الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

 [باب الإجارة]
مشتقة من الأجر وهو العوض، ومنه سمي الثواب أجرا، وهي عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة مدة معلومة، أو عمل معلوم بعوض معلوم، وتنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما، وبلفظ بيع إن لم يضف للعين.

و (تصح) الإجارة (بثلاثة شروط) :
أحدها: (معرفة المنفعة) لأنها المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالمبيع، وتحصل المعرفة إما بالعرف (كسكنى دار) لأنها لا تكرى إلا لذلك، فلا يعمل فيها حدادة ولا قصارة، ولا يسكنها دابة ولا يجعلها مخزنا لطعام، ويدخل ماء بئر تبعا، وله إسكان ضيف وزائر، (و) كـ (خدمة آدمي) فيخدم ما جرت به العادة من ليل ونهار، وإن استأجر حرة أو أمة صرف وجهه عن النظر. (و) يصح استئجار آدمي لعمل معلوم كـ (تعليم علم) وخياطة ثوب أو قصارته، أو ليدل على طريق ونحوه؛ لما في البخاري عن عائشة في حديث الهجرة: «واستأجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر رجلا [هو عبد الله بن أرقط، وقيل: ابن أريقط، كان كافرا] من بني الديل هاديا خريتا» والخريت: الماهر بالهداية، وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين، وبناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته.

الشرط (الثاني: معرفة الأجرة) بما تحصل به معرفة الثمن لحديث أحمد عن أبي سعيد: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره» ،

(1/409)


فإن أجره الدار
بعمارتها أو عوض معلوم، وشرط عليه عمارتها خارجا عن الأجرة لم تصح، ولو أجرها بمعين على أن ينفق المستأجر ما يحتاج إليه محتسبا به من الأجرة صح. (وتصح) الإجارة (في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما) روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى في الأجير، وأما الظئر فلقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] . ويشترط لصحة العقد العلم بمدة الرضاع ومعرفة الطفل بالمشاهدة وموضع الرضاع ومعرفة العوض. (وإن دخل حماما أو سفينة) بلا عقد (أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا) ليعملاه (بلا عقد صح بأجرة العادة) لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، وكذا لو دفع متاعه لمن يبيعه أو استعمل حمالا ونحوه فله أجرة مثله، ولو لم يكن له عادة بأخذ الأجرة.

الشرط (الثالث: الإباحة في) نفع (العين) المقدور عليه المقصود، كإجازة دار يجعلها مسجدا، وشجر لنشر ثياب أو قعوده بظله، (فلا تصح) الإجارة (على نفع محرم كالزنا والزمر والغناء وجعل داره كنيسة أو لبيع الخمر) ؛ لأن المنفعة المحرمة مطلوب إزالتها والإجارة تنافيها، وسواء شرط ذلك في العقد أو لا إذا ظن الفعل، ولا تصح إجارة طير ليوقظه للصلاة؛ لأنه غير مقدور عليه، ولا شمع وطعام ليتجمل به ويرده، ولا ثوب يوضع على نعش ميت، ذكره في " المغني " و " الشرح ". ولا نحو تفاحة لشم. (وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه) المعلوم (عليه) لإباحة ذلك. (ولا تؤجر

(1/410)


المرأة نفسها) بعد عقد النكاح عليها (بغير إذن زوجها) لتفويت حق الزوج.

[فصل ما يشترط في العين المؤجرة]
فصل (ويشترط في العين المؤجرة) خمسة شروط:
أحدها: (معرفتها برؤية أو صفة) إن انضبطت بالوصف؛ ولهذا قال: (في غير الدار ونحوها) مما لا يصح فيه السلم، فلو استأجر حماما فلا بد من رؤيته؛ لأن الغرض يختلف بالصغر والكبر، ومعرفة مائه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد ومصرف الماء، وكره أحمد كراء الحمام؛ لأنه يدخله من تنكشف عورته فيه.

(و) الشرط الثاني: (أن يعقد على نفعها) المستوفي (دون أجزائها) لأن الإجارة هي بيع المنافع فلا تدخل الأجزاء فيها، (فلا تصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله) ولو أكرى شمعة ليشعل منها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد، (ولا حيوان
ليأخذ لبنه) أو صوفه أو شعره أو وبره (إلا في الظئر) فيجوز وتقدم، (ونقع البئر) أي: ماؤها المستنقع فيها (وماء الأرض يدخلان تبعا) كحجر ناسخ، وخيوط خياط، وكحل كحال، ومرهم طبيب ونحوه.

(و) الشرط الثالث: (القدرة على التسليم) كالبيع، (فلا تصح إجارة) العبد (الآبق و) الجمل (الشارد) والطير في الهواء، ولا المغصوب ممن لا يقدر على أخذه، ولا إجارة المشاع مفردا لغير الشريك، ولا يؤجر مسلم لذمي ليخدمه، وتصح لغيرها.

(و) الشرط الرابع: (اشتمال العين على المنفعة، فلا تصح إجارة بهيمة زمنة لحمل، ولا أرض لا تنبت للزرع) لأن الإجارة عقد على المنفعة، ولا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين.

(1/411)


(و) الشرط الخامس: (أن تكون المنفعة) مملوكة (للمؤجر أو مأذونا له فيها) فلو تصرف فيما لا يملكه بغير إذن مالكه لم يصح كبيعه. (وتجوز إجارة العين) المؤجرة بعد قبضها إذا أجرها المستأجر (لمن يقوم مقامه) في الانتفاع أو دونه؛ لأن المنفعة لما كانت مملوكة له جاز له أن يستوفيها بنفسه ونائبه، (لا بأكثر منه ضررا) لأنه لا يملك أن يستوفيه فبنائبه أولى، وليس للمستعير أن يؤجر إلا بإذن مالك والأجرة له.

(وتصح إجارة الوقف) لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه، فجاز له إجارتها كالمستأجر، (فإن مات المؤجر فانتقل) الوقف (إلى من بعده لم تنفسخ) لأنه أجر ملكه في زمن ولايته، فلا تبطل بموته، كمالك المطلق (وللثاني حصته من الأجرة) من حين موت الأول، فإن كان قبضها رجع في تركته بحصته؛ لأنه تبين عدم استحقاقه لها، فإن تعذر أخذها فظاهر كلامهم أنها تسقط، قاله في " المبدع ". وإن لم تقبض فمن مستأجر، وقدم في " التنقيح " أنها تنفسخ إن كان المؤجر الموقوف عليه بأصل الاستحقاق، وكذا حكم مقطع أجر إقطاعه ثم أقطع لغيره، وإن أجر الناظر العام أو من شرط له وكان أجنبيا لم تنفسخ الإجارة بموته ولا بعزله، وإن أجر الولي اليتيم أو ماله أو السيد العبد، ثم بلغ الصبي ورشد وعتق العبد أو مات الولي أو عزل لم تنفسخ الإجارة، إلا أن يؤجره مدة يعلم بلوغه أو عتقه فيها فتنفسخ من حينهما.

(وإن أجر الدار ونحوها) كالأرض (مدة معلومة ولو طويلة يغلب على الظن

(1/412)


بقاء
العين فيها صح) ولو ظن عدم العاقد فيها، ولا فرق بين الوقف والملك؛ لأن المعتبر كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالبا، وليس لوكيل مطلق إجارة مدة طويلة، بل العرف كسنتين ونحوهما، قاله الشيخ تقي الدين. ولا يشترط أن تلي المدة العقد، فلو آجره سنة خمس في سنة أربع صح، ولو كانت العين مؤجرة أو مرهونة حال العقد إن قدر على تسليمها عند وجوبه، (وإن استأجرها) أي: العين (لعمل، كدابة لركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث) أرض معلومة بالمشاهدة لاختلافها بالصلابة والرخاوة، (أو دياس زرع) معين أو موصوف؛ لأنها منفعة مباحة مقصودة، (أو) استأجر (من يدله على طريق، اشترط معرفة ذلك) العمل (وضبطه بما لا يختلف) لأن العمل هو المعقود عليه، فاشترط فيه العلم كالمبيع.

(ولا تصح) الإجارة (على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة) أي: مسلما، كالحج والأذان وتعليم القرآن؛ لأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجرة عليها، كما لو استأجر قوما يصلون خلفه. ويجوز أخذ رزق على ذلك من بيت المال وجعالة وأخذ بلا شرط، ويكره للحر أكل أجرة على حجامة، ويطعمه الرقيق والبهائم.

(و) يجب (على المؤجر كل ما يتمكن به) المستأجر (من النفع كزمام الجمل) وهو الذي يقوده به، (ورحله وحزامه) بكسر الحاء المهملة (والشد عليه) أي: على الرحل، (وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير) لينزل المستأجر لصلاة فرض وقضاء حاجة إنسان وطهارة، ويدع البعير واقفا حتى يقضي ذلك، (ومفاتيح الدار) على المؤجر؛ لأن عليه التمكين من الانتفاع وبه يحصل، وهي أمانة في يد المستأجر.

(1/413)


(و) على المؤجر أيضا (عمارتها) فلو سقط حائط أو خشبة فعليه إعادته، (فأما تفريغ البالوعة والكنيف) وما في الدار من زبل أو قمامة ومصاريف حمام (فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة) من ذلك؛ لأنه حصل بفعله فكان عليه تنظيفه، ويصح كراء العقبة بأن يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض مع العلم به، إما بالفراسخ أو الزمان، وإن استأجر اثنان جملا يتعاقبان عليه صح، وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما في الأصح، قاله في " المبدع ".

[فصل الإجارة عقد لازم من الطرفين]
فصل (وهي) أي: الإجارة (عقد لازم) من الطرفين؛ لأنها نوع من البيع، فليس لأحدهما
فسخها لغير عيب أو نحوه، (فإن أجره شيئا ومنعه) أي: منع المؤجر المستأجر الشيء المؤجر (كل المدة أو بعضها) بأن سلمه العين ثم حوله قبل أن تقضى المدة (فلا شيء له) من الأجرة؛ لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة، فلم يستحق شيئا، (وإن بدأ الآخر) أي: المستأجر فتحول (قبل انقضائها) أي: انقضاء مدة الإجارة، (فعليه) جميع (الأجرة) ؛ لأنها عقد لازم، فترتب مقتضاها وهو ملك المؤجر الآجر والمستأجر المنافع.

(وتنفسخ) الإجارة (بتلف العين المؤجرة) كدابة وعبد ماتا؛ لأن المنفعة زالت بالكلية، وإن كان التلف بعد مضي مدة لها أجرة انفسخت فيما بقي ووجب للماضي القسط. (و) تنفسخ الإجارة أيضا (بموت المرتضع) لتعذر استيفاء المعقود عليه؛ لأن غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع. (و) تنفسخ الإجارة أيضا بموت (الراكب إن لم يخلف بدلا) أي: من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة بأن لم يكن له وارث، أو كان غائبا - كمن يموت بطريق مكة ويترك جمله - فظاهر كلام أحمد أنها تنفسخ في الباقي؛ لأنه قد جاء أمر غالب منع المستأجر منفعة العين أشبه ما لو غصبت، هذا كلامه في " المقنع "، والذي في " الإقناع " و " المنتهى " وغيرهما أنها لا تبطل بموت راكب.

(1/414)


(و) تنفسخ أيضا (بانقلاع ضرس) اكترى لقلعه (أو برئه) لتعذر استيفاء المعقود عليه، فإن لم يبرأ وامتنع المستأجر من قلعه لم يجبر (ونحوه) أي: تنفسخ الإجارة بنحو ذلك كاستئجار طبيب ليداويه فبرئ.

و (لا) تنفسخ (بموت المتعاقدين أو أحدهما) مع سلامة المعقود عليه للزومها. (ولا) تنفسخ بعذر لأحدهما مثل (ضياع نفقة المستأجر) للحج (ونحوه) ، كاحتراق متاع من اكترى دكانا لبيعه.

(وإن اكترى دارا فانهدمت أو) اكترى (أرضا لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت، انفسخت الإجارة في الباقي) من المدة؛ لأن المقصود بالعقد قد فات، أشبه ما لو تلف، وإن أجره أرضا بلا ماء صح، وكذا إن أطلق مع علمه بحالها، وإن ظن وجوده بالأمطار وزيادة الأنهار صح كالعلم، وإن غصبت المؤجرة خير المستأجر بين الفسخ، وعليه أجرة ما مضى وبين الإمضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل. ومن استؤجر لعمل شيء فمرض، أقيم مقامه من ماله من يعمله ما لم تشترط مباشرته، أو يختلف فيه القصد كالنسخ، فيتخير فيه المستأجر بين الصبر والفسخ. (وإن وجد) المستأجر (العين معيبة أو حدث بها) عنده (عيب) وهو ما
يظهر به تفاوت الأجر، (فله الفسخ) إن لم يزل بلا ضرر يلحقه، (وعليه أجرة ما مضى) ؛ لاستيفائه المنفعة فيه، وله الإمضاء مجانا والخيار على التراخي. ويجوز بيع العين المؤجرة، ولا تنفسخ الإجارة به، وللمشتري الفسخ إن لم يعلم.

(1/415)


(ولا يضمن أجير خاص) وهو من استؤجر مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها سوى فعل الخمس بسننها في أوقاتها وصلاة جمعة وعيد، يسمى خاصا لاختصاص المستأجر بنفعه [في] تلك المدة، ولا يستنيب (ما جنت يده [من] خطأ) لأنه نائب المالك في صرف منافعه فيما أمر به، فلم يضمن كالوكيل، وإن تعدى أو فرط ضمن. (ولا) يضمن أيضا (حجام وطبيب وبيطار) وختان (لم تجن أيديهم إن عرف حذقهم) أي: معرفتهم صنعتهم؛ لأنه فعل فعلا مباحا فلم يضمن سرايته، ولا فرق بين خاصهم ومشتركهم، فإن لم يكن لهم حذق في الصنعة ضمنوا؛ لأنه لا يحل لهم مباشرة القطع إذا، وكذا لو كان حاذقا وجنت يده بأن تجاوز بالختان إلى بعض الحشفة أو بآلة كالة، أو تجاوز بقطع السلعة موضعها ضمن؛ لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ. (ولا) يضمن أيضا (راع لم يتعد) ؛ لأنه مؤتمن على الحفظ كالمودع، فإن تعدى أو فرط ضمن.

(ويضمن) الأجير (المشترك) وهو من قدر نفعه بالعمل، كخياطة ثوب وبناء حائط، سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لجماعة في وقت واحد يعمل لهم، فيشتركون في نفعه كالحائك والقصار والصباغ والحمال، فكل منهما ضامن (ما تلف بفعله) كتخريق الثوب وغلطه في تفصيله، روي عن عمر وعلي وشريح والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأن عمله مضمون عليه؛ لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل، وأن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجرة فيما عمل بخلاف الخاص، والمتولد من المضمون مضمون، وسواء عمل في بيته أو بيت المستأجر أو كان المستأجر على المتاع أو لا.

(1/416)


(ولا يضمن) المشترك (ما تلف من حرزه أو بغير فعله) ؛ لأن العين في يده أمانة كالمودع، (ولا أجرة له) فيما عمل فيه؛ لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر، فلم يستحق عوضه، سواء كان في بيت المستأجر أو غيره، بناء كان أو غيره، وإن حبس الثوب على أجرته فتلف، ضمنه؛ لأنه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه، فلزمه الضمان كالغاصب، وإن ضرب الدابة بقدر العادة لم يضمن.

(وتجب الأجرة بالعقد) كثمن وصداق وتكون حالة (إن لم تؤجل) بأجل معلوم، فلا تجب حتى يحل، (وتستحق) أي: يملك الطلب بها (بتسليم العمل الذي في الذمة) ، ولا
يجب تسليمها قبله، وإن وجبت بالعقد؛ لأنها عوض، فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق، وتستقر كاملة باستيفاء المنفعة وبتسليم العين ومضي المدة، مع عدم المانع أو فراغ عمل ما بيد مستأجر ودفعه إليه، وإن كانت لعمل، فببذل تسليم العين ومضي مدة يمكن الاستيفاء فيها. (ومن تسلم عينا بإجارة فاسدة وفرغت المدة، لزمه أجرة المثل) لمدة بقائها في يده سكن أو لم يسكن؛ لأن المنفعة تلفت تحت يده بعوض لم يسلم للمؤجر، فرجع إلى قيمتها.

[باب السبق]
وهو بتحريك الباء: العوض الذي يسابق عليه، وبسكونها: المسابقة، أي: المجاراة بين حيوان وغيره.

(يصح) أي: يجوز السباق (على الأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق) جمع مزراق، وهو: الرمح القصير، وكذا المجانيق ورمي الأجحار بمقاليع ونحو ذلك؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق عائشة» رواه أحمد وأبو داود، " وصارع ركانة فصرعه " رواه أبو

(1/417)


داود، و «سابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رواه مسلم)

(ولا تصح) أي: لا تجوز المسابقة (بعوض إلا في إبل وخيل وسهام؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» رواه الخمسة عن أبي هريرة، ولم يذكر ابن ماجه: " أو نصل "، وإسناده حسن، قاله في " المبدع ".

(ولا بد) لصحة المسابقة (من تعيين المركوبين) لا الراكبين؛ لأن القصد معرفة سرعة عدو الحيوان الذي يسابق عليه (و) لا بد من (اتحادهما) في النوع، فلا تصح بين عربي وهجين. (و) لا بد في المناضلة من تعيين (الرماة) ؛ لأن القصد معرفة حذقهم، ولا يحصل
إلا بالتعيين بالرؤية، ويعتبر فيها أيضا كون القوسين من نوع واحد، فلا تصح بين قوس عربية وفارسية. (و) لا بد أيضا من تحديد (المسافة) بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيه، ويعتبر في المناضلة تحديد مدى رمي (بقدر معتاد) ، فلو جعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها غالبا، وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع لم تصح؛ لأن الغرض يفوت بذلك. ذكره في " الشرح " وغيره.

(وهي) أي: المسابقة (جعالة، لكل واحد) منهما (فسخها) لأنها عقد على ما لا تتحقق القدرة على تسليمه إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فله الفسخ دون صاحبه.

(وتصح المناضلة) أي: المسابقة بالرمي من النضل، وهو السهم التام، (على معينين) سواء كان اثنين أو جماعتين؛ لأن القصد معرفة الحذق كما تقدم، (يحسنون الرمي) لأن

(1/418)


من لا يحسنه وجوده كعدمه، ويشترط لها أيضا تعيين عدد الرمي والإصابة ومعرفة قدر الغرض، طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض، والسنة أن يكون لهما غرضان، إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني؛ لفعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.