الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد [كتاب الجهاد]
مصدر جاهد، أي: بالغ في قتل عدوه، وشرعا قتال الكفار.
(وهو فرض كفاية) إذا قام به من يكفي سقط عن سائر الناس وإلا أثم الكل.
ويسن بتأكد مع قيام من يكفي به، وهو أفضل متطوع به ثم النفقة فيه.
(ويجب) الجهاد (إذا حضره) أي حضر صف القتال (أو حضر بلده عدو) أو احتيج
إليه (أو استنفره الإمام) حيث لا عذر له لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا
لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وقوله: {مَا لَكُمْ إِذَا
قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}
[التوبة: 38] وإذا نودي: الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا
عذر.
(وتمام الرباط أربعون يوما) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«تمام الرباط أربعون يوما» رواه أبو الشيخ في " كتاب الثواب ".
والرباط: لزوم ثغر لجهاد تقوية للمسلمين، وأقله ساعة وأفضله بأشد الثغور
خوفا، وكره نقل أهله إلى مخوف، (وإذا كان أبواه مسلمين) حرين أو أحدهما
كذلك (لم يجاهد تطوعا إلا بإذنهما) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «ففيهما فجاهد» صححه الترمذي،
(1/295)
ولا يعتبر إذنهما لواجب ولا إذن جد وجدة،
وكذا لا يتطوع به مدين آدمي لا وفاء له إلا مع إذن أو رهن محرز أو كفيل
مليء.
ويتفقد الإمام) وجوبا جيشه عند المسير، ويمنع) من لا يصلح لحرب من رجال
وخيل كـ (المخذل) الذي يفند الناس عن القتال ويزهدهم فيه (والمرجف) كالذي
يقول: هلكت سريه المسلمين، وما لهم مدد أو طاقة، وكذا من يكاتب بأخبارنا أو
يرمي بيننا بفتن.
ويعرف الأمير عليهم العرفاء ويعقد لهم الألوية والرايات ويتخير لهم المنازل
ويحفظ مكامنها ويبعث العيون ليتعرف حال العدو، (وله أن ينفل) أي يعطي زيادة
على السهم (في بدايته) أي عند دخوله أرض العدو، ويبعث سرية تغير ويجعل لها
(الربع) فأقل (بعد الخمس، وفي الرجعة) أي إذا رجع من أرض العدو أو بعث سرية
ويجعل لها (الثلت) فأقل (بعده) أي بعد الخمس، ويقسم الباقي في الجيش كله
لحديث حبيب بن مسلمة «شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة» رواه أبو داود، (ويلزم الجيش
طاعته) والنصح والصبر معه) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] (ولا
يجوز) التعلف والاحتطاب و (الغزو إلا بإذنه، إلا أن يفجأهم عدو يخافون
كلبه) بفتح اللام أي شره وأذاه؛ لأن
المصلحة
تتعين في قتله إذا، ويجوز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق ولو قتل بلا قصد
صبي ونحوه، ولا يجوز قتل صبي ولا امرأة ولا خنثى وراهب وشيخ فان وزمن وأعمى
لا رأي لهم ولم يقاتلوا أو يحرضوا، ويكونون أرقاء بسبي، والمسبي غير بالغ
منفردا أو مع أحد أبويه مسلم، وإن أسلم أو مات أحد أبوي غير بالغ بدارنا
فمسلم، وكغير البالغ من بلغ مجنونا.
(1/296)
(وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار
الحرب) ويجوز قسمتها فيها لثبوت أيدينا عليها وزوال ملك الكفار عنها.
والغنيمة: ما أخذ من مال حربي قهرا بقتال وما ألحق به مشتقة من الغنم وهو
الربح، (وهي لمن شهد الوقعة) أي الحرب (من أهل القتال) بقصده قاتل أو لم
يقاتل حتى تجار العسكر وأجرائهم المستعدين للقتال لقول عمر: " الغنيمة لمن
شهد الوقعة " (فيخرج) الإمام أو نائبه (الخمس) بعد دفع سلب لقاتل وأجرة جمع
وحفظ وحمل وجعل من دل على مصلحة، ويجعله خمسة أسهم، منها سهم لله ولرسوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومصرفه كفيء، وسهم لبني هاشم وبني
المطلب حيث كانوا غنيهم وفقيرهم، وسهم لفقراء اليتامى، وسهم للمساكين، وسهم
لأبناء السبيل يعم من بجميع البلاد حسب الطاقه (ثم يقسم باقي الغنيمة) وهو
أربعة أخماسها بعد إعطاء النفل والرضخ لنحو قن ويميز على ما يراه (للراجل
سهم) ولو كافرا (وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه) إن كان عربيا؛
لأنه
«- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم
سهمان لفرسه وسهم له» ، متفق عليه عن ابن عمر، وللفارس على فرس غير عربي
سهمان فقط، ولا يسهم لأكثر من فرسين إذا كان مع رجل خيل، ولا شيء لغيرها من
البهائم لعدم وروده عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(ويشارك الجيش سراياه) التي بعثت منه من دار الحرب (فيما غنمت ويشاركونه
فيما غنم) قال ابن المنذر: روينا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «وترد سراياهم على قعدهم» وإن بعث الإمام من دار الإسلام
جيشين أو سريتين انفردت كل بما غنمت.
(والغال من الغنيمة) وهو من كتم ما غنمه أو بعضه لا يحرم سهمه و (يحرق)
وجوبا (رحله كله) ما لم يخرج عن ملكه (إلا السلاح والمصحف وما فيه روح)
وآلته
(1/297)
ونفقته وكتب علم وثيابه التي عليه وما لا
تأكله النار فله، قال يزيد بن يزيد بن جابر: السنة في الذي يغل أن يحرق
رحله، رواه سعيد في " سننه ".
(وإذا غنموا) أي المسلمون (أرضا) بأن فتحوها عنوة (بالسيف) فأجلوا عنها
أهلها (خير الإمام بين قسمها) بين الغانمين (ووقفها على المسلمين) بلفظ من
ألفاظ الوقف، (ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي بيده) من مسلم وذمي
ويكون أجرة لها في كل عام كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما فتحه
من أرض الشام والعراق ومصر، وكذا الأرض التي جلوا عنها خوفا منا أو
صالحناهم على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج، بخلاف ما صولحوا على أنها لهم
ولنا الخراج عنها فهي كجزية تسقط بإسلامهم.
(والمرجع في) مقدار (الخراج والجزية) حين وضعهما (إلى اجتهاد الإمام)
الواضع لهما فيضعه بحسب اجتهاده؛ لأنه أجرة يختلف باختلاف الأزمنة، فلا
يلزم الرجوع إلى ما وضعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وما وضعه هو أو
غيره من الأئمة ليس لأحد تغييره ما لم يتغير السبب كما في " الأحكام
السلطانية " لأن تقديره ذلك حكم، والخراج على أرض لها ماء تسقى به ولو لم
تزرع لا على مساكن.
(ومن عجز عن عمارة أرضه) الخراجية (أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها)
بإجارة أو غيرها، لأن الأرض للمسلمين فلا يجوز تعطيلها عليهم، (ويجري فيها
الميراث) فتنقل إلى وارث من كانت بيده على الوجه الذي كانت عليه في يد
مورثه فإن آثر بها أحدا صار الثاني أحق بها كالمستأجرة، ولا خراج على مزارع
مكة والحرم.
وما أخذ) بحق بغير قتال من مال مشرك) أي كافر كجزية وخراج وعشر) تجارة من
حربي أو نصفه من ذمي اتجر إلينا (وما تركوه فزعا) منا أو تخلف عن ميت لا
وارث له، (وخمس خمس الغنيمة فـ) هو (فيء) سمي بذلك؛ لأنه رجع من المشركين
إلى المسلمين، وأصل الفيء الرجوع (يصرف في مصالح المسلمين) ولا يختص
بالمقاتلة ويبدأ بالأهم فالأهم من سد بثق وتعزيل نهر وعمل قنطرة ورزق نحو
قضاة، ويقسم فاضل بين أحرار المسلمين غنيهم وفقيرهم.
(1/298)
[فصل فيمن يصح
منه الأمان]
فصل ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنا أو أنثى بلا ضرر، في
عشر سنين فأقل منجزا ومعلقا من إمام لجميع المشركين، ومن أمير لأهل بلدة
جعل بإزائهم، ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين عرفا، ويحرم به قتل ورق وأسر
ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يرد إلى
مأمنه.
والهدنة: عقد الإمام أونائبه على ترك القتال مدة معلومة ولو طالت بقدر
الحاجة، وهي لازمة يجوز عقدها
لمصلحة
حيث جاز تأخير الجهاد لنحو ضعف بالمسلمين ولو بمال منا ضرورة.
ويجوز شرط رد رجل جاء منهم مسلما للحاجة وأمره سرا بقتالهم والفرار منهم،
ولو هرب قن فأسلم لم يرد وهو حر، ويؤخذون بجنايتهم على مسلم من مال وقود
وحد، ويجوز قتل رهائنهم إن قتلوا رهائننا، وإن خيف نقض عهدهم أعلمهم أنه لم
يبق بينه وبينهم عهد قبل الإغارة عليهم.
[باب عقد الذمة]
وأحكامها الذمة لغة: العهد والضمان والأمان، ومعنى عقد الذمة: إقرار بعض
الكفار على
كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى:
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
(لا يعقد) أي لا يصح عقد الذمة لغير المجوس) لأنه يروى أنه كان لهم كتاب
(1/299)
فرفع فصارت لهم بذلك شبهة، ولأنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ الجزية من مجوس هجر، رواه البخاري عن عبد
الرحمن بن عوف، (وأهل الكتابين) اليهود والنصارى على اختلاف طوائفهم (ومن
تبعهم) فتدين لهم بأحد الدينين كالسامرة والفرنج والصابئين لعموم قَوْله
تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [آل عمران:
186] ، (ولا يعقدها) أي لا يصح عقد الذمة إلا) من إمام أو نائبه) عقد مؤبد
فلا يفتأت على الإمام فيه، ويجب إذا اجتمعت شروطه.
(ولا جزية) وهي مال يؤخذ منهم على وجه الصغار كل عام بدلا عن قتلهم
وإقامتهم بدارنا على صبي ولا امرأة) ومجنون وزمن وأعمى وشيخ فان وخنثى مشكل
(ولا عبد ولا فقير يعجز عنها) وتجب على عتيق ولو لمسلم (ومن صار أهلا لها)
أي للجزية (أخذت منه في آخر الحول) بالحساب.
(ومتى بذلوا الواجب عليهم) من الجزية وجب قبوله) منهم، وحرم قتالهم) وأخذ
ما لهم ووجب دفع من قصدهم بأذى ما لم يكونوا بدار حرب، ومن أسلم بعد الحول
سقطت عنه، (ويمتهنون عند أخذها) أي أخذ الجزية (ويطال وقوفهم وتجر أيديهم)
وجوبا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ولا يقبل
إرسالها.
[فصل في أحكام أهل الذمة]
(ويلزم الإمام أخذهم) أي أخذ أهل الذمة بحكم الإسلام) في (ضمان النفس
والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه) كالزنا (دون ما
يعتقدون حله) كالخمر؛ لأن عقد الذمة لا يصح إلا بالتزام أحكام الإسلام كما
تقدم، وروى ابن عمر أن
(1/300)
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما» .
(ويلزمهم التميز عن المسلمين) بالقبور بأن لا يدفنوا في مقابرنا والحلي
بحذف مقدم رؤوسهم لا كعادة الأشراف ونحو شد زنار، ولدخول حمامنا بجلجل أو
نحو خاتم رصاص برقابهم، (ولهم ركوب غير الخيل) كالحمير (بغير سرج) فيركبون
(بإكاف) وهو البرذعة لما روى الخلال أن عمر أمر بجز نواصي أهل الجزيرة، وأن
يشدوا المناطق وأن يركبوا الأكف بالعرض.
(ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم ولا بدأتهم بالسلام) أو بـ "
كيف أصبحت " أو أمسيت أو حالك ولا تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم وشهادة
أعيادهم لحديث أبى هريرة مرفوعا «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا
لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها» قال الترمذي حديث حسن صحيح.
(ويمنعون من إحداث كنائس وبيع) ومجتمع لصلاة في دارنا (و) من (بناء ما
انهدم منها ولو ظلما) لما روى كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تبنى الكنيسة في
الإسلام، ولا يجدد ما خرب منها» ، (و) يمنعون أيضا من تعلية بنيان على
مسلم) ولو رضي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإسلام يعلو
ولا يعلى» وسواء لاصقه أو لا إذا كان يعد جارا له، فإن علاه وجب نقضه،
(1/301)
و (لا) يمنعون من (مساواته) أي البنيان
(له) أي لبناء المسلم؛ لأن ذلك لا يفضي إلى العلو، وما ملكوه عاليا من مسلم
لا ينقض ولا يعاد عاليا لو انهدم.
و) يمنعون أيضا (من إظهار خمر وخنزير) فإن فعلوا أتلفناهما، (و) من إظهار
(ناقوس وجهر بكتابهم) ورفع صوت على ميت ومن قراءة قرآن ومن إظهار أكل وشرب
بنهار رمضان، وإن صالحوا في بلادهم على جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا من
ذلك، وليس لكافر دخول مسجد ولو إذن له مسلم.
وإن تحاكموا إلينا فلنا الحكم والترك لقوله
تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}
[المائدة: 42] ، وإن اتجر إلينا حربي أخذ من العشر وذمي نصف العشر؛ لفعل
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرة في السنة فقط، ولا تعشر أموال المسلمين.
(وإن تهود نصراني أو عكسه) بأن تنصر يهودي لم يقر) لأنه انتقل إلى دين باطل
قد أقر ببطلانه أشبه المرتد، (ولم يقبل منه إلا الإسلام أو دينه) الأول،
فإن أباهما هدد وحبس وضرب، وقيل للإمام: أنقتله؟ قال: لا.
[فصل فيما ينقض العهد]
(فإن أبي الذمي بذل الجزية) أو الصغار أو التزام حكم الإسلام) أو قاتلنا
(أو تعدى على مسلم بقتل أو زنا) بمسلمة وقياسه اللواط (أو) تعدى بـ (قطع
طريق أو
(1/302)
تجسس أو آوى جاسوسا أو ذكر الله أو رسوله
أو كتابه) أو دينه (بسوء انتقض عهده) لأن هذا ضرر يعم المسلمين، وكذا لو
لحق بدار حرب لا إن أظهر منكرا أو قذف مسلما، وينقض بما تقدم عهده (دون)
عهد (نسائه وأولاده) فلا ينتقض عهدهم تبعا له لأن النقض وجد منه فاختص به
(وحل دمه) ولو قال: تبت فيخير فيه الإمام كأسير حربي بين قتل ورق ومن وفداء
بمال أو أسير مسلم (و) حل (ماله) لأنه لا حرمة له في نفسه، بل هو تابع
لمالكه فيكون فيئا وإن أسلم حرم قتله.
* * *
(1/303)
|