الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

[باب الجعالة]
[الجعالة] بتثليث الجيم قاله ابن مالك، قال ابن فارس: الجعل والجعالة والجعيلة: ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله، (وهي) اصطلاحا: (أن يجعل) جائز التصرف (شيئا) متمولا (معلوما لمن يعمل له عملا معلوما) ، كرد عبده من محل كذا أو بناء حائط كذا، (أو) عملا (مجهولا من مدة معلومة) كشهر كذا، (أو) مدة (مجهولة) ، فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة، ويجوز الجمع بينهما هنا بخلاف الإجارة، وله تعيين العامل للحاجة، ويقوم العمل مقام القبول؛ لأنه يدل عليه كالوكالة، ودليلها قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] ، وحديث اللديغ والعمل الذي يؤخذ الجعل عليه (كرد عبد ولقطة) ، فإن كانت في يده فجعل له

(1/445)


مالكها جعلا ليردها لم يبح له أخذه، (و) كـ (خياطة وبناء حائط) وسائر ما يستأجر عليه من الأعمال، (فمن فعله بعد علمه بقوله) أي: بقول صاحب العمل: من فعل كذا فله كذا، (استحقه) ؛ لأن العقد استقر بتمام العمل. (والجماعة) إذا عملوه (يقتسمونه) بالسوية؛ لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض، فاشتركوا فيه. (و) إن بلغه الجعل (في
أثنائه) أي: أثناء العمل (يأخذ قسط تمامه) ؛ لأن ما فعله قبل بلوغ الخبر غير مأذون فيه، فلم يستحق به عوضا، وإن لم يبلغه إلا بعد العمل لم يستحق شيئا لذلك. (و) الجعالة عقد جائز (لكل) منهما (فسخها) كالمضاربة.

(فـ) متى كان الفسخ (من العامل) قبل تمام العمل فإنه (لا يستحق شيئا) ؛ لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه. (و) إن كان الفسخ (من الجاعل بعد الشروع) في العمل فـ (للعامل أجرة مثل عمله) ؛ لأنه عمله بعوض لم يسلم له، وقبل الشروع في العمل لا شيء للعامل،

(1/446)


وإن زاد أو نقص قبل الشروع في الجعل جاز؛ لأنها عقد جائز، (ومع الاختلاف في أصله) أي: أصل الجعل (أو قدره يقبل قول الجاعل) ؛ لأنه منكر، والأصل براءة ذمته.

(ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل لغيره عملا بغير جعل) ولا إذن (لم يستحق عوضا) ؛ لأنه بذل منفعة من غير عوض فلم يستحقه؛ ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلتزمه، (إلا) في تخليص متاع غيره من هلكه فله أجرة المثل ترغيبا، وإلا (دينارا أو اثني عشر درهما عن رد الآبق) من المصر أو خارجه، روي عن عمر وعلي وابن مسعود؛ لقول ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل في رد الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا» .

(ويرجع) راد الآبق (بنفقته أيضا) ؛ لأنه مأذون في الإنفاق شرعا لحرمة النفس، ومحله إن لم ينو التبرع ولو هرب منه في الطريق، وإن مات السيد رجع في تركته وعلم منه جواز أخذ الآبق لمن وجده وهو أمانة بيده، ومن ادعاه فصدقه العبد أخذه، فإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه ليحفظه لصاحبه، وله بيعه لمصلحة، ولا يملكه ملتقطه بالتعريف كضوال الإبل، وإن باعه ففاسد.

(1/447)


[باب اللقطة]
[اللقطة] : بضم اللام وفتح القاف، ويقال: لقاطة - بضم اللام، ولقطة - بفتح اللام والقاف.
(وهي مال أو مختص ضل عن ربه) ، قال بعضهم: وهي مختصة بغير الحيوان ويسمى ضالة. (و) يعتبر فيما يجب تعريفه أن (تتبعه همة أوساط الناس) بأن يهتموا في
طلبه، (فأما الرغيف والسوط) وهو الذي يضرب به، وفي " شرح المهذب ": هو فوق القضيب ودون العصا (ونحوهما) كشسع نعل، (فيملك) بالالتقاط (بلا تعريف) ، ويباح الانتفاع به؛ لما روى جابر قال: «رخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به» رواه أبو داود، وكذا التمرة والخرقة وما لا خطر له ولا يلزمه دفع بدله.

(وما امتنع من سبع صغير) كذئب، ويرد الماء (كثور وجمل ونحوهما) كالبغال والحمير والظباء والطيور والفهود، ويقال لها: الضوال والهوامي والهوامل، (حرم أخذه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سئل عن ضالة الإبل: «ما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» متفق عليه. وقال عمر: من أخذ الضالة فهو ضال، أي: مخطئ، فإن أخذها ضمنها، وكذا نحو حجر طاحون وخشب كبير، (وله التقاط غير ذلك) أي: غير ما تقدم من الضوال ونحوها (من حيوان) كغنم وفصلان وعجاجيل وأفلاء، (وغيره) كأثمان ومتاع (إن أمن نفسه على ذلك) وقوي على تعريفها؛ لحديث زيد بن خالد الجهني قال: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لقطة الذهب والورق فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه» ، وسأله عن الشاة فقال: «خذها

(1/448)


فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» متفق عليه مختصرا، والأفضل تركها، روي عن ابن عباس وابن عمر. (وإلا) يأمن نفسه عليها (فهو كغاصب) فليس له أخذها لما فيه من تضييع مال غيره، ويضمنها إن تلفت فرط أو لم يفرط ولا يملكها، وإن عرفها ومن أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط فيها، ضمنها، ويخير في الشاة ونحوها بين ذبحها وعليه القيمة، أو بيعها ويحفظ ثمنها، أو ينفق عليها من ماله بنية الرجوع، وما يخشى فساده له بيعه وحفظ ثمنه أو أكله بقيمته أو تجفيف ما يمكن تجفيفه.

(ويعرف الجميع) وجوبا؛ لحديث زيد السابق، نهارا (في مجامع الناس) كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها؛ ليظهر عليها صاحبها (غير المساجد) فلا تعرف فيها، (حولا) كاملا، روي عن عمر وعلي وابن عباس،
عقب الالتقاط؛ لأن صاحبها يطلبها إذا، كل يوم ثم أسبوعا ثم عرفا، وأجرة المنادي على الملتقط.

(ويملكه بعده) أي: بعد التعريف (حكما) أي: من غير اختيار كالميراث غنيا كان أو فقيرا؛ لعموم ما سبق، ولا يملكها بدون تعريف، (لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها) أي: حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، ويستحب ذلك عند وجدانها والإشهاد عليها، (فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه) بلا بينة ولا يمين، وإن لم يغلب على ظنه صدقه؛ لحديث زيد وفيه: «فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه، وإلا فهي لك» رواه مسلم،

(1/449)


ويضمن تلفها ونقصها بعد الحول مطلقا لا قبله إن لم يفرط.

(والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما) لقيامه مقامهما، ويلزمه أخذها منهما، فإن تركها في يدهما فتلفت، ضمنها، فإن لم تعرف فهي لهما، وإن وجدها عبد عدل فلسيده أخذها منه وتركها معه ليعرفها، فإن لم يأمن سيده عليها سترها عنه وسلمها للحاكم، ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، والمكاتب كالحر، ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده. (ومن ترك حيوانا) لا عبدا أو متاعا (بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه) بخلاف عبد ومتاع، وكذا ما يلقى في البحر خوفا من غرق فيملكه آخذه، وإن انكسرت سفينة فاستخرجه قوم فهو لربه وعليه أجرة المثل. (ومن أخذ نعله ونحوه) من متاعه (ووجد موضعه غيره فلقطة) ، ويأخذ حقه منه بعد تعريفه، وإذا وجد عنبرة على الساحل فهي له.

[باب اللقيط]
بمعنى ملقوط (وهو) اصطلاحا: (طفل لا يعرف نسبه ولا رقه، نبذ) أي: طرح في شارع أو غيره، (أو ضل) . (وأخذه فرض كفاية) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . ويسن الإشهاد عليه، (وهو حر) في جميع الأحكام؛ لأن الحرية هي الأصل، والرق عارض.

(1/450)


(وما وجد معه) من فراش تحته أو ثياب فوقه أو مال في جيبه (أو تحته ظاهرا أو مدفونا، طريا أو متصلا به كحيوان أو غيره) مشدودا بثيابه، (أو) مطروحا (قريبا منه فـ) هو (له) عملا بالظاهر؛ ولأن له يدا صحيحة كالبالغ، (وينفق عليه منه) ملتقطه بالمعروف؛ لولايته عليه،
(وإلا) يكن معه شيء (فمن بيت المال) لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ((اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته)) وفي لفظ ((وعلينا رضاعه)) . ولا يجب على الملتقط، فإن تعذر الإنفاق من بيت المال فعلى من علم حاله من المسلمين، فإن تركوه أثموا.
(وهو مسلم) إذا وجد في دار الإسلام وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للإسلام والدار، وإن وجد في بلد كفار لا مسلم فيه فكافر تبعا للدار،
(وحضانته لواجده الأمين) لأن عمر أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه: إنه رجل صالح. (وينفق عليه) مما وجد معه من نقد أو غيره (بغير إذن حاكم) لأنه وليه، وإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم، أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر بيده،
(وميراثه وديته) كدية حر (لبيت المال) إن لم يخلف وارثا كغير اللقيط، ولا ولاء عليه لحديث «إنما الولاء لمن أعتق» .
(ووليه في) القتل (العمد) العدوان (الإمام يتخير بين القصاص والدية) لبيت المال لأنه ولي من لا ولي له، وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه ورشده ليقتص أو يعفو، وإن ادعى إنسان أنه مملوكه ولم يكن بيده لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ونحوه.

(وإن أقر رجل أو امرأة) ولو (ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولده لحق به) لأن الإقرار به محض مصلحة للطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على غيره فيه، وشرطه أن ينفرد بدعوته، وأن يمكن كونه منه حرا كان أو عبدا، وإذا ادعته المرأة لم يلحق بزوجها كعكسه،

(1/451)


(ولو بعد موت اللقيط) فيلحقه وإن لم يكن له توأم أو ولد احتياطا للنسب.
(ولا يتبع) اللقيط (الكافر) المدعي أنه ولده (في دينه إلا) أن يقيم بـ (بينة تشهد أنه ولد على فراشه) ، لأن اللقيط محكوم بإسلامه بظاهر الدار، فلا يقبل قول الكافر في كفره بغير بينة، وكذا لا يتبع رقيقا في رقه.

(وإن اعترف) اللقيط (بالرق مع سبق مناف) للرق من بيع ونحوه أو عدم سبقه لم يقبل، لأنه يبطل حق الله من الحرية المحكوم بها، سواء أقر ابتداء لإنسان أو جوابا بالدعوى عليه، (أو قال) اللقيط بعد بلوغه: (إنه كافر لم يقبل منه) ، لأنه محكوم بإسلامه، ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
(وإن ادعاه جماعة قدم ذو البينة) مسلما أو كافرا حرا أو عبدا لأنها تظهر الحق وتبينه، (وإلا) يكن لهم بينة أو تعارضت عرض معهم على القافة، (فمن ألحقته القافة
به) لحقه لقضاء عمر به بحضرة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وإن ألحقته باثنين فأكثر لحق بهم، وإن ألحقته بكافر أو أمة لم يحكم بكفره ولا رقه، ولا يلحق بأكثر من أم، والقافة: قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ولا يختص ذلك بقبيلة معينة ويكفي واحد، وشرطه أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة، ويكفي مجرد خبره، وكذا إن وطئ اثنان امرأة بشبهة في طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما.

(1/452)