الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب الصيد
مدخل
مدخل
...
كتاب الصيد
وهو مصدر بمعنى المفعول وهو: اقتناص حيوان
حلالا متوحش طبعا غير مملوك ولا مقدور عليه
وهو مباح لقاصده ويكره لهوا وإن كان فيه ظلم
الناس بالعدوان على زروعهم وأموالهم فحرام وهو
أفضل مأكول والزراعة أفضل مكتسب قيل عمل اليد
وقيل التجارة وأفضلها بز وعطر وزرع وغرس
وماشية وأبغضها في رقيق وصرف ويسن التكسب
ومعرفة أحكامة حتى مع الكفاية التامة قاله في
الرعاية وقال أيضا فيها: يباح كسب الحلال
لزيادة المال والجاه والترفه والتنعم والتوسعة
على العيال مع سلامة الدين والعرض والمروءة
وبراءة الذمة ويجب على من لا قوت له ولا لمن
تلزمه مؤنته ويقدم الكسب لعياله على كل نفل
ويكره تركه والاتكال على الناس قال أحمد: لم
أر مثل الغني عن الناس، وقال في قوم
(4/321)
لا يعملون
ويقولون نحن توكلون: هؤلاء مبتدعة وأفضل
الصنائع خياطة وكل ما تصح فيه فهو حسن نصا
وأدناها حياكة وحجامة وأشدها كراهة: صبغ
وصياغة وحدادة ونحوها ويكره كسبهم وكسب الجزار
لأنه يوجب قساوة قلبه وكسب من يباشر النجاسات
والفاصد والمزين والجرائحي والختان ونحوهم ممن
صنعته دنيئة قال في الفروع والمراد مع مكان
أصلح منها وقال ابن عقيل ويستحب الغرس والحرث
واتخاذ الغنم وإن رمى صيدا فأثبته - ملكه ثم
إن رماه آخر فقتله: فإن كانت رمية الأول
موحية: بأن نحرته أو ذبحته أو وقعت في حلقومه
أو قلبه وجراحة الثاني غير موحية أو أصاب
مذبحه أو نحرته حل ولا ضمان على الثاني إلا ما
نقصه من خرق جلده ونحوه وإن كان الأول غير موح
حرم وقيمته للأول مجروحا بالجرح الأول إلا أن
تنحره رميته أو تذبحه أو يدرك فيه حياة مستقرة
فيذكى فيحل وإن كان المرمى قنا أو شاة للغير
ولم يوحياه وسريا فعلى الثاني نصف قيمته
مجروحا بالجرح الأول ويكملها سليما الأول وإن
رميا الصيد معا فقتلاه كان حلالا وملكاه
بينهما فإن كان جرح أحدهما موحيا والآخر غير
موح ولا يثبته مثله فهو لصاحب الجرح الموحى
وإن أصاب أحدهما بعد صاحبه فوجده ميتا ولم
يعلم هل صار بالأول ممتنعا أو لا؟ حل ويكون
بينهما فإن قال كل منهما: أنا أثبته ثم قتلته
أنت حرم ويتحالفان لأجل الضمان وإن اتفقا على
الأول منهما فقال الأول: أنا أثبته ثم قتله
الآخر وأنكر الثاني إثبات الأول له فالقول قول
الثاني ويحرم على الأول والقول قول الثاني في
عدم الإثبات مع يمينه وإن علمت جراحة كل
(4/322)
منهما وأن
جراحة الأول لا يبقى معها امتناع مثل كسر جناح
الطائر أو ساق الظبي فالقول قول الأول بغير
يمين وإن علم أنه لا يزيل الامتناع مثل خدش
الجلد فقول الثاني وإن احتمل الأمرين فقوله
نصا ولو رماه فأثبته ثم رماه مرة أخرى فقتله
حرم.
(4/323)
فصل: - وإن أدرك الصيد وفيه حياة غير مستقرة
بل متحركا كحركة المذبوح فهو كالميتة: لا
يحتاج إلى ذكاة وكذا لو كان فيه حياة مستقرة
فوق حركة المذبوح ولكن لم يتسع الوقت لتذكيته
وإن اتسع الوقت لها لم يبح إلا بها وإن خشي
موته ولم يجد ما يذكيه لم يبح أيضا ولو اصطاد
بآلة مغصوبة فالصيد لمالكها ولو امتنع الصيد
على الصائد من الذبح: بأن جعل يعدو منه حي مات
تعبا – حل، وإن أدرك الصيد ميتا حل بشروط
أربعة - أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة
ولو أعمى وتقدمت شروطها إلا ما لا يفتقر إلى
ذكاة كحوت وجراد فيباح إذا صاده من لا تباح
ذبيحته فإن رمى مسلم وغير كتابي أو متولد بينه
وبين كتابي صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك
كلب مجوسي كلب مسلم في قتله - لم يحل: سواء
وقع سهماهما فيه دفعة واحدة أو سهم أحدهما قبل
الآخر: لكن لو أثخنه كلب المسلم ثم قتله الآخر
وفيه حياة مستقرة - حرم: مثل أن يكون الأول قد
عقره موحيا: مثل أن ذبحه أو جعله في حكم
المذبوح ثم أصابه الثاني وهو غير موح فالحكم
للأول فإن كان الأول المسلم أبيح وإن كان
المجوسي أبيح وإن كان الجرح
(4/323)
الثاني موحيا
أيضا فمباح إن كان الأول مسلما لأن الإباحة
حصلت به وإن كان الأول غير موح والثاني موح
فالحكم للثاني في الحظر والإباحة وإن رد كلب
المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله - حل وإن
صاد المسلم بكلب المجوسي حل صيده وكره وعكسه
لا يحل وإن أرسل كلبا فزجره المجوسي فزاد في
عدوه حل صيده وعكسه لم يحل ولو وجد مع كلبه
كلبا آخر وجهل حاله: هل سمى عليه أم لا؟ وهل
استرسل بنفسه أم لا؟ أو جهل حال مرسله: هل هو
من أهل الصيد أم لا ولا يعلم أيهما قتله أو
علم أنهما قتلاه معا أو علم أن المجهول هو
القاتل - لم يبح وإن علم حال الكلب الذي وجده
مع كلبه وأن الشرائط المعتبرة قد وجدت فيه -
حل ثم إن كان الكلبان قتلاه معا فهو لصاحبهما
وإن علم أن أحدهما قتله فهو لصاحبه وإن جهل
الحال حل أكله ثم إن كان الكلبان متعلقين به
فهو بينهما وإن كان أحدهما متعلقا به فهو
لصاحبه وعلى من حكم له به اليمين وإن كان
الكلبان ناحية وقف الأمر حتى يصطلحا فإن خيف
فساده بيع واصطلحا على ثمنه والاعتبار بأهلية
الرامي وسائر الشروط حال الرمي فإن ارتد أو
مات بعد رميه وقبل الإصابة حل.
(4/324)
فصل: - الشرط الثاني – الآلة
-
وهي نوعان: أحدهما محددة فيشترط له ما يشترط
لآلة الذكاة ولا بد من جرحه به فإن قتله بثقله
لم يبح: كشبكة وفخ وبندقة وعصا وحجر لا حد له
فإن كان له حد: كصوان فكمعراض وإن صاد
بالمعراض - وهو
(4/324)
عود محدود
وربما جعل في رأسه حديدة - أكل ما قتل بحده
دون عرضه وكذا سهم ورمح وحربة وسيف ونحوه يضرب
به صفحا فيقتل - فكله حرام وكذا إن أصاب بحده
فلم يجرح وقتل بثقله: وإن نصب مناجل وأو
سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا ولو بعد موت
ناصبه أو ردته - أبيح إن جرحه وإلا فلا وإن
قتل بسهم مسموم لم يبح إذا احتمل أن السم أعان
على قتله ولو رماه فوقع فيما يقتله مثله أو
تردى ترديا يقتله مثله أو وطئ عليه شيء فقتله
- لم يحل ولو كان الجرح موحيا وإن وقع في ماء
ورأسه خارجه أو كان من طير الماء أو كان
التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان - فمباح - وإن
رمى طيرا في الهواء أو على شجرة أو جبل فوقع
إلى الأرض فمات حل لأن سقوطه بالإصابة وإن رمى
صيدا ولو ليلا فجرحه ولو غير موح فغاب عن عينه
ثم وجده ميتا - ولو بعد يومه - وسهمه فقط فيه
أو أثره ولا أثر به غيره - حل وإن وجد به سهما
أو أثر سهم غير سهمه أو شك في سهمه أو في قتله
أو أكل منه سبع يصلح أن يكون قتله لم يحل وإن
كان الأثر مما لا يقتل مثله: مثل أكل حيوان
ضعيف كسنور وثعلب من حيوان قوي أو تهشم من
وقعته - فمباح ولو أرسل عليه كلبه فعقره فغاب
أو غاب قبل عقره ثم وجد ميتا والكلب وحده أو
الصيد بفمه أو يعبث به أو عليه - حل وتقدم
قريبا لو وجد مع كلبه كلبا آخر وإن رمى صيدا
أو ضرب صيدا فأبان بعضه ولو بنصب مناجل ونحوها
فإن قطعه قطعتين متساويتين أو متقاربتين
(4/325)
أو قطع رأسه -
حل فإن أبان منه عضوا غير الرأس ولم يبق فيه
حياة مستقرة وكان البينونة والموت معا أو بعده
بقليل - أكل وما أبين منه وإن كانت مستقرة
فالمبان حرام: سواء بقي الحيوان حيا أو أدركه
فذكاه أو رماه بسهم آخر فقتله وإن بقي متعلقا
بجلده حل بحله: لأنه لم يبن وإن أخذ قطعة من
حوت وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه وتحل الطريدة
وهي الصيد يقع بين القوم لا يقدرون على ذكاته
فيقطع ذا منه بسيفه قطعة يقطع الآخر أيضا حتى
يؤتى عليه وهو حي وكذا الناد.
(4/326)
فصل: - النوع الثاني - الجارحة
فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة: إلا الكلب
الأسود والبهيم الأسود: وهو ما لا بياض فيه أو
بين عينيه نكتتان: كما اقتضاه الحديث الصحيح
فيحرم صيده كغير المعلم: إلا أن يدركه في
الحياة فيذكى ويحرم اقتناؤه وتعليمه ويسن قتله
ولو كان معلما وكذا الخنزير ويحرم الانتفاع به
ويجب قتل كلب عقور ولو كان معلما ويحرم
اقتناؤه ولا تقتل كلبة عقرت من قرب ولدها أو
خرقت ثوبه بل تنقل وتقدم آخر حد المحاربين ولا
يباح قتل الكلاب غير ما تقدم: ويباح اقتناؤها
للصيد والماشية الحرث وتقدم في كتاب البيع.
والجوارح نوعان: - أحدهما - ما يصيد بنابه:
كالكب والفهد وكل ما أمكن الاصطياد به.
وتعليمه بثلاثة أشياء: أن يسترسل إذا أرسل:
وينزجر إذا زجر لا في حال مشاهدته الصيد: وإذا
أمسك لم يأكل ولا يعتبر تكراره بل يحصل بمرة
فإن أكل بعد تعليمه لم يحرم ما تقدم من صيده
ولم يبح ما أكل منه،
(4/326)
يخرج عن كونه
معلما فيباح ما صاده بعد الصيد الذي أكل منه
وإن شرب دمه ولم يأكل منه لم يحرم ويجب غسل ما
أصابه فم الكلب والثاني - ذو المخلب كالبازي
والصقر والعقاب والشاهين ونحوها فتعليمه - بأن
يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي ولا يعتبر ترك
الأكل ولا بد أن يجرح الصيد فإن قتله بعد رميه
أو خنقه - لم يبح.
(4/327)
فصل: - الشرط الثالث - إرسال الآلة قاصدا
الصيد
فلو سقط السيف من يده فعقره - لم يحل وإن
استرسل الكلب أو غيره بنفسه أو أرسله ولم يسم
- لم يبح صيده فإن زجره ولم يزد عدوه فكذلك
وإن زجره فوقف ثم أشلاه وسمى أو سمى وزجره ولم
يقف لكنه زاد في عدوه بأشلائه حل صيده لأنه
بمنزلة إرساله وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف
فتقل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا
أو قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير قاصد
صيدا أو رمى حجرا يظنه صيدا أو شك فيه أو غلب
على ظنه أنه ليس بصيد أو ظنه آدميا أو بهيمة
فأصاب صيدا - لم يحل وإن رمى صيدا فأصاب غيره
أو رمى صيدا فقتل جماعة أو أرسل سهمه على صيد
فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل أو وقع
سهمه في حجر فرده على الصيد فتقله حل الجميع
والجارح بمنزلة السهم فإن رمى صيدا فأثبته -
ملكه فإن تحامل ومشى غير ممتنع فأخذه غيره
لزمه رده ولو دخل خيمته أو داره ونحوه: كما لو
مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع وإن
لم
(4/327)
يثبته وبقي
ممتنعا فدخل خيمة إنسان فأخذه أو دخلت ظبية
داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها أو
عشش طير غير مملوك في برجه وفرخ فيه - ملكه
ومثله أحياء أرض بها كنز وكنصب خيمة وفتح حجره
لذلك ونصب شبكة وشرك وفخ ومنجل لذلك وحبس جارح
له أو بإلجائه بمضيق لا يفلت منه وإن صنع بركة
يصيد بها سمكا فما حصل فيه ملكه وإن لم يقصد
بها ذلك لم يملكه: كتوحل صيد بأرضه أو حصل
فيها من مد الماء أو عشش فيها طائر ولغيره
أخذه كالماء والكلأ وإن رمى طيرا على شجرة في
دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي ولو
وقع صيد في شرك إنسان أو شبكته ونحوه وأثبته
ثم أخذه إنسان لزمه رده بآلته وإن لم تمسكه
الشبكة وانفلت منها في الحال أو بعد حين - لم
يملكه وإن أخذ الشبكة وذهب بها فصاده إنسان
ملكه ويرد الشبكة فإن مشى بها على وجه لا يقدر
على الامتناع فهو لصاحبها: كما لو أمسكه
الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه وإن اصطاد
صيدا فوجد عليه علامة ملك: كقلادة في عنقه أو
قرط في أذنه أو جد الطائر مقصوص الجناح - لم
يملكه ويكون لقطة: ومن كان في سفينة فوثبت
سمكة فوقعت في حجرة فهي له دون صاحب السفينة
وإن وقعت فيها فلصاحبها وإن ثبت بفعل إنسان
لقصد الصيد: كالصياد الذي يجعل في السفينة
ضوءا بالليل ويدق بشيء كالجرس لثبت السمك في
السفينة - فللصياد وإن لم يقصد الصيد بهذا بل
حصل اتفاقا فهي لمن وقعت في حجره ولا يصاد
الحمام: إلا أن
(4/328)
يكون وحشيا
ويحرم صيد سمك وغيره بنجاسة كعذرة وميتة ودم
وعنه يكره وعليه الأكثر وإن منعه الماء حتى
صاده حل ويكره الصيد ببنات وردان لأن مأواها
الحشوش وبضفادع وشباشب: وهو طير تخاط عينه أو
تربط وبخراطيم وكل شيء فيه روح ومن وكره: لا
بلبل ولا فرخ من وكره ولا بما يسكره ولا بشبكة
وشرك وفخ ودبق وكل حيلة وكره جماعة بمثقل
كبندق ونصه - لا بأس ببيع البندق ويرمى بها
الصيد لا للعبث وإذا أرسل صيدا وقال أعتقتك -
لم يزل ملكه عنه: كما لو أرسل البعير والبقرة.
(4/329)
فصل: - الشرط الرابع - التسمية
ولو بغير عربية عند إرسال السهم والجارحة: لا
من أخرس ولا يضر تقدم يسير أو تأخر وكذا تأخر
كثير في جارح إذا زجره فانزجر وإن تركها عمدا
أو سهوا لم يبح وإن سمى على صيد فأصاب غيره حل
ولو سمى على سهم ثم ألقاه ورمى بغيره بتلك
التسمية لم يبح ودم السمك طاهر مأكول.
(4/329)
|