الشرح
الكبير على متن المقنع (كتاب الصلاة) الصلاة في اللغة عبارة عن
الدعاء قال الله تعالى (وصل عليهم) أي أدع لهم، وقال صلى الله عليه وسلم "
إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم وإن كان صائماً فليصل " وفي
الشرع عبارة عن
الأفعال المعلومة فإذا ورد في الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق عليها إنصرف إلى
الصلاة الشرعية في الظاهر (والأصل) في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
حنفاء.
ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم "
بني الإسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام
الصلاة وإيتاء الزكاء، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا " متفق
عليه والأخبار في ذلك كثيرة وأجمع المسلمون على وجوب خمس صلوات في اليوم
والليلة، وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض
(1/376)
والنفساء لما ذكرنا ولقول الله تعالى (أن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فأما الحائض والنفساء فلا تجب
عليهما الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض (مسألة) قال (وتجب على النائم ومن
زال عقله بسكر أو إغماء أو شرب دواء) لا نعلم خلافاً في وجوب الصلاة على
النائم بمعنى أنه يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " رواه مسلم بمعناه ولو
لم تجب عليه في حال نومه لما وجب عليه قضاؤها كالمجنون وكذلك السكران ومن
شرب محرماً يزيل عقله لأنه إذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى
وحكم المغمى عليه حكم النائم في وجوب قضاء العبادات عليه من الصلاة والصوم
يروي ذلك عن عمار وعمران بن حصين وسمرة بن جندب.
وروي عن ابن عمر وطاوس والحسن والزهري قالوا: لا يقضي الصلاة، وقال مالك
والشافعي لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها لأنه يروى أن
عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه
فيفيق في وقتها فيصليها " وقال أصحاب الرأي إن اغمي عليه أكثر من خمس صلوات
لم يقض شيئاً وإلا قضى الجميع لأن ذلك يدخل في التكرار فاسقط القضاء
كالمجنون.
ولنا أن الإغماء لا يسقط فرض الصيام ولا يؤثر في ثوبت الولاية ولا تطول
مدته غالباً أشبه
(1/377)
النوم وحديثهم يرويه الحكم بن عبد الله بن
سعد وقد نهى أحمد عن حديثه، وقال البخاري تركوه وقياسه على المجنون لا يصح
لأنه تطول مدته غالباً وتثبت عليه الولاية ويسقط عنه الصوم ولا يجوز على
الأنبياء عليهم السلام بخلاف الاغماء ولان مالا يؤثر في إسقاط الخمس لا
يؤثر في إسقاط الزائد عليها كالنوم (فصل) فأما شرب الدواء المباح الذي يزيل
العقل فإن كان لا يدوم كثيراً فهو كالإغماء وإن تطاول فهو كالمجنون، وأما
ما فيه السموم من الأدوية فإن كان الغالب من إستعماله الهلاك أو الجنون لم
يجز وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى نفعه أبيح شربه في الظاهر لدفع ما هو
أخطر منه كغيره من الأدوية ويحتمل أن يحرم لأن فيه تعرضاً للهلاك أشبه ما
لو لم يرد به التداوي، والأول أصح فإن قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من
الخمر ونحوه وإن قلنا يباح فهو كالمباحات فيما ذكرنا والله أعلم (مسألة)
(ولا تجب على كافر ولا مجنون ولا تصح منهما) اختلف أهل العلم في خطاب
الكفار بفروع الإسلام وعن أحمد رحمه الله فيه روايتان مع إجماعهم على أنها
لا تصح منه في حال كفره ولا يجب عليه قضاؤها بعد إسلامه إذا كان أصلياً وقد
قال تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولأنه قد أسلم
خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فلم يأمر أحداً بقضاء ولأن
في إيجاب القضاء عليه تنفيراً عن الإسلام فعفي عنه، وأما المرتد فذكر أبو
إسحاق بن شاقلا في وجوب القضاء عليه روايتين (إحداهما) لا يلزمه وهو ظاهر
كلام الخرقي فعلى هذا لا يلزمه قضاء ما ترك
(1/378)
في حال كفره ولا في حال إسلامه قبل ردته
وإن كان قد حج لزمه استئنافه لأن عمله قد حبط بكفره بدليل قوله تعالى (لئن
أشركت ليحبطن عملك) فصار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه (والثانية) يلزمه
قضاء ما ترك من العبادات في حال كفره وإسلامه قبل ردته ولا يجب عليه إعادة
الحج لأن العمل إنما يحبط بالإشراك مع الموت لقوله تعالى (ومن يرتدد منكم
عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) وهذا مذهب الشافعي ولأن المرتد
أقر بوجوب العبادات عليه واعتقد ذلك وقدر على التسبب إلى آدائها فلزمه
كالمحدث، وذكر القاضي رواية ثالثة أنه لا قضاء عليه لما ترك في حال ردته
وعليه قضاء ما ترك في إسلامه قبل الردة لأنه كان واجباً عليه قبل الردة
فبقي الوجوب.
قال وهذا
المذهب هو اختيار ابن حامد وعلى هذا لا يلزمه استئناف الحج لأن ذمته برئت
منه بفعله قبل الردة فلم تشتغل به بعد ذلك كالصلاة ولأن الردة لو أبطلت حجه
أبطلت سائر عباداته المفعولة قبل ردته وهذا أولى إن شاء الله تعالى.
فأما المجنون فلا تصح منه الصلاة لأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ولا
تجب عليه في حال جنونه ولا يلزمه قضاؤها إلا أن يفيق في وقت الصلاة لا نعلم
في ذلك خلافا.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى
يستيقظ، وعن لصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل " رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن
(1/379)
(مسألة) (وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه)
لقوله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فله مالنا
وعليه ما علينا " وقال صلى الله عليه وسلم " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل
الصلاة حدا فمن أتى بها ينبغي أن يدخل في حد الإسلام ولأنها أحد مباني
الإسلام المختصة به فإذا فعلها حكم بإسلامه كالشهادتين (مسألة) (ولا تجب
على صبي وعنه أنها تجب على من بلغ عشراً) ظاهر المذهب أن الصلاة لا تجب على
الصبي حتى يبلغ لما ذكرنا من الحديث، وفيه رواية أخرى أنها تجب على من بلغ
عشراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مروا الصبي بالصلاة لسبع واضربوه
عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود - أمر بعقوبته ولا
تشرع العقوبة إلا لترك الواجب ولأن حد الواجب ما عوقب على تركه، والأول أصح
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ "
ولأنه صبي فلم تجب عليه كالصغير ولأن الصبي ضعيف العقل والبنية ولا بد من
ضابط يضبط الحد الذي تتكامل فيه بنيته وعقله فإنه يتزايد تزايداً خفي
التدريج فلا يعلم بنفسه.
والبلوغ ضابط لذلك ولهذا تجب به الحدود ويتعلق به أكثر أحكام التكليف فكذلك
الصلاة، فأما التأديب ههنا فهو كالتأديب على تعلم الخط والقرآن والصناعة
ليعتادها ويتمرن عليها.
ولا فرق بين الذكر والأنثى فيما ذكرنا، ولا خلاف في أنها تصح من الصبي
العاقل ويشترط لصحة صلاته من يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في السترة فإن
قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " يدل على
صحتها بدون الخمار
(1/380)
(مسألة) (ويؤمر بها لسبع ويضرب على تركها
لعشر) وهذا قول مكحول والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر للخبر، وقال ابن عمر
وابن سيرين إذا عرف يمينه من يساره لأنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه سئل عن ذلك فقال " إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة " رواه
أبو داود وقال مالك والنخعي: يؤمر إذا ثغر، وقال عروة إذا عقل، قال القاضي
يجب على ولي الصبي تعليمه الطهارة والصلاة وأمره بها إذا بلغ سبع سنين
وتأديبه عليها إذا بلغ عشر سنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك
وظاهر الأمر الوجوب وهذا الأمر والتأديب في حق الصبي لتمرينه عليها كي
يألفها ويعتادها فلا يتركها عند البلوغ (مسألة) (فإن بلغ في أثنائها أو
بعدها في وقتها لزمه إعادتها) وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلزمه
في الموضعين لأنه أدى وظيفة الوقت فلم تلزمه إعادتها كالبالغ ولنا أنه
صلاها قبل وجوبها وسببه فلم تجزه عما وجد سبب وجوبها كما لو صلى قبل الوقت
ولأنها نافلة في حقه لم تجزه كما لو نواها نفلاً، ولأنه بلغ في وقت العبادة
بعد فعلها فلزمه إعادتها كالحج (مسألة) (ولا يحل لمن وجبت عليه الصلاة
تأخيرها عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها) وذلك لما روى أبو
قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أما أنه ليس في النوم تفريط
إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى " أخرجه مسلم
فسماه تفريطا.
وعن سعد
(1/381)
أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال " إضاعة الوقت " توعدهم على ذلك فدل على
وجوبه هذا إذا كان ذاكراً لها قادراً على فعلها، فأما من نوى الجمع لعذر
جاز له تأخير الأولى إلى وقت الثانية لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله
وكذلك المشتغل بشرطها لا يأثم لأن الصلاة لا تصح بدونه إذا قدر عليه فمتى
كان شرطاً مقدوراً عليه وجب عليه الإشتغال بتحصيله ولم يأثم بالتأخير في
مدة تحصيله كالمشتغل بالوضوء والغسل
(مسألة) (فمن جحد وجوبها كفر) متى جحد وجوب الصلاة نظرنا فإن كان جاهلاً به
وهو ممن يجهل مثله ذلك كحديث الإسلام والناشئ ببادية عرف وجوبها لم يحكم
بكفره لأنه معذور، وإن كان ممن لا يجهل ذلك كالناشئ بين المسلمين في
الأمصار لم يقبل منه إدعاء الجهل وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في
الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها عليه فلا
يجحدها إلا تكذيباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة فهذا يصير
مرتداً حكمه حكم سائر المرتدين عن الإسلام، قال شيخنا ولا أعلم في هذا
خلافا، وإن تركها لمرض أو عجز عن أركانها أعلم أن ذلك لا يسقط الصلاة وإنه
يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته (مسألة) (وإن تركها تهاوناً لا جحوداً دعي
إلى فعلها، فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله وعنه لا يجب حتى
يترك ثلاثاً ويضيق وقت الرابعة) وجملته أن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلا مع
اعتقاد وجوبها دعي إلى فعلها وهدد فقيل له: صل وإلا قتلناك فإن لم يصل حتى
تضايق وقت
(1/382)
التي بعدها وجب قتله في إحدى الروايتين
واختيار ابن عقيل وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه إذا ترك الأولى لم نعلم أنه
عزم على تركها إلا بخروج الوقت فإذا خرج علمنا أنه تركها ولا يجب قتله بها
لأنها فائتة فإذا ضاق وقت الثانية وجب قتله، وقال ابو إسحاق بن شاقلا إن
كان الترك للصلاة إلى صلاة لا تجمع معها كالفجر إلى الظهر والعصر إلى
المغرب وجب قتله، وإن كانت تجمع معها كالظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء
فلا يقتل لأن وقتهما وقت واحد في حال العذر ولأن الوقتين كالوقت الواحد عند
بعض العلماء، قال شيخنا وهذا قول حسن (والرواية الثانية) لا يقتل حتى يترك
ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة.
قال أحمد رحمه الله لئلا تكون شبهة لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث
لشبهة فإذا رأيناه ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها وانتفت الشبهة فيجب
قتله، والصحيح الأول وقد نص أحمد فيمن ترك صلاة الفجر عامداً حتى وجبت عليه
أخرى يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه لأنه قد وجد الترك وليس تقديرها بثلاث
أولى من تقديرها بأربع وخمس وهو مذهب مالك والشافعي، وقال الزهري يسجن
ويضرب، وقال أبو حنيفة لا يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم
امرئ مسلم إلا
باحدى ثلاث كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق " ولم يوجد
من هذا أحد الثلاثة وقال صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها "
متفق عليهما ولأنه أحد الفروع فلا يقتل بتركه كالحج ولأن الأصل تحريم الدم
فلا تثبت الإباحة إلا بنص أو معناه والأصل عدمه
(1/383)
ولنا قوله تعالى (اقتلوا المشركين - إلى
قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فأباح قتلهم
حتى يتوبوا من الكفر ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فمتى ترك الصلاة لم يأت
بشرط التخلية فتبقى إباحة القتل وقال صلى الله عليه وسلم " من ترك الصلاة
متعمداً برئت منه ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " رواه الإمام أحمد
وهذا يدل على إباحة قتله وقال صلى الله عليه وسلم " بين العبد وبين الكفر
ترك الصلاة " رواه مسلم وقال " نهيت عن قتل المصلين " ولأنها ركن من أركان
الإسلام لا تدخله النيابة فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة وحديثهم حجة لنا لأن
الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفر والحديث الآخر إستثنى منه " إلا
بحقها " والصلاة من حقها ثم أن أحاديثنا خاصة تخص عموم ما ذكروه وقياسهم
على الحج لا يصح لإختلاف الناس في جواز تأخيره (مسألة) (ولا يقتل حتى
يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل بالسيف) لا يقتل تارك الصلاة حتى يستتا
ثلاثة أيام ويضيق عليه ويدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها لأنه قتل لترك واجب
فتقدمته الاستتابة كقتل المرتد ويقتل بالسيف لقوله صلى الله عليه وسلم "
إذا قتلتم فأحسنوا القتلة " الحديث (مسألة) (وهل يقتل حداً أو لكفره؟ على
روايتين) إحداهما يقتل لكفره كالمرتد فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا
يدفن بين المسلمين اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن عقيل وابن حامد وبه قال
الحسن والنخعي والشعبي والاوزاعي وابن المبارك واسحاق ومحمد بن الحسن لقول
رسول الله
(1/384)
صلى الله عليه وسلم " بين العبد وبين الكفر
ترك الصلاة " رواه مسلم.
وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم
الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي
وقال حديث حسن صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم " أول ما مفقدون من دينكم
الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة " قال أحمد كل شئ ذهب آخره لم يبق منه شئ.
وقال عمر رضي الله عنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وقال علي رضي الله
عنه: من لم يصل فهو كافر، قال عبد الله بن شقيق لم يكن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
ولأنها عبادة يدخل بفعلها في الإسلام فيخرج بتركها منه كالشهادة (والرواية
الثانية) يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد
الله بن بطة وأنكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا لم يجد
خلافاً فيه وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول البني
صلى الله عليه وسلم " ان الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي
بذلك وجه الله " وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى
عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله
الله الجنة على ما كان من عمل " وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن
برة " متفق عليهن.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل
(1/385)
نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأني
أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من
أمتي لا يشرك بالله شيئاً " رواه مسلم.
وعن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس صلوات كتبهن الله على
العبد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله
الجنة.
ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة "
ولو كان كافراً لم يدخله في المشيئة، وروي عن حذيفة أنه قال: يأتي على
الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله.
فقيل له وما ينفعهم؟ قال ينجيهم من النار لا أبا لك.
وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الخلال
ولأن ذلك إجماع المسلمين فاننا لا نعلم في عصر من الأعصار احدا من تاركي
الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ولا منع ميراث موروثه ولا فرق بين الزوجين
لترك الصلاة من أحدهما مع كثرة تاركي الصلاة ولو كفر لثبتت هذه الأحكام ولا
نعلم خلافاً بين
المسلمين أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها مع اختلافهم في المرتد، وأما
الأحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة
كقوله صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر " وقوله " من قال
لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " وقوله " من حلف بغير الله فقد أشرك "
وقوله صلى الله عليه وسلم " كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق " وأشباه هذا مما
أريد به التشديد في الوعيد، (قال شيخنا) رحمه الله وهذا أصوب القولين والله
أعلم (فصل) ومن ترك شرطاً مجمعاً عليه أو ركنا كالطهارة والركوع والسجود
فهو كتاركها حكمه
(1/386)
حكمه لأن الصلاة مع ذلك وجودها كعدمها فإما الأركان المختلف فيها كإزالة
النجاسة وقراءة الفاتحة والإعتدال عن الركوع فإن تركه معتقداً جوازه فلا شئ
عليه وإلا لزمته الإعادة ولا يقتل بحال لأنه مختلف فيه فلم يتعلق به حد
كالمتزوج بغير ولي وسارق مال فيه شبهة وقال ابن عقيل لا بأس بوجوب قتله كما
نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه والله أعلم |