الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط دار الفكر
كتاب الوصايا
مدخل
...
10- كتاب الوصايا
جمع وصية مأخوذة من وصيت الشئ: إذا وصلته
فالموصي وصل ما كان له في حياته بما بعد موته.
و اصطلاحا: الأمر بالتصرف بعد الموت أو التبرع
بالمال بعده. وتصح الوصية من البالغ الرشيد
ومن الصبي العاقل والسفيه بالمال ومن الأخرس
بإشارة مفهومة وإن وجدت وصية إنسان بخطه
الثابت ببينة أو إقرار ورثته صحت ويستحب أن
يكتب وصيته ويشهد عليها.
و "يسن لمن ترك خيرا وهو المال الكثير" عرفا
"أن يوصي بالخمس" روي عن أبي بكر وعلي وهو
ظاهر قول السلف قال أبو بكر: رضيت بما رضي
الله به لنفسه يعني في قوله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 1.
"ولا تجوز" الوصية "بأكثر من الثلث لأجنبي"
لمن له وارث "ولا لوارث بشئ إلا بإجازة الورثة
لهما بعد الموت" لقول النبي صلى الله عليه
وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله ؟ قال:
"لا" قال: بالشطر ؟ قال: لا قال: "الثلث
والثلث كثير" متفق عليه وقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا وصية لوارث" رواه أحمد وأبو داود
والترمذي وحسنه. وإن وصى لكل وارث بمعين بقدر
إرثه جاز لأن حق الوارث في القدر لا في العين
والوصية بالثلث فما دون لأجنبي تلزم بلا إجازة
وإذا أجاز الورثة ما زاد على الثلث أو لوارث ف
إنها تصح تنفيذا لأنها إمضاء لقول المورث
بلفظ: أجزت أو أمضيت أو أنفذت ولا تعتبر لها
أحكام الهبة.
"وتكره وصية فقير" عرفا "وارثه محتاج" لأنه
عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب.
"وتجوز" الوصية "بالكل لمن لا وارث له" روي عن
ابن مسعود لأن المنع فيما زاد
ـــــــ
1 سورة الأنفال من الآية "41".
(1/303)
على الثلث لحق
الورثة فإذا عدموا زال المانع "وان لم يف
الثلث بالوصايا" أولم تجز الورثة " فالنقص"
على الجميع "بالقسط" فيتحاصون لا فرق بين
متقدمها ومتأخرها والعتق وغيره لأنهم تساووا
في الأصل وتفاوتوا في المقدار فوجبت المحاصة
كمسائل العول. "وإن أوصى لوارث فصار عند الموت
غير وارث" كأخ حجب بابن تجدد "صحت" الوصية
اعتبارا بحال الموت لأنه الحال الذي يحصل به
الانتقال إلى الوارث والموصي له "والعكس
بالعكس" فمن أوصى لأخيه مع وجود ابنه فمات
ابنه بطلت الوصية إن لم تجز باقي الورثة.
"ويعتبر" لملك الموصى له المعين الموصى به
"القبول" بالقول أو ما قام مقامه كالهبة "بعد
الموت" لأنه وقت ثبوت حقه وهو على التراخي
فيصح "وإن طال الزمن" بين القبول والموت و لا
يصح القبول "قبله" أي قبل الموت لأنه لم يثبت
له حق وإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء أو
من لا يمكن حصرهم كبني تميم أو مصلحة مسجد
ونحوه أو حج لم تفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد
الموت "ويثبت الملك به" أي بالقبول "عقب
الموت" قدمه في الرعاية والصحيح أن الملك حين
القبول كسائر العقود لأن القبول سبب والحكم لا
يتقدم سببه فما حدث قبل القبول من نماء منفصل
فهو للورثة والمتصل يتبعها " ومن قبلها" أي
الوصية "ثم ردها" ولو قبل القبض "لم يصح الرد"
لأن ملكه قد استقر عليها بالقبول إلا أن يرضى
الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تعتبر شروطها.
"ويجوز الرجوع في الوصية" لقول عمر: يغير
الرجل ما شاء في وصيته فإذا قال: رجعت في
وصيتي أو أبطلتها ونحوه بطلت وكذا إن وجد منه
ما يدل على الرجوع. "وإن قال" الموصي: "إن قدم
زيد فله ما وصيت به لعمرو فقدم زيد في حياته"
أي حياة الموصي "فله" أي فالوصية لزيد لرجوعه
عن الأول وصرفه إلى الثاني معلقا بالشرط وقد
وجد "و" إن قدم زيد "بعدها" أي بعد حياة
الموصي فالوصية "لعمرو" لأنه لما مات قبل
قدومه استقرت له لعدم الشرط في زيد لأن قدومه
إنما كان بعد ملك الأول وانقطاع حق الموصي
منه.
ويخرج وصي فوارث فحاكم "الواجب كله من دين وحج
وغيره" كزكاة ونذر وكفارة "من كل ماله بعد
موته وان لم يوص به" لقوله تعالى: {مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1
ولقول علي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالدين قبل الوصية رواه الترمذي "فإن قال:
أدوا الواجب من ثلثي بدئ به" أي بالواجب "فإن
بقي منه" أي الثلث "شيء أخذه
ـــــــ
1 سورة النساء من الآية "11".
(1/304)
صاحب التبرع"
لتعيين الموصي "وإلا" يفضل شيء "سقط" التبرع
لأنه لم يوص له بشئ إلا أن يجيز الورثة فيعطى
ما أوصي له به وإن بقي من الواجب شيء تمم من
رأس المال.
(1/305)
1-
باب الموصى له
"تصح" الوصية "لمن يصح تملكه" من مسلم وكافر1
لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} 2 قال محمد بن
الحنفية: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني
وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده "ولعبده بمشاع
كثلث" لأنها وصية تضمنت العتق بثلث ماله
"ويعتق منه بقدره" أي بقدر الثلث فإن كان ثلثه
مائة وقيه العبد مائة فأقل عتق كله لأنه يملك
من كل جزء من المال ثلثه مشاعا ومن جملته نفسه
فيملك ثلثها فيعتق ويسري إلى بقيته "ويأخذ
الفاضل" من الثلث لأنه صار حرا وإن لم يخرج من
الثلث عتق منه بقدر الثلث "و" إن وصى "بمائة
أو" بـ " معين" كدار وثوب "لا تصح" هذه الوصية
"له" أي لعبده لأنه يصير ملكا للورثة فما وصى
له به فهو لهم فكأنه وصى لورثته بما يرثونه
فلا فائدة فيه ولا تصح لعبد غيره.
"وتصح" الوصية "بحمل" تحقق وجوده قبلها
لجريانها مجرى الإرث. و تصح أيضا " لحمل تحقق
وجوده قبلها" أي قبل الوصية بأن تضعه لأقل من
ستة أشهر من الوصية إن كانت فراشا أو لأقل من
أربع سنين إن لم تكن كذلك ولا تصح لمن تحمل به
هذه المرأة.
"وإذا أوصى من لا حج عليه أن يحج عنه بألف صرف
من ثلثه مؤنة حجة بعد أخرى حتى ينفذ" الألف
راكبا أو راجلا لأنه وصى بها في جهة قربة فوجب
صرفها فيها فلو لم يكف الألف أو البقية حج به
من حيث يبلغ وإن قال: حجة بألف دفع لمن يحج به
واحدة عملا بالوصية حيث خرج من الثلث وإلا
فبقدره وما فضل منها فهو لمن يحج لأنه قصد
إرفاقه.
"ولا تصح" الوصية "لملك" وجني "وبهيمة وميت"
كالهبة لهم لعدم صحة تمليكهم " فإن وصى لحي
وميت يعلم موته فالكل للحي" لأنه لما أوصى
بذلك مع علمه بموته فكأنه قصد الوصية للحي
وحده "وإن جهل" موته "ف" للحي "النصف" من
الموصى به
ـــــــ
1 ولا يرث القاتل من المقتول ولا تصح الوصية
له وإن كان قد أوصى له قبل قتله إياه أو بجرح
أدى إلى وفاته وسواء كان عمدا أو خطأ بطلت
الوصية له.
2 سورة الأحزاب من الآية "6".
(1/305)
لأنه أضاف
الوصية إليهما ولا قرينة تدل على عدم إرادة
الآخر. و لا تصح الوصية لكنيسة وبيت نار أو
عمارتهما ولا لكتب التوراة والإنجيل ونحوها.
وإن وصى بماله لابنه وأجنبي فردا وصيته فله
التسع لأنه بالرد رجعت الوصية إلى الثلث
والموصي له ابنان والأجنبي فله ثلث الثلث وهو
تسع وإن وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه
فلزيد التسع ولا يدفع له شيء بالفقر لأن العطف
يقتضي المغايرة ولو أوصى بثلثه للمساكين وله
أقارب محاويج1 غير وارثين لم يوص دم فهم أحق
به.
ـــــــ
1 محاويج: محتاجين.
(1/306)
2-
باب الموصى به1
"تصح بما يعجز عن تسليمه كآبق وطير في هواء"
وحمل في بطن ولبن في ضرع لأنها تصح بالمعدوم
فهذا أولى.
"و" تصح "بالمعدوم ك" وصية بـ " ما يحمل
حيوانه" وأمته وشجرته أبدا أو مدة معينة كسنة
ولا يلزم الوارث السقي لأنه لم يضمن تسليمها
بخلاف بائع
"فإن" حصل شيء فهو للموصى له بمقتضى الوصية
"وإن لم يحصل منه شيء بطلت الوصية" لأنها لم
تصادف محلا وتصح بـ بما فيه نفع مباح من "كلب
صيد ونحوه" كحرث وماشية وبزيت متنجس لغير مسجد
"و" للموصى "له ثلثهما" أي ثلث الكلب والزيت
المتنجس "ولو كثر المال إن لم تجز الورثة" لأن
موضوع الوصية على سلامة ثلثي التركة للورثة
وليس من التركة شيء من جنس الموصى به وإن وصى
بكلب ولم يكن له كلب لم تصح الوصية.
"وتصح بمجهول كعبد وشاة" لأنها إذا صحت
بالمعدوم فالمجهول أولى "ويعطى" الموصى له "ما
يقع عليه الاسم" لأنه اليقين كالإقرار فإن
اختلف الاسم بالحقيقة والعرف قدم "العرفي" في
اختيار الموفق وجزم به في الوجيز و التبصرة
لأنه المتبادر إلى الفهم وقال الأصحاب: تغلب
الحقيقة لأنها الأصل "وإذا وصى بثلثه" أو نحوه
"فاستحدث مالا ولو دية" بأن قتل عمدا أو خطأ
وأخذت ديته "دخل" ذلك "في الوصية" لأنها تجب
للميت بدل نفسه ونفسه له فكذا بدلها ويقضى
منها دينه ومؤنة تجهيزه. "ومن أوصى له بمعين
فتلف" قبل موت الموصي أو بعده قبل القبول
"بطلت" الوصية لزوال حق الموصى له "وإن تلف
المال كله غيره" أي غير المعين الموصى به "فهو
للموصى له" لأن حقوق الورثة لم تتعلق
ـــــــ
1 ولا وصية لإنسان فيما لا يملك وفيما يشك
بإمكان قبضه ولا بمجهول ولا يعرف حده أو نوعه.
(1/306)
به لتعيينه
للموصى له "إن خرج من ثلث المال الحاصل
للورثة" وإلا فبقدر الورثة والاعتبار في قيمة
الوصية ليعرف خروجها من الثلث وعدمه بحالة
الموت لأنها حالة لزوم الوصية وإن كان ما عدا
المعين دينا أو غائبا أخذ الموصى له ثلث
الموصى به وكل ما اقتضى من الدين أو حضر من
الغائب شيء ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى
يملكه كله.
(1/307)
3-
باب الوصية
بالأنصباء والأجزاء
الأنصباء جمع نصيب والأجزاء جمع جزء. "وإذا
أوصى بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه
مضمونا إلى المسألة" فتصح مسألة الورثة وتزيد
عليها مثل نصيب ذلك المعين فهو الوصية وكذا لو
أسقط لفظ مثل "فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه" أو
بنصيبه "وله ابنان فله" أي للموصى له الثلث
لأن ذلك مثل ما يحصل لابنه "وإن كانوا ثلاثة
ف" للموصى "له الربع" لما سبق "وإن كان معهم
بنت فله التسعان" لأن المسألة من سبعة لكل ابن
سهمان وللأنثى سهم ويزاد عليها مثل نصيب ابن
فتصير تسعة فالاثنان منها تسعان "وإن أوصى له
بمثل نصيب أحد ورثته ولم يعين" ذلك الوارث
"كان له مثل ما لأقلهم نصيبا" لأنه اليقين وما
زاد مشكوك فيه "فمع ابن وبنت" له "ربع" مثل
نصيب البنت "ومع زوجة وابن" له "تسع" مثل نصيب
الزوجة وإن وصى بضعف نصيب ابنه فله مثلاه
وبضعفيه فله ثلاثة أمثاله وبثلاثة أضعافه له
أربعة أمثاله وهكذا. "و" إن أوصى" بسهم من
ماله فله سدس" بمنزلة سدس مفروض وهو قول علي
وابن مسعود لأن السهم في كلام العرب السدس
قاله إياس بن معاوية وروى ابن مسعود أن رجلا
أوصى لآخر بسهم من المال فأعطاه النبي صلى
الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم السدس. و
إن أوصى "بشئ أو جزء أو حظ" أو نصيب أو قسط
"أعطاه الوارث ما شاء" مما يتمول لأنه لا حد
له في اللغة ولا في الشرع فكان علي إطلاقه.
(1/307)
4-
باب الموصى إليه
لا بأس في الدخول في الوصية لمن قوي عليه ووثق
من نفسه لفعل الصحابة رضي الله عنهم "تصح وصية
المسلم إلى كل" مسلم "مكلف عدل رشيد ولو"
امرأة أو مستورا أو عاجزا ويضم إليه أمين أو
"عبدا" لأنه تصح استنابته في الحياة فصح أن
يوصى إليه كالحر "ويقبل" عبد غير الموصي "بإذن
سيده" لأن منافعه مستحقة له فلا يفوتها عليه
بغير إذنه وإذا " أوصى إلى زيد و" أوصى بعده
"إلى عمرو ولم يعزل زيدا اشتركا" كما لو أوصى
إليهما
(1/307)
|