الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب الحدود
*
مدخل
...
كتاب الحدود
وهي: جمع حد وهو شرعا: عقوبة مقدرة لتمنع من
الوقوع في مثله وتجب إقامته ولو كان من يقيمه
شريكا لمن يقيمه عليه في المعصية أو عونا له
وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا
يجمع بين معصيتين ولا يجب الحد إلا على مكلف
ملتزم عالم بالتحريم فإن زنى المجنون في
إفاقته أو أقر في إفاقته أنه زنى في إفاقته -
فعليه الحد فإن أقر في إفاقته ولم يضف إلى حال
أو شهدت عليه البينة
(4/244)
بالزنا ولم
تضفه إلى إفاقته - فلا حد ولو استدخلت ذكر
نائم أو زنى بها وهي نائمة - فلا حد على
النائم منهما وإن جهل تحريم الزنا ومثله يجهله
أو تحريم عين المرأة: مثل أن يزف إليه غير
امرأته فيظنها امرأته أو تدفع إليه جارية فيظن
أنها جاريته فيطؤها فلا حد عليه ويأتي في
الباب بعده.
ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه:
لكن لو أقامه غيره لم يضمنه نصا فيما حده
الإتلاف: إلا السيد الحر المكلف العالم به
وبشروطه ولو فاسقا أو امرأة - فله إقامة الحد
بالجلد فقط على رفيقه ولو مكاتبا أو مرهونا أو
مستأجرا ولو أنثى كحد الزنا وحد الشرب وحد
القذف: كما له أن يعزره في حق الله وحق نفسه
ولا يملك القتل في الردة والقطع في السرقة بل
ذلك للإمام ولا يملك إقامته على قن مشترك ولا
على من بعضه حر: ولا على أمته الموجة ولا ولي
على رقيق موليه: كأجنبي ولا يملكه المكاتب ولا
يقيمه السيد حتى يثبت عنده: إما بإقرار الرقيق
الإقرار الذي يثبت به الحد إذا علم شروطه أو
ببينة يسمعها إن كان يحسن سماعها ويعرف شروط
العدالة وإن ثبت بعلمه فله إقامته ولا إمام
ونائبه1 وتحرم إقامة الحدود في مسجد فإن أقيم
فيه سقط الفرض.
ـــــــ
1 يريد. لا يملك الإمام ولا نائبه إقامة الحد
بعلمه كما ملكه السيد فيما جاز له لأن الحاكم
غير مأذون له أن يعمل إلا بما تثبته البينة
لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ
أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} .
(4/245)
فصل: - ويضرب الرجل قائما بسوط
:
لا جديد فيجرح: ولا خلق حجمه بين القضيب
والعصا؛ ولا يضرب بعصا، ولا غيرها
(4/245)
وإن كان السوط
مغصوبا أجزأ وإن رأى الإمام الجلد في حد الخمر
بالجريد والنعال والأيدي فله ذلك ولا يمد
المحدود ولا يربط ولا تشديده ولا يجرد بل يكون
عليه غير ثياب الشتاء: كالقميص والقميصين وإن
كان عليه فروة أو جبة محشوة - نزعت ولا يبالغ
في ضربه بحيث يشق الجلد ولا يبدي إبطه في رفع
يده ويسن تفريق الضرب على أعضائه وجسده فلا
يوالي في موضع واحد لئلا يشق الجلد فإن فعل
أجزأ ويكثر منه في مواضع اللحم كالأليتين
والفخذين ويتقي الرأس والوجه والفرج والبطن من
الرجل والمرأة وموضع القتل فيجب اجتنابها
وتضرب المرأة جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك
يداها لئلا تنكشف ويضرب منها الظهر وما قاربه
ويعتبر له نية ليصير قربة فيضربه لله ولما وضع
الله ذلك فإن جلده للتشفي أثم ولا يعيده ولا
تعتبر الموالاة في الحدود قال الشيخ: وفيه نظر
والجلد في الزنا أشد الجلد ثم جلد القذف: ثم
الشرب ثم التعزير وكل موضع وجب فيه الضرب من
حد أو تعزير فشرطه التأليم ويحرم حبسه بعد
الحد وأذاه بالكلام ولا يؤخر حد الزنا لمرض:
رجما كان أو جلدا لأنه يجب على الفور ويقام في
الحر والبرد فإن كان مريضا أو نضو الخلقة أو
في شدة حر أو برد وكان الحد جلدا - أقيم عليه
بسوط يؤمن معه التلف فإن كان لا يطيق الضرب
وخشي عليه من السوط - أقيم بأطراف الثياب
والقضيب الصغير وشمراخ النخل فإن خيف عليه ضرب
بمائة شمراخ مجموعة أو عثكول ضربة واحدة أو
بخمسين شمراخا
(4/246)
ضربتين ولا
يقام الحد رجما كان أو غيره على حبلى ولو من
زنا حتى تع فإن كان رجما لم ترجم حتى تسقيه
اللبأ ثم إن كان له من يرضعه أو تكفل أحد
برضاعه رجمت وإلا تركت حتى تفطمه وإن لم يظهر
حملها لم يؤخر لاحتمال أن تكون حملت من الزنا
وإن ادعت الحمل قبل قولها وإن كان جلدا إذا
وضعته وانقطع النفاس وكانت قوية يؤمن تلفها
أقيم عليها الحد وإن كانت في نفاسها أو ضعيفة
يخاف عليها لم يقم عليها حتى تطهر وتقوى وهذا
الذي تقتضيه السنة الصحيحة وقال أبو بكر: يقام
عليها الحد في الحال بسوط يؤمن معه التلف فإن
خيف عليها من السوط أقيم بالعثكول وأطراف
الثياب وتقدم بعض ذلك في استيفاء القصاص ويؤخر
سكران حتى يصحو فلو خالف وحده سقط ويؤخر قطع
خوف تلف وإن مات في حد أو قطع سرقة أو تعزير
أو تأديب معتاد وتقدم في الديات - فلا ضمان
عليه إن لم يلزم التأخير فإن لزم ولم يؤخر ضمن
وإن زاد في الحد سوطا أو أكثر عمدا أو خطأ أو
في السوط أو اعتمد في ضربه أو بسوط لا يحتمله
ضمنه بكل الدية كما إذا ألقي على سفينة موقرة
حجرا فغرقها فإن كانت الزيادة من الجلاد من
غير أمر فالضمان على عاقلته ومن أمر بزيادة
فزاد جاهلا تحريمها ضمنه الآمر وإلا فالضارب
وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ وادعى الضارب
الجهل ضمنه العاد وتعمد الإمام الزيادة شبه
عمد تحمله العاقلة وإن كان الحد رجما لم يحفر
له: رجلا كان أو امرأة ثبت ببينة أو إقرار
وتشد ثياب المرأة لئلا تنكشف والسنة أن يدور
الناس حول المرجوم منكل جانب كالدائرة إن كان
ثبت ببينة
(4/247)
لا بإقرار
لاحتمال أن يهرب فيترك ويسن حضور شهود الزنا
وبداءتهم بالرجم وإن كان ثبت بإقرار بدأ
الإمام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم
الناس ويجب حضور الإمام أو نائبه في كل حد ومن
أذن له في إقامة الحد فهو نائبه ويجب حضور
طائفة في حد الزنا ولو واحدا مع من يقيم الحد
ومتى رجع المقر بحد الزنا أو سرقة أو شرب قبل
الحد عن إقراره: بأن يقول: كذبت في إقراري أو
لم أفعل ما أقررت به أو رجعت عن إقراري ونحوه
- قبل منه وسقط عنه الحد وإن رجع في أثنائه أو
هرب ترك وجوبا وإن قال: ردوني إلى الحاكم وجب
رده فإن تمم عليه الحد ضمن المتمم الراجع
بالدية لا الهارب ولا من طلب الرد إلى الحاكم
ولا قود وإن رجم ببينة فهرب لم يترك.
(4/248)
فصل: - وإذا اجتمعت حدود الله تعالى وفيها قتل:
مثل أن سرق وزنا وهو محصن وشرب وقتل في
المحاربة استوفى القتل وسقط سائرها لكن ينبغي
أن يقتل للمحاربة لأنه حق آدمي ويسقط الرجم
وإن لم يكن فيها قتل فإن كانت من جنس: مثل أن
زنى أو سرق أو شرب مرارا قبل إقامة الحد أجزأ
حد واحد فتتداخل السرقة كغيرها ولو طالبوا
متفرقين فإن أقيم عليه الحد ثم حدثت جناية
أخرى ففيها حدها وإن كانت من أجناس استوفيت
كلها ويجب الابتداء بالأخف فالأخف فإذا شرب
وزنى وسرق - حد للشرب ثم للزنا ثم قطع ولو بدأ
بغير الأخف وقع الموقع وتستوفى حقوق الآدميين
كلها ويبدأ بغير قتل بالأخف فالأخف منها وجوبا
فيحد للقذف ثم يقطع لغير السرقة
(4/248)
ثم يقتل، فإن
اجتمعت مع حدود الله تعالى ولم يتفقا في محل
واحد بدأ بها وبالأخف فالأخف وجوبا فإن لم يكن
فيها قتل استوفيت كلها ولا يتداخل القذف
والشرب فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطعت يده
أولا ثم حد القذف ثم الشرب ثم الزنا: فقدموا
هنا القطع على حد القذف وهو أخف من القطع وإن
كان فيها قتل فإن حدود الله تدخل في القتل:
سواء كان القتل من حدود الله كالرجم في الزنا
والقتل في المحاربة وللردة أو حق آدمي كالقصاص
ثم إن كان القتل حقا لله استوفيت الحقوق كلها
متوالية من غير انتظار برء الأول فالأول لأنه
لا بد من فوات الأول وإن اتفق حق الله وحق
الآدمي في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا
واحدا: مثل أن قتل - وإن عفا ولي الجناية -
استوفى الحد وذكر ابن البناء من قتل بسحر قتل
حدا وللمسحور من ماله ديته فيقدم حق الله
تعالى انتهى فإن سرق وقتل في المحاربة ولم
يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب ولم تقطع يده
وإن قتل مع المحاربة جماعة قتل بالأول
ولأولياء الباقين دياتهم.
(4/249)
فصل: - ومن قتل أو قطع طرفا أو أتى حدا خارج
حرم مكة ثم لجأ إليه
أو لجأ إليه حربي أو مرتد -
لم يستوف منه فيه ولكن لا يبايع ولا يشارى ولا
يطعم ولا يسقى لا يؤاكل ولا يشارب ولا يجالس
ولا يؤوى ويهجر فلا يكلمه أحد حتى يخرج لكن
يقال له: اتق الله واخرج إلى الحل ليستوفى منك
الحق الذي قبلك فإذا
(4/249)
خرج أقيم عليه
الحد فإن استوفى ذلك منه في الحرم فقد أساء
ولا شيء عليه وإن فعل ذلك في الحرم استوفى منه
فيه ولو قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط
وفي الهدي: الطائفة الممتنعة بالحرم من مبايعة
الإمام لا تقاتل لا سيما إن كان لها تأويل
وأما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم
وسائر البقاع والأشهر الحرم وغيرها فلا تمنع
إقامة حد ولا قصاص ومن أتى حدا في الغزو أو ما
يوجب قصاصا لم يستوف منه في أرض العدو حتى
يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه وإن أتى بشيء
من ذلك في الثغور أقيم عليه فيها وإن أتى حدا
في دار الإسلام ثم دخل دار الحرب أو أسر أقيم
عليه إذا خرج.
(4/250)
باب حد الزنا
مدخل
...
باب حد الزنا
وهو: فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من
الكبائر العظام.
إذا زنى محصن وجب رجمه بالحجارة وغيرها حتى
يموت ويتقي الوجه ولا يجلد قبله ولا ينفى
وتكون الحجارة متوسطة كالكف فلا ينبغي أن يثخن
المرجوم بصخرة كبيرة ولا أن يطول عليه بحصيات
خفيفة ومن وطئ امرأته ولو كتابية في قبلها وطأ
حصل به تغيب الحشفة أو قدرها في نكاح صحيح
وهما بالغان عاقلان حران ملتزمان فهما محصنان
فإن اختل شرط منها ولو في أحدهما فلا إحصان
لواحد منهما فإن عتقا وعقلا وبلغا بعد النكاح
ثم وطئها صارا محصنين ولا يحصل الإحصان بالوطء
بملك اليمين ولا في نكاح فاسد ولا في نكاح خال
من الوطء سواء حصلت فيه خلوة أو وطئ فيما دون
(4/250)
الفرج وفي
الدبر أولا ويثبت لمستأمنين كذميين ولو
مجوسيين لكن لا يصير المجوسي محصنا بنكاح ذي
رحم محرم فلو زنى أحد منهم وجب الحد ويلزم
الإمام إقامة حد بعضهم ببعض ومثله القطع بسرقة
بعضهم من بعض ولا يسقط بإسلامه لكن لا يقام حد
الزنا على مستأمن نصا قال في المغني و الشرح
الكبير في باب القطع في السرقة: لأنه يجب به
القتل لنقض العهد ولا يجب مع القتل حد سواه
انتهى وهذا إذا زنى بمسلمة وأما إن زنى بغير
مسلمة فلا يقام عليه الحد كالحربي ولا حد
الخمر ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال: ما
وطئتها لم يثبت إحصانه ولو كان لها ولد من زوج
فأنكرت أن يكون وطئها لم يثبت إحصانها ويثبت
بقوله: وطئتها أو جامعتها أو باضعتها ويثبت
إحصانها بقولها: أنه جامعها أو باضعها أو
وطئها وإن قالت: باشرها أو أصابها أو أتاها أو
دخل بها أو قاله هو فينبغي أن لا يثبت به
الإحصان وإذا جلد الزاني على أنه بكر فبان
محصنا - رجم وإذا رجم الزانيان المسلمان غسلا
وكفنا وصلى عليهما ودفنا وإذا زنى الحر غير
المحصن من رجل أو امرأة جلد مائة وغرب عاما
إلى مسافة القصر في بلد معين وإن رأى الإمام
التغريب إلى فوق مسافة القصر فعل والبدوي يغرب
عن حلته وقومه ولا يمكن من الإقامة بينهم ولو
عين السلطان جهة لتغريبه وطلب الزاني جهة
غيرها تعين ما عينه السلطان ولو أراد الحاكم
تغريبه فخرج بنفسه وغاب سنة ثم عاد لم يكفه في
ظاهر كلامهم ولا يحبس في البلد نفي إليه فإن
عاد من تغريبه قبل مضي الحول
(4/251)
أعيد تغريبه
حتى يكمل الحول مسافرا ويبنى على ما مضى وتغرب
امرأة مع محرم وجوبا إن تيسر فيخرج معها حتى
يسكنها في موضع ثم إن شاء رجع إذا أمن عليها
وإن شاء أقام معها وإن أبى الخروج معها بذلت
له الأجرة من مالها فإن تعذر فمن بيت المال
فإن أبى الخروج معها نفيت وحدها كما لو تعذر:
كسفر الهجرة وسفر الحج إذا مات المحرم في
الطريق وقيل تستأجر امرأة ثقة اختاره جماعة
وإن زنى الغريب غرب إلى بلد غير وطنه وإن زنى
في البلد الذي غرب إليه غرب إلى غير البلد
الذي غرب منه وتدخل بقية مدة الأول في الثاني
لأن الحدين من جنس فتداخلا.
(4/252)
فصل:- وإن كان
الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة ولا يغرب بكرا
كان أو ثيبا
ولا يرجم هو ولا المبعض وإذا زنى ثم عتق فعليه
حد الرقيق ولو زنى حر ذمي ثم لحق بدار حرب ثم
سبي فاسترق حد حد الأحرار ولو كان أجد
الزانيين حرا والآخر رقيقا أو زنى محصن ببكر
فعلى كل واحد حده ولو زنى بعد العتق وقبل
العلم به فعليه حد الأحرار وإن أقيم عليه حد
الرقيق قبل العلم بحريته ثم علمت بعد - تمم
عليه حد الأحرار وإن كان نصفه حرا فحده خمس
وسبعون ويغرب نصف عام محسوبا على العبد من
نصيبه الحر وللسيد نصف عام بدلا عنه وما زاد
من الحرية أو نقص فبحساب ذلك فإن كان فيها كسر
مثل أن يكون ثلثه حرا فيلزمه ست وستون جلدة
وثلثا جلدة فينبغي أن يسقط الكسر والمدبر
والمكاتب وأم الولد كالقن وإن عفا السيد
(4/252)
عن عبده لم
يسقط عنه الحد وإذا فجر رجل بأمة ثم قتلها
فعليه الحد وقيمتها وحد اللواط: الفاعل
والمفعول به - كزان ولا فرق بين أن يكون في
مملوكه أو أجنبي أو أجنبية فإن وطئ زوجته أو
مملوكته في دبرها فهو محرم ولا حد فيه وحد زان
بذات محرم - كلائط ومن أتى بهيمة ولو سمكة عزر
ويبالغ في تعزيره وقتلت البهيمة: سواء كانت
مملوكة له أو لغيره مأكولة أو غير مأكولة فإن
كانت ملكه فهدر وإن كانت لغيره ضمنها ويحرم
أكلها ويثبت ذلك بشهادة رجلين على فعله بها أو
إقراره ويأتي ولو مرة إن كانت ملكه وإن لم تكن
ملكه لم يجز قتلها بإقراره ولو مكنت امرأة
قردا من نفسها حتى وطئها فعليها ما على واطئ
البهيمة.
(4/253)
فصل: - ولا يجب الحد إلا بشروط
أحدها : أن يطأ في فرج أصلي من آدمي حي قبلا
كان أو دبرا بذكر أصلي وأقله تغييب حشفة من
فحل أو خصي أو قدرها عند عدمها فإن وطئ دون
الفرج أو تساحقت امرأتان أو جامع الخنثي
المشكل بذكره أو جومع في قبله فلا حد وعليهم
التعزير ولو وجد رجل مع امرأة يقبل كل منهما
الآخر ولم يعلم أنه وطئها فلا حد وعليهما
التعزير وإن قالا: نحن زوجان واتفقا على ذلك
قبل قولهما وإن شهد عليهما بالزنا فقالا: نحن
زوجان فعليهما الحد إن لم تكن بينة تشهد
بالنكاح.
الثاني : أن يكون الزاني مكلفا فلا حد على
صغير ومحنون وإن زنى ابن عشر أو بنت تسع -
عزرا قاله في الروضة وقال في المبدع: يعزر
(4/253)
غير البالغ
منهما انتهى وذلك كضربه على ترك الصلاة وحد
السكران إذا زنا أو أقر به في سكره.
الثالث : انتفاء الشبهة فإن وطئ جارية ولده:
وطئها الابن أولا أو جارية له أو لولده أو
لمكاتبه فيها شرك أو أمة: كلها أو بعضها لبيت
المال وهو حر مسلم أو وطئ امرأته أو أمته في
حيض أو نفاس أو دبر أو امرأة على فراشه أو في
منزله أو زفت إليه ولو لم يقل له: هذه امرأتك
ظنها امرأته أو أمته أو ظن أن له أو لولده
فيها شركا أو دعا الضرير امرأته فأجابه غيرها
فوطئها أو وطئ أمته المجوسية أو المرتدة الو
المعتدة أو المزوجة أو في مدة استبرائها أو في
نكاح أو ملك مختلف في صحته كنكاح متعة وبلا
ولي أو بلا شهود ونكاح الشغار والمحلل ونكاح
الأخت في عدة أختها البائن وخامسة في عدة
رابعة بائن ونكاح المجوسية وعقد الفضولي ولو
قبل الإجازة وفي شراء فاسد بعد قبضه ولو اعتقد
تحريمه - فلا حد وتقدم وطء بائع في مدة خيار
يعتقد تحريمه وإن جهل تحريم الزنا لحداثة عهده
بالإسلام أو أنشئه ببادية بعيدة أو تحريم نكاح
باطل إجماعا - فلا حد ولا يسقط الحد بجهل
العقوبة إذا علم التحريم لقضية ما عز وإن
أكرهت المرأة على الزنا أو المفعول به لواطا
قهرا أو بالضرب أو بالمنع من طعام أو شراب
اضطرارا إليه ونحوه فلا حد وإن أكره عليه
الرجل فزنى - حد وعنه لا واختاره الموفق وجمع
وإن أكره على إيلاج ذكره بأصبعه من غير انتشار
أو باشر المكره المكره أو مأموره ذلك فلا حد
وإن وطئ ميتة أو
(4/254)
ملك أمه أو
أخته من الرضاع فوطئها - عزر ولم يحد وإن
اشترى ذات محرمه من النسب ممن يعتق عليه
ووطئها أو وطئ في نكاح مجمع على بطلانه مع
العلم: كنكاح المزوجة والمعتدة ومطلقته ثلاثا
والخامسة وذوات محارمه من النسب والرضاع أو
زنى بحربية مستأمنة أو نكح بنته من الزنا نصا
وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف فيحمل
إذن على معتقد تحريمه أو استأجر امرأة للزنا
أو لغيره فزنى بها أو بامرأة له عليها قصاص أو
بصغيرة يوطأ مثلها أو مجنونة أو بامرأة ثم
تزوجها أو بأمة ثم اشتراها - فعليه الحد وإن
مكنت المكلفة من نفسها مجنونا أو مميزا أو من
لا يحد لجهله أو مكنت حربيا أو مستأمنا أو
أدخلت ذكر نائم فعليها الحد وحدها.
الرابع : ثبوت الزنا، ولا يثبت إلا بأحد
أمرين: أحدهما: أن يقر به أربع مرات في مجلس
أو مجالس وهو مكلف مختار ويصرح بذكر حقيقة
الوطء ولا ينزع عن إقراره حتى يتم الحد فإن
أقر أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد: دونها
كما لو سكتت أو لم تسأل ولا يصح إقرار الصبي
والمجنون ولا من زال عقله بنوم أو شرب دواء
ويحد الأخرس إذا فهمت إضارته وإن أقر بوطء
امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت المرأة
الزوجية ولم تقر بوطئه إياها فلا حد عليه ولا
مهر لها وإن اعترفت بوطئه وأنه زنى بها مطاوعة
فلا مهر ولا حد على واحد منهما: إلا أن تقر
أربع مرات وإن أقرت أنه أكرهها عليه أو اشتبه
عليها فعليه المهر ولو شهد أربعة على إقراره
أربعا بالزنا ثبت الزنا،
(4/255)
يثبت بدون
أربعة، فإن أنكر أو صدقهم دون أربع مرات فلا
حد عليه ولا على الشهود ولو تمت البينة عليه
وأقر على نفسه إقرارا تاما ثم رجع عن إقراره
لم يسقط عنه الحد.
فصل: - الأمر الثاني: أن يشهد عليه ولو ذميا
أربعة رجال مسلمين عدول: أحرار كانوا أو عبيدا
يصفون الزنا بزنا واحد فيقولون: رأيناه مغيبا
ذكره أو حشفته أو قدرها في فرجها كالميل في
المكحلة أو الرشاء في البير ويجوز للشهود أن
ينظروا إلى ذلك منهما لإقامة الشهادة عليهما
ولا يعتبر ذكر مكان الزنا ولا ذكر المزني بها
إن كانت الشهادة على رجل ولا ذكر الزاني إن
كانت الشهادة على امرأة ويكفي إذا شهدوا أنهم
رأوا ذكره في فرجها والتشبيه تأكيد ويشترط أن
يجئ الأربعة في مجلس واحد: سواء جاؤا متفرقين
أو مجتمعين وسواء صدقهم أو لا فإن جاء بعضهم
بعد أن قام الحاكم من مجلسه أو شهد ثلاثة
وامتنع الرابع أو لم يكملها - فهم قذفة:
وعليهم الحد وإن كانوا فساقا أو عميانا أو
بعضهم - فعليهم الحد وإن شهدوا أربعة مستورون
ولم تثبت عدالتهم أو مات أحد الأربعة قبل وصف
الزنا فلا حد عليهم فإن شهد ثلاثة رجال
وامرأتان حد الجميع وإن كان أحد الأربعة زوجا
- حد الثلاثة: لا الزوج إن لاعن وإن شهدوا
أربعة: فإذا المشهود عليه مجبوب أو رتقاء -
حدوا للقذف وإن شهدوا عليها فتبين أنها عذراء
لم تحد هي ولا الرجل ولا الشهود1 وتكفي شهادة
امرأة واحدة بعذرتها وإن شهد اثنان
ـــــــ
1 عدم الحد واضح في جانب المقذوفة والمقذوف
لظهور براءتهما بوجود =
(4/256)
أنه زنى بها في
بيت أو بلد أو يوم واثنان أنه زنى بها في بيت
أو بلد أو يوم آخر أو شهد اثنان أنه زنى
بامرأة بيضاء واثنان أنه زنى بامرأة سوداء -
فهم قذفة لأنهم لم يشهدوا بزنا واحد وعليهم
الحد وإن شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية بيت
صغير عرفا واثنان أنه زنى بها في زاويته
الأخرى أو اثنان أنه زنى بها في قميص أبيض أو
قائمة واثنان في أحمر أو نائمة - كملت
شهادتهم1 وإن كان البيت كبيرا والزاويتان
متباعدان فهم قذفة والقول في الزمان كالقول في
المكان متى كان بينهما زمن متباعد لا يمكن
وجود الفعل الواحد في جميعه كطرفي النهار لم
تكمل شهادتهم فإن تقاربا قبلت وإن شهدا أنه
زنى بها مطاوعة وآخران مكرهة - لم تكمل وحد
شاهدا المطاوعة لقذف المرأة وحد الأربعة لقذف
الرجل وإن شهد أربعة فرجعوا أو بعضهم قبل الحد
- حد الأربعة وإن رجع أحدهم بعد الحكم حد وحده
إذا طالب به قبل موته ولأنه ورث حد القذف يحد
بطلب الورثة وعليه ربع ما تلف بشهادتهم2،
ويأتي في الرجوع عن الشهادة وإذا ثبت الشهادة
بالزنا فصدقهم المشهور عليه لم يسقط
ـــــــ
= البكارة وأما بجانب الشهود فقد يتبادر رجحان
حدهم، ولكنهم عللوا عدمه باحتمال أن يكون
الزنا قد حصل كما شهدوا ثم عادت البكارة؛ وهذه
شبهة تكفي في إسقاط الحد عملا بقوله صلى الله
عليه وسلم: "ادرأوا الحدود بالشبهات ما
استطعتم" .
1 وحيث اعتبرت الشهادة كاملة أقيم الحد،
واختلافهم في تعيين القميص أو الجهة أو كونها
قائمة أو نائمة لا يحبط شهادتهم، لاحتمال أن
يكون الزنا في مبدئه كان على حالة وفي منتهاه
كمان على الحالة الثانية.
2 قوله: وعليه، يريد به وعلى ذلك الراجح الذي
حد.
(4/257)
الحد1 وإن شهد
شاهدان واعترف هو مرتين لم تكمل البينة ولم
يجب الحد فإن كملت البينة ثم مات الشهود أو
غابوا - جاز الحكم بها وإقامة الحد: وإن شهدوا
بزنا قديم أو أقر به وجب الحد وتجوز الشهادة
بالحد من غير مدع وإن شهد أربعة أنه زنى
بامرأة وشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم
الزناة - لم يحد المشهود عليه ويحد الأولون
للقذف وللزنا وكل زنا من مسلم أو ذمي أوجب
الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود ويدخل في
اللواط ووطء المرأة في دبرها وإن أوجب
التعزير: كوطء البهيمة والأمة المشركة
والمزوجة - قبل فيه رجلان كشهود المباشرة دون
الفرج ونحوها وإن حملت امرأة لا زوج لها لا
سيد لم تحد بمجرد ذلك وتسئل استحبابا: فإن
ادعت أنها أكرهت أو وطئت بشبهة أو لم تعترف
بالزنا - لم تحد ويستحب للإمام أو الحاكم الذي
يثبت عنده الحد بالإقرار التعريض للمقر
بالرجوع إذا تم والوقوف2 ولا بأس أن يعرض له
بعض الحاضرين بالرجوع أو بألا يقر ويكره لمن
علم بحاله أن يحثه على الإقرار3.
ـــــــ
1 قوله: لم يسقط الحد - يريد به لم يسقط عن
الزاني اعتبار للشهادة فلا يعدل عنها على
تكملة الإقرار خلافا لمن يقول بطلت الشهادة،
ويرجع إلى تكملة لأنه الأصل.
2 معنى الوقوف. التوقف عن الإقرار قبل إتمامه.
3 وإنما استحب ذلك التعريض لما فعله النبي صلى
الله عليه وسلم مع ماعز حين أقر بين يديه
بالزنا. إذا كان يصرف وجهه عن ناحية ما عز
كراهة سماع الإقرار منه حتى تكرر أربع مرات
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعلك قبلت،
لعلك لمست" . والحكمة في استحباب ذلك عدم شيوع
الفاحشة بين المسلمين.
(4/258)
باب القذف
مدخل
...
باب القذف
وهو: الرمي بزنا أو لواط أو شهادة به عليه ولم
تكمل البينة وهو كبيرة.
من قذف ولو أخرس بإشارة مفهومة ولو في غير دار
الإسلام، وهو1 مكلف مختار محصن ولو ذات محرم
أو مجبوبا أو خصيا أو مريضا مدنفا أو رتقاء أو
قرناء - حد حر ثمانين جلدة وقن ولو عتق قبل
حده أربعين ومعتق بعضه بحسابه سوى أبويه وإن
علوا فلا يحدان بقذف ولد وإن نزل: كقود ولا
يحدان له فإن قذف أم ابنه وهي أجنبية منه
فماتت قبل استيفاؤه فله إذا ماتت بعد -
المطالبة ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه
وأمهاته وإن علوا ويحد بقذف على وجه الغيرة
ويشترط لإقامة الحد - مطالبة المقذوف -
واستدامة الطلب إلى إقامته: بألا يعفو - وألا
يأتي القاذف ببينة ما قذفه به - وألا يصدقه
المقذوف - وألا يلا عن القاذف إن كان زوجا وهو
حق الآدمي ولا يستحلف فيه ولا يقبل رجوعه عنه2
ويسقط بعفو المقذوف فقط وليس للمقذوف استيفاء
بنفسه وقذف غير المحصن:
ـــــــ
1 مرجع الضمير. القاذف.
2 لا يستحلف فيه المنكر مع كونه حق آدمي لأنه
ليس من الحقوق المالية ولا تعلق له بها، ولا
يقبل رجوع القاذف بخلاف حد الزنا لأن الثاني
حق الله تعالى.
(4/259)
كمشرك وذمي وقن
ولو كان القاذف سيده ومسلم له دون عشر سنين
ومسلمة لها دون تسع سنين ومن ليس بعفيف - يوجب
التعزير فقط وحق طلب تعزير القن إذا قذف - له:
لا لسيده والمحصن هنا هو: الحر المسلم العاقل
الذي يجامع مثله العفيف عن الزنا ظاهرا ولو
ثائبا من زنا أو ملاعنة وولدها وولد زنا:
كغيرها فيحد من قذفها ومن ثبت زناه منهما أو
من غيرهما ببينة أو شهد به شاهدان أو أقر به
ولو دون أربع مرات أو حد للزنا - فلا حد على
قاذفة ويعزر ولو قال لمن زنى في شركه أو كان
مجوسيا تزوج بذات محرم بعد أن أسلم: يا زاني -
فلا حد عليه إذا فسره بذلك ويعزر ولا يشترط في
المقذوف البلوغ بل يكون مثله يطأ أو يوطأ:
كابن عشر وابنة تسع ولا يقام عليه الحد حتى
يبلغ المقذوف ويطالب به بعد بلوغه وليس لوليه
المطالبة عنه وكذا لو جن المقذوف أو أغمى عليه
قبل الطلب وإن كان بعده أقيم: كما لو وكل في
استيفاء القصاص ثم جن أو أغمى عليه وإن قذف
غائبا اعتبر قدومه وطلبه: إلا أن يثبت أنه
طالبه في غيبته فيحد وإن كان القاذف مجنونا أو
مبرسما أو نائما أو صغيرا - فلا حد عليه بخلاف
السكران وإن قال لحرة مسلمة: زنيت وأنت صغيرة
وفسره بصغر عن تسع - لم يحد ويعزر وكذلك إن
قذف صغيرا له دون عشر سنين وإن فسره بتسع
فأكثر من عمرها أو بعشر فأكثر من عمره - حد
وإن قال القاذف للمقذوف: كنت أنت صغيرا حين
قذفتك فقال: بل كبيرا فالقول قول القاذف وإن
أقام
(4/260)
فصل: - والقذف محرم: إلا في موضعين:
-
أحدهما : أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها
فيه فيعتزلها ثم تلد ما يمكن أنه من الزنى -
فيجب عليه قذفها ونفي ولدها - وفي المحرر
وغيره وكذا لو وطئها في طهر زنت فيه وظن أن
الولد من الزاني وفي الترغيب نفيه محرم مع
التردد: - والثاني : أن يراها تزني ولم تلد ما
يلزم نفيه أو يستفيض زناها في الناس أو أخبره
به ثقة أو يرى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها
زاد في الترغيب خلوة - فيباح قذفها ولا يجب
وفراقها أولى
(4/261)
من قذفها وإن
أتت بولد يخالف لونه لونهما أو يشبه رجلا غير
والديه - لم يبح نفيه بذلك: ما لم تكن قرينة
وإن كان يعزل عنها لم يبح له نفيه ولا يجوز
قذفها بخبر من لا يوثق بخبره ولا برؤيته رجلا
خارجا من عندها من غير أن يستفيض زناها مع
قرينة.
(4/262)
فصل: - وصريح القذف ما لا يحتمل غيره:
نحو يا زان يا عاهر زنى فرجك بالوطء1 يا معفوج
يا منيوك قد زنيت أو أنت أزنى الناس: فتح
التاء أو كسرها للذكر والأنثى في قوله: زنيت
أو أنت أزنى من فلانة يحد للمخاطب وليس بقاذف
لفلانة2 أو قال لرجل: يا زانية أو يا نسمة
زانية ولامرأة يا زان أو يا شخصا زانيا أو
قذفها أنها وطئت في دبرها أو قذف رجلا بوطء
امرأة في دبرها أو قال لها يا منيوكة إن لم
يفسره بفعل زوج أو سيد إذا كان القذف بعد
حريتها وفسره بفعل السيد قبل العتق ولا يقبل
قوله بما يحيله: ويحد فإن قال: أردت زاني
العين أو عاهر اليد أو يا لوطي إنك من قوم لوط
أو تعمل عمل قوم لوط: غير إتيان الذكور ونحوه
- لم يقبل وكل ما لا يجب الحد بفعله لا يجب
على القاذف به كوطء البهيمة والمباشرة دون
الفرج والوطء بالشبهة وقذف المرأة بالمساحقة
أو بالوطء مكرهة والقذف باللمس والنظر وقوله:
لست لأبيك أو لست بولد فلان قذف لأمه: إلا أن
يكون منفيا بلعان لم يستحلفه أبوه ولم يفسره
بزنا أمه وكذا إن نفاه عن قبيلته أو قال: يا
ابن الزانية وإن نفاه عن أمه أو قال: إن لم
تفعل
ـــــــ
1 العفج بمعنى النكاح.
2 مراده بفلانة – المذكورة مع صيغة التفصيل في
قوله. أنت أزنى من فلانة.
(4/262)
كذا فلست بابن
فلان أو رمى بحجر فقال: من رماني فهو ابن
الزانية ولم يعرف الرامي أو اختلف اثنان في
شيء فقال أحدهما: الكاذب ابن الزانية فلا حد
وإن كان يعرف الرامي فقاذف وإن قال لولده: لست
بولدي فهو كناية في قذف أمه يقبل تفسيره بما
يحتمله وزنأت في الجبل مهموزا - صريح ولو زاد
في الجبل أو عرف العربية كما لو لم يقل في
الجبل أو لحن لحنا غير هذا وإن قال لرجل: زنيت
بفلانة أو قال لها: زنى بك فلان أو يا ابن
الزانيين كان قاذفا لهما بكلمة واحدة وإن قال:
يا ناكح أمه وهي حية فعليه حدان نصا ويا زاني
ابن الزاني كذلك إن كان أبوه حيا وإن أقر أنه
زنى بامرأة فهو قاذف لها ولو لم يلزمه حد
الزنا بإقراره.
(4/263)
فصل: - وكنايته والتعريض
نحو:
زنت يداك أو رجلاك أو يدك أو رجلك أو بدنك
ونحو قوله لامرأة رجل: قد فضحته وغطيت أو نكست
رأسه وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من
غيره وأفسدت فراشه أو يقول لمن يخاصمه: يا
حلال ابن الحلال ما يعير كل الناس بالزنا أو
يا فاجرة يا قحبة أو يا خبيثة أو يقول لعربي
يا نبطي أو يا فارسي أو يا رومي أو يقول
لأحدهم: يا عربي أو قال ما أنا بزان أو ما أمي
زانية أو يا خنيث بالنون أو يا عفيف يا نظيف
أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول: صدقت أو صدقت
فيما قلت أو أخبرني أو أشهدني فلان أنك زنيت
وكذبه فلان أو قال: يا ولد الزنا قال في
الرعاية: أو قال لها لم أجدك عذراء وفي
الكافي: يا ولد الزنا قاذف
(4/263)
لأمه فهذه
كناية: إن فسره بالزنا فهو قذف وإن فسره بما
يحتمله غير القذف قبل مع يمينه وعزر وإن كان
نوى الزنا بالكناية لزمه الحد باطنا ويلزمه
إظهار نية ويعزر بقوله: يا كافر يا منافق يا
سارق يا أعور يا أفطع يا أعمى يا مقعد يا ابن
الزمن الأعمى الأعرج يا نمام يا حروري يا
مرائي يا مرابي يا فاسق يا فاجر يا حمار يا
تيس يا رافضي يا خبيث البطن أو الفرج يا عدو
الله يا جائر يا شارب الخمر يا كذاب يا كاذب
يا ظالم يا خائن يا مخنث يا مأبون أي: معيوب
زنت عينك يا قرنان يا قواد يا معرص يا عرصة
ونحوهما: يا ديوث يا كشحان يا قرطبان يا علق
يا سوس ونحو ذلك.
(4/264)
فصل: - وإن قذف أهل بلد أو جماعة لا يتصور
الزنا من جميعهم عادة - لم يحد وعزر:
كسبهم بغيره ولو لم يطلبه أحد منهم وإن قال
لامرأته: يا زانية فقالت بك زنيت - لم تكن
قاذفة وسقط عنه الحد بتصديقها ولا يجب عليها
حدا لقذف لأنه يمكن الزنا منها به من غير أن
يكون زانيا: بأن يكون قد وطئها بشبهة ولا يجب
عليا حد الزنا لأنها لم تقر أربع مرات ومن قذف
له موروث حي محجور عليه أولا أما: كان أو
غيرها - لم يكن له أن يطالب في حياته بموجب
قذفه فإن مات وقد طالب به صار للوارث بصفة ما
كان للموروث اعتبارا بإحصانه1 وإن قذف ميت:
محصن أولا ولو من غير أمهات
ـــــــ
1 إنما اشترط في انتقال استحقاق الحد إلى
الوارث أن يكون الموروث طلبه قبل موته لأن
الحد من الحقوق فلا يملكه الوارث إلا إذا طلبه
مورثه. ولما كان انتقال الحد للوارث لأن القذف
قدح في نسبه اشترط أحصان الوارث، وهذا معنى
قول المصنف. اعتبارا بإحصانه، وإن لم يكن
محصنا فليس إلا التعزير كما تقدم، وكما وضحه
عقب ذلك.
(4/264)
الوارث - حد
قاذف بطلب وارث محصن خاصة وإن كان الوارث غير
محصن فلا حد وثبت حد قذف الميت والقذف الموروث
لجميع الورثة حتى الزوجين وإن عفا بعضهم حد
للباقي كاملا ومن قذف النبي صلى الله عليه
وسلم أو أمه - كفر وقتل ولو تاب نصا أو كان
كافرا ملتزما فأسلم: لا أن سبه بغير القذف ثم
أسلم - وتقدم آخر باب أحكام الذمة وكذا كل أم
نبي غير نبينا قاله ابن عبدوس في تذكرته ولعله
مراد غيره وإن قذف جماعة يتصور منهم الزنا
عادة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا ولو
متفرقين أو واحد منهم فيحد لمن طلب ثم لا حد
بعده وإن أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة
واستيفاؤه وسقط حق العافي وإن كان بكلمات حد
لكل واحد حدا ومن حد لقذف ثم أعاده أو بعد
لعانه لم يعد عليه الحد ويعزر ولا لعان وإن
قذفه بزنا آخر حد مع طول الزمن وإلا فلا وإن
قذف رجلا ممرات بزنا أو زنيات ولم يحد - فحد
واحد.
(4/265)
فصل: - تجب التوبة من القذف والغيبة وغيرهما
ولا يشترط لصحتها من ذلك إعلامه1 ولأن في
إعلامه دخول غم عليه وزيادة إيذاء وقال القاضي
والشيخ عبد القادر: يحرم إعلامه وقيل: إن علم
به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه
وذكره الشيخ
ـــــــ
1 يريد لا يشترط في التوبة من الغيبة مثلا
إعلام المغتاب أو المقذوف مما تحدث به شأنه.
(4/265)
عن أكثر
العلماء، وقال: وعلى الصحيح من الروايتين لا
يجب الاعتراف ولو سأله فيعرض ولو مع استحلافه
لأنه مظلوم لصحة توبته ومع عدم التوبة
والإحسان - تعريضه كذب ويمينه غموس1 قال:
واختار أصحابنا لا يعلمه بل يدعو له في مقابلة
مظلمته وقال: ومن هذا الباب قول النبي صلى
الله عليه وسلم: " أيما مسلم شتمته أو سببته
فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك
يوم القيامة" وقال أيضا: "زناه بزوجة غيره
كالغيبة" ولو أعلمه بما فعل ولم يبينه فحاله
فهو كإبراء منه وفي الغنية: لا يكفي الاستحلال
المبهم فإن تعذر فيكثر الحسنات ولو رضى أن
يشتم أو يغتاب أو يجنى عليه ونحوه لم يبح ذلك
ويأتي لذلك تتمة في باب شروط من تقبل شهادته.
ـــــــ
1 حاصل هذه الفقرة أنه لو سب إنسان غيره ظلما
فله أن يتوب من غير اشتراط إعلامه وذلك كما
تقدم، وقيل إذا وصل إلى علم المظلوم ما حدث في
شأنه فيجب إعلامه بمعنى الاعتذار إليه حتى تصح
التوبة، وإن لم يصل إليه دعا واستغفر له
المتحدث في شأنه، وإذا استحلف المظلوم من وقع
في شأنه كان للثاني أن يعرض في يمينه وقول
المصنف لأنه مظلوم – تعليل لحق الاستحلاف،
وقوله: لصحة توبته – تعليل لجواز التعريض على
سبيل اللف والنشر والله أعلم.
(4/266)
باب حد السكر
مدخل
...
باب حد السكر
كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان
ويسمى خمرا ولا يجوز شربه للذة ولا لتداو ولا
عطش - بخلاف ماء تجس ولا غيره إلا لمكره أو
مضطر إليه لدفع لقمة غص بها وليس عنده ما
يسيغها ويقدم عليه بول ويقدم عليهما ماء نجس -
وفي المغني
(4/266)
وغيره: إن
شربها لعطش فإن كانت ممزوجة بما يروى من العطش
أبيحت لدفعه عند الضرورة وإن شربها صرفا أو
ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش لم تبح
وعليه الحد - انتهى وإذا شربه الحر المسلم
المكلف مختارا عالما أن كثيره يسكر: سواء كان
من عصير العنب أو غيره من المسكرات قليلا كان
أو كثيرا ولو لم يسكر الشارب فعليه الحد:
ثمانون جلدة والرقيق أربعون ولا حدج ولا إثم
على مكره على شربها سواء أكره بالوعيد أو
بالضرب أو ألجئ إلى شربها: بأن يفتح فوه وصب
فيه وصبره على الأذى أولى من شربها وكذا كل ما
جاز فعله لمكره ولا على جاهل تحريمها فلو ادعى
الجهل مع نشئه بين المسلمين لم يقبل ولا نقبل
دعوى الجهل بالحد ويحد من احتقن به أو استعط
أو تمضمض به فوصل إلى حلقه أو أكل عجينا لت به
فإن خبز العجين فأكل من خبزه لم يحد وإن ثرد
في الخمر أو اضطبع به أو طبخ به لحما فأكل من
مرقه - حد ولو خلطه بماء فاستهلك فيه ثم شربه
أو داوى به جرحه لم يحد ولا يحد ذمي ولا
مستأمن بشربه ولو رضى بحكمنا لأنه يعتقد حله
ويثبت شربه بإقراره مرة: كقذف ولو لم توجد منه
رائحة أو شهادة رجلين عدلين يشهدان أنه شرب
مسكرا ولا يحتاجان إلى بيان نوعه ولا أنه شربه
مختارا عالما أنه مسكر ولا يحد بوجود رائحة
منه لكن يعزر حاضر شربها ومتى رجع عن إقراره -
قبل رجوعه: كسائر الحدود: غير القذف1 ولو وجد
ـــــــ
1 الرجوع عن الإقرار مسقط للحد في حقوق الله
تعالى كحد الشرب والقطع في السرقة لا في حقوق
الآدميين كالقذف على ما يأتي إن شاء الله
تعالى.
(4/267)
سكران أو
تقيأها - حد وإذا أتى على عصير ثلاثة أيام
بلياليهن - جرم ولو لم يوجد منه غليان: إلا أن
يغلي قبل ذلك فيحرم ولو طبخ قبل التحريم - حل
إن ذهب ثلثاه نصا وقال الموفق و الشارح
وغيرهما الاعتبار في حله عدم الإسكار سواء ذهب
بطبخه ثلثاه أو أقل أو أكثر والنبيذ مباح: ما
لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام وهو: ما يلقى
فيه تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو به الماء
وتذهب ملوحته فإن طبخ قبل غليانه حتى صار غير
مسكر: كرب الخروب وغيره فلا بأس وجعل أحمد وضع
زبيب في خردل كعصير وأنه إن صب عليه خل - أكل
وإن غلا عنب وهو عنب فلا بأس به نصا ولا يكره
الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والمقير
كغيرها1 ويكره الخليطان وهو أن ينتبذ عنبين
كتمر وزبيب أو وبسر أو مذنب وحده: ما لم يغل
أو تأت عليه ثلاثة أيام ولنبيذ كل واحد وحده
ولا بأس بالفقاع والخمرة إذا فسدت خلا لم تحل
وإن قلب الله عينها فصارت خلا فهي حلال وتقدم
في باب إزالة النجاسة.
ـــــــ
1 يريد: لا يكره جعل النبيذ في أناء من القرع
اليابس أو إناء مطلي بالزفت أو القطران.
(4/268)
باب التعزير
وهو التأديب وهو واجب في كل معصية لا حد فيها
ولا كفارة: كاستمتاع لا يوجب الحد وإتيان
المرأة المرأة واليمين الغموس لأنه لا كفارة
فيها وكدعاء عليه ولعنه وليس لمن لعن ردها
وكسرقة ما لا قطع فيه وجناية لا قصاص فيها
والقذف بغير الزنا ونحوه،
(4/268)
وكنهب وغصب
واختلاس وسب صحابي وغير ذلك ويأتي في باب
المرتد سب الصحابي بأتم من هذا وتقدم في باب
القذف جملة من ذلك فيعزر فيها المكلف وجوبا
وتقدم قول صاحب الروضة: إذا زنى ابن عشر أو
بنت تسع عزرا وقال الشيخ لا نزاع بين العلماء
إن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على
الفاحشة تعزيرا بليغا وكذا المجنون يضرب على
ما فعل لنزجر لكن لا عقوبة بقتل أو قطع وفي
الرعاية الصغرى وغيرها: ما أوجب حدا على مكلف
عزر به المميز كالقذف انتهى وإن ظلم صبي صبيا
أو مجنون مجنونا أو بهيمة بهيمة اقتص للمظلوم
من الظالم وإن لم يكن في ذلك زجر: لكن لاقتصاص
المظلوم وأخذ حقه وتقدم تأديب الصبي على
الطهارة والصلاة وذلك ليتعود وكتأديبه على خط
وقراءة وصناعة وشبهها قال القاضي ومن تبعه:
إلا إذا شتم نفسه أو سبها فإنه لا يعزر وقال
في الأحكام السلطانية: إذا تشاتم والد وولده
لم يعزر الوالد لحق ولده ويعزر الولد لحقه ولا
يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد ولا يحتاج
التعزير إلى مطالبة في هذه1 وإن تشاتما غيرهما
عزر - قال الشيخ: ومن غضب فقال: ما نحن
مسلمون: إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا جرح
فيه ولا عقوبة انتهى ويعزر بعشرين سوطا بشرب
مسكر في نهار رمضان بفطره كما يدل عليه
تعليلهم مع الحد فيجتمع الحد والتعزير في هذه
الصورة ولو توجه عليه تعزيرات على معاص شتى:
فإن تمحضت
ـــــــ
1 يعني أن أقامة التعزير فيما عدا مسئلة
الوالد وولده لا تتوقف على طلب من أقيم لأجله
بل للإمام الحق في تنفيذه لأنه للتأديب فكان
من الحقوق الدينية، وقوله بعد: وإن تشاتم
غيرهما - يريد به غير الوالد وولده: كالجد مع
ابن ابنه، أو الخال أو الأخ الخ.
(4/269)
لله واتحد
نوعها، أو اختلف - تداخلت وإن كانت لآدمي
وتعددت: كان سبه مرات ولو اختلف نوعها أو تعدد
المستحق كسب أهل بلد فكذلك ومن وطئ أمة امرأته
فعليه الحد إلا أن تكون أحلتها له فيجلد مائة
ولا يرجم ولا يغرب إن أولدها لم يلحقه نسبه
ولا يسقط الحد بالإباحة في غير هذا الموضع ولا
يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا
الموضع: إلا إذا وطئ جارية مشتركة فيعزر بمائة
إلا سوطا وعنه ما كان سببه الوطء كوطئه جاريته
المزوجة وجارية ولده أو أحد أبويه والمحرمة
برضاع ووطء ميتة ونحوه عالما بتحريمه: إذا
قلنا لا يحد فيهن - يعزر بمائة والعبد بخمسين
إلا سوطا واختاره جماعة وكذا لو وجد مع امرأته
رجلا1 ويجوز نقص التعزير عن عشر جلدات إذ ليس
أقله مقدرا فيرجع إلى اجتهاد الإمام والحاكم
فيما يراه وما يقتضيه حال الشخص ولا يجرد
للضرب بل يكون عليه القميص والقميصان كالحد
وذكر ابن الصيرفي أن من صلى في الأوقات المنهي
عنها يضرب ثلاث ضربات ويكون بالضرب والحبس
والصفع والتوبيخ والعزل عن الولاية وإن رأى
الإمام العفو عنه جاز ولا يجوز قطع شيء منه
ولا جرحه ولا أخذ شيء من ماله قال الشيخ: وقد
يكون التعزير بالنيل من عرضه: مثل أن يقال له:
يا ظالم يا معتدي وبإقامته من المجلس وقال
التعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا وقول أبي
محمد المقدسي: لا يجوز أخذ ماله منه - إلى ما
يفعله الحكام الظلمة والتعزير يكون على فعل
ـــــــ
1 بريد أن ذلك الرجل الذي وجد مع الزوجة ولم
يكن زنى بها يجلد مائة جلدة.
(4/270)
فصل: - ولا يجوز للجذماء مخالطة الأصحاء عموما
ولا مخالطة أحد معين صحيح إلا بإذنه
وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن
يسكنوا في مكان منفرد لهم وجوز ابن عقيل قتل
مسلم جاسوس لكفار وعند القاضي يعنف ذو الهيئة
ويعزر غيره وفي الفنون: للسلطان سلوك السياسة
وهي الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق
به الشرع قال الشيخ: وقوله الله أكبر -
كالدعاء عليه1 ومن دعي عليه ظلما فله أن يدعو
على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو أخزاك الله
أو لعنك الله أو شتمه بغير فرية نحو: يا كلب
يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك أو تعزيره
ومقتضى كلامه في موضع آخر أنه لا يلعن كما
تقدم وإذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم
لم يكن له أن يفسد دينه لكن له أن يدعو عليه
بما يفسد به دينه مثل ما فعل وكذا لو افترى
عليه الكذب لم يكن له أن يفتري
ـــــــ
1 معنى ذلك – أن يقول إنسان الله أكبر على
فلان فهذا يعتبر كالدعاء الموجب للتعزير وقوله
بعد، بغير فرية – يعني بغير كذب يعد قذفا.
(4/272)
عليه الكذب لكن
له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب
نظير ما افتراه وإن كان هذا الافتراء محرما
لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم يقبح
منه ولا ظلم فيه وقال: وإذا كان له أن يستعين
بمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه
أولى بالجواز – انتهى.
وقال أحمد: الدعاء قصاص وقال: فمن دعا - فما
صبر1.
ـــــــ
1 يشير بذلك إلى أنه بهذا يكون ترك الأفضل
المطلوب على وجه الاستحباب في قوله تعالى:
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ
لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} .
(4/273)
فصل: - والقوادة التي تفسد النساء والرجال -
أقل ما يجب عليها الضرب البليغ
وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في النساء
والرجال وإذا أركبت دابة وضمت عليها ثيابها
ونودي عليها: هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان
من أعظم المصالح قاله الشيخ وقال لولي الأمر:
كصاحب الشرطة أن يعرف ضررها إما بحبسها أو
بنقلها عن الجيران أو غير ذلك قال سكنى المرأة
بين الرجال والرجال بين النساء - يمنع منه لحق
الله تعالى ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
العزب أن يسكن بين المتأهلين والمتأهل أن يسكن
بين العزاب ونفى شابا خاف به الفتنة من
المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنفي
المخنثين من البيوت وقال: يعزر من يمسك الحية
ويدخل النار ونحوه وكذا من ينقص مسلما بأنه
مسلماني مع حسن إسلامه وكذا من قال لذمي: يا
حاج أو سمى من زار القبور والمشاهد حاجا: إلا
أن يسمى ذلك حجا يفند حج الكفار والضالين وإذا
ظهر كذب المدعي في دعواه يؤذى به المدعى عليه
عزر لكذبه وأذاه
(4/273)
باب القطع في
السرقة
مدخل
...
باب القطع في
السرقة
وهي: أخذ مال محترم لغيره وإخراجه من حرز مثله
لا شبهة فيه على وجه الاختفاء فلا قطع على
منتهب ولا مختلس والاختلاس نوع من الخطف
والنهب ولا على غاصب ولا خائن في وديعة أو
عارية أو نحوهما ولا جاحد وديعة ولا غيرها من
الأمانات: إلا العارية فيقطع بجحدها وبسرقة
ملح وتراب وأحجار ولبن وكلأ وسرجين طاهر وثلج
وصيد وفاكهة وطبيخ وذهب وفضة ومتاع وخشب وقصب
ونورة وجص وزرنيخ وفخار وتوابل وزجاج.
ويشترط في قطع سارق - أن يكون مكلفا - مختارا
- وأن يكون المسروق مالا - محترما - عالما به
وبتحريمه - من مالكه أو نائبه ولو من غلة وقف
وليس من مستحقيه1 ويقطع الطرار سرا: وهو الذي
يسرق نصابا من جيب إنسان أو كمه أو صفنه وسواء
بسط ما أخذ منه المسروق أو قطع الصفن2 فأخذه
أو أدخل يده في الجيب فأخذ ما فيه أو بعد
سقوطه ويقطع بسرقة العبد الصغير الذي لا يميز
فإن كان كبيرا لم يقطع سارقه: إلا أن يكون
نائما أو مجنونا أو
ـــــــ
1 كذلك يشترط في القطع بالسرقة: كون المسروق
نصابا. وإن يخرجه السارق من حرز مثله وعدم
شبهة الملك، وثبوت السرقة بالشهود أو الإقرار،
وإن يطالب المسروق منه بماله وستأتي هذه
الشروط مفصلة.
2 بسط الثوب أو الجرح بمعنى شقة. والصفن بفتح
الصاد وتسكين الفاء: الخريطة التي توضع فيها
النقود وما في معناها.
(4/274)
أعجميا لا يميز
بين سيده وغيره في الطاعة لا بسرقة مكاتب وأم
ولد ويقطع بسرقة مال المكاتب: إلا أن يكون
السارق سيده ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا
ولا بما عليه من حلي وثياب ولا بسرقة مصحف ولا
بما عليه من حلي ولا بكتب بدع وتصاوير ولا
بآلة لهو كطنبور ومزمار وشبابة وإن بلغت قيمته
مفصلا نصابا1 ولا بما عليها من حلي ولا بمحرم
كخمر وخنزير وميتة: سواء سرقه من مسلم أو كافر
ولا بسرقة صليب أو صنم من ذهب أو فضة ولا آنية
فيها خمر أو ماء ولا بسرقة ماء وسرجين نجس
ويقطع بسرقة إناء نقد تبلغ قيمته مكسرا نصابا
وبسرقة دراهم أو دنانير فيها تماثيل وسائر كتب
العلوم الشرعية وعين موقوفة على معين وإناء
معد لخل ولخمر ووضعه فيه كسكين معد لذبح
الخنازير وسيف حد لقطع الطريق2 وإن سرق منديلا
قيمته دون نصاب فين طرفه دينار مشدود يعلم به
- قطع وإلا فلا.
ـــــــ
1 آلة اللهو لا قيمة لها شرعا مهما بلغت
تكاليفها ولذلك قال: وإن بلغت قيمته مفصلا
يعني على فرض أنه غير متماسك الأجزاء قبل أن
يكون على هيئته المحرمة.
2 يعني أن وضع الخمر في الإناء لا يفقده
ماليته: كما أن إعداد السيف لقطع الطريق وإن
كان محرما لا يخرجه عن كونه متمولا ذا قيمة.
(4/275)
فصل: - ويشترط أن يكون المسروق نصابا
وهو: ثمانية دراهم أو ربع دينار أي مثقال أو
عرض - قيمته: كأحدهما وتعتبر قيمته حال إخراجه
من الحزر فإن كان في النقد غش لم يجب القطع
حتى يبلغ ما فيه من النقد الخالص نصابا وساء
كان النقد مضروبا،
(4/275)
أو تبرا أو
حليا أو مكسرا ويضم أحد النقدين إلى الآخر
بالأجزاء في تكميل النصاب وإن سرق عرضا قيمته
نصاب ثم نقصت قيمته بعد إخراجه: قبل الحكم أو
بعده قطع وإن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما بعد
إخراجه من الحرز وبعد رفعه إلى الحاكم قطع: لا
قبل رفعه لتعذر شرط القطع وهو الطلب وإن وجدت
السرقة ناقصة ولم يعلمه هل كانت ناقصة حين
السرقة أو بعدها لم يقطع وإن دخل الحرز فذبح
منه شاة أو شق ثوبا قيمته كل منهما نصاب فنقصت
عن النصاب ثم أخرجهما ناقصتين أو أتلفهما أو
غيرهما فيه وقيمتهما نصاب: بأكل أو غيره لم
يقطع وإذا ذبح السارق المسروق - حل وإن سرق
فرد خف قيمته منفردا درهم ومع الآخر أربعة لم
يقطع وإن أتلفه لزمه ستة1 وكذا الحكم لو سرق
جزءا من ثياب ونظائره وإن اشترك جماعة في سرقة
نصاب واحد فأكثر - قطعوا: سواء أخرجوه جملة
كثقيل اشتركوا في حمله أو أخرج كل واحد جزءا:
دخلوا الحرز معا أو دخل أحدهم فأخرج بعض
النصاب ثم دخل الباقون فأخرجوا باقيه فإن كان
فيهم من لا قطع عليه لشبهة أو غيرها: كأبى
المسروق منه قطع الباقون وإن اعترف اثنان
بسرقة نصاب ولم يقر الآخر ولو سرق لجماعة
نصابا - قطع وإن هتك اثنان حرزا فدخلاه فأخرج
أحدهما نصابا وحده أو دخل أحدهما فقدمه إلى
باب النقب أو وضعه في النقب وأدخل الآخر يده
فأخرجه - قطعا وإن دخلا دارا وأحدهما في سفلها
جمع
ـــــــ
1 من هذه الستة درهمان قيمة الفرد التالف،
وأربعة: أرش التفريق.
(4/276)
المتاع وشده
بحبل والآخر في علوها مد الحبل فرمى به وراء
الدار قطعا وإن رماه الداخل إلى خارج أو ناوله
فأخذه الآخر أولا أو أعاده فيه أحدهما - قطع
الداخل وحده وإن اشتركا في النقب وإن نقب
أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ولو
تواطأ.
(4/277)
فصل: - ويشترط أن يخرجه من الحرز
فإن وجد حرزا مهتوكا أو بابا مفتوحا فأخذ منه
فلا قطع وإن هتك الحرز فابتلع فيه جوهرا أو
ذهبا فخرج به ولو لم يخرج منه ما ابتلعه1 أو
نقب وترك المتاع على بهيمة فخرجت به ولو لم
يسقها أو في ماء جار فأخرجه أو راكد ففتحه
فأخرجه أو على جدار أو في الهواء فأطارته
الريح أو أمر صغيرا أو معتوها أن يخرجه ففعل
أو رمى به خارجا أو جذبه بشيء أو استتبع سخل
شاة أو فصيل ناقة أو غيرهما: مثل أن يشتري
الأم والسخل على ملك الغير في حرز فيأتي بالأم
إلى مكان السخل ويريه أمه حتى يتبعها وكذلك
العكس أن يأتي مكان أمه وهي في حرز مالكها حتى
يستتبع الأم سخلها: بأن يبعثه عليها حتى تتبعه
- قطع: إلا أن يتبعها من غير استتباع وأن تطيب
في الحرز بما لو اجتمع بعد تطييبه وخروجه من
الحرز لبلغ نصابا أو هتك الحرز وأخذ المال
وقتا آخر أو أخذ بعضه ثم أخذ بقيته وقرب ما
بينهما أو فتح أسفل كوارة فخرج العسل شيئا
فشيئا أو أخرجه إلى ساحة دار أو خان من بيت
مغلق من الدار أو الخان: فتحه أو نقبه أو
احتلب لبنا من ماشية في الحرز وأخرجه - قطع
فإن شرب اللبن
ـــــــ
1 يعني ولو لم يقدر على إخراج المسروق الذي
ابتلعه من جوفه مثلا.
(4/277)
في الحرز، أو
شرب منه فانتقص النصاب أو ترك المتاع في ماء
راكد فانفتح من غير فعله فخرج به أو أخرج
النصاب في مرتين وبعد ما بينهما: مثل أن كانا
في ليلتين أو ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة أو
علم قردا أو نحوه السرقة فسرق - لم يقطع وعليه
الضمان وإن جر خشبة فألقاها بعد أن أخرج بعضها
من الحرز فلا قطع عليه: سواء أخرج منها ما
يساوي نصابا أو لا لأن بعضها لا ينفرد عن بعض
وكذلك لو أمسك الغاصب طرف عمامته والطرف الآخر
في يد مالكها لم يضمنها وكذلك لو سرق ثوبا أو
عمامة فأخرج بعضها.
(4/278)
فصل: - وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه
ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان
وجوره وقوته وضعفه فحرز الأثمان والجواهر
والقماش في الدور والدكاكين في العمران - وراء
الأبواب والأغلاق الوثيقة والصندوق في السوق
حرز وثم حارس وإلا فلا فإن لم تكن الأبواب
مغلقة ولا فيها حافظ فليست حرزا وإن كان فيها
خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها وما خرج
عنها فليس بمحرز وأما البيوت التي في البساتين
والطرق والصحراء: فإن لم يكن فيها أحد فليست
حرزا: مغلقة كانت أو مفتوحة فإن كان بها نائم
وهي مغلقة فهي حرز وإلا فلا وكذا خيمة خركات
ونحوها وإن كان لابسا ثوبا أو متوسدا له:
نائما أو مستيقظا أو مفترشا أو متكئا عليه في
أي موضع كان من بلد أو برية أو نائما على مجر
فرسه ولم يزل عنه أو نعله في رجله - فحرز فإن
تدحرج
(4/278)
عن الثوب زال
الحرز وإن كان الثوب أو غيره من المتاع بين
يديه كبز البزازين وقماش الباعة وخبز الخباز
بحيث يشاهده وينظر إليه فهو حرز وإن نام أو
كان غائبا عن موضع مشاهدته فليس بمحرز وإن جعل
المتاع في الغرائر وعلم عليها أي شدها بخيط
ونحوه ومعها حافظ يشاهدها فمحرزة وإلا فلا
وحرز سفن في شط بربطها وحرز بقل وباقلاء وطبيخ
وقدورة وخزف - وراء الشرائح وهي: من قصب أو
خشب إذا كان بالسوق حارس وحرز حطب وخشب وقصب -
الحظائر: كما لو كان في فنذق مغلق عليه وحرز
مواش الصبر1، وفي المرعى بالراعي ونظره إليها
إذا كان يراها في الغالب وما نام عنه منها فقد
خرج عن الحوز وحرز حمولة إبل سائرة بتقطيرها
مع قائد يراها بحيث يكثر الالتفات إليها
ويراعيها وزمام الأول منها بيده والحافظ:
الراكب فيما وراءه - كقائد2 أو بسائق يراها:
سواء كانت مقطرة أولا وإن كانت باركة: فإن كان
معها حافظ لها ولو نائما وهي معقولة فهي محرزة
وإن لم تكن معقولة وكان الحافظ ناظرا إليها
بحيث يراها فهي محرزة وإن لم تكن معقولة وكان
الحافظ ناظرا إليها بحيث يراها فهي محرزة وإن
كان نائما أو مشغولا عنها فلا فإن سرق من
أحمال الجمال بما عليه وصاحبه نائم عليه لم
يقطع وإن لم يكن صاحبه عليه قطع وهذا التفصيل
في الإبل التي في الصحراء فأما التي في البيوت
والمكان المحصن على الوجه الذي ذكرناه في
الثياب فهي محرزة وحكم سائر المواشي كالإبل
ـــــــ
1 الصبر بضم الصاد وفتح الباء: بمعنى الحظائر.
2 يريد أن الراكب على البعير الأول إذا كان
يكثر الالتفات إلى ما وراءه فهو حرز كما اعتبر
ذلك في القائد.
(4/279)
وحرز ثياب في
حمام أو في إعدال وغزل في سوق أو خان وما كان
مشتركا في الدخول إليه - بحافظ كقعوده على
المتاع وإن فرط حافظ فنام أو اشتغل فلا قطع
ويضمن الحافظ ولو لم يستحفظه وإن استحفظ رجل
آخر متاعه في المسجد فسرق: فإن فرط في حفظه
فعليه الغرم إن كان التزم حفظه وأجابه إلى ما
سأله وإن لم يجبه لكن سكت لم يلزمه غرم ولا
قطع على السارق في الموضعين وإن حفظ المتاع
بنظره إليه وقربه منه فلا غرم عليه وعلى
السارق القطع وحرز كفن مشروع في قبر على ميت
ولو بعد عن العمران إذا كان القبر مطموما الطم
الذي جرت به العادة وهو ملك له فلو عدم الميت
وفيت منه ديونه وإلا فهو ميراث فمن نبش القبر
وأخذ الكفن قطع والخصم فيه الورثة فإن عدموا
فنائب الإمام ولو كفنه أجنبي فكذلك وإن أخرجه
من اللحد ووضعه في القبر من غير أن يخرجه منه
فلا قطع وإن كفن رجل في أكثر من ثلاثة لفائف
أو امرأة في أكثر من خمس فسرق الزائد عن ذلك
أو ترك في تابوت فسرق التابوت أو ترك معه طيب
مجموع أو ذهب أو فضة أو جوهر - لم يقطع بأخذ
شيء من ذلك لأنه ليس بمشروع وحرز جدار الدار
كونه مبنيا فيها إذا كانت في العمران أو في
الصحراء وفيها حافظ فإن أخذ من أجزاء الجدار
أو خشبة ما يبلغ نصابا وجب قطعه: لا إن هدم
الحائط ولم يأخذه وإن كانت الدار في الصحراء
لا حافظ لها فلا قطع على من أخذ من جدارها
شيئا وحرز الباب تركيبه في موضعه: مغلقا كان
أو مفتوحا
(4/280)
وعلى سارقه
القطع إن كانت الدار محرزة بما ذكرناه وأما
أبواب الخزائن في الدار: فإن كان باب الدار
مغلقا فهي محرزة: مغلقة كانت أو مفتوحة وإن
كان مفتوحا لم تكن محرزة: إلا أن تكون مغلقة
أو يكون في الدار حافظ وحلقة الباب إن كانت
مسمرة فهي محرزة فإن سرق باب مسجد منصوبا أو
باب الكعبة المنصوب أو سرق من سقفه أو جداره
أوتآ زيره شيئا قطع لا بسرقة ستائر الكعبة ولو
كانت مخيطة عليها1 ولا بسرقة قناديل مسجد
وحصره ونحوه إذا كان السارق مسلما2 وإلا قطع
ومن سرق من ثمر شجر أو جمار نخل وهو: الكثر
قبل إدخاله الحرز كأخذه من رؤس النخل وشجر من
البستان لم يقطع، ولو كان عليه حائط وحافظ
ويضمن عوضه مرتين3 ومن سرق منه نصابا بعد
إيوائه الحرز كجرين ونحوه أو سرق من شجرة في
دار محرزة - قطع وكذا الماشية تسرق من المرعى
من غير أن تكون محرزة تضمن بمثل قيمتها ولا
قطع كثمر وكثر وما عداهن يضمن بقيمته مرة
واحدة أو بمثله إن كان مثليا ولا قطع في عام
مجاعة عاما نصا إذا لم يجد ما يشتريه أو ما
يشترى به وإذا سرق الضيف من مال مضيفه من
الموضع الذي
ـــــــ
1 عللوا ذلك بأن الستائر على الكعبة ليست في
حرزها الشرعي.
2 وعدم القطع هنا لأن تلك الأشياء مما ينتفع
بها المسلمون فللسارق شبهة ملك فيها.
3 إنما غرم مثل القيمة مرتين في الثمر لقول
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أجاب به عن
سؤال بشأن ذلك الحكم "ومن خرج بشيء منه" –
يريد الثمر – "فعليه غرامة مثليه" وحكمة ذلك
معقولة وهي أن النفس كثيرة التطلع إلى الثمر
فتضعيف الغرم فيه مما يردع عن تناوله بطريق
السرقة.
(4/281)
أنزله فيه أو
موضع لم يحرزه عنه لم يقطع وإن سرق من موضع
محرز عنه: فإن كان منعه قراه فسرق بقدر لم
يقطع وإن لم يمنعه قطع وإذا أحرز المضارب مال
المضاربة أو الوديعة أو العارية أو المال الذي
وكل فيه فسرقه أجنبي فعليه القطع وإن غصب عينا
أو سرقها وأحرزها فسرقها سارق أو غصب بيتا
فأحرز فيه ماله فسرقه منه أجنبي لم يقطع.
(4/282)
فصل: - ويشترط انتفاء الشبهة
فلا يقطع سرقة مال ولده وإن سفل وسواء في ذلك
الأب والأم والابن والبنت والجد والجدة من قبل
الأم أو الأب ولا بسرقة مال والده وإن علا
ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم:
كالأخوة والأخوات ومن عداهم ولا يقطع العبد
بسرقة مال سيده وأم الولد والمدير والمكاتب
كالقن ولا سيد المكاتب بسرقة ماله وكل من لا
يقطع الإنسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة
ماله: كآبائه وأولاده وغيرهم ولا مسلم بسرقته
من بيت المال ولو عبدا إن كان سيده مسلما ولا
بالسرقة من مال له فيه شرك أو لأحد ممن لا
يقطع بالسرقة منه ولا بالسرقة من غنيمة له
فيها حق أو لولده أو لوالده أو سيده وإن لم
يكنن من الغانمين ولا من أحد ممن ذكرنا فسرق
منها قبل إخراج الخمس - لم يقطع وإن أخرج
الخمس فسرق من أربعة الأخماس - قطع وإن سرق من
الخمس - لم يقطع وإن قسم الخمس خمسة أقسام
فسرق من خمس الله ورسوله لم يقطع وإن سرق من
غيره قطع: إلا أن يكون من أهل ذلك الخمس ولا
يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر، ولو
(4/282)
من محرز عنه
ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن
ويقطعان بسرقة ماله: كقود وحد قذف وضمان متلف
وإن زنى المستأمن بغير مسلمة لم يقم عليه الحد
نصا كحد خمر وتقدم في باب حد الزنا ويقطع
المرتد إذا سرق فإن قال السارق: الذي أخذته
ملكي كان عنده وديعة أو رهنا أو ابتعته منه أو
وهبه لي أو أذن لي في أخذه أو في الدخول إلى
حرزه أو غصبه مني أو من أبي أو بعضه لي -
فالقول قول المسروق منه مع يمينه فإن حلف سقط
دعوى السارق ولا قطع عليه ولو كان معروفا
بالسرقة لأن صدقه محتمل وإن نكل قضى عليه
بالنكول.
(4/283)
فصل: - وإذا سرق المسروق مال السارق أو
المغصوب منه مال الغاصب
:
من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة
ولو متميزة أو أخذ عين ماله فقط أو معه نصاب
من مال المتعدي لم يقطع وإن سرق منه نصابا من
غير الحرز الذي فيه ماله أو سرق من مال من له
عليه دين وهما باذلان غير ممتنعين من أدائه أو
قدر المالك على أخذ ماله فتركه وسرق من مال
المتعدي أو الغريم - فعليه القطع وإن عجز عن
استيفائه أو أرش جنايته فسرق قدر دينه أو حقه
فلا قطع وإن سرق أكثر من دينه فكالمغصوب منه
إذا سرق أكثر من دينه على ما مضى ومن قطع
بسرقة عين فعاد فسرقها قطع: سواء سرقها من
الذي سرق منه أو من غيره ومن سرق مرات قبل
القطع أجزء حد واحد عن جميعها ولو سرق المال
المسروق أو المغصوب أجنبي لم
(4/283)
يقطع ومن آجر
داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو
المستأجر قطع.
(4/284)
فصل: - ويشترط ثبوت السرقة
-
إما بشهادة عدلين يصفان السرقة والحرز وجنس
النصاب وقدره وإذا وجب القطع بشهادتهما لم
يسقط بغيبتهما ولا موتهما ولا تسمع البينة قبل
الدعوى وإن اختلف الشاهدان فشهد أحدهما أنه
سرق يوم الخميس أو من هذا البيت أو سرق ثورا
أو ثوبا أبيض أو عروبا وشهد الآخر أنه سرق يوم
الجمعة أو من البيت الآخر أو بقرة أو حمارا أو
ثوبا أسود أو مرويا - لم يقطع: كما لو اختلفا
في الذكورية والأنثوية - أو باعتراف مرتين
يذكر فيه شروط السرقة: من النصاب والحرز وغير
ذلك والحر والعبد ولو آبقا في هذا سواء ولا
ينزع عن إقراره حتى يقطع فإن رجع - قبل ولا
قطع1 بخلاف ما لو ثبت ببينة تشهد على فعله فإن
إنكاره لا يقبل فإن قال: أحلفوه لي أني سرقت
منه - لم يحلف وإن شهدت على إقراره بالسرقة ثم
جحد وقامت البينة بذلك - لم يقطع ولو أقر مرة
واحدة أو ثبت بشاهد ويمين أو أقر ثم رجع لزمه
غرامة المسروق ولا قطع وإن كان رجوعه وقد قطع
بعض المفصل لم يتمم إن كان يرجى برؤه لكونه
قطع الأقل وإن قطع الأكثر فالمقطع بالخيار: إن
شاء قطعه ولا يلزم القاطع
ـــــــ
1 الرجوع عن الإقرار مسقط للحد في السرقة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض للسارق
الذي أقر على نفسه إمامه ليعدل عن الإقرار
بقوله: "ما أخالك سرقت" .
(4/284)
بقطعه. ولا بأس
بتلقين السارق ليرجع عن إقراره وبالشفاعة فيه
إذا لم يبلغ الإمام فإذا بلغه حرمت الشفاعة
ولزم القطع.
(4/285)
فصل: - ويشترط أن يطالب المسروق منه بماله أو
وكيله
فإن أقر بسرقة مال غائب أو شهدت بها بينة -
حبس ولم يقطع حتى يحضر فإن كانت العين في يدها
أخذها الحاكم وحفظها للغائب وإن أقر بسرقة رجل
فقال المالك: لم تسرق مني ولكن غصبتني أو كان
لي قبلك وديعة فجحدتني لم يقطع وإن أقر أنه
سرق من رجلين فصدقه أحدهما أو حضر أحدها فطالب
ولم يطالب الآخر - لم يقطع فإن أقر أنه سرق من
رجل شيئا يبلغ نصابا فقال الرجل: فقد فقدته من
مالي فينبغي أن يقطع.
وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف
وحسمت وجوبا وهو: أن يغمس موضع القطع من مفصل
الذراع في زنيت مغلي فإن عاد قطعت رجله اليسرى
من منفصل الكعب وحسمن وجوبا وصفة القطع: أن
يجلس السارق ويضبط لئلا يتحرك وتشد يده بحبل
وتجر حتى يتبين مفصل الكف من مفصل الذراع ثم
توضع بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع
في مرة واحدة أو توضع السكين على المفصل وتمد
مدة واحدة وإن علم قطعا أوحى من هذا قطع به
ويسن تعليق يده في عنقه زاد جماعة ثلاثة أيام
إن رآه الإمام ولا يقطع في شدة حر ولا برد ولا
مريض في مرضه ولا حامل حال حملها ولا بعد
وضعها حتى ينقضي نفاسها وإذا قطعت
(4/285)
يده ثم سرق قبل
اندمالها لم يقطع حتى يندمل القطع الأول وكذا
لو قطعت رجله قصاصا لم تقطع اليد في السرقة
حتى تبرأ الرجل فإن عاد ثالثا بعد قطع يده
ورجله حرم قطعه وحبس حتى يموت ولو سرق ويده
اليمنى أو رجله اليسرى ذاهبة قطع الباقي منهما
وإن كان الذاهب يده اليسرى ورجله اليمنى - لم
يقطع لتعطيل منفعة الجنس وذهاب عضوين من شق
واحد ولو كان الذاهب يديه أو يسراهما لم تقطع
رجله اليسرى وإن كان الذاهب رجليه أو يمناهما
ويداه صحيحتان قطعت يمنى يديه وإن سرق وله
يمنى فذهبت في قصاص أو بأكلة أو تعد - سقط
القطع وعلى العادي الأدب فقط1 سواء قطعها بعد
ثبوت السرقة والحكم بالقطع أو قبله إذا كان
بعد السرقة لأنه قطع عضوا غير معصوم ولو شهد
عليه بالسرقة فحبسه الحاكم لتعديل الشهود
فقطعه قاطع ثم عدلوا فكذلك وإن لم يعدلوا وجب
القصاص على القاطع وإن ذهبت يده اليسرى أو مع
رجليه أو مع إحداهما فلا قطع وإن ذهبت بعد
سرقته رجلاه أو يمناهما قطع: كذهاب يسراهما
نصا ومثلا ولو أمن تلفه بقطعها وما ذهب معظم
نفعها كمعدومة: لا ما ذهب منها خنصر أو بنصر
أو إصبع سواهما ولو الإبهام وإن وجب قطع يمناه
فقطع القاطع يسراه بدلا عن يمينه أجزأت ولا
يقطع يمناه أما القاطع فإن كان قطعها من غير
اختيار من السارق أو كان أخرجها السارق دهشة
أو ظنا منه أنها تجزئ
ـــــــ
1 يريد بالعادي من قطع يد السارق متعديا بعد
أن ثبتت السرقة ولو قبل أن يحكم الإمام
بالقطع.
(4/286)
فقطعها القاطع
عالما بأنها يسراه وأنها لا تجزئ فعليه القصاص
وإن لم يعلم أنها يسراه أو ظن أنها تجزئه
فعليه ديتها وإن كان السارق أخرجها اختيارا
عالما بالأمرين فلا شيء على القاطع ولا يقطع
يمنى السارق ويجتمع القطع والضمان فيرد العين
المسروقة إلى مالكها وإن كانت تالفة وهي من
المثليات - فعليه مثلها وإلا فقيمتها: قطع أو
لم يقطع موسرا كان أو معسرا وإن فعل في العين
فعلا نقصها به: كقطع الثوب ونحوه وجب رده ورد
نقصه والزيت الذي يحسم به وأجرة القطع من مال
السارق.
(4/287)
باب حد
المحاربين
مدخل
...
باب حد المحاربين
وهم قطاع الطريق المكلفون الملتزمون ولو أنثى
الذين يعرضون للناس بسلاح ولو بعصا وحجارة في
صحراء أو بنيان أو بحر فيغصبونهم مالا محترما
قهرا مجاهرة فإن أخذوا مختفين فهم سراق وإن
خطفوه وهربوا فمنتهبون لا قطع عليهم وإن خرج
الواحد والاثنان على آخر قافلة فاستلبوا منها
شيئا فليسوا بمحاربين لأنهم لم يرجعوا إلى
منعة وقوة وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم
محاربون ويعتبر ثبوته ببينة أو إقرار مرتين
فمن كان منهم قد قتل قتيلا لأخذ ماله ولو
بمثقل أو سوط أو عصا ولو غير من يكافئه كمن
قتل ولده أو عبدا أو ذميا وأخذ المال - قتل
حتما بالسيف في عنقه ولو عفا عنه ولى ثم صلب
المكافئ دون غيره بقدر ما يشتهر ثم ينزل ويدفع
إلى أهله فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن فإن
مات قبل قتله لم يصلب ولا يتحتم استيفاء جناية
يوجب القصاص فيما دون النفس: إلا إذا كان قتل
وحكمها
(4/287)
حكم الجناية في
غير المحاربة فإن جرح إنسانا قتل آخر اقتص منه
للجراح ثم قتل للمحاربة حتما فيهما وردء وطليع
في ذلك كمباشر وإذا قتل واحد منهم ثبت حكم
القتل في حق جميعهم فيجب قتل الكل وإن قتل
بعضهم وأخذ المال بعضهم - قتلوا كلهم وصلب
المكافئ فإن كان فيهم صبي أو مجنون لم يسقط
الحد عن غيرهما ولا حد عليهما وعليهما ضمان ما
أخذا من المال في أموالهما ودية قتيلهما على
عاقلتهما ولا شيء على ردئهما وإن كان فيهم
امرأة ثبت لها حكم المحاربة فمتى قتلت أو أخذت
المال ثبت لها حكم المحاربة في حق من معها كهى
لأنهم ردؤها وإن قطع أهل الذمة على المسلمين
الطريق وحدهم أو مع المسلمين انتقض عهدهم وحلت
دماؤهم وأموالهم.
(4/288)
فصل: - ومن قتل ولم يأخذ المال قتل حتما
ولا أثر لعفو ولي ولم يصلب ومن أخذ المال ولم
يقتل قطعت يده اليمنى وحسمت في مقام واحد حتما
مرتبا وجوبا ولا يقطع منهم إلا من أخذ من حرز
لا شبهة له فيه ما يقطع السارق في مثله فإذا
أخذوا نصابا أو ما تبلغ قيمته نصابا ولو لم
تبلغ حصة كل واجد منهم نصابا قطعوا فإن أخذ من
غير حرز كأخذه من منفرد عن القافلة ونحوه فلا
قطع وإن كانت يده اليمنى أو رجله اليسرى
معدومة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطع الموجود
- منهما فقط ويسقط القطع في المعدوم وإن عدم
يسرى يديه قطعت يسرى رجليه وإن عدم يمنى يديه
لم يقطع يمنى رجليه ولو حارب مرة أخرى لم يقطع
منه شيء ويتعين دية كقود لزمه بعد
(4/288)
فصل: - من صال على نفسه أو نسائه أو ولده أو
ماله ولو قل:
بهيمة أو آدمي1 ولو غير مكافئ أو صبيا أو
مجنونا في منزله أو غيره ولو متلصصا ولم يخف
أن يبدره الصائل بالقتل دفعه بأسهل ما يغلب
على ظنه دفعه به فإن اندفع بالقول لم يكن له
ضربه وإن لم يندفع بالقول فله ضربه بأسهل ما
يظن أن يندفع به فإن ظن أنه يندفع بضرب عصا لم
يكن له ضربه بحديد وإن ولى هاربا لم يكن له
قتله ولا اتباعه وإن ضربه فعطله لم يكن له أن
يثني عليه وإن ضربه فقطع يمينه فولى هاربا
فضربه فقطع رجله فالرجل مضمونة بقصاص أو دية
فإن مات من سراية القطعين فعليه نصف الدية
ـــــــ
1 قوله: بهيمة أو آدمي فاعل صال المتقدم.
(4/289)
وإن رجع إليه
بعد قطع رجله فقطع يده الأخرى فاليدان غير
مضمونتين وإن مات فعليه ثلث الدية فإن لم
يمكنه دفعه إلا بالقتل أو خاف ابتداء أن يبدأه
بالقتل إن لم يعاجله بالدفع - فله ضربه بما
يقتله ويقطع طرفه ويكون هدرا وإن قتل المصول
عليه فهو شهيد مضمون وإن كان الدفع عن نسائه
فهو لازم وإن كان عن نفسه في غير فتنة فكذلك
إن أمكنه الهرب وإلا حتماء كما لو خاف من سيل
أو نار وأمكنه أن يتنحى عنه وكما لو كان
الصائل بهيمة ولو قتلها ولا ضمان عليه وإن كان
الدفع عن نفسه في غير فتنة وظن الدافع سلامة
نفسه فلازم أيضا1 ولا يلزمه الدفع عن ماله ولا
حفظه من الضياع والهلاك كمال غيره لكن له
معونة غيره في الدفع عن ماله ونسائه في قافلة
وغيره وإن راود رجل امرأة عن نفسها فقتلته
دفعا عن نفسها لم تضمنه ولو ظلم ظالم لم يعنه
حتى يرجع عن ظلمه وكره أحمد أن يخرج إلى صيحة
بالليل لأنه لا يدري ما يكون وإذا وجد رجلا
يزني بامرأته فقتلهما فلا قصاص عليه ولا دية:
إلا أن تكون المرأة مكرهة فعليه القصاص هذا
إذا كانت بينة أو صدقه الولي وإلا فعليه
الضمان في الظاهر وتقدم في شروط القصاص بعض
ـــــــ
1 الدفاع عن النفس واجب في حالة الأمن لأن
الاستسلام للصائل يعتبر القاء بالنفس إلى
التهلكة وأما في أيام الفتنة فالدفاع جائز لا
واجب، ولذلك لم يدفع عثمان رضي الله تعالى عنه
عن نفسه، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه
وسلم في الفتنه: "اجلس في بيتك؛ فإن خفت أن
ينهرك شعاع السيف فغط وجهك ، وفي رواية – فكن
عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل" .
(4/290)
ذلك والبينة:
شاهدان اختاره أبو بكر1 وإن قتل رجلا ادعى أنه
هجم منزله فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل لم يقبل
قوله بغير بينة وعليه القود: سواء كان المقتول
يعرف بسرقة أو عيارة، أولا2 فإن شهدت بينة
أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا بسلاح مشهور
فضربه هذا فدمه هدر وإن شهدوا أنهم رأوه داخل
داره ولم يذكروا سلاحا أو ذكروا سلاحا غير
مشهور لم يسقط القود بذلك وإن عض يده إنسان
عضا محرما فانتزع يده من فيه ولو بعنف فسقطت
ثناياه فهدر وكذا ما في معنى العض فإن عجز -
دفعه كصائل وإن كان العض مباحا: مثل أن يمسكه
في موضع يتضرر بإمساكه أو يعصر يده ونحو ذلك
مما لا يقدر على التخلص منه إلا بعضه فعضه فما
سقط من أسنانه ضمنه وإن نظر في بيته من خصاص
الباب أو من نقبب في جدار أو من كوة ونحوه لا
من باب مفتوح - فرماه صاحب الدار بحصاة
أونحوها أو طعنه بعود فقلع عينه فلا شيء عليه
ولو أمكن الدفع بدونه وسواء كان في الدار نساء
أو كان محرما أو نظر من الطريق أو من ملكه
أولا فإن ترك الاطلاع ومضى لم يجز رميه فإن
رماه فقال المطلع: ما تعمدته أو لم أر شيئا
حين اطلعت لم يضمنه وليس لصاحب الدار رميه بما
يقتله ابتداء فإن لم يندفع يرميه بالشيء
اليسير جاز رميه بأكثر منه حتى يأتي ذلك على
نفسه ولو تسمع الأعمى والبصير على من في البيت
ـــــــ
1 الاكتفاء بشاهدين هنا إحدى روايتين، وذلك
لأن البينة هنا ليست على الزنا وإنما على وجود
الرجل مع المرأة، والرواية الثانية أنها
أربعة.
2 العيارة هي السرقة بالانضمام مع غيره، فإن
كانت على إنفراد فسرقة فحسب.
(4/291)
لم يجز طعن
أذنه ولو كان عريانا في طريق لم يكن له رمي من
نظر إليه وإن عقرت كلبة من قرب من أولادها أو
خرقت ثوبه لم تقتل بل تنقل وقال الشيخ في جند
قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه: هم
مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولا
دية.
(4/292)
باب قتال أهل
البغي
باب قتال أهل
البغي
...
باب قتال أهل
البغي
نصب الإمام الأعظم فرض كفاية ويثبت بإجماع
المسلمين عليه كإمامة أبي بكر من بيعة أهل
الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس بصفة
الشهود أو يجعل الأمر شورى في عدد محصور ليتفق
أهلها على أحدهم فاتفقوا عليه أو بنص من قبله
عليه أو باجتهاد أو بقهره الناس بسيف حتى
أذعنوا له ودعوه إماما.
ويعتبر كونه قرشيا بالغا عاقلا سميعا بصيرا
ناطقا حرا ذكرا عدلا عالما ذا بصيرة كافيا
ابتداء ودواما ولو تنازعها اثنان متكافئان في
صفات الترجيح قدم أحدهما بقرعة فإن بويع
لاثنين فيهما شرائط الإمامة فالإمام - الأول
وإن بويع لهما معا أو جهل السابق منهما فالعقد
باطل فيهما ويجبر متعين لها وتصرفه على الناس
بطريق الوكالة لهم فهو وكيل المسلمين فله عزل
نفسه ولهم عزله إن سأل العزل لقول الصديق:
أقيلوني أقيلوني وإلا حرم إجماعا ولا ينعزل
بفسقه ولا بموت من بايعه ويحرم قتاله ويلزم
الإمام عشرة أشياء
حفظ الدين - وتنفيذ الأحكام - وحماية البيضة -
وقامة الحدود - وتحصين الثغور - وجهاد من عاند
- وجباية الخراج والصدقات - وتقدير العطاء -
واستكفاء الأمناء - وأن يباشر بنفسه مشارفة
الأمور
(4/292)
والخارجون عن
قبضته أصناف أربعة - أحدها: قوم امتنعوا من
طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء -
القطاع وتقدم ذكرهم.
الثاني : لهم تأويل: إلا أنهم نفر يسير لا
منعة لهم: كالعشرة ونحوهم وحكمهم حكم قطاع
الطريق.
الثالث : الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون
أهل الحق وعثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا
من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم
إلا من خرج معهم - فهم فسقة يجوز قتلهم ابتداء
والإجهاز على جريحهم وذهب أحمد في إحدى
الروايتين عنه وطائفة من أهل الحديث إلى أنهم
كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين قاله في
الترغيب و الرعايتين وهي أشهر وذكر ابن حامد
أنه لا خلاف فيه وذكر ابن عقيل في الإرشاد عن
أصحابنا تكفير من خالف من أصل الخوارج و روافض
ومرجئه.
الرابع : قوم من أهل الحق باينوا الإمام
وراموا خلعه أو مخالفته بتأويل سائغ صواب أو
خطأ ولهم منعة وشوكة يحتاج في كفهم إلى جمع
جيش: وهم البغاة.
فمن خرج على إمام ولو غير عدل بأحد هذه الوجوه
باغيا وجب قتاله1 وسواء كان فيهم واحد مطلع أو
كانوا في طرف ولايته أو في موضع متوسط تحيط به
ولايته أولا وعلى الإمام أن يراسلهم
ـــــــ
1 الوجوه المشار إليها أربعة – أحدها: أن
يكونوا من أهل الإيمان – ثانيها: أن يخرجوا
على الإمام بالعداء ويعملوا على عزله –
ثالثها: أن يكون لهم في ذلك تأويل يستندون
إليه – رابعها: أن تكون لهم شوكة بحيث يحتاج
في ردعهم إلى جيش.
(4/293)
ويسألهم ما
ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ويكشف
ما يدعونه من شبهة ولا يجوز قتالهم قبل ذلك:
إلا أن يخاف كلبهم فإن أبوا الرجوع وعظهم
وخوفهم القتال فإن فاؤا وإلا لزمهم قتالهم إن
كان قادرا وإلا أخره إلى الإمكان وعلى رعيته
معونته على حربهم وإن استنظروه مدة رجاء
رجوعهم فيها أنظرهم وإن ظن أنها مكيدة لم
ينظرهم وإن أعطوه مالا: وإن بذلوا رهائن على
أنظارهم لم يجز أخذها لتلك1 فإن كان في أيديهم
أسرى من أهل العدل وأعطوا بذلك رهائن منهم
قبلهم الإمام واستظهر للمسلمين فإن أطلقوا
الأسرى أطلقت رهائنهم فإن قتلوا من عندهم لم
يجز قتل رهائنهم، ولا أسراهم2 فإذا انقضت
الحرب خلى الرهائن كما تخلى الأسرى منهم وإن
سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليهم
ويكفوا عن المسلمين وخاف ظفرهم أن قاتلهم -
تركهم وإن قوى عليهم لم يجز إقراره على ذلك
وإن حضر معهم عبيد ونساء وصبيان قوتلوا مقبلين
وتركوا مدبرين كغيرهم ويكره قصد رحمة الباغي
بقتل3 فإن فعل - ورثه ويحرم قتلهم بما يعم
إتلافه: كالمنجنيق والنار إلا لضرورة: مثل أن
يحتاط بهم البغاة ولا يمكنهم التخلص إلا بذلك
وإن رماهم البغاة بذلك جاز رميهم بمثله وإن
اقتتلت طائفتان منهم فقدر الإمام على قهرهما
لم يمل لواحدة
ـــــــ
1 قوله لتلك - يريد به للمكيدة، يعني لا يجوز
أخذ الرهائن لأنهم لو غدروا لما جاز قتل
رهائنهم، وربما كان تقديم الرهائن لغرض التمكن
فتكون حيلة على المسلمين. في حين أن الرهائن
لا تفيد شيئا.
2 عللوا ذلك بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
3 كأبيه وأخيه مثلا.
(4/294)
منهما وإن عجز
وخاف اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى
الحق وإن استويا اجتهد برأيه في ضم إحداهما
ولا يقصد بذلك معونة إحداهما بل الاستعانة على
الأخرى فإذا هزمها لم يقاتل من معهم حتى يدعهم
إلى الطاعة ويحرم أن يستعين في حربهم بكافر أو
بمن يرى قتلهم مدبرين: إلا لضرورة وله أن
يستعين عليهم بسلاح أنفسهم وكراعهم: وهو خيلهم
عند الضرورة فقط ولا يجوز في غير قتالهم ومتى
انقضى الحرب وجب رده إليهم: كسائر أموالهم
والمراهق منهم والعبد - كالخيل وإذا تركوا
القتال: إما بالرجوع إلى الطاعة أو بإلقاء
السلاح أو بالهزيمة إلى فئة أو إلى غير فئة أو
بالعجز لجراح أو مرض أو أسر - حرم قتلهم
واتباع وقتل مدبرهم وقتل جريحهم فإن قتل
مدبرهم أو جريحهم فلا قود للاختلاف في ذلك ولا
يجوز أن يغنم لهم مال ولا تسبي لهم ذرية ويجب
رد ذلك إليهم إن أخذ منهم ولا يرد السلاح
والكراع حال الحرب بل بعده ومن أسر من رجالهم
فدخل في الطاعة خلى سبيله وإن أبى وكان جلدا
حبس ما دامت الحرب قائمة فإذا انقضت خلى سبيله
وشرط عليه ألا يعود إلى القتال ولا يرسل مع
بقاء شوكتهم فإن بطلت شوكتهم ولكن يتوقع
اجتماعهم في الحال - لم يرسل وإن أسر صبي أو
امرأة فعل بهما كما يفعل بالرجل ولا يخلي في
الحال ويجوز فداء أسرى أهل العدل بأسارى
البغاة ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم
حال الحرب من نفس أو مال ولا كفارة فيه فإن
قتل العادل كان شهيدا ولا يغسل ولا يصلى عليه
ولا يضمن أهل البغي أيضا ما أتلفوه حال الحرب
من نفس أو مال. ومن
(4/295)
أتلف من
الطائفتين شيئا في غير الحرب ضمنه ومن قتل من
أهل البغي غسل وكفن، وصلى عليه وإذا لم يكونوا
من أهل بدع فليسوا بفاسقين بل مخطئين في
تأويلهم فتقبل شهادتهم ويأتي في الشهادات وما
أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو
جزية لم يعد عليهم ولا على باذل لوقوعه موقعة
وما أقاموا من حد وقع موقعه أيضا خوارج كانوا
أو غيرهم ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير
يمين ولا تقبل دعوى دفع خراج ولو كان الدافع
مسلما ولا دعوى دفع جزية إليهم إلا ببينة ولا
ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره
وإن كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل جاز قبول
كتابه والأولى ألا يقبله وإن ولى الخوارج
قاضيا لم يجز قضاؤه وإن ارتكب أهل البغي في
حال امتناعهم ما يوجب حدا ثم قدر عليهم أقيم
عليهم وإن أعانهم أهل ذمة أو عهد - انتقض
عهدهم وصاروا أهل حرب إلا أن يدعوا شبهة: كأن
يظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من
المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض وإن أكرههم
البغاة على معونتهم وادعوا ذلك قبل منهم
ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال حال الحرب
وغيره وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح
أمانهم وأبيح قتلهم وحكم أسيرهم حكم أسير سائر
أهل الحرب وإن ظهر قوم رأى الخوارج: مثل تكفير
من ارتكب كبيرة وترك الجماعة واستحلال دماء
المسلمين وأموالهم ولم يجتمعوا لحرب - لم
يتعرض لهم وإن سبوا الإمام أو عدلا غيره أو
تعرضوا بالسب - عزرهم وإن جنوا جناية وأتوا
حدا أقامه عليهم وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو
طلب
(4/296)
رئاسة فهما
ظالمتان وتضمن كل واحدة منهما ما أتلف على
الأخرى فلو قتل من دخل بينهم بصلح وجهل قاتله
ضمنتاه.
(4/297)
باب حكم المرتد
مدخل
...
باب حكم المرتد
وهو الذي يكفر بعد إسلامه ولو مميزا طوعا ولو
هازلا فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو
وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ له صاحبة أو
ولدا أو ادعى النبوة أو صدق من ادعاها أو جحد
نبيا أو كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو جحد
الملائكة أو البعث أو سب الله أو رسوله أو
استهزأ بالله أو كتبه أو رسله قال الشيخ: أو
كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به اتفاقا وقال:
أو جعل بينه و بين الله وسائط يتوكل عليهم
ويدعوهم ويسألهم إجماعا انتهى أو سجد لصنم أو
شمس أو قمر أو أتى بقول أو فعل صريح في
الاستهزاء بالدين أو وجد منه امتهان القرآن أو
طلب تناقضه أو دعوى أنه مختلف أو مختلق أو
مقدور على مثله أو إسقاط لحرمته أو أنكر
الإسلام أو الشهادتين أو أحدهما كفر لا من حكى
كفرا سمعه ولا يعتقده أو نطق بكلمة الكفر ولم
يعلم معناها ولا من جرى على لسانه سبقا من غير
قصد لشدة فرح أو دهش أو غير ذلك: كقول من أراد
أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك فقال: أنت
عبدي وأنا ربك ومن أطلق الشارع كفر - فهو كفر
لا يخرج به عن الإسلام: كدعواهم لغير أبيهم
وكمن أتى عرافا فصدقه بما يقول فهو تشديد وكفر
لا يخرج به عن الإسلام وإن أتى بقول يخرجه عن
الإسلام1: مثل أن يقول
ـــــــ
1 قوله ومن أطلق الشارع كفره الخ – يريد أن
الكفر الذي يطلق في بعض الأحاديث قد لا يكون
كفرا حقيقة وإنما هو من باب التأكيد في
التحذير: كقوله =
(4/297)
فصل: - وقال: من سب الصحابة أو أحد منهم
...
فصل: - وقال: ومن سب الصحابة أو أحد منهم
واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي وأن
جبريل غلط - فلا شك في كفر هذا بل لا شك في
كفر من توقف في تكفيره وكذلك من زعم أن القرآن
ينقص منه شيء وكتم أو أن له تأويلات باطنة
تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهذا قول
القرامطة والباطنية ومنهم الناسخية ولا خلاف
في كفر هؤلاء كلهم ومن قذف عائشة رضي الله
عتها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف ومن سب
غيرها من أزواجه صلى الله عليه
(4/299)
وسلم ففيه
قولان - أحدهما: أنه كسب واحد من الصحابة -
والثاني وهو الصحيح أنه كقذف عائشة رضي الله
عنها وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا
دينهم: مثل من وصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة
علم أو عدم زهد ونحوه - فهذا يستحق التأديب
والتعزير ولا يكفر وأما من لعن وقبح مطلقا
فهذا محل الخلاف أعني هل يكفر أو يفسق توقف
أحمد في كفره وقتله وقال: يعاقب ويجلد ويحبس
حتى يموت أو يرجع عن ذلك وهذا المشهور من مذهب
مالك وقيل: يكفر إن استحله والمذهب يعزر: كما
تقدم أول باب التعازير وفي الفتاوى المصرية
يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين
وتنازعوا هل يعاقبه بالقتل أو ما دون القتل؟
وقال: أما من جاوز ذلك كمن زعم أنهم ارتدوا
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا
قليلا لا يبلغون بضعة عشر وأنهم فسقوا فلا ريب
أيضا في كفر قائل ذلك بل من شك في كفره فهو
كافر - انتهى ملخصا من الصارم المسلول ومن
أنكر أن يكون أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقد كفر لقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ} وإن جحد وجوب العبادات الخمس أو
شيئا منها ومنها الطهارة أو حل الخبز واللحم
والماء أو أحل الزنا ونحوه أو ترك الصلاة أو
شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها
كلحم الخنزير والخمر وأشباه ذلك أو شك فيه
ومثله ل يجهله - كفر وإن كان بتأويل كالخوارج
لم يحكم بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين
وأموالهم متقربين بذلك إلى الله تعالى وتقدم
في المحاربين والإسلام - شهادة ألا إله إلا
الله
(4/300)
وأن محمدا رسول
الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت مع
الاستطاعة وصوم رمضان فمن أنكر ذلك أو بعضه لم
يكن مسلما ومن ترك شيئا من العبادات الخمس
تهاونا: فإن عزم على أن لا يفعله أبدا استتيب
عارف وجوبا كالمرتد وإن كان جاهلا عرف فإن أصر
قتل حدا ولم يكفر: إلا بالصلاة إذا دعي إليها
وامتنع أو شرط أو ركن مجمع عليه فيقتل كفرا
وتقدم في كتاب الصلاة ومن شفع عنده في رجل
فقال: لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشفع
فيه ما قبلت منه: إن تاب بعد القدرة عليه قتل
لا قبلها.
(4/301)
فصل: - ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء
وهو بالغ عاقل مختار دعي إليه ثلاثة أيام وضيق
عليه وحبس: فإن تاب وإلا قتل بالسيف: إلا رسول
الكفار إذا كان مرتدا بدليل رسولي: مسيلمة ولا
يقتله إلا الإمام أو نائبه حرا كان المرتد أو
عبدا ولا يجوز أخذ فداء عنه وإن قتله غيره بلا
إذنه أساء وعزر ولم يضمن سواء قتله قبل
الاستتابة أو بعدها: إلا أن يلحق بدار حرب
فلكل قتله وأخذ ما معه من مال والطفل الذي لا
يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو
شرب دواء مباح - لا تصح ردته ولا إسلامه لأنه
لا حكم لكلامه فإن ارتد وهو مجنون فقتله قاتل
فعليه القود وإن ارتد في صحته ثم جن - لم يقتل
في حال جنونه فإذا أفاق استتيب ثلاثا فإن تاب
وإلا قتل وإن عقل الصبي الإسلام صح إسلامه
وردته إن كان مميزا ومعنى عقل الإسلام: أن
يعلم أن الله
(4/301)
ربه لا شريك له
وأن محمد عبده ورسوله فإذا اسلم حيل بينه وبين
الكفار ويتولاه المسلمون ويدفن في مقابرهم إذا
مات فإن قال بعده: لم أدر ما قلت أو قاله كبير
- لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الإسلام ولا
تقتل المرتدة الحامل حتى تضع ولا الصغير حتى
يبلغ ويستتاب بعده ثلاثة أيام فإن تاب وإلا
قتل قال أحمد: فيمن قال لكافر: أسلم وخذ ألفا
فأسلم فلم يعطه فأبى الإسلام - يقتل وينبغي أن
يفي وإن أسلم على صلاتين قبل منه وأمر بالخمس
ومثله إذا أسلم على الركوع دون السجود ونحوه
ومن ارتد وهو سكران صحت ردته ولا يقتل حتى
يصحو وتتم له ثلاثة أيام من حين صحوه ليستتاب
فيها فإن تاب وإلا قتل وإن مات في سكره أو قتل
مات كافرا وإن أسلم في سكره ولو أصليا صح
إسلامه ثم يسأل بعد صحوه فإن ثبت على إسلامه
فهو مسلم من حين إسلامه وإن كفر فهو كافر من
الآن ولا تقبل في الدنيا أي في الظاهر توبة
زنديق: وهو المنافق وهو من يظهر الإسلام ويخفي
الكفر وكالحلولية والمباحية وكمن يفضل متبوعه
على النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه إذا حصلت
له المعرفة والتحقيق سقط عنه الأمر والنهي أو
إن العارف المحقق يجوز له التدين بدين اليهود
والنصارى ولا يجب عليه الاعتصام بالكتاب
والسنة وأمثال هؤلاء ولا من تكررت ردته أو سب
الله أو رسوله صريحا أو تنقصه ولا الساحر الذي
يكفر بسحره ويقتلون
(4/302)
بكل حال وأما
في الآخرة فمن صدق منهم في توبته قبلت باطنا
ومن أظهر الخير وأبطن الفسق فكالزنديق في
توبته ومن كفر ببدعة قبلت ولو داعية وتقبل
توبة القاتل فلو اقتص منه أو عفى عنه فهل
يطالبه المقتول في الآخرة؟ فيه وجهان قال ابن
القيم: والتحقيق أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق
- حق لله تعالى - وحق للمقتول - وحق للمولى
فإذا أسلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى
الولي ندما على ما فعل وخوفا من الله وتوبة
نصوحا - سقط حق الله تعالى بالتوبة وحق
الأولياء بالاستيفاء أو الصلح أو العفو وبقي
حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن
عبده التائب ويصلح بينه وبينه.
(4/303)
فصل: - وتوبة المرتد وكل كافر
...
في ردته نصا قبلها فمتى زنا رجم ولا تبطل
عباداته التي فعلها في إسلامه من صلاة وحج
وغيرهما إذا عاد إلى الإسلام.
(4/205)
فصل: - ومن ارتد لم يزل ملكه
ويملك بأسباب التمليك: كالصيد والاحتشاش
والاتهاب والشراء وإيجار نفسه إجارة خاصة أو
بأن يؤجر لخياطة ونحوها ولا يرث ولا يورث
ويكون ملكه موقوفا ويمنع من التصرف فيه ومن
وطء إمائه إلى أن يسلم فإذا أسلم عصم دمه
وماله وإن لم يحكم به حاكم وينفق منه على من
تلزمه مؤنته وتقضى منه ديونه وأروش جناياته:
ما كان منها بعد الردة كما قبلها فإن أسلم
أخذه أو بقيته ونفذ تصرفه ويضمن ما أتلفه
لغيره ولو في دار حرب وسواء كان المتلف واحدا
أو جماعة صار لهم منعة أولا وإن تزوج أو زوج
موليته أو أمته لم يصح وإن مات أو قتل مرتدا
صار ماله فيئا من حين موته وبطل تصرفه وإن لحق
بدار حرب فهو وما معه كحربي: لكل أحد قتله
بغير استتابة وأخذ ما معه وما بدارنا من
أملاكه فملكه ثابت فيه يصير فيئا من حين موته
وإن لحق بدار حرب أو تعذر قتله مدة طويلة فعل
الحاكم ما يرى فيه إلا حظ: من بيع حيوانه الذي
يحتاج إلى نفقته وإجارة ما يرى إبقاءه ومكاتبة
يؤدي إلى الحاكم ويعتق بالأداء وإذا ارتد
الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم
يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين
ولدوا في الإسلام ومن لم يسلم منهم قتل ولو
ارتد أهل بلد وجرى فيه حكمهم - فدار حرب يجب
على الإمام قتالهم أو يغنم مالهم ويجوز
استرقاق من
(4/305)
حدث وولد بعد
الردة وإقراره بجزية ولا يجرى على المرتد رق:
رجلا كان أو امرأة لحق بدار الحرب أو أقام
بدار الإسلام ومن ولد من أولاد المرتدين قبل
الردة أو كان حملا وقتها - فمحكوم بإسلامه ولا
يجوز استرقاقهم صغارا ولا كبارا وبعد البلوغ
يستتابون كآبائهم ولا يقر مرتد بجزية وإذا مات
أبو الطفل أو الحمل أو المميز أو أحدهما في
دارنا على كفره - لا جده ولا جدته - فمسلم
ويقسم له الميراث وكذا لو عدم الأبوان أو
أحدهما بلا موت كزنا ذمية ولو بكافر أو اشتباه
ولد مسلم بولد كافر نصا قال القاضي: أو وجد
بدار حرب وتقدم في كتاب الجهاد إذا سبي الطفل
وأطفال الكفار في النار نصا واختار الشيخ
تكليفهم في القيامة ومثلهم من بلغ منهم مجنونا
ومن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا هو مع أبويه
نصا وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا
قال: هو معهما وإن تصرف المرتد لغيره بالوكالة
صح ولا يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في ردته
ويلزمه قضاء ما ترك قبلها وإن قتل من يكافئه
عمدا فعليه القصاص والولي مخير بين القتل
والعفو عنه فإن اختار القصاص قدم على قتل
الردة: تقدمت الردة أو تأخرت وإن عفا على مال
وجبت الدية في ماله وإن كان خطأ وجبت أيضا في
ماله قال القاضي: تؤخذ منه في ثلاث سنين فإن
قتل أو مات - أخذت من ماله في الحال وتثبت
الردة بالإقرار، أو البينة.
(4/306)
فصل: - ومن أكره على الكفر
فالأفضل له أن يصبر ولو أتى ذلك على نفسه وإن
لم يصبر وأجاب لم يصر كافرا إذا كان قلبه
(4/306)
مطمئنا
بالإيمان ومتى زال الإكراه أمر بإظهار إسلامه
فإن أظهره وإلا حكم بأنه كافر من حين نطق به
وإن شهدت بينة أنه نطق بكلمة الكفر وكان
محبوسا أو مقيدا عند الكفار في حالة خوف لم
يحكم بردته وإن شهدت أنه كان آمنا في حال نطقه
حكم بردته وإن ادعى ورثته رجوعه إلى الإسلام
لم تقبل إلا ببينة وإن شهدت عليه بأكل لحم
خنزير لم يحكم بردته فإن قال بعض ورثته: أكله
مستحلا له أو أقر بردته - حرم ميراثه ويدفع
إلى من يدعي الإسلام قدر ميراثه لأنه لا يدعي
أكثر منه والباقي لبيت المال فإن كان في
الورثة صغير أو مجنون دفع إليه نصيبه ونصيب
المقر بردة الموروث.
(4/307)
فصل: - ويحرم تعلم السحر:
وتعليمه وفعله وهو:
عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل
شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قبله أو عقله من
غير مباشرة له وله حقيقة فمنه ما يقتل ومنه ما
يمرض وما يأخذ الرجل عن زوجته فيمنعه وطأها أو
يعقد المتزوج فلا يطيق وطأها وما كان مثل فعل
لبيد بن الأعصم حين سحر النبي صلى الله عليه
وسلم في مشط ومشاطة أو يسحره حتى يهيم مع
الوحش ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض
أحدهما إلى الآخر ويحبب بين الاثنين: ويكفر
بتعلمه وفعله: سواء اعتقد تحريمه أو إباحته
كالذي يركب الحمار من مكنسة وغيرها فتسير في
الهواء أو يدعي أن الكواكب تخاطبه ويقتل إن
كان مسلما وكذا من يعتقد حله من المسلمين ولا
يقتل ساحر ذمي إلا أن يقتل به ويكون مما يقتل
غالبا فيقتص منه فأما الذي يسحر بأدوية وتدخين
وسقي شيء لا يضر فإنه
(4/307)
لا يكفر ولا
يقتل ويعزر تعزيرا بليغا دون القتل: إلا أن
يقتل بفعله فيقتص منه وإلا فالدية وتقدم في
كتاب الجنايات وأما الذي يعزم على الجن ويزعم
أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل ويعزر
تعزيرا بليغا دون القتل وكذا الكاهن والعراف
والكاهن: الذي له رئى من الجن يأتيه بأخبار
والعراف: الذي يحدس ويتخرص كالمنجم ولو أوهم
قوما بطريقته أن يعلم الغيب فللإمام قتله
لسعيه بالفساد وقال الشيخ: التنجيم كالاستدلال
بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية من
السحر قال: ويحرم إجماعا والمتعبد والقائل
بزجر طير والضارب بحصى وشعير وقداح زاد في
الرعاية والنظر في ألواح الأكتاف إذا لم يعتقد
إباحته وأنه لا يعلم به عزر ويكف عنه وإلا كفر
وتحرم رقية وحرز وتعوذ بطلسم وعزيمة بغير عربي
وباسم كوكب وما وضع على نجم من صورة أو غيرها
ولا بأس بحل السحر بشيء من القرآن والذكر
والأقسام والكلام المباح وإن كان بشيء من
السحر فقد توقف فيه أحمد والمذهب جوازه ضرورة
قال في عيون المسائل: ومن السحر السعي
بالنميمة والإفساد بين الناس وهو غريب.
(4/308)
|