الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل ج /
2 ص -252-
كــتاب الشـركـة
وهي اجتماع في استحقاق أو تصرف - فالأول -
شركة في المال - والثاني - شركة عقود: هو
المراد هنا - وتكره معاملة من في ماله حلال
وحرام يجهل ومشاركة مجوسي ووثني ومن في معناه
وكذا مشاركة كتابي ولو غير ذمني لأنه يعمل
بالربا: إلا أن يلي المسلم التصرف - وهي خمسة
أقسام لا يصح شيء منها إلا من جائز التصرف -
أحدها شركة العنان: بأن يشترك اثنان فأكثر
بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه بينهما أو
يعمل أحدهما بشرط أن يكون له من الربح أكثر من
ربح ماله فإن شرط له ربحا قدر ماله فهو ابضاع
لا يصح1 وإن شرط له أقل منه لم يصح أيضا لأخذه
جزءا من ربح مال صاحبه بلا عمل2 بما يدل على
رضاهما بمصير كل منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البضيع: الشريك، ومنه الإبضاع بمعنى الاشراك
في المال، وجملة قوله: لا يصح صفة لقوله:
إبضاع، وعلة البطلان في هذا النوع ما فيه من
شائبة الربا، حيث يأخذ أحد الشريكين ربحا لما
له من غير أن يعمل أو يدفع أجرا لمن يعمل فيه،
والذي يظهر لي أنه قريب من التبرع بالعمل
للغير في ماله.
2 ظاهر هذا أنه باطل كسابقه، ولكن صاحب الكشاف
قصر البطلان فيه على الشرط وحده دون التصرف،
وقرران العامل يستحق حينئذ ربح ماله دون أجرة
على عمله في مال الغير ووجه لذلك بأنه متبرع.
وذلك يساعدنا على ما استظهرنا لك في القولة
السابقة والله أعلم.
ج /
2 ص -253-
لهما1 ولما شروط - منها أن يكون المالان
معلومين فإن اشتركا في مختلط بينهما شائعا صح
إن علما قدر مال كل منهما - ومنها حضور
المالين: كمضاربة فلا تصح على غائب ولا في
الذمة ولا مجهول وهي عنان ومضاربة2 ويغني لفظ
الشركة عن أذن صريح في التصرف وينفذ تصرف كل
واحد منهما في المالين بحكم الملك في نصيبه
والوكالة في نصيب شريكه - ومنها أن يكون رأس
المال من النقدين المضروبين فلا تصح شركة
العنان ولا المضاربة بعرض ولو مثليا ولا
بقيمته ولا بثمنه الذي اشترى به ولا بثمنه
الذي يباع به ولا بمغشوش كثيرا ولا فلوس ولو
نافقة ولا نقرة: وهي التي لم تضرب ولا أثر هنا
وفي الربا وغيرهما لغش يسير لمصلحة: كحبة فضة
ونحوها في دينار - ومنها أن يشترطا لكل واحد
منهما من الربح مشاعا معلوما: كنصف أو ثلث أو
غيرهما: سواء شرطا لكل واحد على قدر ماله من
الربح أو أقل أو أكثر فإن قالا: الربح بيننا
تناصفاه وإن لم يذكراه أو شرطا لأحدهما في
الشركة والمضاربة جزءا مجهولا أو دراهم معلومة
أو ربح أحد الثوبين أو إحدى السفرتين أو ربح
تجارته في شهر أو عام بعينه أو جزءا أو عشرة
دراهم أو جزءا إلا عشرة دراهم أو دفع ألفا
مضاربة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله بما يدل يتعلق بقوله سابقا يشترك،
وقوله: بمصير- بضم الميم على صيغة اسم الفاعل.
2 يريد أن يفهمك أن الشركة بالمالين على هذا
النحو تسمى عنانا من حيث اشتراكهما في المال،
ومضاربة من حيث أن أحدهما قد ينفرد بالعمل في
نظير جزء زائد من الربح وعلى هذا فقوله وهي-
عائد على الصورة التي ينفرد فيها أحدهما
بالعمل فحسب.
ج /
2 ص -254-
وقال: لك ربح نصفه - لم يصح العقد1 وكذا
مساقاة ومزارعة ولا يشترط خلط المالين ولا
اتفاقهما قدرا وجنسا وصفة فلو نما أحدهما قبل
الخلط أو خسر فلهما وعليهما ولو أخرج أحدهما
دراهم والآخر دنانير أو أحدهما مائة والآخر
مائتين أو أحدهما ناصرية والآخر ظاهرية - صح2
وعند التراجع يرجعان بما أخرجاه وما بقي فربح
وما يشتريه كل منهما بعد عقد الشركة فبينهما
وأما ما يشتريه لنفسه فهو له والقول في ذلك
وإن تلف أحد المالين ولو قبل الخلط فيمن
ضمانهما والوضعية3 على قدر المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم لك قبل الكلام على الشروط أنه لو شرط
في شركة العنان أن يعمل أحدهما ويأخذ ربح ماله
أو أقل تكون الشركة باطلة أو الشرط باطل دون
التصرف على ما أو ضحناه ولكنه في أول الكلام
على هذا الشرط الرابع قال: سواء شرطا لكل واحد
على قدر ماله من الربح أو أقل أو أكثر. ولا
يشكل عليك هذا ما فهمته سابقا، فإن الكلام
هناك مفروض قيما إذا انفرد أحدهما بالعمل وهنا
مفروض فيما إذا كان الشريكان يعملان وعلة جواز
الاشتراط هنا أن الشريكين يختلفان كفاءة وخبرة
ومجهودا وثقة عند الناس فجاز التفاوت في
استحقاق الربح لذلك كله.
2 الناصرية والظاهرية يريد بهما النقود
المضروبة على عهد الملك الناصر والملك الظاهر.
3 الوضيعة الخسارة.
فصل:- ولكل منهما أن يبيع ويشتري
مساومة ومرابحة و تولية و مواضعة ويقبض ويقبض ويطالب بالدين ويخاصم
فيه ويحيل ويحتال ويؤجر ويستأجر ويرد بالعيب
للحظ فيما وليه أو وليه صاحبه ولو رضي شريكه
ويقر به: ويقابل ويقر بالثمن،
ج /
2 ص -255-
وببعضه وبأجرة المنادي والحمال ونحوه - ويأتي
قريبا - وكل ما هو من مصلحة تجارتهما وإن ردت
السلعة عليه بعيب فله أن يقبلها ويعطي الأرش
أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لأجل العيب وليس
له أن يكاتب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه ولو
بمال ولا يهبه ولا يفرض ولا يحابي ولا يضارب
بالمال ولا يشارك فيه ولا أن يخلط مال الشركة
بماله ولا مال غيره ولا أن يأخذ به سفتجة بان
يدفع إلى إنسان شيئا من مال الشركة ويأخذ منه
كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك
المال ولا يعطيها بأن يأخذ من إنسان عرضا
ويعطي بثمنه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي
منه ذلك - إلا بأذن شريكه فيهن ويملك البيع
نساء ويملك الإيداع والرهن والارتهان لحاجة
فيهن وعزل وكيل وكله هو أو شريكه وليس له أن
يبضع: وهو أن يدفع من مال الشركة إلى من يتجر
فيه والربح كله للدافع وشريكه وليس له أن يوكل
فيما يتولى مثله بنفسه وهو كمضارب فيما له
وعليه وفيما يمنع منه وله السفر من الأمن فلو
سافر والغالب العطب ضمن وكذا فيما ليس الغالب
السلامة فيه ومثله ولي يتيم وإن لم يعلما1
بخوفه أو بفلس مشتر لم يضمنا - وإن علم عقوبة
سلطان ببلد بأخذ مال فسافر إليه فأخذه ضمنه
لتعريضه للآخذ - وليس له أن يستدين على مال
الشركة - بأن يشتري بأكثر من رأس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضمير المثنى في يعلما عائد على الشريك وولي
اليتيم.
ج /
2 ص -256-
المال أو بثمن ليس معه من جنسه إلا في النقدين
فإن فعل فهو عليه وربحه له: إلا أن يأذن شريكه
وهذا المنع المتقدم مع الإطلاق أما لو أذن له
فيه أو قال: أعمل برأيك جاز أن يعمل كل ما يقع
في التجارة من الابضاع والمضاربة بالمال
والمشاركة وخلطه بماله والزراعة وغير ذلك إذا
رأى فيه مصلحة وإن أخر حقه من الدين الحال جاز
لا حق شريكه: لكن لو قبض شريكه شيئا مما لم
يؤخر كان له مشاركته فيه وله حبس غريم مع منع
الآخر منه - وإن تقاسما الدين في الذمة أو
الذمم لم يصح وإن ابرأ من الدين لزم في حقه
دون صاحبه وكذلك أن أقر بمال على الشركة غير
المتعلق بها - وتقدم قريبا - عينا كان أو دينا
قبل الفرقة بينهما لزم في حقه ولم يقبل على
شريكه وإذا قبض أحد الشريكين من مال مشترك
بينهما بإرث أو أتلاف أو عقد من ثمن مبيع أو
قرض أو غيره ولو كان القبض بعد تأجيل شريكه
حقه فلشريكه الأخذ من الغريم له الأخذ من
القابض حتى ولو أخرجه برهن أو قضاء دين فيأخذه
من يده كمقبوض بعقد فاسد وإن كان القبض بأذن
شريكه أو تلف في يد قابضه فلا محاصة1 وللغريم
التخصيص مع تعدد سبب الاستحقاق: لكن ليس
لأحدهما إكراهه على تقديمه وعلى كل واحد أن
يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب
وطيه وختم الكيس وإحرازه وقبض النقد فإن فعله
باجرة غرمها وما جرت العادة أن يستنيب فيه
كالاستئجار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: فلا يرجع الشريك على شريكه بحقه فيما
تسلمه، بل يرجع على الغريم.
ج /
2 ص -257-
للنداء على المتاع ونحوه فله أن يستأجر من مال
الشركة من يفعله وليس له فعله ليأخذ أجرته بلا
شرط وإذا استأجر أحدهما الآخر فيما لا يستحق
أجرته إلا بعمل فيه: كنقل طعام بنفسه أو غلامه
أو دابته جاز: كداره وبذلك خفارة وعشرة على
المال - قال أحمد ما انفق على المال فعلى
المال وليس لأحد من الشركاء أن ينفق أكثر من
نفقة شريكه إلا بأذنه وإن اتفقا على شيء معلوم
من النفقة لكل واحد منهما كان أحوط ويحرم على
شريك في زرع فرك شيء من سنبله يأكله بلا أذن.
فصل:- والشروط في الشركة ضربان:
صحيح: مثل أن يشترط ألا يتجر إلا في نوع من
المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع إلا بنقد كذا
أو لا يسافر بالمال أو لا يبيع أو لا يشتري
إلا من فلان. وفاسد: كاشتراط ما يعود بجهالة
الربح - وتقدم في الباب - فهذا يفسد العقد في
الشركة والمضاربة وإن اشترط عليه ضمان المال
أو أن عليه من الوضعية أكثر من قدر ماله أو
الارتفاق في السلع أو لا يفسخ الشركة مدة
بعينها أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو
لا يبيع إلا ممن اشترى منه أولا يبيع أو لا
يشتري أو لزوم العقد أو خدمة ولو في شيء معين
أو قرضا أو مضاربة أخرى أو شرطه لأجنبي أو
أيما أعجبه أخذه بثمنه: وهو التولية ونحوها -
فهذا شروط فاسدة ولا يفسد العقد وإذا فسد
العقد قسم ربح شركة عنان ووجوه
ج /
2 ص -258-
على قدر المالين: كالوضيعة وما عمله كل واحد
منهما في الشركتين فله أجرته يسقط منها أجرة
عمله في ماله ويرجع على الآخر بقدر ما بقي له
فإن تساوى مالاهما وعملاهما نقصا الدينين
واقتسما الربح نصفين وإن فضل أحدهما صاحبه
بفضل تقاص دين القليل بمثله ويرجع على الآخر
بالفضل وقسمت أجرة ما تقبلاه في الأبدان
بالسوية ويرجع كل واحد منهما فيها على الآخر
بأجرة نصف عمله وإن تعدى شريك ضمن والربح لرب
المال والفاسد في كل أمانة وتبرع كمضاربة
وشركة ووكالة ووديعة ورهن وهبة وصدقة ونحوها
كصحيح في ضمان وعدمه فكل عقد لا ضمان في صحيحه
لا ضمان في فاسده وكل عقد لازم يجب الضمان في
صحيحه يجب في فاسده: كبيع وإجارة ونكاح
ونحوها.
والشركة: عقد جائز تبطل بموت أحد الشريكين
وجنونه والحجر عليه لسفه وبالفسخ من أحدهما
فإن عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول ولم يكن
له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه وللعازل التصرف
في الجميع هذا إذا نض المال1 وإن كان عرضا لم
ينعزل وله التصرف بالبيع دون المعارضة بسلعة
أخرى ودون التصرف بغير ما ينض به المال وإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النض بتشديد النون مفتوحة مع تشديد الضاد
مضمومة من معانيه الدرهم والدينار والمعنى
هنا: إذا ظهر المال عند عزل أحد الشريكين
دراهم أو دنانير كما كان حين عقد الشركة انعزل
المعزول من غير انتظار لشيء، بخلاف ما إذا كان
عرضا فإنه لا ينعزل حتى يصير المال كله نقودا،
وعن الإمام رواية أخرى أنه ينعزل على أي، وليس
له التصرف.
ج /
2 ص -259-
مات أحد الشريكين وله إرث رشيد فله أن يقيم
على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف وهو
إتمام الشركة وليس بابتدائها فلا تعتبر شروطها
وله المطالبة بالقسمة1 فإن كن مولى عليه قام
وليه مقامه في ذلك ولا يفعل إلا ما فيه
المصلحة للمولى عليه فإن كان الميت قد وصى
بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصي له
كالوارث فيما ذكرنا وإن كان لغير معين:
كالفقراء لم يجز للوصي الأذن في التصرف ووجب
دفعه إليهم ويعزل نصيبه2 ويفرقه عليهم فإن كان
على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث إمضاء
الشركة حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال
الشركة فله الإتمام وإن قضاه منه بطلت الشركة
في قدر ما قضى - ويأتي في المضاربة لو مات أحد
المتقارضين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: فله أن يقيم على الشركة معناه: له أن
يثبت، مأخوذ من الإقامة بمعنى الاستقرار.
والقول بجواز بقائه على الشركة أو المطالبة
بالقسمة أحد وجهين في المذهب، والوجه الثاني
أنه بموت أحد الشريكين بطلت الشركة وتسلم
ورثته حقه من رأس مالها مع ربحه.
2 المراد بهذا أن يدفع الوصي المال الموصى بت
إلى المستحقين الذين أوصى بت الميت هم
كالفقراء وبقسمة عليهم وعلى الوصي كذلك عزل
نصيب المثبت الخارج عن الوصية.
فصل:- الثاني - المضاربة:
وهي دفع مال وما في معناه معين معلوم قدره: لا
صبرة نقد ولا أحد كيسين في كل واحد منهما مال
معلوم: تساوي ما فيهما أو اختلف - إلى من يتجر
فيه بجزء معلوم من ربحه له أو لعبده أو لأجنبي
مع عمل منه ويسمى أيضا قراضا
ج /
2 ص -260-
ومعاملة وتنعقد بما يؤدي معنى ذلك وهي أمانة
ووكالة فإن ربح فشركة وإن فسدت فإجارة وإن
تعدى فغصب - قال في الهدى: المضارب أمين وأجير
ووكيل وشريك: فأمين إذا قبض المال ووكيل إذا
تصرف فيه وأجير فيما يباشره من العمل بنفسه
وشريك إذا ظهر فيه الربح - ومن شرط صحتها
تقدير نصيب العامل فإن قال: خذ هذا المال
مضاربة ولم يذكر سهم العامل أو قال: ولك جزء
من الربح فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه
وللعامل أجر مثله وتكفي مباشرته فلا يعتبر
نطق1 فإن قال: خذه فاتجر به والربح كله لي
فإبضاع لا حق للعامل فيه وإن قال: الربح كله
لك فقرض لا حق لرب المال فيه وليسا بشركة2 فإن
زاد مع قوله: والربح كله لك ولا ضمان عليك فهو
قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي3 وإن قال:
الربح بيننا فبينهما نصفين وإن قال: خذه
مضاربة والربح كله لك أو قال: والربح كله لي
فسدت وله أجرة المثل في الأولى ولا شيء له في
الثانية وإن قال: لك أولى ثلث الربح ولم يذكر
نصيب الآخر صح والباقي للآخر وإن أتى معه بربع
عشر الباقي ونحوه صح وإن قال: لي النصف ولك
الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال وإن
قال: خذه مضاربة على الثلث أو قال: بالثلث أو
على الثلثين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد قبول العامل لا يتوقف على تصريحه بت،
بل تكفي فيه مباشرته للعمل.
2 قوله: ليسا بشركة يريد الابضاع، والقرض.
3 لا ينتفي الصمان لفساد ذلك الشرط حيث خالف
مقتضى عقد القرض.
ج /
2 ص -261-
أو بالثلثين ونحوه صح وكان تقديرا لنصيب
العامل وإن اختلفا لمن الجزء المشروط فللعامل:
قليلا كان أو كثيرا وإن قال: خذ مضاربة ولك
ثلث الربح و ثلث ما بقي صح وله خمسة اتساع
الربح وإن قال ثلث الربح وربع ما بقي فله
النصف وإن قال لك ربع الربح وربع ما بقي فله
ثلاثة أثمان ونصف ثمن وسواء عرفا الحساب أو
جهلاه ويجوز أن يدفع إلى اثنين مضاربة في عقد
واحد فإن شرط لهما جزءا من الربح بينهما نصفين
صح وإن قال: لكما كذا وكذا من الربح ولم يبين
كيف هو فهو بينهما نصفين وإن شرط لأحدهما ثلث
الربح وللآخر ربعه والباقي له جاز وإن قارض
اثنان واحدا بألف لهما جاز فإن شرطا له ربحا
متساويا منهما جاز وكذلك أن شرط أحدهما له
النصف والآخر الثلث ويكون باقي ربح مال كل
واحد منهما له وإن شرطا كون الباقي من الربح
بينهما نصفين لم يجز1 وإذا شرطا جزءا من الربح
لغير العامل: فإن كان لعبد أحدهما أو لعبديهما
صح وكان مشروطا لسيده وإن جعلاه بينهما وبين
عبد أحدهما أثلاثا فلصاحب العبد الثلثان
وللآخر الثلث وإن شرطاه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عللوا عدم الصحة في هذه الصورة بأمور ثلاثة:
أحدها أنه شرط ينافي ما يقتضيه العقد من تخصيص
كل منهما بما يبقى من ربح ماله بعد نصيب
العامل، ثانيهما أن كلا منهما لاحق له في مال
الثاني، ثالثهما أم كلا منهما لم يعمل في مال
الآخر عملا يستحق عليه أجرا والذي يظهر لي من
عبارة المصنف أن عدم الجواز في هذه المسألة
قاصر على شرط وحده دون عقد المضاربة إذ مخالفة
الشرط لمقتضى العقد لا تستلزم دائما بطلان
العقد نفسه كما تقدم نظيره، ولو كان هذا الشرط
راجعا إلى تقدير الربح في أول أمره لظهر
البطلان، ولكنهما شرطاه بعد تخصيصهما كلا
منهما بنصيبه وبعد تقديرهما نصيب العامل،
والله أعلم.
ج /
2 ص -262-
لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه
وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين
وإن لم يشرطا عليه عملا لم تصح المضاربة1
وكذلك حكم المساقاة والمزارعة فيما تقدم وحكم
المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو
لا يفعله وما يلزمه فعله وفي الشروط لأن ما
جاز في إحداهما جاز في الأخرى وكذا المنع وإن
فسدت فالربح لرب المال وللعامل أجرة مثله: خسر
المال أو ربح وما تصرفه نافذ وإن لم يعمل
العامل شيئا إلا أنه صرف الذهب بالورق فارتفع
الصرف استحق العامل حصته ولا ضمان عليه فيها
ويصح تعليقها والمنصوص: وبع هذا وما حصل من
ثمنه فقد ضاربتك به2 ويصح تأقيتها بأن يقول:
ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت السنة
فلا تبع ولا تشتر ولو قال: ومتى مضى الأجل فهو
قرض فمضى وهو ناض صار قرضا وإن مضى وهو متاع
فإذا باعه صار قرضا وإن قال: بع هذا العرض
وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي أو ديني وضارب به
أو بعين مالي الذي غصبته مني صح وزال ضمان
الغصب ويصح قوله: إذا قدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم تصح المضاربة لأنه شرط يتعلق بالربح وليس
في مقابلة عمل، فهو لذلك فاسد في ذاته ولما
كان من شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل أو
نصيب كل منهما، وكان ذلك الأجنبي غير داخل في
حوزة التقاعد كان الاشتراط له منافيا لمقتضى
العقد فأدى إلى البطلان.
2 إنما ساق العبارة المرويه عن الإمام رضي
الله تعالى عنه ليؤيد بها جواز تعليق المضاربة
فإن قول الإمام: بع هذا، وما حصل من ثمنه فقد
ضاربتك بت يتضمن توكيلا في البيع، ويتضمن عقد
مضاربة معلقا على البيع وتحصيل الثمن.
ج /
2 ص -263-
الحاج فضارب بوديعتي أو غيرها وإن قال: ضارب
بالدين الذي عليك أو بديني الذي على زيد
فأقبضه أو قال: هو قرض عليك شهرا ثم هو مضاربة
لم يصح وإن اخرج مالا يعمل فيه هو وآخر والربح
بينهما صح وكان مضاربة وكذا مساقاة ومزارعة
وإن شرط فيهن عمل المالك أو غلامه معه صح:
كبهيمة: ولا يضر عمل المالك بلا شرط وإن باع
المضارب بدون ثمن المثل ضمن الوكيل1 وله أن
يشتري المعيب إذا رأى فيه مصلحة بخلاف وكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: ضمن الوكيل، يريد به المضروب، وقد
تقدم لنا أن المضارب يسمى وكيلا إذا تصرف فعلا
بمال المضاربة كما يسمى أمينا بعد القبض وقبل
التصرف ولو قال الوكيل لكان أظهر.
فصل:- وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال
بغير إذنه
فإن فعل صح وعتق وضمن ثمنه: علم أو لم يعلم
وإن اشتراه بأذنه صح أيضا وتنفسخ المضاربة في
قدر ثمنه فيهما: وإن كان في المال ربح رجع
العامل بحصته منه وإن اشترى امرأة رب المال أو
كان ربه امرأة فاشترى زوجها أو بعضها صح ولو
كان بعين المال وانفسخ النكاح فيهما ولا ضمان
على العامل فيما يفوت من المهر ويسقط من
النفقة وإن اشترى من يعتق على نفسه ولم يظهر
ربح لم يعتق وإن ظهر ربح عتق عليه قدر حصته
وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وغرم قيمته وإن
كان معسرا لم يعتق منه إلا ما ملكه وليس له
الشراء من مال المضاربة إن ظهر ربح وإلا كشراء
الوكيل من وكله1 وليس له وطء أمة المضاربة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يجز له الشراء من مال المضاربة إذا ظهر
الربح لأنه شريك يحتاج إلى تراضي شريكه والإذن
منه وأما إذا لم يظهر ربح فهو كالوكيل يجوز له
الشراء من مال المضاربة لنفسه بمقتضى أمانته
ووكالته في التصرف.
ج /
2 ص -264-
ولو ظهر ربح فإن فعل فعليه المهر والتعزير ولا
حد ولو لم يظهر ربح وإن علقت منه ولم يظهر في
المال ربح فولده رقيق وإن ظهر ربح فالولد حر
وتصير أم ولد له وعليه قيمتها وليس لرب المال
وطء الأمة أيضا ولو عدم الربح فإن فعل فلا حد
عليه وإن أحبلها صارت أم ولد له وولده حر
وتخرج من المضاربة وليس له أن يضارب لآخر إذا
كان فيه ضرر على الأول فإن فعل حرم و رد نصيبه
من الربح في شركة الأول1 وإن لم يكن فيه ضرر
على الأول ولم يكن اشترط للعامل نفقة أو كان
بأذنه جاز وامتنع الرد وإن أخذ من رجل مضاربة
ثم أخذ من آخر بضاعة أو عمل في مال نفسه واتجر
فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها وفي مال
نفسه وإن دفع إليه ألفين في وقتين لم يخلطهما
فإن أذن له قبل تصرف في الأول أو بعده وقد نض
جاز وصار مضاربة واحدة وإلا فلا وليس لرب
المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه
لأنه ملكه وكشراء الموكل من وكيله وكذلك شراء
السيد من عبده المأذون فإن اشترى أحد الشريكين
نصيب شريكه صح وإن اشترى الجميع لم يصح في
نصيبه وصح في نصيب شريكه وليس للمضارب نفقة
ولو مع السفر إلا بشرط: كوكيل فإن شرطها له
وقدرها فحسن فإن لم يقدرها واختلفا فله نفقة
مثله عرفا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صورة هذا أن تعقد مع إنسان مضاربة، ثم يذهب
هو فيقعد مضاربة أخرى مع سواك، وفي اشتغاله
بالثانية ضرر عليك، فهو بذاك آثم ونصيبه من
المضاربة الثانية يضم إلى ربح مضاربته معك
ويقسم بينكما، ولكن صاحب المغني والشرح لا
يقولان بضم ربحه في الثانية إلى مضاربتك.
ج /
2 ص -265-
من طعام وكسوة وإن كان معه مال لنفسه يتجر فيه
أو مضاربة أخرى أو بضاعة لآخر فالنفقة على قدر
المالين إلا أن يكون رب المال قد شرط له
النفقة من ماله مع علمه بذلك وإن لقيه رب
المال ببلد أذن له في سفره إليه وقد نض المال
فأخذه فلا نفقة لرجوعه وإن مات لم يجب تكفينه
وله التسري بأذن فإذا اشترى جارية ملكها وصار
ثمنها قرضا: وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس
المال فإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما أو في
إحدى السفرتين وخسر في الأخرى جبرت الوضيعة من
الربح كما يأتي والمضاربة بحالها.
فصل:- وإن تلف رأس المال
أو بعضه أو تعيب أو خسر بسبب مرض أو تغير صفة
أو نزل السعر بعد تصرفه فيه جبرت الوضيعة من
ربح باقيه قبل قسمته ناضا أو تنضيضه مع
المحاسبة وإن تلف بعض رأس المال قبل تصرفه فيه
انفسخت فيه المضاربة وكان رأس المال الباقي
خاصة وإن تلف المال ثم اشترى سلعة في ذمته
للمضاربة فهي له وثمنها عليه علم تلف المال
قبل نقد الثمن أو جهله: إلا أن يجيزه رب المال
وإن تلف بعد الشراء قبل نقد ثمنها بان اشترى
في الذمة أو تلف هو والسلعة: فالمضاربة بحالها
والثمن على رب المال ويصير رأس المال الثمن
دون التالف ولصاحب السلعة مطالبة كل منها
بالثمن ويرجع به العامل فإن كان المال مائة
فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة لم ينقص رأس المال
بالخسران لأنه قد يربح فيجبر الخسران: لكنه
ينقص بما أخذه رب المال وهو العشرة وقسطها
ج /
2 ص -266-
من الخسران هو درهم وتسع ويبقى رأس المال
ثمانية وثمانين وثمانية أتساع درهم فإن كان
أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين
لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان
أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع
وكذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان
ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس
المال مائة فربح عشرين فأخذها فقد أخذ سدسه
فينقص المال سدسه: ستة عشر وثلثين وقسطها
ثلاثة وثلث وبقي رأس المال ثلاثة وثمانين
وثلثا ولو اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع
الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين
بقي رأس المال خمسين لأن رب المال أخذ نصف
المال الموجود فسقط نصف الخسران ولو لم يتلف
العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال
ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من
الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح
للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر
به خسران الباقي وإن اقتسما العشرين الربح
خاصة ثم خسر عشرين فعلى العامل رد ما أخذه
وبقي رأس المال تسعين لأن العشرة الباقية مع
رب المال تحسب من رأس المال ومهما بقي العقد
على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن
اقتسما الربح وتحرم قسمته والعقد باق إلا
باتفاقهما - قال أحمد إلا أن يقبض رأس المال
صاحبه ثم يرده إليه فيقول: أعمل به ثانية فما
ربح بعد ذلك لا يجبر به وضيعة الأول وأما مالا
بدفع فمتى يحتسبا حسابا: كالقبض وقيل وكيف
يكون حسابا
ج /
2 ص -267-
كالقبض؟ قال: يظهر المال يعني ينض ويجيء
فيحتسبان عليه وإن شاء صاحبه قبضه قيل له
فيحتسبان على المتاع؟ قال: لا يحتسبان إلا على
الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع انتهى -
وأما قبل ذلك فالوضيعة تحسب من الربح وكذلك لو
طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال لم تجب
أجابته لأنه لا يأمن الخسران في الثاني وإن
اتفقا على قسمه أو قسم بعضه أو على أن يأخذ كل
واحد منهما كل يوم قدرا معلوما جاز وإتلاف
المالك للمال كقسمه فيغرم حصة عامل: كأجنبي
ومن الربح مهر وثمرة وأجرة وأرش عيب ونتاج
وإذا ظهر ربح لم يكن له أخذ شيء منه إلا بأذن
رب المال ويملك العامل حصته من الربح بالظهور
قبل القسمة كرب المال وكمساقاة ويستقر الملك
فيها بالمقاسمة وبالمحاسبة التامة - وتقدم نص
أحمد فيه تقريبا وإن طلب العامل البيع مع بقاء
قراضه أو فسخه فأبى رب المال أجبر إن كان فيه
ربح وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب
المال أن يأخذ بماله من العرض فله ذلك فيقوم
عليه ويدفع حصة العامل ثم إن ارتفع السعر بعد
ذلك لم يطالبه العامل بشيء وإن لم يرض بأخذه
من ذلك وطلب البيع أو طلبه ابتداء فله ذلك
ويلزم المضارب بيعه ولو لم يكن في المال ربح
وإن نض رأس المال جميعه لزم العامل أن ينض له
الباقي وإن كان رأس المال دراهم فصار دنانير
أو عكسه فكعرض وإن انفسخ والمال دين لزم
العامل تقاضيه: سواء كان فيه ربح أو لم يكن
فإن اقتضى منه قدر رأس المال أو كان الدين قدر
الربح أو دونه
ج /
2 ص -268-
لزم العامل تقاضيه أيضا ولا يلزم الوكيل تقاضي
الدين وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال
ولو زاد على تسمية المثل ولا يحتسب به من ثلثه
ويقدم به على سائر الغرماء ولو ساقى أو زارع
في مرض موته حسب من الثلث وإن مات المضارب
فجأة أولا ولا يعرف مال المضاربة لعدم تعيين
العامل له وجهل بقاؤه فهو دين في تركته لصاحبه
أسوة الغرماء وكذلك الوديعة ومثله لو مات وصى
وجهل بقاء مال موليه وإذا مات أحد المتقارضين
أو جن أو توسوس أو حجر عليه لسفه انفسخ القراض
فإن كان رب المال فأراد الوارث أو وليه أتمامه
والمال نض جاز ويكون رأس المال وحصته من الربح
رأس المال وحصة العامل من الربح شركة له مشاع
وإن كان المال عرضا وأرادوا إتمامه لم يجز لأن
القراض قد بطل بالموت وكلام أحمد في جوازه
محمول على أنه يبيع ويشتري بأذن الورثة كبيعه
وشرائه بعد انفساخ القراض وإن كان العامل
وأراد رب المال ابتداء القراض مع وارثه أو
وليه والمال ناض جاز وإن كان عرضا لم يجز ورفع
إلى الحاكم فيبيعه.
فصل:- والعامل أمين لا ضمان عليه
فيما تلف بغير تعد ولا تفريط والقول قوله: في قدر رأس المال والربح
وأنه ربح أو لم يربح وفيما يدعيه من هلاك
وخسران وما اشتراه لنفسه أو للقراض وما يدعي
عليه من خيانة أو جناية أو مخالفته شيئا مما
شرطه عليه ويقبل قوله أنه لم ينهه عن بيعه
نساء أو الشراء بكذا وتقدم في الوكالة
ج /
2 ص -269-
وكذا لو اشترى عبدا فقال رب المال: كنت نهيك
عن شرائه فأنكر والقول قول رب المال في رده
إليه وفي الجزء المشروط للعامل بعد الربح
كقبوله في صفة خروجه عن يده فلو أقام كل واحد
منهما بينة بما قاله قدمت بينة العامل فلو دفع
إليه ما لا يتجر به ثم اختلفا فقال رب المال
كان قراضا فربحه بيننا وقال العامل: كان قرضا
فربحه كله لي فالقول قول رب المال فيحلف ويقسم
الربح بينهما وإن أقام كل واحد منهما بينة
بدعواه تعارضتا وقسم بينهما نصفين وإن قال رب
المال: كان بضاعة وقال العامل: كان قراضا أو
قرضا حلف كل منهما على إنكاره ما ادعاه خصمه
وكان للعامل أجرة عمله لا غير وإن خسر المال
أو تلف فقال رب المال كان قرضا وقال العامل:
كان قراضا أو بضاعة فقول رب المال وإن قال
العامل: ربحت ألفا ثم خسرتها أو هلكت قبل قوله
وإن قال: غلطت أو نسيت أو كذبت لم يقبل وإن
دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض
المال وهو ثلاثة آلاف فقال رب المال: رأس
المال ألفان فصدقه أحدهما وقال الآخر: بل هو
ألف فقول المنكر مع يمينه فإذا حلف أنه ألف
فالربح ألفان ونصيبه منهما خمسمائة ويبقى
ألفان وخمسمائة يأخذ رب المال ألفين يبقي
خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الآخر
يقتسما بها ثلاثا لرب المال ثلثاها وللعامل
ثلثها وإذا شرطا المضارب النفقة ثم ادعى أنه
انفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك ولو بعد
رجوع إلى مالكه ولو دفع عبده أو دابته إلى من
يعمل بهما بجزء من الأجرة أو ثوبا يخيطه أو
غزلا
ج /
2 ص -270-
ينسجه بجزء من ربحه أو بجزء منه جاز ومثله
حصاد زرعه طحن قمحه ورضاع رقيقه وبيع متاعه
بجزء مشاع من ربحه واستيفاء مال بجزء منه
ونحوه وغزوه بدابته بجزء من السهم وهي مسألة
قفيز الطحان1 لكن لو دفع إليه الثوب ونحوه
بالثلث أو الربع ونحوه وجعل له مع ذلك درهما
أو درهمين ونحوه لم يصح2 لو دفع دابته أو نحله
لمن يقوم به بجزء من نمائه كدر ونسل وصوف وعسل
ونحوه لم يصح وله أجرة مثله منه يجوز مدة
معلومة ونماؤه ملك لهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أصل هذه التسمية أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى عن أخذ الأجرة على عسب الفحل وهو
نزوه على الأنثى، وعن استئجار الرجل ليطحن لك
قمحا أو يحصد لك زرعا بقفيز منه، وقاس الفقهاء
على ذلك برضاع الرقيق بعشرين دينارا من ثمنه
مثلا ودفع الدابة لمن يغزوا عليها بكذا من
السهم وعللوا ذلك بأن الأجرة هنا معينة،
والباقي بعدها غير معلوم فربما بقى بعد الأجرة
كثيرا أو لم يبق شيء، وعلى ذلك فتكون المنفعة
المؤجر عليها مجهولة والشرط في جواز الإجارة
أن تكون معلومة، وقد اشتهرت هذه المسألة
بمسألة قفيز الطحان ولكن المسألة التي معنا
هنا لم يشترط فيها أجر معلوم وإنما اشترط جزء
مشاع مما ينتج بعد العمل كالثلث والربع: قليلا
كان الناتج أو كثيرا، ولهذا قال صاحب الكشاف:
أن ما هنا ليس جديرا بأن يسمى مسألة قفيز
الطحان.
2 علة عدم الصحة النماء أو النسل مثلا ليس
نتيجة عمله بدليل أنه يحصل بدون عمل.
فصل:- الثالث - شركة الوجوه:
وهو أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما شيئا
يشتركان في ربحه من غير أن يكون لهما رأس مال
على أن ما اشترياه فهو بينهما نصفين أو أثلاثا
أو نحو ذلك فيكون الملك
ج /
2 ص -271-
بينهما على ما شرطاه ويبيعان ذلك فما قسم الله
من الربح فهو بينهما عينا جنسه أو قدره أو
قيمته أولا فلو قال كل منهما للآخر: ما اشتريت
من شيء فبيننا صح وما ربحا فهو بينهما على ما
اشترطاه وكل منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن
والوضيعة على قدر ملكيهما فيه وهما في التصرف
كشريكي العنان فيما يجب لهما وعليهما.
فصل: الرابع - شركة الأبدان:
وهي أن يشتركا فيما يتقبلان بأبدانهما في
ذممهما من العمل فهي شركة صحيحة ولو مع اختلاف
الصنائع وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في
ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله ويلزم غير
العارف منهما أن يقيم مقامه ولو قال أحدهما:
أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة ولكل منهما
المطالبة بالأجرة وللمستأجر دفعها إلى كل
منهما ويبرأ منها الدافع وإن تلفت في يد
أحدهما من غير تفريط فهي من ضمانهما وما يتلف
بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده على وجه
يوجب الضمان عليه فهو عليه وحده وإن أقر
أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه ولا
يقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه
ويصح في تملك المباحات من الاحتشاش والاصطياد
والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات
كالاستئجار عليها وإن مرض أحدهما أو ترك العمل
ولو بلا عذر فالكسب بينهما فإن طالبه الصحيح
أن يعمل أو يقيم مقامه من يعمل لزمه ذلك فإن
امتنع فللآخر الفسخ فإن اشتركا ليحملا على
دابتيهما ما يتقبلان حمله في الذمة والأجر
بينهما صح ولهما أن يحملاه على أي
ج /
2 ص -272-
ظهر كان وإن اشتركا في أجرة عين الدابتين أو
في أجرة أنفسهما إجارة خاصة لم يصح ولكل منهما
أجرة دابته ونفسه فإن أعان أحدهما صاحبه في
التحميل كان له أجرة مثله وإن اشترك اثنان
لأحدهما آلة قصارة وللآخر بيت فاتفقا على أن
يعملا بآلة هذا في بيت هذا والكسب بينهما صح
فإن فسدت الشركة قسم الحاصل بينهما على قدر
أجر عملهما وأجر الدار والدابة وإن كانت
لأحدهما آلة وليس للآخر شيء أو لأحدهما بيت
وليس للآخر شيء فاتفقا على أن يعملا بآلة أو
في البيت والأجر بينهما جاز وإن دفع دابة إلى
آخر ليعمل عليها وما رزق الله بينهما على ما
شرطاه صح وهو يشبه المساقاة والمزارعة وتقدم
قريبا ولو اشترك ثلاثة: لواحد دابة ولآخر
راوية وثالث يعمل أو اشترك أربعة: لواحد دابة
ولآخر رحى لثالث دكان ورابع يعمل ففاسدتان1
وللعامل الأجر وعليه لرفقته أجرة آلتهم وقياس
نصه صحتهما واختاره الموفق و غيره قال المنقح:
وهو أظهر: وصححه في الإنصاف ومن استأجر من
الأربعة أذكر صح والأجر بقدر القيمة: كتوزيع
المهر فيما إذا تزوج أربعا بمهر واحد وإن تقبل
الأربعة الطحن في ذممهم صح والأجر أرباعا
ويرجع كل واحد على رفقته لتفاوت قدر العمل
بثلاثة أرباع أجر المثل وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فساد هاتين الصورتين لأنهما غير داخلين في
الشركة لأن رأس المال في الشركة لا يكون عروضا
كما هما، ولا داخلتين في الإجارة لأن الإجارة
تكون معلومة المدة والأجرة: وهما مفقودان هنا.
ج /
2 ص -273-
قال: أجر عبدي أو دابتي وأجرته بيننا فالأجر
كلها لربه وللآخر أجرة مثله وتصح شركة شهود -
قاله الشيخ وقال: وللشاهد أن يقيم مقامه إن
كان على عمل في الذمة وكذا إن كان الجعل على
شهادته بعينه انتهى - وموجب العقد المطلق
التساوي في العمل والأجر ولو عمل واحد أكثر
ولو يتبرع طالب بالزيادة ولا تصح شركة دلالين
لأن الشركة الشرعية لا تخرج عن الوكالة
والضمان ولا وكالة هنا فإنه لا يمكن توكيل
أحدهما على بيع مال الغير ولا ضمان فإنه لا
دين يصير بذلك في ذمة واحد منهما ولا تقبل عمل
فهي كأجر دابتك والأجر بيننا وهذا في الدلالة
التي فيها عقد: كما دل عليه التعليل - قال
الشيخ: فأما مجرد النداء والعرض وإحضار الزبون
فلا خلاف في جواز الاشتراك فيه وقال: وليس
لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة
الأبدان والوجوه والمساقاة والمزارعة ونحوهما
مما يسوغ فيه الاجتهاد انتهى - وإن جمعا بين
شركة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة صح.
فصل:- الخامس شركة المفاوضة:
وهي قسمان أحدهما أن يدخلا فيها الإكساب النادرة: كوجود لقطة أو
ركاز أو ما يحصل لهما من ميراث أو ما يلزم
أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية ونحو ذلك
ففاسدة ولكل منهما ربح ماله وأجرة عمله وما
يستفيده له ويختص بضمان ما غصبه أو جناه أو
ضمنه من الغير.
الثاني: تفويض كل منهما إلى صاحبه شراء وبيعا
ومضاربة وتوكيلا
ج /
2 ص -274-
وابتياعا في الذمة ومسافرة بالمال وارتهانا
وضمانا ما يرى من الأعمال فصحيحة وكذا لو
اشتركا فيما يثبت لهما أو عليهما إن لم يدخلا
فيها كسبا نادرا أو غرامة.
باب المساقاة والمناصبة والمزارعة
المساقاة: دفع أرض وشجر له ثمر مأكول لمن يغرسه أو مغروس معلوم لمن
يعمل عليه ويقوم بمصلحته بجزء مشاع معلوم من
ثمرته.
والمزارعة: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه
أو مزروع لمن يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من
المتحصل ويعتبر كون عاقديهما جائزي التصرف
فتجوز المساقاة في كل شجر له ثمر مأكول وقال
الموفق: تصح على ماله ورق يقصد: كتوت أو له
زهر يقصد: كورد ونحوه وعلى قياسه شجر له خشب
يقصد: كحور وصفصاف بجزء مشاع معلوم من ثمره أو
ورقه ونحوه يجعل للعامل ولو ساقاه على ما
يتكرر حمله من أصول البقول والخضرات: كالقطن
والمقاثئ والباذنجان ونحوه أو شجر لا ثمر له:
كالحور والصفصاف لم يصح على الأول: وتصح بلفظ
مساقاة ومعاملة ومفالحة واعمل بستاني هذا حتى
تكمل ثمرته وبكل لفظ يؤدي معناها وتقدم - صفة
القبول - وتصح هي ومزارعة بلفظ إجارة وتصح
إجارة الأرض بنقد وعروض وبجزء مشاع معلوم مما
يخرج منها فإن لم يزرعها في إجارة أو مزارعة
نظر إلى معدل المغل فيجب القسط المسمى
ج /
2 ص -275-
فيه وتصح إجارتها بطعام معلوم من جنس الخارج
منها ومن غير جنسه وتصح المساقاة على ثمرة
موجودة لم تكمل وعلى زرع نابت ينمى بالعمل:
فإن بقي من العمل ما لا تزيد به الثمرة
كالجذاذ ونحوه لم يصح وإذا ساقاه على ودي1 نخل
أو صغار شجر إلى مدة يحمل فيها غالبا بجزء من
الثمرة صح وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه
حتى يثمر بجزء معلوم من الثمرة أو من الشجر أو
منهما: وهي المغارسة والمناصبة صح إن كان
الغرس من رب المال - قال الشيخ: ولو كان ناظر
وقف وأنه لا يجوز للناظر بعده بيع نصيب الوقف
بلا حاجة انتهى - فإن كان الغراس من العامل
فصاحب الأرض بالخيار بين قلعه ويضمن له نقصه
وبين تركه في أرض ويدفع إليه قيمته: كالمشتري
إذا غرس في الأرض ثم أخذه الشفيع وإن اختار
العامل قلع شجره فله ذلك: سواء بذلك له القيمة
أولا وإن اتفقا على إبقائه ودفع أجرة الأرض
جاز وقيل يصح كون الغراس من مساق ومناصب - قال
الشيخ: وعليه العمل - ولو دفع أرضه على أن
الأرض والغراس بينهما فسد: كما لو دفع إليه
الشجر المغروس ليكون الأصل والثمرة بينهما أو
شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما ولو
عملا في شجر لهما وهو بينهما نصفان وشرطا
التفاضل في ثمره صح.
ومن شرط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل بجزء
من الثمرة: كالثلث والربع فلو جعل للعامل جزء
من مائة جزء أو الجزء لنفسه والباقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الودي بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء:
الصغير من النخل.
ج /
2 ص -276-
للعامل جاز: ما لم يكن حيلة - ويأتي قريبا -
ولو جعل له آصعا معلومة أو دراهم أو جعلها مع
الجزء المعلوم فسدت وكذلك إن شرط له ثمر شجر
بعينه فإن جعل له ثمرة سنة غير السنة التي
ساقاه عليها فيها أو ثمر غير الشجر الذي ساقاه
عليه أو عملا في غير الشجر الذي ساقاه عليه أو
عملا في غير السنة فسد العقد: سواء جعل ذلك
كله حقه أو بعضه أو جميع العمل أو بعضه وإذا
كان في البستان شجر من أجناس: كتين زيتون وكرم
فشرط للعامل من كل جنس قدرا: كنصف ثمر التين
وثلث الزيتون وربع الكرم أو كان فيه أنواع من
جنس فشرط من كل نوع قدرا وهما يعرفان قدر كل
نوع صح وإن كان البستان لاثنين فساقيا عاملا
واحدا على أن له نصف نصيب أحدهما وثلث نصيب
الآخر والعامل عالم ما لكل واحد منهما صح وكذا
إن جعل ما لكل واحد منهما إذا شرطا قدرا واحدا
كما لو قالا: بعناك دارنا هذه بألف ولم يعلم
نصيب كل واحد منهما ولو ساقي واحد اثنين و لو
مع عدم التساوي بينهما في النصيب أو ساقاه على
بستانه ثلاث سنين على أن له في السنة الأول
النصف وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الربع صح
ولا تصح المساقاة إلا على شجر معلوم بالرؤية
أو الصفة التي لا يختلف معها: كالبيع فإن
ساقاه على بستان لم يره ولم يوصف له أو على
أحد هذين الحائطين لم تصح وتصح على البعل1
كالسقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البعل هو الذي يمتص من الأرض من غير احتياج
إلى سقاية.
ج /
2 ص -277-
فصل:- و المساقاة والمزارعة عقدان جائزان
يبطلان بما تبطل به الوكالة ولا يفتقران إلى القبول لفظا ولا إلى
ضرب مدة يحصل الكمال فيها ولكل منهما فسخها
فإن فسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما
شرطاه ويملك العامل حصته بالظهور ويلزمه تمام
العمل كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت
المضاربة فيؤخذ منه دوام العمل على العامل في
المناصبة ولو فسخت إلى أن تبيد فإن مات قام
وارثه مقامه في الملك والعمل وإن باعه لمن
يقوم مقامه جاز وصح شرطه - كالمكاتب إذا بيع
على كتابته وللمشتري الملك وعليه العمل فإن لم
يعلم فله الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن وبين
الإمساك وأخذ الأرش: كمن اشترى مكاتبا لم يعلم
أنه مكاتب وإن فسخ العامل أو هرب قبل ظهورها
فلا شيء له: وإن فسخ رب المال فعليه للعامل
أجرة عمله ويصح توقيتها وإن ساقاه إلى مدة
تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة
فلا شيء للعامل وإن مات العامل وهي على عينه1
أو جن أو حجر عليه لسفه انفسخت: كرب المال
وكما فسخ أحدهما وإن ظهر الشجر مستحقا بعد
العمل أخذه ربه وثمرته ولا حق للعامل في ثمرته
ولا أجرة له وله على الغاصب أجرة مثله وإن شمس
الثمرة فلم تنقص أخذها ربها وإن نقصت فله أرش
نقصها ويرجع على من شاء منهما ويستقر الضمان
على الغاصب وإن استحقت بعد أن اقتسماها
وأكلاها فللمالك تضمين من شاء منهما فإن ضمن
الغاصب فله تضمينه الكل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: على عينه – يريد به أن المساقاة كانت
منوطة ببدن العامل.
ج /
2 ص -278-
وله تضمينه قدر نصيبه وتضمين العامل قدر نصيبه
فإن ضمن الغاصب الكل رجع على العامل بقدر
نصيبه ويرجع العامل على الغاصب بأجرة مثله.
فصل:- ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة
والزرع وزيادتهما من السقي والاستقاء1 والحرث
وآلته وبقره والزبال2 وقطع ما يحتاج إلى قطعه
وتسوية الثمرة وإصلاح الحفر التي يجتمع فيه
المال على أصول النخل وإدارة الدولاب والتلقيح
والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع التشميس وقطع
الحشيش المضر من شوك وغيره وقطع الشجر اليابس
وآلة ذلك: كالفأس ونحوه وتفريق الزبل ونقل
الثمر ونحوه إلى جرين وتجفيفه وحفظه في الشجر
وفي الجرين إلى قسمة وكذا الجذاذ إن شرط عليه
وإلا فعليهما بقدر حصتيها فإن شرط العامل أن
أجرة الأجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم
من الثمرة وقدر الأجرة أو لم يقدرها لم يصح:
كما لو شرط لنفسه أجر عمله لأن العمل عليه
وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان
ومثله السباخ - قال الشيخ: وإجراء الأنهار
وحفر البئر والدولاب وما يديره من آلة ودابة
وشراء المال وما يلقح به،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفرق بين السقي والاستقاء أن الأول يكون
بماء لا يحتاج إلى استخراج من بئر ولا إلى عمل
دولاب، والثاني أن يكون من ماء محتاج لذلك.
2 الزبال بكسر الزاي: تخفيف أغصان الكرم،
بمعنى جنى بعضها ليكمل نضوج الباقي.
ج /
2 ص -279-
وتحصيل الزبل وقال الموفق وغيره: والأولى أن
البقر التي تدير الدولاب على العامل: كبقر
الحرث - فإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر أو
بعضه فسد الشرط والعقد وحكم العامل حكم
المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد فإن اتهم
حلف وإن اثبت خيانته ضم إليه من يشارفه:
كالوصي إذا ثبتت خيانته فإن لم يمكن حفظه
استؤجر من ماله من يعمل العمل يقوم مقامه
ويزيل يده فإن عجز عن العمل: كضعفه مع أمانته
ضم إليه قوى ولا تنزع يده فإن عجز بالكلية
أقام مقامه من يعمل والأجرة عليه في الموضعين
وإذا ظهرت الثمرة ثم تلفت إلا واحدة فهي
بينهما ويلزم من تلفت حصته منهما نصابا زكاته
وإن ساقاه على أرض خراجية فالخراج على رب
المال وإذا ساقى رجلا أو زارعه فعامل العامل
غيره على الأرض أو الشجر بغير أذن ربه لم يجز
فإن استأجر أرضا أن يزارع فيها والأجرة على
المستأجر دون المزارع وكذلك يجوز لمن في يده
أرض خراجية أن يزارع فيها والخراج عليه دون
المزارع وللموقوف عليه أن يزارع في الوقف
ويساقي على شجره ويتبع في الكلف السلطانية
العرف ما لم يكن شرط وما طلب من قرية من كلف
سلطانية ونحوها فعلى قدر الأموال فإن وضع على
الزرع فعلى ربه أو على الغفار فعلى ربه1 ما لم
يشرط على مستأجر وإن وضع مطلقا فالعادة ويعتبر
معرفة جنس البذر ولو تعدد وقدره وفي المغني:
أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في القاموس تغفر الأرض اجتناها اهـ وعلى هذا
فالغفار هو ثمر الشجر ولم أجد ضبطا له، ولعله
بوزن ثمار.
ج /
2 ص -280-
تقدير المكان وإن شرط إن سقى سيحا أو زرعها
شعيرا فالربع وبكلفة أو حنطة النصف أو لك نصف
هذا النوع وربع الآخر ويجهل العامل قدرهما أو
لك الخمسان أن لزمتك خسارة وإلا الربع أو قال
ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة
فلي نصفه أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف
على أن أساقيك على الآخر بالربع لم يصح وإن
قال: ما زرعت من شيء فلي نصفه صح وإن ساقى أحد
الشريكين شريكه وجعل له من الثمر أكثر من
نصيبه: مثل أن يكون الأصل بينهما نصفين فجعل
له ثلثي الثمر صح وكان السدس حصته من المساقاة
وجعل الثمرة بينهما نصفين أو جعل للعامل الثلث
فسدت ويكون الثمر بينهما بحكم الملك ولا يستحق
العامل شيئا لأنه متبرع.
فصل: في المزارعة
تجوز بجزء مشاع معلوم يجعل للعامل من الزرع
كما تقدم فإن كان في الأرض شجر فزارعه الأرض
وساقاه على الشجر صح وإن أجره الأرض وساقاه
على الشجر صح: كجمع بين إجارة وبيع وإن كان
حيلة على بيع الثمرة قبل وجودها أو قبل بدو
صلاحها: بان أجره الأرض بأكثر من أجرتها
وساقاه على الشجر بجزء من ألف جزء ونحوه حرم
ولو يصح وسواء جمعا بين العقدين أو عقدا واحدا
بعد الآخر فإن قطع بعض الشجر المثمر والحالة
هذه فإنه ينقص من العوض المستحق بقدر ما ذهب
من الشجر: سواء قيل بصحة العقد أو فساده وسواء
قطعه المالك أو غيره وتصح إجارة أرض وشجر فيها
لحملها وتصح إجارتها لنشر الثياب عليها،
ونحوه.
ج /
2 ص -281-
ويشترط كون البذر من رب الأرض ولو أنه العامل
وبقر العمل من الآخر ولا تصح إن كان البذر من
العامل أو منهما أو من أحدهما والأرض لهما أو
الأرض والعمل من الآخر1أو البذر من ثالث أو
البقر من رابع.
وعنه لا يشترط كون البذر من رب الأرض و أختاره
الموفق و المجد و الشارح و ابن رزين و أبو
محمد الجوزي والشيخ و ابن القيم وصاحب الفائق
و الحاوي الصغير وهو الصحيح وعليه عمل الناس.
وإن قال: آجرتك نصف أرضي بنصف البذر ونصف
منفعتك ومنفعة بقرك وآلتك وأخرج المزارع البذر
كله لم يصح لجهالة المنفعة وكذلك لو جعلها
أجرة لأرض أخرى أو دار لم يجز والربح والزرع
كله للمزارع وعليه أجرة مثل الأرض فأن أمكن
علم المنفعة وضبطها بما لا يختلف معه معرفة
البذر جاز وكان الزرع بينهما وإن شرط أن يأخذ
رب الأرض مثل بذره ويقتسم الباقي ففاسد2 وإن
شرط لأحدهما قفزانا معلومة أو دراهم معلومة أو
زرع ناحية معينة أو ما على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: أو الأرض والعمل معطوف على قوله:
والأرض لهما والمعنى: ولا تصح إن كان البذر من
أحدهما والأرض والعمل من الآخر.
2 وجه الفساد أن مثل البذر الذي شرطه لنفسه
يعتبر كاشتراطه قفزانا معلومة وهذا باطل لأن
الأرض قد لا تخرج القدر المشروط أو لا تخرج
أكثر منه فيكون ضررا بالمزارع، وقد صرح بمعنى
ذلك قي المسألة التالية.
ج /
2 ص -282-
الجداول: أما منفردا أو مع نصيبه فسدت
المزارعة والمساقاة ومتى فسد العقد فالزرع
والثمر لصاحبه وعليه الأجرة وحكم المزارعة حكم
المساقاة فيما ذكرنا والحصاد والدياس والتصفية
واللقاط على العامل ويكره الحصاد والجذاذ ليلا
وإن دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في
أرضه ويكون ما يخرج بينهما ففاسد1 ويكون الزرع
لمالك البذر وعليه أجرة الأرض والعمل وإن قال:
أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك
والزرع بيننا لم يصح وإن زارع شريكه في نصيبه
صح بشرط أن يكون للعامل أكثر من نصيبه - وتقدم
قريبا - وما سقط من حب وقت حصاد فنبت في العام
القابل فلرب الأرض: مالكا كان أو مستأجرا أو
مستعيرا وكذا نص فيمن باع قصيلا فحصده فبقي
يسيرا فصار سنبلا فلرب الأرض ويباح التقاط ما
خلفه الحصادون من سنبل وحب وغيرهما ويحرم منعه
- قال في الرعاية: وإذا غصب زرع إنسان وحصده
وأبيح للفقراء التقاط السنبل المتساقط كما لو
حصدها المالك وكما يباح رعي الكلأ من الأرض
المغصوبة وإن خرج الأكار باختياره وترك العمل
قبل الزرع أو بعده قبل ظهوره وأراد أن يبيع
عمل يديه في الأرض وما عمل لم يجز ولا شيء له
وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عللوا ذلك بأن البذر ليس من رب الأرض كما هو
مشروط ولكنك عرفت سابقا أن رواية أخرى عن
الإمام لا تحتم ذلك والأظهر في التعليل أن
المزارعة مبنية على أن تكون الأرض من واحد
والعمل من آخر، وفي الصورة التي معنا لم يوجد
عمل لصاحب البذر فلم تصح المزارعة ولما كان
البذر بذره وقد نما فهو أحق به، ولصاحب الأرض
عوض الانتفاع بأرضه وأجرة عمله وبذلك لا ضرر
على أحدهما.
ج /
2 ص -283-
أخرجه مالك ذلك فله أجرة عمله وما أنفق في
الأرض ولا يجوز أن يشرط على الفلاح شيئا
مأكولا و لا غيره من دجاج ولا غيرها: التي
يسمونها خدمة: ولا أخذه بشرط ولا غيره ولو أجر
أرضه سنة لمن يزرعها فلم ينبت الزرع تلك السنة
ثم نبت في السنة الأخرى فهو للمستأجر وعليه
الأجرة لرب الأرض مدة احتباسها وليس لرب الأرض
مطالبته بقلعه قبل إدراكه.
باب الإجارة1
وهي عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئا
فشيئا مدة معلومة من عين معلومة أو موصوفة في
الذمة أو عمل معلوم بعوض معلوم ويستثنى من مدة
معلومة ما فتح عنوة ولم يقسم فيما فعله عمر
رضي الله عنه2.
وهي و المساقاة والمزارعة والعرايا والشفعة
والكتابة ونحوها من الرخص المباحة المستقر
حكمها على وفق القياس ولا تصح إلا من جائز
التصرف وتنعقد بلفظ آجرت وما في معناه إضافة
إلى العين: نحو آجرتكها أو أكريتكها أو إلى
النفع: نحو آجرتك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للإجارة أركان وشروط. أما أركانها فخمسة:
المتعاقدان، والعوضان، والصيغة. وأما الشروط
فستأتيك في سياق كلامه.
2 فإن عمر رضي الله عنه قسم بعض أرض العنوة
على الغانمين ملكا لهم، ولم يقسم بعضها بل
تركه وقفا على المسلمين كمصر فقد تركها في
أيدي أربابها بالخراج ولم يقدر لذلك مدة، فهذه
مستثناة من ذلك الشرط و باقية على حالها.
ج /
2 ص -284-
أو أكريتك أو ملكتك نفعها - وبلفظ بيع - إضافة
إلى النفع: نحو بعتك نفعها أو سكني الدار
ونحوه أو أطلق ولا تصح إلا بشروط ثلاثة -
أحدها معرفة المنفعة:- أما بالعرف: كسكنى
الدار شهرا وخدمة الآدمي سنة فيخدمه في الزمن
الذي يقتضيه العرف فإذا كان لهما عرف أغنى عن
تعيين النفع وصفته وينصرف الإطلاق إليه فإذا
كان عرف الدار السكني أو لم يكن واكتراها لها
فله السكنى ووضع متاعه فيها ويترك فيها من
الطعام ما جرت عادة الساكن به وله أن يأذن
لأصحابه وأضيافه في الدخول والمبيت فيها وليس
له أن يعمل فيها حدادة ولا قصارة ولا مخزنا
للطعام ولا أن يسكنها دابة ولا يدع فيها رمادا
ولا ترابا ولا زبالة ونحوها وله إسكان ضيف
زائر:- وإما بالوصف: كحمل زبرة حديد وزنها كذا
إلى موضع معين ولو كان المحمول كتابا فوجد
المحمول إليه غائبا فله الأجرة لذهابه ورده
وإن وجده ميتا ففي الرعاية: وهو ظاهر الترغيب
له المسمى فقط ويرده - قال أحمد: يجوز أن
يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن
النظر ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في
بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها وتصح
لبناء ويقدر بالزمان وإن قدر بالعمل فلا بد من
معرفة موضعه لأنه يختلف بقرب الماء وسهولة
التراب ولا بد من ذكر طول الحائط وعرضه سمكه
وآلته من طين ولبن وآجر وشيد وغير ذلك1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشيد بكسر الشين: الجير، وما في معناه مما
يطلى به كالجص.
ج /
2 ص -285-
ولو استؤجر لحفر بئر عشرة أذرع طولا وعشرة
أذرع عرضا وعشرة أذرع عمقا فحفر خمسة طولا في
خمسة عرضا في خمسة عمقا: فاضرب عشرة في عشرة
تبلغ مائة ثم أضرب المائة في عشرة تبلغ ألفا
واضرب خمسة في خمسة بخمسة وعشرين ثم أضربها في
خمسة بمائة وخمسة وعشرين وذلك ثمن الألف فله
ثمن الأجرة إن وجب له شيء1 وإن استأجره ليبني
له بناء معلوما أو في زمن معلوم فبناه ثم سقط
البناء فقد وفي ما عليه واستحق الأجرة إن لم
يكن سقوطه من جهة العامل فأما إن فرط أو بناه
محلولا أو نحو ذلك فسقط فعليه أعادته وغرامة
ما تلف منه وإن استأجره لبناء أذرع معلومة
فبنى بعضها ثم سقط فعليه إعادة ما سقط وتمام
ما وقعت عليه الإجارة من الأذرع ويصح
الاستئجار لتطيين الأرض والسطوح والحيطان
وتجصيصها ولا يصح على عمل معين لأن الطين
يختلف في الرقة والغلظ والأرض منها العالي
والنازل وكذلك الحيطان والسطح فلذلك لم يصح
إلا على مدة وتصح إجارة أرض معينة لزرع كذا أو
غرس أو بناء معلوم أو لزرع ما شاء أو لغرس ما
شاء أو لزرع وغرس ما شاء: كأجرتك لتزرع ما شئت
أو لغرس أو أجرة الأرض وأطلق وهي تصلح للزرع
وغيره ويأتي له تتمة - ويجوز الاستئجار لضرب
اللبن على مدة أو على عمل فإن قدر بالعمل
احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب
فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز وإن
قدره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بأن يكون تركه للعمل اضطرارا.
ج /
2 ص -286-
بالطول والعرض والسمك جاز ولا يكتفي بمشاهدة
قالب الضرب إذا لم يكن معروفا ولا يلزمه إقامة
اللبن ليجف ما لم يكن شرط أو عرف مثله إخراج
الآجر من التنور الذي استؤجر لشيه وإن استؤجر
لحفر قبر لزمه رد ترابه على الميت لأنه العرف
لا تطيينه وإن استأجر للركوب ذكر المركوب:
فرسا أو بعيرا ونحوه: كمبيع وما يركب به من
سرج وغيره وكيفية سيره من هملاج وغيره ولا
يشترط ذكر ذكوريته وأنوثيته ونوعه ولا بد من
معرفة راكب برؤية أو صفة كمبيع ويشترط معرفة
توابعه العرفية كزاد وأثاث من الأغطية
والأوطية والمعاليق: كالقدر والقربة ونحوهما:
إما برؤية أو صفة أو وزن وله حمل ما نقص من
معلومه ولو بأكل معتاد - ويأتي في الباب -
1وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكر ما تقدم إن لم
يتضرر المحمول بكثرة الحركة أو يفوت غرض
المستأجر وإلا اشترط: كحامل زجاج وخزف وفاكهة
ونحوه ويشترط معرفة المتاع المحمول برؤية أو
صفة وذكر جنسه من حديد أو قطن أو غيره وقدره
بالكيل أو بالوزن فلا يكفي ذكر وزنه فقط
ويشترط معرفة أرض لحرث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد للراكب أن يحمل معه شيئا لم يذكره
للمؤجر كا كله وملابسه مما لا يخرج عن المعتاد
ولو حذف المصنف الفظ لو ثم أتى بالكاف بدل
الياء لكان أظهر.
ج /
2 ص -287-
فصل:- الثاني: معرفة الأجرة فما في الذمة:
كثمن والمعينة كمبيع ولو جعل الأجرة صبرة دراهم أو غيرها صحت: كبيع
ويجوز إجارة الأرض بجنس ما يخرج منها - وتقدم
في الباب قبله - ويصح استئجار أجير وظئر
بطعامهما وكسوتهما أو بأجرة معلومة وطعامهما
وكسوتهما وكما لو شرط كسوة ونفقة معلومتين
موصوفتين كصفتهما في السلم وهما عند التنازع
كزوجة ويسن إعطاء ظئر حرة عند الفطام عبدا أو
أمة إن كان المسترضع موسرا - قال الشيخ: لعل
هذا في المتبرعة بالرضاعة انتهى وإن كان الظئر
أمة استحب إعتاقها ولو استؤجرت للرضاع و
الحضانة لزماها وإن استؤجرت للرضاع وأطلق لم
يلزمها الحضانة والمعقود عليه في الرضاع
الحضانة واللبن ولو وقعت الإجارة على الحضانة
والرضاع وانقطع اللبن بطلا ويجب على المرضعة
أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري
مطالبتها بذلك فإن لم ترضعه لكن سقته لبن
الغنم أو أطعمته أو دفعته إلى خادمتها فأرضعه
فلا أجرة لها وإن قالت: أرضعته فأنكر المسترضع
فالقول قولها ويشترط رؤية المرتضع ومعرفة مدة
الرضاع ومكانه: هل هو عند المرضعة أو عند
وليه؟ ولا بأس أن ترضع المسلمة طفلا للكتابي
بأجرة لا لمجوسي ولا يصح استئجار دابة بعلفها
أو بأجر معين وعلفها إلا أن يشترطه موصوفا
وعنه يصح اختاره الشيخ وجمع أو إن شرط للأجير
طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لأنه معلوم:
كنفسه ويكون ذلك للأجير: إن شاء أطعمه وإن شاء
تركه وإن لم يكن موصوفا لم يصح وإنما جاز
للأجير للحاجة إليه وليس له أطعامه إلا ما
يوفقه من الأغذية وإن استغنى الأجير عن طعام
المستأجر أو عجز عن
ج /
2 ص -288-
الأكل لمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له
المطالبة بها وإن احتاج إلى دواء لمرض لم يلزم
المستأجر: لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح وإن قبض
الأجير طعامه فأحب أن يستفضل بعضه لنفسه أو
كان المستأجر دفع إليه أكثر من الواجب له
ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في
تركه لأكله كله ضرر على المستأجر: بأن يضعف
الأجير عن العمل أو يقل لبن الظئر منع منه -
وإن دفع إليه قدر الواجب فقط أو أكثر منه
وملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر
بالمستأجر جاز فإن قدم إليه طعاما فنهب أو تلف
قبل أكله وكان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه
فمن ضمان المستأجر وإن خصه بذلك وسلمه إليه
فمن مال الأجير والداية التي تقبل في الولادة1
يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك وإن تأخذ بلا شرط
ولا بأس أن يحصد الزرع ويصوم النخل بسدس ما
يخرج منه قال أحمد هو أحب إلي من المقاطعة
يعني مع جوازها ولا يجوز نفض الزيتون ونحوه
ببعض ما يسقط منه2 ولا أجرة مثله ويجوز نفض
كله ولقطه ببعضه مشاعا ويجوز للرجل أن يؤجر
أمته للإرضاع وليس لها إجارة نفسها فإن كان
لها ولد لم يجز إجارتها لذلك إلا أن يكون فيها
فضل عن ربه لأن الحق للولد وليس للسيد إلا
الفاضل عنه فإن كانت متزوجة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: التي تقبل في الولادة معناه: التي
تتعهد الولد حين انفصاله عن أمه مما يلزمه.
2 يريد بعضا مقدرا. كخمسة أقداح بخلاف المشاع
كالربع فإنه جائز كما ذكره بعده.
ج /
2 ص -289-
بغير عبده لم يجز أجارتها لذلك إلا بأذن الزوج
وإن أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا
تنفسخ الإجارة وللزوج الاستمتاع بها وقت
فراغها من الرضاعة والحضانة - وتأتي إجارة
الحرة في عشرة النساء - ولا يقبل قولها إنها
ذات زوج أو مؤجرة قبل نكاح بلا بينة.
فصل:- وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ونحوهما
ليعمله ولو لم تكن له عادة بأخذ أجرة ولم
يعقدا عقد إجارة أو استعمل حمالا ونحوه أو
شاهدا إن جاز له أخذا أجرة صح وله أجرة مثله
كتعريضه بها أي: نحو خذه وأنا أعلم أنك متعيش
أو أنا أرضيك ونحوه وكذا دخول حمام وركوب
سفينة ملاح وحلق رأس تغسيله وغسل ثوبه وبيعه
له وشربه منه ماء وقال في التلخيص ما يأخذه
الحمامي أجرة المكان والسطل والمئزر ويدخل
الماء تبعا ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة
عبد وتزويج امرأة وتصح إجارة حلي بأجرة من غير
جنسه وكذا من جنسه مع الكراهة وإن قال: إن خطت
هذا الثوب اليوم أو روميا فلك درهم وغدا أو
فارسيا فنصفه أو أن زرعتها برا أو أن فتحت
خياطا فبخمسة وذرة أو حدادا فبعشرة ونحوه
فبعشرة أو إكراه بعشرة وما زاد فلكل يوم كذا
صح ولا يصح أن يكترى مدة مجهولة كمدة غزاته أو
غيرها وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما جاز وإن
إكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بثمرة صح وكلما
دخل شهر لزمهما حكم الإجارة إن لم يفسخا ولكل
ج /
2 ص -290-
منهما الفسخ عقب تقضي كل شهر على الفور في أول
الشهر ولو أجره شهرا غير معين لم يصح ولو قال:
أجرتك هذا الشهر بكذا وما زاد فبحسابه صح في
الشهر الأول1 وأجرتك داري عشرين شهرا: كل شهر
بدرهم صح واستأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر
بعشرة أو لتحملها كل قفيز بدرهم أو لتحملها
إلى كل قفيز بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح
وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها
وكقوله: لتحمل قفز أنها بدرهم و سائرها بحساب
ذلك أو قال: وما زاد فبحساب ذلك يريد باقيها
كله إذا فهما ذلك من اللفظ لدلالته عندهما
عليه أو لقرينة صرفت إليه وإن قال: لتحمل منها
قفيزا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد بذلك
مهما حملته من باقيها أو لتنقل لي منها كل
قفيز بدرهم أو على أن تحمل لي منها قفيزا
بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك لم يصح
وإن قال: لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم
وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك: فإن
كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة
صح وإن جهلها أحدهما صح في الأول وبطل في
الثانية وإن قال لتحمل لي هذه الصبرة والتي في
البيت بعشرة فإن كانا يعلمان التي في البيت صح
فيهما وإن قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة
أقفزة بدرهم فإن زاد على ذلك فالزائد بحساب
ذلك صح في العشرة فقط وإن قال: لتحملها كل
قفيز بدرهم فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك
صح أيضا في الصبرة فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يصح فيما بعد الشهر الأول لجهالة الأجرة.
ج /
2 ص -291-
فصل:- الثالث: أن تكون المنفعة مباحة لغير
ضرورة مقصودة1
فلا تصح الإجارة على الزنا والزمر والغناء والنياحة ولا إجارة كاتب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مقصودة صفة لمنفعة.
يكتب ذلك ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو
لبيع الخمر أو للقمار: شرط في العقد أو لا ولو
أكترى ذمي من مسلم دارا فأراد بيع الخمر فيها
فلصاحب الدار منعه - ولا تصح إجارة ما يجمل به
دكانه من نقد وشمع ونحوهما ولا طعام ليتجمل به
على مائدته ثم يرده لأنه منفعة ذلك غير مقصودة
ولا ثوب لتغطية نعش ولا يصح الاستئجار على حمل
ميتة ونحوها الأكل لغير مضطر وخمر يشربها ولا
أجرة له ويصح لإلقاء ولإراقة1 ولا يكره أكل
أجرة ذلك ويصح لكسح كنيف ويكره له أكل أجرته:
كأجرة حجام ولو أستأجره على سلخ بهيمة بجلدها
أو على إلقاء ميتة بجلدها لم يصح وله أجرة
مثله ومثله لطحن قمح بنخالته وعمل ميتة بجلدها
لم يصح وله أجرة مثله ومثله لطحن قمح بنخالته
وعمل السمسم شيرجا بالكسب والحلج بالحب وتجوز
إجارة المسلم للذمي إذا كانت الإجارة في الذمة
وكذا خدمة ولا تجوز إعارة الرقيق المسلم له
ولا بأس أن يحفر للذمي قبرا بالأجرة ويكره إن
كان ناووسا2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد إلقاء الميتة، وإراقة الخمر، وما في
معنى ذلك.
2 الناووس: هو الحجر الذي ينقر ليوضع فيه
الميت شبه الصندوق الذي يعمله غير المسلمين أو
الذي يعمل للميت المتقطع.
فصل:- والإجارة على ضربين:
أحدهما إجارة عين فما حرم بيعه فإجارته مثله - إلا الحر والحرة
والوقف وأم الولد وتصح إجارة كل عين يمكن
استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها و لا
تصح إجارة
ج /
2 ص -292-
ما لا يمكن استيفاؤها منها: كأرض سبخة لا تنبت
للزرع أو لا ماء لها أو لها ماء لا يدوم لمدة
الزرع ولا ديك ليوقظه لوقت الصلاة ولا مالا
ينتفع به مع بقاء عينه كالمطعوم والمشروب
ونحوه ويصح استئجاره دار يجعلها مسجدا أو حائط
ليضع عليها أطراف خشبه إذا كان الخشب معلوما
والمدة معلومة واستئجار فهد وهر وصقر وباء
ونحوه للصيد لا سباع البهائم التي لا تصلح له
ولا خنزير ولا كلب ولو كان يصيد أو عرس ويصح
استئجار كتاب للقراءة والنظر فيه أو فيه خط
حسن يجود خطه عليه - إلا المصحف فلا تصح ويجوز
نسخه بأجرة - وتقدم في كتاب البيع وغره - ويصح
استئجار نقد للتحلي والوزن وما احتيج كالأنف
وربط الأسنان به فإن أطلق الإجارة لم تصح ولو
أجره مكيلا أو موزونا أو فلوسا لم تصح ويجوز
استئجار الشجر ليجفف عليها الثياب أو يبسطها
عليها ليستظل بظلها وما يبقى من الطيب والصندل
وقطع الكافور ونحوه للشم ويصح استئجار ولده
ووالده لخدمته ويكره في والديه ويصح استئجار
امرأته لرضاع ولده منها أو من غيرها وحضانته:
بائنا كانت أو في حياله.
فصل:- ولا تصح إجارة العين إلا بشروط خمسة
أحدها: أن يعقد على نفع العين دون أجزائها فلا
تصح إجارة الطعام للأكل: كما تقدم ولا الشمع
ليشعله ولا حيوانا ليأخذ لبنه ولا ليرضعه ولده
ونحوه ولا ليأخذ
ج /
2 ص -293-
صوفه وشعره ونحوه إلا في الطير ولا استئجار
شجرة ليأخذ ثمرها أو شيئا من عينها ونقع البئر
يدخل تبعا للدار ونحوها قال ابن عقيل: يجوز
استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة أو
دلاء معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع
انتفاع بمرور الدلو فيه فأما الماء فيؤخذ على
الإباحة انتهى ويدخل أيضا تبعا حبر ناسخ وخيوط
وكحل كحال مرهم طبيب وصبغ صباغ ونحوه وسئل
أحمد عن إجارة بيت الرحى الذي يديره الماء
فقال: الإجارة على البيت والأحجار والحديد
والخشب فأما الماء فإنه يزيد وينقص وينضب
ويذهب فلا يقع عليه إجارة ولا يجوز استئجار
الفحل للضراب فإن أحتاج إلى ذلك ولم يجد من
يطرق له جاز له أن يبذل الكراء: كشراء الأسير
ورشوة الظالم ليدفع ظلمه ويحرم على المطرق
أخذه وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط
فأهديت له هدية أو أكرم بكرامه لذلك فلا بأس.
الثاني: معرفة العين برؤية أو صفة يحصل بها
معرفته: كمبيع فإن لم تحصل بها أو كانت لا
تتأتي فيها كالدار والعقار فتشترط مشاهدته
وتحديده ومشاهدة قدر الحمام ومعرفة مائه
ومصرفه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد وموضع
الزبل.
الثالث: القدرة على التسليم فلا تصح إجارة
الآبق والشارد والمغصوب ممن لا يقدر على أخذه
منه ولا إجارة مشاع مفرد لغير
ج /
2 ص -294-
شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه وإن كانت لواحد
فأجر نصفه صح لأنه يمكنه تسليمه: إلا أن يؤجر
الشريكان معا أو بأذنه قاله في الفائق وهو
مقتضى تعليلهم ولا عين لاثنين فأكثر وهي لواحد
وعنه بلى اختاره جمع.
الرابع: اشتمالها على المنفعة فلا تصح إجارة
بهيمة زمنة للحمل ولا أخرس على تعليم منطوق
ولا أعمى للحفظ ولا كافر لعمل في الحرم لأن
المنع الشرعي كالحسى ولا لقلع سن سليمة أو قطع
يد سليمة ولا الحائض والنفساء على كنس المسجد
في حالة لا تأمن فيها تلويثه ولا على تعليم
الكافر القرآن ولا على تعليم السحر والفحش
والخنا أو على تعليم التوراة والكتب المنسوخة
ولا إجارة أرض لا تنبت للزرع: كما تقدم ولا
حمام لحمل كتب.
الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا
له فيها وتصح إجارة مستأجر لمن يقوم مقامه أو
دونه في الضرر ولا يجوز لمن هو أكثر مستأجر
منه ولا لمن يخالف ضرره ضرره: ما لم يكن
المأجور حرا كبيرا أو صغيرا فإنه ليس لمستأجره
أن يؤجر لأنه لا تثبت يد غيره عليه وإنما هو
يسلم نفسه أو يسلمه وليه ويصح لغير مؤجرها
ولمؤجرها بمثل الأجرة وزيادة ولو لم يقبض
المأجور: ما لم تكن حيلة وليس للمؤجر مطالبة
المؤجر الثاني بالأجرة وإذا تقبل عملا في ذمته
بأجرة: كخياطة أو غيرها فلا بأس أن يقبله غيره
بأقل منها ولو لم يعين فيه بشيء،
ج /
2 ص -295-
ولمستعير إجارتها إن أذن له معير فيها يعينها
والأجرة لربها ولا يضمن مستأجر - ويأتي في
العارية - وتصح إجارة وقف فإن مات المؤجر
انفسخت إن كان المؤجر الموقوف عليه ناظرا بأصل
الاستحقاق وهو من يستحق النظر لكونه موقوفا
عليه ولم يشرط الواقف ناظرا: بناء على أن
الموقوف عليه يكون له النظر إذا لم يشرط
الواقف ناظرا: وإن جعل له الواقف النظر أو
تكلم بكلام يدل عليه فله النظر بالاستحقاق
والشرط ولا تبطل الإجارة بموته فيرجع مستأجر
على مؤجر قابض في تركته حيث قلنا تنفسخ ومثله
مقطع أجر أقطاعه ثم انتقل إلى غيره بإقطاع آخر
وإن كان المؤجر الناظر العام أو من شرط له
الواقف النظر وكان أجنبيا أو من أهل الوقف لم
تنفسخ بموته ولا بعزله كملكه الطلق والذي
يتوجه أنه لا يجوز للموقوف عليهم أن يستسلفوا
الأجرة لأنهم لم يملكوا المنفعة المستقبلة ولا
الأجرة عليها فالتسلف لهم قبض مالا يستحقونه
بخلاف المالك وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالب
بالأجرة المستأجر الذي سلف المستحقين لأنه لم
يكن له التسليف ولهم أن يطالبوا الناظر إن كان
هو المسلف وكموت المستأجر وإذا أجر الولي
اليتيم أو ماله أو السيد العبد مدة ثم بلغ
الصبي ورشد وعتق العبد: فإن كان يعلم بلوغ
الصبي فيها أو عتق العبد بأن كان معلقا انفسخت
وقت عتقه وبلوغه وإن لم يعلم لم تنفسخ ولا
تنفسخ بموت المؤجر لا عزله ولا يرجع العتيق
على سيده بشيء من الأجرة: لكن نفقته في مدة
باقي الإجارة على سيده إن لم تكن مشروطة على
المستأجر
ج /
2 ص -296-
ولو ورث المأجور أو اشترى أو أتهب أو وصى له
بالعين أو أخذ صداقا أو أخذه الزوج عوضا عن
خلع أو صلحا أو غير ذلك فالإجارة بحالها وتجوز
إجارة الإقطاع: كالوقف فلو أجره ثم استحقت
الإقطاع لآخر فالصحيح تنفسخ: كما تقدم وإن
كانت الإقطاع عشرا لم تصح إجارتها: كتضمينه.
فصل: وإجارة العين تنقسم قسمين:
أحدهما: أن تكون على مدة: كإجارة الدار شهرا أو الأرض عاما والآدمي
للخدمة أو للرعي ويسمى الأجير فيها الأجير
الخاص: وهو من قدر نفعه بالزمن: وإذا تمت
الإجارة وكانت على مدة - ملك المستأجر المنافع
المعقود عليها فيها وتحدث على ملكه - ويشترط
أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء
العين فيها وإن طالت فإن قدر المدرة بسنة
مطلقة حمل على السنة الهلالية وإن قال: عددية
أو سنة بالأيام: فثلاثمائة وستون يوما لأن
الشهر العددي ثلاثون يوما وإن قال: رومية أو
شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز:
وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وإن
جهلا ذلك أو أحدهما لم يصح ولا يشترط أن تلي
المدة العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح:
سواء كانت العين مشغولة وقت العقد بإجارة أو
رهن أو غيرهما إذا أمكن التسليم عند وجوبه أو
لم تكن مشغولة فلا تصح إجارة مشغولة بغراس أو
بناء للغير وغيرهما ولو أجره إلى ما يقع اسمه
على شيئين: كالعيد،
ج /
2 ص -297-
وجمادى وربيع لم يصح فلا بد من تعيين العيد:
فطرا وأضحى من هذه السنة أو من سنة كذا وكذا
جمادى ونحوه - وتقدم في السلم وإن علقها بشهر
مفرد: كرجب فلا بد أن يبين من أي سنة وبيوم لا
بد أن يبينه من أي أسبوع وليس لوكيل مطلق -
الإيجار مدة طويلة بل العرف: كسنتين ونحوهما
قاله الشيخ وإذا أجره في أثناء شهر مدة لا تلي
العقد فلا بد من ذكر ابتدائها: كانتهائها وإن
كانت تليه لم يحتج إلى ذكره ويكون من حين
العقد وكذا إن أطلق فقال: آجرتك شهرا أو سنة
ونحوهما وإذا آجره سنة هلالية في أولها عد
أثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو
ناقصا وكذلك إن كان العقد على أشهر وإن كان في
أثناء شهر استوفى شهرا بالعدد ثلاثين من أول
المدة وآخرها نص عليه في النذر وباقيها
بالأهلة وكذا حكم ما تعتبر فيه الأشهر كعدة
وفاة وشهري صيام الكفارة ومدة الخيار وغير ذلك
وإذا استأجر سنة أو سنتين أو شهرا لم يحتج إلى
تقسيط الأجرة على سنة أو شهر أو يوم.
القسم الثاني - إجارتها لعمل معلوم: كإجارة
دابة للركوب إلى موضع معين أو يحمل عليها إليه
فإن أراد العدول إلى مثله في المسافة والحزونة
والسهولة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضررا
جاز وإن سلك أبعد منه أو أشق فاجرة المثل
للزائد - ويأتي قريبا - وإن اكترى ظهرا إلى
بلد ركبه إلى مقره ولو لم يكن في أول عمارته،
ج /
2 ص -298-
وتصح إجارة بقر لحرث مكان أو دياس زرع أو
استئجار آدمي ليدله على الطريق أو رحى لطحن
قفزان معلومة.
ويشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف ولا
تعرف الأرض التي يريد حرثها إلا بالمشاهدة
وأما تقدير العلم فيجوز بأحد شيئين: إما
بالمدة: كيوم وإما بمعرفة الأرض: كهذه القطعة
أو تحرث من هنا إلى هنا أو بالمساحة: كجريب أو
جريبين أو كذا ذراعا في كذا فإن قدره بالمدة
فلا بد من معرفة البقر التي يعمل عليها ويجوز
أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث
بها وإن يستأجرها مع صاحبها وبآلتها وبدونها
وكذا استئجار البقر وغيرها لدياس الزرع
واستئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا وإن اكترى
حيوانا لعمل لم يخلق له: كبقر للركوب وإبل
وحمر للحرث جاز وإن استأجر دابة لإدارة الرحى
اعتبر معرفة الحجر بمشاهدة أو صفة وتقدير
العلم وذكر جنس المطحون إن كان يختلف وإن
اكتراها لإدارة دولاب فلا بد من مشاهدته
ومشاهدة دلائه وتقدير ذلك بالزمن أو ملء الحوض
وكذلك إن اكتراها للسقي بالغرب1 فلا بد من
معرفته ويقدر بالزمان أو بعدد الغروب أو بملء
بركة لا بسقي أرضه وإن قدره بشرب ماشية جاز
لأن شربها يتقارب في الغالب: كشيل تراب معروف
وإن استأجر دابة ليسقي عليها فلا بد من معرفة
الآلة التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الغرب بفتح الغين وسكون الراء: الدلو
الكبير.
ج /
2 ص -299-
يستقي فيها من راوية أو قرب أو جرار: إما
بالرؤية أو بالصفة ويقدر العمل بالزمان أو
بالعدد أو بملء شيء معين فإن قدره بعدد المرات
احتاج إلى معرفة المكان التي يستقي منه والذي
يذهب إليه ومن اكترى زورقا فزواه مع زورق له
فغرقا ضمن1 لأنها مخاطرة لاحتياجها إلى
المساواة ككفة الميزان كما لو اكترى ثورا
لاستقاء ماء فجعله فدانا لاستقاء الماء فتلف
ضمن2 وكل موضع وقع على مدة فلا بد من معرفة
الذي يعمل عليه وإن وقع على عمل معين لم يحتج
إلى ذلك وإن استأجر رحى لطحن قفزان معلومة
احتاج إلى معرفة جنس المطحون: برا أو شعيرا أو
ذرة أو غير ذلك لأن ذلك يختلف ويجوز استئجار
كيال ووزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة
واستئجار رجل ليلازم غريما يستحق ملازمته
ويجوز لحفر الآبار والأنهار والقنى ولا بد من
معرفة الأرض التي يحفر فيها وإن قدره بالعمل
فلا بد من معرفة الموضع بالمشاهدة لكونها
تختلف بالصلابة والسهولة ومعرفة دور البئر
وعمقها وآلتها أن طواها وطول النهر وعرضه
وعمقه وإن حفر بئرا فعليه شيل ترابها منها فإن
تهور تراب من جانبها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو
ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر وإن
وصل إلى صخر أو جماد يمنع الحفر لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زوى الشيء: جمعه بغيره اهـ قاموس.
2 قال في القاموس: فدان كسحاب وشداد: الثور،
أو الثوران يقرن بينهما للحرث وغيره اهـ
بتصرف. والأخير ما يقصده المصنف.
ج /
2 ص -300-
يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض
فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له
الخيار في الفسخ فإن فسخ كان له من الأجر بحصة
ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل فيقال:
كم أجر ما عمل؟ وكم أجر ما بقي؟ فيسقط الأجر
المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع
لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله
يشق ذلك فيه وإن نبع ما منعه من الحفر
فكالصخرة ويجوز استئجار ناسخ فإن قدره بالعمل
ذكر عدد الورق وقدره وعدد السطور في كل ورقة
وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظه فإن عرف الخط
بالمشاهدة جاز وإن أمكنه بالصفة ذكره وإلا فلا
بد من المشاهدة ويصح تقدير الأجر بأجزاء الفرع
وأجزاء الأصل وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر
واحد جاز فإن أخطأ بالشيء اليسير عفى عنه وإن
كان كثيرا عرفا فهو عيب يرد به - قال ابن
عقيل: ليس له محادثة في غيره حالة النسخ ولا
التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغيره
تحديثه وشغله وكذلك الأعمال التي تختل بشغل
السر والقلب: كالقصارة والنساجة ونحوهما ويجوز
أن يستأجر سمسار ليشتري له ثيابا فإن عين
العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا
معلوما صح وإن قال: كلما اشتريت ثوبا فلك درهم
وكانت الثياب معلومة أو مقدرة بثمن جاز ويجوز
أن يستأجره ليبيع له ثيابا يعينها ونحوه.
ج /
2 ص -301-
فصل:- الضرب الثاني - عقد على منفعة في الذمة
في شيء معين أو موصوف - مضبوطة بصفات1 كالسلم
فيشترط تقديرها بعمل أو مدة كخياطة ثوب أو
بناء دار أو حمل إلى موضع معين ويلزم الشروع
فيه عقب العقد فلو ترك ما يلزمه قال الشيخ:
بلا عذر فتلف ضمن ولا يجوز أن يكون الأجير
فيها إلا آدميا جائز التصرف ويسمى الأجير
المشترك: وهو من قدر نفعه بالعمل ولا يصح
الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله: استأجرتك
لتخيط لي هذا الثوب في يوم ويصح جعالة ويحرم
ولا تصح إجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من
أهل القربة وهو المسلم ولا يقع إلا قربة
لفاعله كالحج أي النيابة فيه والعمرة والأذان
ونحوها: كإقامة وإمامة صلاة وتعليم قرآن وفقه
وحديث وكذا القضاء قاله ابن حمدان2 ويصح أخذ
جعالة على ذلك كأخذه بلا شرط وكذا رقية وله
أخذ رزق على ما يتعدى نفعه: كالوقف على من
يقوم بهذه المصالح بخلاف الأجر وليس له أخذ
رزق وجعل وأجر على ما لا يتعدى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: مضبوطة صفة لمنفعة.
2 إنما حرم أخذ الأجرة على العمل الذي يعتبر
قربة إلى الله تعالى لما روى الأثر عن النبي
صلى الله عليه وسلم أن أبي بن كعب علم رجلا
سورة من القرآن فأهدى له الرجل ثوبا أو بردة،
فذكر أبي للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنك لو لبستها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار"
وهذا وعيد صريح، والوعيد لا يكون إلا على
محرم، ولأن الأجرة معاوضة عن العمل، والدين لا
يباع ولا يشترى كما تباع وتشترى السلع، ولما
كانت الجعالة، والرزق لا يقعان على وجه
المعاوضة بل من قبيل الإعانة صح أخذهما حيث
حرمت الأجرة.
ج /
2 ص -302-
كصوم وصلاة خلفه وصلاته لنفسه وحجه عن نفسه
وأداء الزكاة نفسه ونحوه ولا أن يصلى عنه فرضا
ولا نافلة في حياته ولا في مماته فإذا وصى
بدراهم لمن يصلي عنه تصدق بها عنه لأهل الصدقة
وتجوز الإجارة على ذبح الأضحية والهدي: كتفرقة
الصدقة ولحم الأضحية وتصح على تعليم الخط
والحساب والشعر المباح وشبهه فإن نسيه في
المجلس أعاد تعليمه وإلا فلا وتصح على بناء
المساجد وكنسها وإسراج قناديلها وفتح أبوابها
ونحوه على بناء القناطر ونحوها وإن استأجره
ليحجمه صح كفصد ويكره للحر أكل أجرته: كأخذ ما
أعطاه بلا شرط ويطعمه الرقيق والبهائم ويصح
استئجاره لحلق الشعر وتقصيره ولختان وقطع شيء
من جسده للحاجة إليه ومع عدمها يحرم ولا يصح
ويصح أن يستأجر كحالا ليكحل عينيه ويقدر ذلك
بالمدة ويحتاج إلى بيان عدد ما يكحله كل يوم:
مرة أو مرتين فإن كحله في المدة فلم يبرأ
استحق الأجرة وإن برئ في أثنائها انفسخت
الإجارة فيما بقي وكذا لو مات فإن امتنع
المريض من ذلك مع بقاء المرض استحق الطبيب
الأجر بمضي المدة فإن قدرها بالبرء لم يصح
إجارة ولا جعالة1 - ويأتي في الجعالة - ويصح
أن يستأجر طبيبا لمداواته والكلام فيه كالكلام
في الكحال إلا أنه لا يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يصح إجارة ولا جعالة للجهل بالمدة التي
يتم فيها البرء وبعدد مرات الاكتحال، وكلتاهما
يحتاج إلى بيان العمل.
ج /
2 ص -303-
اشتراط الدواء على الطبيب ويصح أن يستأجره من
يقلع له ضرسه فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه
ضمنه وإن برئ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة
ويقبل قوله في برئه وإن لم يبرأ: لكن امتنع
المستأجر من قلعه لم يجبر.
فصل:- ويعتبر كون المنفعة للمتسأجر
فلو اكترى دابة لركوب المؤجر لم يصح وللمستأجر استيفاء المنفعة
بنفسه وبمثله: بإعارة وغيرها ولو شرط عليه
استيفاءها بنفسه فسد الشرط ولم يلزم الوفاء به
ويعتبر كون راكب مثله في طول وقصر وغيرهما لا
في معرفة ركوب ومثله شرط زرع بر فقط ولا
يضمنها مستعير منه أن تلفت من غير تفريط -
ويأتي - ولا يجوز استيفاء بما هو أكثر ضررا
ولا بما يخالف ضرره ضرره وله أن يستوفي
المنفعة ومثلها وما دونها في الضرر من جنسها
وإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه
وليس له زرع الدخن والذرة ونحوهما ولا يملك
الغرس ولا البناء وإن اكتراها لأحدهما لم يملك
الآخر وإن اكتراها للغرس أو البناء أو لهما
ملك الزرع ولا تخلو الأرض من قسمين:
أحدهما: أن يكون لها ماء دائم: أما من نهر لم
تجر العادة بانقطاعه أو لا ينقطع إلا بمدة لا
تؤثر في الزرع أو من عين تنبع أو بركة من مياه
الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به أو من
بئر تقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة
الأرض وقرب الماء الذي تحت الأرض
ج /
2 ص -304-
فهذا كله دائم ويصح استئجاره للغراس والزرع
وكذلك التي تشرب من مياه الأمطار وتكفي
بالعناد منه.
الثاني: ألا يكون لها ماء دائم - وهي نوعان -
أحدهما ما يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت
الحاجة: كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل وما
يشرب من زيادة الفرات وأشباهه وأرص البصرة
الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من
زيادة بردا وما يشرب من الأودية الجارية من
ماء المطر فهذه تصح إجارته قبل وجود الماء
الذي تسقى به - النوع الثاني: أن يكون مجيء
الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا
يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يندر
وجوده أو يكون شربها من فيض واد مجيئه نادر أو
من زيادة نادرة في نهر فهذه إن أجرها بعد وجود
ما يسقيها به صح وقيل لا يصح وإن اكتراها على
أنها لا ماء لها صح لأنه يتمكن بالانتفاع بها
بالنزول فيها وغير ذلك وإن حصل لها ماء قبل
زرعها فله زرعها وليس له أن يبني ولا يغرس وإن
اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر وإن
اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركبها بسرج
وإن اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا
ولا بسرد أثقل منه ولا أن يركب الحمار بسرد
برذون إن كان أثقل من سرجه أو أضر لا إن كان
أخف أو أقل ضررا وإن اكتراه لحمل الحديد أو
القطن لم يملك حمل الآخر وإن أجره مكانا ليطرح
فيه أردب قمح فطرح فيه أردبين: فإن كان الطرح
على الأرض فلا شيء له وإن كان على غرفة ونحوها
ج /
2 ص -305-
لزمه أجرة المثل للزائد وإن اكتراه ليطرح فيه
ألف رطل قطن فطرح فيه ألف رطل حديد لزمه أجرة
المثل وإن أجره الأرض ليزرعها أو يغرسها لم
يصح لأنه لم يعين أحدهما وإن اكتراها للزرع
مطلقا أو قال: لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت
صح وله أن يزرعها كلها ما شاء وإن يغرسها كلها
ما شاء وإن قال: لتنتفع بها ما شئت فله الزرع
والغراس والبناء كيف شاء وإن خالف في شيء مما
تقدم ففعل ما ليس له فعله أو سلك طريقا أشق
عينها لزمه المسمى مع تفاوت أجر المثل إلا
فيما إذا اكترى لحمل حديد فحمل قطنا وعكسه
فإنه يلزم أجر المثل وإن اكتراها لحمولة شيء
فزاد عليه أو لركوبه وحده فأردف غيره أو إلى
موضع فجاوزه فعليه المسمى وأجرة المثل للزائد
وإن تلفت الدابة ضمن قيمتها: سواء تلفت في
الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة ولو كانت في
يد صاحبها: إلا أن يكون له عليها شيء وتتلف في
يد صاحبها بسبب غير حاصل من الزيادة وإن كان
بسببها كتعبها من الحمل والسير فيضمن: كتلفها
تحت الحمل والراكب وكمن ألقى حجرا في سفينة
موقورة فغرقها فإن اكترى لحمل قفيزين فحملهما
فوجدهما ثلاثة: فإن كان المكتري تولى الكيل
ولم يعلم المكري بذلك فكمن اكترى لحمولة شيء
فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته
ولم يعلم المكتري فلا أجر له في حمل الزائد أو
تلفت دابته فلا ضمان لها وحكمه في ضمان الطعام
حكم من غصب طعام غيره وإن تولى ذلك أجنبي ولم
يعلما فهو متعد عليهما عليه لصاحب الدابة
الأجر ويتعلق به ضمانها
ج /
2 ص -306-
وعليه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله
أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان
الذي كاله وعباه وضعه على ظهر الدابة.
فصل:- ويلزم المؤجر مع الإطلاق كل ما يتمكن به
من النفع
مما جرت به عادة وعرف من آلات وفعل: كزمام مركوب ولجامه وحله وقتبه
وحزامه وثفره وهو الحياصة1 والبرة التي في أنف
البعير إن كانت العادة جارية بها وسرجه و
إكافه2 وشد ذلك عليه وتوطئة وشد الأحمال
والمحامل والرفع والحط وقائد وسائق ولزوم
البعير لينزل لصلاة الفرض ولو فرض كفاية: لا
لسنة راتبة وأكل وشرب ويلزمه حبسه له لينزل
لقضاء حاجة الإنسان والطهارة ويدع البعير
واقفا حتى يفعل ذلك فإن أراد المكتري إتمام
الصلاة فطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه بل تكون
خفيفة في تمام ويلزمه تبريكه لشيخ ضعيف و
امرأة وسمين ونحوهم لركوبهم ونزولهم ولمرض ولو
طارئا فإن احتاجت الراكبة إلى أخذ يد أو مس
جسم تولى ذلك محرمها دون الجمال ولا يلزمه
محمل ومحارة3 ومظلة ووطاء فوق الرحل وحبل قران
بين المحملين والعدلين بل على المستأجر: كأجرة
دليل - قال في الترغيب وعدل قماش على مكر إن
كانت في الذمة وقال الموفق إنما يلزم المؤجر
ما تقدم ذكره إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الثفر بوزن قمر: السير يشد في آخر السرج على
فخذي الدابة.
2 إكاف الحمار بوزن كتاب، وغراب، وبالواو
المكسورة بدل الهمزة برذعته.
3 المحارة: من قبيل الهودج.
ج /
2 ص -307-
الكرى على أن يذهب معه المؤجر أما إن كان على
أن يسلم لراكب البهيمة ليركبها لنفسه فكل ذلك
عليه انتهى - وهو متوجه في بعض دون بعض
والأولى أن يرجع في ذلك إلى العرف والعادة
ولعله مرادهم فأما تفريغ البالوعة والكنيف وما
حصل في الدار من زبل وقمامة فيلزم المستأجر
إذا تسلمها فارغة ويلزم مؤجر الدار تسليمها
منظفة إزالة ثلج عن السطح وأرض ولو حادثا لا
حبل ودلو وبكرة ويلزم مفاتيحها وتسليمها إلى
مكتر وتكون أمانة معه فإن تلفت من غير تفريط
فعلى المؤجر بدلها ويلزمه عمارتها سطحا وسقفا
بترميم بإصلاح منكسر وإقامة مائل وعمل باب
وتطيين ونحوه فإن لم يفعل فللمستأجر الفسخ
ويلزمه تبليط الحمام ولو شرط على مكتري الحمام
أو الدار مدة تعطيلها عليه أو أن يأخذ بقدر
مدة التعطيل بعد فراغ المدة او شرط على
المكتري النفقة الواجبة لعمارة المأجور أو
جعلها أجرة لم يصح: لكن لو عمر بهذا الشرط أو
بأذنه رجع بما قال مكر فإن اختلفا في قدر ما
أنفقه ولا بينة فالقول قول المكري وإن اتفق من
غير إذنه لم يرجع بشيء ولا يلزم أحدهما تزويق
ولا تجصيص ونحوهما بلا شرط ولا يلزم الراكب
الضعيف والمرأة المشي المعتاد عند قرب المنزل
وكذا قوى قادر: لكن المروءة تقضي ذلك أن جرت
به عادة ولو اكترى بعيرا إلى مكة فليس له
الركوب إلى الحج أي إلى عرفة والرجوع إلى منى
وإن اكترى ليحج عليه فله الركوب إلى مكة ومن
ج /
2 ص -308-
مكة إلى عرفة ثم إلى مكة ثم إلى منى لرمي
الجمار وإذا كان الكرى إلى مكة أو إلى طريق لا
يكون السير فيه إلى المتكاريين فلا وجه لتقدير
السير فيه وإن كان في طريق السير إليهما استحب
ذكر قدر السير في كل يوم فإن أطلق والطريق
منازل معروفة جاز ومتى اختلفا في ذلك وفي وقت
السير ليلا أو نهارا أو في موضع المنزلة: إما
في داخل البلد أو خارج منه حملا على العرف وإن
شرط حمل زاد مقدر: كمائة رطل وشرط أن يبدل
منها ما نقص بالأكل أو غيره فله ذلك وإن شرط
ألا يبدله فليس له إبداله فإن ذهب بغير الأكل:
كسرقة أو سقوط فله إبداله وإن أطلق العقد فله
إبدال ما ذهب بسرقة وأكل ولو معتادا: كالماء
ويصح كرى العقبة: بأن يركب شيئا ويمشي شيئا
وإطلاقها يقتضي ركوب نصف الطريق ولا بد من
العلم بها: إما بالفراسخ وإما بالزمان: مثل أن
يركب ليلا ويمشي نهارا أو بالعكس أو يمشي يوما
ويركب يوما فإن طلب أن يمشي ثلاثة أيام ويركب
ثلاثة لم يكن له ذلك لأنه يضر بالمركوب فإن
كان الراكب اثنين كان الاستيفاء إليهما على ما
يتفقان عليه فإن تشاحا في البادي بالركوب
أقرع.
فصل:- والإجارة عقد لازم من الطرفين
يقتضي تمليك المؤجر الأجر والمنافع ليس
لأحدهما فسخها بعد انقضاء الخياران كان: إلا
أن يجد العين معيبة عيبا لم يكن علم به فله
الفسخ والعيب الذي يفسخ به ما تنقص به المنفعة
ويظهر به تفاوت الأجر إن لم يزل بلا ضرر يلحقه
كأن تكون الدابة جموحا أو عضوضا أو نفورا أو
شموسا
ج /
2 ص -309-
أو بها عيب: كتعثر الظهر في المشي وعرج يتأخر
به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل أو يجد
المكتري للخدمة ضعيف البصر أو به جنون أو جذام
أو برص أو مرض أو يجد الدار مهدومة الحائط أو
يخاف من سقوطها أو انقطع الماء من بئرها أو
تغير بحيث يمنع الشرب والوضوء وأشباه ذلك فإن
رضي بالمقام ولم يفسخ لزمه جميع الأجر وإن
اختلفا في الموجود هل عيب أو لا؟ رجع إلى أهل
الخيرة: مثل أن تكون الدابة خشنة المشي أو
أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا فإن
قالوا: هو عيب فله الفسخ وإلا فلا هذا إذا كان
العقد على عينها فإن كانت موصوفة في الذمة لم
يفسخ العقد وعلى المكري إبدالها فإن عجز عن
إبدالها أو أمتنع منه ولم يمكن إجباره
فللمكتري الفسخ أيضا وإن فسخها المستأجر من
غير عيب وترك الانتفاع بالمأجور قبل تقضي
المدة لم تنفسخ وعليه الأجرة ولا يزول ملكه عن
المنافع ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها فإن تصرف
ويد المستأجر جميع الأجرة وله على المالك أجرة
المثل لما سكنه أو تصرف فيه وإن تصرف المالك
قبل تسليمها أو امتنع منه حتى انقضت المدة
انفسخت الإجارة وإن سلمها إليه في أثنائها
انفسخت فيما مضى وتجب أجرة الباقي بالحصة وإن
حوله المالك قبل تقضي المدة أو منعه بعضها أو
أمتنع الأجير من تكميل العمل أو من التسليم في
بعض المدة أو المسافة لم يكن له لما فعل أو
سكن نصا وإن
ج /
2 ص -310-
هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذها المؤجر
وهرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة من غير
هرب لم تنفسخ الإجارة ويثبت له خيار الفسخ فإن
فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ وكانت على مدة
انفسخت بمضيها يوما فإن عادت العين في أثنائها
استوفى ما بقي وإن انقضت انفسخت وإن كانت على
عمل في الذمة: كخياطة ثوب ونحوه أو حمل إلى
موضع معين استؤجر من ماله من يعمله فإن تعذر
فله الفسخ فإن لم يفسخ وصبر فله مطالبته
بالعمل متى أمكن وكل موضع امتنع الأجير من
العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع
إذا كان بعد عمل البعض فلا أجرة له فيه ما
سبق: إلا أن يرد المؤجر العين قبل انقضاء
المدة أو يتمم الأجير العمل: إن لم يكن على
مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل
فأما إن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة
بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقد ما استوفى
بكل حال وإن هرب الجمال ونحوه بدوابه استأجر
عليه الحاكم إلى أن يرجع وباع ماله في ذلك فإن
تعذر أو كانت معينة في العقد فللمستأجر الفسخ
ولا أجرة لما مضى وإن هرب أو مات وترك بهائمه
وله مال أنفق عليها الحاكم من ماله ولو ببيع
ما فضل مها لأن علفها وسقيها عليه فإن لم يمكن
استدان عليه أو أذن للمستأجر في النفقة فإذا
انقضت باعها الحاكم ووفى المنفق وحفظ باقي
ثمنها لصاحبها فإن لم يستأذن الحاكم وأنفق
بنية الرجوع رجع وإلا فلا ولا يعتبر الإشهاد
على نيته الرجوع صححه في القواعد وإذا
ج /
2 ص -311-
رجع واختلفا فيما أنفق وكان الحاكم قدر النفقة
قبل قول المكتري في ذلك دون ما زاد وإن لم
يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف
وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها فإن
تلفت في أثنائها انفسخت فيما بقي وتنفسخ بموت
الصبي المرتضع وبموت المرضعة وانقلاع الضرس
الذي اكترى لقلعه أو برئه ونحوه كما تقدم في
الباب لا بموت راكب ولو لم يكن له من يقوم
مقامه في استيفاء المنفعة وإن اكترى دارا
فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها مع الحاجة
إليه انفسخت فيم بقي من المدة وكذا لو انهدم
البعض ولمكتر الخيار في البقية فإن أمسك
فبالقسط من الأجرة وإن أجره أرضا بلا ماء أو
أطلق مع علمه بحالها صح لا إن ظن المستأجر
مكان تحصيل الماء وإن علم أو ظن وجوده
بالأمطار أو زيادة صح وتقدم في الباب.
فصل:- ومتى زرع فغرق أو تلف بحريق
أو جراد أو فأر أو برد أو غيره قبل الحصاد أو لم تنبت فلا خيار
وتلزمه الأجرة نصا ثم أن أمكن المكتري
الانتفاع بالأرض بغير الزرع أو بالزرع في بقية
المدة فله ذلك وإن تعذر زرعها لغرق الأرض أو
قل الماء قبل زرعها أو بعده أو عابت بغرق يعيب
به بعض الزرع فله الخيار ولا تنفسخ بموت
المكتري أو أحدهما ولا بعذر لأحدهما: مثل أن
يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه
وتقدم بعضه وإن غضبت العين المستأجرة: فإن
كانت على عين موصوفة في الذمة لزمه بدلها فإن
تعذر فله الفسخ وكذا لو تلفت أو تعيبت وإن
كانت على عين معينة لعمل خير مستأجر بين فسخ
وصبر إلى أن
ج /
2 ص -312-
يقدر عليها وإن كانت على مدة خير بين فسخ
وإمضاء ومطالبة غاصب بأجرة مثل و لو بعد فراغ
المدة فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى وإن ردت
العين في أثنائها قبل الفسخ استوفى ما بقي
وخير فيما مضى وإن كان الغاصب هو المؤجر فلا
أجرة فليس حكمه حكم الغاصب الأجنبي وقد علم
مما تقدم إذا حوله المالك قبل أن تقضي المدة
ولو أتلف المستأجر العين ثبت ما تقدم من الفسخ
أو الانفساخ مع تضمينه ما تلف ومثله جب المرأة
زوجها تضمن ولها الفسخ أو حصر البلد فامتنع
خروج المستأجر إلى الأرض فله الفسخ وإن كان
الموضع المأجور أو حلولهم في طريقة أو مرض أو
حبس لم يملك الفسخ ولو اكترى دابة ليركبها أو
يحمل عليها إلى موضع معين فانقطعت الطريق
إليها لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج
الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل منهما
فسخ الإجارة وإن اختار إبقاءها إلى حين إمكان
استيفاء المنفعة جاز ومن استؤجر لعمل شيء في
الذمة ولم يشترط عليه مباشرته فمرض وجب عليه
أن يقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه: إلا
فيما يختلف فيه القصد: كنسخ فإنه يختلف
باختلاف الخطوط ولا يلزم المستأجر قبوله وإن
تعذر عمل الأجير فله الفسخ وإن شرط عليه
مباشرته فلا استنابة إذا وإن مات في بعضها
بطلت فيما بقي وإن كانت الإجارة على عينه في
مدة أو غيرها فمرض لم يقم
ج /
2 ص -313-
غيره مقامه وإن وجد العين معيبة أو حدث بها
عيب يظهر به تفاوت الأجرة - وتقدم التنبيه على
بعضه قريبا - أو استأجر دارا جارها رجل سوء
ولم يعلم فله الفسخ إن لم يزل سريعا بلا ضرر
يلحقه وعليه أجرة ما مضى والإمضاء بلا أرش فلو
لم يعلم حتى انقضت المدة لزمته الأجرة ولا أرش
له ويصح بيع العين المؤجرة ورهنها ولمشتريها
الفسخ والإمضاء مجانا إذا لم يعلم ولا تنفسخ
بشراء مستأجرها ولا بانتقالها إليه بإرث أو
هبة أو وصية أو صداق أو عوض في خلع أو صلح
ونحوه فيجتمع لبائع على مشتر الثمن والأجرة
وإن اشترى المستأجر العين فوجدها معيبة فردها
فالإجارة بحالها وإن كان المشتري أجنبيا فرد
المستأجر الإجارة عادت المنفعة إلى البائع ولو
وهب العين المستعارة للمستعير بطلت العارية
ولو باع الدار التي تستحق المعتدة للوفاة
سكناها وهي حامل - فقال الموفق لا يصح بيعها -
وقال المجد: قياس المذهب الصحة قال في الإنصاف
وهو الصواب.
فصل:- والأجير الخاص:
من قدر نفعه بالزمن - كما تقدم - يستحق
المستأجر نفعه في جميع المدة المقدر نفعها
بها: سوى فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها
وصلاة جمعة وعيد: سواء سلم نفسه للمستأجر أو
لا ويستحق الأجرة بتسليم نفسه: عمل أو لم يعمل
وتتعلق الإجارة بعينه فلا يستنيب - وتقدم
قريبا - ولا ضمان عليه فيما
ج /
2 ص -314-
يتلف في يده: إلا أن يتعمد أو يفرط وليس له أن
يعمل لغيره فإن عمل وأضر بالمستأجر فله قيمة
ما فوته عليه والأجير المشترك: من قدر نفعه
بالعمل ويتقبل الأعمال فتتعلق الإجارة بذمته
ولا يستحق الأجرة إلا بتسليم عمله ويضمن ما
تلف بفعله ولو بخطئه كتخريق القصار الثوب
وغلطه في تفصيله ودفعه إلى غير ربه ولا يحل
لقابضه لبسه ولا الانتفاع به وإن قطعه قبل
علمه غرم أرش نقصه ولبسه ويرجع به على القصار
وكزلق حمار وسقوط عن دابته أو تلف من عثرته
وما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به
حمله وكذا طباخ وخباز وحائك وملاح سفينة
ونحوهم: حضر رب المال أو غاب ولا ضمان عليه
فيما تلف من حرزه أو بغير فعله لا أجرة له
فيما عمله: سواء عمله في بيت المستأجر أو بيته
وإذا استأجر قصابا يذبح له شاة فذبحها ولم يسم
ضمنها وإن استأجر مشترك خاصا فلكل حكم نفسه1
وإن استعان به ولم يعمل فله الأجرة لأجل ضمانه
لا لتسليم العمل ولا ضمان على حجام ولا بزاغ:
وهو البيطار ولا ختان ولا طبيب ونحوهم: خاصا
كان أو مشترك إذا عرف منهم حذق ولم تجن أيديهم
إذا أذن فيه مكلف أو ولي غيره حتى في قطع سلعه
ونحوها - ويأتي - فإن جنت يده ولو خطأ: مثل أن
جاوز قطع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صورة ذلك أن تدفع ثوبك إلى الأجير المشترك
فيعطيها هو لأجير خاص فيتلفها الثاني فالضمان
لك على الأول ويرجع هو على أجيره الخاص إن
كان مفرطا: وقد تقدم لك تعريف المشترك والخاص.
ج /
2 ص -315-
الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع في غير
محل القطع أو قطع سلعة فتجاوز موضع القطع أو
قطع بآلة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع
فيه وأشباه ذلك ضمن وإن ختن صبيا بغير أذن
وليه أو قطع سلعة من مكلف بغير أذنه أو من صبي
بغير أذن وليه فسرت جنايته ضمن وإن فعل ذلك
الحاكم أو من أذنا له فيه لم يضمن ولا ضمان
على راع فيما تلف من الماشية إذا لم يتعد أو
يفرط في حفظها فإن فعل بنوم أو غفلة أو تركها
تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو أسرف في
ضربها أو ضربها في غير موضع الضرب أو من غير
حاجة إليه أو سلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف
وما أشبه ذلك ضمن - وفي الفصول يلزم الراعي
توخي أمكنة المرعى النافع وتوقي النبات المضر
وردها عن زرع الناس وإيرادها الماء إذا احتاجت
إليه على الوجه الذي لا يضرها شربه ودفع
السباع عنها ومنع بعضها عن بعض قتالا ونطحا
فيرد الصائلة عن المصول عليها والقرناء عن
الجماء والقوية عن الضعيفة فإذا جاء المساء
وجب عليه إعادتها إلى أربابها انتهى وإن
اختلفا في التعدي وعدمه فقول الراعي فإن
اختلفا في كونه تعديا رجع إلى أهل الخبرة وإن
ادعى موت شاة ونحوها قبل قوله ولو لم يأت
بجلدها أو شيء منه ومثله مستأجر الدابة ويجوز
عقد الإجارة على رعي ماشية معينة وعلى جنس في
الذمة يرعاها فإن كانت على معينة تعينت فلا
يبدلها ويبطل العقد فيما تلف منها وله أجر ما
بقي بالحصة ونماؤها في يده أمانة وإن عقد على
موصوف
ج /
2 ص -316-
في الذمة ذكر جنسه ونوعه إبلا أو بقرا أو غنما
ضأنا أو معزا وكبره وصغره وعدده وجوبا ولا
يلزمه رعي سخالها فإن أطلق ذكر البقر والإبل
لم يتناول الجواميس والبخاتي وإن حبس الصانع
الثوب على أجرته بعد عمله فتلف أو أتلفه أو
عمل على غير صفة شرطه ضمنه وخير مالك بين
تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة وبين تضمينه
معمولا ويدفع إليه الأجرة ويقدم قول ربه في
صفة عمله - ذكره ابن رزين - ومثله تلف أجير
مشترك وضمان المتاع المحمول يخير ربه بين
تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه ولا
أجرة له وبين تضمينه في الموضع الذي أفسده وله
الأجرة إلى ذلك المكان وإن أفلس مستأجر ثم جاء
بائعه يطلبه فللصانع حبسه1 والعين المستأجرة
أمانة في يد المستأجر أن تلفت بغير تعد ولا
تفريط لم يضمنها والقول قوله في عدم التعدي
وإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين
فالشرط فاسد فإن شرط ألا يسير به في الليل أو
وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا
يجعل سيره في آخرها وأشباه هذا مما فيه غرض
فخالف ضمن وإذا ضرب المستأجر الدابة أو
الرائض: وهو الذي يعلمها السير بقدر العادة أو
كبحها باللجام أي جذبها أو ركضها برحله لم
يضمن لأن له ذلك بما جرت به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مثال هذه المسألة: أن تبيع الكتاب لزيد بثمن
مؤجل، ثم يعطى زيد الكتاب للحباك يجلده، ثم
يفلس زيد عن دفع الثمن لك، فترجع أنت على
الصانع ويسمى زيد في هذه الصورة مستأجرا
بالنسبة للصانع ومشتريا بالنسبة لك.
ج /
2 ص -317-
العادة ويجوز له إيداعها في الخان إذا قدم
بلدا وأراد المضي وإن لم يستأذن المالك في ذلك
وإذا اشترى طعاما في دار رجل أو خشبا أو ثمرة
في بستان فله أن يدخل ذلك من الرجال والدواب
من يحول ذلك ويقطف الثمرة وإن لم يأذن المالك
وكذا غسل الثوب المستأجر إذا اتسخ - ويأتي أدب
ولده ونحوه في آخر الديات - وإن قال: أذنت لي
في تفصيله قباء فقال: بل قميصا أو قميص امرأة
فقال: بل قميص رجل فقول خياط بخلاف وكيل وله
أجرة مثله ومثله صباغ ونحوه اختلف هو وصاحب
الثوب في لون الصبغ ولو قال: إن كان الثوب
يكفيني فاقطعه وفصله فقال: يكفيك ففصله ولم
يكفه ضمنه ولو قال: انظر هل يكفيني قميصا؟
فقال: نعم فقال: اقطعه فقطعه فلم يكفه لم
يضمن1 ولو أمره أن يقطع الثوب قميص رجل فقطعه
قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا
ومقطوعا وإذا دفع إلى حائك غزلا فقال: انسجه
لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائدا على ما
قدره له في الطول والعرض فلا أجر له في
الزيادة وعليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيها
فأما ما عدا الزائد فإن كان جاءه زائدا في
الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله
المسمى ولو ادعى مرض العبد أو إباقه أو شرود
الدابة أو موتها بعد فراغ المدة أو فيها أو
تلف المحمول قبل قوله والأجرة عليه إذا حلف
أنه ما انتفع فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يضمن في هذه لأنه أذنه بالقطع إذنا مجردا
عن الشرط، بخلاف التي قبلها فإنه علق الإذن
بالقطع على ما إذا كان لثوب يكفيه.
ج /
2 ص -318-
اختلفا في قدر الأجرة فكاختلافهما في قدر
الثمن في البيع وإن اختلفا في قدر مدة الإجارة
كقوله: آجرتك سنة بدينار قال: بل سنتين
بدينارين فقول المالك وإن قال: آجرتك سنة
بدينار فقال: بل بدينارين تحالفا ويبدأ بيمين
الأجر فإن كان قبل مضي شيء من المدة فسخا
العقد ورجع كل واحد منهما في ماله وإن رضي
أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر العقد وإن فسخا
العقد بعد المدة أو شيء منها سقط المسمى ووجب
أجر المثل وإن قال:- آجرتكها سنة بدينار فقال
بل: سنتين بدينار تحالفا وصارا كما لو اختلفا
في العوض مع اتفاق المدة وإن قال: آجرتك الدار
سنة بدينار فقال الساكن: بل استأجرتني على
حفظها بدينار فقول رب الدار.
فصل:- وتجب الأجرة بنفس العقد
فتثبت في الذمة وإن تأخرت المطالبة بها وله
الوطء إذا كانت الأجرة أمة: سواء كانت إجارة
عين أو في الذمة وتستحق كاملة ويجب تسليمها
بتسليم العين لمستأجر أو بذلها له أو بفراغ
عمل بيد مستأجر ويدفعه إليه بعد عمله ويدفع
غيره إن لم تؤجل ولا يجب تسليم أجرة العمل في
الذمة حتى يتسلمه وتستقر بمضي المدة أو بفراغ
العمل وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو
بناء شرط قلعه عند انقضائها أو في وقت لزم
قلعه مجانا فلا تجب على رب الأرض غرامة نقص
ولا على مستأجر تسوية حفر ولا إصلاح أرض إلا
بشرط وإن لم يشترط قلعه أو شرط بقاؤه فلمالك
الأرض أخذه بالقيمة إن كان ملكه تاما - ويأتي
في الشفعة
ج /
2 ص -319-
كيف يقوم الغراس؟ - وإن كان المستأجر شريكا في
الأرض شركة شائعة فبنى أو غرس ثم انقضت المدة
فللمؤجر أخذ حصة نصيبه من الأرض والبناء
والغراس وليس له إلزامه بالقلع لاستلزامه قلع
ما لا يجوز قلعه ولا يتملكه غير تام الملك:
كالموقوف عليه والمستأجر ومرتهن - أو تركه
بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه ولصاحب الشجر بيعه
لمالك الأرض ولغيره فيكون بمنزلته - وفي
التلخيص وغيره إذا اختار المالك القلع وضمان
النقص فالقلع على المستأجر وليس عليه تسوية
حفر لأن المؤجر دخل على ذلك انتهى - ومحل
الخيرة في ذلك لرب الأرض ما لم يختر مالكه
قلعه فإن اختاره فله ذلك وعليه تسوية الحفر
وظاهر كلامهم كما قاله صاحب الفروع - لا يمنع
الخيرة بين أخذ رب الأرض له أو قلعه وضمان
نقصه أو تركه بالأجرة كون المستأجر وقف ما
غرسه أو بناه فإذا لم يتركه في الأرض لم يبطل
الوقف بالكلية بل ما يؤخذ بسبب الوقف وأخذت
منه قيمته يشتري بها ما يقوم مقامه فكذا هنا
وهو كما قاله وهو ظاهر وظاهر كلامهم لا يقلع
الغراس إذا كانت الأرض وقفا بل قال الشيخ: ليس
لأحد أن يقلع غراس المستأجر وزرعه: صحيحة كانت
الإجارة أو فاسدة بل إذا بقي فعليه أجرة المثل
وإن أبقاه بالأجرة فمتى باد بطل الوقف وأخذ
الأرض صاحبها فانتفع بها ومحل الخيرة أيضا ما
لم يكن البناء مسجدا ونحوه فلا يهدم ولا يتملك
وتلزم الأجرة إلى زواله ولا يعاد بغير
ج /
2 ص -320-
رضا رب الأرض ولو غرس أو بنى مشتر ثم فسخ
البيع بعيب كان لرب الأرض الأخذ بالقيمة
والقلع وضمان النقص وتركه بالأجرة وأما المبيع
بعقد فاسد إذا غرس فيه المشتري أو بنى فحكمه
حكم المستعير إذا غرس أو بنى على ما يأتي في
بابه وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط مستأجر
مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل
انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب للمالك
أخذه بالقيمة ما لم يختر مستأجر قلع زرعه في
الحال وتفريغ الأرض فإن اختاره فله ذلك ولا
يلزمه وللمالك تركه بالأجرة وإن كان بقاؤه
بغير تفريط مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة
عادة فأبطأ لبرد أو غيره لزمه تركه بأجرة مثله
إلى أن ينتهي وله المسمى وأجرة المثل لما زاد
ومتى أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في
مدة ولو اكترى أرضا لزرع مدة لا يكمل فيها
وشرط قلعه بعدها صح وإن شرط بقاءه ليدرك أو
سكت فسدت وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة
حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل: سكن أو لم
يسكن وإن لم يتسلم لم يلزمه أجرة ولو بذلها
المالك وإن أكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير
ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم وإذا
انقضت المدة رفع المستأجر يده ولم يلزمه الرد
ولا مؤنته: كمودع وتكون في يده أمانة إن تلفت
من غير تفريط فلا ضمان عليه ولا تقبل دعواه
الرد إلا ببينة لأنه قبض لمنفعة نفسه كالمرتهن
والمستعير.
ج /
2 ص -321-
باب السبق والمناضلة
السبق: بفتح الباء: الجعل الذي يسابق عليه
وبسكونها: المجاراة بين حيوان ونحوه.
والمناضلة: المسابقة بالسهام تجوز بلا عوض على
الأقدام1 وبين سائر الحيوانات من إبل وخيل
وبغال وحمير وفيلة وطيور حتى بحمام وبين سفن
ومزاريق ونحوها ومناجيق ورمي أحجار بيد
ومقاليع ويكره الرقص ومجالس الشعر وكل ما يسمى
لعبا: إلا ما كان معينا على قتال العدو فيكره
لعبه بأرجوحة وكذا مراماة الأحجار ونحوها: وهو
أن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه وظاهر كلام
الشيخ لا يجوز اللعب المعروف بالطاب والنقيلة
وقال كل فعل أفضى إلى محرم كثير - حرمه الشارع
إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة لأنه يكون سببا
للشر والفساد وقال أيضا: ما ألهى وشغل عما أمر
الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه: كبيع
وتجارة ونحوهما انتهى ويستحب اللعب بآلة الحرب
قاله جماعة و الثقاف ويتعلم بسيف خشب لا حديد
نصا وليس من اللهو المحرم ولا المكروه تأديب
فرسه وملاعبته أهله ورميه عن قوسه ويكره لمن
علم الرمي أن يتركه كراهة شديدة وتجوز
المصارعة ورفع الأحجار لمعرفة الأشد وأما
اللعب بالنرد والشطرنج ونطاح الكباش ونقار
الديوك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فاعل تجوز يعود على المسابقة.
ج /
2 ص -322-
فلا يباح بحال وهي بحال أحرم ولا تجوز بعوض
إلا في الخيل والإبل والسهام للرجال.
بشروط خمسة1 أحدها تعيين المركوبين بالرؤية
وتساويهما في ابتداء العدو وانتهائه وتعيين
الرماة: سواء كانا اثنين أو جماعتين ولا يشترط
تعيين الراكبين ولا القوسين ولا السهام ولو
عينها لم تتعين وكل ما تعين لا يجوز إبداله:
كالمتعين في البيع وما لا يتعين يجوز إبداله
لعذر وغيره.
الثاني: أن يكون المركوبان والقوسان من نوع
واحد فلا تصح بين فرس عربي وهجين ولا بين قوس
عربية وفارسية ولا يكره الرمي بالقوس
الفارسية.
الثالث: تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما
جرت به العادة ويعرف ذلك بالمشاهدة أو بالذراع
نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع وما لم تجربه
عادة: وهو ما زاد في الرمي على ثلاثمائة ذراع
فلا يصح ولا يصح تناضلهما على السبق لأبعدهما
رميا2.
الرابع: كون العوض معلوما: إما بالمشاهدة أو
بالقدر أو بالصفة ويجوز أن يكون حالا ومؤجلا
وبعضه حالا وبعضه مؤجلا - ويشترط أن يكون
مباحا وهو تمليك بشرط سبقه.
الخامس: الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج
جميعهم: فإن كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله بشروط: متعلق يقوله سابقا تجوز بلا عوض
الخ وكذلك هذه الشروط معتبرة في التي بعوض في
الأشياء الثلاثة المذكورة.
2 لم يصح ذلك لعدم تحديد الغاية، وقد عرفت
وجوب ذلك من الشرط الثالث.
ج /
2 ص -323-
الجعل من الإمام: من ماله أو من بيت المال أو
من غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه
جاز فإن جاء معه فلا شيء لهما وإن سبق المخرج
أحرز سبقه ولم يأخذ الآخر شيئا وإن سبق من لم
يخرج أحرز سبق صاحبه وإن أخرجا معا لم يجز
وكان قمارا لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن
يغنم أو يغرم وسواء كان ما أخرجاه متساويا أو
متفاوتا مثل أن أخرج أحدهما عشرة والآخر خمسة
إلا بمحلل لا يخرج شيئا ويكفي واحد ولا تجوز
الزيادة عليه يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيريهما
أو رميه رمييهما فإن سبقهما أحرز سبقهما وإن
سبقاه أحرزا سبقهما ولم يأخذا منه شيئا وإن
سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل
أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين
السابق والمحلل نصفين وإن جاؤا الغاية دفعة
واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه ولا شيء
للمحلل فإن قال المخرج من غيرهما: من سبق أو
صلى فله عشرة لم يصح إذا كانا اثنين فإن كانوا
أكثر أو قال من صلى أي جاء ثانيا فله خمسة صح
وكذا على الترتيب للأقرب إلى السبق: وخيل
الحلبة على الترتيب: مجل فمصل فتال فبارع
فمرتاح فخطى فعاطف فمؤمل فلطيم فسكيت ففسكل -
وفي الكافي وتبعه في المطلع - مجل فمصل فمسل
فتال فمرتاح إلى آخره1 فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المجلي على صبغة اسم الفاعل: هو الفرس الأول
في السباق. والمصلي على الوزن عينه: هو الثاني
اهـ قاموس والتالي هو الثالث. والبارع: هو
الرابع من برع بمعنى غلب، وبراعته بالنسبة لما
بعده من الخيل أو للتفاؤل، والمرتاح في
القاموس..............=
ج /
2 ص -324-
جعل للمصلى أكثر من السابق أو جعل للتالي أكثر
من المصلى أو لم يجعل للمصلى شيئا لم يجز وإن
قال: لعشرة من سبق منكم فله عشرة صح فإن جاؤا
معا فلا شيء لهم وإن سبق واحد فله العشرة أو
اثنان فهي لهما وإن سبق تسعة وتأخر واحد
فالعشرة للتسعة وإن شرطا أن السابق يطعم السبق
أصحابه أو غيرهم أو أن سبقتني فلك كذا أو لا
أرمي أبدا أو شهرا لم يصح الشرط ويصح العقد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= هو الخامس من خيل الحلبة ولعله مأخوذ من
الارتياح بمعنى النشاط. والخطى: بالخاء على
وزن غنى. السادس: والعاطف: هو السابع، من عطف
بمعنى حمل عليه وكر. والمؤمل بصيغة اسم
المفعول: هو الثامن واللطيم: هو التاسع
والسكيت بضم السين مشددة مع فتح الكاف مشددة
ومخففة هو العاشر، والفسكل وله أوزان عدة منها
الفاء والكاف مع تسكين السين هو الأخير.
فصل:-
و المسابقة جعالة:
وهي عقد جائز لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل
ولكل منهما فسخها ولو بعد الشروع فيها: ما لم
يظهر لأحدهما فضل فإن ظهر فله الفسخ دون صاحبه
وتبطل بموت أحد المتعاقدين واحد المركوبين ولا
يقوم وارث الميت مقامه ولا يقيم الحاكم من
يقوم مقامه لا بموت الراكبين أو أحدهما ولا
تلف أحد القوسين والسهام.
ويشترط: إرسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة
ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما
ويرتبهما وعند الغاية من يضبط السابق منهما
ويحصل السبق بالرأس في متماثل عنقه وفي مختلفة
وابل بكتفه وإن شرط المتسابقان السبق بأقدام
معلومة
ج /
2 ص -325-
لم يصح فتصف الخيل في ابتداء الغاية صفا واحدا
ثم يقول المرتب لذلك: هل من مصلح للجام أو
حامل لغلام أو طارح لجل؟ فإذا لم يجبه أحد كبر
ثلاثا ثم خلاها عند الثالثة ويخط الضابط للسبق
عند انتهاء الغاية خطا ويقيم رجلين متقابلين
أحد طرفي الخط بين إبهامي أحدهما والطرف الآخر
بين إبهامي الآخر وتمر الخيل أو وراءه فرسا لا
راكب عليه يحرضه على العدو وإن يجلب: وهو أن
يصيح به في وقت سباقه.
فصل: وحكم المناضلة
في العوض حكم الخيل وتصح بين اثنين وحزبين. ويشترط لها شروط أربعة -
أحدها: أن تكون على من يحسن الرمي فإن كان في
أحد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه وأخرج
من الحزب الآخر مثله ولهم الفسخ أن أحبوا وإن
عقد النضال جماعة ليقتسموا بعد العقد حزبين
برضاهم صح: لا بقرعه ويجعل لكل حزب رئيس
فيختار أحدهما واحدا ثم يختار الآخر آخر حتى
يفرغا ولا يجوز أن يختار كل واحد الرئيسين
أكثر من واحدهما واحد وإن اختلفا فيمن يبدأ
بالخيرة اقترعا ولا يجوز جعل رئيس الحزبين
واحدا ولا الخيرة في تمييزهما إليه ولا أن
يختار جميع حزبه أولا ولا السبق عليه ولا
يشترط استواء عدد الرماة وإن بان بعض الحزب
كثير الإصابة أو عكسه فادعى ظن خلافه لم يقبل.
ج /
2 ص -326-
الثاني: معرفة عدد الرشق - بكسر الراء: وهو
الرمي وليس له عدد معلوم فأي عدد اتفقوا عليه
جاز وعدد الإصابة بان يقول: الرشق عشرون
والإصابة خمسة ونحوه: إلا أنه لا يصح اشتراط
إصابة تندر: كإصابة جميع الرشق أو تسعة من
عشرة ونحوه ويشترط استواؤهما في عدد الرشق
والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي فإن جعلا
رشق أحدهما عشرة والآخر عشرين أو شرطا أن يصيب
أحدهما خمسة والآخر ثلاثة او شرطا إصابة
أحدهما خواسق والآخر خواصل1 أو شرطا أن يحط
أحدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من
إصابته - بسهم من إصابة صاحبه أو شرطا أن يرمي
أحدهما من بعد والآخر من قرب أو يرمي أحدهما
وبين أصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو
أن يرمي أحدهما على رأسه شيء والآخر خال عن
شاغل أو أن يحط عن أحدهما واحد من خطئه لا
عليه ولا له وأشباه هذا مما تفوت المساواة لم
يصح.
الثالث: معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو محاطة أو
مبادرة؟ فالمفاضلة أن يقولا: أينا فضل صاحبه
بإصابة أو إصابتين أو ثلاث إصابات ونحوه من
عشرين رمية فقد سبق فأيهما فضل صاحبه بذلك فهو
السابق وتسمى محاطة لأن ما تساويا فيه من
الإصابة محطوط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخواسق جمع خاسق: صفة للرمية التي يصيب
السهم فيها الغرض فيخرقها ويثبت فيه. والخواصل
جمع خاصل: صفة للرمية التي تصيب شارة الهدف
على أي شكل كانت. وسيأتيك في هذا زيادة تفصيل.
ج /
2 ص -327-
غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان فيه
فائدة - والمبادرة أن يقولا: من سبق إلى خمس
إصابات من عشرين رمية فقد سبق فأيهما سبق
إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق ولا
يلزم إتمام الرمي وإن أصاب كل واحد منهما خمسا
فلا سابق فلا يكملان الرشق ومتى كان النضال
بين حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم
بغير كسر ويتساوون فيه فإن كانوا ثلاثة وجب أن
يكون له ثلث وكذا ما زاد ولا يجوز أن يقولوا:
تقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ولا أن من
خرجت قرعته فالسبق عليه ولا أن يقولوا ارمي
فأينا أصاب فالسبق على الآخر وإن شرطوا أن
يكون فلان مقدم حزب وفلان مقدم الآخر ثم فلان
ثانيا من الحزب الأول وفلان ثانيا من الحزب
الثاني كان فاسدا وإن تناضل اثنان وأخرج
أحدهما السبق فقال أجنبي: أنا شريكك في الغرم
والغنم أن فضلك فنصف السبق علي وإن فضلته
فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون
ثلاثة منهم فقال رابع للمستبقين: أنا شريككما
في الغنم والغرم وإن فضل أحد المتناضلين صاحبه
فقال المفضول: أطرح فضلك وأعطيك دينارا لم يجز
وإن فسخا العقد وعقدا عقدا آخر جاز وإذا أخرج
أحذ الزعيمين السبق من عنده فسبق حزبه لم يكن
على حزبه شيء وإن شرطه عليهم فهو عليهم
بالسوية ويقسم على الحزب الآخر بالسوية من
أصاب ومن أخطأه وإذا أطلقا الإصابة تناولها
على أي صفة كانت1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم لك حين الكلام على الشرط أنه لا بد من
معرفة صفة الإصابة بأن.......... =
ج /
2 ص -328-
فإن قالا: خواصل فهو بمعناه ويكون تأكيدا1 ومن
صفات الإصابة خواسق: وهو ما خرق الغرض وثبت
فيه وخوازق بالزاي ومقرطس بمعناه وخوارق
بالراء المهملة وهو ما خرق الغرض ولم يثبت فيه
ويسمى موارق وخواصر: وهو ما وقع في أحد جانبي
الغرض وخوارم: ما خرم جانب الغرض وحوابي: ما
وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فبأي صفة قيدوا
الإصابة تقيدت بها وحصل السبق بإصابته وإن
شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تقيد
به وإذا كان شرطهم خواصل فأصاب بنصل السهم حسب
له كيف كان فإن أصاب بعرضه أو بفوقه: نحو
ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب الغرض أو
انقطع السهم قطعتين فأصابت القطعة الأخرى لم
يعتد به.
الرابع: معرفة قدر الغرض طولا وعرضا وسمكا
وارتفاعا من الأرض: وهو ما ينصب في الهدف من
قرطاس أو جلد أو خشب أو غيرهما ويسمى شارة
والهدف ما ينصب الغرض عليه: إما تراب مجموع أو
حائط أو غيرهما: ولا يعتبر ذكر المبتدئ بالرمي
فإن ذكراه كان أولى وإن أطلقا ثم تراضيا بعد
العقد على تقديم أحدهما جاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تكون خواسق، أو خواصل. وهنا لم يشترط ذلك.
ولا يفوتك أنه أخذ في كل من الموضعين برأي بعض
علماء المذهب.
1 يريد فقول التعاقدين في وصفها للرمية خواصل
فهو بمعنى الإطلاق. ولذلك قال: ويكون تأكيدا.
ج /
2 ص -329-
وإن تشاحا في المبتدئ منهما اقرع بينهما ولو
كان لأحدهما مزية بإخراج السبق وإن كان المخرج
أجنبيا قدم من يختاره منهما فإن لم يختر
وتشاحا أقرع بينهما وأيهما كان أحق بالتقديم
فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أخطأ أو
أصاب وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في
الثاني فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه
لم يصح وإن فعلا ذلك من غير شرط برضاهما صح
وإذا رمي البادئ بسهم رمي الثاني بسهم كذلك
حتى يقضيا رمييهما وإن رميا سهمين سهمين فحسن
وإن شرطا أن يرمي أحدهما رشقة ثم يرمي الآخر
أو يرمي أحدهما عددا ثم يرمي الآخر مثله جاز
وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين
متواليين جاز والسنة أن يكون لهما غرضان
يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام
ثم يرميان الآخر وإن جعلوا غرضا واحدا جاز
وإذا تشاحا في الوقوف فإن كان الموضع الذي
طلبه أحدهما أولى: مثل أن يكون في أحد
الموقفين يستقبل الشمس أو ريحا يؤذيه
استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها قدم قول
من طلب استدبارها إلا أن يكون في شرطها
استقبال ذلك فالشرط أولى: كما لو اتفقا على
الرمي ليلا فإن كان الموقفان سواء كان ذلك إلى
الذي يبدأ فيتبعه الآخر فإذا كان في الوجه
الثاني وقف الثاني حيث شاء ويتبعه الأول وإذا
أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان
شرطهم خواصل احتسب له به وإن كان خواسق لم
يحتسب له به ولا عليه وإن وقع في غير موضع
الغرض احتسب به على راميه وإن وقع في الغرض
ج /
2 ص -330-
في الموضع الذي طار إليه حسبت عليه أيضا: إلا
أن يكون اتفقا على رميه في الموضع الذي طار
إليه وكذا الحكم لو ألقت الريح الغرض على وجهه
وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح
شديدة لم يحتسب عليه ولا له بالسهم وإن عرض
مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي ويكره للامين
والشهود مدح أحدهما أو المصيب وعيب المخطئ لما
فيه من كسر قلب صاحبه ويمنع كل منهما من
الكلام الذي يغيظ صاحبه: مثل أن يرتجز ويفتخر
ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو
يظهر أنه يعلمه وكذا الحاضر معهما وإن قال
قائل: ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم وإن
أخطأت فعليك درهم لم يصح لأنه قمار وإن قال:
أصبت به فلك درهم أو قال: ارم عشرة أسهم فإن
كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم أو قال لك
بكل سهم أصبت به منها درهم أو بكل سهم زائد
على النصف من الصيبات درهم أو قال: إن كان
صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم صح وكان
جعالة لا نضالا وإن شرطا أن يرميا أرشاقا
كثيرة معلومة جاز وإن شرطا أن يرميا منها كل
يوم قدرا اتفقا عليه جاز وإن أطلقا العقد جاز
وحمل على التعجيل والحلول كسائرة العقود
فيرميان من أول النهار إلى آخره: إلا أن يعرض
عذر من مرض أو غيره فإذا جاء الليل تركاه: إلا
أن يشترطا ليلا - فيلزم فإن كانت الليلة مقمرة
منيرة اكتفى وإلا رميا في ضوء شمعة أو مشعل.
ج /
2 ص -331-
باب العارية
وهي العين المعارة والإعارة: إباحة نفعها بغير عوض وهي مندوب إليها
- ويشترط كونها منتفعا بها مع بقاء عينها
وتنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها كقوله: أعرتك
هذا أو أبحتك الانتفاع به أو يقول المستعير:
أعرني هذا أو أعطنيه أركبه أو أحمل عليه
فيسلمه إليه ونحوه ويعتبر كون المعير أهلا
للتبرع شرعا وأهلية مستعير للتبرع له وإن شرطا
لها عوضا معلوما في مؤقته صح وتصير إجارة وإن
قال: أعرتك عبدي على أن تعيرني فرسك فإجارة
فاسدة غير مضمونة للجهالة وتصح إعارة الدراهم
للوزن فإن استعارها لينفقها أو استعار مكيلا
أو موزونا فقرض وتصح في المنافع المباحة
وإعارة كلب صيد وفحل للضراب وتحرم إعارة بضع
وعبد مسلم لكافر لخدمته خاصة كإجارته لها
وإعارة صيد وما يحرم استعماله في الإحرام
لمحرم فإن فعل فتلف الصيد ضمنه منه بالجزاء
وللمالك بالقيمة1 وإعارة عين لنفع محرم
وكإعارة دار لمن يتخذها كنيسة أو يشرب فيها
مسكرا أو يعصي الله فيها وكإعارة سلاح يؤذي
عليها محترما وعبد أو أمه لغناء أو نوح أو زمر
ونحوه وتجب إعارة مصحف لمحتاج إلى قراءة فيه
ولم يجد غيره: إن لم يكن مالكه محتاجا إليه
ولا تعار الأمة للاستمتاع فإن وطئ مع العلم
بالتحريم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1قوله: ضمنه منه يريد ضمن المحرم الصيد من
الحرم.
ج /
2 ص -332-
فعليه الحد وكذا هي أن طاوعته وولده رقيق وإن
كان جاهلا فلا حد وولده حر ويلحق به وتجب
قيمته للمالك ويجب مهر المثل فيهما ولو
مطاوعة: إلا أن يأذن فيه السيد وأما للخدمة:
فإن كانت برزة أو شوها جاز وكذا إن كانت شابة
وكانت الإعارة لمحرم أو امرأة أو صبي1 وإن
كانت لشاب كره خصوصا العزب وتحرم إعارتها
وإعارة أمرد وأجارتهما لغير مأمون - وقال ابن
عقيل: لا تجوز إعارتها للعزاب الذي لا نساء
لهم من قرابات ولا زوجات وتحرم الخلوة بها
والنظر إليها بشهوة وتكره استعارة أبويه
للخدمة لأنه يكره للولد استخدامهما -
وللمستعير الرد متى شاء ولمعير الرجوع متى شاء
مطلقة كانت أو مؤقتة ما لم يأذن في شغله بشيء
يستضر المستعير برجوعه - مثل أن يعيره سفينة
لحمل متاعه أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها به
ولج في البحر فليس له الرجوع والمطالبة ما
دامت في اللجة حتى ترسي وله الرجوع قبل دخولها
البحر ولا لمن أعاره أرضا للدفن حتى يبلى
الميت ويصير رميما قاله ابن البناء وله الرجوع
قبل الدفن ولا لمن أعاره حائطا ليضع عليه
أطراف خشبه أو لتعلية سترة عليه ما دام عليه
وله الرجوع قبل الوضع وبعده: ما لم يبن عليه
أو تكون العارية لازمة ابتداء فإن خيف سقط
الحائط بعد وضعه عليه لزم إزالته لأنه يضر
بالمالك وإن لم يخف عليه لكن استغنى عن إبقائه
عليه لم يلزم إزالته فإن سقط عنه لهدم أو غيره
لم يملك رده إلا بأذنه أو عند الضرورة إن لم
يتضرر الحائط: سواء أعيد بآلته الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: لمحرم بفتح الميم الأولى.
ج /
2 ص -333-
أو غيرها وتقدم في الصلح ولا لمن أعاره أرضا
للزرع قبل الحصاد فإن بذل المعير قيمة الزرع
ليتملكه لم يكن له ذلك لأن له وقتا ينتهي إليه
ألا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده وقت أخذه
عرفا وإذا أطلق المدة في العارية فله أن ينتفع
بها ما لم يرجع أو ينقضي الوقت فإن كان المعار
أرضا لم يكن له أن يغرس ولا يبني ولا يزرع بعد
الوقت أو الرجوع فإن فعل شيئا من ذلك فكغاصب
وإن أعارها لغرس أو بناء وشرط عليه القلع في
وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ولا يلزمه
تسوية الأرض إلا بشرط وإن لم يشرط عليه القلع
لم يلزمه: إلا أن يضمن له المعير النقص فإن
قلع فعليه تسوية الأرض وإن أبى القلع في الحال
التي لا يجبر فيها فللمعير أخذه بقيمته بغير
رضا المستعير أو قلعه وضمان نقصه1 فإن أبى ذلك
بيعا لهما2 فإن أبيا البيع ترك بحاله واقفا
وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر
وللمستعير الدخول لسقي وإصلاح وأخذ ثمرة وليس
له الدخول لغير حاجة من التفرج ونحوه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم لك قريبا أن صاحب الأرض لو بذل
المستعير قيمة الزرع ليتملكه لم يكن له ذلك
وأما في مسألتنا هذه فله الرجوع وتملك ما في
الأرض بقيمته، والفرق بين المسألتين أن الأولى
في الزرع الذي له أجل ينتهي إليه عادة فإنه لا
ضرر على مالك الأرض في الانتظار غالبا. وأما
الثانية ففي الشجر والبناء ومدتهما لا تنتهي
بأوان فجائز تملكها بالقيمة دفعا لضرر.
2فاعل أبى يعود على مالك الأرض يريد: إذا أبي
تملك ذلك بالقيمة أو قلعه وضمان نقصه بيع
الغراس والبناء على ذمة مالكيهما.
ج /
2 ص -334-
وأيهما طلب البيع وأبى الآخر أجبر عليه ولكل
منهما بيع ما له منفردا لمن شاء فيقوم المشتري
مقام البائع ولا أجرة على المستعير من حين
رجوع في غرس وبناء وسفينة في لجة بحر وأرض قبل
أن يبلى الميت بل في زرع ويجوز أن يستعير دابة
ليركبها إلى موضع معلوم فإن جاوزه فقد تعدى
وعليه أجرة المثل للزائد خاصة وإن قال المالك:
أعرتكها إلى فرسخ فقال المستعير: إلى فرسخين
فالقول قول المالك وإن اختلفا في صفة العين
حين التلف أو في قدر القيمة فقول مستعير وإن
حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه
مبقي إلى الحصاد ولرب الأرض أجرة مثله وإن أحب
مالكه قلعه فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما
نقصت وإن حمل غرسا فكغرس مشتر شقصا فيه شفعة
وكذا حكم نوى وجوز ولوز ونحوه إذا حمل فنبت
وإن حمل أرضا بشجرها فنبت في أرض أخرى كما
كانت فهي لمالكها يجبر على إزالتها وإن ترك
صاحب الأرض المتنقلة أو الشجر أو الزرع ذلك
لصاحب الأرض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله
ولا أجرة ولا غير ذلك.
فصل: وحكم مستعير
في استيفاء المنفعة كمستأجر فإن أعاره أرضا للغراس والبناء أو
لأحدهما فله ذلك وإن يزرع ما شاء وإن استعارها
للزرع لم يغرس ولم يبن وإن استعارها للغرس أو
البناء فليس له الآخر وكمستأجر في استيفائها
بنفسه وبمن يقوم مقامه وفي استيفائها وما
دونها في الضرر من نوعها وغير ذلك إلا أنهما
يخلفان في شيئين - أحدهما: لا يملك الإعارة
ولا الإجارة على ما يأتي.
ج /
2 ص -335-
والثاني: الإعارة لا يشترط لها تعيين نوع
الانتفاع فلو إعارة مطلقا ملك الانتفاع
المعروف في كل ما هو مهيأ له كالأرض مثلا تصلح
للبناء والغراس والزراعة والارتباط وما كان
غير مهيء له وإنما يصلح لجهة واحدة: كالبساط
إنما يصلح للفرش فالإطلاق فيه كالتقييد
للتعيين بالعرف وله استنساخ الكتاب المعار
ودفع الخاتم المعار إلى من ينقش له على مثاله
وإذا إعارة للغرس أو للبناء أو للزراعة لم يكن
له ما زاد على المرة الواحدة فإن زرع أو غرس
ما ليس له غرسه فكغاصب واستعارة الدابة للركوب
لا تفيد السفر بها والعارية المقبوضة مضمونة
بقيمتها يوم التلف بكل حال وإن شرط نفي ضمانها
وإن كانت مثلية فبمثلها وكل ما كان أمانة أو
مضمونا لا يزول عن حكمه بالشرط ولو استعار
وقفا: ككتب علم وغيرها فتلفت بغير تفريط فلا
ضمان وإن كان برهن رجع إلى ربه ولو أركب دابته
متطوعا منقطعا لله تعالى فتلفت تحته لم يضمن
وكذا رديف ربها ورائض ووكيله - ولو قال: لا
أركب إلا بأجرة وقال: لا آخذ أجرة ولا عقد
بينهما فعارية وإن تلفت أجزاؤها أو كلها
باستعمال بمعروف: كخمل منشفة وطنفسة ونحوهما
أو بمرور الزمان فلا ضمان فكذا لو تلف ولدها
أو الزيادة وليس لمستعير أن يعير ولا يؤجر:
إلا بأذن ولا يضمن مستأجر منه مع الأذن -
وتقدم في الإجارة - والأجرة لربها لا له فإن
أعار بلا إذن فتلفت عند الثاني ضمن القيمة
والمنفعة: أيهما شاء1 والقرار على الثاني إن
كان عالما بالحال وإلا استقر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضمن: بتشديد الميم، وفاعله يعود على رب
العين، وضمير أيهما عائد على المستعير الأول
والثاني.
ج /
2 ص -336-
عليه ضمان العين ويستقر ضمان المنفعة على
الأول وليس له أن يستعمل ما استعاره في غير ما
يستعمل فيه مثله مثل أن يحشو القميص قطنا كما
يفعل بالجوالق أو يحمل فيه ترابا أو يستعمل
المناشف والطنافس في ذلك أو يستظل بها من
الشمس أو نحوه فإن فعل ضمن ما نقص من أجزائها
بهذه الاستعمالات فإن اختلفا فيما ذهبت به
أجزاؤها فقال المستعير: بالاستعمال المعهود
وقال المعير: بغيره ولا بينة فقول مستعير مع
يمينه ويبرأ من ضمانها ويجب الرد بمطالبة
المالك وبانقضاء الغرض من العين وبانتهاء
التأقيت وبموت المستعير وحيث تأخر الرج فيما
ذكرنا ففيه أجرة المثل لصيرورته كالمغصوب قاله
الحارثي وعلى مستعير مؤنة رد العارية إلى
مالكها: كمغصوب لا مؤنتها عنده1 وعليه ردها
إليه إلى الموضع الذي أخذها منه: إلا أن يتفقا
على ردها إلى غيره ولا يجب على المستعير أن
يحملها له إلى موضع آخر فإذا أخذها بدمشق
وطالبه ببعلبك: فإن كانت معه لزم الدفع وإلا
فلا وإن استعار ما ليس بماء: ككلب مباح
الاقتناء أو أبعد حرا صغيرا عن بيت أهله لزمه
ردهما ومؤنة الرد فإن رد الدابة إلى اصطبل
مالكها أو غلامه: وهو القائم بخدمته وقضاء
أموره عبدا كان أو حرا أو المكان الذي أخذها
منه أو إلى ملك صاحبها أو إلى عياله الذين لا
عادة لهم بقبض ماله لم يبرأ من الضمان وإن
ردها أو غيرها إلى من جرت عادته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضمير عنده يعود على المستعير، يريد أن
المستعير غير ملزم بمؤنة العارية في مدة
الإعارة، لأن حكمه في ذلك حكم المستأجر.
ج /
2 ص -337-
بجريان ذلك على يده: كسائس وزوجة متصرفة في
ماله وخازن ووكيل عام في قبض حقوقه - قاله في
المجرد- برئ وإن سلم شريك في شريكه الدابة
المشتركة فتلفت بلا تفريط ولا تعد بان ساقها
فوق العادة من غير انتفاع ونحوه لم يضمن -
قاله الشيخ وتأتي تتمته في الهبة - ومن استعار
شيئا ثم ظهر مستحقا فلمالكه أجر مثله يطالب به
من شاء منهما فإن ضمن المعير لم يرجع على أحد
ويأتي في الغصب.
فصل:- وإن دفع إليه دابة أو غيرها ثم اختلفا
فقال: آجرتك فقال: بل أعرتني: عقب العقد
والدابة قائمة - فقول القابض وترد إلى مالكها
وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فقول مالك فيما
مضى من المدة دون ما بقي وله أجرة مثل وإن
كانت الدابة قد تلفت لم يستحق صاحبها المطالبة
بقيمتها لا قراره بما يسقط ضمانها ولا نظر إلى
إقرار المستعير لأن المالك رد قوله بإقراره
فبطل وإن قال: أعرتك قال بل أجرتني والبهيمة
تالفة أو اختلفا في ردها فقول مالك وإن قال
أعرتني أو أجرتني قال: بل غصبتني: فإن كان
اختلافهما عقب العقد والبهية قائمة أخذها
مالكها ولا شيء له وإن كان قد مضى مدة العقد
لها أجرة فقول المالك فتجب أجرة المثل على
القابض وإن تلفت الدابة ففي مسألة دعوى القابض
العارية هما متفقان على ضمان العين مختلفان في
الأجرة والقول قول المالك فتجب له أجرة المثل:
كما تقدم،
ج /
2 ص -338-
وفي دعواه1 الإجارة متفقان على وجوب الأجرة
مختلفان في ضمان العين والقول قول المالك
فيغرم القابض قيمتها إذا كانت تالفة في
الصورتين وإن قال: أعرتك قال بل أودعتني فقول
مالك ويستحق قيمة العين إن كانت تالفة وعكسها
فقوله أيضا فيضمن ما انتفع به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الضمير في دعواه عائد على القابض للعين.
باب الغصب وجنابة
البهائم وما في معنى ذلك من الإتلافات.
الغصب حرام: وهو استيلاء غير حربي عرفا على حق غيره قهرا بغير حق
وتضمن أم ولد وقن وعقار - بغصب إذا تلف بغرق
ونحوه لكن لا تثبت يد على بضع فيصح تزويج
الأمة المغصوبة ولا يضمن الغاصب مهرها لو
حبسها عن النكاح حتى فات بالبكر ولا يحصل
الغصب من غير استيلاء فلو دخل أرض إنسان أو
داره صاحبها فيها أولا بأذنه أو بغر أذنه لم
يضمنها بدخوله: كما لو دخل صحراء له وإن غصب
كلبا يجوز اقتناؤه أو خمر ذمي مستورة أو تخلل
خمر مسلم في يد غاصب لزمه رده لا ما أريق
فجمعه آخر فتخلل لزوال يده هنا وإن أتلف الكلب
أو الخمر ولو كان المتلف ذميا لم تلزمه
قيمتهما كخنزير وخمر غير مستورة وتجب إراقة
خمر المسلم ويحرم ردها إليه وإن غصب جلد ميتة
نجسة لم يلزمه رده لأنه لا يطهر بدبغه ولا
قيمة له وإن استولى على حر لم يضمنه بذلك ولو
صغيرا - ويأتي في الديات
ج /
2 ص -339-
إن شاء الله تعالى - ويضمن ثيابه وحليه وإن
استعمله كرها أو حبسه مدة فعليه أجرته كالعبد
وإن منعه العمل من غير حبس فلا ولو عبدا.
فصل:- ويلزمه رد المغصوب إلى محله
وإن بعد وإن قدر على رده ولو غرم عليه أضعاف
قيمته فإن قال ربه: دعه وأعطني أجرة رده وإلا
ألزمتك برده أو طلب منه حمله إلى مكان آخر في
غير طريق الرد لم يلزمه وإن قال المالك: دعه
لي في المكان الذي نقلته إليه لم يملك الغاصب
رده وإن قال: رده إلى بعض الطريق لزمه ومهما
اتفقا عليه من ذلك جاز وإن خلطه بم يمكن
تمييزه منه أو تمييز بعضه: كحنطة بشعير أو
بسمسم أو صغار الحب بكباره أو زبيب أحمر بأسود
لزمه تخليصه ورده وأجرة المميز عليه وإن لم
يمكن تمييزه - فسيأتي في الباب وإن شغل
المغصوب بملكه: كحجر بنى عليه أو خيط خاط به
ثوبه أو نحوه فإن بلى الخيط وأنكسر الحجر أو
كان مكانه خشبة فتلفت لم يجب رده ووجبت قيمته
وإن كان باقيا بحاله لزمه رده وإن انتقض
البناء وتفصل الثوب وإن سمر بالمسامير بابا
لزمه قلعها وردها وإن كانت المسامير من الخشبة
المغصوبة أو مال المغصوب منه فلا شيء للغاصب
وليس له قلعها: إلا أن يأمره المالك فيلزمه
وإن كانت المسامير للغاصب فوهبها للمالك لم
يجبر المالك على قبولها وإن استأجر الغاصب على
عمل شيء من هذا الذي ذكرناه فالأجر عليه وإن
زرع الأرض فردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب
وعليه أجرتها إلى وقت تسليمها وضمان النقص ولو
لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة: كأراضي
ج /
2 ص -340-
البصرة أو نقصت لغير ذلك ضمن نقصها وإن أدركها
ربها والزرع قائم فليس له إجبار الغاصب على
قلعه ويخير بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين
أخذه بنفقته فيرد مثل البذر وعرض لو أحقه من
حرث وسقي وغيرهما ولا أجرة مدة مكثه في الأرض1
ويزكيه رب الأرض أن أخذه قبل وجوب الزكاة
وبعد: على الغاصب وإن غرسها الغاصب أو بنى
فيها ولو شريكا أو فعله من غير غصب بلا أذن
أخذ بقلع غراسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش
نقصها وأجرتها ثم إن كانت آلات البناء من
المغصوب فأجرتها مبنية وإلا أجرتها غير مبنية
فلو أجرها فالأجر لهما بقدر قيمتيها ولو جصص
الغاصب الدار أو زوقها فحكمها كالبناء ولو غصب
أرضا وغراسا من شخص واحد فغرسه فيها كالكل
لمالك الأرض فإن طالبه ربها بقلعه وله في قلعه
غرض صحيح أجبر عليه وعليه تسوية الأرض ونقصها
ونقص الغراس وإن لم يكن في قلعه غرض صحيح لم
يجبر وإن أراد الغاصب قلعه ابتداء فله منعه
ويلزمه أجرته مبنيا ورطبة ونحوها كزرع فيما
تقدم: لا كغرس ولو أراد مالك لم يكن له ذلك
وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز وإن وهب الغاصب
الغراس والبناء لمالك الأرض ليتخلص من قلعه
فقبله المالك جاز وإن أبى قبوله وكان في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: ولا أجرة، يريد به لا يلزم الغاصب
بأجرة الأرض إذا استولى مالكها على الزرع
بنفقته حيث أن المنفعة عادت إليه.
ج /
2 ص -341-
قلعه غرض صحيح لم يجبر على قبوله وإن أخذ تراب
أرض فضربه به لبنا رده ولا شيء له: إلا أن
يجعل فيه تبنا له فله أن يحله ويأخذ تبنه إن
كان يحصل منه شيء وإن طالبه المالك بحله لزمه
إن كان فيه غرض صحيح وإن جعله آجرا أو فخارا
لزمه رده ولا أجر له لعمله وليس له كسره ولا
المالك إجباره عليه وإن غصب فصيلا فأدخله داره
فكبر وتعذر خروجه بدون نقض الباب أو خشبة
وأدخلها داره ثم بنى الباب ضيقا لا تخرج إلا
بنقضه وجب نقضه ورد الفصيل الخشبة وإن كان
حصوله في الدار من غير تفريط من صاحبها نقض
الباب وضمان على صاحب الفصيل وأما الخشبة: فإن
كان كسرها أكثر ضررا من نقض الباب فكالفصيل
وإن كان أقل كسرت وإن كان حصوله في الدار بعدو
أن من صاحبه: كمن غصب دارا وأدخلها فصيلا أو
خشبة أو تعدى على إنسان فأدخل داره فرسا
ونحوها كسرت الخشبة وذبح الحيوان وإن زاد ضرره
على نقض البناء وإن باع دارا وفيها ما يعسر
أخراجه: كخوابي وخزائن أو حيوان وكان نقض
الباب أقل ضررا من بقاء ذلك في الدار او
تفصيله أو ذبح الحيوان نقض وكان إصلاحه على
البائع وإن كان أكثر ضررا لم ينقض ويصطلحان
على ذلك: بأن يشتريه مشتري الدار وغير ذلك وإن
غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع وهي في اللجة
حتى تخرج منها وترسي أن خيف عليها بقلعه ولو
لم يكن فيها إلا مال الغاصب أو لم يكن فيها ذو
روح محترم وعليه أجرته إليه وإن كان في أعلاها
بحيث
ج /
2 ص -342-
لا تغرق بقلعه لزمه قلعه ولصاحب اللوح طلب
قيمته حيث تأخر القلع فإذا أمكن رد اللوح
استرجعه ورد القيمة وإن غصب خيطا فخاط به جرح
حيوان محترم وخيف قلعه ضرر آدامي أو تلف غيره
فعليه قيمته وغير المحترم: كالمرتد والحربي
والكلب العقور والخنزير وإن كان مأكولا للغاصب
ذبح ولزمه رده وإن كان غير مأكول رد قيمة
الخيط وإن مات الحيوان لزمه رده: إلا أن يكون
آدميا معصوما فيرد القيمة وإن غصب جوهرة
فابتلعتها بهيمة فحكمها حكم الخيط ولو ابتلعت
شاته ونحوها جوهرة آخر غير مغصوبة وتوقف
إخراجها على ذبحها ذبحت بقيد كون الذبح أقل
ضررا - قاله الموفق وغيره وقال الحارثي:
وأختار الأصحاب عدم القيد - وعلى مال الجوهرة
ضمان نقص الذبح: إلا أن يفرط مالك الشاة بكون
يده عليها فلا شيء له لتفريطه ولو أدخلت
البهيمة رأسها في قدر ونحوه ولم يمكن إخراجه
إلا بذبحها وهي مأكولة فقال الأكثرون إن كان
لا بتفريط من أحد كسر القدر ووجب الأرش على
مالك البهيمة وإن كان بتفريط مالكها بأن أدخل
رأسها بيده أو كانت يده عليها ونحوه ذبحت من
غير ضمان وإن كانت بتفريط مالك القدر بأن
أدخله بيده أو ألقاها في الطريق كسرت ولا أرش
ولو قال من عليه الضمان: أنا أتلف مالي ولا
أغرم شيئا للآخر كان له ذلك وإن كانت غير
مأكولة كسرت القدر ولا تقتل البهيمة بحال ولو
اتفقا على القتل لم يمكنا ومن وقع في محبرته
دينار ونحوه لغيره بتفريط صاحبها فلم يخرج
كسرت مجانا
ج /
2 ص -343-
وإن لم يفرط خير رب الدينار بين تركه فيها
وبين كسرها وعليه قيمتها فإن بذل ربها بدله
وجب قبوله: فإن بادر فكسرها عدوانا لم يلزمه
أكثر من قيمتها وإن كان السقوط لا بفعل أحد:
بأن سقط من مكان أو ألقاه طائر أو هر وجب
الكسر وعلى رب الدينار الأرش فإن كانت المحبرة
ثمينة وأمتنع رب الدينار من ضمانها في مقابلة
الدينار فيقال له: أن شئت أن تأخذ فأغرم وإلا
فاترك ولا شيء لك ولو غصب الدينار فالقاه في
محبرة آخر أو سقط فيها بغير فعله تعين الكسر
إلا أن يزيد ضرر الكسر على التبقية فيسقط ويجب
على الغاصب ضمان الدينار.
فصل:- وإن زاد المغصوب لزمه رده بزيادته
متصلة كانت كالسمن وتعلم صنعة أو منفصلة: كالولد والكسب ولو غصب
جارحا أو قوسا فصاد به أو شبكة أو شرطا فأمسك
شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه ولا
أجرة له مدة اصطياده وإن غصب منجلا فقطع به
خشبا أو حشيشا فهو للغاصب: كالحبل يربط به وإن
غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا
فضربه ابرا أو أواني أو غيرهما أو خشبا فنجره
بابا أو نحوه أو شاة فذبحها وشواها وذبحه
إياها لا يحرمها بمعنى أنها ليس صارت كالميتة:
لكن لا يجوز أكلها ولا التصرف فيها إلا بأذن
مالكها ويأتي في القطع في السرقة أو طينا
فضربه به لبنا أو فخارا أو حبا فطحنه رد ذلك
بزيادته وأرش نقصه ولا شيء له لكن أن أمكن
الرد إلى الحالة الأولى كحلي
ج /
2 ص -344-
ودراهم ونحوهما فلمالك إجباره على الإعادة وما
لا يمكن: كالأبواب والفخار ونحوهما فليس
للغاصب إفساده ولا للمالك إجباره عليه وتقدم
بعضه وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا أو شق نهرا
ونحوه فلربها إلزامه بطمها إن كان لغرض صحيح
وإن أراد الغاصب طمها: فإن كان لغرض صحيح
كإسقاط ضمان ما يقع فيه أو يكون قد نقل ترابها
إلى ملكه أو ملك غيره أو إلى طريق يحتاج إلى
تفريغه فله طمها من غير أذن ربها أو في موات
وأبرأه من ضمان من يتلف بها وتصح البراءة منه
أو منعه منه لم يملك طمها ولو كشط تراب الأرض
فطالبه المالك برده فرشه لزمه ذلك وإن أراده
الغاصب وأباه المالك فله فعله لغرض صحيح مثل
إن كان نقله إلى ملك نفسه فيرده لينتفع
بالمكان أو طرحه في ملك غيره أو في طريق يحتاج
إلى تفريغه وإن كان لا لغرض صحيح فلا وإن غصب
حبا فزرعه أو بيضا فصار فراخا أو نوى فصار
غرسا أو غصنا فصار شجرا رده ولا شيء له وإن
نقص ولو بنبات لحية عبد أمرد أو ذهاب رائحة
مسك أو قطع ذنب حمار ونحوه ضمن نقصه - ونص
أحمد في طيرة جاءت إلى قوم فازدوجت عندهم
وفرخت: أن الفراخ تبع اللام ويرد على أصحاب
الطيرة فراخها وإن غصب شاة وأنزى عليها فحله
فالولد لمالك الأم ولا أجرة للفحل وإن غصب فحل
غيره فأنزاه على شاته فالولد له تبعا للام ولا
يلزمه أجرة الفحل لكن أن نقص لزمه أرش نقصه.
ج /
2 ص -345-
فصل: وإن نقص لزمه ضمانه بقيمته
ولو رقيقا أو بعضه: لا بمقدار من الحر كيده:
إذا لم يجن عليه وإن جنى عليه ضمنه بأكثر
الأمرين ويرجع غاصب غرم على جان بأرش جناية
فقط فإن خصاه ولو زادت قيمته أو قطع منه ما
تجب فيه دية كاملة من الحر لزمه رده ورد قيمته
ولا يملكه الجاني وإن كان دابة ضمن ما نقص من
قيمتها ولو بتلف إحدى عينيها وإن نقضت قيمة
العين بتغير السعر لم يضمن سواء ردت العين أو
تلفت وإن نقصت لمرض ثم عادت ببرئه أو ابيضت
عينه ثم زال بياضها ونحوه رده ولم يلزمه شيء
وإن استرده المالك معيبا مع الأرش ثم زال
العيب في يد مالكه لم يجب رد الأرش لاستقراره
بأخذ العين ناقصة وكذا لو أخذ المغصوب بغير
أرش ثم زال في يده لم يسقط الأرش وإن زادت
لمعنى في المغصوب من كبر وسمن وهزال وتعلم
صنعة ونحو ذلك ثم نقصت ضمن الزيادة وإن عاد
مثل الزيادة الأولى من جنسها: مثل أن سمن
فزادت قيمته ثم نقصت بزوال ذلك ثم سمن فعادت
لم يضمن ما نقص وإن كانت من غير جنسها لم يسقط
ضمانها وإن غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل
فزادت قيمته أو لم تنقص رده ولا شيء عليه وإن
نقص المغصوب نقصا غير مستقر: كحنطة ابتلت
وعفنت خير بين أخذ مثلها وبين تركها حتى يستقر
فسادها فيأخذها وأرش نقصها فإن استقر أخذها
والأرش وإن جنى المغصوب فعلى الغاصب أرش
جنايته: سواء جنى على سيده أو أجنبي وجنايته
على غاصبه وعلى ماله هدر إلى في قود فلو قتل
عبدا لأحدهما عمدا
ج /
2 ص -346-
فله قتله ثم يرجع السيد بقيمته على الغاصب
فيهن - وفي المستوعب من استعان بعبد غيره بلا
أذن فحكمه حكم الغاصب حال استخدامه - ويضمن
زوائد الغصب: كالثمرة والولد إذا ولدته أمه
حيا ثم مات: سواء حملت عنده او غصبها حاملا
وإن ولدته ميتا من غير جناية لم يضمنه وبها
يضمنه الجاني بعشر قيمة أمه وكذا ولد بهيمة.
فصل:- وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز:
مثل أن خلط حنطة أو دقيقا أو زيتا أو نقدا
بمثله لزمه مثله منه ولا يجوز للغاصب أن يتصرف
في قدر ماله منه ولا إخراج قد الحرام منه بدون
أذن المغصوب منه لأنه اشتراك: لا استهلاك وإن
خلطه بدونه أو بخير منه أو بغير جنسه ولو
بمغصوب مثله لآخر على وجه لا يتميز فهما
شريكان بقدر قيمتيهما فيباع الجميع ويدفع إلى
كل واحد قدر حقه: كاختلاطهما من غير غصب وإن
اختلط درهم بدرهمين لآخر من غير غصب فتلف
اثنان فما بقي بينهما نصفين وإن خلطه بغير
جنسه فتراضيا على أن يأخذ أكثر من حقه أو أقل
جاز وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيته
فنقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن الغاصب
النقص وإن لم تنقص ولم تزد أو زادت قيمتهما
فهما شريكان بقدر ملكيهما وإن زادت قيمة
أحدهما فالزيادة لصاحبه وإن أراد أحدهما قلع
الصبغ لم يجبر الآخر عليه وإن أراد المالك بيع
الثوب فله ذلك ولو أبى الغاصب وإن أراد الغاصب
بيعه لم يجبر المالك وإن وهب الصبغ للمالك أو
تزويق الدار ونحوها
ج /
2 ص -347-
لزمه قبوله: كنسج غزل وقصر ثوب وعمل حديد أبرا
أو سيوفا ونحوهما: لا هبة مسامير سمر بها بابا
مغصوبا وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبه أو زيتا فلت
به سويقه فهما شريكان بقدر حقيهما ويضمن النقص
وإن غصب ثوبا وصبغا به رده وأرش نقصه ولا شيء
له في زيادته واتقاء الثوب الدنس بالصابون أن
أورث نقصا ضمنه الغاصب وإن زاد فللمالك ولو
غصبه نجسا لم يملك تطهيره بغير أذن وليس
للمالك تكليفه به وإن كان طاهرا فنجس عنده لم
يكن له أيضا تطهيره بغير أذن وله إلزامه به
وما نقص فعليه أرشه ولو رده نجسا فمؤنة تطهيره
على الغاصب.
فصل:- وإن وطئ الغاصب الجارية مع العلم بالتحريم
فعليه الحد وكذا هي إن طاوعت وكانت من أهل الحد وعليه مهر مثلها ولو
مطاوعة وأرش البكارة وردها إلى سيدها وإن ولدت
فالولد رقيق للسيد ويضمن الغاصب نقص الولادة
ولا ينجبر بزيادة الولد وإن تلفت فعليه قيمتها
وإن ردها فماتت في يد المالك بسبب الولادة وجب
ضمانها - وتقدم إذا ولدته ميتا - وإن كان
جاهلا بالتحريم ومثله يجهله فلا حد عليه وعليه
المهر وأرش البكارة والولد حر ونسبه لاحق
للغاصب إن انفصل حيا وعليه فداؤه بقيمته يوم
انفصاله وإن انفصل ميتا من غير جناية فغير
مضمون وبجناية فعلى الجاني الضمان فإن كانت من
الغاصب فغرة موروثة عنه لا يرث الغاصب منها
شيئا وعليه للسيد قيمة الأم وإن كانت من غير
الغاصب فعليه الغرة
ج /
2 ص -348-
يرثها الغاصب دون أمة وعلى الغاصب عشر قيمة
الأم للمالك وإن قتلها بوطئه أو ماتت بغيره
فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل في ذلك أرش
بكارتها ونقص ولادتها ولا يدخل فيه ضمان ولدها
ولا مهر مثلها وإن باعها أو وهبها ونحوهما من
كل قابض منه لعالم بالغصب فوطئها فللمالك
تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وأرش
بكارتها وقيمة ولدها إن تلف فإن ضمن الغاصب
رجع على الآخر لحصول التلف في يده وإن ضمن
الآخر لم يرجع على أحد والنقص والأجرة قبل
البيع والهبة على الغاصب وإن لم يعلما بالغصب
فهما كالغاصب في جواز تضمينهما العين والمنفعة
لكنهما يرجعان على الغاصب بما لم يلتزما ضمانه
فإن ضمن المشتري أو المستعير - رجعا بقيمة
المنفعة دون العين والمستأجر عكسهما وإن ضمن
المودع أو الملتهب رجعا بهما وإن ضمن الغاصب
رجع على الآخر بما لم يرجع به عليه لو ضمنه
ويسترد المشتري والمستأجر من الغاصب ما دفعا
إليه من المسمى بكل حال وإن ولدت من مشتر أو
متهب فالولد حر ويفديه بقيمته يوم وضعه ويرجع
بالفداء على الغاصب وإن تلفت عند مشتر فعليه
قيمتها ولا يرجع بها ولا بأرش بكارة بل بثمن
ومهر وأجرة نفع وثمرة وكسب وقيمة ولد كما تقدم
ونقص ولادة ومنفعة فائتة وتقدم حكم غير
المشتري من كل قابض من الغاصب بما يرجع به على
القابض منه وإن ردها حاملا فماتت من الوضع فهي
مضمونة على الواطئ وإن ولدت من زوج غير عالم
فالولد رقيق يجب
ج /
2 ص -349-
رده على المالك إن كان الولد حيا وإن تلف ففيه
القيمة للمالك يأخذها من شاء من الغاصب أو
الزوج فإن ضمن الزوج رجع على الغاصب وإن ضمن
الغاصب لم يرجع عليه وإن ماتت في حبال الزوج
فقرار الضمان على الغاصب فإن استخدمها الزوج
وغرم الأجرة لم يرجع بها على الغاصب وإن
أعارها فتلفت ضمن مستعير غير عالم العين وغاصب
الأجرة وإلا ضمنهما المستعير: كما تقدم وإذا
اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة
وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما
غرمه لا بما انفق على العبد والحيوان ولا
بخراج الأرض لأنه دخل في الشراء ملتزما ضمان
ذلك وإن أطعم المغصوب لعالم بالنصب استقر
الضمان على الآكل وإن لم يعلم فعلى الغاصب ولو
لم يقل: كله فإنه طعامي وإن أطعمه لمالكه أو
عبده أو دابته فأكله عالما أنه له ولو بلا
أذنه برئ الغاص وإن لم يعلم أو أخذه بقرض أو
شراء أو هبة أو هدية أو صدقة أو أباحة له أو
رهنه عنده أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره
على قصارته وخياطته لم يبرأ: إلا أن يعلم وإن
أعاره إياه برئ علم أو لم يعلم ومن اشترى عبدا
فاعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدقه
أحدهما لم يقبل على الآخر وإن صدقاه مع العبد
لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري فلو
مات العبد وخلف مالا فهو للمدعي: إلا أن يخلف
وارثا وليس عليه ولاء وإن أقام المدعي بينة
ادعاه بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على
البائع بالثمن وإن كان المشتري لم يعتقه وأقام
المدعي بينة بما ادعاه انتقض
ج /
2 ص -350-
البيع ورجع المشتري على البائع بالثمن وكذلك
إن أقرا بذلك وإن أقر أحدهما لم يقبل على
الآخر فإن كان المقر البائع لزمته القيمة
للمدعي ويقر العبد في يد المشتري وللبائع
أحلافه ثم إن كان البائع لم يقبض الثمن فليس
له مطالبة المشتري وإن كان قد قبضه فليس
للمشتري استرجاعه لأنه لا يدعيه ومتى عاد
العبد إلى البائع بفسخ أو غيره لزمه رده إلى
مدعيه وله استرجاع ما أخذ منه وإن كان إقرار
البائع في مدة الخيار انفسخ البيع لأنه يملك
فسخه وإن كان المقر المشتري وحده لزمه رد
العبد ولم يقبل إقراره على البائع ولا يملك
الرجوع عليه بالثمن بينة بما أقر به قبلت وله
الرجوع بالثمن وإن كان البائع المقر وأقام
بينة فإن كان في حال البيع قال: بعتك عبدي هذا
أو ملكي لم تقبل بينته لأنه يكذبها وإلا قبلت
وإن أقام المدعي البينة سمعت ولا تقبل شهادة
البائع له وإن أنكراه جميعا فله أحلافها.
فصل:- وإن تلف المغصوب أو أتلفه الغاصب
أو غيره ولو بلا غصب ضمنه بمثله إن كان مكيلا
أو موزونا تمائلت أجزاؤ أو تباينت: كالأثمان
ولو نقرة أو سبيكة وكالحبوب والأدهان إذا كان
باقيا على أصله: فإن تغيرت صفته: كرطب صار
تمرا سمسم صار شيرجا ضمنه المالك بمثل أيهما
أحب والدراهم المغشوشة الرائحة مثلية أو أعوز
المثلى لعدم أو بعد أو غلاء فعليه قيمة مثله
يوم إعوازه في بلده فلو قدر على المثل قبل
أداء القيمة: لا بعده - لزمه المثل ولم يرد
ج /
2 ص -351-
القيمة فإن كان مصوغا مباحا: كمعمول ذهب وفضة
ونحاس ورصاص ومغزول صوف وشعر ونحوه أو تبرا
تخالف قيمته وزنه بزيادة أو نقص فإن كان من
النقدين أو محلى بأحدهما قومه بغير جنسه وإن
كان محلى بهما قومه بما شاء منهما للحاجة
وأعطاه بقيمته عرضا وإن كان محرم الصناعة:
كأواني ذهب وفضة وحلي محرم ضمنه بوزنه فقط -
وفي الانتصار و المفردات لو حكم حاكم بغير
المثل في المثلى وبغير القيمة في المتقوم لم
ينفذ حكمه ولم يلزم قبوله - وإن لم يكن مثليا
ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلد غصبنه من نقده
فإن كان به نقود فمن غاليها وكذا متلف بلا غصب
ومقبوض بعقد فاسد وما أجرى مجراه مما لم يدخل
في ملكه فإن دخل في ملكه بأن أخذ معلوما بكيل
أو وزن أو حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم
يحاسبه بعد فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه لأنه
ثبتت قيمته يوم أخذه ولا قصاص في المال مثل شق
ثوبه ونحوه ولو غصب جماعة مشاعا فرد واحد منهم
سهم واحد أليه لم يجز له حتى يعطي شركاءه وكذا
لو صالحوه عنه بماله ولو تلف بعض المغصوب
فنقصت قيمة باقية: كزوجي خف ومصراعي باب تلف
أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التالف وأرش
النقص وإن غصب ثوبا قيمته عشرة فلبسه فأبلاه
فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت قيمته كما
كانت رده وأرش نقصه وإن رخصت الثياب فعادت
قيمته ثلاثة لم يلزم الغاصب إلا خمسة مع رد
الثوب وإن غصب عبدا فابق أو فرسا فشرد أو شيئا
فتعذر رده مع بقائه ضمن
ج /
2 ص -352-
قيمته فإذا أخذها المغصوب منه ملكها ولا يملك
العين المغصوبة بدفع القيمة ولا إكسابها ولا
يعتق عليه إن كان قريبه فإن قدر عليه بعد رده
بنمائه المتصل والمنفصل وأخذ القيمة بزوائدها
المتصلة فقط إن كانت باقية وإلا بدلها وليس
للغاصب حبس العين لاسترداد القيمة كمن اشترى
أشراء فاسدا ليس له حبس المبيع على رد الثمن
فعليه مثله إلى عدل يسلم كل واحد ماله وإن غصب
عصيرا فتخمر فعليه مثله وإن انقلب خلا رده وما
نقص من قيمة العصير أو منه بغليانه وإن غصب
أثمانا فطالبه مالكها بها في بلد الغصب وإن
كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو
هي أقل في البلد الذي لقيه فيه فله مطالبته
بمثله وإن كانت أكثر فليس له المثل وله
المطالبة بقيمته في بلد الغصب وفي جميع ذلك
متى قدر على المغصوب أو على المثل في بلد
الغصب رده وأخذ القيمة.
فصل:- وإن كان للمغصوب منفعة
تصح إجارتها فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه
في يده استوفى المنافع أو تركها تذهب وإن ذهب
بعض أجزائه في المدة: كحمل المنشفة لزمه مع
الأجرة أرش نقصه وإن تلف المغصوب فعليه أجرته
إلى تلفه ويقبل قول الغاصب أنه تلف فيطالب
بالبدل وما لا تصح إجارته: كغنم وشجر وطير مما
لا منفعة له لم يلزمه له أجرة وإن غصب شيئا
فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت
أداء القيمة فإن قدر عليه بعد لزمه رده: كما
تقدم
ج /
2 ص -353-
قريبا ولا أجرة له من حين دفع بدله إلى رده
ومنافع المقبوض بعقد فاسد: كمنافع المغصوب
تضمن بالفوات والتفويت ولو كان العبد المغصوب
ذا صنائع لزمه أجرة أعلاها فقط: وتقدم أول
الباب لو حبس حرا أو استعمله كرها.
فصل: وتصرفات الغاصب الحكمية:
وهي ما لها حكم من صحة أو فساد: كالحج من
المال المغصوب وسائر العبادات والعقود كالبيع
والإجارة والانكاح: كان أنكح الأمة المغصوبة
ونحوها تحرم ولا تصح وتحرم غير الحكمية:
كإتلاف واستعمال: كأكل وليس ونحوهما وإن اتجر
بعين المال أو من عين المغصوب فالريح والسلع
المشتراة للمالك وإن اشترى في ذمته ثم نقدها
ولو من وديعة عبده أو قارض بهما ولو بغير نية
نقده فالنقد صحيح والاقباض فاسد أي غير مبرئ
الربح والسلح المشتراة للمالك وإن لم يبق درهم
مباح أكل عادته لا ماله عنه غنى: كحلوى وفاكهة
وقاله في النوادر وإن اختلفا في قيمة المغصوب
أو في زيادة قيمته هل زادت قبل تلفه أو بعده؟
أو في قدره او في صناعة فيه ولا بينة فالقول
قول الغاصب وإن اختلفا في رده أو عيب فيه بعد
تلفه فقول المالك لكن لو شاهدت البينة العبد
معيبا عند الغاصب فقال المالك: حدث عند الغاصب
وقال الغاصب: بل كان فيه قبل غصبه فقول الغاصب
وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها فسلمها
إلى الحاكم - ويلزمه قبولها - برئ من عهدتها
وله الصدقة بها عنهم بشرط ضمانها: كلقطة
ج /
2 ص -354-
ويسقط عنه إثم الغصب وكذا رهون وودائع وسائر
الأمانات والأموال المحرمة وليس لمن عي عتده
أخذ شيء منها ولو فقيرا وإذا تصدق بالمال ثم
حضر المالك خير بين الأجر وبين الأخذ من
المتصدق فإن اختار الأخذ فله ذلك والأجر
للمتصدق ولو نوى جحد ما بيده من ذلك أو حق
عليه في حياة ربه فثوابه له وإلا فلورثته ولو
ندم و رد ما غصبه على الورثة برئ من أثمه لا
من أثم الغصب ولو رده و أرث الغاصب للمغصوب
منه مطالبته في الآخرة نصا.
فصل:- ومن أتلف ولو خطأ أو سهوا مالا محترما
لغيره بغير إذنه
ضمنه سوى إتلاف حربي مال مسلم وغير المحترم:
كمال حربي وصائل ورقيق حال قطعه الطريق ونحوهم
لا يضمنه وإن أكره على إتلافه ضمنه مكرهه ومن
أغرى ظالما بأخذ مال إنسان ودله عليه ضمنه -
أفتى به ابن الزريراتي وإن غرم بسبب كذب عليه
عند ولي الأمر فله تغريم الكاذب - وتقدم في
الحجر - وإن أذن رب المال في إتلافه فأتلفه لم
يضمن المتلف وإن فتح قفصا عن طائر أو حل قيد
عبد أو أسيرا أو دفع لأحدهما مبردا فبرده
فذهبوا أو حل رباط سفينة فغرقت بعصوف ريح أولا
أو فتح اصطبلا فضاعت الدابة أو حل رباط فرس أو
وكاء زق مانع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي
بعد حله قاعدا فألقته ريح أو زلزلة فأندق فخرج
كله في الحال أو قليلا قليلا أو خرج منه شيء
بل أسفله فسقط أو ثقل أحد جانبيه فلم يزل يميل
قليلا حتى سقط ضمنه أعقب ذلك فعله أو تراخى
عنه أهاج الطائر والدابة حتى ذهبا أولا ومثله
لو أزال
ج /
2 ص -355-
يد إنسان عن عبد أو حيوان فهرب إذا كان
الحيوان مما يذهب بزوال اليد كالطير والبهائم
الوحشية والبعير الشارد والعبد الآبق أو نفر
الدابة بأن صرخ فيها حتى شردت وإن لم يعلم ذلك
وكذا لو أزال يده الحافظة حتى بنهبه الناس أو
الدواب أفسدته أو النار أو الماء فإن فتح بابه
فيجيء غيره فينهب المال أو يسرقه والقرار على
الآخذ ولو ضرب يد آخر وفيها دينار فضاع ضمنه
ولو خاصمه فاسقط عمامته عن رأسه بيده أو هزه
حتى سقطت فتلفت أو في زحام فضاعت ضمنها ولو
أقام عمودا بجداره المائل فجاء آخر ورفع
العمود فسقط الجدار في الحال ضمنه وإن وقع
طائر إنسان على جدار فنفره آخر فطار لم يضمنه
وإن رماه فقتله ضمنه وإن كان في داره وإن قتله
وهو مار في هواء داره أو هواء دار غيره ولو
كانت الدابة المحمولة عقورا وجنت ضمن جنايتها:
كما لو حل سلسلة فهد أو ساجور كلب فعقر1 وإن
أفسدت زرع إنسان فكإفساد دابة نفسه - على ما
يأتي - ولو فتح بثقا2 فافسد بمائه زرعا أو
بنيانا ضمن: كما لو أطلق دابة رموحا من شكال:
أي تضرب برجليها وإن رمى الزق الذي بقي بعد حل
وكائه قاعدا إنسان آخر اختص الضمان به وإن بقي
الطائر والفرس بحالهما فنفرهما آخر ضمنهما
المنفر وإن أتلف وثيقة لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الساجور خشبة توضع في عنق الكلب اهـ قاموس
وهي تمنع الكلب أن يتمكن من العقر.
2 البق بفتح الباء وسكون الثاء الجسر الذي
يحجز الماء أن يسيل.
ج /
2 ص -356-
يثبت إلا بها ضمنه لا أن دفع مفتوحا إلى لص
ولو حبس مالك دواب فتلفت لم يضمن وإن ربط دابة
أو أوقفها في طريق ولو واسعا ويده عليها
فأتلفت شيئا أو جنت بيد أو رجل أو فم أو ترك ف
الطريق طينا أو قشر بطيخ أو رش فيه ماء فزلق
به إنسان أو خشبة أو عمودا أو حجرا أو كيس
دراهم أو أسند خشبة إلى حائط فتلف به شيء ضمن
ما أتلفه أو تلف به ومن ضرب دابة مربوطة في
طريق ضيق فرفسته فمات ضمنه صاحبها - ذكره في
الفنون - وإن أقتنى كلبا عقورا: بأن يكون له
عادة بذلك أو لا يقتني1 أو أسود بهيما أو كبشا
معلما النطاح أو أسدا أو نمرا أو نحوهما من
السباع المتوحشة فعقرت أو خرقت ثوبا أو هرا
تأكل الطيور وتقلب القدور في العادة مع علمه
بأن تقدم للهر عادة بذلك ضمن فإن لم يكن له
عادة بذلك لم يضمن صاحبه: كالكلب الذي ليس
بعقور ولا فرق بين الليل والنهار: إلا أن يكون
دخل منزلة بغير أذنه أو بأذنه ونبهه أنه عقور
أو غير موثوق ولا يضمن ما أفسدت بغير ذلك ببول
أو ولوغ وله قتل هر بأكل لحم أو نحوه:
كالفواسق وقيده ابن عقيل ونصره الحارثي حين
أكلها فقط ولو حصل عنده كلب عقور أو سنور ضار
من غير اقتناء واختيار فأفسد لم يضمن وإن
اقتنى حماما أو غيره من الطير فأرسله نهارا
فلقط حبا ضمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد بقوله لا يقتنى ألا يكون كلب صيد ولا
لحراسة ماشية أو زرع.
ج /
2 ص -357-
فصل:- وإن أجج نارا في موات أو في ملكه أو سقى
أرضه
فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه لم يضمن إذا كان ما جرت به العادة بلا
إفراط ولا تفريط فإن فرط أو أفرط: بأن أجج
نارا تسري في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة
تحملها لا بطريانها أو فتح ماء كثيرا يتعدى أو
فتحه في أرض غيره أو أوقد في ملك غيره فرط أو
أفرط أولا ضمن ما تلف به وكذلك أن يبست النار
أغصان شجرة غيره: إلا أن تكون الأغصان في
هوائه فلا يضمن وإن ألقت الريح إلى داره ثوب
غيره لزمه حفظه لأنه أمانة فإن لم يعرف صاحبه
فهو لقطة وإن عرفه لزمه أعلامه فإن لم يفعل
ضمه وإن سقط طائر غيره في داره لم يلزمه حفظه
ولا إعلام صاحبه إلا أن يكون غير ممتنع
فكالثوب وإن دخل برجه فأغلق عليه الباب ناويا
إمساكه لنفسه ضمنه وإلا فلا ضمان عليه وإن حفر
في فنائه: وهو ما كان خارج الدار قريبا منها
بئرا لنفسه ولو بأذن الإمام وكذا البناء ضمن
ما تلف بها ولو حفرها الحر بأجرة أولا وثبت
عليه أنها في ملك غيره ضمن الحافر وإن جهل ضمن
الآمر وإن حفرها أو بنى مسجدا أو خانا ونحوه
في سابلة واسعة لنفع المسلمين بلا ضرر بالمارة
لنفع نفسه ولو بغير أذن إمام لم يضمن ما تلف
بها: كبناء جسر وكذا لو حفرها في موات لتملك
أو ارتفاق أو انتفاع عام وينبغي أن يجعل عليها
حاجزا تعلم به لتتوقي - قال الشيخ: ومن لم
يسده بئره سدا يمنع من الضرر ضمن ما تلف بها
وإن فعله بها لينفع نفسه أو كان يضر بالمارة
أو في طريق ضيق ضمن سواء فعله لمصلحة عامة
أولا يأذن الإمام لأنه ليس له أن يأذن
ج /
2 ص -358-
فيه وفعل عبده بأمره كفعل نفسه: أعتقه بعد ذلك
أولا وبغير إذنه يتعلق ضمانه برقبته ثم أعتقه
فما تلف عتقه ضمانه ولو أمره السلطان بفعل ذلك
ضمن السلطان وحده وإن فعل ما تدعو الحاجة إليه
لنفع الطريق وإصلاحها: كإزالة الطين والماء
عنها وتنقيتها مما يضر فيها وحفر هدفة فيها
وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها
ليملأها وتسقيف ساقية فيها ووضع حجر طين فيها
ليطأ الناس عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف
به وإن بسط في مسجد حصيرا أو بارية أو بساطا
أو علق فبه قنديلا أو أوقده أو نصب فيه بابا
أو عمدا أو بنى جدارا أو سقفه أو جعل فيه رفا
ونحوه لنفع الناس أو وضع فيه حصى لم يضمن ما
تلف به وإن جلس أو اضطجع أو قام في مسجد أو
طريق واسع فعثر به حيوان لم يضمن ويضمن في
طريق ضيق - ويأتي في الديات - وإن أخرج جناحا
أو ميزابا ونحوه إلى طريق نافذ أو غير نافذ
بغير أذن أهله فسقط على شيء فأتلفه ضمن ولو
بعد بيعه وقد طولب بنقضه لحصوله بفعله ما لم
يأذن فيه إلى الطريق النافذ فقط أمام فقط أمام
أو نائبه ولم يكن منه ضرر وإن مال حائطه إلى
غير ملكه: علم به أولا فلم يهدمه حتى أتلف
شيئا لم يضمنه: كما لو سقط من غير ميلان وعنه
أن طولب بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن
وأختاره جماعة قال الموفق و الشارح: والتفريع
عليه والمطالبة من كل مسلم أو ذمي إذا كان
ميله إلى الطريق: كما لو مال إلى ملك جماعة
فطالب واحد منهم ولكل منهم المطالبة وإن طالب
واحد فاستأجله
ج /
2 ص -359-
صاحب الحائط أو أجله الإمام لم يسقط عنه
الضمان ولا أثر لمطالبة مستأجر الدار
ومستعيرها ومستودعها ومرتهنها ولا ضمان عليهم
وإن بناه مائلا إلى ذلك غيره بأذنه أو إلى ملك
نفسه أو مال إليه بعد البناء لم يضمن وإن بناه
مائلا إلى الطريق أو إلى ملك الغير بغير أذنه
ضمن وإن تقدم إلى صاحب الحائط المائل بنقضه
فباعه مائلا فسقط على شيء فتلف به فلا ضمان
على البائع ولا على مشتر لأنه لم يطالب بنقضه
وكذلك أن وهبه وأقبضه وحيث وجب الضمان والتالف
آدمي فالدية على عاقلته فإن أنكرت العاقلة كون
الحائط لصاحبهم أو أنكروا مطالبته بنقضه لم
يلزمهم: إلا أن يثبت وإن تشقق الحائط عرضا
فكميله لا طولا.
فصل:- وما أتلفته البهيمة
ولو صيد حرم فلا ضمان على صاحبها إذا لم تكن يده عليها: إلا
الضاربة1 ومن أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا
أو عضوضا على الناس في طرقهم ومصاطبهم و
رحابهم فأتلف مالا أو نفسا ضمن لتفريطه وكذا
إن كان له طائر جارح: كالصقر والباذئ فأفسد
طيور الناس وحيواناتهم قاله في الفصول وإن
كانت البهيمة في يد إنسان كالسائق والقائد
والراكب المتصرف فيها: سواء كان مالكا أو
غاصبا أو أجيرا أو مستأجرا أو مستعيرا أو موصي
له بالمنفعة ضمن ما جنت يدها أو فمها أو وطئها
برجلها لا ما نفحت بها: ما لم يكبحها زيادة
على العادة أو يضر بها في وجهها ولو لمصلحة
ولا يضمن ما جنت بذنبها ويضمن ما جنى ولدها
ومن نفرها أو نخسها ضمن وحده دونهم فإن جنت
عليه فهدر وإن ركبها اثنان ضمن الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الضاربة: هي المعتادة أن تضرب بيدها أو
رجلها أو سوى ذلك.
ج /
2 ص -360-
منهما: إلا أن يكون صغيرا أو مريضا ونحوهما
والثاني متولى تدبيرها فعليه الضمان وإن
اشتركا في التصرف اشتركا في الضمان وكذا لو
كان معهما سائق وقائد وإن كان معهما أو مع
أحدهما راكب شاركهما والإبل والبغال المقطرة
كالواحدة على قائدها الضمان وإن كان معه سائق
شاركه في ضمان الأخير فقط إن كان في آخرها وإن
كان في أولها شارك في الكل وإن كان فيما عدا
الأول شارك في ضمان ما باشر سوقه وفيما بعده
دونه كما قبله1 وإن انفرد راكب بالقطار وكان
على أوله ضمن جناية الجميع قاله الحارثي ولو
انفلتت الدابة ممن هي في يده وأفسدت فلا ضمان
ويضمن رب البهائم ومستعيرها ومستأجرها
ومستودعها ما أفسدت من زرع وشجر وغيرهما ليلا
إن فرط: مثل ما إذا لم يضمنها ونحوه ليلا أو
ضمها بحيث يمكنها الخروج فإن ضمها فأخرجها
غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها فالضمان
على مخرجها أو فاتح بابها ولو كان ما أتلفه
لربها ضمنها مستعير ونحوه وإن لم يفرط ربها
ونحوه فلا ضمان ولا يضمن ما أفسدت من ذلك
نهارا إذا لم تكن يد أحد عليها سواء أرسلها
بقرب ما تفسده أولا وإن كان عليها يد ضمن صاحب
اليد - قال الحارثي: لو جرت عادة بعض النواحي
بربطها نهارا وإرسالها وحفظ الزرع ليلا فالحكم
كذلك لأن هذا نادر قلا يعتبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السائق يشارك القائد في ضمان ما أتلفته
البهائم المقطرة في بعضها ولكن ضمان السائق
قاصر على ما باشر سوقه وما يليه وقوله: دونه
يعني لا يضمن ما دون الذي باشر سوقه أو يكون
تاليا له كما لا يضمن ما قبل الذي باشر سوقه.
ج /
2 ص -361-
به في التخصيص ولو أدعى صاحب الزرع أن غنم
فلان نفشت فيه ليلا ووجد الزرع أثر غنم ولم
يكن هناك غنم لغيره قضي بالضمان قال الشيخ:
هذا من القيافة في الأموال وجعلها معتبرة:
كالقيافة في الإنسان ويضمن غاصبها ما أفسدت
ليلا ونهارا ومن طرد دابة من مزرعته لم يضمن
إلا أن يدخلها مزرعة غيره وإن اتصلت المزارع
صبر ليرجع على ربها ولو قدر أن يخرجها وله
منصرف غير المزارع فتركها فهدر والحطب على
الدابة إذا خرق ثوب آدمي بصير عاقل يجد منحرفا
فهدر وكذا لو كان مستديرا فصاح به منبها له
وإلا ضمنه فيهما ومن صال عليه آدمي أو غيره
فقتله دفعا عن نفسه، لم يضمنه ولو دفعه عن غير
ولده ونسائه بالقتل ضمنه1 ويأتي في حد
المحاربين وإذا عرفت البهيمة بالصول وجب على
مالكها والإمام وغيره إتلافها إذا صالت على
وجه المعروف2 ولا تضمن: كمرتد ولو حالت بهيمة
بينه وبين ماله ولم يصل إليه إلا بقتلها
فقتلها لم يضمن وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن
كل واحد منهما سفينة الآخر ما فيها إن فرط وإن
لم يفرط فلا ضمان على واحد منهما وإن فرط
أحدهما ضمن وحده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفي المذهب رواية أخرى تقتضي عدم الضمان من
قتل صائلا على غيره وغير نسائه وولده وإليها
ذهب كثير من شيوخ المذهب، وقد يؤيد ذلك ما هو
معروف عندنا من أن إنقاذ المعصوم من المهلكة
واجب على من استطاعه.
2 قوله: على وجه المعروف متعلق بإتلافها.
والمعنى أن الإتلاف يكون بقدر دفعها من غير
إسراف في إفسادها ولا في تعذيبها.
ج /
2 ص -362-
والقول قول القيم: وهو الملاح مع يمينه في
غلبة الريح وعدم التفريط والتفريط وإن يكون
قادرا على ضبطها أو ردها عن الأخرى أو أمكنه
أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل أو لم يكمل
آلتها من الرجال والحبال وغيرها ولو تعمد
الصدم فشريكان في إتلاف كل منهما ومن فيهما
فإن قتل غالبا فالقود وإلا فشبه عمد ولا يسقط
فعل الصادم في حق نفسه مع عمد وإن خرفها عمدا
فغرقت بمن فيها وهو مما يغرقها غاليا أو يهلك
من فيها لكونهم في اللجة أو لعدم معرفتهم
بالسباحة فعليه القصاص إن قتل من يجب القصاص
بقتله وضمان السفينة بما فيها من مال أو نفس
وإن كان خطأ عمل بمقتضاه وإن كانت إحدى
السفينتين واقفة والأخرى سائرة ضمن قيم
السائرة الواقفة إن فرط - ويأتي إذا اصطدم
نفسان في الديات - وإن كانت إحداهما منحدرة
فعلى صاحبها ضمان المصعدة: إلا أن يكون غلبه
الريح أو الماء شديد الجزية فلا يقدر على
ضبطها ولو أشرفت السفينة على الغرق فعلى
الركبان إلقاء بعض الأمتعة حسب الحاجة ويحرم
إلقاء الدواب حيث أمكن التخفيف بالأمتعة وإن
ألجأت الضرورة إلى إلقائها جاز صونا للآدميين
والعبيد كالأحرار وإن تقاعدوا عن الإلقاء مع
الإمكان أثموا ولا يجب الضمان فيه ولو ألقى
متاعه ومتاع غيره فلا ضمان على أحد وإن أمتنع
من إلقاء متاعه فللغير إلقاؤه من غير رضاه
ويضمنه الملقي وتقدم بعض ذلك في الضمان ومن
أتلف أو كسر مزمارا أو طنبورا أو صليبا أو
إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه خمر مأمور
بإراقتها ولو قدر على إراقتها
باب الشفعة
وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه إن كان
مثله أو دونه وبعوض مالي بثمنه الذي استقر
عليه العقد ولا يحل الاحتيال لإسقاطها ولا
تسقط به والحيلة: أن يظهرا في البيع شيئا لا
يؤخذ بالشفعة معه ويتواطأ في الباطن على
خلافه.
فمن صور الاحتيال: أن تكون قيمة الشقص مائة
وللمشتري عرض قيمته مائة فيبيعه العرض بمائتين
ثم يشتري الشقص منه بمائتين
ج /
2 ص -363-
بدونه أو آلة لهو ولو مع صغير: كعود وطبل ودف
بصنوج أو حلق أو نرد أو شطرنج أو آلة سحر أو
تعزيم أو تنجيم أو صور خيال أو أوثانا أو
خنزيرا أو كتب مبتدعة مضلة أو كتب أكاذيب أو
سخائف لأهل الخلاعة والبطالة أو كتب كفر أو
حرق مخزن خمر أو كتابا فيه أحاديث رديئة أو
حليا محرما على ذكر لم يستعمله يصلح للنساء -
لم يضمنه وإن تلفت حامل أو حملها من ريح طبيخ
علم ربه ذلك عادة ضمن - قال الشيخ: وللمظلوم
الاستعانة بمخلوق - فيخالفه أولى وله الدعاء
بما آلمه بقدر يوجبه ألم ظلمه: لا على من شتمه
او أخذ ماله بالكفر ولو كذب ولو كذب عليه لم
يفتر عليه بل يدعو الله فيمن يفترى عليه نظيره
وكذا إن أفسد عليه دينه قال أحمد الدعاء قصاص
ومن دعا على من ظلمه فما صبر يريد أنه انتصر
ولمن صبر وغفر أن ذلك لمن عزم الأمور.
ج /
2 ص -364-
فينقاصان أو يتواطآن على أن يدفع إليه عشرة
دنانير عن المائتين وهي أقل من المائتين فلا
يقدم الشفيع عليه لنقصان قيمته عن المائتين:-
ومنها: إظهار كون الثمن مائة ويكون المدفوع
عشرين فقط:- ومنها أن يكون كذلك فيبرئه من
ثمانين:- ومنها: أن يهبه الشقص ويهبه الموهوب
الثمن:- ومنها: أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم
معلومة: بالمشاهدة مجهولة المقدار أو بجوهرة
ونحوها فالشفيع على شفعته في جميع ذلك فيدفع
في الأولى قيمة العرض مائة أو مثل العشرة
دنانير وفي الثانية والثالثة عشرين وفي
الرابعة مثل الثمن الموهوب له وفي الخامسة مثل
الثمن المجهول أو قيمته إن كان باقيا ولو تعذر
معرفة الثمن بتلف أو موت دفع إليه قيمة الشقص
وإن تعذر من غير حيلة: بأن قال المشتري: لا
أعلم قدر الثمن فقوله بيمينه وأنه لم يفعله
حيلة وتسقط الشفعة فإن اختلفا هل وقع شيء من
ذلك حيلة أو لا؟ فقول المشتري مع يمينه وتسقط
وإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه فطالب صاحبه
بما أظهره لزمه في ظاهر الحكم ولا يحل في
الباطن لمن غر صاحبه لأخذ بخلاف ما تواطآ
عليه.
ولا تثبت إلا بشروط خمسه:- أحدها: أن يكون
الشقص مبيعا أو مصالحا به صلحا بمعنى البيع أو
مصالحا به عن جناية موجبة للمال أو موهوبا هبة
مشروطا فيها ثوب معلوم فلا شفعة فيما انتقل
بغير عوض بحال: كموهوب وموصي به وموروث ونحوه
ولا فيما عوضه غير مال: كصداق وعوض خلع وصلح
عن دم عمد وما أخذه أجرة
ج /
2 ص -365-
أو جعالة أو ثمنا في سلم أو عوضا في كتابة
ومثله ما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير ولا تجب
بفسخ يرجع به الشقص إلى العاقد: كرده بعيب أو
أقاله أو لغبن أو اختلاف متبايعين.
فصل:- الثاني: أن يكون شقصا مشاعا مع شريك
ولو مكاتبا من عقار ينقسم قسمة إجبار فأما المقسوم المحدد فلا شفعة
لجاره فيه ولا في طريق نافذ فإن كان غير نافذ
لكل واحد من أهله فيه باب فباع أحدهم داره فيه
بطريقها أو باع الطريق وحده وكان الطريق لا
يقبل القسمة أو يقبلها وليس لدار المشتري طريق
إلى داره سوى تلك الطريق ولا يمكن فتح باب لها
إلى شارع فلا شفعة ولو كان نصيب المشتري من
الطريق أكثر من حاجته وإن كان الطريق يقبل
القسمة ولدار المشتري طريق آخر إلى شارع أو
أمكن فتح باب لها إلى شارع وجبت وكذا دهليز
دار وصحن دار مشتركان ولا شفعة بالشرب: وهو
النهر أو البئر يسقي أرض هذا وأرض هذا فإذا
باع أحدهما أرضه فليس للآخر الأخذ بحقه من
الشرب ولا فيما لا تجب قسمته: كحمام صغير وبئر
وطرق وعراص ضيفة ولا فيما ليس بعقار كشجر
وحيوان وبناء مفرد وجوهر وسيف ونحوها: إلا أن
الغراس والبناء يؤخذان تبعا للأرض وكذا نهر
وبئر وقناة ودولاب لا ثمرة وزرع فإن بيع الشجر
وفيه ثمرة غير ظاهرة: كالطلع غير المشقق دخل
في الشفعة وإن بيعت حصة من علو دار مشترك وكان
السقف الذي تحته لصاحب السفل أو لهما أو لصاحب
العلو فلا شفعة في العلو ولا السقف،
ج /
2 ص -366-
وإن كان السفل مشتركا والعلو خالص لأحد
الشريكين فباع العلو ونصيبه من السفل فللشريك
الشفعة في السفل فقط.
فصل:- الثالث - المطالبة بها على الفور:
بأن يشهد بالطلب حين يعلم إن لم يكن عذر ثم له
أن يخاصم ولو بعد أيام ولا يشترط في المطالبة
حضور المشتري لكن إن كان المشتري غائبا عن
المجلس حاضرا في البلد فالأولى أن يشهد على
الطلب ويبادر إلى المشتري بنفسه أو بوكيله فإن
بادر هو أو وكيله من غير إشهاد فهو على شفعته
فإن كان عذر مثل ألا يعلم أو علم ليلا فأخره
إلى الصبح أو لشدة جوع أو عطش حتى يأكل أو
يشرب أو لطهارة أو لإغلاق باب أو ليخرج من
الحمام أو ليقضي حاجته أو ليؤذن ويقيم ويأتي
بالصلاة بسنتها أو ليشهدها في جماعة يخاف
فوتها ونحوه - لم تسقط إلا أن يكون المشتري
حاضرا عنده في هذه الأحوال: إلا الصلاة وليس
عليه تخفيفها ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ
فإذا فرغ من حوائجه مضى على حسب عادته إلى
المشتري وليس عليه أن يسرع في مشيه أو يحرك
دابته فإذا لقيه بدأه بالسلام ثم يطالب فإن
قال بعد السلام متصلا: بارك الله لك في صفقة
يمينك أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك لم تبطل
شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام فهو من جملته
والدعاء بالبركة في الصفقة دعاء له ولنفسه لأن
الشقص يرجع إليه فلا يكون ذلك رضا فإن اشتغل
بكلام آخر أو سكت لغير حاجة بطلت ويملك الشقص
بالمطالبة ولو لم يقبضه مع ملائة بالثمن فيصح
تصرفه فيه ويورث عنه
ج /
2 ص -367-
ولا يعتبر رضا مشتر ولفظ الطلب أنا طالب أو
مطالب أو آخذ بالشفعة أو قائم عليها ونحوه -
مما يفيد محاولة الأخذ فإن أخر الطلب مع
إمكانه ولو جهلا باستحقاقها أو جهلا بأن
التأخير مسقط لها ومثله لا يجهله سقطت: إلا أن
يعلم وهو غائب عن البلد فيشهد على الطلب بها
فلا تسقط ولو أخر المبادرة إلى الطلب بعد
الإشهاد عند إمكانه وتسقط إذا سار هو أو وكيله
إلى البلد الذي فيه المشتري في طلبها ولم يشهد
ولو بمضي معتاد وإن أخر الطلب والإشهاد لعجزه
عنهما أو عن السبر: كالمريض: لا من صداع وألم
قليل وكالمحبوس ظلما أو بدين لا يمكنه أداؤه
من لا يجد من يشهده لو وجد من لا تقبل شهادته
كالمرأة والفاسق ونحوهما أو وجد مستوري الحال
فلم يشهدهما قال في تصحيح الفروع: ينبغي أن
يشهدهما ولو لم يقبلهما وهو على شفعته أو وجد
من لا يقدم معه إلا موضع المطالبة أو لإظهارها
زيادة في الثمن أو نقصا في المبيع أو أنه
موهوب له أو أن المشتري غيره أو أخبره من لا
يقبل خبره فلم يصدقه وأنهما تبايعا بدنانير
فتبين أنه بدراهم أو بالعكس أو أظهر أنه
اشتراه بنقد فبان أنه اشتراه بعرض أو بالعكس
أو بنوع من العروض فبان أنه بغيره أو أظهر أنه
اشتراه له فبان له أنه اشترى نصفه بنصفه أو
أنه اشترى نصفه بثمن فبان أنه اشترى جميعه
بضعفه أو أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه
اشتراه هو وغيره أو بالعكس - فهو على شفعته
فإما أن أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه
بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى
به
ج /
2 ص -368-
بعضه - سقطت شفعته وإن كان المحبوس حبس بحق
يلزمه أداؤه وهو قادر عليه فهو كالمطلق إن لم
يبادر إلى المطالبة ولم يؤكل بطلت شفعته وإن
أخبره من يقبل خبره ولو عدلا واحدا: عبدا أو
أنثى فلم يصدقه أو من لا يقبل خبره: كفاسق
وصبي وصدقه ولم يطالب أو قال للمشتري: بعني ما
اشتريت أو صالحني مع أنه لا يصح الصلح عنها أو
هبه لي أو يتمنى عليه أو بعه ممن شئت أو وله
إياه أو هبه له أو أكرني أو ساقني أو قاسمني
أو اكتر مني أو ساقاه ونحوه أو قدر معذور على
التوكيل فلم يفعله أو لقي المشتري في غير بلد
فلم يطالبه سواء قال: إنما تركت المطالبة
لأطالبه في البلد الذي فيه البيع أو المبيع أو
لآخذ الشقص في موضع الشفعة أو لم يقل أو نسي
المطالبة أو البيع أو قال: بكم اشتريت؟ أو
اشتريت رخيصا أو قال له المشتري: بعتك أو
وليتك فقبل - سقطت وإن دله - أي عمل دلالا وهو
السفير - أو رضي به أو ضمن عنه أو سلم عليه أو
دعا له بعده ونحوه كما تقدم ولم يشتغل بكلام
آخر أو لم يسكت لغير حاجته أو توكل لأحد
المتبايعين أو جعل له الخيار فاختار إمضاء
البيع - فعلى شفعته وإن قال الشريك بع نصف
نصيبي مع نصف نصيبك ففعل ثبتت الشفعة لكل واحد
منهما في المبيع من نصيب صاحبه وإن أذن في
البيع أو اسقط شفعته قبل البيع لم تسقط وإن
ترك ولي ولو أبا شفعة موليه صغيرا كان أو
مجنونا لم تسقط وله الأخذ بها إذا عقل ورشد
سواء كان فيها حظ أو لا وقيل: لا يأخذ بها إلا
إن كان فيها حظ له وعليه الأكثر وأما
ج /
2 ص -369-
الولي فيجب عليه الأخذ بها له إن كان أحظ وإلا
تعين الترك ولم يصح الأخذ ولو عفا الولي عن
الشفعة التي فيها حظ لموليه ثم أراد الأخذ فله
وإن أراد الأخذ في ثاني الحال وليس فيها مصلحة
لم يملكه وإن تجدد الحظ أخذ له بها وحيث أخذها
مع الحظ ثبت الملك للصبي ونحوه وليس له نقضه
بعد البلوغ وحكم المغمي عليه والمجنون غير
المطبق حكم المحبوس والغائب: تنتظر إفاقتهما
وحكم ولي المجنون المطبق - وهو الذي لا ترجى
إفاقته - والسفيه حكم ولي الصغير وإذا مات
مورث الحمل بعد المطالبة بها لم يؤخذ له لأنه
لا يتحقق وجوده - وفي المغني و الشرح: إذا ولد
وكبر فله الأخذ إذا لم يأخذ به الولي كالصبي -
وللمفلس الأخذ بها والعفو وليس للغرماء إجباره
على الأخذ بها ولو كان فيها حظ وللمكاتب الأخذ
والترك وللمأذون له من العبيد الأخذ دون الترك
ويأتي آخر الباب وإذا باع وصي الأيتام لأحدهم
نصيبا في شركة الآخر فله الأخذ للآخر بالشفعة
وإن كان الوصي شريكا لمن باع عليه فليس له
الآخذ ولو باع الوصي نصيبه كان له الأخذ
لليتيم مع الحظ له فإن كان مكان الوصي أب فباع
شقص ولده فله الأخذ بالشفعة لنفسه لعدم التهمة
وإن بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه الأخذ
فإذا ولد ثم كبر فله الأخذ كالصبي إذا كبر.
فصل:- الرابع: أن يأخذ جميع المبيع
فإن طلب أخذ البعض مع بقاء الكل - أي: لم يتلف
من المبيع شيء سقطت شفعته وإن تعددت الشفعاء
فبينهم على قدر ملكهم كمسائل الرد: فدار بين
ثلاثة
ج /
2 ص -370-
نصف وثلث وسدس باع الثلث فالمسألة من ستة:
الثلث بينهما على أربعة لصاحب النصف ثلاثة
ولرب السدس واحد ولا يرجح أقرب ولا قرابة وإن
ترك أحدهم شفعته سقطت ولم يكن للباقين أن
يأخذوا إلا الكل أو يتركوا كما لو كان بعضهم
غائبا فإن وهب بعض الشفعاء نصيبه من الشفعة
لبعض الشركاء أو غيره لم تصح وسقطت فإن كان
الشفعاء غائبين فإذا قدم أحدهم فليس له أن
يأخذ إلا الكل أو يترك فإن أمتنع حتى يحضر
صاحباه أو قال: آخذ قدر حقي بطل حقه فإن أخذ
الجميع ثم حضر آخر قاسمه إن شاء أو عفا فبقي
للأول فإن قاسمه ثم حضر الثالث قاسمهما أن أحب
وبطلت القسمة الأولى وإن عفا بقي للأولين فإن
نما الشقص في يد الأول نماء منفصلا لم يشاركه
فيه واحد منهما وكذلك إذا أخذ الثاني فما في
يده نماء منفصلا لم يشاركه الثالث فيه وإن ترك
الأول شفعته أو أخذ بها ثم رد ما أخذه بعيب
توفرت الشفعة على صاحبيه فإن خرج الشقص مستحقا
فالعهدة على المشتري: يرجع الثلاثة عليه ولا
يرجع أحدهم على الآخر وإن أراد الثاني
الاقتصار على قدر حقه فله ذلك فإذا قدم الثالث
فله أن يأخذ ثلث ما في يد الثاني وهو التسع
فيضعه إلى ما بيد الأول وهو الثلثان تصير سبعه
اتساع يقتسمانها نصفين: لكل واحد منهما ثلث
ونصف تسع وللثاني تسعان وتصح من ثمانية عشر
وإن كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين
الآخر فإن ترك المشتري شفعته ليوجب الكل على
شريكه لم يلزمه الأخذ ولم يصح إسقاطه لملكه له
بالشراء فلا يسقط بإسقاطه
ج /
2 ص -371-
وإذا كانت دار بين أثنين فباع أحدهما نصيبه
لأجنبي صفقتين ثم علم شريكه فله الأخذ بهما
وبأحدهما فإن أخذ بالثاني شاركه مشتر في شفعته
وإن أخذ بالأول لم يشاركه في شفعته أحد وإن
أخذ بهما لم يشاركه في شفعته الأول ولا الثاني
وإن اشترى اثنان أو اشترى الواحد لنفسه ولغيره
بالوكالة حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما وإن
اشترى واحد حق اثنين أو اشترى واحد شقصين من
أرضين صفقة واحدة والشريك واحد فللشفيع أخذ
أحدهما وإن شاء أخذهما وإن باع اثنان نصيبهما
من أثنين صفقة واحدة فالتعدد واقع من الطرفين
والعقد واحد وذلك بمثابة أربع صفقات فللشفيع
أخذ الكل أو أخذ نصفه وربعه منهما أو أخذ نصفه
منهما أو أخذ نصفه من أحدهما أو أخذ ربعه من
أحدهما وإن باع شقصا وسيفا صفقة واحدة فللشفيع
أخذ الشقص بحصته من الثمن فيقسم الثمن على
قيمتيهما ولا يثبت للمشتري خيار التفريق وإن
تلف بعض المبيع أو انهدم ولو بفعل الله فله
أخذ الباقي بحصته من الثمن فإن كانت الأنقاض
موجودة أخذها مع العرصة بالحصة وإن كانت
معدومة أخذ العرصة وما بقي من البناء فلو
اشترى دارا بألف تساوي ألفين فباع بابها أو
هدمها فبقيت بألف أخذ بخمسمائة بالقيمة من
الثمن: أي بالحصة من الثمن ويتصور أن تكون
الشفعة في دار كاملة: بأن تكون دور جماعة
مشتركة فيبيع أحدهم حصته من الجميع مشاعا
ويظهرا في الثمن زيادة تترك الشفعة لأجلها
ويقاسم بالمهايأة فيحصل للمشتري دار كاملة أو
يظهر انتقال الشقص من جميع الأملاك بالهبة
ج /
2 ص -372-
فيقاسم أو يؤكل الشريك وكيلا في استيفاء حقوقه
ويسافر فيبيع شريكه حصته في الجميع فيرى
الوكيل أن الحظ لموكله في ترك الشفعة فلا
يطالب بها ويقاسم بالوكالة فيحصل للمشتري دارا
كاملة فهدمها ثم علم الشفيع مقدار الثمن
بالبينة أو بإقرار المشتري ذكره في المستوعب
ولو تعيب المبيع بعيب ينقص الثمن مع بقاء عينه
فليس له الأخذ إلا بكل الثمن أو الترك.
فصل:- الخامس: أن يكون للشفيع ملك للرقبة سابق
ولو مكاتبا لا ملك منفعة كدار موصي بنفعها فباع الورثة نصفها فلا
شفعة للموصي له ويعتبر ثبوت الملك لا تكفي
اليد فإن لم يسبق أحدهما كشراء الاثنين دارا
صفقه واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه وإن
أدعى كل منهما السبق فتحالفا أو تعارضت
بينتاهما فلا شفعة لهما ولا شفعة بشركة وقف
لأن ملكه غير تام.
فصل:- وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب
بوقف على معين أولا هبة أو صدقة سقطت الشفعة لا برهنه وإجارته
ينفسخان بأخذه ويحرم ولا يصح تصرفه بعد الطلب
ولو وصى المشتري بالشقص فإن أخذه الشفيع قبل
القبول بطلت الوصية واستقر الأخذ وإن طلب ولم
يأخذ بعد بطلت الوصية أيضا ويدفع الثمن إلى
الورثة لأنه ملكهم وإن كان الموصي له قبل أخذ
الشفيع أو طلبه سقطت الشفعة وإن باع فللشفيع
الأخذ بثمن أي البيعين شاء ويرجع من أخذه منه
على بائعه بما أعطاه فإن أخذ بالأول رجع
الثاني على الأول وإن كان ثم ثالث فأكثر رجع
الثاني على الأول والثالث على الثاني وهلم
جرا،
ج /
2 ص -373-
وإن فسخ البيع بعيب في الشقص أو إقالة أو
تحالف ثم علم الشفيع فله الأخذ بها فينقض فسخه
ويأخذ بالإقالة والعيب بالثمن الذي وقع عليه
العقد وفي التحالف بما حلف عليه البائع وإن
فسخ البائع لعيب في ثمنه المعين فإن كان قبل
الأخذ بالشفعة فلا شفعة وإلا استقرت وللبائع
إلزام المشتري بقيمة شقصه ويتراجع المشتري
والشفيع بما بين القيمة والثمن فيرجع دافع
الأكثر منهما بالفضل ولا يرجع شفيع على مشتر
بأرش عيب فيم ثمن عفا عنه بائع وإن أخذ الشفيع
الشقص ثم ظهر على عيب لم يهلماه فله رده على
المشتري أو أخذ أرشه والمشتري على البائع كذلك
وأيهما علم به لم يرده ولكن إذا علم الشفيع
وحده فلا رد للمشتري وله الأرش وإن ظهر الثمن
المعين مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة وإن ظهر
بعضه مستحقا بطل البيع فيه وإن كال مكيلا أو
موزونا فتلف قبل قبضه بطل البيع وانتفت الشفعة
فإن كان الشفيع أخذ بالشفعة لم يكن لأحد
استرداده ولو أرتد المشتري فقتل أو مات
فللشفيع الأخذ من بيت المال لانتقال ماله إليه
والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال ولا تصح
الإقالة بين البائع والشفيع لأنه ليس بينه
وبينه بيع وإنما هو مشتر من المشتري وإن
استغله: بأن أخذ ثمرته أو أجرته فهي له وليس
للشفيع مطالبة المشتري بردها وإن أخذه شفيع
وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة أو مؤبرة ونحوه فهي
لمشتر مبقي إلى أو إن أخذه بحصاد أو جذاذ أو
غيرهما بلا أجرة وإن نما عنده نماء متصلا كشجر
كبر وطلع لم يؤبر تبعه في عقد وفسخ وإن قاسم
المشتري وكيل الشفيع
ج /
2 ص -374-
أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن
أو أن الشقص موهوب له ونحوه ثم غرس أو بنى لم
تسقط الشفعة وللشفيع الأخذ بها إذا علم الحال
ويدفع قيمة الغراس أو البناء حين تقويمه وصفة
تقويمه: أن الأرض تقوم مغروسة أو مبنية ثم
تقوم خالية فيكون ما بينهما قيمة الغراس أو
البناء فيملكه أو يقلعه ويضمن نقصه من القيمة
بالقلع فإن أختار الشفيع أخذه وأراد المشتري
قلعه فله ذلك ولو مع ضرر ولا يضمن نقص الأرض
ولا يلزمه تسوية حفرها ولا يلزم الشفيع إذا
أخذ الغراس أو البناء دفع ما أنفقه: سواء كان
أقل من قيمته أو أكثر وإن حفر فيها بئرا أخذها
الشفيع ولزمه أجرة المثل لحفرها وإن باع شفيع
ملكه أو بعضه قبل العلم لا بعده: لم تسقط
شفعته وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع وإن
مات الشفيع بطلت وإن طالب فلا وتكون لورثته
كلهم على حسب ميراثهم ولا فرق في الوارث بين
ذوي الرحم والزوج والمولي وبيت المال فيأخذ
الإمام بها فإن ترك بعض الورثة حقه توفر الحق
على باقي الورثة ولم يكن لهم أن يأخذوا إلا
الكل أو يتركوا وإذا بيع شقص له شفيعان فعفا
عنها أحدهما وطالب بها الآخر ثم مات الطالب
فورثه العافي فله أخذ الشقص بها.
فصل: ويأخذ الشفيع الشقص بلا حكم حاكم
بمثل الثمن الذي استقر عليه العقد قدرا وجنسا وصفة إن قدر عليه وإن
طلب الإمهال أمهل يومين أو ثلاثة فإذا مضت لم
يحضره فللمشتري الفسخ من غير حاكم فإن كان
مثليا فبمثله وإلا فبقيمته وقت لزومه وإن دفع
مكيلا
ج /
2 ص -375-
بوزن أخذ مثل كيله كقرض وإن كان الثمن عرضا
متقوما موجودا قوم وأعطى قيمته وإن كان معدوما
وتعذرت معرفته كانت دعوى جهله كدعوى جهل الثمن
على ما يأتي فإن اختلفا في قيمته والحالة هذه
فقول مشتر وإن عجز عن الثمن أو عن بعضه سقطت
شفعته: كما تقدم فلو أتى برهن أو ضمين أو بذل
عوضا عن الثمن لم يلزم المشتري قبوله والأخذ
بالشفعة نوع بيع لكن لا خيار فيه ولهذا اعتبر
له العلم بالشقص وبالثمن فلا يصح مع جهالتهما
وله المطالبة بها مع الجهالة ثم يتعرف ولا
يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن وإن
أفلس الشفيع والثمن في الذمة خير مشتر بين فسخ
وضرب مع الغرماء بالثمن كبائع وما يزاد في
الثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق به لا ما
بعدها وإن كان الثمن مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل
إن كان مليا وإلا أقام كفيلا مليا وأخذ به فلو
لم يعلم حتى حل فكالحال وإن اختلفا في قدره
فالقول قول المشتري إلا أن يكون للشفيع بينة
وإن أقام كل واحد منهما بينة بقول مشتر بينة
الشفيع ولا يقبل شهادة البائع لواحد منهما
ويؤخذ بقول مشتر في جهله به: فيحلف أنه لا
يعلم قدره ولا شفعة فإن اتهمه أنه فعله حيلة
حلفه وإن وقع حيلة دفع إليه ما أعطاه أو قيمة
الشقص فإن كان مجهولا كصبرة نقد ونحوه وجوهرة
دفع مثله أو قيمته فإن تعذر فقيمة الشقص وتقدم
بعضه وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص
فقال المشتري: أنا أحدثته فأنكر الشفيع فقول
المشتري وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام
البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه
بألف فإن
ج /
2 ص -376-
قال المشتري: غلطت أو نسيت أو كذبت لم يقبل
قوله وإن ادعى أنك اشتريته بألف فقال: بل
اتهبته أو ورثته فالقول مع يمينه فإن نكل أو
قامت للشفيع بينة فله أخذه ويبقى الثمن في يده
إلى أن يدعيه المشتري.
فصل: و لا شفعة في بيع فيه خيار مجلس
أو شرط قبل انقضائه سواء كان الخيار لهما أو
لأحدهما وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة
وتبوت الشفعة وغيرها ويأخذ الشفيع الشقص بما
صح البيع فيه وإن أقر ببيع وأنكر مشتر وجبت
الشفعة بما قال البائع: فيأخذ الشفيع الشقص
منه ويدفع إليه الثمن وإن لم يكن مقرا بقبضه
وإن كان مقرا بقبضه من المشتري بقي في ذمة
الشفيع إلى أن يدعيه المشتري وليس للشفيع ولا
للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه
ومتى ادعى البائع أو المشتري الثمن دفع إليه
لأنه لأحدهما وإن ادعياه جميعا فأقر المشتري
بالبيع وأنكر البائع القبض فهو للمشتري وعهدة
الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع:
إلا إذا أقر البائع وحده بالبيع فالعهدة عليه
والمراد بالعهدة هنا رجوع من انتقل الملك إليه
على من انتقل عنه بالثمن أو الأرش عند استحقاق
الشقص أو عيبه فإن أبى المشتري قبض المبيع
أجبره عليه وإن ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع
أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه ولا
شفعة لكافر حين البيع: أسلم بعد أو لا على
مسلم وتجب فيما أدعى شراء لموليه وللمسلم
ولكافر على الكافر ولو كان البائع مسلما ولو
تبايع كافران
ج /
2 ص -377-
بخمر أو خنزير وتقابضا لم ينقض البيع ولا شفعة
لأهل البدع الغلاة على مسلم: كالمعتقد أن
جبريل غلط في الرسالة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وإنما أرسل إلى علي ونحوه - وكذا حكم من
حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن
وثبتت لكل من حكمنا بإسلامه منهم كالفاسق
بالأفعال ولكل من البدوي والقروي على الآخر
ولم ير أحمد في أرض السواد أو شفعة وكذا الحكم
في سائر الأرض التي وقفها عمر: كأرض الشام
ومصر وغيرهما مما لم يقسم بين الغانمين إلا أن
يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه
فتثبت فيه ولا شفعة لمضارب على رب المال إن
ظهر ربح وإلا وجبت وصورته: أن يكون للمضارب
شقص في دار فيشتري من مال المضاربة بقيتها ولا
لرب المال على مضارب: وصورته أن يكون لرب
المال شقص في دار فيشتري المضارب فللعامل
الأخذ بها إذا كان الحظ فيها فإن تركها فلرب
المال الأخذ ولا ينفذ عفو العامل ولو باع
المضارب من مال المضاربة شقصا في شركة نفسه لم
يأخذ بالشفعة لأنه متهم.
باب الوديعة
اسم للمال المودع والإيداع: توكيل في حفظه
تبرعا والاستيداع توكل في حفظه كذلك بغير تصرف
ويكفي القبض قبولا وقبولها مستحب لمن يعلم من
نفسه الأمانة وهي عقد جائز من الطرفين فإن أذن
ج /
2 ص -378-
المالك في التصرف فعل صارت عارية مضمونة
ويشترط فيها أركان وكالة وتنفسخ بموت وجنون
وعزل مع علمه وهي أمانة لا ضمان عليه فيها:
إلا أن يتعدى أو يفرط فإن عزل نفسه فهي بعده
أمانة حكمها في يده حكم الثوب الذي أطارته
الريح إلى داره: يجب رده فإن تلف قبل التمكن
من رده فهدر وإن تلفت ولو لم يذهب معها شيء من
ماله لم يضمن إلا أن يتعدى أو يفرط في حفظها
وإن اشترط عليه ضمانها أو قال: أنا ضامن لها
لم يضمن وكذلك ما أصله الأمانة ويلزمه حفظها
بنفسه أو وكيله أو من يحفظ ما له عادة: كزوجة
وعبد كما يحفظ ماله في حرز مثلها عرفا: كحرز
سرقة إن لم يعين بها حرزا فإن لم يحرزها في
حرز مثلها أو سعى بها إلى ظالم أو دل عليها
لصا فأخذها ضمنها وإن وضعها في حرز مثلها ثم
نقلها عنه إلى حرز مثلها ولو كان دون الأول لم
يضمن ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال لرجل
- بأجرة أو لا - أحفظها في موضعها فنقلها عنه
من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع إنما هو وكيل
في حفظها في موضعها إلا أن يخاف عليها فعليه
إخراجها وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه
ضمن: سواء ردها إليه أو لا وإن أحرزها بمثله
أو فوقه لم يضمن ولو لغير حاجة وإن نهاه عن
إخراجها فأخرجها لغشيان نار أو شيل أو شيء
الغالب فيه التوى1 ويلزمه إذن لم يضمن إن
وضعها في حرز مثلها أو فوقه فإن تعذر وأحرزها
في دونه فلا ضمان وإن تركها فتلفت ضمن: سواء
تلفت بالأمر المخوف أو غيره وإن أخرجها لغير
خوف ويحرم إخراجها ضمن ولو إلى حرز مثلها أو
فوقه وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التوى بوزن الهوى: الهلاك.
ج /
2 ص -379-
قال: لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها عند
الخوف أو تركها لم يضمن وإن أودعه بهيمة ولم
يأمره بعلفها وسقيها أو أمره بذلك لزمه فإن لم
يعلفها حتى ماتت ضمن إلا أن ينهاه المالك عن
علفها فلا يضمن لكن يأثم وإن قدر المستودع على
صاحبها أو وكيله طالبه بالأنفاق عليها أو
بردها عليه أو يأذن له في الأنفاق عليها ليرجع
به فإن عجز عن صاحبها ووكيله رفع الأمر إلى
الحاكم فإن وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه
وإن لم يجد فعل ما يرى فيه الحظ لصاحبها من
بيعها أو بيع بعضها وإنفاقه عليها أو إجارتها
أو الاستدانة على صاحبها فيدفعه إلى المودع أو
غيره فينفق عليها ويجوز أن يأذن للمودع أن
ينفق عليها من ماله ويكون المودع قابضا من
نفسه لنفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما
ينفق ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر
النفقة فقول المودع إذا ادعى النفقة بالمعروف
وإن ادعى زيادة لم تقبل وإن اختلفا في قدر
المدة فقول صاحبها وإذا أنفق عليها بأذن حاكم
رجع به وإن كان بغير أذنه مع تعذره وأشهد على
الأنفاق رجع وإن كان مع إمكان أذن الحاكم ولم
يستأذنه بل نوى الرجوع لم يرجع وقيل: يرجع
أختاره جمع وتقدم في الرهن ومتى أودعه وأطلق
فتركها في جيبه أو يده أو شدها في كمه أو عضده
أو ترك في كمه ثقيلا بلا شد أو تركها في وسطه
وأحرز عليها سراويله لم يضمن وإن عين جيبه ضمن
في يده أو كمه لا عكسه وإن قال: أتركها في كمك
فتركها في يده أو عكسه ضمن كما لو جاءه بها في
السوق وأمره بحفظها ببيته فتركها عنده إلى
مضيه إلى منزله وإن أمره أن يجعلها في صندوق
وقال: لا تغفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه
ج /
2 ص -380-
أو قال لا تقفل عليها إلا قفلا واحدا فجعل
عليه قفلين فلا ضمان عليه وإن قال: اجعلها في
هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخله إليه قوما
فسرقها أحدهم حال إدخالهم أو بعده ضمنها وإن
أودعه خاتما وقال: أجعله في الخنصر فلبسه في
البنصر لم يضمن لكن إن انكسر لغلظها أو جعله
في أنملتها العليا ضمن وإن قال: اجعله في
البنصر فجعله في الخنصر أو في الوسطى ولم
يدخله في جميعها ضمن ولو أمره أن يجعلها في
منزلة فتركها في ثيابه وخرج بها ضمنها.
فصل: و إن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله
أو مال ربها عادة كزوجته وعبده وخادمه ونحوهم
لم يضمن كوكيل ربها ولو دفعها إلى الشريك ضمن:
كالأجنبي المحض وله الاستعانة بالأجانب في
الحمل والنقل وسقي الدابة وعلفها وإن دفعها
إلى أجنبي أو حاكم لعذر لم يضمن وإلا ضمن
وللمالك مطالبته ومطالبة الثاني ولو كان جاهلا
بالحال ويستقر عليه الضمان إن كان عالما وإلا
فلا وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده فله ردها
على مالكها الحاضر أو من يحفظ ماله عادة
ووكيله في قبضها إن كان وله السفر بها والحالة
هذه إن لم يخف عليها أو كان أحفظ لها ولم ينهه
وإن لم يجد من يردها عليه منهم حملها معه في
سفره إن كان أحفظ لها ولم ينهه ولا ضمان وإلا
فلا وإن نهاه امتنع وضمن إلا أن يكون السفر به
لعذر: كجلاء أهله البلد أو هجوم عدو أو حرق أو
غرق فلا ضمان ولو أودع مسافرا فسافر بها وتلفت
بالسفر فلا ضمان عليه فإن هجم قطاع الطريق
عليه فألقى المتاع إخفاء له وضاع فلا
ج /
2 ص -381-
ضمان عليه فإن خاف المقيم عليها إذا سافر به
ولم يجد مالكها ولا وكيله دفعها إلى الحاكم
فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها إن لم يضرها
الدفن وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فيكون
كإيداعه فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا أو أعلم
بها غير ثقة أو من لا يسكن الدار ولو ثقة
ضمنها وحكم من حضرته الوفاة حكم من أراد سفرا
في دفعها إلى الحاكم أو ثقة والودائع التي جهل
ملاكها يجوز أن يتصدق بها بدون حاكم وكذلك إن
فقد مالكها ولم يطلع على خبره وليس له ورثه
وتقدم نظير ذلك في الغصب وآخر الرهن وأنه يلزم
الحاكم قبول ذلك إذا دفع إليه وإن تعدى فيها
بانتفاعه فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب
أو أخرجها لا لإصلاحها: كإنفاقها أو ليخون
فيها أو شهوة إلى رؤيتها ثم ردها بنية الأمانة
أو كسر ختم كيسها أو كانت مشدودة فحل الشد أو
مصرورة في خرقة ففتح الصرة أو جحدها ثم أقر
بها أو منعها بعد طلب طالبها شرعا والتمكن من
دفعها أو خلطها بما لا تتميز منه ولو كان
التعدي في إحدى عينين بغير أذنه بطلت وضمن
ويأتي بعضه ولا تعود وديعة إلا بعقد جديد ووجب
الرد فورا وإن خلطها غيره فالضمان عليه ومتى
جدد استئمانا أو أبرأه من الضمان برئ ولا يضمن
بمجرد نية التعدي إذا تلفت وإن خلطها بمتميز
كدراهم بدنانير أو دراهم بيض بسود أو اختلط
غير متميز بغير تفريط منه أو ركب الدابة
لعلفها أو سقيها أو لبس الثوب خوفا عليه من عث
ونحوه - لم يضمن وإن أخذ درهما ثم رده أو بدله
متميزا أو أذن له في أخذه منها ورد بدله بلا
أذن فضاع الكل ضمنه وحده إلا أن
ج /
2 ص -382-
تكون مختومة أو مشدودة أو مصرورة أو رد بدله
غير متميز فيضمن الجميع كما لو لم يدر أيهما
ضاع أو خرق الكيس من فوق الشد لم يضمن إلا
الخرق ومن تحته يضمن أرشه وما فيه وإن أودعه
صغير مميز أولا وديعة فتلفت ضمنها ولا يبرأ
إلا بالتسليم إلى وليه: إلا أن يكون مميزا
مأذونا أو يخاف هلاكها فيأخذها لحفظها حسبه
فلا كالمال الضائع والموجود في مهلكة إذ أخذه
لذلك وتلف وكذا لم أخذ المال من الغاصب تخليصا
ليرده إلى مالكه وإن أودع الصغير ولو قنا أو
المجنون أو المعتوه وهو لمخيل العقل أو السفيه
وديعة أو أعارهم شيئا فأتلفوه أو تلف بتفريطهم
لم يضمنوا ويضمن ذلك العبد المكلف في رقبته
إذا أتلفه وإذا مات إنسان وثبت أن عنده وديعة
ولم توجد بعينها فهي دين عليه تغرمها الورثة
من تركته كبقية الديون.
فصل: المودع أمين
والقول قوله مع يمينه فيما يدعيه من رد ولو على يد عبده أو زوجته أو
خازنه أو بعد موت ربها إليه وكذا دعوى تلف ولو
بسبب خفي من سرقة أو ضياع ونحوه فإن ادعاه
بسبب ظاهر: كحريق وغرق وغارة ونحوها لم يقبل
إلا ببينة بوجود ذلك السبب في تلك الناحية
ويكفي في ثبوته الاستفاضة فإذا ثبت فالقول
قوله في التلف مع يمينه وتقدم في الرهن
والوكالة ويقبل قوله في الإذن في دفعها إلى
إنسان وأنه دفع وما يدعيه من خيانة وتفريط ولا
تقبل دعواه الرد إلى ورثة المالك والحاكم فإن
منع ربها منها أو مطله بلا عذر ثم أدعى تلفا
لم يقبل إلا ببينة ولو سلم وديعة إلى غير ربها
كرها أو صادره
ج /
2 ص -383-
سلطإن لم يضمن كما لو أخذها منه كرها وإن آل
الأمر إلى الحلف ولا بد حلف متأولا فإن لم
يحلف حتى أخذت منه وجب الضمان وإن حلف ولم
يتأول إثم ووجبت الكفارة وإن أكره على اليمين
بالطلاق فكما لو أكره على إيقاع الطلاق قال
الحارثي: وحاصله إن كان الضرر الحاصل بالتغريم
كثيرا يوازي الضرر في صور الإكراه فهو إكراه
لا يقع وإلا وقع وإن نادى السلطان أن من لم
يحمل وديعة فلان عمل به كذا وكذا فحملها من
غير مطالبة إثم وضمن وإن سلم الوديعة إلى من
يظنه صاحبها فتبين خطؤه ضمنها وإن قال: لم
تودعني ثم أقر بها أو ثبت ببينة فأدعى ردا أو
تلفا سابقين لجحوده لم يقبل وإن أقام به بينة
وإن كان بعد جحوده قبلت بهما فإن شهدت بينة
بالتلف أو الرد ولم يعين هل ذلك قبل جحوده أو
بعده واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان ويأتي وإن
قال: ما لك عندي شيء أو لا حق لك على قبل قوله
في الرد والتلف لكن إن وقع التلف بعد الجحود
وجب الضمان ولو قال لك وديعة ثم أدعى ظن
البقاء ثم علمت تلفها لم يقبل قوله وإن مات
المودع وأدعى وارثه الرد أو أن مورثه ردها أو
أدعاه الملتقط أو من أطارت الريح إلى داره
ثوبا لم يقبل إلا ببينة ومن حصل في يده أمانة
بغير رضا صاحبها كاللقطة ومن أطارت الريح إلى
داره ثوبا وجبت المبادرة إلى الرد مع العلم
بصاحبها والتمكن منه وكذا أعلامه ذكره جمع قال
في الإنصاف: وهو مراد غيرهم وكذا الوديعة
والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المؤتمن
وانتقلت إلى وارثه لزوال الائتمان وكذا لو فسخ
المالك
ج /
2 ص -384-
عقد الائتمان في الأمانات كالوديعة والوكالة
والشركة والمضاربة يجب الرد على الفور لزوال
الائتمان وإن تلفت عند الوارث قبل إمكان ردها
لم يضمنها وإلا ضمنها ويجب رد الوديعة إلى
مالكها إذا طلبها فإن أخره بعد طلبها بلا عذر
ضمن ويمهل لأكل وشرب ونوم وهضم طعام ومطر كثير
ونحوه بقدره وكذا لو أمره بالرد إلى وكيله
فتمكن وأبى ضمن طلبها الوكيل أم لا ومثله من
أخر دفع مال أمر بدفعه بال عذر وليس على
المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت
مما لحملها مؤنة قلت المؤنة أو كثرت فإن سافر
بها بغير أذن ربها لزمه ردها إلى بلدها وتثبت
الوديعة بإقرار الميت أو ورثته أو بينته وإن
وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة وإن وجد خط
مورثه لفلان عندي وديعة أو على كيس ونحوه هذا
لفلان عمل به وجوبا وإن وجد خطه بدين له على
فلان جاز للوارث الحلف ودفع إليه وإن وجد خطه
بدين عليه عمل ودفع إلى من هو مكتوب باسمه وإن
ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له
مع يمينه ويحلف المودع أيضا لمدعي الآخر فإن
نكل لزمه بدلها لأنه فوتها وإن أقر بها لهما
فهي لهما ويحلف لكل واحد منهما فإن نكل لزمه
بدل نصفها لكل واحد منهما ويلزم كل واحد منهما
الخلف لصاحبه وإن قال: لأحدهما ولا أعرف عينه
فإن صدقاه أو سكنا فلا يمين ويقرع بينهما وإن
كذباه حلف يمينا واحدة أنه لا يعلم ويقرع
بينهما فمن قرع حلف وأخذها فإن نكل حكم عليه
وألزم التعيين فإن أبى أجبر على القيمة فتؤخذ
القيمة والعين فيقترعان عليهما
ج /
2 ص -385-
أو يتفقان ثم إن قامت بينة بالعين لآخذ القيمة
سلمت إليه وردت القيمة إلى المودع ولا شيء
للقارع وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا ينقسم
فطلب أحدهما حقه لغيبه شريكه أو امتناعه سلمه
إليه وإن غصبت الوديعة فللمودع المطالبة بها
وكذا مضارب ومرتهن ومستأجر وإن قال: كلما خنت
ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين صح.
باب إحياء الموات
وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات أو ملك معصوم
فإن كان الموات لم يجز عليه ملك لأحد ولم يوجد
فيه أثر عمارة ملك بالأحياء وإن ملكها من له
حرمة أو شك فيه: فإن وجد أو أحد من وثته لم
يملك بإحياء وإن علم ولم يعقب لم يملك وأقطعه
الإمام من شاء وإن كان قد ملك بإحياء ثم ترك
حتى دثر وعاد مواتا لم يملك بإحياء إن كان
لمعصوم وإن علم ملكه لمعين غير معصوم: فإن كان
بدار حرب وأندرس كان كموات أصلى يملكه مسلم
بإحياء وإن كان فيه أثر الملك غير جاهلي
كالخرب التي ذهبت أنهارها واندرست آثارها ملك
بالأحياء وكذا إن كان جاهليا قديما: كديار عاد
فأما مساكن ثمود فلا تملك فيها لعدم دوام
البكاء مع السكنى والانتفاع قاله الحارثي
ويكره تملك دخول ديارهم إلا لباك معتبر لا
يصيبه ما أصابهم أو قريبا أو تردد في جريان
الملك عليه1 ومتى أحيا أرضا ميتة فهي له مسلما
كان أو ذميا بأذن الإمام أو بغير أذنه في دار
الإسلام وغيرها إلا موات الحرم وعرفات وموات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: أو قريبا معطوف على قوله: جاهليا
قديما.
ج /
2 ص -386-
العنوة كغيره فيملك ولا خراج عليه إلا أن يكون
ذميا ولا يملك مسلم ما أحياه من أرض كفار
صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عليها ولا
يملك بأحياء ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه:
كطرقه وفنائه ومجتمع ناديه ومسيل ميائه ومطرح
قمامته وملقي ترابه وآلاته ومرعاة ومحطبه
وحريم البئر والنهر والعين ومرتكض الخيل ومدفن
الأموات ومناخ الإبل والمنازل المعتادة
للمسافرين حول المياه والبقاع المرصدة لصلاة
العيدين والاستسقاء والجنائز ودفن الموتى
ونحوه فكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق
بمصالحه ملك بإحياء وللإمام إقطاعه ولو
اختلفوا في الطريق وقت الأحياء جعلت سبعة أذرع
ولا تغير بعد وضعها وإن زادت على سبعة أذرع
لأنها للمسلمين ولا تملك معادن ظاهرة ولا تحجر
وهي ما لا تفتقر إلى عمل: كملح وقار ونفط وكحل
وجص وياقوت وماء وثلج ومومياء وبرام1 وكبريت
ومقاطع طين ونحوها ولا باطنة ظهرت أولا: كحديد
ونحوه - بإحياء2 ولا ما نضب عنه الماء مما كان
مملوكا وغلب عليه ثم نصب عنه بل هو باق على
ملك ملاكه: لهم أخذه أما ما نصب عنه الماء من
الجزائر والرقاق3 مما لم يكن مملوكا فلكل أحد
أحياؤه: كموات وليس للإمام إقطاع معادن ظاهرة
أو باطنة فإن كان بقرب الساحل موضع إذا حصل
فيه الماء صار ملحا ملك بالأحياء وللإمام
أقطاعه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البرام كالجبال وزنا جمع برمة كبردة وهي
الحجارة المجتمعة.
2 قوله: ولا باطنة صفة للمعادن، وهو معطوف على
قوله سابقا: معادن ظاهرة.
3 الرقاف بفتح الراء: الأرض الرملية.
ج /
2 ص -387-
وإذا ملك المحيا ملكه بما فيه من المعادن
الجامدة كمعادن الذهب والفضة ونحوهما: باطنة
كانت أو ظاهرة وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن
جار أو كلأ أو شجرة فهو أحق به بغير عوض ولا
يملكه وما فضل من مائه الذي في قرار العين أو
البئر لزمه بذله لبهائم غيره إن لم يوجد ماء
مباح ولم يتضرر به سواء اتصل بالمرعى أو بعد
عنه ويلزم بذله لزرع غيره ما لم يؤذه بالدخول
فإن آذاه أو كان له فيه ماء السماء فيخاف عطشا
فلا بأس أن يمنعه وكذا لو حازه في إناء وعند
الأذى بورود الماشية إليه فيجوز لرعايتها سوق
فضل الماء إليها ولا يلزمه بذل آلة الاستسقاء
كالحبل والدلو والبكرة وإذا حفر بئرا بموات
للسابلة فالناس مشتركون في مائها والحافر لها
كأحدهم في السقي والزرع والشرب وعند الضيق
يقدم الآدمي ثم البهائم ثم الزرع وإن حفرها
ليرتفق هو بمائها كحفر السفارة في بعض
المنازل: كالأعراب والتركمان ينتجعون أرضا
فيحفرون لشربهم وشرب دوابهم لم يملكوها وهو
أحق بمائها ما أقاموا وعليهم بذلك الفاضل
لشاربه وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين فإن
عادوا إليها كانوا أحق بها قال في المغني:
وعلى كل حال لكل أحد أن يستقي من الماء الجاري
لشربه وطهارته وغسل ثيابه وانتفاعه به في
أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه من غير إذن إذا لم
يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه
المنع من ذلك وقال الحارثي: الفضل الواجب بذله
ما فضل عن شفته وشفة عياله وعجينهم وطبيخهم
وطهارتهم وغسل ثيابهم ونحو ذلك وعن مواشيه
ومزارعه وبساتينه.
ج /
2 ص -388-
فصل: و إحياء الأرض أن يحوز بحائط منيع يمنع
ما وراءه
ويكون البناء مما حرت عادة البلد البناء به
سواء أرادها لبناء أو زرع أو حظيرة غنم أو خشب
ونحوهما ولا يعتبر في ذلك تسقيف أو يجري لها
ماء إن كانت لا تزرع إلا به أو يحفر فيها بئرا
يكون فيها ماء فإن لم يصل إلى الماء فهو
كالمتحجر الشارع في الأحياء على ما يأتي1 أو
يغرس فيها شجرا أو يمنع ما لا يمكن زرعها إلا
بحبسه عنها: كأرض البطائح وإن كان المانع من
زرعها كثرة الأحجار: كأرض اللجاة2 فأحياؤه
بقلع أحجارها وتنقيتها وإن كانت غياضا
وأشجارا: كأرض الشعراء فبأن يقلع أشجارها
ويزيل عروقها المانعة من الزرع ولا يحصل
الأحياء بمجرد الحرث والزرع ولا بخندق يجعله
عليها أو شوك وشبهة يحوطها به ويكون تحجرا وإن
حفر بئرا عادية وهي القديمة التي انطمت وذهب
ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو أنقطع ماؤها
فاستخرجه ملكها وملك حريمها خمسين ذراعا من كل
جانب وغير العادية على النصف وحريم عين وقناة
خمسمائة ذراع وحريم نهر من حافتيه ما يحتاج
إليه لطرح كرايته وطريق شاوية3 وما يستضر
صاحبه بتملكه عليه وإن كثر وله عمل أحجار طحن
على النهر ونحوه وموضع غرس وزرع ونحوهما وحريم
شجرة قدر مد أغصانها وفي النخل مد جريدها وأرض
لزرع ما يحتاجه لسقيها وربط دوابها وطرح سبخها
ونحو ذلك وحريم دار من موات حولها مطرح تراب
وكناسة وثلج وماء ميزاب وممر إلى بابها ولا
حريم لدار محفوفة بملك الغير ويتصرف كل واحد
في ملكه وينتفع به بحسب ما جرت به العادة فإن
تعدى منع ومن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يؤيد أنه أحق بها من غير تملك لها وسيأتي
قريبا تفصيل ذلك.
2 اللجاة: إحدى جهات الشام.
3 الشاوية بتشديد الياء: اليابسة.
ج /
2 ص -389-
تحجر مواتا: بأن حفر بئرا لم يصل إلى مائها أو
أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا أو جدارا
صغيرا أو سبق إلى شجر مباح: كالزيتون والخرنوب
ونحوهما فشفاه وأصلحه ولم يركبه ونحو ذلك أو
اقطعه له إمام لم يملكه بذلك وهو أحق به و
وارثه بعده وكذا من ينقله إليه بغير بيع وليس
له بيعه فإن ركب أي أطعم الزيتون والخرنوب
ملكه وحريمه فإن لم يتم أحياؤه وطالت المدة
عرفا كنحو ثلاث سنين قيل له: إما أن تحييه أو
تتركه إن حصل متشوف للأحياء فإن طلب المهلة
لعذر أمهل شهرين أو ثلاثة أو أقل على ما يراه
الحاكم وإن لم يكن له عذر فلا يمهل وإن أحياه
غيره في مدة المهلة أو قبلها لم يملكه وبعدها
ملكه ومن نزل وظيفة لزيد وهو لها أهل لم يتقرر
غيره فيها فإن قرر هو وإلا فهي للنازل وقال
الشيخ: لا يتعين المنزول له ويولى من له
الولاية من يستحقها شرعا وقال ابن القيم: ومن
بيده أرض خراجيه فهو أحق بها بالخراج
كالمستأجر ويرثها ورثته كذلك وليس للإمام
أخذها منه ودفعها إلى غيره وإن نزل عنها أو
آثر بها فالمنزول له والمؤثر أحق بها وتقدم
ومثله ما صححه صاحب الفروع وغيره لو آثر شخصا
بمكانه في الجمعة لم يكن لغيره سبقه إليه لأنه
أقامه مقامه أشبه من تحجر مواتا أو سبق إليه
أو آثر به فمراد صاحب الفروع بالتشبيه المذكور
أنه لم يتم النزول المذكور إما لكونه قبل
القبول من المنزول له أو قبل الإمضاء إذا كان
النزول معلقا بشرط الإمضاء ممن له ولاية ذلك
فإنه حينئذ يشبه المتحجر فيجري فيه ما فيه من
الخلاف أما إذا تم النزول
ج /
2 ص -390-
إما بالقبول أو الإمضاء ووقع الموقع فليس لأحد
التقرر ولا التقرير فيه وهو حينئذ يشبه
بالمتجر إذا أحياه من تحجره وبالمؤثر بالمكان
إذا صار فيه لأنه ترفع يد عما أحياه ولا
المؤثر يزال من المكان الذي أثر به وصار فيه.
فصل: و للإمام إقطاع موات لمن يحييه
و لا يملكه بالإقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع
في الأحياء ولا ينبغي للإمام أن يقطع إلا ما
قدر على إحيائه فإن اقطع أكثر منه ثم تبين
عجزه عن إحيائه استرجعه وله إقطاع غير موات
تمليكا وانتفاعا للمصلحة ويجوز الإقطاع من مال
الجزية كما في الإقطاع من مال الخراج والظاهر
أن مرادهم بالمصلحة ابتداء ودواما فلو كان
ابتداؤه لمصلحة ثم في أثناء الحال فقدت
فللإمام استرجاعها وله إقطاع الجلوس في الطريق
الواسعة ورحاب المساجد المتسعة غير المحوطة
مالم يضيق على الناس فيحرم ولا يملك ذلك
المقطع ويكون أحق بالجلوس فيها ما لم يعد
الإمام فيه فإن لم يقطعها الإمام فلمن سبق
إليها الجلوس فيها بغير أذنه ويكون أحق بها
ولو ليلا ما لم ينقل متاعه عنها وإن أطال
الجلوس فيها أزيل وإن أجلس غلامه أو أجنبيا
ليحفظ له المكان حتى يعود فهو كما لوترك
المتاع فيه وليس له الجلوس بحيث يمنع جاره
رؤية المعاملين لمتاعه أو وصولهم إليه أو يضيق
عليه في كيل أو وزن أو أخذ أو إعطاء وله أن
يظلل على نفسه فيها بما لا ضرر فيه من بارية
وكساء وليس له أن يبني دكة ولا غيرها فإن سبق
اثنان فأكثر إليها أو إلى خان مسبل أو رباط أو
مدرسة أو خانكاه
ج /
2 ص -391-
ولم يتوقف فيها على تنزيل ناظر: أقرع ومن سبق
إلى معدن مباح فهو أحق بما يناله منه ولا يمنع
ما دام آخذا ولو طال وفي المغني و الشرح فإن
أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع
غيره منه منع من ذلك فإن سبق اثنان فأكثر إليه
وضاق المكان عن أخذهم جملة: أقرع كطريق وإن
حفره إنسان من جانب آخر فوصل إلى النيل لم يكن
له منعه ومن سبق إلى مباح فأخذه مثل ما ينبت
في الجزائر والرقاق وكل موات من الطرفاء
والقصب والشعر أو ثمر الجبل وغير ذلك من
النباتات أو إلى صيد ولو سمكا أو عنبر وحطب
وثمر ولؤلؤ ومرجان ونحوه ومن ينبذه الناس رغبة
عنه - ملكه والملك مقصور فيه على القدر
المأخوذ وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما ولو
كان الآخذ للتجارة أو الحاجة ولا يقترعان وكذا
لو سبق إلى ما ضاع من الناس مما لا تتبعه
الهمة وما يسقط من الثلج والمن وسائر المباحات
وإن سبق إلى لقيط أو لقطة أو إلى طريق فهو أحق
به فإن رأى اللقطة واحد وسبق آخر إلى أخذها
فهي لمن سبق فإن أمر أحدهما صاحبه بأخذها
فأخذها ونواه لنفسه فهي له وإلا لمن أمره في
قول.
فصل: وإذا كان الماء في نهر غير مملوك
كمياه الأمطار والأنهار الصغار وازدحم الناس فيه وتشاحوا فلمن في
أعلاه أن يبدأ فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى
كعبة ثم يرسله إلى من يليه كذلك إلى آخرهم فإن
لم يفضل من الأول أو من يليه شيء فلا شيء
للباقي وإن كان بعض أرض أحدهم مستفلا وبعضها
مستغليا سقى كل واحدة على حدتها فإن
ج /
2 ص -392-
استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما
الماء بينهما إن أمكن وإلا أقرع فإن كان الماء
لا يفضل عن أحدهما سقى القارع بقدر حقه من
الماء ثن يتركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع
الماء لمساواة الآخر له وإنما القرعة للتقدم
بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق
إلا في الفاضل عن الأعلى وإن كانت أرض أحدهما
أكثر من الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض
ولو أحتاج الأعلى إلى الشرب ثانيا قبل انتهاء
سقي الأرض لم يكن له ذلك ومن سبق إلى قناة لا
مالك لها وسبق آخر إلى بعض أفواهها من فوق أو
من أسفل فلكل واحد منهما ما سبق إليه ولمالك
أرض منعه من الدخول بها ولو كانت رسومها في
أرضه وأنه لا يملك تضييق مجرى قناة في أرضه1
خوف لص لأنه لصاحبها وإن كان النهر كبير إلا
يحصل فيه تزاحم: كالنيل والفرات ودجلة فلكل
أحد أن يسقي منه ما شاء متى شاء كيف شاء فإن
أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه أو من نهر
غير مملوك تجري فيه مياه الأمطار ولو كان أقرب
إلى أول النهر لم يمنع ما لم يضر بأهل الأرض
الشاربة منه ولا يسقي قبلهم ولو أحيا سابق في
أسفل ثم آخر فوقه ثم ثالث فوق الثاني سقي
المحي أولا ثم الثاني ثم الثالث ولو كان الماء
بنهر مملوك كحفر نهر صغير سبق الماء إليه من
نهر كبير فما حصل فيه من الماء ملك فلو كان
لجماعة فبينهم على حسب العمل والنفقة فإن لم
يكفهم وتراضوا على قسمته جاز وإلا قسمه الحاكم
على قدر ملكهم فتؤخذ خشبة أو حجر مستوى
الطرفين والوسط فتوضع على موضع مستو من الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرسوم: هي الآثار، ومراده أن مالك القناة
بالإحياء لا يملك دخول أرض وجد ربها رسوم
القناة التي ملكها.
ج /
2 ص -393-
في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في
السعة على قدر حقوقهم من كل جزء أو ثقب إلى
ساقيه لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته
انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر
ذلك فإذا كان لأحد نصفه وللثاني وللثالث سدسه
جعل فيه ثقوب: لصاحب النصف ثلاثة تصب في
ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب السدس واحد
فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره
ليقاسمه في موضع آخر لم يجز بغير رضاه وما حصل
لأحدهم في ساقيته تصرف فيه بما أحب: من عمل
رحى عليها أو دولاب أو عبارة - وهي خشبة تمد
على طرفي النهر - أو قنطرة يعبر الماء عليها
أو غير ذلك من التصرفات وأما النهر المشترك
فليس لأحدهم أن يتصرف فيه بذلك فليس له فتح
ساقية إلى جانبه قبل المقسم يأخذ حقه منها ولا
أن ينصب على حافتي النهر رحى تدور بالماء ولا
غير ذلك لأن حريم النهر مشترك فلم يملك التصرف
فيه بغير أذنهم وإذا اقتسموا ماء النهر
المشترك بالمهايأة وكان حق كل واحد منهم
معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة أو
لواحد من طلوع الشمس إلى الزوال وللآخر إلى
الغروب ونحو ذلك أو اقتسموا ساعات وأمكن ضبط
ذلك بشيء معلوم - جاز إذا تراضوا به وتقدم في
الصلح لو أحتاج النهر ونحوه إلى عمارة أو كرى
ومن ترك دابة بمهلكة أو فلاة: لعجزه عن علفها
أو لانقطاعها ويأسه منها ملكها مستنقذها نصا
لا عبدا أو متاعا تركه عجزا ولا ما ألقى في
البحر خوفا من الغرق أو انكسرت السفينة وأخرجه
قوم فيرجع آخذه بنفقة
ج /
2 ص -394-
واجبة وأجرة حمل متاع وللإمام أن يحمي أرض
موات لرعي دواب المسلمين التي يقوم بحفظها من
الصدقة والجزية ودواب الغزاة وماشية الضعفاء
عن البلد للرعي وغير ذلك ما لم يضيق على
المسلمين وليس ذلك لغيره وما حماه النبي صلى
الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع
بقاء الحاجة إليه وعدمها ولا أحياؤه فإن أحياه
لم يملكه وكان له صلى الله عليه وسلم فقط أن
يحمي لنفسه ولم يفعل ما حماه غيره من الأئمة
جاز له ولإمام غيره نقضه ويملكه محييه وليس
للأئمة أن يحموا لأنفسهم شيئا ومن أخذ مما
أحياه إمام عزر في ظاهر كلامهم وظاهره ولا
ضمان.
باب الجعالة
وهي جعل شيء معلوم: كأجرة لا من مال حربي فيصح
مجهولا لمن يعمل له عملا مباحا ولا مجهولا
وعلى مدة ولو مجهولة: سواء جعله لمعين بأن
يقول من تصح إجارته إن رددت لقطتي فلك كذا فلا
يستحق من ردها سواه أو غير معين بأن يقول ك من
رد لقطتي أو وجدها أو بنى لي هذا الحائط أو رد
عبدي فله كذا فيصح العقد ويستحق الجعل بالرد
ولو كان أكثر من دينار أو اثني عشر درهما وإن
لم يكن أكثر فله في العبد ما قدره الشارع فمن
فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه كدين وفي
أثنائه يستحق حصة تمامه والجماعة تقتسمه وإذا
رد لم يكن له الحبس على الجعل وإن تلف الجعل
كان له مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته،
ج /
2 ص -395-
فإن فاوت بينهم فجعل لواحد دينارا ولآخر اثنين
ولآخر ثلاثة جاز فإن رده الثلاثة فلكل واحد
ثلث جعله وإن جعل لواحد معين شيئا في رده فرده
هو وآخران معه وقالا: رددناه معاونة له استحق
جميع الجعل ولا شيء لهما وإن قالا: رددناه
لنأخذ العوض لأنفسنا فلا شيء لهما وله ثلث
الجعل وإن نادى غير صاحب الضالة فقال: من ردها
فله دينار فردها رجل فالدينار على المنادي
لأنه ضمن العوض وإن قال في النداء قال فلان:
من رد ضالتي فله دينار فردها رجل لم يضمن
المنادي وإن رده من دون المسافة المعينة كأن
قال: من رد عبدي من بلد كذا فرده من بعض طريقه
فبالقسط ومن أبعد منها له المسمى فقط وإن رده
من غير البلد المسمى فلا شيء له كما لو جعل له
في رد أحد عبديه معينا فرد الآخر وإن قال: من
رد عبدي فله كذا فرد أحدهما فله نصف الجعالة
وقبل أن يبلغه الجعل لم يتسحقه وحرم أخذه ويصح
الجمع بين تقدير المدة والعمل وكل ما جاز أن
يكون عوضا في الإجازة جازان يكون عوضا في
الجعالة وكل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة
جازان يكون عوضا في الجعالة وكل ما جاز أخذ
العوض عليه في الإجارة من الأعمال جاز أخذه
عليه في الجعالة وما لا يجوز أخذ العوض عليه
في الإجارة كالغناء والزمر وسائر المحرمات لا
يجوز أخذ الجعل عليه وما يختص أن يكون فاعله
من أهل القربة مما لا يتعدى نفعه فاعله
كالصلاة والصيام لا يجوز أخذ الجعل عليه فأما
ما يتعدى نفعه كالآذان ونحوه فيجوز وتقدم في
الإجارة وإن جعل عوضا مجهولا كقوله: من رد
عبدي الآبق فله نصفه أو من رد ضالتي فله ثلثها
أو فله ثوب ونحوه أو محرما كالخمر
ج /
2 ص -396-
فله في ذلك أجرة المثل وإن قال: من داوي لي
هذا حتى يبرأ من جرحه أو مرضه أو رمده فله كذا
- لم يصح وهي عقد لكل منهما فسخها فإن فسخها
العامل لم يستحق شيئا وإن فسخها الجاعل بعد
الشروع فعليه للعامل أجرة عمله وإن اختلفا في
أصل الجعل فقول من ينفيه وفي قدره أو المسافة
فقول جاعل ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا
شيء له إن لم يكن معدا لأخذ الأجر فإن كان
كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط
والدلال ونحوهم يرصد نفسه للتكسب بالعمل وأذن
له - فله المثل وتقدم معناه في الإجارة إلا في
تخليص متاع غيره من بحر أو فم سبع أو فلاة ولو
عبدا فله أجرة مثله وإلا في رد آبق من قن
ومدبر وأم ولد إن كان غير الإمام فله ما قدر
الشارع دينارا أو اثنا عشر درهما سواء رده من
داخل المصر أو خارجه قربت المسافة أو بعدت
وسواء كان يساوي المقدار أو لا وسواء كان زوجا
للرقيق أو ذا رحم في عيال المالك أو لا وإن
مات السيد قبل وصول المدبر وأم الولد عتقا ولا
شيء له ويأخذ منه ما أنفق عليه وعلى دابة في
قوت وعلف ولو لم يستأذن المالك مع القدرة عليه
حتى ولو هرب منه في طريقه أو مات فله الرجوع
عليه بما انفق عليه قبل هربه ما لم ينو التبرع
لكن لا جعل له إذا هرب قيل تسليمه أو مات ولو
أراد استخدامه بدل النفقة لم يجز كالعبد
المرهون ومن أخذ الآبق أو غيره فهو أمانة في
يده إن تلف من غير تفريط فلا ضمان عليه وإن
وجد صاحبه دفعه إليه إذا اعترف العبد أنه سيده
إن كان كبيرا أو أقام بينة فإن لم يجد
ج /
2 ص -397-
سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه
أو بيعه إن رأى المصلحة فيه فإن باعه الإمام
أو نائبه لمصلحة رآها فجاء سيده فاعترف أنه
كان اعتقه قبل قوله ويطل البيع وليس لواجده
بيعه ولا تملكه بعد تعريفه فهو كضوال الإبل
ومتى كان العمل في مال الغير إنقاذا له من
التلف المشرف عليه كان جائزا: كذبح الحيوان
المأكول إذا خيف موته ولا يضمن ما نقص بموته
ولو وقع الحريق بدار ونحوها فهدمها غير صاحبها
بغير أذنه على النار لئلا تسري أو هدم قريبا
منها إذا لم يقدر على الوصول إليها وخيف
تعديها وعتوها لم يضمن ذكره في الطرق الحكمية
قال: ولو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة فبادر
وهدم الحائط ليخرج السيل ولا يهدم الدار كان
محسنا ولا يضمن انتهى وإن وجد فرسا لرجل من
المسلمين مع أناس من العرب - أي من البدو -
وأخذ الفرس منهم ثم إن الفرس مرض بحيث لم يقدر
على المشي جاز للآخذ بيعه بل يجب عليه في هذه
الحالة أن يبيعه لصاحبه وإن لم يكن وكله في
البيع وقد نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها
ويحفظ الثمن قاله الشيخ وهي في الخامس من
الفتاوى المصرية.
باب اللقطة
وهي اسم لما يلتقط: من مال أو مختص ضائع وما
في معناه لغير حربي يلتقطه غير ربه وينقسم
ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لا تتبعه همة أوساط الناس: كالسوط
والشسع والرغيف
ج /
2 ص -398-
والكسرة والثمرة والعصا ونحو ذلك وما قيمته
كقيمة ذلك فيملك بأخذه وينتفع به آخذه بلا
تعريف والأفضل أن يتصدق به ولا يلزمه دفع بدله
إن وجد ربه ولعل المراد إذا تلف فأما إن كان
موجودا ووجد ربه فيلزمه دفعه إليه وكذا لو لقي
كناس ومن في معناه قطعا صغارا مفرقة ولو كثرت
ومن ترك دابة بمهلكة أو فلاة ترك إياس
لانقطاعها أو عجزه عن علفها ملكها آخذها وإلا
أن يكون تركها ليرجع إليها أو ضلت منه وتقدم
آخر أحياء الموات وكذا ما ألقى خوف الغرق.
الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع:
مثل ثعلب وذئب وابن آوى وولد الأسد كإبل وخيل
وبقر وبغال وطيور تمتنع بطيرانها وظباء وكفهود
فعلمه وكحمر وخالف الموفق فيها فهذا القسم غير
الآبق يحرم التقاطه ولا يملكه بتعريفه وإن
أتفق عليه لم يرجع لتعديه فإن تبع شيء منها
دوابه فطرده أو دخل فأخرجه فلا ضمان عليه حيث
لم يأخذه ولم يثبت يده عليه لكن لإمام ونائبه
فقط أخذ ذلك ليحفظه لربه لا على سبيل الالتقاط
ولا يلزمهما تعريفه ولا تكفي فيه الصفة ومن
أخذه ولم يكتمه ضمنه إن تلف أو نقص كغاصب وإن
كتمه وتلف ضمنه بقيمته مرتين إما ما كان أو
غيره وإن لم يتلف فإن دفعه إلى الإمام أو
نائبه أو أمره برده إلى مكانه زال عنه الضمان
وكذا من أخذ من نائم أو ساه شيئا لا يبرأ برده
بل بتسليمه لربه بعد انتباهه أو الإمام أو
نائبه ولا يحرم التقاط الكلب
ج /
2 ص -399-
المعلم وينتفع به في الحال ويسم الإمام ما
يحصل عنده من الضوال بأنها ضالة ويشهد عليها
ثم إن كان له حمى يرعى فيه تركها فيه إن رأى
ذلك وإن رأى بيعها أو لم يكن له باعها بعد أن
يحليها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها
ويجوز التقاط الصيود المتوحشة التي إذا تركت
رجعت إلى الصحراء لشرط عجز ربها وأحجار
الطواحين الكبيرة والقدور الضخمة والأخشاب
الكبيرة ملحقة بإبل ويجوز التقاط قن الصغير
ذكرا كان أو أنثى ولا يملك بالالتقاط قال
الموفق لأنه محكوم بحريته.
الثالث: سائر الأموال: كالأثمان والمتاع ومالا
يمتنع من صغار السباع: كالغنم والفصلان
والعجاجيل وجحاش الحمير والأفلاء والإوز
والدجاج ونحوها سواء وجد ذلك بمصر أو بمهلكة
لم ينبذه ربه رغبة عنه فمن لا يأمن نفسه عليها
لا يجوز له أخذها بهذه النية ضمنها ولو تلفت
بغير تفريط ولم يملكها وإن عرفها ومن أخذها
بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة لم يضمن ومن
أمن نفسه عليها وقوى على تعريفها فله أخذها
والأفضل تركها ولو وجدها بمضيعة وإن عجز عن
تعريفها فليس له آخذها ومتى أخذها ثم ردها إلى
موضعها أو فرط فيها ضمنها إلا أن يكون ردها
بإذن الإمام أو نائبه ولو ممتنعا كما تقدم وإن
ضاعت اللقطة من ملتقطها في حول التعريف بغير
تفريط فلا ضمان عليه فإن التقطها آخر فعلم
أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه فإن لم
يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها ولا
يملك الأول
ج /
2 ص -400-
انتزاعها منه فإذا جاء صاحبها أخذها من الثاني
وليس له مطالبة الأول وإن علم الثاني بالأول
فردها إليه فأبى أخذها وقال: عرفها أنت فعرفها
ملكها أيضا وإن قال: عرفها وتكون ملكا لي ففعل
فهو نائبه في التعريف ويملكها الأول وإن قال:
عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما
وإن غصبها غاصب من الملتقط وعرفها لم يملكها.
واللقطة على ثلاثة أضرب: أحدهما: حيوان فيلزمه
فعل الأحظ من أكله وعليه قيمته أو بيعه وحفظ
ثمنه لصاحبه وله أن يتولى ذلك بنفسه ولا يحتاج
إلى إذن الإمام في الأكل والبيع ويلزمه حفظ
صفتها فيهما أو حفظه والإنفاق عليه من ماله
ولا يتملكه فإن تركه ولم ينفق عليه ضمنه ويرجع
به ما لم يتعد: أن نوى الرجوع وإلا فلا فإن
استوت الثلاثة خير بينها قال الحارثي: وأولي
الأمور الحفظ مع الإنفاق ثم البيع وحفظ الثمن
ثم الأكل وغرم القيمة.
والثاني: ما يخشى فساده: كطبيخ وبطيخ وفاكهة
وخضروات ونحوها فيلزمه فعل الأحظ: من أكله
وعليه قيمته وبيعه بلا حكم حاكم وحفظ ثمنه ولو
تركه حتى تلف ضمنه فإن استويا خير بينهما
وقيده جماعة بعد تعريفه بقدر ما يخاف معه
فساده ثم هو بالخيار إلا إن يمكن تجفيفه
كالعنب فيفعل ما يرى الحظ فيه لمالكه: من
الأكل والبيع والتجفيف وغرامة التجفيف منه
فيبيع بعضه في ذلك الثالث: سائر الأموال
ويلزمه حفظ الجميع وتعريفه على الفور: حيوانا
كان أو غيره بالنداء عليه بنفسه أو بنائبه في
مجامع الناس كالأسواق والحمامات وأبواب
ج / 2 ص -401-
المساجد أدبار الصلوات ويكره فيها
ويكثر منه في موضع وجدانها وفي
الوقت الذي يلي التقاطها حولا
كاملا: نهارا كل يوم مرة أسبوعا
ثم مرة من كل أسبوع من شهر ثم مرة
في كل شهر ولا يصفه بل يقول: من
ضاع منه شيء أو نفقة وإن سافر وكل
من يعرفها فإن التقط في صحراء
عرفها في أقرب البلاد من الصحراء
وأجرة المنادي على الملتقط ولا
يرجع بها ولا تعرف كلاب بل ينتفع
بالمباح منها وإن كان لا يرجى
وجود صاحب اللقطة لم يجب تعريفها
في أحد القولين ولو أخر التعريف
عن الحول الأول أو بعضه أثم وسقط
كالتقاطه بنية تملكه أو لم يرد
تعريفه ولا يملكها بالتعريف بعد
الحول الأول وكذا لو تركه فيه
عجزا: كمريض ومحبوس أو إنسانا أو
تركه في بعض الحول أو وجدها صغيرا
ونحوه فلم يعرفها وليه أو ضاعت
فعرفها الثاني مع علمه بالأول ولم
يعلمه أو أعلمه وقصد بتعريفها
لنفسه لم يملكها وليس خوفه أن
يأخذها سلطان جائر أو يطالبه
بأكثر عذرا في ترك تعريفها فإن
أخره لم يملكها إلا بعده وإذا
عرفها فلم تعرف دخلت في ملكه بعد
الحول حكما: كالميراث ولو عروضا:
كأثمان ولقطة الحرم أو كان سقوطها
من صاحبها بعد وإن غيره.
فصل:
و لا يجوز له التصرف فيها حتى
يعرف وعاءها وهو ظرفها
كيسا كان أو غيره و وكاءها وهو
الخيط الذي تشد به وعفاصها وهو
الشد والعقدة: أي صفتها وقدرها
وجنسها وصفتها1 أي تجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مراده بالصفة الأولى صفة العقدة
وبالثانية صفة اللقطة التي تتميز
بها.
ج / 2 ص -402-
معرفة ذلك عند أراه التصرف فيها
ويسن ذلك عند وجدانها وإشهاد
عدلين عليها لا على صفتها فمتى
جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه
إن كانت عنده ولو بلا بينة ولا
يمين ظن صدقه أو لا فإن وجدها قد
خرجت عن الملتقط ببيع أو غيره بعد
ملكها فلا رجوع وله بدلها فإن
أدركها مبيعة بيع الخيار للبائع
أو لهما في زمنه وجب الفسخ أو
مرهونة فله انتزاعها فإن صادفها
ربها قد رجعت إليه بفسخ أو غيره
أخذها بنمائها المتصل فأما
المنفصل قبل مضي الحلول فلمالكها
وبعده لواجدها و وارث ملتقط كهو
في تعريف وغيره فإن مات الملتقط
بعد تمام الحول ثم جاء صاحبها
أخذها من الوارث وإن كانت معدومة
فصاحبها غريم بها: إن كان تلفها
بعد الحول بفعله أو بغير فعله وإن
تلفت أو نقصت أو ضاعت قبل مضي
الحول لم يضمنها إن لم يفرط لأنها
في يده أمانة وبعد الحول يضمنها
ولو لم يفرط: بمثلها إن كانت
مثلية وإلا بقيمتها يوم عرف ربها
سواء تلفت بفعله أو بغير فعله ولا
يكفي تصديق عبد ملتقط لواصف بل لا
بد من بينة لأن إقرار العبد لا
يصح فيما يتعلق بنفسه فإن وصفها
اثنان معا أو وصفها الثاني قبل
دفعها إلى الأول أو أقام بينتين -
أقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها
وبعد دفعها لا شيء للواصف الثاني
ولو ادعاها كل واحد منهما فوصفها
أحدهما دون الآخر حلف وأخذها
ومثله وصفه مغصوبا ومسروقا يستحقه
بالوصف ذكره القاضي وأصحابه على
قياس قوله: إذا
ج / 2 ص -403-
اختلف المؤجر والمستأجر في دفن
الدار من وصفه فهو له1 ولا يجوز
دفعها بغير وصف ولا بينة ولو ظهر
صدقه وإن أقام آخر بينة أنها له
أخذها من الوصف فإن تلفت عند
الواصف ضمنها ولم يضمن الدافع وهو
الملتقط إن كان الدفع بإذن حاكم
ولا يرجع الواصف عليه وكذا لو كان
الدفع بغير أذن حاكم لوجوبه عليه
ومؤنة ردها على ربها ولو قال
مالكها بعد تلفها: أخذتها لتذهب
بها وقال الملتقط بل لأعرفها
فقوله مع يمينه2 وإن وجد في حيوان
اشتراه: كشاة ونحوها نقد فلقطة
لواجده يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه
يحتمل أن تكون ابتلعتها في ملكه
كما لو وجد صيدا مخضوبا أو في
أذنه قرط أو في عنقه حرز وإن
اصطاد سمكة من البحر فوجد في
بطنها درة غير مثقوبة فهي له وإن
باعها غير عالم بها لم يزل ملكه
عنها فترد إليه كما لو باع دارا
له فيها مال لم يعلم به وإن وجد
في بطنها مالا يكون للآدمي:
كدراهم أو دنانير أو درة أو غيرها
مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة أو
غيرهما أو في عين أو نهر ولو
متصلا بالبحر فلقطة: على الصياد
تعريفها وإن وجدها المشتري
فالتعريف عليه وإن اصطادها من عين
أو نهر غير متصل بالبحر فكالشاة
في أن ما وجد في بطنها من درة
مثقوبة أو غير مثقوبة لقطة وإن
وجد عنبرة على الساحل فحازها فهي
له ومن أخذ متاعه كثياب في حمام
أو أخذ مداسه وترك بدله فلقطة
ويأخذ حقه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الضمير في لفظ قياس قوله عائد
على الإمام وقوله: في دفن بكسر
الدال وهو الكنز المدفون.
2 الضمير في لفظ قوله مع يمينه
عائد على الملتقط.
ج / 2 ص -404-
منه بعد تعريفه ومن وجد لقطة بدار
حرب وهو في الجيش عرفها سنة
ابتداؤها في الجيش وبقيتها في دار
الإسلام ثم وضعها في المغنم وإن
كان دخل بأمان عرفها في دراهم ثم
هي له إلا أن يكون في جيش فكالتي
قبلها وإن وجد لقطة في غير طريق
مأتي فهي لقطة.
فصل:
و لا فرق بين كون الملتقط غنيا أو
فقيرا مسلما أو كافرا عدلا أو
فاسقا
يأمن نفسه عليها ويضم إلى الكافر والفاسق أمين في تعريفها وحفظها
وإن وجدها صغير أو سفيه أو مجنون
قام وليه بتعريفها فإن عرفها
لواجدها وإن تركها الولي بيده بعد
علمه ضمنها الولي وإن تلفت بيد
أحدهم بغير تفريط فلا ضمان عليه
وإن فرط ضمنها في ماله: كإتلافه
وكعبد وللعبد التقاطها وتعريفها
فلا إذن سيده: كاحتطابه واحتشاشه
واصطياده وله إعلام سيده العدل
بها أن أمنه وإلا لزم سترها عنه
ولسيده العدل أخذها منه أو تركها
معه ليعرفها إن كان عدلا فإن
أتلفها العبد أو تلفت بتفريطه قبل
الحول أو بعده ففي رقبته ومثله أم
ولد ومدبر ومعلق عتقه بصفة لكن أن
تلفت بتفريط أم الولد فداها سيدها
بالأقل من قيمتها أو قيمة ما
أتلفه والمكاتب كالحر ومن بعضه حر
بينه وبين سيده ولو كان بينهما
مهايأة وكذا حكم نادر من كسبه:
كهبة وهدية ووصية وركاز ونحوه ولو
استيقظ نائم فوجد في ثوبه مالا لا
يدري من صره فهو له ولا تعريف.
ج / 2 ص -405-
باب اللقيط
وهو طفل لا يعرف نسبه ولا رقه نبذ
أو ضل إلى سن التمييز وقيل:
والمميز إلى البلوغ وعليه الأكثر
والتقاطه فرض كفاية ويستحب
للملتقط الإشهاد عليه وعلى ما معه
وهو حر في جميع أحكامه مسلم: إلا
أن يوجد في بلد كفار حرب ولا مسلم
فيه أو فيه مسلم: كتاجر وأسير
فكافر رقيق فإن كثر المسلمون
فمسلم وإن وجد في دار الإسلام في
بلد كل أهلها ذمة فكافر1 وإن كان
فيه مسلم فمسلم إن أمكن كونه منه
ولا يجب نفقته على ملتقطه وينفق
عليه من بيت المال إن لم يكن معه
ما ينفق عليه فإن تعذر اقترض حاكم
على بيت المال فإن تعذر فعلى من
علم حاله الإنفاق مجانا ولا يرجع
لأنها فرض كفاية وإن أقترض الحاكم
ما أنفق عليه ثم بان رقيقا أو له
أب موسر رجع عليه فإن لم يظهر له
أحد وفي بيت المال وما وجد معه من
فرش تحته أو ثياب أو مال في جيبه
أو تحت فراشه أو مدفونا تحته طريا
أو مطروحا قريبا منه: كثوب موضوع
إلى جانبه أو حيوان مشدود بثيابه
فهو له وإن كان في خيمة أو دار
فهي له وأولى الناس بحضانته وحفظ
ماله واجده إن كان أمينا مكلفا
رشيدا حرا عدلا ولو ظاهرا وله
الإنفاق عليه مما وجد معه بغير
إذن حاكم والمستحب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعدم وجود مسلم يحتمل أن يكون
اللقيط منه، وقيل هو مسلم لاحتمال
وجود مسلم يكتم إيمانه.
ج / 2 ص -406-
بأذنه إن وجد وينبغي أن ينفق عليه
بالمعروف كاليتيم فإن بلغ اللقيط
واختلفا في قدر ما أنفق أو في
التفريط في الإنفاق فقول المنفق
وله قبول هدية له وصدقة ووصية ولا
يقر بيد صبي ومجنون وسفيه وفاسق
ولا كافر واللقيط مسلم ولا بيد
رقيق بلا إذن سيده وليس له
التقاطه بغير إذن سيده إلا أن يجد
من يلتقطه لأنه تخليص له من
الهلكة فإن إذن له سيده فهو نائبه
والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه
والمكاتب ومن بعضه حر كالقن ولا
يقر بيد بدوي يتنقل في المواضع
ولا من وجده في الحضر وأراد نقله
إلى البادية فإن التقطه في
البادية مقيم في حلة وأراد النقلة
إلى الحضر أقر معه ويصح التقاط
ذمي لذمي ويقر بيده ولو التقط
الكافر مسلم وكافر فهما سواء
وقيل: المسلم أحق اختاره جمع وإن
التقطه في الحضر من يريد النقلة
إلى بلد آخر أو من بلد إلى قرية
أو من محلة يقر بيده ما لم يكن
البلد الذي كان فيه وبيئا: كغور
بيسان ونحوه وحيث يقال بانتزاعه
من الملتقط فيما تقدم فإنما ذلك
عند وجود الأولى به فأما إذا لم
يوجد فإقراره في يده أولى كيف كان
ويقدم موسر ومقيم من أهل الحضانة
إذا التقاطه معا على ضدهما فإن
تساويا وتشاحا أقرع بينهما
والبلدي والكريم وظاهر العدالة
وضدهم والرجل والمرأة - سواء
والشركة في الالتقاط أن يأخذاه
جميعا ووضع اليد عليه كالأخذ ولا
اعتبار بالقيام المجرد عنده إلا
أن يأخذه للغير بأمره: فالملتقط
هو الآمر في قول والآخذ نائب عنه
فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق به
وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم
من
ج / 2 ص -407-
له بينة: سواء كان في يد أم في
يده غيره فإن كان لكل واحد منهما
بينة قدم اسبقهما تاريخا أو
أطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت
الأخرى تعارضتا وسقطتا وإن لم تكن
لهما بينة قدم صاحب اليد مع يمينه
فإن كان في أيديهما أقرع بينهما:
فمن قرع سلم إليه مع يمينه وإن لم
يكن لهما يد فوصفه أحدهما بعلامة
مستورة في جسده قدم فإن وصفاه
جميعا أقرع بينهما وإن لم يكن في
أيديهما ولا في يد واحد منهما ولا
بينة لهما ولا لأحدهما ولا وصفاه
ولا أحدهما - سلمه القاضي إلى من
يريد: منهما أو من غيرهما ولا
تخيير للصبي ومن اسقط حقه منه
سقط.
فصل:-
و ميراث اللقيط و ديته إن قتل
لبيت المال
وإن لم يخلف وارثا ولا ولاء عليه
وإن قتل عمدا فوليه الإمام: إن
شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن
قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه مع
رشده فيحبس الجاني إلى أو أن
البلوغ والرشد إلا أن يكون فقيرا
ولو عاقلا فيجب على الإمام العفو
على مال ينفق عليه وإن أدعى
الجاني عليه رقه أو قذفه وكذبه
اللقيط بعد بلوغه فالقول قول
اللقيط وإن جنى اللقيط جناية
تحملها العاقلة فعلى بيت المال
وإن كانت لا تحملها العاقلة فحكمه
فيها غير اللقيط إن كانت توجب
القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه
وإن كانت موجبة للمال وله مال
استوفى منه وإلا كان في ذمته حتى
يوسر وإن أدعى أجنبي أن اللقيط
مملوكه أو مجهول النسب غيره
مملوكه وهو في يده صدق مع يمينه
وإلا فلا فلو شهدت له باليد بينة
أو
ج / 2 ص -408-
الملك أو أنه عبده أو مملوكه ولو
لم تذكر البينة سبب الملك أو أن
أمته ولدته في ملكه - حكم له به
وإن لم تقل في ملكه لم يحكم له
وإن ادعاه الملتقط لم يقبل إلا
ببينة وإن كان المدعي بالغا عاقلا
فأنكر فالقول قوله: أنا حر وإن
كان للمدعي بينة حكم بها: فإن كان
الملتقط تصرف قبل ذلك ببيع أو
شراء نقضت تصرفاته وإن أقر بالرق
بعد بلوغه لم يقبل إقراره: سواء
تقدم إقراره تصرف ببيع أو شراء أو
تزويج أو صداق ونحوه أو لم يتقدمه
بل أقر بالرق جوابا أو ابتداء ولو
صدقه المقر له كما لو تقدمه إقرار
بحريته وإن أقر اللقيط أنه كافر
حكمنا بإسلامه من طريق الظاهر
تبعا للدار لم يقبل قوله وحكمه
حكم المرتد كما لو بلغ سنا إسلامه
فيه ونطق بالإسلام ثم قال: إنه
كافر.
فصل:-
وإن أقر إنسان أنه ولده:
مسلم أو ذمي يمكن كونه منه حرا
كان أو رقيقا رجلا كان أو امرأة
ولو أمة حيا كان اللقيط أو ميتا -
ألحق به ولا تجب نفقته على العبد
ولا حضانة له ولا على سيده لأنه
محكوم بحريته وتكون في بيت المال
ولا يلحق بزوج المرأة المقرة به
بدون تصديقه ولا بالرقيق في رقه
بدون بينة الفراش فيهما كما لو
استلحق رقيقا ولا بزوجة المقر
بدون تصديقها ويلحق الذمي نسبا لا
دينا ولا حق له في حضانته ولا
يسلم إليه إلا أن يقيم بينة أنه
ولد على فراشه: فيلحقه دينا بشرط
استمرار أبويه على الحياة والكفر
والمجنون كالطفل إذا أمكن أن يكون
منه وكان مجهول النسب وكل من ثبت
لحاقه بالاستلحاق: ولو بلغ وأنكر
لم يلتفت إلى قوله: وإن
ج / 2 ص -409-
ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهما بينة
قدم بها وإن كان في يد أحدهما
وأقاما بينة قدمت بينة خارج وإن
كان في يد امرأة قدمت على امرأة
ادعته بلا بينة وإن تساووا في
البينة أو عدمها عرض معهما على
القافة أو مع أقاربهما إن ماتا:
كالأخ والأخت والعمة والخالة فإن
ألحقته بأحدهما لحق به وإن ألحقته
بهما لحق بهما فيرث كل واحد منهما
إرث ولد كامل ويرثانه إرث أب واحد
وإن وصى له قبلا جميعا وإن خلف
أحدهما فله إرث أب كامل ونسبه
ثابت من الميت ولأمي أبويه مع أم
نصف السدس ولها نصفه ولو توقفت
القافة في إلحاقه بأحدهما أو
نفقته عن الآخر لم يلحق بالذي
توقفت فيه ولا يلحق أكثر من أم
واحدة فإن ألحقته القافة بأكثر من
أم سقط قولها وإن أدعى نسبه رجل
وامرأة ألحق بهما فإن قال الرجل:
هو ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك
فهو ابنه ترجع زوجته على الأخرى
والقافة قوم يعرفون الأنساب
بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة
بل من عرف منه المعرفة بذلك
وتكررت منه الإصابة فهو قائف وإن
أدعاه أكثر من اثنين فألحق بهم
لحق بهم وإن كثروا والحكم كما
تقدم ولا يرجح أحدهم بذكر علامة
في جسده موات نفته القافة عنهم أو
أشكل عليهم أو لم توجد قافة ولو
بعيدة فيذهبون إليها أو اختلف
قائفان أو اثنان وثلاثة فأكثر ضاع
نسبه وإن اتفق اثنان وخالفهما
ثالث أخذ بهما ومثله طبيبان
وبيطاران في عيب ولو رجعا ألحقته
بواحد لانفراده بالدعوى ثم عادت
فألحقته بغيره أو ألحقته قافة
بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته
ج / 2 ص -410-
بآخر - كان للأول وإن ولدت امرأة
ذكرا وأخرى أنثى وادعت كل واحدة
منهما أن الذكر ولدها دون الأنثى
عرضتا مع الولدين على القافة
فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته
به فإن لم توجد قافة اعتبر باللبن
خاصة فإن لبن الذكر يحالف لبن
الأنثى في طبعه وزنته وقد قيل: إن
لبن الابن أثقل من لبن الأنثى فمن
كان لبنها لبن الابن فهو ولدها
والبنت للأخرى وإن كان الولدان
ذكرين أو أنثيين وادعتا أحدهما
تعين عرضه على القافة وإن وطئ
اثنان امرأة بشبهة أوجارية مشتركة
بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة
رجل أو أم ولده وأتت بولد يمكن أن
يكون منه فأدعى الزوج أنه من
الواطئ أرى القافة معهما: سواء
ادعياه أو جحداه أو أحدهما ونفقة
المولود على الواطئين: فإذا ألحق
بأحدهما رجع على الآخر بنفقته
ويقبل قول القافة في غير بنوة:
كأخوة وعمومة ولا يقبل قول القائف
إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في
الإصابة ولا تشترط حريته ويكفي
قائف واحد وهو كحاكم: فيكفي مجرد
خبره والله سبحانه وتعالى أعلم.
______________________
تم – بحمد الله – الجزء الثاني،
من كتاب الإقناع
ويليه الجزء الثالث، وأوله كتاب
الوقف |
|