الشرح الكبير على متن المقنع

 (باب النية) (وهي الشرط السادس للصلاة على كل حال) النية هي القصد يقال نواك الله بخير أي قصدك ومحلها القلب فإن لفظ بما نواه كان تأكيداً وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم تفسد صلاته وإن لم ينطق بلسانه أجزأ وهي واجبة لا نعلم فيه خلافاً ولا تنعقد الصلاة إلا بها ولا تسقط بحال لقول الله

(1/493)


تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخصلين له الدين) والإخلاص عمل القلب وهو أن يقصد بعمله الله تعالى وحده غيره، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لأمرئ ما نوى " متفق عليه (مسألة) (ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة وإلا أجزأته نية الصلاة) متى كانت الصلاة معينة لزمه شيئان: نية الفعل، والتعيين، فإن كان فرضاً ظهراً أو عصراً أو غيرهما لزمه تعيينها، وكذلك إن كانت نفلاً معينة كالوتر وصلاة الكسوف والاستسقاء والسنن الرواتب لزمه التعيين أيضا لعوم الحديث، وإن كانت نافلة مطلقة كصلاة الليل أجزأته نية مطلق الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها (مسألة) (وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية الفرضية في الفرض؟ على وجهين) اختلف أصحابنا في نية الفرضية في الفرض فقال بعضهم: لا يجب لأن التعيين يغني عنها لكون الظهر لا تكون من المكلف إلا ظهراً فرضاً، وقال ابن حامد لابد منها لأن المعينة قد تكون نفلاً كظهر الصبي والمعادة فعلى هذا يحتاج إلى نية الفعل والتعيين والفرضية (فصل) وينوي الأداء في الحاضرة والقضاء في الفائتة، وهل يجب ذلك؟ على وجهين (أحدهما) يجب لقوله " وإنما لأمرئ، ما نوى " (والثاني) لا يجب وهو أولى لأنه لا يختلف المذهب أنه لو صلى ينويها أداء فبان أن وقتها قد خرج أن صلاته صحيحة ويقع قضاء وكذلك لو نواها قضاء ظناً أن الوقت قد خرج فبان فعلها في وقتها وقعت أداء من غير نيته كالأسير إذا تحرى وصام فبان أنه وافق الشهر أو ما بعده أجزأه، فأما إن ظن أن عليه ظهراً فائتة فقضاها في وقت ظهر اليوم ثم بان أنه لا قضاء عليه أجزأته في أحد الوجهين لأن الصلاة معينة وإنما أخطأ في نية الوقت فلم يؤثر كما إذا اعتقد أن الوقت قد خرج فبان إنه لم يخرج أو كما لو نوى ظهر أمس وعليه ظهر يوم قبله (والثاني) لا يجزئه لأنه لم ينو عين الصلاة أشبه ما لو نوى قضاء عصر فإنها لا تجزئه عن الظهر، ولو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة لم يجزئه عنها ويتخرج فيها كالتي قبلها، فأما إن كانت عليه فوائت فنوى صلاة غير معينة لم تجزئه عن واحدة منها لعدم التعيين (مسألة) (ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام) لأنه أول الصلاة لتكون الينة مقارنة للعبادة
(مسألة) (فإن تقدمت قبل ذلك بزمن يسير جاز) ذكره أصحابنا ما لم يفسخها، واشترط الخرقي أن يكون بعد دخول الوقت، فإن قطع النية أو طال الفصل لم يجزئه وهذا مذهب أبي حنيفة، وقال

(1/494)


الشافعي وابن المنذر: تشترط مقارنة النية للتكبير لقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فقوله مخلصين حال لهم في وقت العبادة، أي مخلصين حال العبادة، والإخلاص هو النية ولأن النية شرط فلم يجز أن تخلو العبادة عنها كسائر شروطها ولنا أنها عبادة فجاز تقديم نيتها عليها كالصوم وتقدم النية على الفعل لا يخرجه عن كونه منوياً ولا يخرج الفاعل عن كونه مخلصاً كالصوم ولأنه جزء من الصلاة أشبه سائر أجزائها (مسألة) (ويجب أن يستصحب حكمها إلى آخر الصلاة) معنى استصحاب حكمها أن لا يقطعها فلو ذهل عنها أو عزبت عنه في أثناء الصلاة لم يبطلها لأن التحرز من هذا غير ممكن وقياساً على الصوم وغيره، وقد روى مالك في الموضأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان وله حصاص فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول أذكر كذا أذكر كذا حتى يضل أحدكم أن يدري كم صلى " وروي ان عمر صلى صلاة لم يقرأ فيها، فقيل له إنك لم تقرأ؟ فقال، أني جهزت جيشاً للمسلمين حتى بلغت بهم وادي القرى، وإن أمكنه إستصحاب ذكرها فهو أفضل لأنه أبلغ في الإخلاص (2) (مسألة) (فإن قطعها في أثنائها بطلت الصلاة وإن تردد في قطعها فعلى وجهين) وجملة ذلك أنه يشترط أن يدخل في الصلاة بنية جازمة فإن دخل بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لم تصح لأن النية عزم جازم ولا يحصل ذلك مع التردد فإن تلبس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت، وهذا قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة لا تبطل بذلك لأنها عبادة دخلها بنية صحيحة فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج ولنا أنه قطع حكم النية قبل إتمام صلاته ففسدت كما لو سلم ينوي الخروج منها ولأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها ففسدت لذهاب شرطها، وفارق الحج فإنه لا يخرج منه بمحظوراته بخلاف الصلاة.
فأما إن تردد في قطعها فقال ابن حامد: لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقة فلا يزول بالشك
والتردد كسائر العبادات، وقال القاضي يحتمل أن تبطل وهو مذهب الشافعي لأن استدامة النية شرط ومع التردد لا يبقى مستديماً لها أشبه إذا نوى قطعها (فصل) فإن شك في أثناء الصلاة في النية أو في تكبيرة الإحرام أستأنفها لأن الأصل عدمها فإن ذكر أنه كان قد نوى أو كبر قبل قطعها أو شرع في عمل فله البناء لأنه لم يوجد مبطل لها وإن
__________
2) فيه أن تذكر المنوي وهو شكل الصلاة يشغل عن تدبر الذكر والقراءة وان الاخلاص إذا كان هو الباعث علي العبادة لا ينقطع إلا بطرو الرياء وحب السمعة على القلب وحينئذ يجب دفعه بتذكر احباطه للعمل وكون الناس لا يغنون عنه إذا حمدوا عبادته وهي مردودة عند الله تعالى وفيما عدا هذا يكون الاخلاص الذي بعث على العمل مصاحبا له فلا يحتاج إلى استصحاب بذكره كتبه محمد رشيد رضا

(1/495)


عمل فيها عملاً مع الشك بطلت، ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن هذا العمل عري عن النية وحكمها لأن استصحاب حكمها مع الشك لا يوجد، وقال ابن حامد لا تبطل ويبني لأن الشك لا يزيل حكم النية فجاز له البناء كما لو لم يحدث عملاً لأنه لو أزال حكم النية لبطلت كما لو نوى قطعها، وإن شك هل نوى فرضاً أو نفلاً أتمها نفلاً إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملاً فيتمها فرضاً، وإن كان ذكره بعد أن أحدث عملاً خرج فيه الوجهان، فإن شك هل أحرم بظهر أو عصر فحكمه حكم مالو شك في النية لأن التعيين شرط.
ويحتمل أن يتمها نفلاً كما لو احرم بفرض فبان قبل وقته (مسألة) (وإن أحرم بفرض فبان قبل وقته إنقلب نفلاً) لأن نية الفرض تشتمل على نية النفل فإذا بطلت نية الفرضية بقيت نية مطلق الصلاة (مسألة) (وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلاً جاز، ويحتمل أن لا يجوز إلا لعذر مثل أن يحرم منفرداً يريد الصلاة في جماعة) متى أحرم بفرض في وقته ثم قلبه نفلاً فإن كان لغير غرض كره وصح لأن النفل يدخل في نية الفرض، أشبه مالو أحرم بفرض فبان قبل وقته وكما لو قلبها لغرض، ذكره أبو الخطاب ويكره ذلك لأنه أبطل عمله.
وقال القاضي في موضع لا يصح رواية واحدة، كما لو إنتقل من فرض إلى فرض، وقال في الجامع يخرج على روايتين (إحداهما) يصح لما ذكرنا (والثانية) لا يصح
لأنه أبطل عمله لغير سبب ولا فائدة، وللشافعي قولان كالوجهين.
وإن كان لغرض صحيح مثل من أحرم منفرداً فحضرت جماعة فقلبها نفلاً ليحصل فضيلة الجماعة صح من غير كراهة لما ذكرنا، وقال القاضي: فيه روايتان (إحداهما) لا تصح لما ذكرنا (والثانية) تصح لتحصل له مضاعفة الثواب (مسألة) (وإن انتقل من فرض إلى فرض بطلت الصلاتان) تبطل الأولى لأنه قطع نيتها ولا تصح الثانية لأنه لم ينوها من أولها (مسألة) (ومن شرط الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما) يشترط أن ينوي الإمام أنه إمام والمأموم أنه مأموم لأن الجماعة يتعلق بها أحكام وجوب الإتباع وسقوط السهو عن المأموم وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه وإنما يتميز الإمام عن المأموم بالنية فكانت شرطاً، فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم يصح ولأن الجماعة إنما تنعقد بالنية فاعتبرت منهما قياساً لأحدهما على الآخر فإن صلى رجلان ينوي كل واحد منهما أنه إمام صاحبه أو مأموم له فصلاتهما فاسدة نص عليهما لأنه إئتم بمن ليس بإمام في الصورة الثانية وأم من لم يأتم به في الأولى، ولو رأى رجلين يصليان فنوى الإئتمام

(1/496)


بالمأموم لم يصح لأنه إئتم بمن ليس بإمام وإن نوى الإئتمام بأحدهما لا بعينه لم يصح حتى يعين الإمام لأن تعيينه شرط.
وإن نوى الإئتمام بهما معاً لم يصح لأنه إئتم بمن ليس بإمام ولأنه لا يجوز الإئتمام بأكثر من واحد.
ولو نوى الإئتمام بإمامين لم يجز لأنه لا يمكن إتباعهما معاً (مسألة) (فإن أحرم منفرداً ثم نوى الإئتمام لم يصح في أصح الروايتين) متى أحرم منفرداً ثم نوى جعل نفسه مأموماً بأن تحضر جماعة فينوي الدخول معهم في صلاتهم ففيه روايتان (إحداهما) يجوز سواء كان أول صلاته أو في أثنائها لأنه نقل نفسه إلى الجماعة فجاز كما لو نوى الإمامة (والثانية) لا يجوز وهي أصح لأنه نقل نفسه مؤتماً فلم يجز كالإمام، وفارق نقله إلى الإمامة لأن الحاجة تدعو إليه قال أحمد في رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوي الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة: سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم.
قيل له فإن دخل مع القوم في الصلاة واحتسب به؟ قال لا يجزئه بها حتى ينوي بها الصلاة مع الإمام في إبتداء الفرض
(مسألة) (وإن نوى الإمامة صح في النفل ولم يصح في الفرض ويحتمل أن يصح وهو أصح عندي) إذا أحرم منفرداً ثم إنتقل إلى نية الإمامة في النفل صح نص عليها أحمد لما روى ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متطوعاً من الليل فقام إلى القربة فتوضأ فصلى فقام - فقمت لما رأيته صنع ذلك فتوضأت من القربة ثم قمت إلى شقه الأيسر فأخذ بيدي (1) من وراء ظهره يعدلني كذلك إلى الشق الأيمن متفق عليه واللفظ لمسلم، وروت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام الناس يصلون بصلاته (فصل) فأما في الفريضة فان كان ينتظر أحداً كإمام المسجد يحرم وحده وينتظر من يأتي ويصلي معه جاز ذلك نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود.
والظاهر أنها كانت مفروضة لأنهم كانوا مسافرين وإن لم يكن كذلك لم يصح وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي في الفرض والنفل جميعاً لأنه لم ينو الإمامة في إبتداء الصلاة أشبه مالو أئتم بمأموم.
ويحتمل أن يصلي وقد روي عن أحمد ما يدل عليه وهو مذهب الشافعي، قال شيخنا: وهو الصحيح إن شاء الله لأنه قد ثبت في النفل بحديث ابن عباس وعائشة والأصل

(1/497)


مساواة الفرض للنفل في النية ومما يقوي ذلك حديث جابر وجبار في الفرض ولأن الحاجة تدعو إليه فصح كحالة الاستخلاف.
وبيانها أن المنفرد إذا جاء قوم فأحرموا معه فإن قطع الصلاة وأخبرهم بحاله قبح لما فيه من إبطال العمل وإن أتم الصلاة ثم أخبرهم بفساد صلاتهم فهو أقبح وأشق وقياسهم ينتقض بحالة الاستخلاف والله أعلم (مسألة) (وإن أحرم مأموماً ثم نوى الإنفراد لعذر جاز) لما روى جابر قال صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له نافقت قال ما نافقت ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال " أفتان أنت يا معاذ؟ " مرتين متفق عليه ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة، والأعذار التي يخرج لأجلها مثل
هذا والمرض وخشية غلبة النعاس أو شئ يفسد صلاته أو خوف فوات مال أو تلفه أو فوت رفقته أو من يخرج من الصف ولا يجد من يقف معه ونحو ذلك (مسألة) (وإن كان لغير عذر لم يجز في إحدى الروايتين) لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر أشبه مالو تركها من غير نية المفارقة (والثانية) يصح كما إذا نوى المنفرد الإمامة بل ههنا أولى فان المأموم قد يصير منفرداً بغير نية وهو المسبوق إذا سلم إمامه والمنفرد لا يصير مأموماً بغير نية بحال (مسألة) (وإن نوى الإمامة لإستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب) وجملة ذلك أنه إذا سبق الإمام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة روى ذلك عن عمر وعلي وهو قول الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن أحمد رواية أخرى أن صلاة المأمومين تبطل، وقال أبو بكر تبطل صلاتهم رواية واحدة لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأموم كما لو تعمد الحدث ولنا أن عمر رضي الله عنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة ولم ينكره منكر فكان إجماعاً.
فإن لم يستخلف الإمام فقدم المأمومون رجلاً فأتم بهم جاز وإن صلوا وحداناً جاز قال الزهري في امام ينو به الدم أو يرعف: ينصرف وليقل أتموا صلاتكم وإن قدمت كل طائفة من المأمومين إماماً فصلى بهم فقياس المذهب جوازه، وقال أصحاب الرأي تفسد صلاتهم، ولنا أن لهم أن يصلوا وحداناً فجاز لهم أن يقدموا رجلاً كحالة ابتداء الصلاة وإن قدم بعضهم رجلاً وصلى الباقون وحداناً جاز.
(فصل) فأما إن فعل ما يبطل صلاته عامداً فسدت صلاة الجميع فإن كان عن غير عمد لم تفسد صلاة المأمومين نص عليه أحد في الضحك وروى عن أحمد فيمن سبقه الحدث الروايتان وقد ذكرناه

(1/498)


(فصل) فأما الإمام الذي سبقه الحدث فتبطل صلاته ويلزمه استئنافها قال أحمد يعجبني أن يتوضأ ويستأنف وهذا قول الحسن وعطاء والنخعي لما روى علي بن طلق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليعد صلاته " رواه أبو داود ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجس نجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك، وفيه رواية ثانية أنه يتوضأ ويبني روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس لما روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته " وعنه رواية ثالثة إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ وإن كان من غيرهما بنى لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ والأثر إنما ورد في غيرها والأولى أولى وحديثهم ضعيف (فصل) قال أصحابنا يجوز إستخلاف من سبق ببعض الصلاة ولمن جاء بعد حدث الإمام فيبني على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة، وإذا استخلف من جاء بعد حدث الإمام فينبغي أن تجب عليه قراءة الفاتحة ولا يبنى على قراءة الإمام لأن الإمام لم يتحمل عنه القراءة ههنا ويقضي بعد فراغ صلاة المأمومين.
وحكي هذا القول عن عمر وعلي وأكثر من قال بالإستخلاف، وقيه رواية أخرى أنه مخير بين أن يبني أو يبتدئ.
قال مالك يصلي لنفسه صلاة تامة فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروه حتى يتم ويسلم بهم لأن إتباع المأمومين للإمام أولى من إتباعه لهم وكذلك على الرواية الأولى ينتظرونه حتى يقضي ما فاته ويسلم بهم لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فانتظارهم له أولى وإن سلموا ولم ينتظروه جاز.
وقال ابن عقيل يستخلف من يسلم بهم والأولى إنتظاره وإنهم أن سلموا لم يحتاجوا إلى خليفة لأنه لم يبق من الصلاة إلا السلام فلا حاجة الى الإستخلاف فيه.
قال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يصح الإستخلاف في هذه الصورة لأنه أن بنى جلس في غير موضع جلوسه وصار تابعاً للمأمومين وإن ابتدأ جلس المأمومون في غير موضع جلوسهم ولم يرد الشرع بهذا وإنما ثبت الإستخلاف في موضع الإجماع حيث لم يحتج إلى شئ من هذا فلا يلحق به ما ليس في معناه (فصل) فإن سبق المأموم الحدث في فساد صلاته الروايات الثلاث فإن كان مع الإمام من تنعقد به صلاة غيره وإلا فحكمه كحكم الإمام معه فيما فصلناه في قياس المذهب وإن فعله عمداً بطلت صلاته وصلاة الإمام لان ارتباط الإمام بالمأموم كإرتباط صلاة المأموم بالإمام فما فسد ثم فسد ههنا وما صح ثم صح ههنا (مسألة) (وإن سبق إثنان ببعض الصلاة فأتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما فعلى وجهين)

(1/499)


(أحدهما) يصح لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة لعذر فجاز كالإستخلاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء
وأبو بكر في الصلاة فتأخر أبو بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم بهم الصلاة (والثاني) لا يصح بناء على عدم جواز الإستخلاف (مسألة) (وإن كان لغير عذر لم يصح) يعني إذا إنتقل عن إمامه إلى إمام آخر فأتم به أو صار المأموم إماماً لغيره من غير عذر لم يصح لأنه إنما ثبت جواز ذلك في محل العذر بقضية عمر رضي الله عنه وغير حال العذر لا يقاس عليه (مسألة) (وإن أحرم إماماً لغيبة إمام الحي ثم حضر إمام الحي في أثناء الصلاة فأحرم بهم وبني على صلاة خليفته وصار الإمام مأموماً فهل يصح على وجهين) روي عن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات (أحدها) يصح لما روى سهل بن سعد قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر فجاء رسول الله والناس في الصلاة فخلص حتى وقف في الصف فإستأخر أبو بكر حتى إستوى في الصف وتقدم النبي فصلى ثم انصرف متفق عليه.
وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان جائزاً لأمته ما لم يقم دليل الإختصاص (والرواية الثانية) أن ذلك يجوز للخليفة دون بقية الإئمة نص عليه في رواية المروذي لأن رتبة الخلافة تفضل رتبة سائر الأئمة فلا يلحق بها غيرها (والثالثة) لا يصح لأنه لا حاجة إليه وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً به لأن أحداً لا يساويه في الفضل ولا ينبغي أن يتقدم عليه بخلاف غيره ولهذا قال أبو بكر ما كان لا بن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصول في أدب المشي إلى الصلاة) يستحب للرجل إذا أقبل إلى الصلاة أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وعليه السكينة ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة، لما روى زيد بن ثابت قال: أقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه فقارب في الخطا ثم قال " أتدري لم فعلت هذا؟ لتكثر خطانا في طلب الصلاة " ويكره أن يشبك بين أصابعه لما روى كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة " رواه أبو داود
(فصل) ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة

(1/500)


وهو يقول " اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نوراً، وإجعل في بصري نوراً، وإجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، وإجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً وأعطني نوراً " أخرجه مسلم.
وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وإبتغاء مرضاتك، فأسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله إليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك " رواه الإمام أحمد وابن ماجة (فصل) فإن سمع الإقامة لم يسع إليها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا " وعن أبي قتادة قال بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال " ما شأنكم " قالوا استعجلنا إلى الصلاة فقال " لا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكنية فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا " متفق عليهما.
قال الامام أحمد فإن طمع أن يدرك التكبيرة فلا بأس أن يسرع شيئاً ما لم تكن عجلة تقبح.
جاء الحديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا تخوفوا فوات التكبيرة الأولى (فصل) فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وإذا خرج قدم اليسرى.
ويقول ما روى مسلم بإسناده عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم إفتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل اللهم إني أسلك من فضلك " وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وقال " رب أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " وإذا خرج صلي على محمد وقال " رب اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك " فإذا دخل لم يجلس حتى يركع ركعتين، لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه.
ثم يجلس مستقبل القبلة فإنه قد روي خير المنازل ما استقبل به القبلة، ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة
القرآن أو يسكت ولا يشبك أصابعه لما روى أبو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه " رواه الإمام أحمد في المسند

(1/501)