الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل

ج / 2 ص -2-  بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجهاد
"وهو قتال الكفار" وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفى سقط وجوبه عن غيرهم1 وسن في حقهم بتأكد وفرض الكفاية ما قصد حصوله من غير شخص معين فإن لم يوجد إلا واحد تعين عليه فمن ذلك دفع ضرر المسلمين كستر العاري وإشباع الجائع على القادرين إن عجز بيت المال عن ذلك أو تعذر أخذه منه والصنائع المباحة المحتاج إليها لمصالح الناس غالبا الدينية والدنيوية البدنية والمالية كالزرع والغرس ونحوهما وإقامة الدعوة ودفع الشبه بالحجة والسيف وسد البثوق وحفر الآبار والأنهار وكريها: وهو تنظيفها وعمل القناطر والجسور والأسوار وإصلاحها وإصلاح الطرق والمساجد والفتوى وتعليم الكتاب والسنة وسائر العلوم الشرعية وما يتعلق بها من حساب ونحوه ولغة وتصريف وقراآت وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة فالمحرمة كعلم الكلام2 والفلسفة والشعبذة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لقوله تعالى:
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا ويقيم هو وصحبه في انتظارها.
2 ليس المراد به علم التوحيد كما يفهم من الإطلاق بل هو في معنى الفلسفة مما يناقض النصوص.

 

ج / 2 ص -3-  والتنجيم والضرب بالرمل والشعر وبالحصا والكيمياء وعلوم علم الطبائعيين - إلا الطلب فإنه فرض كفاية في قول - ومن المحرم السحر والطلسمات والتلبيسات وعلم اختلاج الأعضاء "والكلام عليه ونسبته إلى جعفر الصادق كذب كما نص عليه الشيخ" وحساب اسم الشخص واسم أمه بالجمل وإن طالعة كذا ونجمه كذا والحكم على ذلك بفقر أو غنى أو غير ذلك من الدلائل الفلكية على الأحوال السفلية كما يصنع الآن وأما علم النجوم الذي يستدل به على الجهات والقبلة وأوقات الصلوات ومعرفة أسماء الكواكب لأجل ذلك فمستحب كالأدب والمكروه كالمنطق والأشعار المشتملة على الغزل والبطالة والمباح منها ما لا سخف فيه ولا ما يكره ولا ينشط على الشر ولا يثبط عن الخير ومن المباح علم الهيئة والهندسة والعروض والمعاني والبيان ومن فروض الكفايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وذكرنا في الكتاب من فروض الكفايات كثيرا في أبوابه فلا حاجة إلى إعادته.
ولا يجب الجهاد الأعلى ذكر حر مكلف مستطيع - وهو الصحيح الواجد بملك أو بذل إمام أو نائبه لمراده ولما يحمله إذا كان مسافة قصر ولما يكفي أهله في غيبته ولا يجب على أنثى ولا خنثى ولا عبد ولو أذن له سيده ولا صبي ولا مجنون ولا ضعيف ولا مريض مرضا شديدا لا يسيرا لا يمنعه كوجع ضرس وصداع خفيف ونحوهما ولا على فقير ولا كافر ولا أعمى ولا أعرج ولا أشل ولا أقطع اليد أو الرجل ولا من

 

ج / 2 ص -4-  أكثر أصابعه ذاهبة أو إبهام يده أو ما يذهب بذهابه نفع اليد أو الرجل ويلزم الأعمر والأعشى وهو الذي يبصر بالنهار فقط "قال الشيخ: الأمر بالجهاد منه ما يكون بالقلب والدعوة والحجة والبيان والرأي والتدبير والبدن فيجب بغاية يمكنه" وأقل ما يفعل مع القدرة عليه كل عام مرة إلا أن تدعو حاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين أو قلة علف أو ماء في الطريق أو انتظار مدد فيجوز تركه بهدنة وبغيرها1 إلا أن رجى إسلامهم ولا يعتبر أمن الطريق وتحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ نصا2 وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة وجب ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو من عبد أو مبعض أو مكاتب أو حصره أو بلده عدو أو احتاج إليه بعيد أو تقابل الزحفان أو استنفره من له استنفاره ولا عذر تعين عليه ولم يجز لأحد أن يتخلف عن النفير لما تقدم إلا من يحتاج إليه لحفظ أهل أو مال أو مكان ومن منعه الإمام من الخروج3 "ذكره في البلغة" وإن نوى بالصلاة والنفير معا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن النبي صلى الله عليه وسلم هادن قريشا عشر سنوات لعلمه بما في ذلك من المصلحة ولأن الشروع فيه في مثل الحالات المذكورة إلقاء بأنفس المسلمين وأموالهم إلى التهلكة وهو منهي عنه.
2 قتال المسلمين لعدوهم دفاعا لاشيء فيه بالإجماع وأما بدؤهم العدو بالقتال في الأشهر الحرم المحرم رجب القعدة الحجة ففيه خلاف بين الجواز لقوله تعالى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية وبين التحريم كما كان في صدر الإسلام والحق أن التحريم منسوخ.
3 قوله: ومن منعه الإمام معطوف على قوله: إلا من يحتاج إليه الخ.

 

ج / 2 ص -5-  صلى ثم نفر مع البعد ومع قرب العدو وينفر ويصلى راكبا وذلك أفضل ولا ينفر في خطبة الجمعة ولا بعد الإقامة لها ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها ولا تنفر الخيل إلا على حقيقة ولا ينفر على غلام آبق ولا باس أن يشتري الرجلان فرسا بينهما يغزوان عليها يركب هذا عقبة وهذا عقبة ويأتي في باب قسمة الغنيمة ولو نادى الإمام الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا عذر ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من نزع لأمة الحرب إذا لبسها حتى يلقى العدو كما منع من الرمز بالعين والإشارة بها ومن الشعر والخط وتعلمهما وأفضل ما يتطوع به الجهاد وغزو البحر أفضل من غزو البر والجهاد من السياحة وأما السياحة في الأرض لا لمقصود ولا إلى مكان معروف فمكروهة ويغزى مع كل أمير بر وفاجر يحفظان المسلمين ولا يكون مخذلا ولا مرجفا ولا معروفا بالهزيمة وتضييع المسلمين ولو عرف بالغلول وشرب الخمر إنما ذلك في نفسه ويقدم القوى منهما ويستحب تشييع غاز ماشيا إذا خرج ولا بأس بخلع نعله لتغبر قدماه في سبيل الله فعله أحمد ولا يستحب تلقيه - وفي الفنون تحسن التهنئة بالقدوم للمسافر - وفي شرح الهداية لأبي المعالي: تستحب زيارة القادم ومعانقته والسلام عليه - وذكر الآجري استحباب تشييع الحاج ووداعه ومسألته أن يدعو له - ويتعين أن يقاتل كل قوم من يليهم من العدو إلا لحاجة كأن يكون الأبعد أخوف أو لغرته وإمكان الفرصة منه أو يكون الأقرب مهادنا ويمنع مانع من قتاله فيبدأ بالأبعد ومع التساوي قتال أهل الكتاب أفضل ويقاتل من تقبل منهم

 

ج / 2 ص -6-  الجزية حتى يسلوا أو يبذلوا الجزية ومن لا تقبل منهم حتى يسلموا فإن امتنعوا من ذلك وضعف المسلمون عن قتالهم انصرفوا إلا إن خيف على من يليهم من المسلمين وتسن الدعوة1 قبل القتال لمن بلغته ويحرم قبلها لمن لم تبلغه "وقيد ابن القيم وجوبها واستحبابها بما إذا قصدهم المسلمون - أما إذا كان الكفار قاصدين فللمسلمين قتالهم من غير دعوة دفعا عن نفوسهم وحريمهم وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك وينبغي أن يبتدئ بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بازائهم من المشركين ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم وجميع مصالحهم ويؤمر في كل ناحية أميرا يقلده أمر الحرب وتدبير الجهاد ويكون ممن له رأى وعقل وخبره بالحرب ومكائد العدو مع أمانة ورفق بالمسلمين ونصح لهم ويوصيه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة ولا يأمرهم بدخول مطمور يخاف أن يقتلوا تحتها فإن فعل فقد أساء ويستغفر الله ولا عقل عليه ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع "قال القاضي: وتؤخر قسمة الإمام حتى يقوم إمام احتياطا للفروج" فإن بعث الإمام جيشا وأمر عليهم أميرا فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم فإن لم يقبل أحد منهم أن يتأمر عليهم دافعوا عن أنفسهم ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير ويسن الرباط وهو الإقامة بثغر تقوية للمسلمين وأقله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الدعوة إلى الإسلام: لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك.

 

ج / 2 ص -7-  ساعة وتمامه أربعون يوما وإن زاد فله أجره وهو بأشد الثغور خوفا أفضل وأفضل من المقام بمكة والصلاة بها أفضل من الصلاة بالثغر ويكره لغير أهل الثغر نقل أهله من الذرية والنساء إليه لا إلى غير مخوف كأهل الثغر والحرس في سبيل الله ثوابه عظيم وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة إنما الهجرة إليه وتجب على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهي ما يغلب فيها حكم الكفر زاد جماعة: أو بلد بغاة أو بدع مضلة كرقض واعتزال إن قدر عليها ولو امرأة ولو في عدة بلا راحلة ولا محرم وتسن لقادر على إظهاره ولا يجاهد تطوعا من عليه دين ولو مؤجلا لآدمي لا وفاء له إلا بإذن غريمه فإن أقام ضامنا مليا أو رهنا محرزا أو وكيلا يقضيه مترعا جاز ولا من أبواه حران مسلمان عاقلا إلا بإذنهما وإن كان أحدهما كذلك إلا بإذنه1 إلا أن يتعين عليه فيسقط إذنهما وإذن غريم لكن يستحب للمديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة كتعلم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك وإن لم يحصل ذلك ببلده فله السفر لطلبه بلا إذنهما ولا إذن لجد ولا جدة فإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعيينه عليه فعليه الرجوع إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع أو يحدث له عذر من مرض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم منع ذا الأبوين من الجهاد ولأن الجهاد فرض كفاية، وبر الوالدين فرض عين وهو مقدم.

 

ج / 2 ص -8-  ونحوه فإن أمكنه الإقامة في الطريق وإلا مضى مع الجيش وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره وسقط إذنهما وإن كان رجوعهما عن الإذن بعد تعيين الجهاد عليه لم يؤثر شيئا وإن كانا كافرين فاسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما وكذا حكم الغريم فإن عرض للمجاهد في نفسه مرض أو عمى أو عرج فله الانصراف ولو بعد التقاء الصفين وإن أذن له أبواه في الجهاد وشرطا عليه أن لا يقاتل فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما.

فصل: ويحرم فرار مسلم
من كافرين وجماعة من مثليهم ويلزمهم الثبات وإن ظنوا التلف إلا متحرفين لقتال ومعنى التحرف أن ينحازوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن مثل أن ينحازوا من ضيق إلى سعة أو من معطشة إلى ماء أو من نزل إلى علو أو عن استقبال شمس أو ريح إلى استدبارهما أو يفروا بين أيديهم لينتقض صفهم أو تنفر خيلهم من رجالتهم أو ليجدوا فيهم فرصة أو يستندوا إلى جبل ونحو ذلك أو متحيزين إلى فئة ناصرة تقاتل معهم لو بعدت قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز لجاز التحيز إليها وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار وهو أولى إن ظنوا التلف بتركه وإن ظنوا الظفر فالثبات أولى: بل يستحب كما لو ظنوا الهلاك فيهما فيستحب الثبات وإن يقاتلوا ولا يستأسروا1 "وقال أحمد: ما يعجبني أن يستأسروا وقال: يقاتل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يستأسروا أي يستسلموا للأسر.

 

ج / 2 ص -9-  أحب إلي - الأسر شديد - ولا بد من الموت - وقال يقاتل: ولو أعطوه الأمان: قد لا يفوا" وإن استأسروا جاز فإن جاء العدو بلدا فلأهله التحصن منهم وإن كانوا أكثر من نصفهم ليلحقهم مدد أو قوة وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن وإن غزوا فذهبت دوابهم فليس ذلك عذر في الفرار وإن تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة جاز وإن فروا قبل إحراز الغنيمة فلا شيء لهم إن أحرزها غيرهم وإن قالوا أنهم فروا متحرفين للقتال فلا شيء لهم أيضا أن ألقي في مركبهم نار فاشتعلت فعلوا ما يرون فيه السلامة من المقام أو الوقوع في الماء فإن شكوا فعلوا ما شاؤا كما لو تيقنوا الهلاك فيهما أو ظنوه ظنا متساويا أو ظنوا السلامة ظنا متساويا.

فصل:- ويجوز تبييت الكفار
وهو كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارون ولو قتل فيه من لا يجوز قتله من امرأة وخنثى وكذا قتلهم في مطمورة إذا لم يقصدهم ورميهم بالمنجنيق وقطع المياه عنهم والسابلة وإن تضمن ذلك قتل الصبيان والنساء والإغارة على علافيهم وحطابيهم ونحوه ولا يجوز إحراق نحلهم ولا تغريقه ويجوز أخذ العسل وأكله وأخذ شهده كله بحيث لا يترك للنحل شيئا فيه والأولى أن يترك له شيئا ولا يجوز عقر دوابهم ولو شاة أو من دواب قتالهم إلا حال قتالهم أو لأكل يحتاج إليه ويرد الجلد في الغنيمة وأما الذي لا يراد إلا للأكل كالدجاج والحمام وسائر الطيور والصيود فحكمه حكم الطعام ويجوز حرق

 

ج / 2 ص -10-    شجرهم وزرعهم وقطعه إذا دعت الحاجة إلى إتلافه لو كان لا يقدر عليهم إلا به أو كانوا يفعلونه بنا فيفعل بهم ذلك لينتهوا وما تضرر المسلمون بقطعه لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم أو يستظلون به أو يأكلون من ثمره أو تكون العادة لم تجر بيننا وبين عدونا حرم قطعه وما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين ولا نفع لهم سوى غيظ الكفار والإضرار بهم فيجوز إتلافه وكذلك يجوز رميهم بالنار والحيات والعقارب في كفات المجانيق ويجوز تدخينهم في المطامير وفتح الماء ليغرقهم وفتح حصونهم وعامرهم فإذا قدر عليهم لم يجز تحريقهم ويجوز إتلاف كتبهم المبدلة وأن أمكن الانتفاع بجلودها وورقها وإذا ظفر بهم حرم قتل صبي وامرأة وخنثى وراهب ولو خالط الناس وشيخ فإن وزمن وأعمى وفي المغني: وعبد وفلاح لا رأى لهم إلا أن يقاتلوا أو يحرضوا عليه ولا يقتل معتوه مثله لا يقاتل ويأتي ما يحصل به البلوغ ويقتل المريض إذا كان ممن لو كان صحيحا قاتل كالإجهاز على الجريح وإن كان مايؤسا من برئه فكزمن فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها والنظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها وكذلك يجوز لهم رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء وإن تترسوا بمسلمين لم يجز رميهم فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه ضمانه إلا أن يخاف علينا فيرمهم ويقصد الكفار.

 

ج / 2 ص -11-    فصل: ومن أسر أسيرا
لم يجز قتله حتى يأتي به الإمام إلا أن يمتنع من المسير معه ولا يمكنه إكراهه بضرب أو غيره أو يهرب منه أو يخاف هربه أو يخاف منه أو يقاتله أو كان مريضا أو مرض معه ويحرم عليه قتل أسير غيره قبل أن يأتي الإمام إلا أن يصير في حالة يجوز فيها قتله لمن أسره فإن قتل أسيره أو أسير غيره قبل ذلك وكان المقتول رجلا فقد أساء ولا شيء عليه وإن كان صغيرا أو امرأة ولو راهبة عاقبه الأمير وغرمه قيمة غنيمة لأنه صار رقيقا بنفس السبي ومن أسر فادعى أنه كان مسلما لم يقبل قوله إلا ببينة فإن شهد له واحد وحلف معه خلى سبيله قال جماعة ويقتل المسلم أباه وابنه ونحوهما من ذوى قرابته في المعترك ويخير الأمير تخيير مصلحة واجتهاد لأتخير شهوة في الإسراء الأحرار المقاتلين والجاسوس - ويأتي - بين قتل واسترقاق ومن وفداء بمسلم أو بمال فما فعله تعين ويجب عليه اختيار الأصلح للمسلمين فمتى رأى المصلحة في خصلة لم يجز اختيار غيرها ومتى رأى قتله ضرب عنقه بالسيف ولا يجوز التمثيل به ولا التعذيب وإن تردد رأيه ونظره فالقتل أولى والجاسوس المسلم يعاقب - ويأتي الذي - ومن استرق منهم سال الأسارى من أهل الكتاب1 تخليتهم على إعطاء الجزية لم يجز ذلك في نسائهم وصبيانهم ويجوز في الرجال ولا يزول التخيير الثابت فيهم ولا يبطل الاسترقاق حقا لمسلم والصبيان والمجانين من كتابي وغيره والنساء ومن فيه نفع ممن لا يقتل كأعمى ونحوه 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره أهل الكتاب للتمثيل لا للتخصيص وإلا فالمجوس مثلهم في الحكم.
 

 

ج / 2 ص -12-    رقيق بنفس السبي ويضمنهم قاتلهم بعد السبي لا قبله وقن غنيمة وله قتله لمصلحة ويجوز استرقاق من تقبل منه الجزية وغيره ولو كان عليه ولاء لمسلم أو ذمي وإن أسلموا تعين رقهم في الحال وزال التخيير وصار حكمهم حكم النساء وقيل يحرم القتل ويخير بين رق ومن وفداء - صححه الموفق وجمع - فيجوز الفداء ليتخلص من الرق ويحرم رده إلى الكفار قاله الموفق إلا أن يكون له من يمنعه من عشيرة ونحوها ومن أسلم قبل أسره لخوف أو غير فلا تخيير فيه وهو كمسلم أصلي ومتى صار لنا رقيقا محكوما بكفره من ذكر أو أنثى وبالغ وصغير حرم مفاداته بمال وبيعه لكافر ذمي وغيره ولم يصح وتجوز مفاداته بمسلم ويفدى الأسير المسلم من بيت المال وإن تعذر فمن مال المسلمين ولا يرد إلى بلاد العدو بحال ولا يفدى بخيل ولا سلاح ولا بمكاتب وأم ولد بل بثياب ونحوها وليس للإمام قتل من حكم حاكم برقه ولا رق من حكم بقتله ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه وله المن على الثلاثة المذكورين وله قبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه ومتى حكم برق أو فداء ثم أسلم فحكمه بحاله لا ينقض ولو اشتراه أحد من أهل دار الحرب ثم أطلقه أو أخرجه إلى دار الإسلام فله الرجوع عليه بما اشتراه بنية الرجوع إذا كان حرا أذن في ذلك أو لم يأذن - ويأتي في الباب بعده - ومن سبى من أطفالهم أو مميزيهم منفردا أو مع أحد أبويه فمسلم وإن كان السابي ذميا تبعه كمسلم وإن سبى مع أبويه فهو على دينهما وإن أسلم أبو حمل أو طفل أو مميز لا جد وجدة أو أحدهما أو ماتا أو أحدهما في دارنا

 

ج / 2 ص -13-    أو عدما أو أحدهما بلا موت كزنا ذمية ولو بكافر أو اشتبه ولو مسلم بكافر فمسلم في الجميع وكذا إن بلغ مجنونا وإن بلغ عاقلا ممسكا عن الإسلام والكفر قتل قاتله ويرث ممن جعلناه مسلما بموته حتى ولو تصور موتهما معا يورثهما وإن ماتا بدار حرب لم يجعل مسلما ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين ولو سبى كل واحد منهما رجل ولا يحرم التفريق بينهما في القسمة والبيع وإن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها وحلت لسابيها وإن سبى الرجل وحده لم ينفسخ وليس بيع الزوجين القنين وأحدهما طلاقا لقيامه مقام البائع.

فصل:- ويحرم ولا يصح أن يفرق بين ذي رحم محرم
ببيع ولا غيره ولو رضوا به أو كان بعد البلوغ وإلا بعتق أو افتداء أسير أو بيع فيما إذا ملك أختين ونحوهما على ما يأتي ولو باعهم على أن بينهم نسبا يمنع التفريق ثم بان عدمه فللبائع الفسخ وإن حضر الإمام حصنا لزمه عمل الأصلح من مصابرته - وهي ملازمته - أو انصرافه فإن أسلموا أو أسلم من أسلم منهم قبل القدرة عليه أو أسلم حربي في دار الحرب أحرز دمه وماله ولو منفعة إجازة وأولاده الصغار والمجانين ولو حملا في السبي كانوا أو في دار الحرب ولا يحرز امرأته إذا لم تسلم وإن سبيت صارت رقيقة ولا ينفسخ نكاحه برقها ويتوقف على إسلامها في العدة وإن دخل دار الإسلام فاسلم وله أولاد صغار في دار الحرب صاروا مسلمين ولم يجز سبيهم وإن سألوا الموادعة بمال أو غيره وجب لأن فيه مصلحة سواء

 

ج / 2 ص -14-    أعطوه جملة أو جعلوه خراجا مستمرا عليهم كل عام فإن بذلوا الجزية وكانوا ممن تقبل منهم لزم قبولها وحرم قتالهم وإن بذلوا مالا على غير وجه الجزية فرأى المصلحة في قبولها قبلها وإن استأجر مسلم أرضا من حربي ثم استولى عليها المسلمون فهي غنيمة ومنافعها للمستأجر وإذا أسلم رقيق الحربي وخرج إلينا فهو حر وإن أسر سيده أو غيره وأولاده خرج إلينا فهو حر ولهذا لا نرده في هدنة والمال له والمسبي رقيقه وإن أسلم وأقام بدار الحرب فهو على رقه ولو جاء مولاه بعده لم يرد إليه ولو جاء قبله مسلما ثم جاء العبد مسلما فهو لسيده وإن خرج إلينا عبد بأمان أو نزل من حصن فهو حر وإن نزلوا على حكم حاكم عينوه ورضيه الإمام جاز إذا كان مسلما حرا بالغا عاقلا ذكرا عدلا من أهل الاجتهاد في الجهاد ولو أعمى ويعتبر له العفة ما يتعلق بهذا الحكم وإن كانا اثنين جاز ويكون الحكم ما اجتمعا عليه وإن جعلوا الحكم إلى رجل يعينه الإمام جاز وإن نزلوا على حكم رجل منهم أو جعلوا التعيين إليهم لم يجز وإن مات من اتفقوا عليه ثم اتفقوا على غيره ممن يصلح قام مقامه وإن لم يتفقوا وطلبوا حكما لا يصلح ردوا إلى مأمنهم وكانوا على الحصار حتى يتفقوا وكذلك إن رضوا باثنين فمات أحدهما فاتفقوا على من يقوم مقامه جاز وإلا ردوا إلى مأمنهم وكذلك إن رضوا بتحكيم من لا تجتمع الشرائط فيه ووافقهم الإمام عليه ثم بان أنه لا يصلح لم يحكم ويردون إلى مأمنهم كما كانوا ولا يحكم إلا بما فيه حظ للمسلمين من القتل والسبي والفداء فإن حكم بالمن على غير الذرية لزمه

 

ج / 2 ص -15-    قبوله وإن حكم بقتل أو سبي لزمه قبوله فإن أسلموا قبل الحكم عليهم عصموا دماءهم وأموالهم كما تقدم وإن كان بعد الحكم بالقتل عصموا دماءهم فقط ولا يسترقون ويكون المال على ما حكم فيه وإن حكم بأنهم للمسلمين كان غنيمة وإن حكم عليهم بإعطاء الجزية لم يلزم حكمه وإن سألوه أن ينزلهم على حكم الله لزمه أن ينزلهم ويخير فيهم كالأسرى بين القتل والرق والمن والفداء ويكره نقل رأس ورميه بمنجنيق بلا مصلحة ويحرم أخذه مالا ليدفعه إليهم.

باب ما يلزم الإمام والجيش
يلزم الإمام أو الأمير إذا أراد الغزو أن يعرض جيشه ويتعاهد الخيل والرجال يمنع ما لا يصلح للحرب كفرس حطيم - وهو الكسير وقحم - وهو الشيخ الهرم - والفرس المهزوم الهرم - وضرع وهو الرجل الضعيف والنحيف ونحو ذلك من دخوله أرض العدو ويمنع مخذلا للهزيمة فلا يصحبهم ولو لضرورة وهو الذي يفند غيره عن الغزو ومرجفا وهو من يحدث بقوة الكفار وبضعفنا وصبيا لم يشتد ومجنونا ومكاتبا بأخبارنا وراميا بيننا العداوة وساعيا بالفساد ومعروفا بنفاق وزندقة ونساء إلا امرأة الأمير لحاجته وطاعنة في السن لمصلحة فقط كسقي الماء ومعالجة الجرحى ويحرم أن يستعين بكفار إلا لضرورة وإن يعينهم على عدوهم إلا خوفا قال الشيخ: ومن تولى منهم ديوانا للمسلمين1 انتقض عهده ويحرم أن يستعين بأهل الأهواء في شيء من أمور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل الصواب على المسلمين.

 

ج / 2 ص -16-    المسلمين من غزو وعمالة وكتابة وغير ذلك ويسن أن يخرج بهم يوم الخميس ويرفق بهم في السير بحيث يقدر عليه الضعيف ولا يشق على القوى فإن دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز ويعدلهم الزاد ويقوى نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر ويعرف عليهم العرفاء وهو القائم بأمر القبيلة أو الجماعة من الناس كالمقدم عليهم ينظر في حالهم ويتفقدهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم ويستحب له عقد الألوية البيض: وهي العصائب تعقد على قناة ونحوها والرايات وهي أعلام مربعة ويغابر ألوانها ليعرف كل قوم رايتهم ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به عند الحرب ويتخير لهم من المنازل أصلحها لهم وأكثرها ماء ومري ويتبع مكامنها فيحفظها ليأمنوا ولا يغفل الحرس والطلائع ويبعث العيون على العدو ممن له خبرة بالفجاج حتى لا يخفى عليه أمرهم ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي والتشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال ويعدنا الصبر بالأجر والنفل ويشاور أمير الجهاد والمسلمين ذا الرأي والدين ويخفى من أمره ما أمكن إخفاؤه وإذا أراد عزوة ورأى بغيرها لأن الحرب خدعة ويصف جيشه ويجعل كل جنبة كفؤا لا يميل مع قرابته وذي مذهبه على غيره لئلا تنكسر قلوبهم فيخذلوه ويراعي أصحابه ويرزق كل واحد بقدر حاجته.

فصل:- ويقاتل أهل الكتاب والمجوس
حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ولا يقبل من غيرهم إلا الإسلام ويجوز أن يبذل جعلا لمن يعمل ما فيه غناء كمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين كطريق سهل أو ماء في مفازة

 

ج / 2 ص -17-    أو قلعة يفتحها أو مال يأخذه أو عدو يغير عليه أو ثغرة يدخل منها ولمن ينقب نقبا أو يصعد هذا المكان أو يجعل لمن جاء بكذا من الغنيمة أو من الذي جاء به ونحوه ويستحق الجعل بفعل ما جعل له فيه مسلما كان أو كافرا من الجيش أو غيره بشرط ألا يجاوز ثلث الغنيمة بعد الخمس في هذا وفي النفل كله - ويأتي في الباب بعده - وله إعطاء ذلك ولو بغير شرط ويجب أن يكون الجعل معلوما إن كان من بيت المال وإن كان من مال الكفار جاز مجهولا وهو له إذا فتح فإن احتاج إلى جعل أكثر من الثلث لمصلحة مثل ألا تنهض السرية ولا ترضى بدون النصف وهو محتاج إليها جعله من مال المصالح وإن جعل له امرأة متهم أو رجلا مثل أن يقول بنت فلان من أهل الحصن أو القلعة وماتت قبل الفتح أو بعمده أو لم يفتح أو فتح ولم توجد فلا شيء له إن ماتت وإن أسلمت قبل الفتح عنوة وهو حرة فله قيمتها وإن أسلمت بعده أو قبله وهي أمة سلمت إليه إلا أن يكون كافرا فله قيمتها فإن فتحت صلحا ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها فإن أبى ألا الجارية وامتنعوا من بذلها فسد الصلح وإن بذلوها مجانا لزم أخذها ودفعها إليه - قال في الفزع والمراد غير حرة الأصل وإلا قيمتها وكل موضع أو جبنا القيمة ولم يغنم شيئا من بيت المال1 وله أن ينفل في البداءة الربع فاقل بعد الخمس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من بيت المال خبر عن قوله: وكل موضع.

 

ج / 2 ص -18-    وفي الرجعة الثلث فاقل بعده1 وذلك أنه ينبغي للإمام إذا غزا غزاة أن يبعث سرية أمامه تغير وإذا رجع بعث أخرى خلفه فما أتت به أخرج خمسه وأعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي في الجيش والسرية معا ولا تستحقه السرية إلا بشرط فإن شرط الإمام لهم أكثر من ذلك ردوا إليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إنما رجحت الجعالة في الرجعة على البداءة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الرجعة أكثر مشقة وتعرضا للمخاوف.

فصل: ويلزم الجيش طاعة الأمير
والنصح له والصبر معه في اللقاء وأرض العدو وإتباع رأيه والرضا بقسمته للغنيمة وبتعديله لها وإن خفي عنه صواب عرفوه ونصحوه فلو أمرهم بالصلاة جماعة وقت لقاء العدو فأبوا عصوا ولا يجوز لأحد أن يتعلف ولا يتحطب ولا يبارز ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مخوف وإن دعا كافر إلى البراز استحلب لمن يعلم في نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير فإن لم يثق من نفسه كره فإن كان الأمير لا رأى له فعلت المبارزة بغير أذنه - ذكره ابن تميم في صلاة الخوف - والمبارزة التي يعتبر فيها إذن الإمام أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب يدعو إلى المبارزة ويباح للرجل المسلم الشجاع طلبها ابتداء ولا يستحب إن شرط الكافر ألا يقاتله غير الخارج إليه أو كان هو العادة لزمه ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة إلا أن تكون العادة جارية بينهما أن من يخرج بطلب المبارزة لا يعرض

 

ج / 2 ص -19-    له فيجري ذلك مجرى الشرط وإن أنهزم المسلم أو أثخن بالجراح جاز لكل مسلم الدفع عنه والرمي وتجوز الخدعة في الحرب للمبارزة وغيره وإن قتله المسلم أو أثخنه فله سلبه غير مخموس1 وهو من أصل الغنيمة لا من خمس الخمس ولو عبدا بإذن سيده أو امرأة أو كافرا بإذن أو صبيا لا مخذلا ولا مرجفا معينا على المسلمين وكل عاص كمن دخل بغير إذن أو منع منه ولو كان المقتول صبيا أو امرأة ونحوهما إذا قاتلوا وكذا كل من قتل قتيلا أو أثخنه فصار في حكم المقتول فله سلبه إذا كان القاتل ممن يستحق السهم أو الرضخ كما تقدم - قال ذلك الإمام - أو لم يعلمه إذا قتله حال الحرب لا قبلها لا بعدها منهمكا على القتال أي مجدا فيه مقبلا عليه وغرر بنفسه في قتله كأن بارزه لا إن رماه بسهم من صف المسلمين أو قتله مشتغلا بأكل ونحوه أو منهزما مثل أن ينهزم الكفار كلهم فيدرك إنسانا منهزما فيقتله وإن كانت الحرب قائمة وانهزم أحدهم متحيزا فقتله إنسان فله سلبه ويشترط في استحقاق سلبه أن يكون غير مثخن أي موهن بالجراح وإن قطع أربعة إنسان ثم قتله آخر أو ضربه اثنان وكانت ضربة أحدهما أبلغ فسلبه للقاطع وللذي ضربته أبلغ وإن قتله اثنان فأكثر فسلبه غنيمة وإن أسره فقتله الإمام أو استحياه فسلبه ورقبته إن رق وفداؤه إن فدى غنيمة وإن قطع يده أو رجله وقتله آخر فسلبه للقاتل وإن قطع يده ورجله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم للقاتل بجميع سلب المقتول.

 

ج / 2 ص -20-    أو قطع يديه أو رجليه ثم قتله آخر فسلبه غنيمة ولا تقبل دعوى القتل إلا بشهادة رجلين نصا والسلب ما كان عليه من ثياب وحلى وعمامة وقلنسوة ومنطقة ولو مذهبه ودرع ومعفر وبيضة وتاج وأسورة و ران وخف بما في ذلك من حلية وسلاح من سيف ورمح ولت وقوس ونشاب ونحوه قل أو كثر ودابته التي قاتل عليها بآلتها من السلب إذا قتل وهو عليها ونفقته ورحله وخيمته وجنيبته غنيمة ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة مستوري العورة ويحرم السفر بالمصحف إلى أرض العدو وتقدم في نواقض الطهارة ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير إلا أن يفاجئهم عدو يخافون كلبه بالتوقف على الإذن أو فرصة يخافون فوتها وإذا قال الإمام لرجل أخرج عليك أن لا تصحبني فنادى بالنفير لم يكن إذنا له ولا بأس بالنهدة في السفر ومعناه أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة يدفعونه إلى رجل ينفق عليهم ويأكلون منه جميعا ولو أكل بعضهم أكثر من بعض ولو دخل قوم لا منعة لهم أو هلم منعة واحدة ولو عبد ظاهر كان أو خفية دار حرب بغير إذن الأمير فغنيمتهم فيء لعصيانهم ومن أخذ من دار الحرب ولو بلا حاجة ولا إذن طعاما مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره ولو سكرا أو معاجين وعقاقير ونحوه أو علفا فله أكله وإطعام شيء اشتراه وعلف دابته ولو كانا لتجارة مالم يحرز أو يوكل الإمام من يحفظه فلا يجوز إذن إلا الضرورة ولا يطعم منه فهذا وكلبا وجارحا فإن فعل

 

ج / 2 ص -21-    غرم قيمته ولا يبيعه فإن باعه رد ثمنه في المغنم والدهن المأكول كسائر الطعام وله دهن بدنه ودابته منه ومن دهن غير مأكول وأكل ما يتداوى به وشرب جلاب وسكنجبين ونحوهما لحاجة ولا يغسل ثوبه بالصابون ولا يركب دابة من دواب المغنم ولا يتخذ النعل والجرب من جلودهم ولا الخيوط والحبال وكتبهم المنتفع بها كالطب واللغة والشعر ونحوها غنيمة وإن كانت مما لا ينتفع به ككتب التوراة والإنجيل وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل وهو غنيمة وإلا فلا ولا يجوز بيعها وجوارح الصيد كالفهود والبزاة غنيمة تقسم وإن كانت كلابا مباحة لم يجز بيعها فإن لم يردها أحد من الغانمين جاز إرسالها وإعطاؤها غيرهم وإن رغب فيها بعض الغانمين دون بعض دفعت إليه ولم تحتسب عليه وإن رغب فيها الجميع أو ناس كثير وأمكن قسمت عددا - قسمها من غير تقويم - وإن تعذر ذلك أو تنازعوا في الجيد منها أقرع بينهم ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويراق الخمر وتكسر أوعيته إن لم يكن نفع للمسلمين وإن فضل معه من الطعام ونحوه شيء ولو يسيرا فادخله بلدة في دار الإسلام رده في الغنيمة وقبل دخولها يرد ما فضل معه على المسلمين وإن أعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه جاز له أخذه وصار أحق به من غيره وله أخذ سلاح من الغنيمة ولو لم يكن محتاجا إليه يقتل به حتى ينقضي الحرب ثم يرده ويجوز له أن يلتقط النشاب ثم

 

ج / 2 ص -22-    يرمي به العدو وليس له القتال على فرس من الغنيمة ولا لبس ثوب1 ولبس لأجير لحفظ غنيمة ركوب دابة منها إلا بشرط ولا ركوب دابة حبيس ولو بشرط فإن فعل فاجرة مثلها ومن أخذ ما يستعين به في غزاة معينة فالفاضل له وإلا أنفقه في الغزو وإن أعطيه ليستعين به في الغزو لم يترك منه لأهله شيئا غلا أن يصير إلى رأس معزاه فيبعث إلى عياله منه ولا يتصرف فيه قبل الخروج لئلا يتخلف عز الغزو إلا أن يشتري منه سلاحا وآلة الغزو ومن أعطي دابة ليغزو عليها غير عارية ولا حبيس فغزا عليها ملكها ومثلها سلاح ونفقة فإن باعه بعد الغزو فلا بأس ولا يشتريه من تصدق به ولا يركب دواب السبيل في حاجة ويركبها ويستعملها في سبيل الله ولا يركب في الأمصار والقرى ولا بأس أن يركبها ويعلفها وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها" الحديث أو لأن الغنيمة أصبحت ملكا مشاعا بين المجاهدين حتى يقسمها بينهم الإمام، وركوب الدابة يفوت المصلحة عليهم بخلاف السيف فإنه لا يتأثر.

باب قسمة الغنيمة
وهي ما أخذ من مال حربي قهرا بقتال وما ألحق به كهارب وهدية الأمير ونحوهما ولم تحل لغير هذه الأمة وإن أخذ منهم مال مسلم أو معاهد

 

ج / 2 ص -23-    فأدركه صاحبه قبل قسمه لم يقسم ورد إلى صاحبه بغير شيء فإن قسم بعد العلم بأنه مال مسلم أو معاهد لم تصح قسمته وصاحبه أحق به بغير شيء ثم إن كان أم ولد لزم السيد أخذها ويعد القسمة بالثمن1 وما سواها له أخذه وتركه غنيمة فإن أخذه أخذه مجانا2 وإن أبى أخذه أو غنم المسلمون شيئا عليه علامة المسلمين من مراكب أو غيرها ولم يعرف صاحبه قسم وجاز التصرف فيه وإن كانت جارية لمسلم أولدها أهل الحرب فلسيدها أخذها دون أولادها ومهرها وإن أدركه مقسوما أو بعد بيعه وقسم ثمنه فهو أحق به بثمنه كأخذه من مشتريه من العدو وإن وجده بيد مستول عليه وقد جاءها بأمان أو مسلما فلا حق له فيه وإن أخذه من الغنيمة بغير عوض أو سرقه أحد من الرعية من الكفار أو أخذه هبة فصاحبه أحق به بغير شيء وإن تصرف فيه من أخذه منهم صح تصرفه مثل أن باعه المغتنم أو رهنه ويملك ربه انتزاعه من الثاني وتمنع المطالبة التصرف فيه كالشفعة وترد مسلمة سباها العدو إلى زوجها وولدها منهم كملاعنة وزنا وما لم يملكوه فلا يغنم بحال ويأخذه ربه إن وجده مجانا ولو بعد إسلام من هو معه أو قسمه أو شرائه منهم وإن جهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وجب على السيد أخذها لئلا يتركها لمن أخذها يستحلها وهي حلال له ووجبت قيمتها عليه إذا أخذها بعد القسمة لأنها دخلت في نصيب آخذها فتكون قيمتها عوضا عنها منعا للحيف به.
2 إنما يأخذه مجانا إذا كان قبل القسمة أما بعدها فلا بد من القسمة ما لم يتركه فيكون غنيمة كما وضحه.

 

ج / 2 ص -24-    ربه وقف1 ويملك أهل الحرب مال مسلم بأخذه ولو قبل حيازته إلى دار الكفر ولو كان بغير قهر كأن ابق أو شرد إليهم حتى أم ولد ومكاتبا ولو بقي مال مسلم معهم حولا أو أحوالا فلا زكاة فيه وإن كان عبدا واعتقه سيده لم يعتق2 ولو كانت أمة مزوجة فقياس المذهب انفساخ نكاحها - قال الشيخ:- الصواب أنهم يملكون أموال المسلمين ملكا مقيدا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه انتهى - لا يملكون حبيسا ووقفا وذميا وحرا ومن اشتراه منهم وأطلقه أو أخرجه إلى دار الإسلام رجع بثمنه بنية الرجوع ولا يرد إلى بلاد العدو بحال: وتقدم: فإن اختلفا في ثمنه فقول أسير ويعمل بقول عبد ميسور أنه لفلان وبوسم على حبيس وما أخذه من دار الحرب من هو مع الجيش وحده أو بجماعة لا يقدر عليه بدونهم من ركاز أو مباح له قيمة في مكانه كالدارصيني وسائر الأخشاب والأحجار والصموغ والصيود ولقطة حربي والعسل من الأماكن المباحة ونحوه فهو غنيمة في الأكل منه وغيره وإن لم يكن مع الجيش كالمتلصص ونحوه فالركاز لواجده: وفيه الخمس وإن لم يكن له قيمة بنقله كالأقلام والمسن والأدوية فهو لآخذه ولو صار له قيمة بنقله ومعالجته وإن وجد لقطة في دار الحرب من متاع المسلمين فكما لو وجدها في غير دار الحرب وإن شك هل هي من متاع المسلمين أو المشركين عرفها حولا ثم جعلها في الغنيمة في بلاد المسلمين وإن ترك صاحب القسم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولا يقسم في الغنيمة حيث لم يدخل في ملك الكفار قبل.
2 يريد أنه خرج عن ملك سيده المسلم إلى ملك الكفار فلا يملك حينئذ عنقه.

 

ج / 2 ص -25-    شيئا الغنيمة عجزا عن حمله ولم يشتر فقال من أخذ شيئا فهو له: فمن أخذ شيئا ملكه وللأمير إحراقه وأخذه لنفسه كغيره ولو أراد الأمير أن يشتري لنفسه من الغنيمة فوكل من لا يعلم أنه وكيله صح البيع وإلا حرم1 وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها وتبايعها هو لمن شهد الوقعة من أهل القتال إذا كان قصده الجهاد قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجير التجار ولو للخدمة ولمستأجر مع جندي كركابي وسايس والمكاري والبيطار والحداد والاسكاف والخياط والصناع الذين يستعدون للقتال ومعهم السلاح حتى من منع لدينه أو منعه أوه لتعينه بحضوره وأيضا لمن بعثهم الأمير لمصلحة كرسول وجاسوس ودليل وشبههم وإن لم يشهدوا ولمن خلفه الأمير في بلاد العدو ولو مرض بموضع مخوف وغزا ولم يمر بهم فرجعوا نصا فكل هؤلاء يسهم لهم لا لمريض عاجز عن القتال كالمزمن والمفلوج والأشل لا المحموم ومن به صداع ونحوه2 ولا لكافر وعبد لم يؤذن لهما ولا لمن لم يستعد للقتال من التجار وغيرهم لأنه لا نفع فيهم ولا لمن نهى الإمام عن حضوره أو بلا إذنه ولا لطفل ومجنون وفرس عجيف ونحوه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إذا كان الوكيل عن الأمير غير معروف بهذا وكان البائع أحد الغانمين صح البيع لأمن المحاباة أما إذا كان البائع يعلم بالوكالة أو كان الذي سيبيع له هو الأمير فلا لمظنة المحاباة.
2 المحموم وصاحب الصداع خارجان من المرضى.

 

ج / 2 ص -26-    ولا لمخذل ومرجف ولو تركا ذلك وقاتلا ولا يرضخ لهم لعصيانهم وكذا من هرب من كافرين ولا لخيلهم وإذا لحق المسلمين مددا وهرب من الكفار إلينا أسيرا أو أسلم كافر أو بلغ صبي أو عتق عبد أو صار الفارس راجلا أو عكسه قبل أن تقضي الحرب أسهم لهم وجعلوا كمن حضر الوقعة كلها وإن كان بعد التقضي ولو تحرز الغنيمة أو مات أحد من العسكر أو أنصرف قبل الإحراز فلا وكذا لو أسر في أثنائها1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر أمثال هؤلاء غير شاهدين الموقعة.

فصل:- وإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إلى أهلها
فإن كان في الغنيمة مال لمسلم أو ذمي دفع إليه ثم بمؤنة الغنيمة من أجرة نقال وحمال وحافظ ومخزن وحاسب وإعطاء جعل من دله على مصلحة أن شرطه من العدو ثم يخمس الباقي قيقسم خمسه على خمسة أسهم: سهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم: ولم يسقط بموته يصرف مصرف الفيء وخص أيضا من المغنم بالصفي: وهو شيء يختاره قبل القسمة كجارية وعبد وثوب وسيف ونحوه وسهم لذوي القربى - وهو بنو هاشم وبنو المطلب أبني عبد مناف - ويجب تعميمهم وتفرقته بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين حيث كانوا حسب الإمكان: غنيهم وفقيرهم فيه سواء جاهدوا أولا فيبعث الإمام إلى عماله في الأقاليم ينظروا ما حصل من ذلك فإن استوت الأخماس فرق كل خمس فيما قاربه وإن اختلفت أمر بحمل الفاضل ليدفعه إلى مستحقه فإن لم يأخذوا

 

ج / 2 ص -27-    رد في سلاح وكراع ولا شيء لمواليهم ولا لأولاد بناتهم ولا لغيرهم من قريش وسهم لليتامى الفقراء - واليتيم من لا أب له ولم يبلغ ولو كان له أم: ويستوي فيه الذكر والأنثى - وسهم للمساكين فيدخل فيهم الفقراء فهما صنفان في الزكاة فقط وفي سائر الأحكام صنف واحد وسهم لأبناء السبيل.

فصل: ويشترط في ذوي قربى ويتامى ومساكين وأبناء سبيل
كونهم مسلمين وإن يعطوا كالزكاة ويعم بسهامهم جميع البلاد حسب الإمكان وإن اجتمع في واحد أسباب كالمسكين اليتيم ابن السبيل استحق بكل واحد منها لكن لو أعطاه ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره شيئا ولا حق في الخمس لكافر ولا لقن وإن أسقط بعض الغانمين ولو مفلسا حقه فهو للباقين وإن أسقط الكل ففيء ثم يعطي الإمام النفل بعد ذلك من أربعة أخماس الغنيمة - وهو الزيادة على السهم لمصلحة: وهو المجعول لمن عمل عملا كتنفيل السرايا بالثلث والربع ونحوه وقول الأمير من طلع حصنا أو نقبه ومن جاء بأسير ونحوه فله كذا ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد ولمعتق بعضه بحسابه من رضخ وإسهام والنساء والصبيان المميزون على ما يراه الإمام من التسوية بينهم والتفضيل على قدر غنائهم ونفعهم ومدبر ومكاتب كقن وخنثى مشكل كامرأة فإن انكشف حاله قبل أن تقضى الحرب والقسمة أو بعدهما فتبين أنه رجل أتم له سهم رجل وبسهم لكافر إذن له الإمام ولا يبلغ برضخ الراجل سهم

 

ج / 2 ص -28-    راجل ولا الفارس سهم فارس ويكون الرضخ له ولفرسه في ظاهر كلامهم فإن غزا العبد إذن سيده لم يرضخ له ولا لفرسه وإن كان بإذنه على فرس لسيده فيؤخذ للفرس سهمان إن لم تكن مع سيده فرس غير فرس العبد فإن كإن لم يسهم لفرس العبد وإن انفرد الغنيمة من لا سهم له كعبيد وصبيان دخلوا دار الحرب فغنموا أخذ خمسه وما بقي لهم وهل يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم أو على ما يراه الإمام من المفاضلة؟ احتمالان: وإن كان فيهم رجل حر أعطى سهما وفضل عليهم ويقسم الباقي بين من بقي على ما يراه الإمام من التفضيل وإن غزا جماعة من الكفار وجدهم فغنموا فغنيمتهم لهم وهل يؤخذ خمسها؟ احتمالان:

فصل:- ثم يقسم باقي الغنيمة
للرجل الحر المكلف سهم والفرس العربي: ويسمى العتيق قاله في المطلع وغيره سهمان فيكمل للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وينبغي أن يقدم قسم الأربعة أخماس على قسم الخمس وإن كان فرسه هجينا - وهو ما أبوه عربي وأمه غير عربية: أو مقرفا عكس هجين وبرذونا - وهو ما أبواه نبطيان - فله سهم ولفرسه سهم واحد وإن غز ا اثنان على فرس لهما هذا عقبة وهذا عقبة1 والسهم لهما فلا بأس ولا يسهم لأكثر من فرسين ولا لغير الخيل كفيل وبعير وبغل ونحوها ولو عظم غناؤها وقامت مقام الخيل2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العقبة: المسافة.
2 لعدم إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لغير الخيل، ولأنها لا تلحق الخيل في النفع.

 

ج / 2 ص -29-    ومن استعار فرسا أو استأجره أو كان حبيسا وشهد به الوقعة فله سهمه وإن غصبه ولو من أهل الرضخ فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه ومن دخل دار الحرب راجلا ثم ملك فرسا أو استعاره أو استأجره وشهد به الوقعة فله سهم فارس ولو صار بعد الوقعة راجلا وإن دخلها فارسا ثم حضر الوقعة راجلا حتى فرغ الحرب لموت فرسه أو شروده أو غير ذلك فله سهم راجل ولو صار فارسا بعد الوقعة ويحرم قول الإمام من أخذ شيئا فهو له ولا يستحقه وقيل: يجوز لمصلحة يجوز تفضيل بعض الغانمين على بعض لغناء فيه كشجاعة ونحوها وإلا حرم ولا تصح الإجارة على الجهاد ولو كان ممن لا يلزمه فيرد الأجرة وله سهمه أو رضخه ومن أجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة أو حملها وسوق الدواب ورعيها ونحوه أبيح له أخذ الأجرة على ذلك ولم يسقط من سهمه شيء ولو أجر نفسه بدابة معينة من المغنم أو جعلت أجرة ركوب دابة منها صح ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه لاستحقاق الميت له بانقضاء الحرب ولو قبل إحراز الغنيمة ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت وتشاركه فيما غنم - وتقدم في الباب قبله - وإن أقام الأمير ببلاد الإسلام وبعث سرية: فما غنمت فهو لها وإن أنفذ جيشين أو سريتين فكل واحدة منفردة غنمته وإن قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها أو تبايعوا غيرها ثم غلب عليها العدو فهي

 

ج / 2 ص -30-    من ضمان مشترك1 وكذا لو تبايعوا شيئا في دار الإسلام زمن خوف ونهب ونحوه وللإمام البيع من الغنيمة قبل القسمة لمصلحة ومن وطىء جارية من المغنم قبل قسمة ممن له فيها حق أو لولده أدب ولم يبلغ به الحد وعليه مهرها يطرح في المقسم2 إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها فقط وتصير أم ولد له والولد حر ثابت النسب ولا يتزوج في أرض العدو - ويأتي في النكاح - وإذا اعتق بعض الغانمين أسيرا من الغنيمة أو كان يعتق عليه: عتق عليه إن كان قدر حقه وإلا فكمعتق شقصا3 وقطع في المغني وغيره لا يعتق رجل قبل خيرة الإمام ويحرم الغلول - وهو كبيرة - والغال من الغنيمة - وهو من كتم ما غنمه أو بعضه - يجب حرق رحله كله ما لم يكن باعه أو وهبه إذا كان حيا حرا مكلفا ولو أنثى أو ذميا وإلا سلاحا ومصحفا وكتب علم وحيوانا بآلته من سرج ولجام وحبل ورحل ونحوه وعلفه وثياب الغال التي عليه ونفقته وسهمه وما غله ولا يحرم سهمه وما لم تأكله النار أو استثنى من التحريق فهو له ويعزز مع ذلك بالضرب ونحوه ولا ينفى ويؤخذ ما غل للمغنم فإن تاب قبل القسمة رد ما أخذه في المغنم وإن تاب بعدها أعطى الأمام خمسه وتصدق ببقيته على مستحقه ومن سرق من الغنيمة أو ستر على الغال أو أخذ منه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لصحة البيع له ودخولها في ملكه.
2 إنما أدب لأن الملك فيها مشاع بين كثيرين: ولم يحد لأن له ملكا أو شبه ملك في الغنيمة.
3 يعني ينفذ في العنق في نصيبه فحسب ثم يسري إلى الباقي إن كان غنيا وعليه قيمة الباقي.

 

ج / 2 ص -31-    ما أهدى له منها أو باعه إمام أو حاباه فليس بغال ولا يحرق رحله وإن لم يحرق رحل الغال حتى استحدث متاعا آخر ورجع إلى بلدة أحرق ما كان معه حال الغلول ولو غل عبد أو صبي لم يحرق رحله وإن استهلك العبد ما غله فهو في رقبته ومن أنكر الغلول وذكر انه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت ببينة أو إقرار ولا يقبل في بينة الأعدلان وما أخذه من الفدية أو أهداه الكفار لأمير الجيش أو لبعض قواده أو بعض الغانمين في دار الحرب فغنيمة ولنا قطع شجرنا المثمر إن خفنا أن يأخذوه وليس لنا قتل نسائنا وصغارنا وإن خفنا أن يأخذوهم قاله في الرعاية.

باب حكم الأرضين المغنومة
وهي على ثلاثة أضرب: أحدها ما فتح عنوة وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف فيخير الإمام فيها تخيير مصلحة لا تشه بين قسمتها كمنقول فتملك به ولا خراج عليها ولا على ما أسلم أهله عليه كالمدينة أو صولح أهله على أن الأرض لهم كأرض اليمن والحيرة وتانقيا أو أحياه المسلمون كأرض البصرة وبين وقفها للمسلمين بلفظ يحصل به الوقف ويمتنع بيعها ونحوه ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده من مسلم ومعاهد يكون أجرة لها ويلزمه الأصلح وليس لأحد نقولا نقضه نقض ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم

 

ج / 2 ص -32-    من وقف أو قسمه أو فعله الأئمة بعده ولا تغييره1.
الثاني: ما جلا عنها أهلها خوفا وظهرنا عليها فتصير وقفا بنفس الظهور عليها.
الثالث: ما صولحوا عليه: وهو ضربان - أحدهما أن يصالحهم على أن الأرض لنا ونقرها معهم بالخراج فهذه تصير وقفا بنفس ملكنا لها كالتي قبلها وهما دار إسلام سواء سكنها المسلمون أو أقر أهلها عليها2 ولا يجوز إقرار كافر بها سنة إلا بجزية ولا إقرارهم بها على وجه الملك لهم ولا يكون خراجها أجرة لا يسقط بإسلامهم ويؤخذ منهم وممن انتقلت إليه من مسلم ومعاهد وما كان فيها من شجر وقت الوقف ضمن المستقبل لمن تقر بيده فيه عشر الزكاة كالمتجدد فيها.
الضرب الثاني: أن يصالحهم على أنها لهم ولنا الخراج عنها فهذا ملك لهم خراجها كالجزية إن أسلموا سقط عنهم كما لو انتقلت إلى مسلم لا إلى ذمي من غير أهل الصلح ويقرون فيها بغير جزية ما أقاموا على الصلح لأنها دار عهد بخلاف ما قبلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن الحكم صار لازما وإنما يجوز تغييره إذا استردها الكفار بحرب وفتحناها ثانيا.
2 قوله: وهما:- مرجع الضمير الأرض التي جلا عنها أهلها والتي صالحونا على أنها لنا.

فصل:- والمرجع في الخراج والجزية
إلى اجتهاد الإمام في نقص وزيادة ويعتبر الخراج بقدر ما تحتمله الأرض وعنه يرجع إلى ما ضربه عمر رضي الله عنه لا يزاد ولا ينقص وقد روى عنه في الخراج

 

ج / 2 ص -33-    روايات مختلفة قال في المحرر: والأشهر عنه أنه جعل على جريب الزرع درهما وقفيرا من طعامه: وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة: وعلى جريب الرطب ستة: وظاهر ذلك أن جريب الزرع والحنطة وغيرها سواء في ذلك وفي الرعايتين خراج عمر رضي الله تعالى عنه على جريب الشعير درهم: والحنطة ربعة والرطبة ستة والنخل أنية: والكرم عشرة: والزيتون اثنا عشر - ويأتي ما ضربه في الجزية - والقفير ثمانية أرطال قال القاضي وجمع بالمكي: والمجد وجمع بالعراق - فعلى الأول يكون ستة عشر رطلا بالعراقي وهو الصحيح والثاني وهو قفيز الحجاج: وهو صاع عمر نصا والقفيز الهاشمي مكوكان: وهو ثلاثون رطلا عراقية والجريب عشر قصبات في عشر قصبات والقصبة ستة اذرع بذارع عمر وهو ذراع وسط وقبضة وإبهام قائمة فيكون الجريب ثلاثة آلاف ذراع وستمائة ذراع مكسرا وما بين الشجر من بياض الأرض تبع لها والخراج على المزارع دون المساكن حتى مساكن مكة ولا خراج على مزارعها وإنما كان حمد يمسح داره ويخرج عنها لأن بغداد كانت حين فتحت مزارع ويجب خراج على ما له ما ء يسقى به إن زرع وإن لم يزرع فخراجه خراج قل ما يزرع ولا خراج على ما لا يناله الماء إذا لم يمكن زرعه وأن أمكن زرعه عاما ويراح عاما عادة وجب نصف خراجه في كل عام - قال الشيخ: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره سقط من الخراج حسبما تعطل من النفع وإذا لم يمكن النفع به ببيع أو إجارة عمارة أو غيره لم يجز المطالبة

 

ج / 2 ص -34-    بالخراج والخراج على المالك دون المستأجر والمستعير - وتقدم في زكاة الخارج من الأرض - وهو كالدين يحبس به الموسر وينظر به المعسر ومن كان في يده أرض فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر وتنتقل إلى وارثه من بعده على الوجه الذي كانت في يده رثه فإن آثر بها أحدا ببيع أو غيره صار الثاني أحق بها: ومعنى البيع هنا يذلها بما عليها من خراج إن منعنا بيعها الحقيقي وإن عجز من هي في يده عن عمارتها وأداء خراجها أجبر على إيجارها أو رفع يده عنها لتدفع إلى من يعمرها ويقوم بخراجها ويجوز شراء أرض الخراج استنقاذا كاستنقاذ الأسير ومعنى الشراء أن تنتقل الأرض بما عليها من خراجها ويكره شراؤها للمسلم ويجوز لصاحب الأرض وإن يرشو العامل ويهدى له لدفع ظلمه في خراجه لا ليدع له منه شيئا: فالرشوة ما يعطي بعد طلبه: والهدية الدفع إليه ابتداء ويحرم على العامل الأخذ فيهما - ويأتي في أدب القاضي - ومن ظلم في خراجه لم يحتسه من عشره وإن رأى الإمام المصلحة في إسقاط الخراج عن إنسان أو يخففه جاز ويجوز للإمام إقطاع الأراضي والمعادن والدور - ويأتي بعضه في أحياء الموات - والكلف التي تطلب من البلد بحق أو غيره يحرم توفير بعضهم وجعل قسطه على غيره ومن قام فيها بنية العدل وتقليل الظلم مهما أمكن لله فكالمجاهد في سبيل الله - ذكره الشيخ ويأتي في المساقاة بعضه.

 

ج / 2 ص -35-    باب الفيء
وهو ما أخذ من مال كافر بحق الكفر بلا قتال كجزية وخراج وزكاة تغلبي: وعشر مال تجارة حربي: ونصفه من ذمي: وما تركوه وهربوا أو بذلوه فزعا منا في الهدنة وغيرها وخمس خمس الغنيمة وما ل من مات منهم ولا وارث له: ومال المرتد إذا مات على ردته: فيصرف في مصالح الإسلام ويبدأ بالأهم فالأهم لجند المسلمين ثم بالأهم فالأهم من عمارة الثغور بمن فيه كفاية وكفاية أهلها وما يحتاج إليه من يدفع عن المسلمين من السلاح والكراع ثم الأهم فالأهم من سد الشوق جمه بثق وهو الخرق في أحد حافتي النهر وكرى الأنهار أي حفرها: وتنظيفها وعمل القناطر: أي الجسور: والطريق المساجد أرزاق القضاة والأئمة والمؤذنين والفقهاء ومن يحتاج إليه المسلمون وكل ما يعود نفعه على المسلمين ولا يخمس وإن فضل عن المصالح منه فضل قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم إلا عبيدهم فلا يفرد العبد بالعطاء بل يزاد سيده وعنه يقدم المحتاج قال الشيخ: وهو أصح عن أحمد واختار أبو حكيم والشيخ لاحظ للرافضة فيه: وذكره في الهدى عن مالك و أحمد ويكون العطاء كل عام مرة أو مرتين ويفرض للمقاتلة قدر كفايتهم وكفاية عيالهم وتسن البداءة بأولاد المهاجرين الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبدأ من قريش ببني هاشم ثم بني المطلب ثم بني عبد شمس ثم بني نوفل ثم يعطي بنو عبد العزى ثم بنو عبد الدار حتى تنقضي قريش - وقريش بنو النضرين كنانة وقيل بنو فهر بن مالك بن النضر - ثم بأولاد الأنصار ثم سائر العرب ثم العجم ثم الموالي وللإمام أن يفاضل بينهم بحسب السابقة ونحوها وإن استوى اثنان من أهل الفيء في درجة

 

ج / 2 ص -36-    قدم اسبقهما إسلاما: فأسن فأقدم هجرة وسابقة ثم ولى الأمر مخير إن شاء أقرع بينهما وإن شاء رتبهما على رأيه وينبغي للإمام أن يضع ديوانا يكتب فيه أسماء المقاتلة وقدر أرزاقهم ويجعل لكل طائفة عريفا يقوم بأمرهم ويجمعهم وقت العطاء ووقت الغزو والعطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ عاقل حر بصير صحيح يطيق القتال فإن مرض مرضا غير مرجو الزوال كزمانة ونحوها خرج من المقاتلة وسقط سهمه ومن مات بعد حلول وقت العطاء دفع إلى ورثته حقه ومن مات من أجناد المسلمين دفع إلى امرأته وأولاده الصغار قدر كفايتهم وإذا بلغ ذكورهم أهلا للقتال واختاروا أن يكونوا مقاتلة فرض لهم بطلبهم وإلا قطع فرضهم ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزويج وبيت المال ملك للمسلمين يضمنه متلفه ويحرم الأخذ منه بلا إذن الإمام - ويأتي أنه غير وارث.

باب الأمان وهو ضد الخوف
ويحرم به قتل ورق وأسر وأخذ مال ويشترط أن يكون من مسلم عاقل مختار لو مميزا حتى من عبد وأنثى وهرم وسفيه لا من كافر ولو ذميا ولا من مجنون وسكران وطفل ومغمى عليه ونحوه وعدم الضرر علينا وألا تزيد مدته على عشر سنين1 ويصح منجزا ومعلقا ويصح من إمام وأمير لأسير كافر بعد الاستيلاء عليه وليس ذلك لآحاد الرعية إلا أن يجبره الإمام ويصح من إمام لجميع المشركين وأمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وعدم الضر معطوف على قوله: ويشترط أن يكون، وكذلك قوله: وألا تزيد الخ.

 

ج / 2 ص -37-    أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم وأما في حق غيرهم فهو كآحاد المسلمين لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم ويصح أمان احد الرعية لواحد وعشرة وقافلة وحصن صغيرين عرفا كمائة أقل: وأمان أسير بدار حرب إذا عقده غير مكره وكذا أمان أجير وتاجر في دار الحرب ومن صح أمانه صح إخباره به إذا كان عدلا كالمرضعة على فعلها ولا ينقض الإمام أمان مسلم إلا أن يخاف خيانة من أعطيته ويصح بكل ما يدل عليه من قول وإشارة مفهومة ورسالة وكتاب فإذا قال للكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو آجرتك أو قف أو قم ولا تخف أو لا تخش أو لا خوف عليك أو لا تذهل أو الق سلاحك أو مترس بالفارسية أو سلم عليه أو امن يده أو بعضه فقد أمنه وكذا لو باعه الإمام فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أمانا وقال: أردت به الأمان فهو أمان: وإلا فالقول قوله وإن خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإشارة لم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم وإن مات المسلم أو غاب ردوا إلى مأمنهم وإذا قال لكافر أنت آمن فرد الأمإن لم ينعقد وإن قبله ثم رده لو بصوله على المسلم وطلبه نفسه أو جرحه أو عضوا من أعضائه انتقض وإن سبيت كافرة وجاء ابنها يطلبها وقال أن عندي أسيرا مسلما فأطلقوها حتى احضره فقال الإمام احضره فاحضره لزم إطلاقها فإن قال الإمام لم أرد إجابته لم يجبر على ترك أسيره ورد إلى مأمنه ومن جاء بمشرك فادعى أنه أسره أو اشتراه بماله وادعى المشرك عليه أنه أمنه فأنكر فالقول قول المسلم ويكون على

 

ج / 2 ص -38-    ملكه ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يرد إلى مأمنه وإذا أمنه سرى إلى من معه من أهل ومال إلا أن يقول أمنتك وحدك ونحوه ومن أعطى أمانا ليفتح حصنا فتحه أو أسلم واحد منهم ثم ادعوه واشتبه علينا فيهم حرم قتلهم واسترقاقهم وإن قال كف عني حتى أدلك على كذا فبعث معه قوما ليدلهم فامتنع من الدلالة فلهم ضرب عنقه قال أحمد إذا لقي علجا فطلب منه الأمان فلا يؤمنه لأنه يخاف شره وإن كانوا سرية فلهم أمانة وإن لقيت السرية أعلاجا فادعوا أنهم جاؤا مستأمنين قبل منهم إن لم يكن معهم سلاح ويجوز عقده لرسول ومستأمن ويقيمون الهدنة بغير جزية ومن دخل منا دارهم بأمان حرمت عليه خيانتهم ومعاملتهم بالربا فإن خانهم أو سرق منهم أو افترض شيئا وجب رده إلى أربابه ومن جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضنا لأمانه ومن دخل دار الإسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه قبل منه إن صدقته عادة كدخول تجارهم إلينا ونحوه وإلا فكأسير وإن كان جاسوسا فكأسير وإن كان ممن ضل الطريق أو حملته ريح في مركب إلينا أو شرد إلينا بعض دوابهم أو أبق رقيقهم فهو لمن أخذه غير مخموس ولا يدخل احد منهم إلينا بلا أذن ولو رسولا وتاجرا وينتقض الأمان برده ربا لخيانه وتقدم وإن أودع المستأمن ماله مسلما أو ذميا أو أقرضه إياه ثم عاد إلى دار الحرب لتجارة أو حاجة على عزم عوده إلينا فهو على أمانه وإن دخل إلى دار الحرب مستوطنا أو محاربا أو نقض ذمي عهده لحق

 

ج / 2 ص -39-    بدار حرب أم لا انتقض في نفسه وبقي في ماله فيبعث به إليه أن طلبه وإن تصرف فيه ببيع أو هبة ونحوهما صح تصرفه وإن مات فلوارثه فإن عدم ففيء وإن كان المال معه انتقض الأمان فيه كنفسه وإن أسر المستأمن أو استرق وقف ماله فإن أعتق أخذه وإن مات قنا ففيء وإن أخذ مسلم من حربي في دار الحرب مالا مضاربة أو وديعة ودخل به دار الإسلام فهو في أمان وإن أخذه ببيع في الذمة أو قرض فالثمن في ذمته عليه أداؤه إليه وإن اقترض حربي من حربي مالا ثم دخل إلينا فاسلم فعليه رد البدل كما لو تزوج حرية ثم أسلم لزمه رد مهرها وإذا سرق المستأمن في دارنا أو قتل أو غصب ثم عاد إلى دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية استوفى منه ما لزمه في أمانة الأول وإن اشترى عبدا مسلما فخرج به إلى دار الحرب ثم قدر عليه لم يغنم لأنه لم يثبت ملكه عليه لكون الشراء باطلا ويرد إلى بائعه ويرد بائعه الثمن إلى الحربي فإن كان العبد تالفا فعلى الحربي قيمته ويترادان الفضل وإذا دخلت الحربية بأمان فتزوجت ذميا في دارنا ثم أرادت الرجوع لم تمنع إذا رضي زوجها أو فارقها وإن أسر كفار مسلما فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو أبدا لزمه الوفاء - قال الشيخ: ما ينبغي له أن يدخل معهم في التزام الإقامة أبدا لأن الهجرة واجبة عليه انتهى - وإن لم يشترطوا شيئا أو شرطوا كونه رقيقا ولم يأمنوه فله أن يقتل ويسرق ويهرب وإن أحلفوه على ذلك وكان مكرها لم تنعقد يمينه وإن أمنوه فله الهرب فقط ويلزمه المضي إلى دار الإسلام إن أمكنه وإن تعذر عليه أقام وكان حكمه

 

ج / 2 ص -40-    حكم من أسلم في دار الحرب فإن خرج وتبعوه فأدركوه قاتلهم وبطل الأمان وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالا باختياره فإن عجز عاد إليهم لزمه الوفاء إلا أن تكون امرأة فلا ترجع ويجوز نبذ الأمان إليهم أن توقع شرهم وإذا أمن العدو في دار الإسلام إلى مدة صح فإذا بلغها واختار البقاء في دارنا أدى الجزية وإن لم يخثر فهو على أمانه حتى يخرج إلى مأمنه.

باب الهدنة
وهو العقد على ترك القتال مدة معلومة بعوض وبغير عوض وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة ومسالمة ولا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه ويكون العقد لازما ويلزمه الوفاء بها فإن هادنهم غيرهما لم تصح ولا تصح إلا حيث جاز تأخير الجهاد فمتى رأى المصلحة في عقدها لضعف المسلمين عن القتال أو لمشقة الغزو أو لطمعه في إسلامهم أو في أدائهم الجزية أو غير ذلك جاز ولو بمال منا ضرورة مدة معلومة ولو فوق عشر سنين وإن هادنهم مطلقا أو معلقا بمشيئة كما شئنا أو شئتم أو شاء فلان أو ما أقركم الله عليه لم يصح وإن نقضوا العهد بقتال أو مظاهرة أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقض عهدهم وحلت دماؤهم وأموالهم وسبي ذراريهم وإن نقض بعضهم دون بعض فسكت باقيهم عن الناقض ولم يوجد منهم إنكار ولا مراسلة الإمام ولا تبر فالكل ناقضون وإن أنكر من لم ينقض على الباقين بقول أو فعل ظاهر أو اعتزال أو راسل الإمام باني منكر ما فعله الناقض مقيم على العهد لم

 

ج / 2 ص -41-    ينتقض في حقه ويأمر الإمام بالتمييز ليأخذ الناقض وحده فإن امتنع من التميز لم ينتقض عهده فإن أسر الإمام منهم قوما فادعى الأسير أنه لم ينقض وأشكل ذلك عليه قبل قول الأسير وإن شرط فيها شرطا فاسدا كنقضها متى شاء أورد النساء المسلمات أو صداقهن أو رد صبي عاقل أو رد الرجال مع عدم الحاجة إليه أو رد سلاحهم أو إعطائهم شيئا من سلاحنا أو من آلات الحرب أو شرط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله أو إدخالهم الحرم بطل الشرط فقط فلا يجب الوفاء به ولا يجوز وأما الطفل الذي لا يصح إسلامه فيجوز شرط رده ومتى وقع العقد باطلا فدخل ناس من الكفار درا الإسلام معتقدين الأمان كانوا آمنين ويردون إلى دار الحرب ولا يقرون في دار الإسلام وإن شرط رد من جاء من الرجال مسلما جاز لحاجة فلا يمنعهم أخذه ولا يجيره على ذلك وله أن يأمره سرا بقتالهم والهرب منهم وله ولمن أسلم معه أن يتحيزوا ناحية ويقتلوا من قدروا عليه من الكفار ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصلح فإن ضمهم الإمام إليه بإذن الكفار دخلوا في الصلح وإذا عقدها من غير شرط لم يجز لنا رد من جاءنا مسلما أو بأمان حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة ولا يجب رد مهر المرأة وإذا طلبت امرأة أو صبية مسلمة الخروج من عند الكفار جاز لكل مسلم إخراجها وإن هرب منهم عبد أسلم لم يرد إليهم وهو حر ويضمنون ما أتلفوه لمسلم ويحدون لقذفه ويقادون لقتله ويقطعون بسرقة ماله ولا يحدون لحق الله تعالى.

 

ج / 2 ص -42-    فصل:- وعلى الإمام حماية من هادنه من المسلمين وأهل الذمة
دون غيرهم كأهل حرب فلو أخذهم أو مالهم غيرهما حرم أخذنا1 وإن سباهم كفار آخرون أو سبى بعضهم بعضا لم يجز لنا شراؤهم وإن سبي بعضهم ولد بعض وباعه صح لنا شراء ولدهم وأهليهم كحربي باع أهله وأولاده وإن خاف نقض العهد منهم بإمارة تدل عليه جاز نبذه إليهم بخلاف ذمته فيعلم بنقض عهدهم وجوبا قبل الإغارة والقتال ومتى نقضها وفي دارنا منهم أحد وجب ردهم إلى مأمنهم وإن كان عليهم حق استوفى منهم وينتقض عهد نساء وذرية بنقض عهد رجالهم تبعا ويجوز قتل رهائنهم إذا قتلوا رهائننا ومتى مات إمام أو عزل لزم من بعده الوفاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد لو أخذ غير المسلمين وأهل الذمة شيئا من الكفار المهادنين حرم علينا على المأخوذ منهم لأنهم في أماننا.

باب عقد الذمة
لا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه ويحرم من غيرهما ويجب عقدها إذا اجتمعت الشروط مالم يخف غائلة منهم وصفة عقدها أقررتكم بجزية واستسلام أو يبذلون ذلك فيقول أقررتكم على ذلك ونحوهما فالجزية مال يؤخذ منهم على وجه الصغار كل عام بدلا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا ولا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين أحدهما التزام إعطاء الجزية كل حول والثاني التزام أحكام الإسلام وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتابين ولمن وافقهما في التدين بالتوراة والإنجيل كالسامرة والفرنج ولمن له شبهة كتاب كالمجوس والصابئين - وهم

 

ج / 2 ص -43-    جنس من النصارى نصا - ومن عاداهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل وإذا عقد الإمام الذمة للكفار زعموا أنهم أهل كتاب ثم تبين يقينا أنه عبدة أوثان فالعقد باطل ومن انتقل إلى حد الأديان الثلاثة من غير أهلها بان تهود أو تنصر أو تمجس قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولو بعد التبديل فله حكم الدين انتقل إليه من إقراره بالجزية وغيره وكذا بعد بعثته وكذا من ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما إذا اختار دين من يقبل منه الجزية - ويأتي إذا انتقل أحد أهل الأديان الثلاثة إلى غير دينه.

فصل: ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب
و لو بذلوها بل من حربي منهم لم يدخل في الصلح إذا بذلها وليس للإمام نقض عهدهم وتجديد الجزية عليهم لأن عقد الذمة مؤبد وقد عقده عمر رضي الله عنه هكذا فلا يغيره إلى الجزية وإن سألوه وتؤخذ الزكاة منهم عوضها من ماشية وغيرها ما تجب فيه زكاة مثلى ما يؤخذ من المسلمين حتى ممن لا تلزمه جزية فيؤخذ من نسائهم وصغارهم ومجانينهم وزمناهم ومكافيفهم وشيوخهم ونحوهم ولا تؤخذ من فقير ولا ممن له مال دون نصاب أو غير زكوى ولو كان المأخوذ من أحدهم أقل من جزية ذمي ويلحق بهم كل من أباها إلا باسم الصدقة من العرب وخيف منهم الضرر كم تنصر من تنوخ وبهراء أو تهود من كنانة وحميرا وتمجس من بني تميم ومضر ومصرف ما يؤخذ منهم كجزية ولا جزية على من لا يجوز قتله إذا أسر لا تجب على صغير ولا امرأة

 

ج / 2 ص -44-    ولا خنثى فإن بان رجلا أخذ منه للمستقبل فقط ولا على مجنون ولا زمن أعمى ولا شيخ فإن ولا راهب بصومعة - وهو الذي حبس نفسه وتخلى عن الناس في دينهم ودنياهم - ولا يبقى بيده ماله إلا بلغته فقط ويؤخذ ما بيده وأما الرهبان الذين يخالطون الناس ويتخذون المتاجر والمزارع فحكمهم كسائر النصارى تؤخذ منهم الجزية باتفاق المسلمين - قاله الشيخ - وتؤخذ من الشماس كغيره ولا على عبد ولو لكافر بل على معتق ذمي ولو اعتقه مسلم ومعتق بعضه بقدر حريته ولا على فقير يعجز عنها غير معتمل فإن كان معتملا وجبت عليه ومن بلغ أو أفاق أو استغنى ممن تعقد له الجزية فهو من أهلها بالعقد الأول ولا يحتاج إلى استئناف عقد وتؤخذ في آخر الحول بقدر ما أدرك ومن كان يجن ويفيق لفقت إفافته فإذا بلغت حولا أخذت منه وإن كان في الحصن نساء أو من لا جزية عليه فطلبوا عقد الذمة بغير جزية أجيبوا إليها وإن طلبوا عقدها بجزية أخبروا أنه لا جزية عليهم فإن تبرعوا بها كانت هبة متى امتنعوا منها لم يجبروا وإن بذلتها امرأة لدخول دارنا فسكنت مجانا إلا أن تتبرع به بعد معرفتها أن لا شيء عليها لكن يشترط عليها التزام أحكام الإسلام ويعقدها الذمة ومرجع جزية وخراج إلى اجتهاد الإمام وتقدم وعنه إلى ما ضر به عمر فيجب أن يقسمه الإمام عليهم فيجعل على الموسر ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين وعلى الأدون أثنى عشر ويجوز أن يأخذ عن كل أثني عشر درهما دينارا ولا يتعين أخذها من ذهب

 

ج / 2 ص -45-    ولا فضة بل من كل الأمتعة بالقيمة ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير عن الجزية والخراج إذا تولوا بيعها وقبضوه والغني فيهم من عده الناس غنيا عرفا ومتى بذلوا الواجب لزم قبوله ودفع من قصدهم باذي في دارنا وحرم قتالهم وأخذ مالهم ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه الجزية لا أن مات أو طرأ عليه مانع من جنون ونحوه فتؤخذ من تركة ميت من مال حي وإن طرأ المانع في أثناء الحول كموت سقطت ومن اجتمعت عليه جزية سنين استوفيت كلها ولم تتداخل وتؤخذ كل سنة هلالية مرة بعد انقضائها ولا تجوز مطالبته بها عقب عقد الذمة ويمتهنون عند أخذها وتجر أيديهم عند أخذها ويطال قيامهم حتى يألموا ويتعبوا ويؤخذ منهم وهم قيام والآخذ جالس ولا يقبل منهم إرسالها مع غيرهم لزوال الصغار كما لا يجوز تفريقها بنفسه بل يحضر الذمي بنفسه ليؤديها وهو قائم وليس للمسلم أن يتوكل لهم في أدائها ولا أن يضمنها ولا أن يحيل الذمي عليه بها ولا يعذبون في أخذها ولا يشتط عليهم.

فصل:- ويجوز أن يشرط عليهم مع الجزية ضيافة
من يمر بهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم حتى الراعي وعلف دوابهم ويبين أيام الضيافة والأدام والعلف وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان والمنزل فيقول تضيفون في كل سنة مائة يوم في كل يوم عشرة من المسلمين من خبز كذا وكذا وللفرس من الشعير كذا ومن التبن كذا ويبين لهم ما على الغني الفقير فيكون ذلك بينهم على قدر جزيتهم فإن شرط

 

ج / 2 ص -46-    الضيافة مطلقا - قال في الشرح والفروع صح وتكون مدتها يوما وليلة - ولا تجب من غير شرط فلا يكلفون الضيافة ولا الذبيحة ولا أن يضيفوا بأرفع من طعامهم وللمسلمين النزول في الكنائس والبيع فإن لم يجدوا مكانا فلهم النزول في الأفنية وفضول المنازل وليس لهم تحويل صاحب المنزل منه فإن امتنع بعضهم من القيام بما يجب عليه اجبر عليه فإن امتنع الجميع اجبروا فإن لم يمكن إلا بالقتال قوتلوا فإن قاتلوا انتقض عهدهم فإن جعل الضيافة مكان الجزية صح وإذا شرط في الذمة شرطا فاسدا مثل أن يشترط الأجزية عليهم أو إظهارهم المنكر أو إسكانهم الحجاز ونحوه فسد العقد وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم أو قامت به بينة أو كان ظاهرا اقرهم عليه وإن لم يعرفه رجع إلى قولهم فيما يسوغ أن يكون جزية وله تحليفهم مع التهمة فإن بان له كذبهم رجع عليهم وإذا عقد الإمام الذمة كتب أسماءهم وأسماء آبائهم وحلاهم ودينهم وجعل لكل طائفة عريفا مسلما يجمعهم عند أداء الجزية ويكشف حال من بلغ أو استغنى أو أسلم أو سافر ونحوه أو نقض العهد أو خرق شيئا من أحكام الذمة وما يذكره بعض أهل الذمة أن معهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عنهم لم يصح ومن أخذت منه الجزية كتبت له براءة لتكون له حجة إذا احتج إليها ويأتي في الباب بعده.

 

ج / 2 ص -47-    باب أحكام الذمة
يلزم الإمام أن يأخذهم بأحكام الإسلام في ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحد عليهم فيما يعتقدون تحريمه كزنا وسرقة لا فيما يعتقدون حله كشرب خمر نكاح المحرم أو يرون صحته من العقود ولو رضوا بحكمنا - قال الشيخ: واليهودي إذا تزوج بنت أخيه أو أخته كان ولده منها يلحقه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان هذا النكاح باطلا باتفاق المسلمين - ويلزمهم التمييز عن المسلمين فيشترطه الإمام في شعورهم بحذف مقادم رؤسهم بان يجزوا نواصيهم ولا يتحذفوا شوابين1 لأنه من عادة الأشراف وبترك الفرق فلا يفرق شعر جمته فرقتين كما يفرق النساء وكناهم فلا يتكنون بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله وأبي محمد وأبي الحسن وأبي بكر ونحوها وكذا لقب كعز الدين ونحوه ولا يمنعون الكنى بالكلية ويلزمهم الانقياد لحكمنا إذا جرى عليهم ولهم ركوب غير خيل بلا سرج عرضا بان تكون رجلاه إلى جانب وظهره إلى الآخر على الأكف جمع إكاف وهو البرذعة وفي لباسهم الغيار فيلبسون ثوبا يخالف لونه بقية ثيابهم كعسلي ليهود: وهو ضرب من اللباس معروف وأركن لنصارى يضرب إلى السواد وهو الفاختي ويكون هذا في ثوب واحد لا في جميعها و لامرأة غيار بخفين مختلفي اللون كأبيض وأحمر ونحوهما إن خرجت بخف وشد الخرق الصفر ونحوها في قلانسهم وعمائمهم مخالفة للونها ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء والحمراء من شعارهم حرم على المسلم لبسها والظاهر أنه يجتزأ بها في حق الرجال عن الغيار ونحوه لحصول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي لا يرسلوا شعر ما بين النزعة والعذار وهو شعر الصدغين.

 

ج / 2 ص -48-    التمييز الظاهر بها وهو في الأزمنة وقبلها كالإجماع لأنها صارت مألوفة فإن أرادوا العدول عنها منعوا وإن تزيا يها مسلم أو علق صليبا بصدره حرم ولم يكفر ولا يتقلدوا السيوف ولا يحملوا السلاح ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا بأس أن يعلموا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتعلمون العربية ويمنعون من العمل بالسلاح وتعلم المقاتلة بالثقاف والرمي وغيره ويؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم وهو خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما وللمرأة ثيابها ويكفي أحدهما أي الغيار أو الزنار ولا يمنعون فاخر الثياب ولا العمائم والطيلسان لحصول التمييز بالغيار والزنار ويجعل في رقابهم خواتيم من رصاص أو حديد لا من ذهب وفضة ولو جعل في عنقه صليبا لم يجز أو جلجل جرس صغير لدخولهم حمامنا ويلزم تمييز قبورهم عن قبورنا تمييزا ظاهرا كالحياة وأولى وينبغي مباعدة مقابرهم عن مقابر المسلمين وظاهره وجوبا لئلا تصير المقبرتان واحدة لأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين وكلما بعدت عنها كان اصلح ويكره الجلوس في مقابرهم ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم ولا لمبتدع يجب هجره ولا يوقرون كما يوقر المسلم ولا تجوز بداءتهم بالسلام فإن كان معهم مسلم نواه بالسلام ولا يجوز قوله لهم كيف أصبحت وكيف أمسيت وكيف أنت وكيف حالك - وقال الشيخ: يجوز أن يقال له أهلا وسهلا وكيف أصبحت ونحوه ويجوز قوله له: أكرمك الله وهداك الله يعني بالإسلام ويجوز أطال الله بقاءك وأكثر

 

ج / 2 ص -49-    مالك وولدك قاصدا بذلك كثرة الجزية - ولو كتب كتابا إلى كافر وكتب فيه سلاما: كتب سلام على من اتبع الهدى وإن سلم على من ظنه مسلما ثم علم أنه ذمي استحب قوله له: رد علي سلامي وإن سلم أحدهم لزم رده فيقال له وعليكم أو عليكم وبالواو أولى وإذا لقيه المسلم في طريق فلا يوسع له ويضطره إلى أضيقه وتكره مصافحته وتشميته والتعرض لما يوجب المودة بينهما وإن شمته كافر أجابه ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم وعنه تجوز العيادة إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره وقال: ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه ومهاداتهم لعيدهم ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة أو تمثالا ونحوه وكل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم والتشبه بهم منهي عنه إجماعا وتجب عقوبة فاعله وقال والكنائس ليس ملكا لأحد وأهل الذمة ليس لهم منه من يعبد الله فيها لأنا صالحناهم عليه والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا انتهى - وتكره التجارة والسفر إلى أرض العدو وبلاد الكفر مطلقا وإلى بلاد الخوارج والبغاة والروافض والبدع المضلة ونحو ذلك وإن عجز عن إظهار دينه فيها فحرام سفره إليها ويمنعون من تعلية بنيان لا مساواته جار مسلم ولو كان بنيان المسلم في غاية القصر أو رضي وإن لم يلاصق بحيث يطلق عليه اسم الجار قرب أو بعد حتى ولو كان البناء مشتركا بين مسلم وذمي ويجب هدمه أي العالي أن أمكن هدمه بمفرده واقتصر عليه ويضمن ما تلف به قبله وإن ملكوه عاليا من مسلم أو بني المسلم أو ملك دارا إلى جانب دار لذمي

 

ج / 2 ص -50-    دونها لم تنقض: لكن لا تعاد عالية لو انهدمت أو هدمت فإن تشعث العالي ولم ينهدم فله رمه وإصلاحه وإن كانوا في محلة منفردة عن المسلمين لا يجاورهم فيها مسلم تركوا وما يبنونه كيف أرادوا ولو وجدنا دار ذمي عالية ودار مسلم أنزل منها وشككنا في السابقة: فقال ابن القيم في كتاب أحكام الذمة له لا تقر لأن التعلية مفسدة وقد شككنا في شرط الجواز انتهى ولو أمر الذمي بهدم بنائه فبادر وباعه من مسلم صح وسقط الهدم كما لو بادر وأسلم ويمنعون من إحداث كنائس وبيع في دار الإسلام وبناء صومعة لراهب ومجتمع لصلواتهم قاله في المستوعب وما فتح صلحا على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فلهم إحداث ما يختارون وإن صولحوا على أن الدار للمسلمين فلهم أحداث ما يختارون وإن صولحوا على أن الدار للمسلمين فلهم الأحداث بشرط فقط ولا يجب هدم ما كان موجودا منها وقت فتح ولو كان عنوة ولهم رم ما تشعث منها لا الزيادة ويمنعون من بناء ما استهدم منها ولو كلها أو هدم ظلما ومن إظهار منكر وإظهار ضرب ناقوس ورفع صوتهم بكتابهم أو على ميت وإظهار عيد وصليب وأكل وشرب في نهار رمضان ومن إظهار بيع مأكول فيه كشوي ذكره القاضي ومن شراء مصحف وكتاب فقه وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ارتهان ذلك ولا يصحان ولا يمنعون من شراء كتب اللغة والأدب والنحو والتصريف التي لا قرآن فيها دون كتب الأصول ويكره بيعهم ثيابا مكتوبا عليها بطراز أو غيره ذكره الله تعالى أو كلامه ويمنعون من قراءة قرآن وإظهار خمر وخنزير فإن فعلوا أتلفناهما وإلا فلا وإن باعوا الخمر للمسلمين استحقوا

 

ج / 2 ص -51-    العقوبة من السلطان وللسلطان أن يأخذ منهم الأثمان التي قبضوها من مال المسلمين بغير حق ولا ترد إلى من اشترى بها منهم الخمر فلا تجمع له بين العوض والمعرض ومن باع خمرا للمسلمين لم يملك ثمه ويصرف في مصالح المسلمين كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عين أو منفعة محرمة إذا كان المعارض قد استوفى المعوض قاله الشيخ وإن صولحوا في بلادهم على إعطاء جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا من ذلك ويمنعون دخول حرم مكة ولو غير مكلف لا حرم المدينة فإن قدم رسول لا بد له من لقاء الإمام وهو به خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عالما عزر وأخرج وينهى الجاهل ويهدد ويخرج قاله الموفق و الشارح و ابن عبيدان وغيرهم فإن مرض أو مات أخرج وإن دفن نبش إلا أن يكون قد بلى وإن صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه لم يرد عليهم العوض وإن دخلوا إلى بعضه أخذ من العوض بقدره ويمنعون من الإقامة بالحجاز وهو الحاجز بين تهامة ونجد كالمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك وما والاها من قراها - قال الشيخ: منه تبوك ونحوها وما دون المنحنى وهو عقبة صوان من الشام كمعان وليس لهم دخوله إلا بإذن الإمام وفي المستوعب وقد وردت السنة بمنعهم من جزيرة العرب - وحد الجزيرة على ما ذكره أبو عبيد من عدن إلى ريف العراق طولا ومن تهامة إلى ما وراءها إلى أطراف الشام فإن دخلوا الحجاز لتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر

 

ج / 2 ص -52-    من ثلاثة أيام وله أن يقيم مثل ذلك في موضع آخر وكذا في ثالث ورابع فإن أقام أكثر منها في موضع واحد عزر إن لم يكن عذر فإن كان فيهم من له دين أجبر غريمه على وفائه فإن تعذر جازت الإقامة لاستيفائه وإن كان مؤجلا لم يمكن ويوكل وإن مرض جازت إقامته حتى يبرأ وتجوز الإقامة أيضا لمن يمرضه وإن مات دفن به ولا يمنعون من تيماء وفيك ونحوهما وليس لهم دخول مساجد الحل ولو بإذن مسلم ويجوز دخولها للذمي إذا استؤجر لعمارتها.

فصل:- وإن اتجر ذمي
ولو صغيرا أو أنثى أو تغلبيا إلى غير بلده ثم عاد ولم يؤخذ منه الواجب في الموضع الذي سافر إليه من بلادنا فعليه نصف العشر مما معه من مال التجارة ويمنعه دين ثبت على الذمي ببينة كزكاة ولو كان معه جارية فادعى أنها زوجته أو ابنته صدق ولا يعشر ثم خمر وخنزير يتبايعونه وإن اتجر حربي إلينا ولو صغيرا أو أنثى أخذ من تجارته العشر دفعة واحدة وسواء عشروا أموال المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير فيها ويؤخذ كل عام مرة ويحرم تعشير أموال المسلمين والكلف التي ضربها الملوك على الناس: بغير طريق شرعي إجماعا - قال القاضي: لا يسوغ فيها اجتهاد قال الشيخ: لولى يعتقد تحريمه منع موليته من التزويج ممن لا ينفق عليها إلا منه - وعلى الإمام حفظهم والمنع من إذاهم واستنفاذ أسراهم بعد فك أسرانا ولو لم يكونوا في معونتنا ويكره أن يستعين مسلم ذمي في شيء من أمور المسلمين

 

ج / 2 ص -53-    مثل كتابة وعمالة وجباية خراج وقسمة فيء وغنيمة وحفظ ذلك في بيت المال وغيره ونقله إلا لضرورة ولا يكون بوابا ولا جلادا ولا جهيدا - وهو النقاد الخبير - ونحو ذلك ويحرم توليتهم الولايات من ديوان المسلمين أو غيره وتقدم نحو الاستعانة بهم في القتال في باب ما يلزم الإمام والجيش ويكره أن يستشاروا أو يؤخذ برأيهم فإن أشار الذمي بالفطر في الصيام أو الصلاة جالسا لم يقبل لتعلقه بالدين وكذا لا يستعان بأهل الأهواء ويكره للمسلم أن يستطب ذميا لغير ضرورة وإن يأخذ منه دواء لم يقف على مفرداته المباحة وكذا وصفه من الأدوية أو عمله لأنه لا يؤمن أن يخلطه بشي من المسمومات أو النجاسات وإن تطب ذمية مسلمة والأولى ألا تقبلها في ولادتها مع وجود مسلمة وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم ألزم الحكم بينهم وإن تحاكم بعضهم مع بعض أو مستأمنان أو استعدي بعضهم على بعض خير بين الحكم وتكره فيحكم ويعدي بطلب أحدهما وفي المستأمنين باتفاقهما ولا يحكم إلا بحكم الإسلام ويلزمهم حكمنا لا شريعتنا وإن لم يتحاكموا إلينا ليس للحاكم أن يتبع شيئا من أمورهم ولا يدعو إلى حكمنا نصا ولا يحضر يهوديا يوم السبت - ذكره ابن عقيل - وإن تبايعوا بيوعا فاسدة وتقابضوا من الطرفين ثم أتونا وأسلموا لم ينقض فعلهم وإن لم يتقابضوا فسخه سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أو لا لعدم لزومهم حكمه لأنه لغو وإن تبايعوا بربا في سوقنا منعوا وإن عامل الذمي بالربا وباع الخمر والخنزير ثم أسلم

 

ج / 2 ص -54-    وذلك المال في يده لم يلزمه أن يخرج منه شيئا وأطفال المسلمين في الجنة وأولاد الزنا من المؤمنين في الجنة وأطفال المشركين في النار - قال القاضي: هو منصوص أحمد قال الشيخ: غلط القاضي على أحمد بل يقال الله أعلم بما كانوا عاملين - ويأتي إذا مات أبو الطفل أو أحدهما في المرتد وإن اسلم بشرط ألا يصلي إلا صلاتين أو يركع ولا يسجد ونحوه صح إسلامه ويؤخذ بالصلاة كاملة وينبغي أن يكتب لهم كتابا بما أخذ منهم ووقت الأخذ وقدر المال لئلا يؤخذ منهم شيء قبل انقضاء الحول وإن يكتب ما استقر من عقد الصلح معهم في دواوين الأمصار ليؤخذوا به إذا تركوه وإن تهود نصراني أو تنصر يهودي لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام أو الذي كان عليه فإن أبى هدد وضرب وحبس ولم يقتل وإن اشترى اليهود نصرانيا فجعلوه يهوديا عزروا ولا يكون مسلما وإن انتقلا إلى دين المجوس أو انتقلا إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام أو السيف فيقتل إن أبى الإسلام بعد وإن انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أقر ولو مجوسيا وكذا أن تمجس وثني ومن أقررناه على تهود أو تنصر أبيحت ذبيحته ومنا كحته وإن تزندق ذمي لم يقتل لأجل الجزية نصا وإن كذب نصراني بموسى خرج من النصرانية كتكذيبه عيسى ولم يقر لا يهودي بعيسى.

 

ج / 2 ص -55-    فصل: وفي نقض العهد
ومن نقضه بمخالفة شيء مما صولحوا عليه حل ماله ودمه ولا يقف على حكم الإمام فإذا امتنع من بذل الجزية أو التزام أحكام ملة الإسلام بأن يمتنع من جري أحكامنا عليه ولو لم يحكم عليه حاكمنا أو أبى الصغار أو قاتل المسلمين منفردا أو مع أهل الحرب أو لحق بدار حرب مقيما بها انتقض عهده ولو لم يشترط عليهم وكذا لو تعدى على مسلم ولو عبدا بقتل عمدا أو فتنه عن دينه أو تعاون على المسلمين بدلالة: مثل مكاتبة المشركين ومراسلتهم بأخبارهم أوزنا بمسلمة ولا يعتبر فيه إذن الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره - قاله الشيخ - أو أصابها باسم نكاح أو بقطع طريق أو تجسس للكفار أو إيواء جاسوسهم أو ذكر الله تعالى أو كتابة أو دينه أو رسوله بسوء ونحوه فإن سمع المؤذن يؤذن فقال له كذبت قال أحمد: يقتل لا بقذف المسلم وإيذائه بسحر في تصرفه ولا ينتقض بنقض عهده عهد نسائه وأولاده الصغار الموجودين لحقوا بدار الحرب أولا ولو لم ينكروا النقض وإن أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه أو ركب الخيل ونحوه لم ينقض عهده ويؤدب وحيث انتقض خير الإمام فيه كالأسير الحربي على ما تقدم وماله فيء ويحرم قتله لأجل نقضه العهد إذا أسلم ولو لسبه النبي صلى الله عليه وسلم ويستوفى منه ما يقتضيه القتل وقيل يقتل سابه بكل حال اختاره جمع - قال الشيخ: وهو الصحيح من المذهب وقال: أن سبه حربي ثم تاب بإسلامه قبلت توبته إجماعا وقال من تولى منهم ديوان المسلمين انتقض عهده وتقدم في باب ما يلزم الإمام والجيش وقال: أن جهر بين المسلمين بان المسيح هو الله

 

ج / 2 ص -56-    عوقب على ذلك ما يقتل أو بما دونه لا أن قاله سرا في نفسه أو قال هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب إن أراد طائفة معينة من المسلمين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم انتقض عهده ووجب قتله.