الشرح الكبير على متن المقنع

(باب الحيض) (مسألة) قال (وهو دم طبيعة وجبلة) الحيض دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة في أوقات معتادة
وهو دم طبع الله النساء وجبلهن عليه وليس بدم فساد بل خلقه الله تعالى لحكمة تربية الولد فإذا حملت المرأة انصرف ذلك بإذن الله تعالى إلى غذائه ولذلك لا تحيض الحامل فإذا وضعت الولد قلبه الله

(1/313)


بحكمته لبناً ولذلك قلما تحيض المرضع.
فإذا خلت المرأة من الحمل والرضاع بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك وتقل وتطول أشهر المرأة وتقصر على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع - وسمي حيضاً من قولهم حاض الوادي إذا سال وتقول العرب حاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ الأحمر وهو من السيلان والأصل فيه قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) وقال أحمد رحمه الله الحيض يدور على ثلاثة أحاديث حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة، وفي رواية وحديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة وسنذكر هذه الأحاديث في مواضعها إن شاء الله (فصل) وإختلف الناس في الحيض فقال قوم المحيض والحيض واحد مصدران بدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) والأذى إنما هو الدم وهو الحيض وكذلك قوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يئسن من الحيض وقال ابن عقيل المحيض مكان الحيض كالمقيل والمبيت مكان القيلولة والبيتوتة وما جاء في القرآن يحمل على المجاز وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا المحيض إسم لمكان الحيض إختص التحريم به وإذا قلنا إسم للدم جاز أن ينصرف إلى ما عداه لأجله (مسألة) (ويمنع عشرة أشياء (أحدها) فعل الصلاة (والثاني) وجوبها) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض في أيام حيضها وعلى أن قضاء ما تركت من الصلاة في أيام حيضها غير واجب وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة " متفق عليه، ولما روت معاذة قالت سألت عائشة ما بال الحائض

(1/314)


تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ فقلت لست بحرورية ولكني أسأل فقالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
متفق عليه إنما قالت لها عائشة ذلك لأن الخوارج يرون على الحائض قضاء الصلاة (الثالث) فعل الصيام ولا يسقط وجوبه لما ذكرنا من الحديث وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن بلى رواه البخاري وحكى ابن المنذر إن الحائض عليها قضاء الصوم إجماعا (الرابع) قراة القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " رواه أبو داود والترمذي (والخامس) مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزام " لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " رواه الاثرم (والسادس) اللبث في المسجد لما ذكرنا في باب الغسل (والسابع) الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت " فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " متفق عليه (والثامن) الوطئ في الفرج لقوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (التاسع) سنة الطلاق يعني أن طلاق الحائض محرم وهو طلاق بدعة لما نذكره في موضعه (العاشر) الاعتداد بالأشهر لقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فأوجب العدة بالقروء وقوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) شرط في العدة بالأشهر عدم الحيض ويمنع أيضاً صحة الطهارة لأن خروج الدم يوجب الحدث فمنع استمراره صحة الطهارة كالبول.
(مسألة) (ويوجب الغسل عند انقطاعه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي " متفق عليه ويوجب البلوغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " ويوجب الاعتداد به لما ذكرنا وأكثر هذه الاحكام مجمع عليها (مسألة) (والنفاس مثله لا في الاعتداد) يعني أن حكم النفاس حكم الحيض فيما يجب به ويحرم وما يسقط عنها لا نعلم في هذا خلافا والخلاف في وجوب الكفارة بوطئها كالحائض وكذلك إباحة الاستمتاع فيما دون الفرج لأنه دم الحيض احتبس لأجل الحمل ثم خرج فثبت حكمه إلا في الاعتداد لأن الاعتداد بالقروء والنفاس ليس بقروء ولأن العدة تنقضي بالحمل - ويفارقه أيضاً في كونه لا يدل على البلوغ لأنه لا يتصور لحصوله بالحمل قبله (مسألة) (فإذا إنقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق ولم يبح غيرهما حتى تغتسل) وجملة ذلك

(1/315)


أنه متى إنقطع دم الحائض ولما تغتسل زال من الأحكام المتعلقة بالحيض أربعة أحكام (أحدها) سقوط فرض الصلاة لأن سقوطه بالحيض وقد زال (الثاني) منع صحة الطهارة لذلك (الثالث) تحريم الصيام لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنابة (الرابع) إباحة الطلاق لأن تحريمه لتطويل العدة أو لأجل الحيض وقد زال ذلك وسائر المحرمات باقية لأنها تحرم على الجنب فههنا أولى (فصل) فأما الوطئ قبل الغسل فهو حرام في قول أكثر أهل العلم قال إبن المنذر هذا كالإجماع وقال أبو حنيفة إن انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها وإلا لم يبح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة لأن وجوب الغسل لا يمنع الوطئ كالجنابة ولنا قوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يتطهرن فإذا تطهرن فائتوهن) قال مجاهد حتى يغتسلن وقال ابن عباس فإذا إغتسلن ولأنه قال (فإذا تطهرن) والتطهر تفعل والتفعل إذا أضيف الى من يصح منه الفعل إقتضى إيجاد الفعل منه كما في النظائر وإنقطاع الدم غير منسوب إليها ولأن الله سبحانه وتعالى شرط لحل الوطئ شرطين - إنقطاع الدم والغسل فلا يباح بدونهما ولأنها ممنوعة من الصلاة لحديث الحيض فمنع وطئها كما لو إنقطع لأقل الحيض وبهذا ينتقض قياسهم وحدث الحيض آكد من حدث الجنابة فلا يصح الإلحاق.
(فصل) وانقطاع الدم الذي تتعلق به هذه الأحكام الإنقطاع الكثير الذي يوجب عليها الغسل والصلاة فأما الإنقطاع اليسير في أثناء الحيض فلا حكم له لأن العادة أن الدم ينقطع تارة ويجري أخرى وسنذكر ذلك إن شاء الله (مسألة) (ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج) الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة جائز بالاجماع والنص والوطئ في الفرج محرم بهما والإختلاف في الاستمتاع بما بينهما مذهب إمامنا رحمه الله جوازه وهو قول عكرمة وعطاء والشعبي والثوري واسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يباح لأن عائشة رضي اله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض رواه البخاري ومسلم بمعناه.
وعن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال " ما فوق الإزار " رواه البيهقي ولنا قول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) وهو إسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت فتخصيصه موضع الدم بالمنع يدل على إباحته فيما عداه، فإن قيل بل المحيض الحيض بدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) والأذى هو الحيض وقوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يئسن من الحيض قلنا يمكن حمله على ما ذكرنا وهو أولى لوجهين (أحدهما) أنه لو أراد الحيض لكان أمراً باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية ولا قائل به (الثاني) أن سببب نزول الآية أن اليهود

(1/316)


كانت إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجتمعوا معها في البيت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شئ غير النكاح " رواه مسلم.
وهذا تفسير لمراد الله تعالى لأنه لا تتحقق مخالفة اليهود بإرادة الحيض لأنه يكون موافقاً لهم ومن السنة هذا الحديث.
وعن عكرمة عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها خرقة، رواه أبو داود ولانه وطئ منع للأذى فاختص بمحله كالدبر وحديث عائشة ليس فيه دليل على تحريم ما تحت الإزار فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك بعض المباح تقذرا كتركه أكمل الضب والحديث الآخر يدل بالمفهوم والمطوق راجح عليه (مسألة) (فإن وطئها في الفرج فعليه نصف دينار كفارة وعنه ليس عليه إلا التوبة) اختلفت الرواية في وجوب الكفارة بوطئ الحائض في الفرج فروي عنه أن عليه الكفارة وهو المشهور في المذهب لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال " يتصدق بدينار أو نصف دينار " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي (والثانية) لا كفارة عليه وهو قول مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وللشافعي قولان كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه ابن ماجه ولم يذكر كفارة إلا أن البخاري ضعف هذا الحديث حكاه الترمذي ولأنه وطئ نهي عنه لأجل الاذى أشبه الوطئ في الدبر وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن زيد بن الخطاب وقد قيل
لاحمد في نفسك منه شئ؟ قال: نعم، قال لو صح ذلك الحديث كنا نرى عليه الكفارة (1) وقد روي عن أحمد أنه قال: إن كانت له مقدرة تصدق بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه هذا يدل على أن المعسر لا شئ عليه.
قال أبو عبد الله بن حامد: كفارة وطئ الحائض تسقط بالعجز عنها أو عن بعضها ككفارة الوطئ في رمضان.
(فصل) وظاهر المذهب في الكفارة أنها دينار أو نصف دينار على وجه التخيير يروي ذلك عن ابن عباس لظاهر الحديث قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار ولأنه معنى تجب الكفارة بالوطئ فيه فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره كالإحرام.
وعنه إن كان الدم أحمر فدينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق لما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن كان دماً أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار " رواه أبو داود والترمذي إلا أن أبا داود قال: هو وقوف من قول ابن عباس والأول أولى لما ذكرنا، فإن قيل فكيف يخير بين شئ ونصفه؟ قلنا كما خير المسافر بين القصر والإتمام.
(فصل) فإن وطئها بعد الطهر قبل الغسل فلا كفارة عليه وقال قتادة والاوزاعي: عليه نصف
__________
1) قال الحافظ في التلخيص ان رواية عبد الحميد كل رواتها في الصحيح الامقسم (هو التابعي الذي رواه عن ابن عباس) فانقرد به البخاري - ثم قال وقال الخلال عن أبي داود عن أحمد: ما احسن حديث عبد الحميد.
فقيل له تذهيب إليه.
قال نعم قال أبو داود وهى الرواية الصحيحة الخ.
ثم اعتمد الحافظ قول من صححوا الحديث الحديث خلافا للنوى وذكر دون حديث القلتين وحديث بئر بضاعة الذين صححوهما

(1/317)


دينار لأنه حكم تعلق بالوطئ في الحيض فلم يزل إلا بالغسل كالتحريم ولنا أن وجوب الكفارة من الشرع ولم يرد بذلك إلا في الحائض وقياسهم يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضاً فانه يحنث بالوطئ في الحيض ولا يحنث بالوطئ قبل الغسل (فصل) وهل تجب الكفارة على الجاهل والناسي؟ على وجهين (أحدهما) تجب لعموم الخبر وقياسا على الوطئ في الإحرام (والثاني) لا تجب لقوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان "
ولأنها وجبت لمحو الإثم فأشبهت كفارة اليمين، فان وطئ طاهراً فحاضت في أثناء وطئه لم تجب عليه الكفارة على الوجه الثاني وتجب على الأول وهو قول ابن حامد، وإن وطئ الصبي لزمته الكفارة عند ابن حامد لعموم الخبر وكالوطئ في الإحرام.
قال شيخنا: ويحتمل أن لا تلزمه لأنها من فروع التكليف وهو غير مكلف.
(فصل) وتجب الكفارة على المرأة في المنصوص لانه وطئ يوجب الكفارة فأوجبها على المرأة كالوطئ في الإحرام، وقال القاضي: فيه وجهان (أحدهما) لا تجب لأن الوجوب من الشرع ولم يرد فإن كانت مكرهة أو غير عالمة فلا كفارة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وحكم النفساء حكم الحائض في ذلك لأنها في معناها.
ويجزئ نصف دينار من أي ذهب كان إذا كان صافياً ويستوي التبر والمضروب لوقوع الإسم عليه، ويجزئ إخراج القيمة في أحد الوجهين لأن المقصود يحصل بها فجاز من أي مال كان كالخراج (والثاني) لا يجوز لأنه كفارة فاختص ببعض الأنواع كسائر الكفارات.
فعلى هذا الوجه هل يجوز إخراج الدراهم؟ ينبني على جوازه في الزكاة والصحيح جوازه لما ذكرنا واختاره شيخنا.
ومصرفها إلى المسكين كسائر الكفارات والله أعلم (مسألة) (وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين) هذه المسألة تشتمل على أمرين (أحدهما) أن الصغيرة إذا رأت دماً لدون تسع سنين فليس بحيض لا نعلم في ذلك خلافاً في المذهب لأن الصغيرة لا تحيض لقوله سبحانه (واللائي لم يحضن) ولأن المرجع فيه الى الوجود ولم يوجد من النساء من تحيض عادة فيما دون هذه السن ولأن الله سبحانه خلق دم الحيض لحكمة تربية الولد وهذه لا تصلح للحمل فلا توجد فيها حكمته فينتفي لانتفاء حكمته (الأمر الثاني) أنها إذا رأت دماً يصلح أن يكون حيضاً ولها تسع سنين حكم بكونه حيضاً وحكم ببلوغها وثبت في حقها أحكام الحيض كلها لأنه روي عن عائشة أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
وروي ذلك مرفوعا من رواية ابن عمر والمراد به حكمها حكم المرأة.
وذكر ابن عقيل أن نساء تهامة يحضن لتسع سنين وهذا قول الشافعي وقد حكي عنه أنه قال: رأيت جدة بنت إحدى وعشرين سنة وهذا يدل على أنها حملت لدون عشر سنين وكذلك بنتها.
وحكي الميموني عن أحمد في بنت عشر رأت الدم قال: ليس بحيض
قال القاضي: فيجب على هذا أن يقال: أول زمن يصح فيه وجود الحيض ثنتا عشرة سنة لأنه الزمان

(1/318)


الذي يصح فيه بلوغ الغلام والأول أصح (مسألة) قال (وأكثره خمسون سنة وعنه ستون في نساء العرب) اختلفت الرواية في حد السن الذي تيأس فيه المرأة من الحيض فروي عنه أنه خمسون سنة وهذا قول إسحاق ويكون حكمها فيما تراه من الدم بعد الخمسين حكم المستحاضة لأن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض وروي عنها أنها قالت: لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين.
وروي عنه أنها لا تيأس من الحيض يقيناً إلى ستين سنة وما تراه فيما بين الخمسين والستين حيض مشكوك فيه لا تترك الصلاة ولا الصوم لأن وجوبهما متيقن فلا يسقط بالشك وتقضي الصوم المفروض إحتياطاً لأنه واجب في ذمتها بيقين فلا يسقط بأمر مشكوك فيه هكذا رواه الخرقي.
وروي عنه أن نساء العجم تيأس في خمسين ونساء قريش وغيرهم من العرب إلى ستين - وهذا قول أهل المدينة - لأنهن أقوى جبلة.
وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم أنه قال لا تلد لخمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وقال: إن هنداً بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن ابي طالب ولها ستون قال أحمد في امرأة من العرب رأت الدم بعد الخمسين: إن عاودها مرتين أو ثلاثا فهو حيض وذلك لأن المرجع في ذلك إلى الوجود وقد وجد حيض من نساء ثقات أخبرن عن أنفسهن بعد الخمسين فأشبه ما قبل الخمسين لأن الكلام فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها بعد الخمسين كما كانت تراه قبلها.
قال شيخنا والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لأنهن سواء في سائر أحكام الحيض كذلك هذا.
وما ذكر عن عائشة لا حجة فيه لأن الحيض أمر حقيقي المرجع فيه الى الوجود وقد وجد بخلاف ما قالت على ما حكاه الزبير بن بكار.
وإن قيل هذا الدم ليس بحيض مع كونه على صفته وفي وقته وعادته بغير نص فهو تحكم فأما بعد الستين فلا خلاف في المذهب أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالاً تيأس فيه من الحيض لقول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) قال أحمد في المراة الكبيرة ترى الدم هو بمنزلة الجرح وقال عطاء " هي بمنزلة المستحاضة وذلك لأن هذا الدم إذا لم يكن حيضاً فهو دم فساد حكمه حكم دم الاستحاضة ومن به سلس البول وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
(مسألة) (والحامل لا تحيض فإن رأت دما فهو دم فساد) وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة والشعبي وحماد والثوري والاوزاعي وأبي حنيفة وابن المنذر وأبي عبيد وروي عن عائشة، والصحيح عنها أنها إذا رأت الدم لا تصلي.
وقال مالك والشافعي والليث: ما تراه من الدم حيض إذا أمكن.
وروي ذلك عن الزهري وقتادة واسحاق لأنه دم صادف العادة فكان حيضاً كغير الحامل ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " جعل وجود الحيض علماً

(1/319)


على براءة الرحم فدل على أنه لا يجتمع معه، ولأن ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " مره فليراجعها ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً " فجعل الحمل علماً على عدم الحيض كالطهر إحتج بذلك أحمد ولأنه زمن لا ترى الدم فيه غالباً فلم يكن ما تراه حيضاً كالآيسة، قال أحمد إنما يعرف النساء الحمل بإنقطاع الدم وقول عائشة يحمل على التي قاربت الوضع جمعاً بين قوليها (فصل) فإن رأته قبل ولادتها قريباً منها فهو نفاس تدع الصلاة والصوم، قال يعقوب بن بختان سألت أحمد عن المرأة إذا ضربها المخاض قبل الولادة بيوم أو يومين تعيد الصلاة؟ قال لا وهذا قول إسحاق، وقال الحسن إذا رأت الدم على الولد أمسكت عن الصلاة، وقال النخعي إذا ضربها المخاض فرأت الدم قال هو حيض، وهذا قول أهل المدينة والشافعي، وقال عطاء تصلي ولا تعده حيضاً ولا نفاساً ولنا أنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاساً كالخارج بعده (فصل) وإنما يعلم أنه بسبب الولادة إذا كان قريبا منها ويعلم ذلك برؤية أمارتها في وقته، فأما أن رأت الدم من غير علامة على قرب الوضع لم تترك له العبادة لأن الظاهر أنه دم فساد فإن تبين كونه قريباً مع الوضع لوضعها بعده بيوم أو يومين أعادت الصوم المفروض الذي صامته فيه، وإن رأته عند العلامة تركت العبادة، فإن تبين بعده عنها أعادت ما تركته من العبادات الواجبة لأنه تبين أنه ليس بحيض ولا نفاس والله أعلم (مسألة) (وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة عشر يوماً وعنه سبعة عشر) المشهور في المذهب أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً هذا قول عطاء بن أبي رباح
وأبي ثور، وروى عن أحمد أن أقله يوم وأن أكثره سبعة عشر، قال ابن المنذر بلغني أن نساء آل الماجشون كن يحضن سبع عشرة، قال الخلال: مذهب أبي عبد الله لا اختلاف فيه أن أقل الحيض

(1/320)


يوم وأكثره خمسة عشر ومذهب الشافعي نحو هذا في أقله وأكثره.
وقال الثوري والنعمان وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة لما روى واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة " وقال أنس قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشرة ولا يقول ذلك الا توقيفا وقال مالك ليس لأقله حد ولو كان لأقله حد لكانت المراة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد ولنا إن ذكر الحيض ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد ولا حد له في اللغة فرجع فيه إلى العرف والعادة كالقبض والإحراز والتفرق وقد وجد حيض معتاد أقل من ثلاثة وأكثر من عشرة.
وقال عطاء رأيت من النساء من تحيض يوماً وتحيض خمسة عشر، وقال شريك: عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوماً حيضاً مستقيماً، وقال أبو عبد الله الزبيري: كان في نسائنا من تحيض يوماً وتحيض خمسة عشر يوماً، وقال الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوماً لا تزيد عليه، وأثبت لي عن نساء إنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام، وقولهن يجب الرجوع إليه لقوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) فلولا أنه مقبول ما حرم عليهن الكتمان وجرى ذلك مجرى الشهادة ولم يوجد حيض معتاد أقل من ذلك في عصر من الأعصار فلا يكون حيضاً بحال وحديث واثلة بن الاسقع يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول وحديث أنس رواه الجلد بن أيوب وهو ضعيف قال ابن عيينة: هو محدث لا أصل له وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد ولو صح فقد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه فانه قال: ما زاد على خمسة عشر إستحاضة وأقل الحيض يوم وليلة (مسألة) (وغالبه ست أو سبع) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي (1) في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين يوماً كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " حديث حسن
__________
1) هو بفتح التاء والحاء وتشديد الياء - اي عدي نفسك حائضا

(1/321)


(مسألة) (وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً) لأن كلام أحمد لا يختلف أن العدة يصح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البينة، قال إسحاق توقيت هؤلاء بالخمسة عشر باطل وقال أبو بكر: أقل الطهر مبني على أكثر الحيض، فإن قلنا أكثره خمسة عشر فأقل الطهر خمسة عشر، وإن قلنا أكثره سبعة عشر فأقل الطهر ثلاثة عشر، وهذا بناه على أن شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوماً يجتمع فيه حيض وطهر، وأما إذا زاد شهرها على ذلك فلا يلزم ما قال، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي أقله خمسة عشر،، وعن أحمد عشرة وعن أحمد نحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم تمكث " إحداكن شطر عمرها لا تصلي " ولنا ما روى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلت.
فقال علي لشريح قل فيها، فقال شريح إن جاءت ببينة من بطانة أهلها مما يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة.
فقال علي: (قالون) يعني جيد بالرومية ولا يقول مثل هذا إلا توقيفاً ولأنه قول صحابي انتشر ولم يعلم خلافه ولا يتصور إلا على قولنا أقله ثلاثة عشر وأقل الحيض يوم وهذا في الطهر بين الحيضتين، فأما الطهر بين الحيضة فسيأتي حكمه وغالب الطهر أربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنه " ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين يوماً كما يحيض النساء وكما يطهرن " ولا حد لأكثره لأن التحديد من الشرع ولم يرد به ولا نعلم له دليلاً والله أعلم (مسألة) (والمبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي فإن إنقطع دمها لأكثره فما دون اغتسلت عند إنقطاعه وتفعل ذلك ثلاثا فان كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وإنتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه، وعنه يصير عادة بمرتين) وجملة ذلك أن المبتدأة أول ما ترى الحيض ولم

(1/322)


تكن حاضت قبله إذا كان في وقت يمكن حيضها - وهي التي لها تسع سنين فصاعداً - إذا إنقطع لأقل
من يوم وليلة فهو دم فساد، وإن كان يوماً وليلة فما زاد فإنها تدع الصوم والصلاة لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الاستحاضة لعارض الأصل عدمه.
وظاهر المذهب إنها تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وتصوم.
فإذا إنقطع دمها لأكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلاً ثانياً عند إنقطاعه ثم تفعل ذلك في الشهر الثاني والثالث، فان كان في الأشهر الثلاثة متساوياً صار ذلك عادة وعلمنا أنها كانت حيضاً فيجب عليها قضاء ما صامته من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في زمن الحيض وهذا اختيار الخرقي، قال القاضي المذهب عندي في هذا رواية واحدة وذلك لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين فلا تسقط بأمر مشكوك فيه أول مرة كالمعتدة لا نحكم ببراءة ذمتها من العدة بأول حيضة ولا يلزم عليه اليوم والليلة لأنها اليقين فلو لم نجلسها ذلك أدى الى أن لا نجلسها أصلاً وقد نقل عن أحمد فيها ثلاث روايات أخر (إحداها) أنها تجلس ستاً أو سبعاً نقلها عنه صالح على حديث حمنة لأنه أكثر ما يجلسه النساء (والثانية) تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها، وهذا قول عطاء والثوري والاوزاعي لأن الغالب أنها تشبههن في ذلك وهو قول إسحاق غير أنه قال فإن لم تعرف الأم والخالة أو العمة فإنها تجلس ستة أيام أو سبعة كما في حديث حمنة (والثالثة) أنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي اختاره شيخنا فإن إنقطع لأكثره فالجميع حيض لأننا حكمنا بأن ابتداء الدم حيض مع جواز أن يكون إستحاضة فكذلك باقية.
ولأن دم الحيض دم جبلة والأستحاضة دم عارض والاصل فيها الصحة والسلامة

(1/323)


(فصل) لا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة، وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة لأن المرأة التي استفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الإستحاضة لأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه ولنا أن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل بمرة والحديث حجة لنا لأنه قال " لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها " و (كان) يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره ولا يقال لمن فعل شيئاً مرة كان يفعل.
وإختلفت الرواية هل تثبت العادة بمرتين أو
ثلاث؟ فعنه أنها تثبت بمرتين لأنها مأخوذة من المعاودة وقد عاودتها في المرة الثانية، وعنه لا تثبت إلا بثلاث وهو المشهور في المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تدع الصلاة أيام اقرائها " والإقراء جمع وأقله ثلاثة ولأن العادة إنما تطلق على ما كثر ولأن ما اعتبر له التكرار اعتبر ثلاثا كخيار المصراة، فإن قلنا بهذه الرواية لم تنتقل عن اليقين في الشهر الثالث وإن قلنا بالرواية الأولى إنتقلت إليه في الشهر الثالث وعلى قولنا أنها تجلس أقل الحيض أو غالبه أو عادة نسائها إذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون وكان في الأشهر الثلاثة على قدر واحد أو في شهرين على اختلاف الروايتين إنتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها (فصل) ومتى أجلسناها يوماً وليلة أو ستاً أو سبعاً أو عادة نسائها فرأت الدم أكثر من ذلك لم يحل لزوجها وطؤها حتى ينقطع أو يجاوز أكثر الحيض لأن الظاهر أنه حيض وإنما أمرناها بالعبادة فيه إحتياطاً لبراءة ذمتها فيجب ترك وطئها إحتياطاً أيضاً، وإن انقطع الدم وإغتسلت حل وطؤها ولم يكره لأنها رأت النقاء الخالص وعنه يكره لأنا لا نأمن معاودة الدم فكره وطؤها كالنفساء إذا أنقطع دمها لأقل من أربعين يوما (مسألة) (فإن جاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة) لأن الدم لا يصلح أن يكون حيضاً (مسألة) (فإن كان دمها متميزاً بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الأسود وما عداه استحاضة) وجملة ذلك أن المبتدأة إذا جاوز دمها أكثر الحيض لم تخل من حالين

(1/324)


(أحدهما) أن تكون مميزة وهي أن يكون بعض دمها أسود ثخينا منتنا وبعضه أحمر رقيقاً أو أصفر لا رائحة له ويكون الدم الأسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمن الدم الأسود والثخين فإذا إنقطع فهي مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وبهذا قال مالك والشافعي لما روت عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي "
متفق عليه وللنسائي وأبي داود " إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق " وقال ابن عباس: أما ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة إنها والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم.
ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني والمذي (فصل) وظاهر كلام شيخنا رحمه الله ههنا أن المميزة إذا عرفت التمييز جلسته من غير تكرار وهو ظاهر كلام احمد والخرقي واختيار ابن عقيل لأن معنى التمييز أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة وهذا يوجد بأول مرة، وهذا قول الشافعي وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي إنما تجلس

(1/325)


المميزة من التمييز ما تكرر مرتين أو ثلاثة بناء على الروايتين فيما تثبت به العادة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " أمرها بتر لا الصلاة إذا أقبلت الحيضة من غير إعتبار أمر آخر ثم مده إلى حين إدباره لأن التمييز إمارة بمجرده فلم يحتج إلى ضم غيره إليه كالعادة.
وعند القاضي لا تجلس من التمييز إلا ما تكرر فعلى هذا إذا رأت في كل شهر خمسة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر وإتصل وجلست زمان الأسود فكان حيضها والباقي إستحاضة، وهل تجلس الأسود في الشهر الثاني أو الثالث أو الرابع؟ يخرج ذلك على الروايات الثلاث وكذلك لو رأت عشرة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر فإن إتصل الأسود وعبر أكثر الحيض فليس لها تمييز وتحيضها من الأسود لأنه أشبه بدم الحيض.
ولو رأت أقل من يوم وليلة أسود فلا تمييز لها لأنه لا يصلح حيضاً.
وإن رأت في الشهر الأول أحمر كله وفي الثاني والثالث والرابع خمسة أسود وفي الخامس كله أحمر فإنها تجلس في الأشهر الثلاثة اليقين على قولنا يعتبر التكرار في المميزة وفي الرابع أيام الدم الأسود في قول شيخنا وفي الخامس تجلس خمسة أيضاً، وقال القاضي لا تجلس من الرابع إلا اليقين إلا أن نقول تثبت العادة بمرتين، قال شيخنا وفيه نظر فإنه أكثر ما يقدر فيها أنها لا عادة لها ولا تمييز ولو كانت كذلك لجلست ستاً أو سبعاً في أصح الروايات فكذا ههنا (قلت) فينبغي على هذا ان لا تجلس بالتمييز وإنما تجلس غالب الحيض لما ذكره ومن لم يعتبر التكرار في التمييز

(1/326)


فهذه مميزة، ومن قال إنها تجلس بالتمييز في الشهر الثاني قال إنها تجلس الدم الأسود في الشهر الثالث لأنها لا تعلم أنها مميزة قبله (الحال الثاني) أن لا يكون دمها متميزاً على ما مضى ففيها أربع روايات (إحداها) أنها تجلس غالب الحيض من كل شهر وذلك ستة أيام أو سبعة وهذا اختيار الخرقي لأنه غالب عادات النساء فيجب ردها إليه كردها في الوقت إلى حيضها في كل شهر (والرواية الثانية) أنها تجلس أقل الحيض لأنه اليقين وللشافعي قولان كهاتين الروايتين (والثالثة) أنها تجلس أكثر الحيض وهو قول أبي حنيفة لأنه زمان الحيض فإذا رأت الدم فيه جلسته كالمعتاد (والرابعة) أنها تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها وهو قول عطاء والثوري والاوزاعي لأن الظاهر أنها تشبههن في ذلك والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين كما يحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " حديث حسن صحيح - ردها النبي

(1/327)


صلى الله عليه وسلم الى ذلك ولم يردها إلى غيره مما ذكر ولأن هذه ترد إلى غالب عادات النساء في وقتها بمعنى أنها تجلس في كل شهر مرة فكذلك في عدد أيامها وبهذا يبطل ما ذكر لليقين ولعادة نسائها (فصل) وهل ترد إلى ذلك إذا استمر بها الدم في الشهر الرابع أو الثاني؟ المنصوص أنها لا ترد الى ست أو سبع إلا في الشهر الرابع لأنا لا نحيضها أكثر من ذلك إذا لم تكن مستحاضة فأولى أن نفعل ذلك إذا كانت مستحاضة.
وقال القاضي يحتمل أن تنتقل إليها في أيام الشهر الثاني بغير تكرار لأنا قد علمنا استحاضتها فلا معنى للتكرار في حقها وهو أصح إن شاء الله لظاهر حديث حمنة (مسألة) (وذكر أبو الخطاب في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الاربع) احداها تجلس

(1/328)


أقل الحيض لأنه اليقين (والثانية) تجلس غالب الحيض لأنه الغالب (والثالثة) تجلس عادة نسائها لأن الظاهر شبهها بهن (والرابعة) تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض قياساً على اليوم والليلة وقد ذكرنا ذلك
(مسألة) (وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها وإن كانت مميزة، وعنه يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وإن نسيت العادة عملت بالتمييز فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر.
وعنه أقله وقيل فيها الروايات الأربع) وجملة ذلك أن المعتادة إذا إستحيضت لم تخل من أربعة اقسام (أحدها) أن تكون معتادة ولا تمييز لها لكون دمها على صفة لا يختلف ولا يتميز بعضه من بعض أو بأن يكون الدم الذي يصلح للحيض ينقص عن أقل الحيض أو يزيد على أكثره فهذه تجلس أيام عادتها ثم تغتسل عند إنقضائها وتتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلي وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك لا إعتبار بالعادة إنما الإعتبار بالتمييز فإن لم تكن مميزة إستطهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام إن لم تجاوز خمسة عشر يوماً ثم هي بعد ذلك مستحاضة وإحتج بحديث فاطمة الذي ذكرناه ولنا ما روت ام سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " رواه أبو داود والنسائي وقد روي في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها

(1/329)


ثم اغتسلي وصلي " متفق عليه وروت أم حبيبة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي " رواه مسلم ولا حجة له في الحديث على ترك العادة في حق من لا تمييز لها (فصل) لا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة لأنها مأخوذة من المعاودة.
وهل تثبت بمرتين أو بثلاث على روايتين.
وقد ذكرناه وتثبت العادة بالتمييز فإذا رأت دماً أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر أو شهرين على إحدى الروايتين ثم صار أحمر واتصل ثم صار في سائر الأشهر دماً مبهماً كانت على عادتها زمن الدم الأسود (فصل) والعادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياماً متساوية كخمسة في كل شهر فإذا استحيضت جلستها فقط، وأما المختلفة فإن كانت على ترتيب مثل أن ترى في شهر ثلاثة وفي
الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى ثلاثة ثم إلى أربعة ثم إلى خمسة على ما كانت فهذه إذا إستحيضت في شهر فعرفت نوبته عملت عليه ثم على الذي بعده والذي بعده على العادة.
وإن نسيت نوبته حيضناها على اليقين وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر وإن علمت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة لأنها اليقين ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة وتجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدأ.
ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لأن ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا يجب عليها الغسل بالشك.
قال شيخنا ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضاً عند مضي أكثر عادتها لأن يقين الحيض ثابت وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك ولأن هذه متيقنة وجوب الغسل عليها في أحد الأيام الثلاثة في اليوم الخامس.
وقد اشتبه عليها وصحة صلاتها تقف على الغسل فيجب عليها لتخرج عن العهدة بيقين وهذا الوجه أصح لذلك.
وتفارق هذه الناسية لأنها لا تعلم لها حيضا زائداً على ما جلسته وهذه تعلم لها حيضا زائدا تقف صحة صلاتها على غسلها منه فوجب

(1/330)


ذلك، فعلى هذا يلزمها غسل ثان عقيب اليوم الخامس في كل شهر، وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام قضت خمسة أيام لأن الصوم كان في ذمتها ولا تعلم أن اليومين الذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها ويحتمل أنه يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال غسل عقيب اليوم الثالث والرابع والخامس لأن عليها عقيب الرابع غسلا في بعض الأشهر وكل شهر يحتمل أن يكون هو الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس (فصل) وإن كان الإختلاف على غير ترتيب مثل أن تحيض من شهر ثلاثة، ومن الثاني خمسة ومن الثالث أربعة وأشباه ذلك فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف فهي كالتي قبلها، وإن لم يمكن ضبطه جلست الأقل من كل شهر وإغتسلت عقيبه، وذكر ابن عقيل في هذا الفصل إن قياس المذهب أن تجلس أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد تجلس أكثر الحيض في إحدى الروايات.
قال شيخنا:

(1/331)


هذا لا يصح إذ فيه أمرها بترك الصلاة وإسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها فإننا متى أجلسناها خمساً من كل شهر ونحن نعلم وجوب الصلاة عليها يومين منها في شهر ويوماً في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقيناً والاصل بقاء الحيض فتبقى عليه (فصل) ولا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها وتعرف وقت حيضها منه وطهرها - وشهر المرأة عبارة عن المدة التي لها فيها حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوماً أو ستة عشر يوماً إن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ولا حد لأكثره لأن أكثر الطهر لاحد له وغالبه الشهر المعروف بين الناس فإذا عرفت أن شهرها ثلاثون يوما وإن حيضها منه خمسة أيام وأن طهرها خمسة وعشرون وعرفت أوله فهي معتادة وإن عرفت أيام حيضها وأيام طهرها فقد عرفت شهرها.
وإن عرفت أيام حيضها ولم تعرف

(1/332)


أيام طهرها أو بالعكس فليست معتادة لكنها متى جهلت شهرها رددناها إلى الغالب فحيضناها من كل شهر حيضة كما رددنا في عدد أيام الحيض إلى الغالب (فصل) القسم الثاني أن يكون لها عادة وتمييز فإن كان الدم الذي يصلح للحيض في زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز في الدلالة فتعمل بهما وإن كان أكثر من العادة أو أقل ولم ينقص عن أقل الحيض ولا زاد على أكثره ففيه روايتان (إحداهما) يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وظاهر مذهب الشافعي لما ذكرناه من الأدلة ولأن صفة الدم أمارة قائمة به والعادة زمان منقض ولأنه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني (والثانية) تقدم العادة وهو ظاهر كلام أحمد وقول أكثر الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد أم حبيبة والمرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى العادة ولم يستفصل عن كونها مميزة أو غيرها.
وحديث فاطمة قد روي فيه ردها إلى العادة أيضاً فتعارضت روايتان وبقيت أحاديثنا خالية عن معارض، على أن حديث فاطمة قضية في عين يحتمل أنها أخبرته أن لا عادة لها أو علم ذلك من غيرها، وحديث عدي بن ثابت عام في كل مستاحضة فيكون أولى ولأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها، واللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته فما لا تبطل دلالته أولى.
(فصل) ومن كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فاستحيضت وصارت ترى ثلاثة دماً أسود
في أول كل شهر فمن قدم العادة قال تجلس في كل شهر خمسة كما كانت قبل الاستحاضة، ومن قدم التمييز جعل حيضها الثلاثة التي فيها الأسود إلا أنها إنما تجلس الثلاثة في الشهر الثاني لأنا لا نعلم أنها

(1/333)


مستحاضة إلا بتجاوز الدم أكثر الحيض ولا نعلم ذلك في الشهر الأول.
فإن رأت في كل شهر عشرة دماً أسود ثم صار أحمر واتصل فمن قال إنها لا تلتفت إلى ما زاد على العادة حتى يتكرر لم يحيضها في الشهرين الأولين أو الثلاثة على اختلاف الروايتين إلا خمسة قدر عادتها، ومن قال إنها إذا زادت على العادة جلسته بأول مرة أجلسها في الشهر الأول خمسة عشر يوماً ثم تغتسل وتصلي، وفي الثاني تجلس أيام العادة وهي الخمسة الأولى من الشهر عند من يقدم العادة على التمييز، ومن قدم التمييز ولم يعتبر فيه التكرار أجلسها العشرة كلها فإذا تكرر ثلاثة أشهر على هذا الوصف قال القاضي: تجلس العشرة في الشهر الرابع على الروايتين جميعاً لأن الزيادة على العادة ثبتت بتكرار الأسود، قال شيخنا: ويحتمل أن لا تجلس زيادة على عادتها عند من يقدم العادة لأننا لو جعلنا الزائد على العادة من التمييز حيضاً بتكرره لجعلنا الناقص عنها إستحاضة بتكرره فكانت لا تجلس فيما إذا رأت ثلاثة أسود ثم صار أحمر أكثر من الثلاثة والأمر بخلاف ذلك (فصل) فإن كان حيضها خمساً من أول كل شهر فاستحيضت فصارت ترى خمسة أسود ثم يصير أحمر ويتصل فالأسود حيض بالإتفاق لموافقته زمن العادة والتمييز، وإن رأت مكان الأسود أحمر ثم صار أسود وعبر سقط حكم الأسود لعبوره أكثر الحيض وكان حيضها الأحمر لموافقته زمن العادة، وإن رأت مكان العادة أحمر ثم رأت خمسة أسود ثم صار أحمر وإتصل فمن قدم العادة أجلسها أيامها وإذا تكرر الأسود فقال القاضي: يصير حيضاً ومن قدم التمييز جعل الأسود وحده حيضاً (مسألة) قال (وإن نسيت العادة عملت بالتمييز) وهذا القسم (الثالث) من أقسام المستحاضة وهي التي لها تمييز وقد نسيت العادة، ومعنى التمييز أن يتميز بعض دمها عن بعض فيكون بعضه أسود ثخينا منتنا، وبعضه أحمر رقيقاً أو أصفر ولا رائحة له ويكون الأسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمن الأسود الثخين أو المنتن فإذا إنقطع فهي
مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ لوقت كل صلاة بعد ذلك وتصلي، وذكر أحمد المستحاضة فقال: لها سنن فذكر المعتادة ثم قال وسنة أخرى إذا جاءت فزعمت أنها تستحاض فلا تطهر قيل لها أنت الآن ليس لك أيام معلومة فتجلسيها ولكن أنظري إلى إقبال الدم وإدباره فإذا أقبلت الحيضة وإقبالها أن ترى دماً أسود يعرف فإذا تغير دمها وكان إلى الصفرة والرقة فذلك دم إستحاضة فاغتسلي وصلي

(1/334)


وهذا مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا إعتبار بالتمييز إنما الأعتبار بالعادة خاصة لما روت ام سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " رواه أبو داود وابن ماجة وهذا أحد الأحاديث الثلاثة التي قال الامام أحمد إن الحيض يدور عليها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش " فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " متفق عليه ولأبي داود والنسائي " إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق " وحديث أم سلمة يدل على اعتبار العادة ولا نزاع فيه وهذه لاعادة لها (فصل) وقد اختلفوا: هل يعتبر للتمييز التكرار أم لا.
فظاهر كلام شيخنا ههنا أنه لا يعتبر له التكرار بل متى عرفت التمييز جلسته وهذا ظاهر كلام أحمد والخرقي واختيار ابن عقيل وهو مذهب الشافعي، وقال القاضي والآمدي يعتبر له التكرار مرتين أو ثلاثا على اختلاف الروايتين فيما تثبت به العادة وقد ذكرنا ذلك في المبتدأة (فصل) فإن لم يكن الأسود مختلفاً مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ثم يصير أحمر ويعبر أكثر الحيض فالأسود حيض وحده.
وإن كان مختلفا مثل أن ترى في الشهر الأول خمسة أسود وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة أو في الأول خمسة وفي الثاني ستة وفي الثالث سبعة أو غير ذلك من الإختلاف فعلى قول شيخنا الأسود حيض في كل حال.
وعلى قول القاضي الأسود حيض فيما تكرر
وهو ثلاث في الأولى وخمس في الثانية وما زاد عليه يكون حيضاً إذا تكرر وإلا فلا.
ولا تجلس عند القاضي في الشهر الأول والثاني إلا اليقين الذي تجلسه من لا تمييز لها.
وإن كانت مبتدأة لم تجلس إلا يوما وليلة.
وهل تجلس الذي يتكرر في الشهر الثالث أو الرابع؟ ينبني على الروايتين فيما تثبت به العادة ويكون حكمها حكم المبتدأة التي ترى دماً لا يعبر أكثر الحيض الأسود كالدم والأحمر كالطهر هناك فإن كانت ناسية وكان الأسود في أثناء الشهر وقلنا إن الناسية تجلس من أول الشهر جلست ههنا من أول الشهر ما تجلسه الناسية ولا تنتقل إلى الأسود حتى يتكرر فتنتقل إليه وتعلم أنه حيض فتقضي ما صامته من الفرض فيه كما ذكر في المبتدأة (فصل) فإن رأت أسود بين أحمرين أو أحمر بين أسودين وإنقطع لدون أكثر الحيض فالجميع حيض إذا تكرر لأن الأحمر أشبه بالحيض من الطهر، وإن عبر أكثر الحيض وكان الأسود بمفرده يصلح أن بكون حيضاً فهو حيض والأحمر كله استحاضة لأن الأحمر الأول أشبه بالأحمر الثاني الذي حكمنا

(1/335)


بأنه إستحاضة وتلفق الأسود إلى الأسود فيكون حيضاً ولا فرق بين كون الأسود قليلاً أو كثيراً إذا كان بإنضمامه إلى بقية الأسود يبلغ أقل الحيض ولا يزيد على أكثره ولا يكون بين طرفيهما زمن يكون على أكثر الحيض وكذلك لا فرق بين أن يكون الاحمر قليلاً أو كثيراً إذا كان زمنه يصلح أن يكون طهراً فأما إن كان زمنه لا يصلح أن يكون طهرا مثل الشئ اليسير أو ما دون اليوم على إحدى الروايتين فإنه يلحق بالدمين الذين هو بينهما لأنه لو كان الدم منقطعاً لم نحكم بكونه طهراً فإذا كان الدم جارياً كان أولى فلو رأت يوماً دماً أسود ثم رأت الثاني أحمر ثم رأت الثالث أسود ثم صار أحمر وعبر لفقت الأسود إلى الأسود فصار حيضاً وباقي الدم إستحاضة وإن رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر ثم رأت الثاني كذلك ثم رأت الثالث كله أسود ثم صار أحمر وعبر فإن قلنا أن الطهر يكون أقل من يوم لفقت الأسود إلى الأسود فكان حيضها يومين وإن قلنا: لا يكون أقل من يوم فحيضها الأيام الثلاثة الاول والباقي إستحاضة، ولو رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر إلى العاشر ثم رأته كله أسود ثم صار أحمر وعبر فالأسود كله حيض الثاني والأول، ولو رأت بين الأسود
والأحمر نقاء يوماً أو أكثر لم يتغير الحكم الذي ذكرناه لأن الأحمر محكوم بأنه إستحاضة مع إتصاله بالأسود فمع إنفصاله عنه أولى (فصل) إذا رأت في شهر خمسة أسود ثم صار أحمر وإتصل وفي الثاني كذلك ثم صار الثالث كله أحمر ورأت في الرابع كالأول ثم رأت في الخامس خمسة أحمر ثم صار أسود وإتصل فحيضها الأسود من الأول والثاني والرابع واما الثالث والخامس فلا تمييز لها فيهما لأن حكم الأسود في الخامس سقط لعبوره فإن قلنا العادة تثبت بمرتين جلست ذلك من الثالث والرابع والخامس وإن قلنا لا تثبت إلا بثلاث جلسته من الخامس لأنها قد رأت ذلك في ثلاثة أشهر وتجلس في الثالث ما تجسله من لا عادة لها ولا تمييز وقبل لا تثبت لها عادة وتجلس ما تجلسه من الخامس من الدم الأسود لأنه أشبه بدم الحيض (مسألة) (فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر وعنه أقله وقيل فيها الروايات الأربع) وهذا القسم الرابع من أقسام المستحاضة وهي من لاعادة لها ولا تمييز ولها ثلاثة أحوال

(1/336)


(أحدها) أن تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه تسمى المتحيرة وحكمها أنها تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة في ظاهر المذهب وهو اختيار الخرقي فإن كانت تعرف شهرها جلست ذلك منه لأنه عادتها فترد إليه كما ترد المعتادة إلى عادتها إلا أنه متى كان شهرها أقل من عشرين يوماً لم تجلس منه أكثرها من الفاضل عن ثلاثة عشر يوماً أو خمسة عشر لئلا ينقص الطهر عن أقله ولا سبيل إليه، وإن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد لما روت حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفته فوجدته في بيت أختي فقلت يا رسول الله إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة فقال " أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم " قلت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم إغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كما يحيض النساء وكما يطهرن

(1/337)


لميقات حيضهن وطهرهن " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال الشافعي في هذه لا حيض لها بيقين وجميع زمنها مشكوك فيه تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ولا يأتيها زوجها وله قول أنها تجلس اليقين.
وقال بعض أصحابه الأول أصح لأن هذه لها أيام معروفة ولا يمكن ردها إلى غيرها فجميع زمانها مشكوك فيه وقد روت عائشة أن أم حبيبة إستحيضت سبع سنين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة.
متفق عليه، ولنا ما ذكرنا من حديث حمنة وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها هل هي مبتدأة أو ناسية ولو افترق الحال لاستفصل وإحتمال أن تكون ناسية أكثر فإن حمنة امرأة كبيرة، كذلك قال أحمد، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن تمييزها لأنه قد جرى من كلامها من تكثير الدم وصفته ما أغنى عن السؤال عنه ولم يسألها هل لها عادة فيردها إليها لاستغنائه عن ذلك بعلمه اياه إذا كان مشتهراً وقد أمر به أختها أم حبيبة فلم يبق إلا أن تكون ناسية ولأنها لا عادة لها ولا تمييز أشبهت المبتدأة، قولهم: لها أيام معروفة، قلنا قد زالت المعرفة فصار وجودها كعدمها وأما أم حبيبة فكانت معتادة ردها إلى عادتها لأنه قد روي مسلم أن أم حبيبة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم فقال لها " أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم إغتسلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة فيدل على أنها إنما كانت تغتسل لكل صلاة في غير وقت الحيض وأما وجوب غسل المستحاضة لكل صلاة فسيذكر في المستحاضة إن شاء الله تعالى (فصل) قوله ستاً أو سبعاً الظاهر أنه ردها إلى إجتهادها فيما يغلب على ظنها انه عادتها أو ما

(1/338)


يشبه أن يكون حيضاً ذكره القاضي وذكر في موضع آخر أنه على وجه التخيير بين الست والسبع كما خير واطئ الحيض في التكفير بدينار أو نصف لأن حرف " أو " للتخيير، قال شيخنا: والأول أصح لأننا لو خيرناها أفضى إلى أن نخيرها في اليوم السابع بين كون الصلاة عليها محرمة أو واجبة وليس لها في ذلك خيرة بحال، وأما التكفير ففعل إختياري، فأما أو فقد تكون للإجتهاد كقوله (فإما منا بعد وإما فداء) وإما كأوفي وضعها وليس للإمام إلا فعل ما يؤديه إليه اجتهاده أنه الأصلح والله أعلم.
(فصل) وهل تجلس أيام حيضها من أول كل شهرر أو بالتحري؟ فيه وجهان أوجههما ما يأتي وعنه إنها تجلس أقل الحيض وهو أحد قولي الشافعي لأنه اليقين وما زاد عليه مشكوك فيه فلا تدع العبادة لأجله وعنه رواية ثالثة أنها تجلس عادة نسائها لأن الظاهر أنها تشبههن وعنه تجلس أكثر الحيض لأنه يمكن أن يكون حيضاً أشبه ما قبله والأول أصح لحديث حمنة والله أعلم.
(مسألة) (وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلسها بالتحري) وهذا الحال الثاني من أحوال الناسية وهي تتنوع نوعين (النوع الأول) أن لا تعلم لها وقتاً أصلاً مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام ففيه وجهان (أحدهما) تجلسه من أول كل شهر إذا كان يحتمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة " تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم إغتسلي وصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وايامها وصومي " فقدم حيضها على

(1/339)


الطهر ثم أمرها بالصلاة والصوم في بقية الشهر ولأن المبتدأة تجلس من أول الشهر مع أنها لا عادة لها فكذلك الناسية ولأن دم الحيض دم جبلة والإستحاضة عارضة فإذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض (الثاني) أنها تجلس بالتحري والإجتهاد اختاره أبو بكر وابن أبي موسى لأن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى اجتهادها في القدر فكذلك في الوقت ولأن للتحري مدخلاً في الحيض لأن المميزة ترجع إلى صفة الدم فكذلك في زمنه فإن لم يغلب على ظنها شئ تعين إجلاسها من أول الشهر لعدم الدليل فيما سواه (مسألة) (وكذلك الحكم في موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز) يعني أن فيه الوجهين اللذين ذكرهما وجههما ما تقدم.
(مسألة) (وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول جلستها فيه إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين) هذا النوع الثاني وهو ان تعلم أنها كانت تحيض أياماً معلومة من العشر الاول فانها تجلس عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره أما من أوله أو بالتحري فيه ثم لا يخلو عدد أيامها إما أن يكون زائداً على نصف ذلك الوقت أو لا فإن كان زائداً على نصفه مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول أضعفنا الزائد فجعلناه حيضاً بيقين وتجلس بقية أيامها من

(1/340)


أول العشر في أحد الوجهين وفي الآخر بالتحري، ففي هذا المسألة الزائد يوم وهو السادس فنضعفه ويكون الخامس والسادس حيضاً بيقين يبقى لها أربعة أيام، فإن جلستها من الأول كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس - منها يومان حيض بيقين والأربعة حيض مشكوك فيه والأربعة الباقية طهر مشكوك.
وإن جلستها بالتحري فأداها إجتهادها إلى أنها من أول العشر فهي كالتي قبلها وإن جلست الأربعة من آخر العشر فهي عكس التي قبلها وعلى هذا فقس.
وسائر الشهر طهر غير مشكوك، وحكم الحيض المشكوك فيه حكم المتيقن في ترك العبادات وحكم الطهر المشكوك فيه حكم الطهر المتيقن في وجوب العبادات.
وإن كان حيضها نصف الوقت فما دون فليس لها حيض بيقين لأنها متى كانت تحيض خمسة أيام من العشر احتمل ان تكون الخمسة الأولى واحتمل أن تكون الثانية واحتمل أن يكون بعضها من الأولى وبعضها من الثانية فتجلس بالتحري أو من أوله على اختلاف الوجهين ولا يعتبر التكرار في الناسية لأنها عرفت إستحاضتها في الشهر الأول فلا معنى للتكرار (مسألة) (وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين) هذا الحال الثالث من أحوال الناسية وهي أن تعلم أن حيضها في العشر الأول ولا تعلم عددها (فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة) الصحيح أنها تجلس ستاً أو سبعاً ويخرج فيها الروايات الأربع إلا أنها تجلسها من العشر دون غيرها وهل تجلسها من أوله أو بالتحري؟ على الوجهين، وإن قالت أعلم أنني كنت أول الشهر حائضاً ولا أعلم آخره أو أنني كنت أخر الشهر حائضاً ولا أعلم أوله

(1/341)


أولا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره حيضناها الذي علمته وأتمت بقية حيضها مما بعده في الصورة الأولى، ومما قبله في الثانية وبالتحري في الثالثة أو مما يلي أول الشهر على اختلاف الوجهين (فصل) وإذا ذكرت الناسية عادتها بعد جلوسها في غيرها رجعت إلى عادتها لأن تركها لعارض نسيان وإذا زال العارض عادت إلى الاصل، وإن تبين أنها كانت تركت الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها وقضاء ما صامته من الفرض في عادتها، فلو كانت عادتها خمسة من آخر العشر الأول فجلست
سبعاً من أوله مدة ثم ذكرت لزمها قضاء ما تركت من الصلاة والصيام المفروض في الخمسة الاولى وقضاء ما صامت من الفرض في الثلاثة الأيام الأخيرة لأنها صامته في زمن حيضها (مسألة) (وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو إنتقال فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثاً أو مرتين على الإختلاف) وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لها عادة مستقرة في الحيض فرأت الدم في غير عادتها لم تلتفت إليه حتى يتكرر فتنتقل إليه وتصير عادة لها وتترك العادة الأولى إلا أنها إذا رأته زائدا عن عادتها تغتسل غسلاً ثانياً عند انقطاعه لجواز أن يكون حيضاً كما قلنا في المبتدأة وكذلك ما تقدم عن العادة ويجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في المرات التي أمرناها بالصيام فيها لأننا تبينا أنها صامته في حيض ولا تقضي الصلاة لأن الحائض لا تقضي الصلاة قال أبو عبد الله لا يعجبني أن يأتيها زوجها في الأيام التي تصلي فيها مع رؤية الدم قبل أن تنتقل إليها لاحتمال أن يكون حيضاً فيجب ترك وطئها إحتياطاً كما وجبت الصلاة إحتياطاً للعبادة، وفي قدر

(1/342)


التكرار روايتان (أشهرهما) أنه ثلاث فعلى هذه الرواية لا تنتقل إليه إلا في الشهر الرابع (والثانية) أنه إثنتان فتنتقل في الشهر الثالث نقل الفضل بن زياد عنه هاتين الروايتين وقد ذكرنا وجههما في المبتدأة ونقل حنبل عنه في امرأة لها أيام معلومة فتقدمت الحيضة قبل أيامها لم تلتفت إليها تصوم وتصلي فإن عاودها مثل ذلك في الثانية فإنه دم حيض منتقل فيحتمل أنها تنتقل إليه في المرة الثانية وتحسبه من حيضها، والرواية الاولى أشهر، مثال ذلك امرأة لها عادة ثلاثة أيام من أول كل شهر فرأت خمسة في أول الشهر ورأت يومين من آخر الشهر الذي قبله ويوما من شهرها أو طهرت اليوم الاول ورأت الثلاثة بعده أو طهرت الثلاثة الأول ورأت ثلاثة بعدها أو أكثر وما أشبه ذلك فإنها لا تجلس في جميع ذلك إلا وقت الدم الذي تراه في الثلاثة الأول حتى يتكرر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك " رواه مسلم ولان لها عادة فردت إليها كالمستحاضة وقال أبو حنيفة إن رأته قبل العادة فليس بحيض حتى يتكرر مرتين.
وإن رأته بعدها فهو حيض، قال شيخنا رحمه الله وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار وبه قال الشافعي لأن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة
والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء.
معناه لا تعجلن بالغسل ولو لم تعد الزيادة حيضاً لزمها الغسل عند إنقضاء العادة وإن لم تر القصة ومعنى القصة أن تدخل القطنة في فرجها فتخرج بيضاء نقية ولأن الشارع علق على الحيض أحكاما ولم يحده فعلم أنه رد الناس فيه إلى عرفهم.
والعرف بين

(1/343)


النساء أن المرأة متى رأت دماً يصلح أن يكون حيضاً أعتقدته حيضاً.
ولو كان عرفهن إعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ظاهراً ولذلك لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه في الخميلة فجاءها الدم فانسلت من الخميلة فقال لها النببي صلى الله عليه وسلم " مالك أنفست؟ " قالت نعم فأمرها أن تأتزر ولم يسألها هل وافق العادة أو خالفها ولا هي سألت عن ذلك وإنما إستدلت على ذلك بخروج الدم فأقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع إنما عرفت الحيضة برؤية الدم لا غير والظاهر أنه لم يأت في العادة لأنها أستنكرته وبكت حين رأته وقالت وددت إني لم أكن حججت العام ولو كانت لها عادة تعلم مجيئه فيها لما أنكرته ولا شق عليها ولأن العادة لو كانت معتبرة على المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لامته ولما وسعه تأخير بيانه لأن حاجة النساء داعية إليه في كل وقت ولا يجوز تأخير البيان عن وقته.
والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ما يرينه من الدم حيضاً ولم يأت من الشرع تغييره ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف والعرف إن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص ولم ينقل عنهن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة، وأما امرأة طاهر ترى الدم في وقت يمكن أن يكون حيضاً ثم ينقطع عنها فلم يذكر في حقها عادة أصلاً.
وفي إعتبار العادة على هذا الوجه إخلاء بعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتهن الدم في زمن الحيض وصلاحيته له وهذا لا سبيل إليه كامرأة رأت الدم في غير أيام عادتها وطهرت أيام عادتها

(1/344)


ثلاثة أشهر فإنها لا تدع الصلاة فإذا إنتقلت في الشهر الرابع إلى أيام أخر لم تحيضها أيضاً ثلاثة أشهر وكذلك أبداً فعلى هذا تجعل ما تراه من الدم قبل العادة وبعدها ما لم يجاوز أكثر الحيض فإن
جاوز أكثر الحيض علمنا استحاضتها فترج إلى عادتها وتقضي ما تركته من الصلاة والصيام فيما سوى العادة لأننا تبينا أنه إستحاضة (فصل) فإن كانت عادتها ثلاثة من كل شهر فرأت في شهر خمسة أيام ثم إستحيضت في الشهر الآخر فإنها لا تجلس مما بعده من الشهور إلا ثلاثة ثلاثة، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي تجلس خمساً من كل شهر وهذا مبني على أن العادة تثبت بمرة، وأن رأت خمسة في شهرين خرج على الروايتين فيما نثبت به العادة، وإن رأتها في ثلاثة أشهر ثم استحيضت إنتقلت إليها وجلست من كل شهر خمسة بغير خلاف بينهم والله أعلم (مسألة) (وإن طهرت في اثناء عادتها إغتسلت وصلت فإن عاودها الدم في العادة.
فهل تلتفت إليه؟ على روايتين) هذه المسألة تشتمل على فصلين (أحدهما) في حكم الطهر في زمن العادة (والثاني) في حكم الدم العائد بعده فمتى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي وتصوم ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيرة لقول ابن عباس.
أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل فأما إن كان النقاء أقل من ساعة فالظاهر أنه ليس بطهر لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى وقد قالت عائشة لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، وقد روي عن أحمد أن النفساء إذا رأت النقاء دون يوم لا تثبت

(1/345)


لها أحكام الطاهرات فيخرج ههنا مثله قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن العادة أن الدم يجري مرة وينقطع أخرى وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج منفي بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولأننا لو جعلنا إنقطاع الدم ساعة طهراً ولا تلتفت إلى الدم بعد أفضى إلى أن لا يستقر لها حيض فعلى هذا لا يكون إنقطاع الدم دون يوم طهراً إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون إنقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء وهو شئ يتبع الحيض أبيض يسمى الترية، روى ذلك عن إمامنا، وهو قول مالك روي عنه أن القصة البيضاء هي القطنة التي تحشوها المرأة إذا خرجت بيضاء كما دخلت لا تغير عليها حكي ذلك عن الزهري وقال أبو حنيفة ليس النقاء بين الدمين طهراً بل لو صامت فيه فرضاً لم يصح، ولا تجب عليها فيه صلاة ولا يأتيها زوجها
وهو أحد قولي الشافعي لأن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى ولأنه لو لم يكن من الحيض لم يحتسب من مدته.
ولنا قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) وصف الحيض بكونه أذى فإذا ذهب الأذى وجب زوال الحيض وقال ابن عباس إذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل وقالت عائشة لا تعجلين حتى ترين القصة البيضاء ولأنها صامت وهي طاهر فلم يلزمها القضاء كما لو لم يعد الدم، فأما قولهم إن الدم يجري تارة وينقطع أخرى قلنا لا عبرة بالإنقطاع اليسير وإنما إذا وجد إنقطاع كثير تمكن فيه الصلاة والصيام

(1/346)


وتتأدى العبادة فيه وجبت عليها لعدم المانع من وجوبها (الفصل الثاني) إذا عاودها الدم فإن عاودها في العادة ولم يتجاوزها ففيه روايتان (إحداهما) أنه من حيضها لأنه صادف زمن العادة فأشبه مالو لم ينقطع.
وهذا مذهب الثوري وأصحاب الرأي (والثانية) ليس بحيض وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن أبي موسى لأنه عاد بعد طهر صحيح أشبه مالو عاد بعد العادة فعلى هذه الرواية يكون حكمه حكم مالو عاد بعد العادة على ما يأتي.
وقد روي عن أحمد رحمه الله أنها تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض على سبيل الاحتياط كدم النفساء العائد في مدة النفاس (فصل) فإن رأته في العادة وتجاوز العادة فان عبر أكثر الحيض فليس بحيض لان بعضه ليس بحيض فيكون كله إستحاضة لإتصاله به وإنفصاله عن الحيض فكان إلحاقه بالإستحاضة أولى، وإن انقطع لأكثره فما دون فمن قال إن ما لم يعبر العادة ليس بحيض فههنا أولى ومن قال هو حيض ففي هذا على قوله ثلاثة أوجه (أحدها) إن جميعه حيض لما ذكرنا في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض (والثاني) ان ما وافق الحيض لموافقته العادة وما زاد عليها ليس بحيض لخروجه عنها (والثالث) أن الجميع ليس بحيض لإختلاطه بما ليس بحيض فإن تكرر فهو حيض على الروايتين جميعاً (فصل) فإن رأته بعد العادة ولم يمكن أن يكون حيضاً لعبوره أكثر الحيض وأنه ليس بينه

(1/347)


وبين الدم الأول أقل الطهر فهو إستحاضة سواء تكرر أولاً لأنه لا يمكن جعل جميعه حيضاً فكان كله إستحاضة لأن إلحاق بعضه ببعت أولى من الحاقه بغيره (فصل) وإن أمكن كونه حيضاً وذلك يتصور في حالين (أحدهما) أن يكون بضمه إلى الدم الاول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوماً.
فإذا تكرر جعلناهما حيضة واحدة وتلفق أحدهما إلى الآخر ويكون الطهر الذي بينهما طهراً في خلال الحيضة (الحال الثانية) أن يكون بينهما أقل من الطهر ويكون كل واحد من الدمين يصلح أن يكون حيضاً بمفرده بأن يكون يوماً وليلة فصاعداً فهذا إذا تكرر كان الدمان حيضتين.
وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض فهو دم فساد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده.
ومثال ذلك مالو كانت عادتها عشرة من أول الشهر فرأت خمسة منها دماً وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دماً وتكرر ذلك فالخمسة الأولى والثانية حيضة واحدة تلفق الدم الثاني الى الأول، وإن رأت الثاني ستاً أو أكثر لم يمكن أن يكون الدمان حيضة لأن بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوماً ولا حيضتين لأنه ليس بينهما أقل الطهر، وإن رأت يوماً دماً وثلاثة عشر طهراً ثم رأت يوماً دماً وتكرر ذلك كانا حيضتين وصار شهرها أربعة عشر يوماً.
وكذلك إن رأت يومين دماً وثلاثة عشر طهراً ثم رأت يومين دماً وتكرر ويكون شهرها خمسة عشر وإن كان الطهر بينهما أحد عشر يوماً فما دون وتكرر فهما حيضة واحدة لأنه بين طرفيهما أكثر من خمسة ولا بينهما أقل الطهر وإن كان بينهما إثنا عشر يوماً لم يمكن كونهما جميعاً حيضة لزيادتهما بما بينهما من الطهر على خمسة عشر ولا يمكن جعلهما حيضتين لأنه ليس بينهما أقل الطهر.
فعلى هذا يكون حيضها منهما ما وافق العادة والآخر إستحاضة.
وعلى هذا كل ما يتفرع من المسائل إلا أنها لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة حتى يتكرر مرتين أو ثلاثا، فإن تكرر وأمكن جعله حيضاً فهو حيض وإلا فلا

(1/348)


(مسألة) قال (والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض) متى رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض وإن رأته بعد أيام حيضها لم تعتد به نص عليه أحمد وهو مذهب الثوري ومالك والشافعي: وقال أبو يوسف وأبو ثور لا يكون حيضاً إلا أن يتقدمه دم
أسود لأن أم عطية قالت كنا لا نعد الصفرة بعد الغسل شيئاً رواه أبو داود ولنا قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) وهذا يتناول الصفرة والكدرة ولأن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة.
وحديث أم عطية إنما يتناول ما بعد الطهر والإغتسال ونحن نقول به ويدل عليه قول عائشة ما كنا نعد الكدرة والصفرة حيضاً مع قولها المتقدم (فصل) وحكمها حكم الدم العبيط في أنها في أيام الحيض حيض وتجلس منها المبتدأة كما تجلس من غيرها وإن رأتها بعد العادة متصلة بها فهو كما لو رأت غيرها، على مابينا وإن طهرت ثم رأت كدرة أو صفرة لم تلتفت إليها لحديث أم عطية وعائشة وقد روى النجاد بإسناده عن محمد بن إسحاق عن فاطمة عن

(1/349)


أسماء قالت كنا في حجرها مع بنات بنتها فكانت تطهر ثم تصلي ثم تنكس بالصفرة اليسيرة فنسألها فتقول إعتزلن الصلاة حتى لا ترين إلا البياض خالصاً.
والأول أولى لما ذكرنا من حديث أو عطية وعائشة وهو أولى من قول أسماء.
وقال القاضي معنى هذا أنها لا تلتفت إليه قبل التكرار، وقول أسماء

(1/350)


فيما إذا تكرر فجمع بين الأخبار والله أعلم (مسألة) (ومن كانت ترى يوماً دماً ويوماً طهراً فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً والباقي طهراً إلا أن يجاوز أكثر الحيض فتكون مستحاضة) قد ذكرنا أن الطهر في أثناء الحيضة طهر صحيح فإذا رأت يوماً دماً ويوماً طهراً فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً وما بينهما من النقاء طهر على ما ذكرنا.
ولا فرق بين كون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه فإن جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوز أكثر الحيض، فإن كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دماً ونصفاً طهراً أو ساعة وساعة فقال أصحابنا: هو كالأيام تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً وما بينهما

(1/351)


طهر إذا بلغ المجتمع منه أقل الحيض فإن لم يبلغ ذلك فهوم دم فساد، وفيه وج آخر لا يكون الدم حيضاً
إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل وهذا كله مذهب الشافعي وله قول أن النقاء بين الدمين حيض وقد ذكرناه وذكرنا أيضاً لنا وجهاً في أن النقاء إذا نقص عن يوم لم يكن طهراً، فعلى هذا متى نقص عنه كان كالدم وما بعده حيضاً كله (فصل) فإن جاوز أكثر الحيض مثل أن ترى يوماً دماً ويوماً طهراً إلى ثمانية عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها إن كانت معتادة.
فإن كانت عادتها سبعة أيام من أول الشهر فإنها تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة وتغتسل، وما بعده مبني على الروايتين في الدم الذي تراه بعد الطهر في أثناء الحيضة

(1/352)


فإن قلنا ليس بحيض فحيضها اليوم الأول خاصة وما بعده إستحاضة.
وإن قلنا إنه حيض فحيضها اليوم الأول والثالث والخامس والسابع فيحصل لها من عادتها أربعة أيام والباقي إستحاضة وإن لم تر الدم إلا في اليوم الثاني جلسته والرابع والسادس فيحصل لها ثلاثة أيام، وفيه وجه آخر أنه تلفق لها السبعة من أيام الدم جميعها فتجلس التاسع والحادي عشر والرابع عشر، والصحيح الأول لأن هذه الأيام ليس من عادتها فلم تجلسها كغير الملفقة، وإن كانت ناسية فأجلسها سبعة أيام فكذلك.
وإن كانت مميزة جلست زمان الدم الأسود والباقي إستحاضة، وإن كانت مبتدأة جلست اليقين في ثلاثة أشهر وفي شهرين من أول دم تراه ثم تنتقل بعد ذلك إلى غالب الحيض وهل تلفق لها السبعة من

(1/353)


خمسة عشر يوماً أو تجلس أربعة من سبعة؟ على الوجهين كالمعتادة، وقال القاضي في المعتادة كما ذكرنا وفي غيرها ما عبر الخمسة عشر إستحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر كلها حيض إذا تكرر فإن كان يوماً ويوماً فلها ثمانية أيام حيضاً وإن كانت أنصافاً فلها سبعة ونصف حيضاً ومثابا طهراً لأن الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده لأنها فيما بعده في حكم الطاهرات تصوم وتصلي (فصل) قال (والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ما شاءت من الصلوات وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم) المستحاضة التي ترى دماً لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً حكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات

(1/354)


وفعلها لأنها نجاسة غير معتادة أشبه سلس البول، إذا ثبت ذلك فإن المستحاضة ومن في معناها ممن ذكرنا وهو من لا يمكنه حفظ طهارته لاستمرار الحدث يجب عليه غسل محل الحدث والتحرز من خروج الحدث بما أمكنه.
فالمستحاضة تحشوه بالقطن وما أشبهه فإن لم يرد الدم استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها ووسطها على الفرج لأن في حديث أم سلمة " لتستثفر بثوب " قال لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم " أنعت لك الكرسف " يعني القطن تحشين به المكان قالت إنه أكثر من ذلك قال " تلجمي " فإذا فعلت ذلك وتوضأت ثم خرج الدم لرخاوة الشدة فعليها إعادة الشد والوضوء وإن كان لغلبة الخارج وقوته لم تبطل الطهارة لعدم إمكان التحرز منه قالت عائشة اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من ازواجه فكلت فترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري وفي لفظ " صلي وأن قطر الدم على الحصير " والمبتلى بسلس البول وكثرة المذي يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسبما أمكنه وكذلك من به جرح أو ريح أو نحوه من الأحداث فإن كان مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا يمكن شده أو من به باسور أو ناصور لا يمكن عصبه صلى على حسب حاله لأن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دماً (فصل) ويجب على كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن لا يخرج منه شئ وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يجب الوضوء على المستحاضة وروي ذلك عن عكرمة وربيعة.
وأستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة إلا أن يؤذيه البرد فإن آذاه فارجو

(1/355)


أن لا يكون عليه ضيق.
واحتجوا بأن في حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش " فاغتسلي وصلي " فلم يأمرها بالوضوء ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى النصوص لأنه غير معتاد ولنا ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة " تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة رواه أبو داود والترمذي وعن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت
أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها ثم قال " وتوضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذه زيادة يجب قبولها

(1/356)


ولأنه حدث خارج من السبيل فنقض الوضوء كالمذي - إذا ثبت هذا فإن طهارة هؤلاء مقيدة بالوقت لقوله " تتوضأ عند كل صلاة " وقوله " ثم توضئي لكل صلاة " ولأنها طهارة عذر وضرورة فقيدت بالوقت كالتيمم.
فعلى هذا إذا توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت بطلت طهارته لأن دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه.
وكذلك إن خرج منه شئ لأن الحدث مبطل للطهارة وإنما عفي عنه مع الحاجة إلى الطهارة ولا حاجة قبل الوقت وإن توضأ بعد الوقت صح وضوؤه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه لما ذكرنا.
فإن صلى عقيب الطهارة أو أخرها لما يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وإنتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شئ جاز وإن أخرها لغير ذلك.
ففيه وجهان

(1/357)


(أحدهما) الجواز قياساً على طهارة التيمم (والثاني) لا يجوز لأنه إنما أبيح له الصلاة بهذا الطهارة مع وجود الحدث للضرورة ولا ضرورة ههنا.
وإن خرج الوقت بعد أن خرج منها شئ أو أحدث حدثاً غير هذا الخارج بطلت الطهارة (فصل) ويجوز للمستحاضة ومن في معناها الجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى خروج الوقت قال أحمد في رواية ابن القاسم إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فتتوضأ أيضاً وهذا يقتضي إلحاقها بالتيمم، وقال الشافعي في المستحاضة لا تجمع بين فرضين بطهارة واحدة ولا تقضي به فوائت كقوله في

(1/358)


التيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " توضئي لكل صلاة " ولنا أنه قد روي في بعض ألفاظ حديث فاطمة " توضئي لوقت كل صلاة " وحديثهم محمول على الوقت كقوله صلى الله عليه وسلم " أينما أدركتك الصلاة فصل " أي وقتها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
حمنة بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد وأمر به سهلة بنت سهيل ولم يأمرها بوضوء لأن الظاهر أنه لو مرها بالوضوء بينهما لنقل ولأن هذا مما يخفى ويحتاج إلى بيان فلا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة أو غير المستحاضة من أهل الأعذار مقيس عليها (فصل) إذا توضأت المستحاضة ثم إنقطع دمها فإن إتصل الإنقطاع بطل وضوؤها بإنقطاعه

(1/359)


لأن الحدث الخارج منها مبطل للطهارة عفي عنه للعذر فإذا زال العذر ظهر حكم الحدث، وإن عاد الدم فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الإنقطاع قال أحمد بن القاسم سألت أبا عبد الله فقلت إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير ويؤقتون بوقت يقولون إذا توضأت للصلاة وقد إنقطع الدم ثم سال بعد ذلك قبل أن تدخل في الصلاة تعيد الوضوء ويقولون ادا تطهرت والدم سائل ثم إنقطع الدم قولاً آخر؟ قال لست أنظر في انقطاعه حين وضات سال أم لم يسل إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، وقال القاضي وابن عقيل أن تطهرت حال جريان الدم ثم إنقطع قبل دخولها في الصلاة ولم يكن لها عادة بإنقطاعه لم يكن لها الدخول في

(1/360)


الصلاة حتى تتوضأ لأنها طهارة عفي عن الحدث فيها للضرورة فإذا زالت ظهر حكم الحدث كالمتيمم إذا وجد الماء.
فإن دخلت في الصلاة فإتصل الإنقطاع بحيث يتسع للوضوء والصلاة فالصلاة باطلة لأننا تبينا بطلان الطهارة بإنقطاعه وإلا فطهارتها صحيحة لأننا تبينا عدم الإنقطاع المبطل أشبه مالو ظن أنه أحدث ثم بان بخلافه.
وفي صحة الصلاة وجهان (أحدهما) تصح بناء على صحة الطهارة لبقاء الإستحاضة (والثاني) لا تصح لأنها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها فلم تصح كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة وصلى.
ثم تبين أنه كان متطهراً وإن عاودها الدم قبل دخولها في الصلاة لمدة تتسع للطهارة والصلاة بطلت الطهارة، وإن كانت لا تتسع لم تبطل لما ذكرنا وإن كان انقطاعه في الصلاة

(1/361)


واتصل إنبنى على المتيمم يجد الماء في الصلاة ذكره ابن حامد، وإن عاودها الدم فهو كما لو إنقطع
خارج الصلاة على ما مضى وإن توضأت وهو منقطع ثم عاد قبل الصلاة أو فيها وكانت مدة إنقطاعه تتسع للطهارة والصلاة بطلت طهارتها بعوده لأنها صارت بهذا الإنقطاع في حكم الطاهرات فصار عود الدم كسبق الحدث.
وإن لم يتسع لم يؤثر هذا الإنقطاع وهذا قول للشافعي، وقد ذكرنا أن ظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه لا عبرة بهذا الإنقطاع بل متى كانت مستحاضة أو من في معناها فتحرزت وتطهرت فطهارتها صحيحة ما لم تبرأ أو يخرج الوقت أو تحدث حدثاً آخر وهو أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل فالتفصيل يخالف مقتضى الخبر ولأن هذا

(1/362)


لم يرد الشرع به ولا سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة التي إستفتته ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه هذا التفصيل وذلك يدل ظاهراً على عدم إعتباره ولأن إعتبار هذا يشق.
والعادة في المستحاضة ونحوها أن الخارج يجري وينقطع.
وإعتبار مدة الإنقطاع بما يمكن فيه فعل العبادة بشق وإيجاب الوضوء به حرج منفي بقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وكذلك فيما إذا كان لها عادة بإنقطاعه زمناً لا يتسع للطهارة والصلاة على ما مضى من الخلاف فيه (فصل) فإن كان للمستحاضة عادة بإنقطاع الدم زمناً لا يتسع للطهارة والصلاة فتوضأت ثم إنقطع

(1/363)


لم نحكم ببطلان طهارتها ولا صلاتها ان كانت فيها لأن هذا الإنقطاع لا يحصل به المقصود وإن إتصل الانقطاع وبرأت وكان قد جرى منها دم بعد الوضوء بطلت الطهارة والصلاة لأنا تبينا أنها صارت في حكم الطاهرات بالإنقطاع وإن إتصل زمناً يتسع للطهارة والصلاة فالحكم فيه كالتي لم يجر لها عادة بإنقطاعه على ما ذكرنا، وإن كانت لها عادة بإنقطاعه زمناً يتسع للصلاة والطهارة لم تصل حال جريان الدم وتنتظر إنقطاعه إلا أن تخشى خروج الوقت فتتوضأ وتصلي فإن شرعت في الصلاة في آخر الوقت بهذه الطهارة فأمسك الدم عنها بطلت طهارتها لأنها أمكنتها الصلاة بطهارة صحيحة أشبهت غير المستحاضة، وإن كان زمن إمساكه يختلف فتارة يتسع وتارة لا يتسع فهي كالتي قبلها إلا أن تعلم أن هذا الإنقطاع لا يتسع.
قال شيخنا: ويحتمل أنها إذا شرعت في الصلاة ثم إنقطع

(1/364)


الدم لم تبطل صلاتها لأنها شرعت فيها بطهارة متيقنة وإنقطاع الدم يحتمل أن يكون متسعاً فتبطل ويحتمل أن يكون ضيقاً فلا تبطل فلا تزول عن اليقين بالشك وإن إتصل الإنقطاع تبينا أنه كان مبطلاً فبطلت الصلاة.
(فصل) (ويستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة) وذهب بعض العلماء إلى وجوبه روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة لأن أم حبيبة إستحيضت سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تغتسل عند كل صلاة وروى أبو داود أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة، وقال بعضهم تغتسل كل يوم غسلاً روى ذلك عن عائشة وابن عمر وأنس وقال بعضهم تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل وتغتسل للصبح لأن النبي صلى الله عليه وسلم

(1/365)


قال لحمنة " فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين - الظهر والعصر حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين للصبح فافعلي وصومي إن قويت على ذلك " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهو أعجب الأمرين إلي " وأمر به سهلة بنت سهيل وبه قال عطاء والنخعي وأكثر أهل العلم على أنها تغتسل عند إنقضاء الحيض ثم عليها الوضوء لكل صلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وتوضئي لكل صلاة " وقد ذكرنا حديث عدي بن ثابت وهذا يدل على أن الغسل المأمور به أمر استحباب جمعاً بين الأحاديث والغسل لكل صلاة أفضل لأنه أحوط، وفيه خروج من الخلاف، ويليه في الفضل الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بغسل والغسل للصبح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " وهو أعجب الأمرين إلي " ويليه الغسل

(1/366)


كل يوم مرة ثم بعده الغسل عند إنقطاع الدم والوضوء لكل صلاة وذلك مجزئ إن شاء الله تعالى (مسألة) (وهل يباح وطئ المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت على روايتين) (إحداهما)
لا يباح إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في المحظور وهو مذهب ابن سيرين والشعبي لأن عائشة يروي عنها أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحيض لأن الأذى علة لتحريم الوطئ لأن الشارع ذكره عقيبة بفاء التعقيب فكان علة له كقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) والأذى موجود في الإستحاضة فمنع وطؤها كالحائض (والثانية) يباح وطؤها مطلقاً وهو قول أكثر أهل العلم لما روى أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامها، وقال أن أم حبيبة كانت تستحاض وكان زوجها يغشاها، وقد كانت حمنة تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وقد سألتا النبي صلى الله عليه وسلم عن أحكام المستحاضة فلو كان حراماً لبينه لهما، فأما إن خاف على نفسه العنت أبيج على الروايتين لأن حكمه أخف من حكم الحيض ومدته

(1/367)


تطول فإن وطئها لغير ذلك وقلنا بالتحريم لم يكن عليه فكفارة لأن الشرع لم يرد بها وقد فرقنا بينه وبين الحيض فإن إنقطع دمها أبيح وطؤها قبل الغسل لأنه غير واجب عليها أشبه سلس البول (فصل) قال أحمد لا بأس ان تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفاً والله أعلم (فصل) قال (وأكثر النفاس أربعون يوماً) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمر وأنس وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الحسن البصري النفساء لا تكاد تجاوز الأربعين فإن جاوزت الخمسين فهي مستحاضة، وقال مالك والشافعي أكثره ستون وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد لأنه روي عن الأوزاعي أنه قال عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، وروي نحو ذلك عن عطاء، والمرجع في ذلك إلى الوجود قال الشافعي وغالبه أربعون يوماً ولنا ما روى أبو داود والترمذي عن مسة الأزدية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كانت النفساء

(1/368)


تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً قال الترمذي لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل وهو ثقة.
قال الخطابي أثنى محمد بن إسماعيل على هذا الحديث ولأنه قل من
سميناه من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً.
قال الترمذي أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي.
قال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس.
وما حكوه عن الاوزاعي يحنمل أن الزيادة كانت حيضاً أو إستحاضة كما لو زاد دمها على الستين، فعلى هذا إن زاد دم النفساء على أربعين وصادف عادة الحيض فهو حيض وإلا فهو إستحاضة نص عليه أحمد لأنه لا يخلو من أحدهما والله أعلم.
(مسألة) قال (ولا حد لأقله) وبه قال الثوري والشافعي، وقال أبو الخطاب أقله قطرة وقال

(1/369)


محمد بن الحسن وأبو ثور أقله ساعة، وقال أبو عبيد أقله خمسة وعشرون يوماً، وقال يعقوب أدناه أحد عشر يوما ولنا أنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلاً وكثيراً وقد روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر دماً فسميت ذات الجفوف ولأن اليسير دم وجد عقيب سببه فكان نفاساً كالكثير (مسألة) (أي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي إذا كان الطهر أقل من ساعة فينبغي أن لا تلتفت إليه لما ذكرنا من قول ابن عباس في الحيض وإن كان أكثر من ذلك فظاهر قوله ههنا أنها تغتسل وتصلي لحديث ابن عباس وهذا قول أكثر أصحابنا لقول علي رضي الله عنه: لا يحل للنفساء

(1/370)


إذا رأت الطهر ألا أن تصلي.
وقد روي عن أحمد أنها إذا رأت النقاء أقل من يومين لا يثبت لها أحكام الطاهرات رواه يعقوب عنه فعلى هذا لا يثبت لها حكم الطاهرات إلا أن ترى الطهر يوماً كاملاً لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى فلم يمكن اعتبار مجرد الانقطاع فلابد من ضابط للإنقطاع المعدود طهراً واليوم يصلح أن يكون ضابطاً فتعلق الحكم به والله أعلم (مسألة) (ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين) .
متى طهرت النفساء في مدة
الأربعين أكثر من يوم لزمها الصوم والصلاة بعد أن تغتسل، وإن كان أقل من يوم فقد ذكرنا الخلاف فيه، ويستحب لزوجها أن لا يطأها في الفرج وهي طاهرة حتى تتم الأربعين.
قال احمد ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال لا تقربيني ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطئ فيكون واطئا في نفاس ولا يحرم وطؤها لأنها في حكم الطاهرات

(1/371)


ولذلك تجب عليها العبادات، وذكر القاضي في تحريمه روايتين في المجرد والصحيح أنه لا يحرم لما ذكرنا (مسألة) (فإن إنقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس وعنه إنه مشكوك فيه تصوم وتقضي الصوم المفروض) متى إنقطع دمها في مدة الأربعين إنقطاعاً تجب عليها فيه العبادات ثم عاد في مدة الأربعين ففيه روايتان (إحداهما) هو نفاس تدع له الصوم والصلاة نقلها عنه أحمد بن القاسم وهذا قول عطاء والشعبي لأنه دم في مدة النفاس أشبه مالو إتصل (والثانية) هو مشكوك فيه وهي أشهر نقلها عنه الأثرم وغيره فعلى هذا تصوم وتصلي لأن سبب العبادة متيقن وسقوطها بهذا الدم

(1/372)


مشكوك فيه.
ويجب عليها قضاء الصوم احتياطا لان الصوم واجب عليها بيقين وسقوطه بهذا الفعل مشكوك فيه.
ولا يقربها زوجها إحتياطاً بخلاف الناسية إذا جلست ستاً أو سبعاً فإنه لا يجب عليها قضاء الصوم الذي صامته مع الشك فيه، والفرق بينهما أن الغالب من عادات النساء ست أو سبع وما زاد عليه نادر بخلاف النفاس ولأن الحيض يتكرر فيشق ذلك فيه وكذلك الدم الزائد عن العادة في الحيض، وقال مالك إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس وإن تباعد فهو حيض، ولاصحاب الشافعي فيما إذا رأت الدم يوما وليلة بعد طهر خمسة عشر هل هو حيض أو نفاس؟ قولان.
وقال القاضي: إن رأت الدم أقل من يوم وليلة بعد طهر خمسة عشر فهو دم فساد تصوم وتصلي ولا تقضي وهو قول أبي ثور، وإن كان الدم الثاني

(1/373)


يوماً وليلة فهو مشكوك فيه ذكرنا حكمه، ولنا أنه دم صادف زمن النفاس فكان نفاساً كما لو استمر أو رأته قبل مضي يومين وينبغي أن لا يفرق بين قليله وكثيره لما ذكرنا، ومن قال هو حيض فهو نزاع في عبارة
لإستواء حكم الحيض والنفاس، فأما ما صامته في زمن الطهر فلا يجب قضاؤه لأنه صوم صحيح (فصل) إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شئ يتبين فيه شئ من خلق الإنسان فهو نفاس نص عليه وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس، وإن كان جسماً لا يتبين فيه شئ من خلق الإنسان ففيه وجهان (أحدهما) هو نفاس لأنه بدء خلق آدمي أشبه مالو تبين (والثاني) ليس بنفاس لأنه لم يتبين أشبه النطفة والعلقة والله أعلم

(1/374)


(مسألة) (وإن ولدت توأمين فأول النفاس من، الأول وآخره منه وعنه أنه من الأخير والأول أصح) ذكر أصحابنا عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة روايتين (إحداهما) إن أول النفاس وآخره من الأول وهذا قول مالك وأبي حنيفة، فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضع الأول لم يكن ما بعده نفاساً لأن ما بعد الأول دم بعد الولادة أشبه المنفرد، وإذا كان أوله منه كان آخره منه كالمنفرد (والرواية الثانية) اختلف فيها أصحابنا.
فقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في رءوس المسائل هي أن أوله من الأول وآخره من الثاني.
وذكره القاضي في كتاب الروايتين لأن الثاني ولد فلا تنقضي مدة النفاس قبل إنتهائها منه كالمنفرد.
فعلى هذا تزيد مدة النفاس على أربعين في حق من ولدت توأمين، وقال القاضي أبو الحسين وأبو الخطاب في الهداية: هي أن أول النفاس وآخره من الثاني حسب.
وهو قول زفر لأن مدة النفاس تتعلق بالولادة فكان ابتداؤها وإنتهاؤها من الثاني كمدة المدة

(1/375)


فعلى هذا ما تراه من الدم قبل ولادة الثاني لا يكون نفاساً، ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه كالأقوال الثلاثة وقال القاضي في المجرد النفاس عنهما رواية وإنما الروايتان في وقت الإبتداء هل هو عقيب إنفصال الأول أو الثاني قال شيخنا وهذا ظاهره إنكار لرواية من روى أن آخره من الأول والله أعلم