الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

[باب العارية]
بتخفيف الياء وتشديدها: من العري وهو التجرد، سميت عارية لتجردها عن العوض.
(وهي إباحة نفع عين) يحل الانتفاع بها (تبقى بعد استيفائه) ليردها على مالكها، وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها، ويشترط أهلية المعير للتبرع شرعا، وأهلية المستعير للتبرع له، وهي مستحبة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .

(وتباح إعارة كل ذي نفع مباح) كالدار والعبد والدابة والثوب ونحوها، (إلا البضع) لأن الوطء لا يجوز إلا في نكاح أو ملك يمين وكلاهما منتف، (و) إلا (عبدا مسلما لكافر) لأنه لا يجوز له استخدامه، (و) إلا (صيدا ونحوه) كمخيط (لمحرم) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . (و) إلا (أمة شابة لغير امرأة أو محرم) لأنه لا يؤمن عليها، ومحل ذلك إن خشي المحرم، وإلا كره فقط، ولا بأس بشوهاء وكبيرة لا تشتهى، ولا بإعارتها لامرأة أو ذي محرم؛ لأنه مأمون عليها، وللمعير الرجوع متى شاء ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه، كسفينة لحمل متاعه، فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر، وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه.

(1/419)


(ولا أجرة لمن أعار حائطا) ثم رجع (حتى يسقط) لأن بقاءه بحكم العارية، فوجب كونه بلا أجرة، بخلاف من أعار أرضا لزرع ثم رجع، فيبقى الزرع بأجرة المثل لحصاده جمعا بين الحقين. (ولا يرد) الخشب (إن سقط) الحائط لهدم أو غيره؛ لأن الإذن تناول الأول، فلا يتعداه لغيره، (إلا بإذنه) أي: إذن صاحب الحائط، أو عند الضرورة إلى وضعه إذا لم يتضرر الحائط، كما تقدم في الصلح.

(وتضمن العارية) المقبوضة إذا تلفت في غير ما استعيرت له؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه» رواه الخمسة وصححه الحاكم، وروي عن ابن عباس وأبي هريرة، لكن المستعير من المستأجر أو لكتب علم ونحوها موقوفة لا ضمان عليه إن لم يفرط، وحيث ضمنها المستعير فـ (بقيمتها يوم تلفت) إن لم تكن مثلية، وإلا فبمثلها كما تضمن في الإتلاف، (ولو شرط نفي ضمانها) لم يسقط؛ لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط وعكسه نحو وديعة، لا تصير مضمونة بالشرط، وإن تلفت هي أو أجزاؤها في انتفاع بمعروف لم تضمن؛ لأن الإذن في الاستعمال تضمن الإذن في الإتلاف، وما أذن في إتلافه غير مضمون، (وعليه) أي: وعلى المستعير (مؤنة ردها) أي: رد العارية، لما تقدم من حديث: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ، وإذا كانت واجبة الرد وجب أن تكون مؤنة الرد على من وجب عليه الرد، (لا المؤجرة) فلا يجب على المستأجر مؤنة ردها؛ لأنه لا يلزمه الرد، بل يرفع يده إذا انقضت المدة، ومؤنة الدابة المؤجرة والمعارة على المالك، وللمستعير استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله؛ لأنه نائبه.

(1/420)


(ولا يعيرها) ولا يؤجرها؛ لأنه إباحة المنفعة، فلم يجز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام، (فإن) أعارها و (تلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتها) إن كانت متقومة، سواء كان عالما بالحال أو لا؛ لأن التلف حصل في يده، (و) استقر (على معيرها أجرتها) للمعير الأول إن لم يكن المستعير الثاني عالما بالحال، وإلا استقرت عليه أيضا. (و) للمالك أن (يضمن أيهما شاء) من المعير؛ لأنه سلط على إتلاف ماله أو المستعير؛ لأن التلف حصل تحت يده، (وإن أركب) دابته (منقطعا) طلبا (للثواب لم يضمن) ؛ لأن يدربها لم تزل عليها، كرديفه ووكيله، ولو سلم شريك شريكه الدابة، فتلفت
بلا تفريط ولا تعد، لم يضمن إن لم يأذن له في الاستعمال، فإن أذن له فيه فكعارية، وإن كان بأجرة فإجارة، فلو سلمها إليه ليعلفها ويقوم بمصالحها لم يضمن.

(وإذا قال) المالك: (أجرتك) و (قال) من هي بيده: (بل أعرتني أو بالعكس) بأن قال: أعرتك، قال: بل أجرتني، فقول المالك في الثانية، وترد إليه في الأول إن اختلفا (عقب العقد) أي: قبل مضي مدة لها أجرة (قبل قول مدعي الإعارة) مع يمينه؛ لأن الأصل عدم عقد الإجارة، وحينئذ ترد العين إلى مالكها إن كانت باقية. (و) إن كان الاختلاف (بعد مضي مدة) لها أجرة، فالقول (قول المالك) مع يمينه؛ لأن الأصل في مال الغير الضمان، ويرجع المالك حينئذ (بأجرة المثل) لما مضى من المدة؛ لأن الإجارة لم تثبت. (وإن قال) الذي في يده العين: (أعرتني، أو قال: أجرتني، قال) المالك: (بل غصبتني) ، فقول مالك كما لو اختلفا في ردها، (أو قال) المالك: (أعرتك) و (قال) من هي بيده: (بل أجرتني، والبهيمة تالفة) ، فقول مالك؛ لأنهما اختلفا في صفة القبض، والأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمان للأثر، ويقبل قول الغارم في القيمة، (أو اختلفا في رد، فقول المالك) ؛ لأن المستعير قبض العين لحظ نفسه، فلم يقبل قوله

(1/421)


في الرد، وإن قال: أودعتني، فقال: غصبتني، أو قال: أودعتك، قال: بل أعرتني، صدق المالك بيمينه وعليه الأجرة بالانتفاع.

[باب الغصب]
[الغصب] مصدر غصب يغصب، بكسر الصاد، (وهو) لغة: أخذ الشيء ظلما واصطلاحا: (الاستيلاء) عرفا: (على حق غيره) مالا كان أو اختصاصا (قهرا بغير حق) ، فخرج بقيد القهر: المسروق والمنتهب والمختلس، وبغير حق: استيلاء الولي على مال الصغير ونحوه، والحاكم على مال المفلس، وهو محرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] (من عقار) بفتح العين: الضيعة والنخل والأرض، قاله أبو السعادات، (ومنقول) من أثاث وحيوان ولو أم ولد، لكن لا تثبت اليد على بضع، فيصح تزويجها ولا يضمن نفعه، ولو دخل دارا قهرا وأخرج ربها فغاصب، وإن أخرجه قهرا ولم يدخل، أو دخل مع حضور ربها وقوته فلا، وإن دخل قهرا ولم يخرجه فقد غصب ما استولى عليه، وإن لم يرد الغصب فلا، وإن دخلها قهرا في غيبة ربها فغاصب ولو كان فيها قماشه، ذكره في
" المبدع ". (وإن غصب كلبا يقتنى) ككلب صيد وماشية وزرع، (أو) غصب (خمر ذمي) مستورة (ردهما) ؛ لأن الكلب يجوز الانتفاع به واقتناؤه، وخمر الذمي يقر على شربها، وهي مال عنده. (ولا) يلزم أن (يرد جلد ميتة) غصب ولو بعد الدبغ؛ لأنه لا يطهر بدبغ. وقال الحارثي: يرده حيث قلنا: يباح الانتفاع به في اليابسات. قال في " تصحيح الفروع ": هو الصواب. (وإتلاف الثلاثة) أي: الكلب والخمر المحرمة وجلد الميتة (هدر) سواء كان المتلف

(1/422)


مسلما أو ذميا؛ لأنه ليس لها عوض شرعي؛ لأنه لا يجوز بيعها. (وإن استولى على حر) كبير أو صغير (لم يضمنه) ؛ لأنه ليس بمال، (وإن استعمله كرها) فعليه أجرته؛ لأنه استوفى منافعه وهي متقومة، (أو حبسه) مدة لمثلها أجرة (فعليه أجرته) ؛ لأنه فوت منفعته وهي مال يجوز أخذ العوض عنها، وإن منعه العمل من غير غصب أو حبس لم يضمن منافعه.

(ويلزم) غاصبا (رد المغصوب) إن كان باقيا وقدر على رده؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا لاعبا ولا جادا، ومن أخذ عصا أخيه فليردها» رواه أبو داود. وإن زاد لزمه رده (بزيادته) متصلة كانت أو منفصلة؛ لأنها من نماء المغصوب وهو لمالكه، فلزمه رده كالأصل. (وإن غرم) على رد المغصوب (أضعافه) لكونه بني عليه أو بعد ونحوه. (وإن بنى في الأرض) المغصوبة (أو غرس لزمه القلع) إذا طالبه المالك بذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس لعرق ظالم حق» ، (و) لزمه (أرش نقصها) أي: نقص الأرض (وتسويتها) ؛ لأنه ضرر حصل بفعله، (والأجرة) أي: أجرة مثلها إلى وقت التسليم، وإن بذل ربها قيمة الغراس والبناء ليملكه، لم يلزم الغاصب قبوله وله قلعها، وإن زرعها وردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب وعليه أجرتها، وإن كان الزرع قائما فيها، خير ربها بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله وبين أخذه بنفقته، وهي مثل بذره وعوض لواحقه، (ولو غصب جارحا أو عبدا أو فرسا فحصل
بذلك) الجارح أو العبد أو الفرس (صيد، فلمالكه) أي: مالك الجارح ونحوه؛ لأنه بسبب ملكه فكان له،

(1/423)


وكذا لو غصب شبكة أو شركا [أو فخا] وصاد به ولا أجرة لذلك، وكذا لو كسب العبد، بخلاف ما لو غصب منجلا وقطع به شجرا أو حشيشا فهو للغاصب؛ لأنه آلة فهو كالحبل يربط به. (وإن ضرب المصنوع) المغصوب (ونسج الغزل وقصر الثوب أو صبغه ونجر الخشبة) بابا (ونحوه، أو صار الحب زرعا و) صارت (البيضة فرخا و) صار (النوى غرسا، رده وأرش نقصه) إن نقص، (ولا شيء للغاصب) نظير عمله، ولو زاد به المغصوب؛ لأنه تبرع في ملك غيره، وللمالك إجباره على إعادة ما أمكن رده إلى الحالة الأولى، كحلي ودراهم ونحوها. (ويلزمه) أي: الغاصب (ضمان نقصه) أي: المغصوب ولو بنبات لحية أمرد، فيغرم ما نقص من قيمته، وإن جنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين ما نقص من قيمته وأرش الجناية؛ لأن سبب كل واحد منهما قد وجد، فوجب أن يضمنه بأكثرهما.

(وإن خصى الرقيق رده مع قيمته) ؛ لأن الخصيتين يجب فيهما كمال القيمة كما يجب فيهما كمال الدية من الحر، وكذا لو قطع منه ما فيه دية كيديه أو ذكره أو أنفه، (وما نقص بسعر لم يضمن) ؛ لأنه رد العين بحالها لم ينقص منها عين ولا صفة، فلم يلزمه شيء. (ولا) يضمن نقصا حصل (بمرض) إذا (عاد) إلى حاله (ببرئه) من المرض لزوال موجب الضمان، وكذا لو انقلع سنه ثم عاد، فإن رد المغصوب معيبا وزال عيبه في يد

(1/424)


مالكه وكان أخذ الأرش، لم يلزمه رده؛ لأنه استقر ضمانه برد المغصوب، وإن لم يأخذه لم يسقط ضمانه لذلك.

(وإن عاد) النقص (بتعليم صنعة) ، كما لو غصب عبدا سمينا قيمته مائة، فهزل فصار يساوي تسعين وتعلم صنعة، فزادت قيمته بها عشرة (ضمن النقص) ؛ لأن الزيادة الثانية غير الأولى، (وإن تعلم) صنعة زادت بها قيمته عند الغاصب (أو سمن) عنده (فزادت قيمته ثم نسي) الصنعة (أو هزل فنقصت) قيمته (ضمن الزيادة) ؛ لأنها زيادة في نفس المغصوب، فلزم الغاصب ضمانها، كما لو طالبه بردها فلم يفعل، و (كما لو عادت من غير جنس الأول) بأن غصب عبدا، فسمن وصار يساوي مائة، ثم هزل فصار يساوي تسعين، فتعلم صنعة فصار يساوي مائة ضمن نقص الهزال؛ لأن الزيادة الثانية غير الأولى، (و) إن كانت الزيادة الثانية (من جنسها) أي: من جنس الزيادة الأولى، كما لو نسي صنعة ثم تعلمها ولو صنعة بدل صنعة (لا يضمن) ؛ لأن ما ذهب عاد، فهو كما لو مرض ثم برئ (إلا أكثرها) يعني إذا نسي صنعة وتعلم أخرى، وكانت الأولى أكثر ضمن الفضل بينهما لفواته وعدم عوده، وإن جنى المغصوب فعلى غاصبه أرش جنايته.
[فصل خلط المغصوب بغيره]
فصل (وإن خلط) المغصوب بما يتميز كحنطة بشعير وتمر بزبيب، لزم الغاصب تخليصه ورده وأجرة ذلك عليه، و (بما لا يتميز كزيت أو حنطة بمثلها) لزمه مثله منه؛ لأنه مثلي فيجب مثل مكيله، وبدونه أو خير منه أو بغير جنسه، كزيت بشيرج، فهما شريكان بقدر ملكيهما، فيباع ويعطى كل واحد قدر حصته، وإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا ضمنه الغاصب، (أو صبغ) الغاصب (الثوب أو لت سويقا) مغصوبا (بدهن) من زيت أو نحوه، (أو عكسه) بأن غصب دهنا ولت به سويقا (ولم تنقص القيمة) أي: قيمة المغصوب، (ولم تزد، فهما شريكان بقدر ماليهما فيه) ؛ لأن اجتماع الملكين يقتضي الاشتراك، فيباع

(1/425)


ويوزع الثمن على القيمتين. (وإن نقصت القيمة) في المغصوب (ضمنها) الغاصب لتعديه، (وإن زادت قيمة أحدهما فلصاحبه) أي: لصاحب الملك الذي زادت قيمته بها؛ لأنها تبع للأصل.

(ولا يجبر من أبى قلع الصبغ) إذا طلبه صاحبه، وإن وهب الصبغ لمالك الثوب لزمه قبوله، (ولو قلع غرس المشتري أو بناءه لاستحقاقه الأرض) أي: لخروج الأرض مستحقة للغير (رجع) الغارس أو الباني إذا لم يعلم بالحال (على بائعها بالغرامة) له؛ لأنه غره وأوهمه أنها ملكه ببيعها له. (وإن أطعمه) الغاصب (لعالم بغصبه، فالضمان عليه) ؛ لأنه أتلف مال الغير بغير إذنه من غير تغرير، وللمالك تضمين الغاصب؛ لأنه حال بينه وبين ماله، وقرار الضمان على الآكل، (وعكسه بعكسه) فإن أطعمه لغير عالم فقرار الضمان على الغاصب؛ لأنه غر الآكل، (وإن أطعمه) الغاصب (لمالكه أو وهبه) لمالكه (أو أودعه) لمالكه، (أو آجره إياه لم يبرأ) الغاصب (إلا أن يعلم) المالك أنه ملكه فيبرأ الغاصب؛ لأنه حينئذ يملك التصرف فيه على حسب اختياره، وكذا لو استأجره الغاصب على قصارته أو خياطته.

(ويبرأ) الغاصب (بإعارته) المغصوب لمالكه من ضمان عينه علم أنه ملكه أو لم يعلم؛ لأنه دخل على أنه مضمون عليه، والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان، فإن علم الثاني فقرار الضمان عليه وإلا فعلى الأول، إلا ما دخل الثاني على أنه مضمون عليه، فيستقر عليه ضمانه.

(1/426)


(وما تلف) أو أتلف من مغصوب (أو تغيب) ولم يمكن رده، كعبد أبق وفرس شرد (من مغصوب مثلي) وهو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه (غرم مثله إذا) ؛ لأنه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها والمثل أقرب إليه من القيمة، وينبغي أن يستثنى منه الماء في المفازة، فإنه يضمن بقيمته في مكانه، ذكره
في " المبدع "، (وإلا) يمكن رد مثل المثلي لإعوازه (فقيمته يوم تعذر) ؛ لأنه وقت استحقاق الطلب بالمثل فاعتبرت القيمة إذا.

(ويضمن غير المثلي) إذا تلف أو أتلف (بقيمته يوم تلفه) في بلده من نقده أو غالبه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعتق شركا له في عبد قوم عليه» ، ولو أخذ حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم حاسبه، فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه، وإن تلف بعض المغصوب، فنقصت قيمة باقية كزوجي خف تلف أحدهما، رد الباقي وقيمة التالف وأرش نقصه. (وإن تخمر عصير) مغصوب (فـ) على الغاصب (المثل) ؛ لأن ماليته زالت تحت يده كما لو أتلفه، (فإن انقلب خلا دفعه) لمالكه؛ لأنه عين ملكه، (و) دفع (معه نقص قيمته) حين كان (عصيرا) إن نقص؛ لأنه نقص حصل تحت يده، ويسترجع الغاصب ما أداه بدلا عنه، وإذا كان المغصوب مما جرت العادة بإجارته لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده استوفى المنافع أو تركها تذهب.

(1/427)


[فصل في تصرفات الغاصب الحكمية]
فصل (وتصرفات الغاصب الحكمية) أي: التي لها حكم من صحة وفساد كالحج والطهارة ونحوها، والبيع والإجارة والنكاح ونحوها، (باطلة) لعدم إذن المالك، وإن اتجر بالمغصوب فالربح لمالكه، (والقول في قيمة التالف) قول الغاصب؛ لأنه غارم، (أو قدره) أي: قدر المغصوب، (أو صفته) بأن قال: غصبتني عبدا كاتبا، وقال الغاصب: لم يكن كاتبا، فـ (قوله) أي: قول الغاصب لما تقدم، (و) القول (في رده أو تعيبه) بأن قال الغاصب: كانت فيه أصبع زائدة أو نحوها، وأنكره مالكه فـ (قول ربه) ؛ لأن الأصل عدم الرد والعيب، وإن شهدت البينة [أن] المغصوب [كان] معيبا، وقال الغاصب: كان معيبا وقت غصبه، وقال المالك: تعيب عندك، قدم قول الغاصب؛ لأنه غارم، (وإن جهل) الغاصب (ربه) أي: رب المغصوب، سلمه إلى الحاكم، فبرئ من عهدته، ويلزمه تسلمه أو (تصدق به عنه مضمونا) أي: بنية ضمانه إن جاء ربه، فإذا تصدق به كان ثوابه لربه وسقط عنه إثم الغصب، وكذا حكم رهن ووديعة ونحوها إذا جهل ربها، وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها ولو كان فقيرا.
(ومن أتلف) لغيره مالا (محترما) بغير إذن ربه ضمنه؛ لأنه فوته عليه، (أو فتح قفصا) عن طائر فطار، ضمنه، (أو) فتح (بابا) فضاع ما كان مغلقا عليه بسببه، (أو حل وكاء) زق مائع أو جامد، فأذابته الشمس أو ألقته ريح فاندفق، ضمنه، (أو) حل (رباطا) عن فرس (أو) حل (قيدا) عن مقيد (فذهب ما فيه أو أتلف) ما فيه (شيئا ونحوه) أي: نحو ما ذكره (ضمنه) ؛ لأنه تلف بسبب فعله،

(1/428)


(وإن ربط دابة بطريق ضيق فعثر به إنسان) أو أتلف شيئا (ضمن) ؛ لتعديه بالربط، ومثله لو ترك في الطريق طينا، أو خشبة، أو حجرا، أو كيس دراهم، أو أسند خشبة إلى حائط (كـ) ما يضمن مقتني (الكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه أو عقره خارج منزله) لأنه متعد باقتنائه، فإن دخل منزله بغير إذنه لم يضمنه؛ لأنه متعد بالدخول، وإن أتلف العقور شيئا بغير العقر كما لو ولغ أو بال في إناء إنسان فلا ضمان؛ لأن هذا لا يختص بالعقور، وحكم أسد ونمر وذئب وهر تأكل الطيور وتقلب القدور في العادة حكم كلب عقور، وله قتل هر بأكل لحم ونحوه والفواسق، وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها، وإن حفرها لنفع المسلمين بلا ضرر في سابلة لم يضمن ما تلف بها؛ لأنه محسن، وإن مال حائطه ولم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه؛ لأن الميل حادث والسقوط بغير فعله.

(وما أتلفت البهيمة من الزرع) والشجر وغيرهما (ليلا، ضمنه صاحبها، وعكسه النهار) لما روى مالك عن الزهري عن حزام بن سعد: «أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم» ، (إلا أن ترسل) نهارا (بقرب ما تتلفه عادة) فيضمن مرسلها لتفريطه،

(1/429)


وإذا طرد دابة من زرعه لم يضمن إلا أن يدخلها مزرعة غيره، فإذا اتصلت المزارع صبر ليرجع على ربها، ولو قدر أن يخرجها وله منصرف غير المزارع فتركها فهدر. (وإن كانت) البهيمة (بيد راكب أو قائد أو سائق ضمن جنايتها بمقدمها) كيدها وفمها، (لا) ما جنت (بمؤخرها) كرجلها؛ لما روي عن سعيد مرفوعا «الرجل جبار» وفي رواية أبي هريرة «رجل العجماء جبار» ، ولو كان السبب من غيرهم كنخس وتنفير ضمن فاعله، فلو ركبها اثنان فالضمان على المتصرف منهما، (وباقي جنايتها هدر) إذا لم يكن يد أحد عليها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «العجماء جبار» أي هدر، إلا الضارية والجوارح وشبهها (كقتل الصائل عليه) من آدمي أو غيره إن
لم يندفع إلا بالقتل، فإذا قتله لم يضمنه؛ لأن قتله بدفع جائز؛ لما فيه من صيانة النفس. (و) كـ (كسر مزمار) أو غيره من آلات اللهو، (وصليب وآنية ذهب وفضة وآنية خمر غير محترمة) ؛ لما روى أحمد عن ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره أن يأخد مدية، ثم خرج إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فشقت بحضرته، وأمر أصحابه بذلك» ولا يضمن كتابا فيه أحاديث رديئة ولا حليا محرما على رجال إذا لم يصلح للنساء.