى الدراسة ويخرج على
ذلك تعليم الصبيان الكتابة فيه بشرط أن لا
يحصل ضرر بحبر وما أشبه ذلك ويسن أن يصان من
صغير لا يميز لغير مصلحة وعن مجنون حال جنونه
وعن لغط وخصومة وكثرة حديث لاغ ورفع صوت
بمكروه وظاهر هذا أنه لا يكره إذا كان مباحا
أو مستحبا وعن رفع الصبيان أصواتهم بالعب
وغيره وعن مزامير الشيطان: الغناء والتصفيق
والضرب بالدفوف ويمنع فيه اختلاط الرجال
والنساء وإيذاء المصلين وغيره بقول أو فعل
ويمنع السكران من دخوله ويمنع نجس البدن من
اللبث فيه وتقدم في الغسل قال ابن عقيل: ولا
بأس بالمناظرة في مسائل الفقه والاجتهاد في
المساجد إذا كان القصد طلب الحق فإن كان
مغالبة ومنافرة دخل في حيز الملاحاة والجدال
فيما لا ينعني ولم يجز في المساجد انتهى ويباح
فيه عقد النكاح والقضاء وللعان والحكم وإنشاد
الشعر المباح ويباح للمريض أن يكون في المسجد
وأن يكون في خيمة وإدخال البعير فيه ويصان عن
حائض ونفساء مطلقا والأولى أن يقال: يجب صونه
عن جلوسهما فيه ويسن
ج /
1 ص -331-
أن يصان عن المرور فيه: بأن لا يجعل طريقا إلا
لحاجة وكونه طريقا قريبا حاجة وكذا الجنب بلا
وضوء ويباح للمعتكف وغيره النوم فيه قال
الحارثي: وكذا ما لا يستدام كبيتوتة الضيف
والمريض والمسافر وقيلولة المجتاز ونحو ذلك
لكن لا ينام قدام المصلين ويسن صونه عن إنشاد
شعر محرم وقبيح وعمل سماع وإنشاد ضالة
ونشدانها ويسن لسامعه أن يقول: لا وجدتها ولا
ردها الله عليك ومن إقامة حد وسل سيف ونحوه
ويكره فيه الخوض والفضول وحديث الدنيا
والارتفاق به وإخراج حصاه وترابه للتبرك به
وغيره ولا يستعمل الناس حصره وقناديله في
مصالحهم كالأعراس والأعزيه وغير ذلك ومن له
الأكل فيه فلا يلوث حصره ولا يلقي العظام
ونحوها فيه فإن فعل فعليه تنظيف ذلك ولا يجوز
أن يغرس فيه شيء ويقلع ما غرس فيه ولو بعد
إيقافه ولا حفر بئر ويأتي آخر الوقف ويحرم
الجماع فيه وقال ابن تميم: يكره الجماع فوقه
والتمسح بحائطه والبول عليه وجوز في الرعاية
الوطء فيه وعلى سطحه وتقدم بعض ذلك ويحرم بوله
فيه ولو في إناء وقصد وحجامة وقيء ونحوه وإن
دعت إليه حاجة كبيرة خرج المعتكف من المسجد
ففعله وإن استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه
كالمرض الذي يمكن احتماله وكذا حكم نجاسة في
هوائه كالقتل على نطع ودم ونحوه في إناء وإن
بال خارجه وجسده فيه دون ذكره كره ويباح
الوضوء فيه والغسل بلا ضرر إلا أن يحصل منه
بصاق أو مخاط وتقدم بعضه في الباب بعضه في آخر
الوضوء ويباح غلق أبوابه في غير أوقات الصلاة
لئلا يدخله من يكره
ج /
1 ص -332-
دخوله إليه وقتل القمل والبراغيث فيه إن أخرجه
وإلا حرم إلقاؤه فيه وليس لكافر دخول حرم مكة
لا حرم المدينة ولا دخول مسجد الحل ولو بإذن
مسلم ويجوز دخولها للذمي إذا استؤجر لعمارتها
ولا بأس بالاجتماع في المسجد وبالأكل فيه
وبالإستلقاء فيه لمن له سراويل وإذا دخله وقت
السحر فلا يتقدم إلى صدره قال جرير بن عثمان:
كنا نسمع أن الملائكة تكون قبل الصبح في الصف
الأول ويكره السؤال والتصدق عليه فيه لا على
غير السائل ويقدم داخله يمناه في دخوله عكس
خروجه ويقول ماورد وتقدم وإذا لم يصل في نعله
وضعهما في المسجد ولا يدم بهما على وجه التكبر
والتعاظم وإن كان ذلك سببا لإتلاف شيء من أرض
المسجد أو أذى أحد لم يجز ويضمن ما تلف بسببه
والأدب ألا يفعل ذلك ويسن كنسه يوم الخميس
وإخراج كناسته وتنظيفه وتطييبه فيه وتجميره في
الجمع ويستحب شعل القناديل فيه كل ليلة وكره
إيقادها زيادة على الحاجة ويمنع منه قال
القاضي: الوقوف على الإستصباح في المساجد
يستعمل بالمعروف ولا يزاد على المعتاد ليلة
نصف شعبان ولا كليلة الختم ولا الليلة
المشهورة بالرغائب1 فإن زاد ضمن لأن الزيادة
بدعة وإضاعة مال لخلوه عن نفع الدنيا ونفع
الآخرة ويؤدي عادة إلى كثرة اللغط واللهو وشغل
قلوب المصلين وتوهم كونها قربة باطل لا أصل في
الشرع انتهى وينبغي إذا أخذ شيئا من المسجد
مما يصان عنه ألا يلقيه فيه بخلاف حصباء
ونحوها لو أخذه في يده ثم رمى بها فيه ويمنع
الناس في المساجد والجوامع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي أول جمعة في رجب.
ج /
1 ص -333-
استطراق حلق الفقهاء والقراء ويسن أن يشتغل في
المسجد بالصلاة والقراءة والذكر مستقبل القبلة
ويكره أن يسند ظهره إليها ولا يشبك أصابعه فيه
زاد في الرعاية على خلاف صفة ما شبكها النبي
صلى الله عليه وسلم ويباح اتخاذ المحراب فيه
وفي المنزل ويضمن المسجد بالإتلاف إجماعا
ويضمن بالغصب قال الشيخ: للإمام أن يأذن في
بناء مسجد في طريق واسع وعليه ما لم يضر
بالناس ويحرم أن يبني مسجد إلى جنب مسجد إلا
لحاجة كضيق الأول ونحوه ويكره تطيينه وبناؤه
بنجس وإذا لم يبق من أهل الذمة في القرية أحد
بل ماتوا أو أسلموا جاز أن تتخذ البيعة مسجدا
لا سيما إذا كانت ببر الشام فإن فتح عنوة قاله
الشيخ وثبت في الخبر ضرب الخباء واحتجار
الحصير فيه ويكره لغير الإمام مداومة موضع منه
لا يصلي إلا فيه فإن داوم فليس هو أولى من
غيره فإذا قام منه فلغيره الجلوس فيه وليس
لأحد أن يقيم منه إنسانا ويجلس أو يجلس غيره
مكانه إلا الصبي فيؤخر عن المكان الفاضل وتقدم
أول صفة الصلاة وآخر الجمعة ومن قام من موضعه
لعذر ثم عاد إليه فهو أحق به وإن كان لغير عذر
سقط حقه بقيامه: إلا أن يخلف مصلي مفروشا
ونحوه وينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها
أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه لا سيما إن كان
صائما وإن جعل سفل بيته أو علوه مسجدا صح
وانتفع بالآخر وقيل يجوز أن يهدم المسجد ويجدد
بناؤه لمصلحة نص عليه قال القاضي: حريم
الجوامع والمساجد إن كان الارتفاق بها مضرا
بأهل الجوامع والمساجد منعوا منه ولم يجز
للسلطان أن يأذن فيه لأن المصلين بها أحق وإن
لم يكن ضرر جاز
ج /
1 ص -334-
الارتفاق بحريمها ولا يعبتر فيه إذن السطان
ولا يجوز إحداث المسجد في المقبرة وتقدم في
اجتناب النجاسة قال الشيخ: ما عملت أحدا من
العلماء كره السواك في المسجد والآثار تدل على
أن السلف كانوا يستاكون في المسجد وإذا سرح
شعره فيه وجمعه فلم يتركه فلا بأس بذلك: سواء
قلنا بطهارة الشعر أو نجاسته وإذا ترك شعره
فيه فهذا يكره وإن لم يكن نجسا فإن المسجد
يصان عن القذاة التي تقع في العين. |