الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

[باب الشركة وأنواع شركة العقود]
باب الشركة الشركة بوزن سرقة ونعمة وثمرة. (وهي) نوعان: شركة أملاك وهي: (اجتماع في استحقاق) كثبوت الملك في عقار أو منفعة لاثنين فأكثر، (أو) شركة عقود وهي اجتماع في (تصرف) من بيع ونحوه. (وهي) أي: شركة العقود وهي - المقصودة هنا - (أنواع) خمسة:

فأحدها: (شركة عنان) سميت بذلك لتساوي الشريكين في المال والتصرف، كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير، وهي (أن يشترك اثنان) أي: شخصان فأكثر، مسلمين أو أحدهما، ولا تكره مشاركة كتابي لا يلي التصرف (بماليهما المعلوم) كل منهما الحاضرين، (ولو) كان مال كل (متفاوتا) بأن لم يتساو المالان قدرا أو جنسا أو صفة، (ليعملا فيه ببدنيهما) أو يعمل فيه أحدهما، ويكون له من الربح أكثر من ربح ماله، فإن كان بدونه لم يصح وبقدره إبضاع، وإن اشتركا في مختلط بينهما شائعا صح إن علما قدر ما لكل منهما، (فينفذ تصرف كل منهما فيهما) أي: في المالين (بحكم الملك في نصيبه و) بحكم (الوكالة في نصيب شريكه) . ويغني لفظ الشركة عن إذن صريح في التصرف.

(ويشترط) لشركة العنان والمضاربة (أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين) لأنهما قيم الأموال وأثمان البياعات، فلا تصح بعروض ولا فلوس ولو نافقة، وتصح بالنقدين. (ولو مغشوشين يسيرا) كحبة فضة في دينار، ذكره في " المغني " و " الشرح "؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، فإن كان الغش كثيرا لم يصح؛ لعدم انضباطه. (و) يشترط أيضا (أن يشترطا لكل منهما جزءا من الربح مشاعا معلوما) كالثلث والربع؛ لأن الربح مستحق لهما
بحسب الاشتراط، فلم يكن بد من اشتراطه كالمضاربة،

(1/400)


فإن قالا: والربح بيننا، فهو بينهما نصفين، (فإن لم يذكرا الربح) لم تصح؛ لأنه المقصود من الشركة، فلا يجوز الإخلال به (أو شرطا لأحدهما جزءا مجهولا) لم تصح؛ لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب (أو) شرطا (دراهم معلومة) لم تصح؛ لاحتمال أن لا يربحها أو لا يربح غيرها، (أو) شرطا (ربح أحد الثوبين) أو إحد [ى] السفرتين، أو ربح تجارة في شهر أو عام بعينه (لم تصح) لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره، أو بالعكس فيختص أحدهما بالربح وهو مخالف لموضوع الشركة. (وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة) فيعتبر فيها تعيين جزء مشاع معلوم للعامل لما تقدم. (والوضيعة) أي: الخسران (على قدر المال) بالحساب، سواء كانت لتلف أو نقصان في الثمن أو غير ذلك.

(ولا يشترط خلط المالين) لأن القصد الربح، وهو لا يتوقف على الخلط، (ولا) يشترط أيضا (كونهما من جنس واحد) فيجوز إن أخرج أحدهما \ دنانير والآخر دراهم، فإذا اقتسما رجع كل بماله، ثم اقتسما الفضل، وما يشتريه كل منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما، وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما، ولكل منهما أن يبيع ويشتري ويقبض، ويطالب بالدين ويخاصم فيه، ويحيل ويحتال، ويرد بالعيب، ويفعل

(1/401)


كل ما هو من مصلحة تجارتهما، لا أن يكاتب رقيقا أو يزوجه أو يعتقه أو يحابي أو يقترض على الشركة إلا بإذن شريكه، وعلى كل منهما أن يتولى ما جرت العادة بتوليه من نشر ثوب وطيه [أ] وإحرازه وقبض النقد ونحوه، فإن استأجر له فالأجرة عليه.

[فصل في المضاربة]
فصل في النوع (الثاني: المضاربة) من الضرب في الأرض وهو السفر للتجارة، قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وتسمى قراضا ومعاملة، وهي دفع مال معلوم (لمتجر) أي: لمن يتجر (به ببعض ربحه) أي: بجزء مشاع معلوم منه كما تقدم، فلو قال: خذ هذا المال مضاربة ولم يذكر سهم العامل، فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه، وللعامل أجرة مثله، وإن شرط جزءا من الربح لعبد أحدهما أو لعبديهما، صح وكان لسيده، وإن شرطاه للعامل ولأجنبي معا - ولو ولد أحدهما أو امرأته - وشرطا عليه عملا مع العامل، صح وكانا عاملين، وإلا لم تصح المضاربة. (فإن قال) رب المال للعامل: اتجر به (والربح بيننا، فنصفان) لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة، ولا مرجح فاقتضى التسوية. (وإن
قال) : اتجر به (ولي) ثلاثة أرباعه أو ثلثه، (أو) قال: اتجر به و (لك ثلاثة أرباعه أو ثلثه، صح) لأنه متى علم نصيب أحدهما أخذه، (والباقي للآخر) ؛ لأن

(1/402)


الربح مستحق لهما، فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ.

(وإن اختلفا لمن) الجزء (المشروط فـ) هو (لعامل) قليلا كان أو كثيرا؛ لأنه يستحقه بالعمل وهو يقل ويكثر، وإنما يتقدر حصته بالشرط، بخلاف رب المال فإنه يستحقه بماله ويحلف مدعيه، وإن اختلفا في قدر الجزء بعد الربح فقول مالك بيمينه، (وكذا مساقاة ومزارعة) إذا اختلفا في الجزء المشروط أو قدره لما تقدم. ومضاربة كشركة عنان فيما تقدم، وإن فسدت فالربح لرب المال وللعامل أجرة مثله، وتصح مؤقتة ومعلقة.

(ولا يضارب) العامل (بمال الآخر إن أضر الأول ولم يرض) لأنها تنعقد على الحظ والنماء، فلم يجز له أن يفعل ما يمنعه، وإن لم يكن فيها ضرر على الأول أو إذن جاز، (فإن فعل) بأن ضارب الآخر مع ضرر الأول بغير إذنه (رد حصته) من ربح الثانية (في الشركة) الأولى؛ لأنه استحق ذلك بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول، ولا نفقة لعامل إلا بشرط. (ولا يقسم) الربح (مع بقاء العقد) أي: المضاربة (إلا باتفاقهما) لأن الحق لا يخرج عنهما، والربح وقاية لرأس المال.

(وإن تلف رأس المال أو) تلف (بعضه) قبل التصرف انفسخت فيه المضاربة كالتالف قبل القبض، وإن تلف (بعد التصرف) جبر من الربح؛ لأنه دار في التجارة، وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح، (أو خسر) في إحدى سلعتين أو سفرتين (جبر) ذلك (من الربح) أي: وجب جبر الخسران من الربح، ولم يستحق العامل شيئا إلا بعد كمال رأس المال؛ لأنها مضاربة واحدة (قبل قسمته) ناضا (أو تنضيضه) مع محاسبته، فإذا احتسبا وعلما

(1/403)


مالهما، لم يجبر الخسران بعد ذلك مما قبله، تنزيلا للتنضيض مع المحاسبة منزلة المقاسمة، وإن انفسخ العقد والمال عرض أو دين فطلب رب المال تنضيضه، لزم العامل. وتبطل بموت أحدهما، فإن مات عامل أو مودع أو وصي ونحوه وجهل بقاء ما بيدهم فهو دين في التركة؛ لأن الإخفاء وعدم التعيين كالغصب، ويقبل قول العامل فيما يدعيه من هلاك وخسران وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للمضاربة؛ لأنه أمين، والقول قول رب المال في عدم رده إليه.
[فصل في شركة الوجوه]
فصل (الثالث: شركة الوجوه) سميت بذلك؛ لأنهما يعاملان فيها بوجههما أي: جاههما، والجاه والوجه واحد، وهي أن يشتركا على (أن يشتريا في ذمتيهما) من غير أن يكون لهما مال (بجاهيهما، فما ربحاه فـ) هو (بينهما) على ما شرطاه، سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو جنسه أو وقته أو لا، فلو قال: ما اشتريت من شيء فبيننا صح. (وكل واحد منهما وكيل صاحبه وكفيل عنه بالثمن) لأن مبناها على الوكالة والكفالة، (والملك بينهما على ما شرطاه) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون عند شروطهم» ، (والوضعية على قدر ملكيهما) كشركة العنان؛ لأنها في معناها (والربح على ما شرطاه) كالعنان، وهما في تصرف كشريكي عنان.

(1/404)


(الرابع: شركة الأبدان) وهي (أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما) أي: يشتركان في كسبهما من صنائعهما، فما رزق الله تعالى فهو بينهما، (فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله) ويطالبان به؛ لأن شركة الأبدان لا تنعقد إلا على ذلك، وتصح مع اختلاف الصنائع كقصار مع خياط، ولكل واحد منهما طلب الأجرة، وللمستأجر دفعها إلى أحدهما، ومن تلفت بيده بغير تفريط لم يضمن.

(وتصح) شركة الأبدان (في الاحتشاش والاحتطاب وسائر المباحات) كالثمار المأخوذة من الجبال والمعادن والتلصص على دار الحرب، لما روى أبو داود بإسناده «عن عبد الله قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر، فلم أجئ أنا وعمار بشيء، وجاء سعد بأسيرين، قال أحمد: أشرك بينهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (وإن مرض أحدهما فالكسب) الذي عمله أحدهما (بينهما) احتج الإمام بحديث سعد، وكذا لو ترك العمل لغير عذر، (وإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه) لأنهما دخلا على أن يعملا، فإذا تعذر عليه العمل بنفسه لزمه أن يقيم مقامه توفية للعقد بما يقتضيه وللآخر الفسخ، وإن اشتركا على أن يحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح، وأن أجرهما بأعينهما فلكل أجرة دابته، ويصح دفع دابة ونحوها لمن يعمل عليها وما رزقه الله تعالى بينهما على ما شرطاه.
(الخامس: شركة المفاوضة) وهي (أن يفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة) بيعا وشراء ومضاربة وتوكيلا وابتياعا في الذمة ومسافرة

(1/405)


بالمال وارتهانا وضمان ما يرى من الأعمال، أو يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح. (والربح على ما شرطاه والوضيعة بقدر المال) لما سبق في العنان، (فإن أدخلا فيها كسبا أو غرامة نادرين) كوجدان لقطة أو ركاز أو ميراث أو أرش جناية، (أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه، فسدت) ؛ لكثرة الغرر فيها؛ لأنها تضمنت كفالة وغيرها مما لا يقتضيه العقد.

[باب المساقاة]
من السقي؛ لأنه أهم أمرها بالحجاز، وهي دفع شجر له ثمر مأكول ولو غير مغروس إلى آخر؛ ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره.

(تصح) المساقاة (على شجر له ثمر يؤكل) من نخل وغيره؛ لحديث ابن عمر: «عامل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» متفق عليه، وقال أبو جعفر: «عامل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع.» ولا تصح على ما لا ثمر له كالحور أو له ثمر غير مأكول كالصنوبر والقرظ.

(1/406)


(و) تصح المساقاة أيضا (على) شجر ذي (ثمرة موجودة) لم تكمل تنمى بالعمل، كالمزارعة على زرع نابت؛ لأنها إذا جازت في المعدوم مع كثرة الغرر ففي الموجود وقلة الغرر أولى. (و) تصح أيضا (على شجر يغرسه) في أرض رب الشجر (ويعمل عليه حتى يثمر) ، احتج الإمام بحديث خيبر؛ ولأن العوض والعمل معلومان فصحت كالمساقاة على شجر مغروس (بجزء من الثمرة) مشاع معلوم، وهو متعلق بقوله: " تصح " فلو شرطا في المساقاة الكل لأحدهما أو آصعا معلومة أو ثمرة شجرة معينة، لم تصح، وتصح المناصبة والمغارسة، وهي دفع أرض وشجر لمن يغرسه كما تقدم بجزء مشاع ومعلوم من الشجر.

(وهي) أي: عقد المساقاة والمغارسة والمزارعة (عقد جائز) من الطرفين قياسا على
المضاربة؛ لأنها عقد على جزء من النماء في المال، فلا يفتقر إلى ذكر مدة، ولكل منهما فسخها متى شاء، (فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة) أي: أجرة مثله؛ لأنه منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض، (وإن فسخها هو) أي: فسخ العامل المساقاة قبل ظهور الثمرة (فلا شيء له) ؛ لأنه رضي بإسقاط حقه، وإن انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطا، ويلزم العامل تمام العمل كالمضارب.

(ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي وزبار) بكسر الزاي وهو قطع الأغصان الرديئة من الكرم، (وتلقيح وتشميس وإصلاح موضعه و) إصلاح (طرق الماء وحصاد ونحوه) كآلة حرث وبقرة، وتفريق زبل، وقطع حشيش مضر وشجر يابس، وحفظ ثمر على شجر إلى أن يقسم، (وعلى رب المال ما يصلحه) أي: ما يحفظ الأصل، (كسد حائط وإجراء الأنهار) وحفر البئر (والدولاب ونحوه) كآلته التي تديره ودوابه، وشراء ما يلقح به، وتحصيل ماء وزبل والجذاذ عليهما بقدر حصتيهما، إلا أن يشترطه على العامل، والعامل فيها كالمضارب فيما يقبل ويرد وغير ذلك.

(1/407)


[فصل في المزارعة]
فصل (وتصح المزارعة) لحديث خيبر السابق، وهي دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، أو حب مزروع ينمى بالعمل لمن يقوم عليه (بجزء) مشاع (معلوم النسبة) كالثلث أو الربع ونحوه (مما يخرج من الأرض لربها) أي: لرب الأرض، (أو للعامل والباقي للآخر) أي: أن شرط الجزء المسمى لرب الأرض فالباقي للعامل، وإن شرط للعامل فالباقي لرب الأرض؛ لأنهما يستحقان ذلك، فإذا عين نصيب أحدهما منه، لزم أن يكون الباقي للآخر.

(ولا يشترط) في المزارعة والمغارسة (كون البذر والغراس من رب الأرض) ، فيجوز أن يخرجه العامل في قول عمر وابن مسعود وغيرهما، ونص عليه في رواية مهنا، وصححه في " المغني " و " الشرح "، واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين (وعليه عمل الناس) ؛ لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر، ولم يذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن البذر على المسلمين، وظاهر المذهب اشتراطه، نص عليه في رواية جماعة، واختاره عامة الأصحاب، وقدمه في " التنقيح "، وتبعه المصنف في " الإقناع "، وقطع به في " المنتهى ". وإن شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي لم يصح، وإن كان في الأرض شجر فزارعه على
الأرض وساقاه على الشجر صح، وكذا لو أجره الأرض وساقاه على شجرها، فيصح ما لم يتخذ حيلة على بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. وتصح مساقاة ومزارعة بلفظهما ولفظ العاملة وما في معنى ذلك ولفظ إجارة؛ لأنه مؤد للمعنى. وتصح إجارة أرض بجزء مشاع مما يخرج منها، فإن لم تزرع نظر إلى معدل المغل فيجب القسط المسمى.

(1/408)