الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

 [كتاب البيع]
جائز بالإجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
(وهو) في اللغة: أخذ شيء وإعطاء شيء قاله ابن هبيرة، مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء.
وشرعا: (مبادلة مال ولو في الذمة) بقول أو معاطاة.
والمال عين مباحة النفع بلا حاجة (أو منفعة مباحة) مطلقا (كممر) في دار أو غيرها (بمثل أحدهما) متعلق بمبادلة أي بمال أو منفعة مباحة فتناول تسع صور: عين بعين أو دين، أو منفعة دين بعين، أو دين بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق، أو بمنفعة منفعة بعين، أو دين أو منفعة.
وقوله: (على التأبيد) يخرج الإجارة (غير ربا وقرض) فلا يسميان بيعا وإن وجدت فيهما المبادلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، والمقصود الأعظم في القرض الإرفاق وإن قصد فيه التملك أيضا.

وينعقد) البيع بإيجاب وقبول) بفتح القاف، وحكي ضمها (بعده) أي بعد الإيجاب فيقول البائع: بعتك أو ملكتك أو نحوه بكذا، ويقول المشتري: ابتعت أو قبلت ونحوه، (و) يصح القبول أيضا (قبله) أي قبل الإيجاب بلفظ أمر أو ماض مجرد عن استفهام ونحوه؛ لأن المعنى حاصل به، ويصح القبول متراخيا عنه) أي عن الإيجاب ما داما (في مجلسه) لأن حالة المجلس كحالة العقد (فإن تشاغلا بما يقطعه) عرفا أو انقضى المجلس قبل القبول (بطل) لأنهما

(1/304)


صارا معرضين عن البيع، وإن خالف القبول الإيجاب لم ينعقد.
(وهي) أي الصورة المذكورة أي الإيجاب والقبول (الصيغة القولية) للبيع، (و) ينعقد أيضا بمعاطاة وهي) الصيغة (الفعلية) مثل أن يقول: أعطني بدرهم خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع: خذ هذا بدرهم فيأخذه المشتري أو وضع ثمنه عادة وأخذه عقبه، فتقوم المعاطاة مقام الإيجاب والقبول للدلالة على الرضا لعدم التعبد فيه، وكذا حكم الهبة والهدية والصدقة، ولا بأس بذوق المبيع حال الشراء.
(ويشترط) للبيع سبعة شروط:
أحدها: التراضي منهما) أي من المتعاقدين (فلا يصح) البيع (من مكره بلا حق) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما البيع عن تراض» رواه ابن حبان، فإن أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه صح لأنه حمل عليه بحق، وإن أكره على وزن مال فباع ملكه كره الشراء منه وصح.

و) الشرط الثاني أن يكون العاقد) وهو البائع والمشتري جائز التصرف) أي حرا مكلفا رشيدا (فلا يصح تصرف صبي وسفيه بغير إذن ولي) فإن أذن صح لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أي اختبروهم، وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليه، ويحرم الإذن بلا مصلحة، وينفذ تصرفهما في الشيء اليسير بلا إذن وتصرف العبد بإذن سيده.

و) الشرط الثالث أن تكون العين) المعقود عليها أو على منفعتها مباحة النفع من غير حاجة) بخلاف الكلب لأنه إنما يقتنى لصيد أو حرث أو ماشية، وبخلاف جلد

(1/305)


ميتة ولو مدبوغا لأنه إنما يباح في يابس، والعين هنا مقابل المنفعة فتتناول ما في الذمة (كالبغل والحمار) ؛ لأن الناس يتبايعون ذلك في كل عصر من غير نكير، (و) كـ (دود القز) لأنه حيوان طاهر يقتنى لما يخرج منه، (و) كـ (بزره) لأنه ينتفع به في المآل، (و) كـ (الفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد) كالفهد والصقر لأنه يباح نفعها واقتناؤها مطلقا (إلا الكلب) فلا يصح بيعه لقول ابن مسعود: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب» متفق عليه، ولا بيع آلة لهو وخمر ولو كانا ذميين، (والحشرات) لا يصح بيعها؛ لأنه لا نفع فيها إلا علقا لمص الدم وديدانا لصيد السمك وما يصاد عليه كبومة شباشا، (والمصحف) لا يصح بيعه، ذكر في " المبدع " أن الأشهر لا يجوز بيعه، قال أحمد: " لا نعلم في بيع المصحف رخصة "، قال ابن عمر: " وددت أن الأيدي تقطع في بيعها " ولأن تعظيمه واجب، وفي بيعه ابتذال له، ولا يكره إبداله وشراؤه استنقاذا، وفي كلام بعضهم يعني من

(1/306)


كافر، ومقتضاه أنه إن كان البائع مسلما حرم الشراء منه لعدم دعاء الحاجة إليه بخلاف الكافر، ومفهوم " التنقيح " و " المنتهى " يصح بيعه لمسلم.
(والميتة) لا يصح بيعها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم بيع الميتة والخمر
والأصنام» متفق عليه، ويستثنى منها السمك والجراد (و) لا (السرجين النجس) لأنه كالميتة، وظاهره أنه يصح بيع الطاهر منه، قاله في " المبدع " (و) لا (الأدهان النجسة ولا المتنجسة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» وللأمر بإراقته.
(ويجوز الاستصباح بها) أي بالمتنجسة على وجه لا تتعدى نجاسته كالانتفاع بجلد الميتة المدبوغ (في غير مسجد) لأنه يؤدي إلى تنجيسه، ولا يجوز الاستصباح بنجس العين، ولا يجوز بيع سم قاتل.

(و) الشرط الرابع (أن يكون) العقد من مالك) للمعقود عليه أو من يقوم مقامه) كالوكيل والوالي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، وخص منه المأذون فيه لقيامه مقام المالك، (فإن باع ملك غيره) بغير إذنه لم يصح ولو مع حضوره وسكوته ولو أجازه المالك ما لم يحكم به من يراه (أو اشترى بعين ماله) أي مال غيره (بلا إذنه لم يصح) ولو أجيز لفوات شرطه، (وإن اشترى له) أي لغيره (في ذمته بلا إذنه ولم يسمه في العقد صح) العقد لأنه

(1/307)


متصرف في ذمته وهي قابلة للتصرف، ويصير ملكا لمن الشراء (له) من حين العقد (بالإجازة) لأنه اشترى لأجله ونزل المشتري نفسه منزلة الوكيل فملكه من اشترى له كما لو أذن، (ولزم) العقد (المشتري بعدمها) أي عدم الإجازة، لأنه لم يأذن فيه، فتعين كونه للمشتري (ملكا) كما لو لم ينوه غيره، وإن سمى في العقد من اشترى له لم يصح.
وإن باع ما يظنه لغيره فبان وارثا أو وكيلا صح. (ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة كأرض الشام ومصر والعراق) وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقفها على المسلمين، وأما المساكن فيصح بيعها؛ لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير ولو كانت آلتها من أرض العنوة أو كانت موجودة حال الفتح، وكأرض العنوة في ذلك ما جلوا عنه فزعا منا وما صولحوا على أنه لنا ونقره معهم
بالخراج بخلاف ما صولحوا على أنها لهم كالحيرة وأليس وبانقياء وأرض بني صلوبا من أراضي العراق فيصح بيعها كالتي أسلم أهلها عليها كالمدينة، (بل) يصح أن (تؤجر) أرض العنوة ونحوها لأنها مؤجرة في أيدي أربابها بالخراج المضروب عليها في كل عام وإجارة المؤجرة جائزة.
ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها لما روى سعيد بن منصور عن مجاهد مرفوعا «رباع مكة حرام بيعها، حرام إجارتها» ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا «مكة لا تباع رباعها ولا تكرى بيوتها» رواه الأثرم، فإن سكن بأجرة لم يأثم بدفعها، جزم به في " المغني " وغيره.

(1/308)


(ولا يصح بيع نقع البئر) وماء العيون لأن ماءها لا يملك لحديث: «المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار» رواه أبو داود وابن ماجه، بل رب الأرض أحق به من غيره لأنه [صار] في ملكه، (ولا) يصح بيع ما ينبت في أرضه من كلأ وشوك) لما تقدم وكذا معادن جارية كنفط وملح، وكذا لو عشش في أرضه طير لأنه لا يملكه به فلم يجز بيعه (ويملكه آخذه) لأنه من المباح لكن لا يجوز دخول ملك غيره بغير إذنه، وحرم منع مستأذن بلا ضرر.

و) الشرط الخامس: أن يكون) المعقود عليه مقدورا على تسليمه) لأن مالا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم فلم يصح بيعه.
(فلا يصح بيع آبق) علم خبره أو لا، لما رواه أحمد عن أبي سعيد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن شراء العبد وهو آبق» ، (و) لا بيع (شارد) ولا (طير في هواء) ولو ألف الرجوع إلا أن يكون بمغلق ولو طال زمن أخذه، (و) لا يبع سمك في ماء) لأنه غرر ما لم يكن مرئيا بمحوز يسهل أخذه منه لأنه معلوم يمكن تسليمه، (ولا) يصح بيع مغصوب من غير غاصبه أو قادر على أخذه) من غاصبه لأنه لا
يقدر على تسليمه، فإن باعه من غاصبه أو قادر على أخذه صح لعدم الغرر، فإن عجز بعد فله الفسخ.

(و) الشرط السادس أن يكون) المبيع معلوما) عند المتعاقدين لأن جهالة المبيع

(1/309)


غرر ومعرفة المبيع إما (برؤية) له أو لبعضه الدال عليه مقارنة أو متقدمة بزمن لا يتغير فيه المبيع ظاهرا، ويلحق بذلك ما عرف بلمسه أو شمه أو ذوقه (أو صفة) تكفي في السلم فتقوم مقام الرؤية في بيع ما يجوز السلم فيه خاصة، ولا يصح بيع الأنموذج بأن يريه صاعا مثلا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه، ويصح بيع الأعمى وشراؤه بالوصف واللمس والشم والذوق فيما يعرف به كتوكيله، (فإن اشترى ما لم يره) بلا وصف (أو رآه وجهله) بأن لم يعلم ما هو (أو وصف له بما لا يكفي سلما لم يصح) البيع لعدم العلم بالمبيع.
(ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين) للجهالة، فإن باع ذات لبن أو حمل، دخلا تبعا.
(ولا) يباع (مسك في فأرته) أي الوعاء الذي يكون فيه للجهالة، (ولا نوى في تمر) للجهالة، (و) لا (صوف على ظهر) لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه في حديث ابن عباس، ولأنه متصل

(1/310)


بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه، (و) لا بيع فجل ونحوه) مما المقصود منه مستتر بالأرض قبل قلعه) للجهالة.
(ولا يصح بيع الملامسة) بأن يقول: بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، (و) لا بيع المنابذة) كأن يقول: أي ثوب نبذته إلي أي طرحته فعليك بكذا لقول أبى هريرة: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الملامسة والمنابذة» متفق عليه، وكذا بيع الحصاة كارمها فعلى أي ثوب وقعت فلك بكذا ونحوه، (ولا) بيع عبد) غير معين من عبيده ونحوه) كشاة من قطيع وشجرة من بستان للجهالة ولو تساوت القيم.
(ولا) يصح (استثناؤه إلا معينا) فلا يصح، بعتك هؤلاء العبيد إلا واحدا للجهالة
ويصح إلا هذا ونحوه، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن الثنيا إلا أن تعلم» ، قال الترمذي: حديث صحيح، (وإن استثنى بائع من حيوان يؤكل رأسه وجلده وأطرافه صح) لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خروجه من مكة إلى المدينة، رواه أبو الخطاب، فإن امتنع المشتري من ذبحه لم يجبر بلا شرط ولزمته قيمته على التقريب وللمشتري الفسخ بعيب يختص هذا المستثنى، (وعكسه) أي عكس استثناء الأطراف في الحكم استثناء (الشحم والحمل)

(1/311)


ونحوه مما لا يصح إفراده بالبيع فيبطل باستثنائه، وكذا لو استثنى منه رطلا من لحم أو نحوه.
(ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبطيخ) وبيض لدعاء الحاجة لذلك ولكونه
مصلحة
لفساده بإزالته. (و) يصح (بيع الباقلاء ونحوه) كالحمص والجوز واللوز (في قشره) يعني ولو تعدد قشره لأنه مضاف فيعم، وعبارة الأصحاب في قشريه لأنه مستور بحائل من أصل خلقته أشبه الرمان، (و) يصح بيع (الحب المشتد في سنبله) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الاشتداد غاية للبيع وما بعد الغاية يخالف ما قبلها فوجب زوال المنع.

(و) الشرط السابع: أن يكون الثمن معلوما) للمتعاقدين أيضا كما تقدم لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالمبيع (فإن باعه برقمه) أي ثمنه المكتوب - عليه وهما يجهلانه أو أحدهما - لم يصح للجهالة، (أو) باعه (بألف درهم ذهبا وفضة) لم يصح لأن مقدار كل جنس منهما مجهول، (أو) باعه (بما ينقطع به السعر) أي بما يقف عليه من غير زيادة لم يصح للجهالة، (أو) باعه (بما باع) به (زيد وجهلاه، أو) جهله (أحدهما لم يصح) البيع للجهل بالثمن، وكذا لو باعه كما يبيع الناس أو بدينار أو درهم مطلق وثم نقود متساوية رواجا،

(1/312)


وإن لم يكن إلا واحدا أو غلب صح وصرف إليه، ويكفي علم الثمن بالمشاهدة كصبرة من دراهم أو فلوس، ووزن صنجة وملء كيل مجهولين.
(وإن باع ثوبا أو صبرة) وهي الكومة المجموعة من الطعام، (أو) باع (قطيعا من الغنم كل ذراع) من الثوب بكذا، (أو) كل
(قفيز) من الصبرة بكذا (أو) كل (شاة) من القطيع (بدرهم صح) البيع ولو لم يعلما قدر الثوب والصبرة والقطيع لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهي الكيل والعد والذرع.
(وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم) لم يصح لأن " من " للتبعيض، و" كل" للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما سبق؛ لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة وكذا لو باعه من الثوب كل ذراع بكذا أو من القطيع كل شاة بكذا لم يصح لما ذكر، (أو) باعه (بمائة درهم إلا دينارا) لم يصح، (وعكسه) بأن باع بدينار أو دنانير إلا درهما لم يصح لأن قيمة المستثنى مجهولة فيلزم الجهل بالثمن، إذ استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا، (أو باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه) كهذه الفرس وما في بطن أخرى (ولم يقل كل منهما بكذا لم يصح) البيع لأن الثمن يوزع على المبيع بالقيمة والمجهول لا يمكن تقويمه فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم، وكذا لو باعه بمائة ورطل خمر وإن قال كل منهما: بكذا صح في المعلوم بثمنه للعلم به، (فإن لم يتعذر) علم مجهول أبيع مع معلوم

(1/313)


(صح في المعلوم بقسطه) من الثمن لعدم الجهالة وهذه مسائل تفريق الصفقة الثلاث.
والثانية أشير إليها بقوله: (ولو مشاعا بينه وبين غيره كعبد) مشترك بينهما (أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء) كقفيزين متساويين لهما (صح) البيع (في نصيب بقسطه) من الثمن لفقد الجهالة في الثمن لانقسامه على الأجزاء، ولم يصح في نصيب شريكه لعدم إذنه.
والثالثة ذكرها بقوله: (وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه أو) باع (عبدا وحرا أو) باع (خلا وخمرا صفقة واحدة) بثمن واحد (صح) البيع (في عبده) بقسطه (وفي الخل بقسطه) من الثمن لأن كل واحد منهما له حكم يخصه، فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما ويقدر خمر خلا وحر عبدا ليتقسط الثمن (ولمشتر الخيار إن جهل الحال) بين إمساك ما يصح فيه البيع بقسطه من الثمن وبين رد المبيع لتبعيض الصفقة عليه، وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه أو باع عبديه لاثنين، أو اشترى عبدين من اثنين أو وكليهما بثمن واحد صح وقسط الثمن على قيمتهما، وكبيع إجارة ورهن وصلح ونحوها.

[فصل لا يصح البيع ولا الشراء بعد النداء الثاني]
فصل (ولا يصح البيع) ولا الشراء ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني) أي الذي عند
المنبر عقب جلوس الإمام على المنبر لأنه الذي كان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاختص به الحكم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ، والنهي يقتضي الفساد، وكذا قبل النداء لمن منزله بعيد في وقت وجوب السعي عليه، وتحرم المساومة

(1/314)


والمناداة إذن لأنهما وسيلة للبيع المحرم، وكذا لو تضايق وقت مكتوبة.
(ويصح) بعد النداء المذكور البيع لحاجة كمضطر إلى طعام أو سترة ونحوهما إذا وجد ذلك يباع. ويصح أيضا (النكاح وسائر العقود) كالقرض والرهن والضمان والإجارة وإمضاء بيع خيار لأن ذلك يقل وقوعه فلا تكون إباحته ذريعة إلى فوات الجمعة أو بعضها بخلاف البيع.

(ولا يصح بيع عصير) ونحوه ممن يتخذه خمرا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، (ولا) بيع (سلاح في فتنة) بين المسلمين لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنه قاله أحمد، قال: وقد يقتل به، وكذا بيعه لأهل حرب أو قطاع طريق لأنه إعانة على معصية، ولا بيع مأكول ومشموم لمن يشرب عليهما المسكر، ولا قدح لمن يشرب به، خمرا ولا جوز وبيض لقمار، ويحرم أكله ونحو ذلك. (ولا) بيع عبد مسلم لكافر إذا لم يعتق عليه) لأنه ممنوع من استدامة ملكه عليه لما فيه من الصغار فمنع من ابتدائه، فإن كان يعتق عليه بالشراء صح؛ لأنه وسيلة إلى حريته.

(1/315)


(وإن أسلم) قن في يده) أي يد كافر أو عند مشتريه منه ثم رده لنحو عيب (أجبر على إزالة ملكه) عنه بنحو بيع أو هبة أو عتق لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، (ولا تكفي مكاتبته) لأنها لا تزيل ملك سيده عنه ولا بيعه بخيار لعدم انقطاع علقه عنه، (وإن جمع) في عقد (بين بيع وكتابة) بأن باع عبده شيئا وكاتبه بعوض واحد صفقة واحدة (أو) جمع بين (بيع وصرف) أو إجارة أو خلع أو نكاح بعوض واحد (صح) البيع وما جمع إليه (في غير الكتابة) فيبطل البيع؛ لأنه باع ماله لماله، وتصح هي لأن البطلان وجد في البيع فاختص به، (ويقسط العوض عليهما) أي على المبيع وما جمع إليه بالقيم.

(ويحرم بيعه على بيع أخيه) المسلم (كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك
مثلها بتسعة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» (و) يحرم أيضا (شراؤه على شرائه كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة) لأنه في معنى البيع عليه المنهي عنه، ومحل ذلك إذا وقع في زمن الخيارين (ليفسخ) المقول له العقد (ويعقد معه) ، وكذا سومه على سومه بعد الرضا صريحا لا بعد رد.
(ويبطل العقد فيهما) أي في البيع على بيعه والشراء على شرائه، ويصح في السوم على سومه، والإجارة كالبيع في ذلك،

(1/316)


ويحرم بيع حاضر لباد ويبطل إن قدم ليبيع سلعته بسعر يومها جاهلا بسعرها، وقصده الحاضر وبالناس حاجة إليها.

(ومن باع ربويا بنسيئة) أي مؤجل وكذا حال لم يقبض (واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة) كثمن بر اعتاض عنه برا أو غيره من المكيلات لم يجز؛ لأنه ذريعة لبيع الربوي بالربوي نسيئة، وإن اشترى من المشتري طعاما بدراهم وسلمها إليه ثم أخذها منه وفاء أو لم يسلمها إليه لكن قاصه جاز، (أو اشترى شيئا) ولو غير ربوي (نقدا بدون ما باع به نسيئة) أو حالا لم يقبض، (لا بالعكس لم يجز) لأنه ذريعة إلى الربا ليبيع ألفا بخمسمائة وتسمى: مسألة العينة، وقوله: بالعكس، يعني: لا إن اشتراه بأكثر مما باعه به فإنه جائز كما لو اشتراه بمثله، وأما عكس مسألة العينة بأن باع سلعة بنقد ثم اشتراه بأكثر منه نسيئة فنقل أبو داود: يجوز بلا حيلة، ونقل حرب: أنها مثل مسألة العينة، وجزم به المصنف في " الإقناع " وصاحب " المنتهى " وقدمه في " المبدع " وغيره.
قال في (شرح المنتهى) : وهو المذهب لأنه يتخذ وسيلة للربا كمسألة العينة، وكذا العقد الأول فيهما حيث كان وسيلة إلى الثاني فيحرم، ولا يصح. (وإن اشتراه) أي اشترى المبيع في مسألة العينة أو عكسها (بغير جنسه) بأن باعه بذهب ثم اشتراه بفضة أو بالعكس (أو) اشتراه (بعد قبض ثمنه أو بعد تغير صفته) بأن هزل العبد أو نسي صنعته أو تخرق الثوب، (أو) اشتراه (من غير مشتريه) بأن باعه مشتريه أو وهبه ونحوه ثم اشتراه بائعه ممن صار إليه جاز، (أو اشتراه أبوه) أي أبو بائعه (أو ابنه) أو مكاتبه أو زوجته (جاز) الشراء ما لم يكن حيلة على التوصل إلى فعل

(1/317)


مسألة العينة، ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس، وتسمى: مسألة
التورق، ويحرم التسعير والاحتكار في قوت آدمي ويجبر على بيعه كما يبيع الناس، ولا يكره إدخار قوت أهله ودوابه، ويسن الإشهاد على البيع.

[باب الشروط في البيع]
والشرط هنا: إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة، ومحل المعتبر منها صلب العقد، وهي ضربان:
ذكر الأول منهما بقوله: (منها صحيح) وهو ما وافق مقتضى العقد، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها - شرط مقتضى البيع كالتقابض وحلول الثمن فلا يؤثر فيه لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد فلذلك أسقطه المصنف.
الثاني - شرط ما كان من مصلحة العقد (كالرهن المعين) أو الضامن المعين (و) كـ

(1/318)


(تأجيل ثمن) أو بعضه إلى مدة معلومة (و) كشرط صفة في المبيع كـ (كون العبد كاتبا أو خصيا أو مسلما) أو خياطا مثلا (والأمة بكرا) أو تحيض والدابة هملاجة والفهد أو نحوه صيودا فيصح، فإن وفى بالشرط وإلا فلصاحبه الفسخ أو أرش فقد الصفة، وإن تعذر رد تعين أرش وإن شرط صفة فبان أعلا منها فلا خيار.
(و) الثالث - شرط بائع نفعا معلوما في مبيع غير وطء ودواعيه (نحو أن يشترط البائع سكنى الدار) أو نحوها (شهرا وحملان البعير) أو نحوه المبيع (إلى موضع معين) لما روى جابر أنه باع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جملا واشترط ظهره إلى المدينة، متفق عليه، واحتج في التعليق والانتصار وغيرهما بشراء عثمان من صهيب أرضا وشرط وقفها عليه وعلى عقبه، ذكره في " المبدع "، ومقتضاه صحة الشرط المذكور ولبائع إجارة وإعارة ما استثنى وإن تعذر انتفاعه بسبب مشتر فعليه أجرة المثل له، (أو شرط المشتري على البائع) نفعا معلوما في مبيع كـ (حمل الحطب) المبيع إلى موضع معلوم (أو تكسيره أو خياطة الثوب) المبيع (أو تفصيله) إذا بين نوع الخياطة أو التفصيل، واحتج أحمد لذلك بما روي أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب وشارطه على حملها، ولأنه بيع وإجارة، فالبائع كالأجير، وإن تراضيا
على أخذ أجرته ولو بلا عذر جاز.
(وإن جمع بين شرطين) من غير النوعين الأولين كحمل حطب وتكسيره وخياطة ثوب وتفصيله (بطل البيع) لما روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه

(1/319)


قال: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

والضرب الثاني من الشروط أشار إليه بقوله: ومنها فاسد) وهو ما ينافي مقتضى العقد، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: (يبطل العقد) من أصله (كاشتراط أحدهما على الآخر عقدا آخر كسلف) أي سلم (وقرض وبيع وإجارة وصرف) للثمن أو غيره وشركة وهو بيعتان في بيعة المنهي عنه قاله أحمد.

الثاني: ما يصح معه البيع وقد ذكره بقوله: (وإن شرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده أو) شرط أن (لا يبيع) المبيع (ولا يهبه ولا يعتقه أو) شرط (إن عتق فالولاء له) أي للبائع، (أو) شرط البائع على المشتري (أن يفعل ذلك) أي أن يبيع المبيع أو يهبه ونحوه (بطل الشرط وحده) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اشترط شرطا ليس في كتاب

(1/320)


الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» متفق عليه، والبيع صحيح لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بريرة أبطل الشرط ولم يبطل العقد (إلا إذا شرط) البائع العتق) على المشتري فيصح الشرط أيضا ويجبر المشتري على العتق إن أباه والولاء له، فإن أصر أعتقه حاكم، وكذا شرط رهن فاسد كخمر ومجهول وخيار أو أجل مجهولين ونحو ذلك فيصح البيع ويفسد الشرط، (و) إن قال البائع: (بعتك) كذا بكذا (على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث) ليال مثلا أو على أن ترهنه بثمنه (وإلا) تفعل ذلك (فلا بيع بيننا) وقبل المشتري (صح) البيع والتعليق كما لو شرط الخيار وينفسخ إن لم يفعل.

(و) الثالث: ما لا ينعقد معه بيع نحو (بعتك إن جئتني بكذا أو) إن (رضي زيد)
بكذا، وكذا تعليق القبول (أو يقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك) في محله (وإلا فالرهن لك لا يصح البيع) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن من صاحبه» رواه الأثرم وفسره أحمد بذلك، وكذا كل بيع علق على شرط مستقبل غير " إن شاء الله " وغير " بيع العربون " بأن يدفع بعد العقد شيئا ويقول: إن أخذت المبيع أتممت الثمن وإلا فهو لك فيصح لفعل - عمر -

(1/321)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمدفوع للبائع إن لم يتم البيع والإجارة مثله.
(وإن باعه) شيئا وشرط البراءة من كل عيب مجهول) أو من عيب كذا إن كان (لم يبرأ) البائع فإن وجد المشتري بالمبيع عيبا فله الخيار لأنه إنما يثبت بعد البيع فلا يسقط بإسقاطه قبله، وإن سمى العيب أو أبرأه المشتري بعد العقد برئ، (وإن باعه دارا) أو نحوها مما يذرع (على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر) من عشرة (أو أقل) منها (صح) البيع والزيادة للبائع والنقص عليه، (ولمن جهله) أي الحال من زيادة أو نقصان (وفات غرضه الخيار) فلكل منهما الفسخ ما لم يعط البائع الزيادة للمشتري مجانا في المسألة الأولى أو يرضى المشتري بالنقص بأخذه بكل الثمن في الثانية لعدم فوات الغرض، وإن تراضيا على المعاوضة عن الزيادة أو النقص جاز ولا يجبر أحدهما على ذلك، وإن كان البيع نحو صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت أقل أو أكثر صح البيع ولا خيار، والزيادة للبائع والنقص عليه.

[باب الخيار وقبض المبيع والإقالة]
الخيار اسم مصدر اختار، أي طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ.
(وهو) ثمانية (أقسام: الأول: خيار المجلس) بكسر اللام: موضع الجلوس وهو هنا مكان التبايع (يثبت) خيار المجلس (في البيع) لحديث ابن عمر يرفعه «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر، فإن

(1/322)


خير أحدهما [الآخر] فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع» متفق عليه، لكن يستثني من البيع الكتابة وتولي طرفي العقد وشراء من يعتق عليه أو اعترف بحريته قبل الشراء (و) كالبيع (الصلح بمعناه) كما لو أقر بدين أو عين ثم صالحه عنه بعوض وقسمة التراضي والهبة على عوض
لأنها نوع من البيع (و) كبيع أيضا (إجارة) لأنها عقد معاوضة أشبهت البيع (و) كذا (الصرف والسلم) لتناول البيع لهما (دون سائر العقود) كالمساقاة والحوالة والوقف والرهن والضمان.

(ولكل من المتبايعين) ومن في معناهما ممن تقدم الخيار ما لم يتفرقا عرفا بأبدانهما) من مكان التبايع، فإن كانا في مكان واسع كصحراء فبأن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات، وإن كانا في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت فبأن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى نحو صفة، وإن كانا في دار صغيرة فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد افترقا، وإن كانا في سفينة كبيرة فبصعود أحدهما أعلاها إن كانا أسفل أو بالعكس، وإن كانت صغيرة فبخروج أحدهما منها، ولو حجز بينهما بحاجز كحائط أو ناما لم يعد تفرقا لبقائهما بأبدانهما بمحل العقد ولو طالت المدة، (وإن نفياه) أي الخيار بأن تبايعا على أن لا خيار بينهما لزم بمجرد العقد

(1/323)


(أو أسقطاه) أي الخيار بعد العقد (سقط) لأن الخيار حق للعاقد فسقط بإسقاطه، (وإن أسقطه أحدهما) أي أحد المتبايعين أو قال لصاحبه: اختر سقط خياره، و (بقى خيار الآخر) لأنه لم يحصل منه إسقاط لخياره بخلاف صاحبه وتحرم الفرقة خشية الفسخ وينقطع الخيار بموت أحدهما لا بجنونه، (وإذا مضت مدته) بأن تفرقا كما تقدم (لزم البيع) بلا خلاف.

القسم (الثاني) من أقسام الخيار: خيار الشرط بـ (أن يشترطاه) أي يشترط المتعاقدان الخيار (في) صلب (العقد) أو بعده في مدة خيار المجلس أو الشرط (مدة معلومة ولو طويلة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم» ولا يصح اشتراطه بعد لزوم العقد ولا إلى أجل مجهول ولا في عقد حيلة ليربح في قرض فيحرم ولا يصح البيع.
(وابتداؤها) أي ابتداء مدة الخيار (من العقد) إن شرط في العقد، وإلا فمن حين اشترط، (وإذا مضت مدته) أي مدة الخيار ولم يفسخ لزم البيع (أو قطعاه) أي قطع المتعاقدان الخيار (بطل) ولزم البيع كما لو لم يشترطاه.

ويثبت) خيار الشرط في البيع والصلح) والقسمة والهبة (بمعناه) أي بمعنى البيع

(1/324)


كالصلح بعوض عن عين أو دين مقر به وقسمة التراضي وهبة الثواب؛ لأنها أنواع من
البيع (و) في (الإجارة في الذمة) كخياطة ثوب (أو) في إجارة (على مدة لا تلي العقد) كسنة ثلاث في سنة اثنين إذا شرط مدة تنقضي قبل دخول سنة ثلاث، فإن وليت مدة العقد كشهر من الآن لم يصح شرط الخيار لئلا يؤدي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو استيفائها في مدة الخيار وكلاهما غير جائز، ولا يثبت خيار الشرط في غير ما ذكر كصرف وسلم وضمان وكفالة، ويصح شرطه للمتعاقدين ولو وكيلين، (وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه صح) الشرط وثبت له الخيار وحده لأن الحق لهما فكيفما تراضيا به جاز، (و) إن شرطاه (إلى الغد أو الليل) صح و (يسقط بأوله) أي أول الغد أو الليل؛ لأن " إلى " لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها وإلى الصلاة يسقط بدخول وقتها، (و) يجوز لمن له الخيار الفسخ ولو مع غيبة) صاحبه (الآخر) ومع (سخطه) كالطلاق (والملك) في المبيع (مدة الخيارين) أي خيار الشرط وخيار المجلس (للمشتري) سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع» رواه مسلم، فجعل المال للمبتاع باشتراطه وهو عام في كل بيع فشمل بيع الخيار

(1/325)


(وله) أي للمشتري نماؤه) أي نماء المبيع المنفصل) كالثمرة، وكسبه) في مدة الخيارين ولو فسخاه بعد؛ لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه لحديث «الخراج بالضمان» صححه الترمذي، وأما النماء المتصل كالسمن فإنه يتبع العين مع الفسخ لتعذر انفصاله.

ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع) ولا في عوضه المعين فيها) أي في مدة الخيارين (بغير إذن الآخر) ، فلا يتصرف المشتري في المبيع بغير إذن البائع إلا معه كأن آجره له ولا يتصرف البائع في الثمن المعين زمن الخيارين إلا بإذن المشتري أو معه كأن استأجر منه به عينا، هذا إن كان التصرف (بغير تجربة المبيع) ، فإن تصرف بها لتجربته كركوب دابة لينظر سيرها، وحلب دابة ليعلم قدر لبنها لم يبطل خياره؛ لأن ذلك هو المقصود من الخيار كاستخدام الرقيق، (إلا عتق المشتري) لمبيع زمن الخيار فينفذ مع الحرمة ويسقط خيار البائع حينئذ، (وتصرف المشتري) في المبيع بشرط الخيار له زمنه بنحو وقف أو بيع أو هبة أو لمس لشهوة (فسخ لخياره) وإمضاء للبيع؛ لأنه دليل الرضا به بخلاف
تجربة المبيع واستخدامه وتصرف البائع في المبيع إذا كان الخيار له وحده ليس فسخا للبيع، ويبطل خيارهما

(1/326)


مطلقا بتلف مبيع بعد قبض وبإتلاف مشتراه إياه مطلقا، سواء قبضه أو لم يقبضه (ومن مات منهما) أي من البائع أو المشتري بشرط الخيار (بطل خياره) فلا يورث إن لم يكن طالب به قبل موته كالشفعة وحد القذف.

(الثالث) من أقسام الخيار: خيار الغبن (إذا غبن في المبيع غبنا يخرج عن العادة) لأنه لم يرد الشرع بتحديده فرجع فيه إلى العرف، وله ثلاث صور: إحداها: تلقي الركبان لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار» رواه مسلم، (و) الثانية المشار إليها بقوله: (بزيادة الناجش) الذي لا يريد شراء ولو بلا مواطأة، ومنه أعطيت كذا وهو كاذب لتغريره المشتري.
الثالثة ذكرها بقوله: (والمسترسل) وهو من جهل القيمة ولا يحسن يماكس من استرسل إذا اطمأن واستأنس فإذا غبن ثبت له الخيار، ولا أرش مع إمساك والغبن محرم وخياره على التراخي.

(الرابع) من أقسام الخيار: (خيار التدليس) من الدلسة وهي الظلمة، فيثبت بما يزيد به الثمن (كتسويد شعر الجارية وتجعيده) أي جعله جعدا وهو ضد السبط، (وجمع

(1/327)


ماء الرحى) أي الماء الذي تدور به الرحى (وإرساله عند عرضها) للبيع لأنه إذا أرسله بعد حبسه اشتد دوران الرحى حين ذلك فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في الثمن، فإذا تبين له التدليس ثبت له الخيار، وكذا تصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام لحديث أبى هريرة يرفعه «لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر» متفق عليه، وخيار التدليس على التراخي إلا المصراة فيخير ثلاثة أيام منذ علم بين إمساك بلا أرش ورد مع صاع تمر سليم إن حلبها، فإن عدم التمر فقيمته ويقبل رد اللبن بحاله.

(الخامس) من أقسام الخيار: (خيار العيب) وما بمعناه (وهو) أي العيب (ما ينقص
قيمة المبيع) عادة فما عده التجار في عرفهم منقصا أنيط الحكم به وما لا فلا، والعيب (كمرضه) على جميع حالاته في جميع الحيوانات، (وفقد عضو) كإصبع (وسن أو زيادتهما وزنا الرقيق) إذا بلغ عشرا من عبد أو أمة (وسرقته)

(1/328)


وشربه مسكرا (وإباقه وبوله في الفراش) وكونه أعسر لا يعمل بيمينه عملها المعتاد، وعدم ختان ذكر كبير، وعثرة مركوب وحرنه ونحوه، وبخر وحول وخرس وطرش وكلف وقرع وحمل أمة، وطول مدة نقل ما في دار مبيعة عرفا وكونها ينزلها الجند، لا سقوط آيات يسيرة بمصحف ونحوه، ولا حمى ولا صداع يسيرين ولا ثيوبة أو كفر أو عدم حيض ولا معرفة غناء، (فإذا علم المشتري العيب بعد) العقد (أمسكه بأرشه) إن شاء لأن المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المبيع فكل جزء منه يقابله جزء من الثمن ومع العيب فات جزء من المبيع فله الرجوع ببدله وهو الأرش (وهو) أي الأرش (قسط ما بين قيمة الصحة والعيب) ، فيقوم المبيع صحيحا ثم معيبا ويؤخذ قسط ما بينهما من الثمن، فإن قوم صحيحا بعشرة ومعيبا بثمانية رجع بخمس الثمن قليلا كان أو كثيرا، وإن أفضى أخذ الأرش إلى ربا كشراء حلي فضة بزنته دراهم أمسك مجانا إن شاء، (أو رده وأخذ الثمن) المدفوع للبائع، وكذا لو أبرأ

(1/329)


المشتري من الثمن أو وهب له ثم فسخ البيع لعيب أو غيره رجع بالثمن على البائع وإن علم المشتري قبل العقد بعيب المبيع أو حدث العيب بعد العقد فلا خيار له إلا في مكيل ونحوه تعيب قبل قبضه.

(وإن تلف المبيع) المعيب أو عتق العبد) أو لم يعلم عيبه حتى صبغ الثوب أو نسج أو وهب المبيع أو باعه أو بعضه (تعين الأرش) لتعذر الرد وعدم وجود الرضا به ناقصا، وإن دلس البائع بأن علم العيب وكتمه عن المشتري فمات المبيع أو أبق ذهب على البائع؛ لأنه غره ورد للمشتري ما أخذه، (وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره كجوز هند وبيض نعام فكسره فوجده فاسدا فأمسكه فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره) الذي تبقى له معه قيمة وأخذ ثمنه لأن عقد البيع يقتضي السلامة ويتعين أرش مع كسر لا تبقى معه قيمة، (وإن كان) المبيع (كبيض دجاج) فكسره فوجده فاسدا (رجع بكل الثمن) لأنا تبينا فساد العقد من أصله لكونه وقع على ما لا نفع فيه، وليس عليه رد فاسد إلى بائعه لعدم الفائدة فيه.
(وخيار عيب متراخ) لأنه لدفع ضرر متحقق فلم يبطل بالتأخير (ما لم يوجد دليل الرضا) كتصرف فيه بإجارة أو إعارة أو نحوهما عالما بعيبه واستعماله لغير تجربة.
(ولا يفتقر) الفسخ للعيب إلى حكم ولا رضا ولا حضور صاحبه) أي البائع كالطلاق، ولمشتر مع غيره معيبا أو بشرط خيار الفسخ في نصيبه ولو رضي الآخر، والمبيع بعد فسخ أمانة بيد مشتر، (وإن اختلفا) أي البائع والمشتري في معيب عند من حدث العيب) مع الاحتمال

(1/330)


(فقول مشتر مع يمينه) إن لم يخرج عن يده، لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت فكان القول قول من ينفيه، فيحلف أنه اشتراه وبه العيب أو أنه ما حدث عنده ويرده، (وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما) كالأصبع الزائدة والجرح الطري الذي لا يحتمل أن يكون قبل العقد (قبل قول المشتري) في المثال الأول والبائع في المثال الثاني (بلا يمين) لعدم الحاجة إليه، ويقبل قول البائع أن المبيع المعيب ليس المردود إلا في خيار شرط فقول مشتر وقول قابض في ثابت في ذمة من ثمن وقرض وسلم ونحوه إن لم يخرج عن يده، وقول مشتر في عيب ثمن معين بعقد، ومن اشترى متاعا فوجده خيرا مما اشترى فعليه رده إلى بائعه.

(السادس) من أقسام الخيار: خيار في البيع بتخيير الثمن متى بان) الثمن (أقل أو أكثر) مما أخبره به، (ويثبت) في أنواعه الأربعة (في التولية) وهو بيع برأس المال، (و) في (الشركة) وهي بيع بعضه بقسطه من الثمن وأشركتك ينصرف إلى نصفه، (و) في (المرابحة) وهي بيع بثمنه وربح معلوم، وإن قال: على أن أربح في كل عشرة درهما كره، (و) في (المواضعة) وهي بيعه برأس ماله وخسران معلوم،

(1/331)


(ولابد في جميعها) أي الصور الأربعة (من معرفة المشتري) والبائع (رأس المال) لأن ذلك شرط لصحة البيع فإن فات لم يصح، وما ذكره من ثبوت الخيار في الصور الأربع تبع فيه " المقنع " وهو رواية، والمذهب أنه متى بان رأس المال أقل حط الزائد ويحط قسطه في مرابحة وينقصه في مواضعه ولا خيار للمشتري ولا تقبل دعوى بائع غلطا في رأس المال بلا بينة.
(وإن اشترى) السلعة (بثمن مؤجل أو) اشترى (ممن لا تقبل شهادته له) كأبيه وابنه وزوجته (أو) اشترى شيئا (بأكثر من ثمنه حيلة) أو محاباة لرغبة تخصه أو موسم فات (أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن) الذي اشتراها به (ولم يبين ذلك) للمشتري (في تخييره بالثمن فلمشتر الخيار بين الإمساك والرد) كالتدليس، والمذهب فيما إذا بان الثمن مؤجلا أنه يؤجل على المشتري ولا خيار لزوال الضرر، كما في " الإقناع " و " المنتهى " (وما يزاد في ثمن أو يحط منه) أي من الثمن (في مدة خيار) مجلس أو شرط (أو يؤخذ أرش
العيب أو الجناية عليه) أي على المبيع ولو بعد لزوم البيع (يلحق برأس ماله) ويجب أن (يخبر به) كأصله، وكذا ما يزاد في مبيع أو أجل أو خيار أو ينقص منه في مدة خيار فيلحق بعقد، (وإن كان ذلك) أي ما ذكر من زيادة أو حط (بعد لزوم البيع) بفوات الخيارين (لم يلحق به) أي بالعقد فلا يلزم أن يخبر به ويخبر بأرش العيب والجناية عليه مطلقا لأنه بدل جزء من المبيع، لا إن جنى المبيع ففداه المشتري لأنه لم يزد به المبيع ذاتا ولا قيمة،

(1/332)


(وإن أخبر بالحال) بأن يقول: اشتريته بكذا أو زدته أو نقصته كذا ونحوه (فحسن) لأنه أبلغ في الصدق، ولا يلزم الإخبار بأخذ نماء واستخدام ووطء إن لم ينقصه، وإن اشترى شيئا بعشرة مثلا وعمل فيه صنعة أو دفع أجرة كيله أو مخزنه أخبر بالحال، ولا يجوز أن يجمع ذلك ويقول: تحصل علي بكذا وما باعه اثنان مرابحة فثمنه بحسب ملكيهما لا على رأس ماليهما.

(السابع) من أقسام الخيار: (خيار) يثبت لاختلاف المتبايعين) في الجملة (فإذا اختلفا) هما أو ورثتهما أو أحدهما أو ورثة الآخر (في قدر الثمن) بأن قال بائع: بعتكه بمائة، وقال مشتر: بثمانين، ولا بينة لهما أو تعارضت بينتاهما (تحالفا) ولو كانت السلعة تالفة، (فيحلف بائع أولا: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا) وإنما بدأ بالنفي لأنه الأصل في اليمين، (ولكل) من المتبايعين بعد التحالف (الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر) وكذا إجارة، وإن رضي أحدهما بقول الآخر أو حلف أحدهما ونكل الآخر أقر العقد، (فإن

(1/333)


كانت السلعة) التي فسخ البيع فيها بعد التحالف (تالفة رجعا إلى قيمة مثلها) ويقبل قول المشتري فيها لأنه غارم وفي قدر المبيع، (فإن اختلفا في صفتها) أي صفة السلعة التالفة بأن قال البائع: كان العبد كاتبا وأنكره المشتري (فقول مشتر) لأنه غارم، وإذا تحالفا في الإجارة وفسخت بعد فراغ المدة فأجرة المثل وفي أثنائها بالقسط.

وإذا فسخ العقد) بعد التحالف انفسخ ظاهرا وباطنا) في حق كل منهما كالرد بالعيب (وإن اختلفا في أجل) بأن يقول المشتري: اشتريته بكذا مؤجلا وأنكره البائع (أو) اختلفا في شرط) صحيح أو فاسد كرهن أو ضمين أو قدرهما (فقول من ينفيه) بيمينه لأن الأصل عدمه،

(1/334)


(وإن اختلفا في عين المبيع) كبعتني هذا العبد، قال: بل هذه الجارية (تحالفا وبطل) أي فسخ (البيع) كما لو اختلفا في الثمن، وعنه القول قول بائع بيمينه لأنه
كالغارم وهي المذهب وجزم بها في " الإقناع " و " المنتهى " وغيرهما، وكذا لو اختلفا في قدر المبيع، وإن سميا نقدا واختلفا في صفته أخذ نقد البلد ثم غالبه رواجا ثم الوسط إن استوت، (وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده) من المبيع والثمن (حتى قبض العوض) بأن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أستلم المبيع.
(والثمن عين) أي معين (نصب عدل) أي نصبه الحاكم (يقبض منهما) المبيع والثمن (ويسلم المبيع) للمشتري (ثم الثمن) للبائع لجريان عادة الناس بذلك.

(وإن كان) الثمن دينا حالا أجبر بائع) على تسليم المبيع لتعلق حق المشتري بعينه (ثم) أجبر (مشتر إن كان الثمن في المجلس) لوجوب دفعه عليه فورا لتمكينه منه، (وإن كان) دينا (غائبا في البلد) أو فيما دون مسافة القصر (حجر عليه) أي على المشتري (في المبيع وبقية ماله حتى يحضره) خوفا من أن يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع، (وإن كان) المال (غائبا بعيدا) مسافة القصر أو غيبة بمسافة القصر (عنها) أي عن البلد (والمشتري معسر) - يعني - وظهر أن المشتري معسر (فللبائع الفسخ) لتعذر الثمن عليه كما لو كان المشتري مفلسا وكذا مؤجر بنقد حال. (ويثبت الخيار للخلف في الصفة) إذا باعه شيئا موصوفا (ولتغير ما تقدمت رؤيته) العقد، وبذلك تمت أقسام الخيار ثمانية.

(1/335)


[فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه]
وما يحصل به قبضه
(ومن اشترى مكيلا ونحوه) وهو الموزون والمعدود والمذروع (صح) البيع (ولزم بالعقد) حيث لا خيار (ولم يصح تصرفه فيه) ببيع أو هبة أو إجارة أو رهن أو حوالة (حتى يقبضه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه» متفق عليه، ويصح عتقه وجعله مهرا أو عوض خلع ووصيته به، وإن اشترى المكيل ونحوه جزافا صح التصرف فيه قبل قبضه «لقول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حبا مجموعا فهو من مال المشتري» .

(1/336)


(وإن تلف) المبيع بكيل ونحوه أو بعضه قبل قبضه فمن ضمان البائع) وكذا لو تعيب قبل قبضه، (وإن تلف) المبيع المذكور (بآفة سماوية) لا صنع لآدمي فيها (بطل) أي انفسخ (البيع) ، وإن بقي البعض خير المشتري في أخذه بقسطه من الثمن.
(وإن أتلفه) أي المبيع بكيل أو نحوه (آدمي) سواء كان هو البائع أو أجنبيا (خير مشتر بين فسخ) البيع ويرجع على بائع بما أخذ من ثمنه (و) بين (إمضاء ومطالبة متلفه ببدله) أي بمثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما، وإن تلف بفعل مشتر فلا خيار له لأن إتلافه كقبضه (وما عداه) أي عدا ما اشترى بكيل أو وزن أو عد أو ذرع كالعبد والدار و (يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه) لقول ابن عمر: «كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس، فسألنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " لا بأس أن تؤخذ بسعر يومها ما لم يفترقا وبينهما شيء» رواه الخمسة، إلا المبيع بصفة أو رؤية متقدمة فلا يصح التصرف فيه قبل قبضه (وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه) أي ضمان المشتري لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج بالضمان» ، وهذا المبيع للمشتري فضمانه عليه وهذا (ما لم يمنعه بائع من قبضه) فإن منعه حتى تلف ضمنه ضمان غصب والثمر على الشجر والمبيع بصفة أو رؤية سابقة من ضمان بائع، ومن تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة فله التصرف فيه قبل قبضه.

(1/337)


(ويحصل قبض ما بيع بكيل) بالكيل (أو) بيع بـ (وزن) بالوزن (أو) بيع (بعد) بالعد (أو) بيع بـ (ذرع بذلك) الذرع، لحديث عثمان يرفعه «إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل» رواه الإمام، وشرطه حضور مستحق أو نائبه، ويصح استنابة من عليه الحق للمستحق ومؤنة كيال ووزان وعداد ونحوه على باذل، ولا يضمن ناقد حاذق أمين خطأ (و) يحصل القبض (في صبرة وما ينقل) كثياب وحيوان (بنقله) ويحصل القبض في (ما يتناول) كالجواهر والأثمان (بتناوله) إذ العرف فيه ذلك (وغيره) أي غير ما ذكر كالعقار والثمرة على الشجر قبضه (بتخليته) بلا حائل بأن يفتح له باب الدار أو يسلمه مفتاحها ونحوه، وإن كان فيها متاع للبائع، قاله الزركشي، ويعتبر لجواز قبض مشاع ينقل إذن شريكه.

والإقالة) مستحبة لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا «من أقال مسلما أقال الله
عز وجل عثرته يوم القيامة» وهي (فسخ) لأنها عبارة عن الرفع والإزالة، يقال: أقالك الله عثرتك، أي أزالها فكانت فسخا للبيع لا بيعا (فتجوز قبل قبض المبيع) ولو نحو مكيل، (ولا تجوز إلا) (بمثل الثمن) الأول قدرا ونوعا لأن العقد إذا ارتفع رجع كل منهما بما كان له، وتجوز بعد نداء

(1/338)


الجمعة ولا يلزم إعادة كيل أو وزن وتصح من مضارب وشريك وبلفظ صلح وبيع ومعاطاة ولا يحنث بها من حلف لا يبيع (ولا خيار فيها) أي لا يثبت في الإقالة خيار مجلس ولا خيار شرط أو نحوه (ولا شفعة) فيها لأنها ليست بيعا، ولا تصح مع تلف مثمن أو موت عاقد ولا بزيادة على ثمن أو نقصه أو غير جنسه ومؤونة رد مبيع تقايلاه على بائع.

[باب الربا والصرف]
الربا مقصور وهو لغة: الزيادة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] أي علت، وشرعا: زيادة في شيء مخصوص، والإجماع على تحريمه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(1/339)


[البقرة: 275] والصرف: بيع نقد بنقد، قيل سمي به لصريفهما وهو تصويتهما في الميزان، وقيل: لانصرافهما عن مقتضى البياعات من عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه.
والربا نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة.

(فيحرم ربا الفضل في) كل (مكيل) بيع بجنسه مطعوما كان كالبر أو غيره كالأشنان (و) في كل (موزون بيع بجنسه) مطعوما كان كالسكر أو لا كالكتان لحديث عبادة بن الصامت مرفوعا «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالعشير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد» رواه أحمد ومسلم، ولا ربا في ماء ولا فيما لا يوزن عرفا لصناعة كفلوس غير ذهب وفضة، ولا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كبيض وجوز.

(ويجب فيه) أي يشترط في بيع مكيل أو موزون بجنسه مع التماثل الحلول والقبض) من الجانبين بالمجلس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما سبق: «يدا بيد» (ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلا) فلا يباع بجنسه وزنا ولو تمرة بتمرة.
ولا) يباع موزون بجنسه إلا وزنا) فلا يصح كيلا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب وزنا بوزن: والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل
والشعير بالشعير كيلا بكيل» رواه الأثرم من حديث عبادة بن الصامت، ولأن ما خولف معياره

(1/340)


الشرعي لا يتحقق فيه التماثل، والجهل به كالعلم بالتفاضل، ولو كيل المكيل أو وزن الموزون فكانا سواء صح (ولا) يباع (بعضه) أي بعض المكيل والموزون (ببعض) من جنسه (جزافا) لما تقدم ما لم يعلما تساويهما في المعيار الشرعي، فلو باعه صبرة بأخرى وعلما كيلهما وتساويهما أو تبايعاهما مثلا بمثل وكيلتا فكانتا سواء صح، وكذا زبرة حديد بأخرى من جنسها، (فإن اختلف الجنس) كبر بشعير وحديد بنحاس (جازت الثلاثة) أي الكيل والوزن والجزاف لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» رواه مسلم وأبو داود.

(والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعا) فالجنس هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، والنوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها، وقد يكون النوع جنسا وبالعكس، والمراد هنا الجنس الأخص والنوع الأخص، وكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهو جنس وقد مثله بقوله: (كبر ونحوه) من شعير وتمر وملح (وفروع الأجناس كالأدقة والأخباز والأدهان) أجناس لأن الفرع يتبع الأصل، فلما كانت أصول هذه أجناسا وجب أن تكون هذه أجناسا، فدقيق الحنطة جنس، ودقيق الذرة جنس، وكذا البواقي،

(1/341)


(واللحم أجناس باختلاف أصوله) لأنه فرع أصول هي أجناس فكان أجناسا كالأخباز.
والضأن والمعز جنس واحد، ولحم البقر والجواميس جنس، ولحم الإبل جنس وهكذا، (وكذا اللبن) أجناس باختلاف أصوله لما تقدم، (والشحم والكبد) والقلب والألية والطحال والرئة والكارع (أجناس) لأنها مختلفة في الاسم والخلقة فيجوز بيع جنس منها بآخر متفاضلا.

(ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه) لما روى مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع اللحم بالحيوان» (ويصح) بيع اللحم بحيوان من (غير جنسه) كلحم ضأن ببقرة؛ لأنه ليس أصله ولا جنسه فجاز، كما لو بيع بغير مأكول.
(ولا يجوز بيع حب) كبر بدقيقه ولا سويقه) لتعذر التساوي لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن والنار قد أخذت من السويق، وإن بيع الحب بدقيق أو سويق من غير جنسه صح لعدم اعتبار التساوي إذا، (و) لا بيع (نيئه بمطبوخه) كالحنطة بالهريسة أو الخبز بالنشاء لأن
النار تعقد أجزاء المطبوخ فلا يحصل التساوي، (و) لا بيع (أصله بعصيره) كزيتون بزيت وسمسم بشيرج وعنب بعصيره، (و) لا بيع (خالصه بمشوبه) كحنطة فيها شعير بخالصة ولبن مشوب بخالص؛ لانتفاء التساوي المشترط إلا أن يكون الخلط يسيرا، وكذا بيع اللبن بالكشك، ولا بيع الهريسة والحريرة والفالوذج والسنبوسك بعضه ببعض، ولا بيع نوع منها بنوع آخر، (و) ولا بيع (رطبه بيابسه) كبيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب لما روى مالك وأبو

(1/342)


داود عن سعد بن أبي وقاص أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سئل عن بيع الرطب بالتمر، قال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهى عن ذلك» .

(ويجوز بيع دقيقه) أي دقيق الربوي بدقيقه إذا استويا في النعومة) لأنهما تساويا حال العقد على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان، (و) يجوز بيع مطبوخه بمطبوخه) كسمن بقري بسمن بقري مثلا بمثل، (و) يجوز بيع (خبزه بخبزه إذا استويا في النشاف) فإن كان أحدهما أكثر رطوبة من الآخر لم يحصل التساوي المشترط، ويعتبر التماثل في الخبز بالوزن كالنشاف، لأنه يقدر به عادة ولا يمكن كيله لكن إن يبس ودق وصار فتيتا بيع بمثله كيلا، (و) يباع (عصيره بعصيره) كماء عنب بماء عنب (ورطبه برطبه) كالرطب والعنب بمثله لتساويهما، ولا يصح بيع المحاقلة وهي بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه، ويصح بغير جنسه، ولا بيع المزابنة، وهي بيع الرطب على النخل بالتمر إلا في العرايا بأن يبيعه خرصا بمثل ما يؤول إليه إذا جف كيلا فيما دون خمسة أوسق لمحتاج لرطب ولا ثمن معه بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق، ففي نخل بتخلية وفي تمر بكيل، ولا يصح في بقية الثمار.

(ولا يباع ربوي بجنسه ومعه) أي مع أحد العوضين أو معهما من غير جنسه) كمد عجوة ودرهم بدرهمين أو بمدي عجوة أو بمد ودرهم، لما روى أبو داود عن فضالة بن عبيد قال: «أتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة

(1/343)


دنانير، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا، حتى تميز بينهما، قال: فرده حتى ميز بينهما» فإن كان ما مع الربوي يسيرا لا يقصد كخبز فيه ملح بمثله فوجوده كعدمه.
(ولا) يباع (تمر بلا نوى بما) أي بتمر (فيه نوى) لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه، وكذا لو نزع النوى ثم باع التمر والنوى بتمر ونوى. (ويباع النوى بتمر فيه نوى،) ويباع (لبن) ويباع (صوف بشاة ذات لبن وصوف) لأن النوى في التمر واللبن والصوف في الشاة غير مقصود كدار مموه سقفها بذهب صح، وكذا درهم فيه نحاس بمثله أو بنحاس ونخلة عليها تمر بمثلها أو بتمر، ويصح بيع نوعي جنس بنوعيه أو نوعه كحنطة حمراء وسوداء ببيضاء وتمر معقلي وبرني بإبراهيمي وصيحاني.

(ومرد) أي مرجع الكيل لعرف المدينة) على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (و) مرجع الوزن لعرف مكة زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لما روى عبد الله بن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة» ، (وما لا عرف له هناك) أي بالمدينة ومكة (اعتبر عرفه في موضعه) لأن ما لا عرف له في الشرع يرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز، فإن اختلفت البلاد اعتبر الغالب، فإن لم يكن رد إلى أقرب ما يشبهه بالحجاز، وكل مائع مكيل، ويجوز التعامل بكيل لم يعهد.

(1/344)


[فصل يحرم ربا النسيئة]
فصل (ويحرم ربا النسيئة) من النساء بالمد، وهو التأخير (في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل) وهي الكيل والوزن (ليس أحدهما) أي أحد الجنسين (نقدا) ، فإن كان أحدهما نقدا كحديد بذهب أو فضة جاز النساء وإلا لانسد باب السلم في الموزونات غالبا، إلا صرف فلوس نافقة بنقد فيشترط فيه الحلول والقبض، واختار ابن عقيل وغيره: لا، وتبعه في " الإقناع " (كالمكيلين والموزونين) ولو من جنسين، فإذا بيع بر بشعير أو حديد بنحاس اعتبر الحلول والتقابض قبل التفرق، (وإن تفرقا قبل القبض بطل) العقد لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد» والمراد به القبض، (وإن باع مكيلا بموزون) أو عكسه (جاز التفرق قبل القبض) وجاز (النساء) لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل أشبه الثياب بالحيوان، (وما لا كيل فيه ولا وزن كالثياب والحيوان يجوز فيه النساء) لأمر «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن عمرو أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين
إلى إبل الصدقة» ، رواه أحمد والدارقطني وصححه، وإذا جاز في الجنس الواحد ففي الجنسين أولى.

(1/345)


(ولا يجوز بيع الدين بالدين) حكاه ابن المنذر إجماعا لحديث «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الكالئ بالكالئ» وهو بيع ما في الذمة بثمن مؤجل لمن هو عليه، وكذا بحال لم يقبض قبل التفرق وجعله رأس مال سلم.

[فصل في افتراق المتصارفين بأبدانهما قبل قبض الكل]
فصل
(ومتى افترق المتصارفان) بأبدانهما كما تقدم في خيار المجلس قبل قبض الكل) أي كل العوض المعقود عليه في الجانبين (أو) قبل قبض (البعض) منه (بطل العقد فيما لم يقبض) سواء كان الكل أو البعض لأن القبض شرط لصحة العقد لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وبيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد» ، ولا يضر طول المجلس مع تلازمهما، ولو مشيا إلى منزل أحدهما مصطحبين صح، وقبض الوكيل قبل مفارقة موكله المجلس كقبض موكله، ولو مات أحدهما قبل القبض فسد العقد.

(1/346)


(والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد) لأنها عوض مشار إليه في العقد فوجب أن تتعين كسائر الأعواض (فلا تبدل) بل يلزمه تسليمها إذا طولب بها لوقوع العقد على عينها، (وإن وجدها مغصوبة بطل) العقد كالمبيع إذا ظهر مستحقا وإن تلفت قبل القبض فمن مال بائع إن لم تحتج لوزن أو عد، (و) إن وجدها (معيبة من جنسها) كالوضوح في الذهب والسواد في الفضة (أمسك) بلا أرش إن تعاقدا على مثلين كدرهم فضة بمثله وإلا فله أخذه في المجلس، وكذا بعده من غير الجنس، (أورد) العقد للعيب وإن وجدها معيبة من غير جنسها كما لو وجد الدراهم نحاسا بطل العقد؛ لأنه باعه غير ما سمى له.

(ويحرم الربا بين المسلم والحربي) بأن يأخذ المسلم زيادة من الحربي لعموم ما تقدم من الأدلة، (و) يحرم الربا (بين المسلمين مطلقا بدار إسلام أو حرب) لما تقدم، إلا
بين سيد ورقيقه، وإذا كان له على آخر دنانير فقضاه دراهم شيئا فشيئا، فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار صح، وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد فصارفه بها ثم وقت المحاسبة لم يجز؛ لأنه بيع دين بدين، وإن قبض أحدهما من الآخر ما له عليه ثم صارفه بعين وذمة صح.

[باب بيع الأصول والثمار]
الأصول جمع أصل، وهو ما يتفرع عنه غيره، والمراد هنا الدور والأرض والشجر، والثمار جمع ثمر كجبل وجبال وواحد الثمر ثمرة.
(إذا باع دارا) أو وهبها أو رهنها أو وقفها أو أقر أو أوصى بها (شمل) العقد

(1/347)


(أرضها) أي إذا كانت الأرض يصح بيعها، فإن لم يجز كسواد العراق فلا، (و) شمل (بناءها وسقفها) لأنهما داخلان في مسمى الدار، (و) شمل (الباب المنصوب) وحلقته (والسلم والرف المسمرين والخابية المدفونة) والرحى المنصوبة لأنه متصل بها لمصلحتها أشبه الحيطان، وكذا المعدن الجامد وما فيها من شجر وعرش (دون ما هو مودع فيها من كنز) وهو المال المدفون (وحجر) مدفون (ومنفصل منها كحبل ودلو وبكرة وقفل وفرش ومفتاح) ومعدن جار وماء نبع وحجر رحى فوقاني لأنه غير متصل بها، واللفظ لا يتناوله ولو كانت الصيغة المتلفظ بها الطاحونة أو المعصرة دخل الفوقاني كالتحتاني.

(وإن باع أرضا) أو وهبها أو وقفها أو رهنها أو أقر أو أوصى بها ولو لم يقل بحقوقها شمل) العقد (غرسها وبناءها) لأنهما من حقوقها، وكذا - إن باع ونحوه - بستانا لأنه اسم للأرض والشجر والحائط (وإن كان فيها زرع) لا يحصد إلا مرة (كبر وشعير فلبائع) ونحوه (مبقى) إلى أول وقت أخذه بلا أجرة ما لم يشترطه مشتر، (وإن كان) الزرع (يجز) مرارا كرطبة وبقول (أو يلتقط مرارا) كقثاء وباذنجان، وكذا نحو ورد (فأصوله للمشتري) لأنها تراد للبقاء كالشجرة، (والجزة واللقطة الظاهرتان عند البيع للبائع) وكذا زهر تفتح لأنه كالثمر المؤبر وعلى البائع قطعها في الحال، (وإن اشترط المشتري ذلك صح) الشرط وكان له كالثمر المؤبر إذا اشترطه مشتري الشجر، ويثبت الخيار لمشتر ظن دخول ما ليس له من زرع وثمر كما لو جهل وجودهما، ولا يشمل بيع قرية مزارعها بلا نص أو قرينة.

(1/348)


[فصل من باع أو وهب أو رهن نخلا تشقق طلعه]
فصل (ومن باع) أو وهب أو رهن نخلا تشقق طلعه) ولو لم يؤبر (فـ) الثمر (لبائع مبقى إلى الجذاذ إلا أن يشترطه مشتر) ونحوه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع» متفق عليه، والتأبير: التلقيح، وإنما نص عليه والحكم منوط بالتشقق لملازمته له غالبا، وكذا لو صالح بالنخل أو جعله أجرة أو صداقا أو عوض خلع بخلاف وقف ووصية فإن الثمرة تدخل فيهما أبرت أو لم تؤبر كفسخ لعيب ونحوه، (وكذلك) أي كالنخل (شجر العنب والتوت والرمان وغيره) كجميز من كل شجر لا قشر

(1/349)


على ثمرته فإذا بيع ونحوه بعد ظهور الثمرة كانت للبائع ونحوه، (و) كذا (ما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح وما خرج من أكمامه) جمع كم، وهو الغلاف، (كالورد) والبنفسج (والقطن) الذي يحمل في كل سنة؛ لأن ذلك كله بمثابة تشقق الطلع (وما قبل ذلك) أي قبل التشقق في الطلع والظهور في نحو العنب والتوت والمشمش والخروج من الأكمام في نحو الورد والقطن (والورق فلمشتر) ونحوه لمفهوم الحديث السابق في النخل وما عداه بالقياس عليه، وإن تشقق أو ظهر بعض ثمره ولو من نوع واحد فهو لبائع وغيره لمشتر إلا في شجرة فالكل لبائع ونحوه، ولكل السقي لمصلحة ولو تضرر الآخر.

(ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع» متفق عليه، والنهي يقتضي الفساد، (ولا) يباع (زرع قبل اشتداد حبه) لما روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري» ".

(ولا) تباع (رطبة وبقل ولا قثاء ونحوه كباذنجان دون الأصل) أي منفردة عن أصولها؛ لأن ما في الأرض مستور مغيب وما يحدث منه معدوم، فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة، فإن بيع الثمر قبل بدو صلاحه بأصوله أو الزرع الأخضر بأرضه أو

(1/350)


بيعا لمالك أصلهما أو بيع قثاء ونحوه مع أصله صح البيع؛ لأن الثمر إذا بيع مع الشجر، والزرع إذا بيع مع الأرض دخلا تبعا في البيع فلم يضر احتمال
الغرر، وإذا بيعا لمالك الأصل فقد حصل التسليم للمشتري على الكمال، (إلا) إذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها أو الزرع قبل اشتداد حبه، (بشرط القطع في الحال) فيصح إن انتفع بهما؛ لأن المنع من البيع لخوف التلف وحدوث العاهة، وهذا مأمون فيما يقطع، (أو) إلا إذا باع الرطبة والبقول (جزة) موجودة، فـ (جزة) فيصح لأنه معلوم لا جهالة فيه ولا غرر، (أو) إلا إذا باع القثاء ونحوها (لقطة) موجودة، فلقطة موجودة؛ لما تقدم، وما لم يخلق لم يجز بيعه (والحصاد) لزرع والجذاذ لثمر (واللقاط) لقثاء ونحوها (وعلى المشتري) لأنه نقل لملكه وتفريغ لملك البائع عنه، فهو كنقل الطعام.

(وإن باعه) أي: الثمر قبل بدو صلاحه، أو الزرع قبل اشتداد حبه أو القثاء ونحوه (مطلقا) أي: من غير ذكر قطع ولا تبقية لم يصح البيع؛ لما تقدم (أو) باعه ذلك (بشرط البقاء) لم يصح البيع؛ لما تقدم (أو اشترى ثمرا لم يبد صلاحه بشرط القطع وتركه حتى بدا) صلاحه، بطل البيع بزيادته؛ لئلا يجعل ذلك ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها، وكذا زرع أخضر بيع بشرط القطع، ثم ترك حتى اشتد حبه (أو) اشترى (جزة) ظاهرة من بقل أو رطبة، (أو) اشترى (لقطة) ظاهرة من قثاء ونحوها ثم تركهما (فنمتا) بطل البيع؛ لئلا يتخذ حيلة على بيع الرطبة ونحوها

(1/351)


والقثاء بغير شرط القطع، (أو اشترى ما بدا صلاحه) من ثمر (وحصل) معه (آخر واشتبها) بطل البيع، قدمه في " المقنع " وغيره، والصحيح أن البيع صحيح، وإن علم قدر الثمرة الحادثة دفع البائع والباقي للمشتري وإلا اصطلحا، ولا يبطل البيع؛ لأن المبيع اختلط بغيره ولم يتعذر تسليمه، والفرق بين هذه والتي قبلها اتخاذه حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها كما تقدم، (أو) اشترى رطبا (عرية) وتقدمت صورتها في الربا فتركها (فأتمرت) أي: صارت تمرا (بطل) البيع؛ لأنه إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب، فإذا أتمر تبينا عدم الحاجة، سواء كانت الترك لعذر أو لا (والكل) أي: الثمرة، وما حدث معها على ما سبق، (للبائع) لفساد البيع.

(وإذا بدا) أي: ظهر (ما له صلاح في الثمرة واشتد الحب جاز بيعه) أي: بيع ما ذكر من الثمرة والحب، (مطلقا) أي: من غير شرط (و) جاز بيعه (بشرط التبقية) أي: تبقية الثمر إلى الجذاذ والزرع إلى الحصاد؛ لأمن العاهة ببدو الصلاح (وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ) وله قطعه في الحال، وله بيعه قبل جذه، (ويلزم البائع سقيه) بسقي الشجر الذي هو عليها (إن احتاج إلى ذلك) أي: إلى السقي، وكذا لو لم تحتج إليه؛ لأنه يجب عليه تسليمه
كاملا فلزمه سقيه، (وإن تضرر الأصل) بالسقي، ويجبر إن أبى، بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمر للبائع؛ فإنه لا يلزم المشتري سقيها؛ لأن البائع لم يملكها من جهته.

(وإن تلفت) ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون أصلها قبل أوان جذاذها (بآفة سماوية) وهي ما لا صنع لآدمي فيها كالريح والحر والعطش (رجع) ولو بعد القبض (على البائع) لحديث جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح» رواه مسلم، ولأن

(1/352)


التخلية في ذلك ليست بقبض تام، وإن كان التالف يسيرا لا ينضبط فات على المشتري، (وإن أتلفه) أي: الثمر المبيع على ما تقدم (آدمي) ولو البائع (خير مشتر بين الفسخ) ومطالبة البائع بما دفع من الثمن (والإمضاء) أي: البقاء على البيع (ومطالبة المتلف) بالبدل، (وصلاح بعض) ثمرة (الشجرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان) لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق.

(وبدو الصلاح في ثمر النخل أن تحمر أو تصفر) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو، قيل لأنس: وما زهوها؟ قال: تحمار أو تصفار، (وفي العنب أن يتموه حلوا) لقول أنس: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع العنب حتى يسود» رواه أحمد ورواته ثقات، قاله في " المبدع "، (وفي بقية الثمرات) كالتفاح والبطيخ (أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب» متفق عليه، والصلاح في نحو قثاء أن يؤكل عادة وفي حب أن يشتد أو يبيض.

(ومن باع عبدا) أو أمة (له مال فماله لبائعه، إلا أن يشترطه المشتري) لحديث ابن عمر مرفوعا «من باع عبدا وله مال فماله لبائعه، إلا أن يشترطه المبتاع» رواه مسلم، (فإن كان قصده) أي: المشتري (المال) الذي مع العبد (اشترط علمه) أي: العلم بالمال

(1/353)


(وسائر شروط البيع) لأنه مبيع مقصود، أشبه ما لو ضم إليه عينا أخرى (وإلا) يكن قصده المال (فلا) يشترط له شروط البيع، وصح شرطه ولو كان مجهولا؛ لأنه دخل تبعا أشبه أساسات الحيطان، وسواء
كان مثل الثمن أو فوقه أو دونه، وإذا شرط مال العبد ثم رده بإقالة أو غيرها رده معه، (وثياب الجمال) التي على العبد المبيع (للبائع) لأنها زيادة على العادة، ولا يتعلق بها حاجة العبد، (و) ثياب لبس (العادة للمشتري) لجريان العادة ببيعها معه، ويشمل بيع دابة كفرس لجاما ومقودا ونعلا.

[باب السلم]
هو لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق، وسمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديمه، (وهو) شرعا (عقد على موصوف) ينضبط بالصفة (في الذمة) فلا يصح في عين كهذه الدار (مؤجل) بأجل معلوم (بثمن مقبوض بمجلس العقد) وهو جائز بالإجماع؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه.

(ويصح) السلم (بألفاظ البيع) لأنه بيع حقيقة (و) بلفظ (السلم والسلف) لأنهما حقيقة فيه، إذ هما اسم للبيع الذي عجل ثمنه وأجل مثمنه (بشروط سبعة) زائدة على شروط البيع، والجار متعلق بـ " يصح ":

(أحدها: انضباط صفاته) التي يختلف الثمن باختلافها اختلافا كثيرا ظاهرا؛ لأن ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف كثيرا، فيفضي إلى المنازعة والمشاقة (بمكيل) أي: كمكيل من

(1/354)


حبوب وثمار وخل ودهن ولبن ونحوها، (وموزون) من قطن وحرير وصوف ونحاس وزئبق وشب وكبريت وشحم ولحم نيء ولو مع عظمه إن عين موضع قطعه، (ومذروع) من ثياب وخيوط، (وأما المعدود المختلف كالفواكه) المعدودة كرمان، فلا يصح السلم فيه لاختلافه بالصغر والكبر، (و) كـ (البقول) لأنها تختلف ولا يمكن تقديرها بالجزم، (و) كـ (الجلود) لأنها تختلف ولا يمكن ذرعها؛ لاختلاف الأطراف، (و) كـ (الرؤوس) والأكارع؛ لأن أكثر ذلك العظام والمشافر، (و) كـ (الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس) لاختلافها، (و) كـ (الجواهر) واللؤلؤ والعقيق ونحوه؛ لأنها تختلف اختلافا متباينا بالصغر والكبر وحسن التدوير وزيادة الضوء والصفاء، (و) كـ (الحامل من الحيوان)
كأمة حامل؛ لأن الصفة لا تأتي على ذلك، والولد مجهول غير محقق، وكذا لو أسلم في أمة وولدها لندرة جمعهما الصفة، (وكل مغشوش) لأن غشه يمنع العلم بالقدر المقصود منه، فإن كانت الأثمان خالصة صح السلم فيها، ويكون رأس المال غيرها، ويصح السلم في فلوس ويكون رأس المال عرضا. (وما يجمع أخلاطا) مقصودة (غير متميزة كالغالية) والند (والمعاجين) التي يتداوى بها، (فلا يصح السلم فيه) لعدم انضباطه.

(ويصح) السلم (في الحيوان) ولو آدميا؛ لحديث أبي رافع «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسلف من

(1/355)


رجل بكرا» رواه مسلم، (و) يصح أيضا في (الثياب المنسوجة من نوعين) كالكتان والقطن ونحوهما؛ لأن ضبطها ممكن، وكذا نشاب ونبل مريشان وخفاف ورماح، (و) يصح أيضا فيه (ما خلطه) بكسر الخاء (غير مقصود كالجبن) فيه المنفخة (وخل التمر) فيه الماء (والسكنجبين) فيه الخل (ونحوها) كالشيرج والخبز والعجين.

الشرط (الثاني: ذكر الجنس والنوع) أي: جنس المسلم فيه ونوعه (وكل وصف يختلف به) أي: بسببه (الثمن) اختلافا (ظاهرا) كلونه وقدره وبلده (وحداثته وقدمه) ولا يجب استقصاء كل الصفات؛ لأنه قد يتعذر، ولا ما لا يختلف به الثمن؛ لعدم الاحتياج إليه. (ولا يصح شرط) المتعاقدين (الأردأ أو الأجود) لأنه لا ينحصر، إذ ما من رديء أو جيد إلا ويحتمل وجود أردأ أو أجود منه، (بل) يصح شرط (جيد ورديء) ويجزئ ما صدق عليه أنه جيد أو رديء، فينزل الوصف على أقل درجة، (فإن جاء) المسلم إليه (بما شرط) للمسلم لزمه أخذه (أو) جاءه بـ (أجود منه) أي: من المسلم فيه (من نوعه ولو قبل محله) أي: حلوله (ولا ضرر في قبضه لزمه أخذه)

(1/356)


لأنه جاءه بما تناوله العقد وزيادة تنفعه، وإن جاءه بدون ما وصف أو بغير نوعه من جنسه فله أخذه، ولا يلزمه، وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له قبوله، وإن قبض المسلم فيه فوجد به عيبا فله رده وإمساكه مع الأرش.

الشرط (الثالث: ذكر قدره) أي: قدر المسلم فيه (بكيل) معهود فيما يكال (أو وزن) معهود فيما يوزن لحديث «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه، (أو ذرع يعلم) عند العامة؛ لأنه إذا كان مجهولا تعذر الاستيفاء به عند التلف، فيفوت العلم بالمسلم فيه، فإن شرطا مكيالا غير معلوم بعينه أو صنجة غير معلومة بعينها لم يصح، وإن كان معلوما صح السلم دون التعيين، (وإن أسلم في المكيل)
كالبر والشيرج (وزنا أو في الموزون) كالحديد (كيلا لم يصح) السلم؛ لأنه قدره بغير ما هو مقدر به، فلم يجز، كما لو أسلم في المذروع وزنا، ولا يصح في فواكه معدودة كرمان وسفرجل ولو وزنا.

الشرط (الرابع: ذكر أجل معلوم) للحديث السابق؛ ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه، ويعتبر أن يكون الأجل (له وقع في الثمن) عادة كشهر (فلا يصح) السلم إن أسلم (حالا) لما سبق، (ولا) إن أسلم إلى أجل مجهول كـ (إلى الحصاد والجذاذ) وقدوم الحاج؛ لأنه يختلف فلم يكن معلوما،

(1/357)


(ولا) يصح السلم (إلى) أجل قريب كـ (يوم) ونحوه؛ لأنه لا وقع له في الثمن (إلا) أن يسلم (في شيء يأخذه منه كل يوم) أجزاء معلومة (كخبز ولحم ونحوهما) من كل ما يصح السلم فيه؛ إذ الحاجة داعية إلى ذلك، فإن قبض البعض وتعذر الباقي رجع بقسطه من الثمن، ولا يجعل الباقي فضلا على المقبوض لتماثل أجزائه، بل يقسط الثمن عليهما بالسوية.

الشرط (الخامس: أن يوجد) المسلم فيه (غالبا في محله) بكسر الحاء أي: وقت حلوله لوجوب تسليمه إذا، فإن كان لا يوجد فيه أو يوجد نادرا كالسلم في العنب والرطب إلى الشتاء لم يصح، (و) يعتبر أيضا وجود المسلم فيه في (مكان الوفاء) غالبا، فلا يصح أن أسلم في ثمرة بستان صغير معين أو قرية صغيرة، أو في نتاج من فحل بني فلان أو غنمه، أو مثل هذا الثوب؛ لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه، و (لا) يعتبر وجود المسلم فيه (وقت العقد) لأنه ليس وقت وجوب التسليم، (فإن) أسلم إلى محل يوجد فيه غالبا، فـ (تعذر) المسلم فيه بأن لم تحمل الثمار تلك السنة (أو) تعذر (بعضه فله) أي: لرب السلم (الصبر) إلى أن يوجد فيطالب به (أو فسخ) العقد في (الكل) إن تعذر الكل، (أو) في (البعض) المتعذر، (ويأخذ الثمن الموجود أو عوضه) أي: عوض الثمن التالف؛ لأن العقد إذا زال وجب رد الثمن، ويجب رد عينه إن كان باقيا أو عوضه إن كان تالفا، أي: مثله إن كان مثليا، أو قيمته إن كان متقوما، هذا إن فسخ في الكل، فإن فسخ في البعض فبقسطه.

الشرط (السادس: أن يقبض الثمن تاما) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أسلف في شيء فليسلف. . . " الحديث، أي: فليعط، قال الشافعي: لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما

(1/358)


أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه، ويشترط أن يكون رأس مال السلم (معلوما قدره ووصفه) كالمسلم فيه، فلا يصح بصبرة لا يعلمان قدرها ولا بجوهر ونحوه مما لا ينضبط
بالصفة، ويكون القبض (قبل التفرق) من المجلس وكل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر؛ لأن السلم من شرطه التأجيل، (وإن قبض البعض) من الثمن في المجلس (ثم افترقا) قبل قبض الباقي (بطل فيما عداه) أي: عدا المقبوض، وصح في المقبوض ولو جعل دينا سلما لم يصح وأمانة أو عينا مغصوبة أو عارية يصح؛ لأنه في معنى القبض، (وإن أسلم) ثمنا واحدا (في جنس) كبر (إلى أجلين) كرجب وشعبان مثلا (أو عكسه) بأن أسلم في جنسين كبر وشعير إلى أجل كرجب مثلا (صح) السلم (إن بين) قدر (كل جنس وثمنه) في المسألة الثانية بأن يقول: أسلمتك دينارين، أحدهما في أردب قمح صفته كذا وأجله كذا، والثاني في أردبين شعيرا صفته كذا والأجل كذا. (و) صح أيضا إن بين (قسط كل أجل) في المسألة الأولى بأن يقول: أسلمتك دينارين أحدهما في أردب قمح إلى رجب، والآخر في أردب وربع مثلا إلى شعبان، فإن لم يبين ما ذكر فيهما لم يصح؛ لأن مقابل كل من الجنسين أو الأجلين مجهول.

الشرط (السابع: أن يسلم في الذمة، فلا يصح) السلم (في عين) كدار وشجرة؛ لأنها ربما تلفت قبل أوان تسليمها.

(و) لا يشترط ذكر مكان الوفاء؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يذكره، بل (يجب الوفاء موضع العقد) لأن العقد يقتضي التسليم في مكانه، وله أخذه في غيره إن رضيا. ولو قال: خذه وأجرة حمله إلى موضع الوفاء، لم يجز (ويصح شرطه) أي الوفاء (في غيره) أي: غير مكان العقد؛ لأنه بيع، فصح شرط الإيفاء في غير مكانه كبيوع الأعيان، وإن شرطا الوفاء في موضع العقد كان تأكيدا (وإن عقد) السلم (ببرية أو بحر شرطاه) أي: مكان الوفاء لزوما وإلا فسد السلم؛ لتعذر الوفاء موضع العقد، وليس بعض الأماكن سواه أولى من بعض، فاشترط تعيينه بالقول كالكيل، ويقبل قول المسلم إليه في تعيينه مع يمينه،

(1/359)


(ولا يصح بيع المسلم فيه) لمن هو عليه أو غيره (قبل قبضه) لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الطعام قبل قبضه، (ولا) يصح أيضا (هبته) لغير من هو عليه؛ لعدم القدرة على تسليمه (ولا الحوالة به) لأنها لا تصح إلا على دين مستقر، والسلم عرضة للفسخ، (ولا) الحوالة (عليه) أي: على المسلم فيه أو رأس ماله بعد فسخ، (ولا أخذ عوضه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» وسواء
فيما ذكر إذا كان المسلم فيه موجودا أو معدوما، والعوض مثله في القيمة أو أقل أو أكثر، وتصح الإقالة في السلم.

(ولا يصح) أخذ (الرهن والكفيل به) أي: بدين السلم، رويت كراهيته عن علي وابن عباس وابن عمر، إذ وضع الرهن للاستيفاء من ثمنه عند تعذر الاستيفاء من الغريم، ولا يمكن استيفاء المسلم فيه من عين الرهن ولا من ذمة الضامن حذرا من أن يصرفه إلى غيره،

(1/360)


ويصح بيع دين مستقر كقرض أو ثمن مبيع لمن هو عليه، بشرط قبض عوضه في المجلس، وتصح هبة كل دين لمن هو عليه، ولا يجوز لغيره، وتصح استنابة من عليه الحق للمستحق.