الشرح
الكبير على متن المقنع (باب صفة الصلاة) روى محمد بن عمر وابن
عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم منهم أبو قتادة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا: فاعرض قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى
الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه
معتدلا، ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يرفع ويضع
راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يصوب رأسه ولا يقنعه، ثم يرفع رأسه ويقول:
سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا، ثم يقول
الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني
رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ويسجد، ثم يقول الله
أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم
يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا أقام من الركعة فيرفع يديه حتى يحاذي بهما
منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يفعل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت
السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر.
قالوا صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم رواه مالك في الموطأ وأبو
داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وفي لفظ رواه البخاري قال فإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا
رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار إلى مكانه فإذا سجد سجد غير مفترش
ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين
(1/502)
جلس على اليسرى ونصب الأخرى فإذا كانت
السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر وقعد
على مقعدته
(مسألة) (يستحب أن يقوم إلى الصلاة إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة) قال ابن
عبد البر: على هذا أهل الحرمين.
وقال الشافعي يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة وكان عمر بن عبد العزيز ومحمد
بن كعب وسالم والزهري يقومون في أول بدوة من الإقامة.
وقال أبو حنيفة يقوم إذا قال حي على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر
وكان أصحاب عبد الله يكبرون كذلك وبه قال النخعي واحتجوا بقول بلال: لا
تسبقني بآمين.
فدل على أنه كان يكبر قبل فراغه.
وعندنا لا يستحب أن يكبر إلا بعد فراغه من الإقامة وهو قول الحسن وأبي يوسف
والشافعي واسحاق وعليه جل الأئمة في الأمصار، وإنما قلنا يقوم عند قول
المؤذن: قد قامت الصلاة لأن هذا خبر بمعنى الأمر ومقصوده الإعلام ليقوموا
فيستحب المبادرة إلى القيام امتثالا للأمر وإنما قلنا إنه لا يكبر حتى يفرغ
المؤذن لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكبر بعد فراغه يدل عليه ما
روى عنه أنه كان يعدل الصفوف بعد اقامة الصلاة فروى أنس قال أقيمت الصلاة
فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال " سووا صفوفكم
وتراصوا فإني
(1/503)
أراكم من وراء ظهري " رواه البخاري.
ويقول في الإقامة مثل قول المؤذن فروى أبو داود عن بعض أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال
النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة
كنحو حديث عمر في الأذان، فأما حديثهم فإن بلالا كان يقيم في موضع أذانه
وإلا فليس بين لفظ الإقامة والفراغ منها ما يفوت بلالا " آمين " مع النبي
صلى الله عليه وسلم.
إذا ثبت هذا فإنما يقوم المأمومون إذا كان الإمام في المسجد أو قريبا منه.
قال أحمد ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام لما روى أبو هريرة قال
كانت الصلاة تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن
يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه.
رواه مسلم، فأما إن أقيمت الصلاة والإمام في غير المسجد ولم يعلموا قربه لم
يقوموا لما روى أبو قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا
أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت " رواه مسلم (مسألة) (ثم يسوي
الإمام الصفوف) وذلك مستحب، يلتفت عن يمينه فيقول: استووا رحمكم الله وعن
يساره كذلك لما
ذكرنا من الحديث ولما روى محمد بن مسلم قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك
يوماً فقال: هل تدري لم صنغ هذا العود؟ قلت: لا والله، فقال: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمنه فقال " اعتدلوا
وسووا صفوفكم " ثم أخذه بيساره وقال
(1/504)
" اعتدلوا وسووا صفوفكم " رواه أبو داود،
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف
من تمام الصلاة " متفق عليه (فصل) قيل لاحمد قبل التكبير تقول شيئاً؟ قال
لا، يعني ليس قبله دعاء مسنون إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا
عن أصحابه ولأن الدعاء يكون بعد العبادة لقوله تعالى " فإذا فرغت فانصب
وإلى ربك فارغب) (مسألة) (ويقول الله أكبر لا يجزئه غيرها) لا تنعقد الصلاة
إلا بقول الله أكبر: وهو قول مالك وكان ابن مسعود والثوري والشافعي يقولون
افتتاح الصلاة التكبير، وعليه عوام أهل الحديث قديما وحديثا إلا أن الشافعي
قال: تنعقد بقوله الله الأكبر لأن الألف واللام لم تغيره عن بنيته ومعناه
وإنما أفادت التعريف، وقال أبو حنيفة تنعقد بكل اسم لله تعالى على وجه
التعظيم كقوله الله عظيم أو كبير أو جليل وسبحان الله والحمد الله ولا إله
إلا الله ونحوه قول الحاكم لأنه ذكر لله على وجه التعظيم أشبه قوله الله
أكبر ولأن الخطبة لا يتعين في أولها لفظ كذلك هذا ولنا قول النبي صلى الله
عليه وسلم " تحريمها التكبير " رواه أبو داود، وقوله للمسئ في صلاته " إذا
قمت إلى الصلاة فكبر " متفق عليه، وفي حديث رفاعة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " لا يقبل الله صلاة امرئ.
حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر " رواه أبو داود،
وكان
(1/505)
النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة
بقوله " الله أكبر " لم ينقل عنه عدول عن ذلك حتى فارق الدنيا وقياسهم يبطل
بقوله اللهم اغفر لي، ولا يصح القياس على الخطبة لأنه لم يرد عن النبي صلى
الله عليه وسلم فيها لفظ بعينه في جميع الخطبة ولا أمر به ولأنه يجوز فيها
الكلام بخلاف الصلاة، وما قاله
الشافعي عدول عن المنصوص، فأشبه ما لو قال الله العظيم، وقولهم لم يغير
بنيته ولا معناه ممنوع لأن التنكير متضمن لإضمار أو تقدير بخلاف التعريف
فإن معنى قوله " الله أكبر " أي من كل شئ ولأن ذلك لم يرد في كلام الله
تعالى ولا في كلام رسوله ولا في المتعارف في كلام الفصحاء إلا كما ذكرنا
فإطلاق لفظ التكبير ينصرف إليها دون غيرها كما أن إطلاق لفظ التسمية إنما
ينصرف إلى قوله بسم الله دون غيره، وهذا يدل على أن غيرها لا يساويها (فصل)
والتكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به لا يسقط في عمد ولا سهو وهو قول مالك
والشافعي وقال سعيد بن المسيب والحسن والزهري والاوزاعي: من نسي تكبيرة
الافتتاح أجزأته تكبيرة الركوع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "
تحريمها التكبير " فدل على أنه لا يدخل الصلاة بدونه (فصل) ولا يصح إلا
مرتبا فإن نكسه لم يصح لأنه لا يكون تكبيرا، ويجب على المصلي أن يسمعه نفسه
إماماً كان أو غيره إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنع السماع فيأتي به
بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمعه لأنه ذكر محله اللسان فلا يكون كاملا
بدون الصوت.
والصوت
(1/506)
ما يتأتى سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه
فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول والرجل والمرأة سواء فيما ذكرنا
(فصل) ويبين التكبير ولا يمد في غير موضع المد فإن فعل بحيث لم يغير المعنى
مثل أن يمد الهمزة الأولى في اسم الله تعالى فيقول آلله فيصير استفهاما أو
يمد أكبر فيصير ألفا فيبقى جمع كبر وهو الطبل لم يجز لتغير المعنى، وإن قال
الله أكبر وأعظم ونحوه لم يستحب، نص عليه وانعقدت به الصلاة (مسألة) (فإن
لم يحسنها لزمه تعلمها فإن خشي فوات الوقت كبر بلغته) وجملة ذلك أنه لا
يجزئه التكبير بغير العربية مع قدرته عليها، وبه قال الشافعي وأبو يوسف
ومحمد.
وقال أبو حنيفة يجزئه لقول الله تعالى (وذكر اسم ربه فصلى) وهذا قد ذكر اسم
ربه ولنا ما تقدم من النصوص وهي تخص ما ذكروه فإن لم يحسن العربية لزمه
تعلم التكبير بها لأنه ذكر واجب في الصلاة لا تصح بدونه فلزمه تعلمه
كالقراءة فإن خشي فوات الوقت كبر بلغته في أظهر الوجهين وهو مذهب الشافعي
لأنه ذكر عجز عنه بالعربية فلزمه الإتيان به بغيرها كالفظ النكاح، ولأن ذكر
الله
تعالى يحصل بكل لسان (والثاني) لا يصح ذكره القاضي في الجامع ويكون حكمه
حكم الأخرس لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلم يجز التعبير عنه بغير العربية
كالقراءة فإن عجز عن بعض اللفظ أو بعض الحروف أتى بما يمكنه كمن عجز عن بعض
الفاتحة (فصل) فإن كان أخرس لو عاجزا عن التكبير بكل لسان سقط عنه وعليه
تحريك لسانه ذكره
(1/507)
القاضي في المجرد لأن الصحيح يلزمه النطق
بتحريك لسانه فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر.
قال شيخنا: وهذا غير صحيح لأنه قول عجز عنه فلم يلزمه تحريك لسانه في موضعه
كالقراءة وإنما لزمه تحريك لسانه مع التكبير ضرورة توقف التكبير عليه فإذا
سقط التكبير سقط ما هو من ضرورته كمن سقط عنه القيام سقط عنه النهوض إليه
وإن قدر عليه، ولأن تحريك لسانه بغير النطق مجرد عبث فلم يرد الشرع به
كالعبث بسائر جوارحه (مسألة) ويجهر الإمام بالتكبير كله ليسمع المأمومون
فيكبروا بتكبيره فان لم يمكنه إسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو يسمع
من لا يسمعه الإمام لما روى جابر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر
ليسمعنا متفق عليه (مسألة) (ويسر غيره به وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه) لا
يستحب لغير الإمام الجهر بالتكبير لأنه لا حاجة إليه وربما ليس على
المأمومين إلا أن يحتاج إلى الجهر بالتكبير ليسمع المأمومين كما ذكرنا ويجب
عليه أن يكبر بحيث يسمع نفسه وكذلك القراءة لأنه لا يسمى كلاما بدون ذلك
وقد ذكرناه قبل هذا (فصل) وعليه أن يأتي بالتكبير قائما فإن انحنى إلى
الركوع بحيث يصير راكعا قبل إنهاء التكبير لم تنعقد صلاته إن كانت فرضاً
لأن القيام فيها واجب ولم يأت به، وإن كانت نافلة فظاهر قول القاضي أنها
تنعقد فإنه قال إن كبر في الفريضة في حال انحنائه إلى الركوع انعقدت نفلا
لسقوط القيام فيه فإذا تعذر الفرض وقعت نفلا كمن أحرم بفريضة فبان قبل
وقتها.
قال شيخنا: ويحتمل أن لا تنعقد النافلة إلا أن يكبر في حال قيامه أيضا لأن
صفة الركوع غير صفة القعود ولم يأت بالتكبير قائما ولا قاعدا
(1/508)
ولأن عليه الإتيان بالتكبير قبل وجود
الركوع منه (فصل) ولا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير.
وقال أبو حنيفة يكبر معه كما يركع معه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "
إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا " متفق عليه والركوع مثل ذلك،
إلا أنه لا تفسد صلاته بالركوع معه لأنه قد دخل في الصلاة، وههنا بخلافه
فإن كبر قبل إمامه لم تنعقد صلاته وعليه إعادة التكبير بعد تكبير الإمام
(فصل) والتكبير من الصلاة خلافا لأصحاب أبي حنيفة في قولهم ليس منها لأنه
أضافه إليها في قوله " تحريمها التكبير " ولا يضاف الشئ الى نفسه ولنا قول
النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة " إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن " رواه مسلم.
وما ذكروه فلا يصح، فإن أجزاء الشئ تضاف إليه كيد الإنسان وسائر أطرافه
(1/509)
(مسألة) (ثم يرفع يديه مع ابتداء التكبير
ممدودة الأصابع مضموما بعضها إلى بعض إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه)
رفع اليدين عند افتتاح الصلاة مستحب بغير خلاف نعلمه، قال إبن المنذر: لا
يختلف أهل العلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح
الصلاة، فروى
(1/511)
ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه،
وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين
متفق عليه.
وهو مخير في رفعهما إلى حذو منكبيه أو فروع أذنيه؟ يعني أنه يبلغ بأطراف
أصابعه ذلك الموضع لأن كلا الأمرين قد روي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
فالرفع إلى المنكبين قد روي في حديث ابن عمر، ورواه علي وابو هريرة وهو قول
الشافعي وإسحاق، والرفع إلى حذو الأذنين رواه واثل بن حجر ومالك بن الحويرث
من رواية مسلم وقال به ناس من أهل العلم إلا أن ميل أبي عبد الله إلى الأول
لكثرة رواته وقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
وجوز الآخر لصحة روايته فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا
وهذا، ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع ويضم بعضها إلى بعض لما روى أبو
هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا، وقال الشافعي:
السنة أن يفرق أصابعه، وقد روى ذلك عن أحمد لما روى أبو هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان ينشر أصابعه للتكبير ولنا ما رويناه وحديثهم خطأ قاله
الترمذي، ثم لو صح كان معناه المد، قال أحمد: أهل العربية قالوا هذا الضم -
وضم أصابعه - وهذا النشر - ومد أصابعه - وهذا التفريق - وفرق أصابعه - ولأن
النشر لا يقتضي التفريق كنشر الثوب
(1/512)
(فصل) ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء
التكبير وانتهاؤه مع انتهائه فإذا انقضى التكبير حط يديه لأن الرفع للتكبير
فكان معه.
فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما لأنه سنة فات محلها وإن
ذكره في أثناء التكبير رفعهما لبقاء محله، فان لم يمكنه رفع اليدين إلى
المنكبين رفعهما قدر الإمكان، وإن أمكنه رفع إحداهما حسب رفعها لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " فان لم
يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما لأنه يأتي بالسنة وزيادة
مغلوب عليها وهذا كله قول الشافعي.
وإن كانت يداه في ثوبه رفعهما بحيث يمكن لما روى وائل بن حجر قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم
في الصلاة، وفي رواية قال ثم جئت في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم
جل الثياب تتحرك أيديهم تحت الثياب رواهما أبو داود وفيه فرأيتهم يرفعون
أيديهم إلى صدورهم ولا فرق في ذلك بين النافلة والفريضة والإمام والمأموم
والمنفرد لعموم الأخبار والله أعلم (مسألة) (ثم يضع كف يده اليمنى على كوع
اليسرى ويجعلهما تحت سرته) وضع اليمنى على اليسرى
(1/513)
في الصلاة مسنون روي عن علي وأبي هريرة
والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وحكاه ابن المنذر عن
مالك والذي عليه أصحابه إرسال اليدين روى ذلك عن ابن الزبير والحسن ولنا ما
روى قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا
فيأخذ شماله بيمينه، رواه الترمذي وقال حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن
بعدهم، وعن غطيف قال: ما نسيت من الأشياء فلم أنس أني رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم واضعا يمنه على شماله في الصلاة من المسند.
ويضعهما على كوعه أو قريبا منه لما روى وائل بن حجر أنه وصف صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال في وصفه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى -
والرسغ والساعد (فصل) ويجعلهما تحت سرته، روى ذلك عن علي وأبي هريرة
والثوري واسحاق قال علي رضي الله عنه من السنة وضع اليمين على الشمال تحت
السرة، رواه الإمام أحمد وأبو داود، وعن أحمد أنه يضعهما على صدره فوق
السرة، وهو قول سعيد بن جبير والشافعي لما روى وائل بن حجر قال: رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه على صدره إحداهما إلى الأخرى، وعنه
رواية ثالثة أنه مخبر في ذلك لأن الجميع مروي والأمر في ذلك واسع (مسألة)
وينظر إلى موضع سجوده وذلك مستحب لأنه أخشع للمصلي، وأكف لنظره.
قال محمد بن سيرين وغيره في قوله تعالى (والذين هم في صلاتهم خاشعون) هو أن
لا يرفع بصره عن موضع سجوده.
قال أبو هريرة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى
السماء في الصلاة فلما نزل
(1/514)
(الذين هم في صلاتهم خاشعون) رموا بأبصارهم
إلى موضع السجود (مسألة) (ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك،
وتعالى جدك، ولا إله غيرك) الاستفتاح من سنن الصلاة في قول أكثر أهل العلم،
وكان مالك لا يراه بل يكبر ويقرأ لما روى أنس قال: كان النبي صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين متفق عليه.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسفتح بما سنذكره وعمل به الصحابة
رضي الله عنهم فكان عمر يستفتح به صلاته يجهر به ليسمعه الناس، وعبد الله
بن مسعود.
وحديث أنس أراد به القراءة كما روى أبو هريرة يقول الله تعالى " قسمت
الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " وفسره بالفاتحة مثل قول عائشة كان النبي صلى
الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين
ويتعين حمله على هذا لما ذكرنا من فعل عمر وهو ممكن روى عنه أنس (1) (فصل)
ومذهب أحمد رحمه الله الاستفتاح الذي ذكرنا وقال: لو أن رجلا استفتح ببعض
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسنا، والذي ذهب إليه
أحمد قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن مسعود والثوري واسحاق
وأصحاب الرأي، قال الترمذي.
وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم.
وذهب الشافعي وابن المنذر إلى الاستفتاح بما روي عن علي قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال " وجهت وجهي للذي فطر
السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت
الملك لا إله إلا أنت أنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي
جميعا أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها
__________
1) كذا في نسختنا وهو غير ظاهر وتراجع العبارة في السطر الخامس من الصفحة
التالية
(1/515)
إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني
سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك
وإليك، تباركت ربنا وتعاليت، أستغفرك وأتوب اليك " راه مسلم وأبو داود.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت إسكاتة
حسنة، قال هنيهة بين التكبير والقراءة.
فقلت يا رسول الله؟ أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول "
اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من
خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد " متفق عليه.
وإنما اختار أحمد رحمه الله الاستفتاح الأول لما روت عائشة قالت: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال " سبحانك اللهم وبحمدك
وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي.
وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله من رواية النسائي والترمذي
ورواه أنس أيضا وعمل به عمر بين يدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلذلك اختاره أحمد وجوز الاستفتاح بغيره لكونه قد صح، الا أنه قد قال في
حديثهم بعضهم يقول في صلاة الليل ولأن العمل به متروك، فإنا لا نعلم أحداً
يستفتح به كله، وإنما يستفتحون بأوله قال أحمد: ولا يجهر الإمام بالاستفتاح
وعليه عامة أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به وإنما جهر
به عمر ليعلم الناس، فإن نسيه أو تركه عمدا حتى شرع في
الاستعاذة لم يعد إليه لأنه سنة فات محلها، وكذلك إن نسي التعوذ حتى شرع في
القراءة لم يعد إليه لذلك (مسألة) (ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سنة في قول الحسن وابن سيرين والثوري
والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ
بالله من الشيطان الرجيم) وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول " أعوذ بالله السميع العليم، من
الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه "
(1/516)
قال الترمذي هذا أشهر حديث في هذا الباب.
وقال مالك لا يتسعيذ لحديث أنس وقد مضى جوابه وصفتها كما ذكرنا وهذا قول
أبي حنيفة والشافعي للآية.
وقال ابن المنذر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وعن أحمد أنه يقول " أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم " لحديث أبي سعيد فإنه متضمن للزيادة، ونقل حنبل
عنه أنه يزيد بعد ذلك " أن الله هو السميع العليم " وهذا كله واسع وكيفما
استعاذ فحسن (مسألة) (ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) قراءة بسم الله
الرحمن الرحيم مشروعة في الصلاة في أول الفاتحة وأول كل سورة في قول أكثر
أهل العلم، وقال مالك والاوزاعي لا يقرؤها في أول الفاتحة لحديث أنس، وعن
ابن عبد الله بن المغفل قال سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم
فقال أي بني محدث، إياك والحدث، قال ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام - يعني منه - فإني صليت مع
النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا
منهم يقولها فلا تقلها فإذا صليت فقل (الحمد لله رب العالمن) رواه الترمذي
وقال حديث حسن ولنا ما روى عن نعيم المجمر أنه قال صليت وراء أبي هريرة
فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن وقال والذي نفسي بيده إني
لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي، وروى ابن المنذر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله
الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين.
فأما حديث أنس فقد سبق جوابه ثم يحمل على ان الذي كان يسمع منهم الحمد لله
رب العالمين وقد جاء مصرحاً به فروى شعبة وشيبان عن قتادة قال سمعت أنس بن
مالك قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا
منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ كلهم يخفي بسم الله الرحمن
الرحيم، وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر بسم الله الرحمن
(1/517)
الرحيم وأبا بكر وعمر، رواه ابن شاهين،
وحديث عبد الله بن المغفل محمول على هذا أيضاً جمعاً بين الأخبار، ولأن
مالكا قد سلم أنه يستفتح بها في غير الفاتحة والفاتحة أولى لأنها أول
القرآن وفاتحته (مسألة) (وليست من الفاتحة وعنه أنها منها ولا يجهر بشىء من
ذلك) قد مضى ذكر الاستفتاح ولا نعلم خلافاً في أنه لا يجهر بالاستعاذة،
فأما بسم الله الرحمن الرحيم فالجهر بها غير مسنون عند أحمد رحمه الله لا
اختلاف عنه فيه، قال الترمذي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين منهم أبو بكر وعمر وعثمان
وعلي رضي الله عنهم وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وعمار وابن الزبير وهو
قول الحكم وحماد والاوزاعي والثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي، ويروى الجهر
بها عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي لحديث أبي هريرة
أنه قرأ بها في الصلاة وقد قال ما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسمعناكم وما أخفي علينا أخفينا عنكم متفق عليه، وعن أنس أنه صلى وجهر ببسم
الله الرحمن الرحيم وقال أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما
تقدم من حديث أم سلمة ولأنها آية من الفاتحة فيجهر بها الإمام في صلاة
الجهر كسائر آياتها ولنا ما ذكرنا من حديث أنس وعبد الله بن المغفل، وعن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة
بالحمد لله رب العالمين، متفق عليه وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال الله تعالى " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " لم يذكر فيه بسم
الله الرحمن الرحيم يدل على أنه لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم، وأما
حديث أبي هريرة الذي احتجوا به فليس فيه أنه جهر بها ولا يمتنع أن يسمع منه
حال الإسرار كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي صلى الله عليه وسلم مع
إسراره بهما فقد روي انه كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر من رواية
أبي قتادة
(1/518)
متفق عليه، وكذلك حديث أم سلمة ليس فيه ذكر
الجهر وباقي أخبار الجهر ضعيفة لأن رواتها هم
رواة الإخفاء بإسناد صحيح ثابت لا يختلف فيه فدل على ضعف ما يخالفه، وقد
بلغنا أن الدارقطني قال: لم يصح في الجهر حديث (فصل) وليست من الفاتحة في
إحدى الروايتين عن أحمد وهي المنصورة عند أصحابنا، وهو قول أبي حنيفة ومالك
والاوزاعي، ثم اختلف عن أحمد فيها فقيل هي آية منفردة كانت تنزل بين كل
سورتين فصلا بين السور (1) وقيل عنه إنها هي بعض آية من سورة النمل (إنه من
سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) (والرواية الثانية) أنها آية من
الفاتحة خاصة تجب قراءتها في الصلاة أولا اختارها أبو عبد الله بن بطة وأبو
حفص وهو قول ابن المبارك والشافعي واسحاق وأبي عبيد، قال عبد الله بن
المبارك: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية،
وكذلك قال الشافعي لحديث أم سلمة.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قرأتم (الحمد لله رب
العالمين) فاقرءوا (بسم الله الرحمن الرحيم) فإنها أم الكتاب وإنها السبع
المثاني " وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ولأن الصحابة رضي الله عنهم
أثبتوها في المصاحف ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن، ووجه الرواية
الأولى ما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال
الحمد لله رب العالمين، قال الله حمدني عبدي فإذا قال (الرحمن الرحيم) قال
الله أثنى علي عبدي فإذا قال (مالك يوم الدين) قال الله مجدني عبدي فإذا
قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما
سأل فإذا قال (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب
عليهم ولا الضالين) قال " هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " رواه مسلم فلو كانت
بسم الله الرحمن الرحيم آية لعدها وبدأ بها ولم
__________
1) هذا القول لا يصدق علي بسملة الفاتحة فانها الاولي باجماع الصحابة كما
سيأتي 1) فيه ان البسملة لله تعالى وحده فان القارئ يعنى به أنه يقرأ أو
يصلى باسم الله على أن هذا منه بدأ واليه يعود وله يتلي ويصلي (قل إن صلاتي
ونسكي ومحيائي ومماتي لله رب العالمين)
(1/519)
يتحقق التنصيف، فإن قيل فقد روى عبد الله
بن زياد بن سمعان " يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم
الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي " قلنا ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به
قاله الدارقطني وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سورة هي ثلاثون
آية شفعت لقارئها ألا وهي تبارك الذي بيده الملك " وهي ثلاثون آية سوى بسم
الله الرحمن الرحيم ولأن مواضع الآي كالآي في أنها لا تثبت إلا بالتواتر
ولا تواتر في هذا.
فأما حديث أم سلمة فلعله من رأيها أو نقول هي آية مفردة للفصل بين السور
وحديث أبي هريرة موقوف عليه فان راويه أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد بن
جعفر عن نوح بن أبي بلال قال أبو بكر: راجعت فيه نوحا فوقفه، وإما إثباتها
بين السور فللفصل بينها ولذلك كتبت سطرا على حدتها والله أعلم.
(1/520)
(مسألة) (ثم يقرأ الفاتحة وفيها إحدى عشرة
تشديدة) قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به في المشهور عن
أحمد وهو قول مالك والثوري والشافعي واسحاق.
وروي عن عمر وعثمان ابن أبي العاص وخوات بن جبير رضي الله عنهم أنهم قالوا
لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب.
وروى عن أحمد أنها لا تتعين ويجزئ قراءة آية من القرآن أي آية كانت وهو قول
أبي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم اقرأ ما تيسر
معك من القرآن " وقول الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) ولأن الفاتحة
وسائر القرآن سواء في سائر الأحكام كذلك في الصلاة
(1/521)
ولنا ما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " متفق عليه.
ولأن القراءة ركن في الصلاة فكانت معينة كالركوع والسجود.
فأما خبرهم فقد روى الشافعي بإسناده عن رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال للأعرابي " ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء
(1/522)
الله أن تقرأ " ثم يحمل على الفاتحة وما
تيسر معها ويحتمل أنه إن لم يكن يحسن الفاتحة وكذلك نقول في الآية يجوز أن
يكون أراد الفاتحة وما تيسر ويحتمل أنها نزلت قبل نزول الفاتحة، والمعنى
الذي ذكروه أجمعنا على خلافه فإن من ترك الفاتحة كان مسيئا بخلاف بقية
السور وتشديدات الفاتحة إحدى عشرة
(1/523)
بغير خلاف أولها اللام في لله والباء في رب
والراء في الرحمن وفي الرحيم والدال في الدين وفي إياك وإياك تشديدتان وفي
الصراط على الصاد وعلى اللام في الذين وفي الضالين تشديدتان في الضاد
واللام وإذا قلنا البسملة منها صار فيها أربع عشرة تشديدة (فصل) وتجب قراءة
الفاتحة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد في الصحيح من المذهب
(1/524)
وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي، وعن أحمد
أنها لا تجب في ركعتين من الصلاة.
ونحوه يروى عن النخعي والثوري وأبي حنيفة، وروي نحوه عن الأوزاعي أيضا لما
روي عن علي رضي الله عنه أنه قال اقرأ في الأوليين وسبح في الآخريين ولأن
القراءة لو وجبت في بقية الركعان لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين،
وعن الحسن أنه أن قرأ في ركعة واحدة أجزأه.
وقالت طائفة إن ترك قراءة القرآن في ركعة واحدة سجد للسهو لا في الصبح فإنه
يعيد روي هذا عن مالك، وروي عن إسحاق أنه قال: إذا قرأ في ثلاث ركعات إماما
أو منفردا فصلاته جائزة وذلك لقول الله تعالى (فاقرؤا ما تيسر منه) ولنا ما
روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين
بأم الكتاب وسورتين ويطول الأولى ويقصر الثانية، ويسمع الآية أحيانا، وفي
الركعتين الأخريين بأم الكتاب وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " متفق
عليهما، ورى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة لمن لم
يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب " وعنه وعن عبادة بن الصامت قالا أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة، رواهما اسماعيل
بن سعيد الشالنجي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسئ في صلاته كيف
يصلي الركعة الأولى ثم قال " وافعل ذلك في صلاتك كلها " فيتناول الأمر
بالقراءة، وحديث علي يرويه الحارث الأعور، قال الشعبي: كان كذابا ولو صح
فقد خالفه عمر وجابر والإسرار بها لا ينفي وجوبها كالأوليين في الظهر (فصل)
وأقل ما يجزئ قراءة مسموعة يسمعها نفسه أو يكون بحيث يسمعها لو كان سمعيا
إلا
(1/525)
أن يكون ثم ما يمنع السماع كقولنا في
التكبير فإن ما دون ذلك ليس بقراءة، والمستحب أن يأتي بها مرتبة معربة يقف
فيها عند كل آية ويمكن حروف المد واللين ما لم يخرجه ذلك إلى التمطيط لقول
الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وروي عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول
الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان يقطع قراءته آية آية (بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) من المسند.
وعن أنس قال: كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا مدا ثم قرأ بسم
الله الرحمن الرحيم يمد باسم ويمد الرحمن ويمد الرحيم، أخرجه البخاري.
فإن أخرجه ذلك إلى التمطيط والتلحين كان مكروها لأنه ربما جعل الحركات
حروفا، قال أحمد: يعجبني من قراءة القرآن السهلة وقال قوله " زينوا القرآن
بأصواتكم " قال: يحسنه بصوته من غير تكلف، وقد روي في خبر " أحسن الناس
قراءة من إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله " وروي " أن هذا القرآن نزل
بحزن فاقرءوه بحزن " (مسألة) (فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها
بذكر كثير أو سكوت طويل لزمه استئنافها) وجملة ذلك أنه يلزمه أن يأتي
بقراءة الفاتحة مرتبة مشددة غير ملحون فيها لحنا يحيل المعنى مثل أن يكسر
كاف إياك أو يضم تاء أنعمت أو يفتح ألف الوصل في اهدنا فإن أخل بالترتيب أو
لحن فيها لحنا
(1/526)
يحيل المعنى لم يعتد بها لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقرؤها مرتبة وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " إلا
أن يعجز عن غير هذا، وكذلك إن أخل بتشديدة منها، ذكر القاضي نحو هذا في
المجرد وهو قول الشافعي، وذكر في الجامع لا تبطل بترك شدة لأنها غير ثابتة
في خط المصحف وإنما هي صفة للحرف ويسمى تاركها قارئا، والصحيح الأول لأن
الحرف المشدد أقيم مقام حرفين بدليل أن شدة راء الرحمن أقيمت مقام اللام
وكذلك شدة دال الدين.
فإذا أخل بها أخل بالحرف وغير المعنى إلا أن يريد أنه أظهر المدغم مثل أن
يظهر لام الرحمن فهذا يصح لأنه إنما ترك الإدغام وهو لحن لا يحيل المعنى،
قال القاضي: ولا يختلف المذهب أنه إذا لينها ولم يخففها على الكمال أنه لا
يعيد الصلاة لأن ذلك لا يحيل المعنى ويختلف باختلاف الناس ولعله أراد في
الجامع هذا فيكون قوله متفقا، ولا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على
حرف ساكن لأنها أقيمت مقامه فإذا زادها عن ذلك زادها عما أقيمت مقامه فيكره
(فصل) فإن قطع قراءة الفاتحة بذكر أو دعاء أو قراءة أو سكوت وكان يسيرا أو
فرغ الإمام من الفاتحة في أثناء قراءة المأموم فقال آمين لم تنقطع قراءته
لقول أحمد إذا مرت به آية رحمة سأل، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ لأنه يسير
فعفي عنه، وإن كثر ذلك استأنف قراءتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقرؤها متوالية، فإن كان السكوت مأمورا به كالمأموم شرع في قراءة الفاتحة
ثم سمع قراءة الإمام فينصت له فإذا سكت الإمام أتم قراءته وأجزأه.
أومى إليه أحمد وكذلك إن سكت نسيانا أو
(1/527)
نوما أو لانتقاله إلى غيرها غلطا ومتى ما
ذكر أتى بما بقي منها فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره لزمه استئنافها كما
لو ابتدأ بذلك، فإن نوى قطع قراءتها من غير أن يقطعها لم تنقطع لأن
الاعتبار بالفعل لا بالنية.
وكذا إن سكت مع النية سكوتا يسيرا لما ذكرنا أن النية لا عبرة بها ذكره
القاضي في المجرد وذكر في الجامع أنه متى سكت مع النية أبطلها وأنه متى عدل
إلى قراءة غيرها عمدا أو دعاء غير مأمور به بطلت قراءته ولم يفرق بين قليل
وكثير.
وإن قدم آية منها في غير موضعها عمدا أبطلها وإن كان غلطا رجع فأتمها قال
شيخنا: والأولى إن شاء الله ما ذكرناه لأن المعتبر في القراءة وجودها لا
نيتها فمتى قرأها متواصلة تواصلا قريبا صحت كما لو كان ذلك عن غلط والله
أعلم (مسألة) (فإذا قال ولا الضالين قال آمين) التأمين عند الفراغ من قراءة
الفاتحة سنة للإمام والمأموم، روى ذلك عن ابن عمر وابن الزبير وهو قول
الثوري وعطاء والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي.
وقال أصحاب مالك: لا يسن التأمين للإمام لما روى أبو هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له " رواه مالك، وهذا دليل
على أنه لا يقولها ولنا ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من
(1/528)
وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له " متفق
عليه.
وعن وائل ابن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال " ولا الضالين "
قال " آمين " ورفع بها صوته، رواه أبو داود، وحديثهم لا حجة لهم
فيه وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم وهو موضع تأمين الإمام ليكون تأمين
الإمام والمأمومين موافقا تأمين الملائكة وقد جاء هذا مصرحا به، فروى
الإمام أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال
الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين
فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " وقوله في اللفظ
الآخر " إذا أمن الإمام " يعني إذا شرع في التأمين (مسألة) (يجهر بها
الإمام والمأموم في صلاة الجهر) الجهر بآمين للإمام والمأموم سنة، وقال أبو
حنيفة ومالك في إحدى الروايتين: يسن إخفاؤها لأنه دعاء أشبه دعاء التشهد.
ولنا حديث وائل بن حجر الذي ذكرناه، وقال عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن
ويؤمنون حتى إن للمجسد للجة، رواه الشافعي في مسنده.
وما ذكروه يبطل بآخر الفاتحة فان دعاء ويسن الجهر به وفي آمين لغتان قصر
الألف ومدهامع التخفيف فيها، قال الشاعر تباعد مني فطحل إذ دعوته + + +
أمين فزاد الله ما بيننا بعدا وأنشد في المد يا رب لا تسلبني حبها أبدا + +
+ ويرحم الله عبدا قال آمينا ومعناها اللهم استجب.
قاله الحسن، وقيل هو اسم من أسماء الله عزوجل، ولا يشدد الميم لأنه يخل
بالمعنى فيصير بمعنى قاصدين (فصل) فإن نسي الإمام التأمين أمن المأموم ورفع
بها صوته ليذكر الإمام لأنه من سنن الأقوال
(1/529)
فإذا تركها الإمام أتى بها المأموم
كالاستعاذة، وإن أخفاها الإمام جهر بها المأموم لما ذكرنا فإن ترك التأمين
حتى شرع في قراءة السورة لم يعد إليه لأنه سنة فات محلها (مسألة) (فإن لم
يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن تعلمها قرأ قدرها في عدد الحروف وقيل في عدد
الآيات من غيرها فان لم يحسن إلا آية كررها بقدرها) وجملة ذلك أن من لم
يحسن الفاتحة يلزمه تعلمها لأنه واجب في الصلاة فلزمه تحصيله إذا أمكنه
كشروطها فان لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته، فإن لم يقدر أو خشي فوات
الوقت سقط، فان
كان يحسن منها آية أو أكثر كررها بقدرها لا يجزئه غير ذلك، ذكره القاضي لأن
ذلك أقرب إليها من غيرها وقال ابن أبي موسى: لا يكررها وكذلك إن لم يحسن من
القرآن إلا آية.
ويحتمل أن يأتي ببقية الآي من غيرها كمن وجد بعض الماء فإنه يغسل به ويعدل
إلى التيمم، ذكر القاضي هذا الاحتمال في الجامع ولأصحاب الشافعي وجهان
كهذين.
فأما إن عرف بعض آية لم يكررها وعدل إلى غيرها لأن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر الذي لا يحسن الفاتحة أن يقول الحمد لله وغيرها وهي بعض آية ولم
يأمره بتكرارها، فإن لم يحسن شيئا منها وأحسن غيرها من القرآن قرأ منه
بقدرها إن قدر عليه لا يجزئه غير ذلك لما روى أبو داود عن رفاعة ابن رافع
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أقيمت الصلاة فإن كان معك قرآن
فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره " ويجب أن يقرأ بعدد آياتها، وهل
يعتبر أن يكون بعدد حروفها؟ فيه وجهان أظهرهما اعتبار ذلك اختاره القاضي
وابن عقيل لأن الحرف مقصود بدليل تقدير الحسنات به فاعتبر كالآي (والثاني)
تعتبر الآيات ولا يعتبر عدد الحروف بدليل أنه لا يكفي عدد الحروف دونها
فأشبه من فاته صوم يوم طويل لا يعتبر في القضاء صوم يوم طويل مثله (وفيه
وجه ثالث) أنه يكفيه أن يقرأ بعدد الحروف ولا يعتبر عدد الآيات وهو ظاهر
كلام شيخنا ههنا لأن الثواب مقدر بالحروف فكفى اعتبارها، فإن لم يحسن إلا
آية كررها بقدرها فكان بمثابة من قرأها لأنها من جنس الواجب (مسألة) (فإن
لم يحسن شيئا من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى ولزمه أن يقول:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا
بالله) لا يجوز له القراءة بغير العربية سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم
يحسن وهو قول الشافعي وقول
(1/530)
أبي يوسف ومحمد إذا كان لا يحسن وبه قال
بعض أصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة يجوز ذلك لقوله تعالى (وأوحي إلي هذا
القرآن لأنذركم به ومن بلغ) وإنما ينذر كل قوم بلسانهم ولنا قول الله تعالى
(قرآنا عربيا) وقوله (بلسان عربي مبين) ولأن القرآن لفظه ومعناه معجزة فإذا
غير خرج عن نظمه ولم يكن قرآنا ولامثله وإنما يكون تفسيرا له ولو كان
تفسيره مثله لما عجزوا عنه إذا تحداهم بالإتيان بسورة من مثله، أما الإنذار
فإذا فسره لهم حصل بالمفسر لا بالتفسير،
إذا ثبت هذا فإنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لما روى أبو داود قال جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن أخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما
يجزئني منه فقال تقول " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " قال هذا لله فما لي؟ قال تقول " اللهم
اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني " ولا تلزمه الزيادة على الخمس
الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها وإنما زاده عليها حين طلب
الزيادة.
وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يزيد على الخمس كلمتين حتى يكون مقام سبع آيات
فقال ابن عقيل يكون ما أتى به على قدر حروف الفاتحة كما قلنا فيما إذا قرأ
من غيرها، والحديث يدل على أن الخمس المذكورة مجزئة ولا يلزم عليه القراءة
من غير الفاتحة حيث لزم أن يكون بعدد آياتها لأن هذا بدل من غير الجنس أشبه
التيمم (مسألة) (فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدرها) كما قلنا فمين يحسن
بعض الفاتحة.
قال شيخنا ويحتمل أن يجزئه الحمد والتهليل والتكبير لقول النبي صلى الله
عليه وسلم " فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره " رواه
أبو داود (مسألة) (فإن لم يحسن شيئا من الذكر وقف بقدر القراءة) لأن الوقوف
كان واجبا مع القراءة فإذا عجز عن أحد الواجبين بقي الآخر على وجوبه ولأن
القيام ركن فلم يسقط بالعجز عن غيره كسائر الأركان
(1/531)
(فصل) ويستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة
الفاتحة سكتة يستريح فيها ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة كيلا ينازع فيها وهذا
قول الشافعي واسحاق، وكرهه مالك وأصحاب الرأي ولنا ما روى أبو داود وابن
ماجة أن سمرة حدث أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين؟ سكتة
إذا كبر وسكتة إذا فرغ من (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فأنكر عليه
عمران فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ
(مسألة) (ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي
المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه) قراءة السورة بعد الفاتحة في
الركعتين الأوليين من كل صلاة مستحب لا نعلم
فيه خلافاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة وفي
حديث أبي برزة واشتهر ذلك في صلاة الجهر ونقل نقلا متواترا وأمر به معاذا
فقال: اقرأ " بالشمس وضحاها " الحديث متفق عليه.
ويسن أن يفتتح السورة ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد وافق مالك على ذلك ويسر
بها في السورة كما يسر بها في أول الفاتحة والخلاف ههنا كالخلاف ثم (فصل)
ويستحب أن تكون القراءة على الصفة التي ذكر لما روى جابر بن سمرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد ونحوها، وكانت
صلاته بعد إلى التخفيف، رواه مسلم وعن عمرو بن حريث قال: كأني أسمع صوت
النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة (فلا أقسم بالخنس الجوار
الكنس) رواه ابن ماجه.
وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر
والعصر بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق) وشبههما أخرجه أبو داود، وعنه
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو
ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك، أخرجه مسلم.
وروى البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون في
السفر متفق عليه.
وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب قل يا
أيها الكافرون، وقل هو الله أحد أخرجه ابن ماجة وروي مسلم أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لمعاذ " أفتان أنت يا معاذ يكفيك أن تقرأ بالشمس
وضحاها، والضحى والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى " وكتب عمر إلى أبي
موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل، واقرأ في الظهر بأوساط المفصل، واقرأ
في المغرب بقصار المفصل، رواه أبو حفص بإسناده
(1/532)
(فصل) وإن قرأ على خلاف ذلك فلا بأس فإن
الأمر في ذلك واسع، فقد روي انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح
بالستين إلى المائة متفق عليه.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بالروم، أخرجه النسائي.
وعن عبد الله بن السائب قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح
بالمؤمنين، فلما أتى على ذكر عيسى أصابته شرقة فركع، رواه ابن ماجه.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالمرسلات.
وعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور
متفق عليه، وروى زيد بن ثابت أنه قرأ فيها الاعراف، وعن رجل من
جهينة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في
الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم فعل ذلك
عمدا، رواهما أبو داود، وعنه أنه قرأ في الصبح بالمعوذتين وكان صلى الله
عليه وسلم يطيل تارة ويقصر بالأخرى على حسب الأحوال، وقال الخرقي يقرأ في
الظهر في الأولى بنحو ثلاثين آية وفي الثانية بأيسر من ذلك، وفي العصر على
النصف من ذلك لما روى أبو سعيد قال: اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالوا: تعالوا حتى نقيس قراءة رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما لم يجهر فيه من الصلاة فما اختلف رجلان فقاسوا قراءته في الركعة
الأولى من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك
وقاسوا ذلك في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الآخريين من الظهر،
رواه ابن ماجه (فصل) ولا بأس بقراءة السورة في الركعتين قال أحمد في رواية
أبي طالب واسحاق بن إبراهيم لما روى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه
وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما رواه سعيد، وعن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم البقرة في الركعتين، رواه ابن ماجه،
وسئل أحمد عن الرجل يقرأ بسورة ثم يقوم فيقرأ بها الركعة الأخرى فقال: وما
بأس بذلك لما ذكرنا من حديث الجهني رواه أبو داود قال حرب: قلت لاحمد الرجل
يقرأ على التأليف في الصلاة اليوم السورة وغدا التي تليها؟ قال ليس في هذا
شئ إلا أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده.
وقال منها: سألت أحمد عن الرجل يقرأ في الصلاة حيث ينتهي جزؤه قال لا بأس
به في الفرائض.
(مسألة) (ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء)
الجهر في هذه المواضع مجمع على استحبابه ولم يختلف المسلمون في مواضعه،
والأصل فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف،
فإن جهر في موضع الأسرار وأسر في موضع الجهر ترك السنة
(1/533)
وأجزأه.
وقال القاضي: إن فعل ذلك عامداً صحت صلاته في ظاهر كلامه، ومن أصحابنا من
قال تبطل وإن فعله ناسيا لم تبطل إلا أنه إذا جهر في موضع الإسرار ناسيا ثم
ذكر في أثناء قراءته بنى على قراءته وإن نسي فأسر في موضع الجهر ففيه
روايتان (إحداهما) يمضي في قراءته كالتي قبلها (والثانية) يستأنف القراءة
جهرا على سبيل الاختيار لا الوجوب والفرق بينهما أن الجهر زياة قد حصل بها
المقصود وزيادة فلا حاجة الى إعادته.
والإسرار نقص فاتت به سنة تتضمن مقصودا وهو سماع
المأمومين القراءة وقد أمكنه الإتيان بها فينبغي أن يأتي بها (فصل) ولا
يشرع الجهر للمأموم بغير خلاف لأنه مأمور بالاستماع للإمام والإنصات له ولا
يقصد منه إسماع أحد، فأما المنفرد مخير في ظاهر كلامه، وكذلك من فاته بعض
الصلاة مع الإمام فقام ليقضيه فروي ذلك عن الأثرم قال إن شاء جهر وإن شاء
خافت إنما الجهر للجماعة، وكذلك قال طاوس والاوزاعي فيمن فاته بعض الصلاة
ولا فرق بين القضاء والأداء وقال الشافعي يسن للمنفرد لأنه غير مأمور
بالإنصات أشبه الإمام ولنا أنه لا يراد منه اسماع غيره أشبه المأموم في
سكتات الإمام بخلاف الإمام فإنه يقصد إسماع المأمومين فقد توسط المنفرد بين
الإمام والمأموم ولذلك كان مخيرا في الحالين (فصل) فإن قضى الصلاة في جماعة
وكانت صلاة نهار أسر سواء قضاها ليلاً أو نهاراً لا نعلم فيه خلافا لأنها
صلاة نهار وإن كانت صلاة ليل فقضاها ليلا جهر في ظاهر كلامه لأنها صلاة ليل
فعلها ليلا فجهر فيها كالمؤداة وإن قضاها نهارا احتمل أن لا يجهر وهو مذهب
الشافعي والاوزاعي لأنها مفعولة في النهار وصلاة النهار عجماء، وقد روى أبو
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا رأيتم من يجهر بالقراءة في
صلاة النهار فارجموه بالبعر " رواه أبو حفص بإسناده واحتمل أن يجهر فيها
وهو قول أبي حنيفة وابن المنذر وأبي ثور ليكون القضاء كالأداء ولا فرق عند
هؤلاء بين الامام والمنفرد ظاهر كلام أحمد أنه غير بين الأمرين (مسألة)
(وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان لم تصح صلاته وعنه تصح) لا يستحب له أن
يقرأ بغير ما في مصحف عثمان ونقل عن أحمد أنه كان يختار قراءة نافع من طريق
إسماعيل بن جعفر فإن لم يكن فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وأثنى على
قراءة أبي عمر ولم يكره قراءة
(1/534)
أحد من العشرة إلا قراءة حمزة والكسائي لما
فيها من الكسر والإدغام والتكلف وزيادة المد، وقد روي عن زيد بن ثابت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نزل القرآن بالتفخيم " وعن ابن عباس
قال: نزل القرآن بالتفخيم والتثقيل نحو الجمعة وأشباه ذلك ولأنها تتضمن
الإدغام الفاحش وفيه إذهاب
حروف كثيرة من كتاب الله تعالى ينقص بإدغام كل حرف عشر حسنات، ورويت
كراهتها والتشديد فيها عن جماعة من السلف منهم الثوري وابن مهدي ويزيد بن
هارون وسفيان بن عيينة فروي عنه أنه قال لو صليت خلف إنسان يقرأ قراءة حمزة
لأعدت صلاتي، وقال أبو بكر بن عياش قراءة حمزة بدعة، وقال ابن إدريس ما
أستخير أن أقول يقرأ بقراءة حمزة أنه صاحب سنة، قال بشر بن الحارث: يعيد
إذا صلى خلف إمام يقرأ بها.
وروى عن أحمد التسهيل في ذلك، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله إمام يصلي
بقراءة حمزة أصلي خلفه؟ قال لا تبلغ بهذا كله ولكنها لا تعجبني (فصل) فإن
قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان كقراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام
متتابعات) وغيرها كره له ذلك لأن القرآن يثبت بطريق التواتر ولا تواتر فيها
ولا يثبت كونها قرآنا وهل تصح صلاته إذا كان مما صحت به الرواية واتصل
إسنادها؟ على روايتين (إحداهما) لا تصح صلاته لذلك
(1/535)
(والثانية) تصح لأن الصحابة رضي الله عنهم
كانوا يصلون بقراءتهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وكانت صلاتهم
صحيحة.
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما
أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد " وكان الصحابة رضي الله عنهم يصلون
بقراآت لم يثبتها عثمان في المصحف لا يرى أحد منهم تحريم ذلك ولا بطلان
صلاتهم به (فصل) فإذا فرغ من القراءة ثبت قائما وسكت حتى يرجع إليه نفسه
قبل أن يركع ولا يصل قراءته
(1/536)
بتكبير الركوع قاله أحمد لأن في حديث سمرة
في بعض رواياته فإذا فرغ من القراءة سكت، رواه أبو داود
(1/537)
(مسألة) (ثم يرفع يديه ويركع مكبرا فيضع
يديه على ركبتيه ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا
يخفضه) الكلام في هذه المسألة في ثلاثة أمور (أحدها) في رفع اليدين،
ورفعهما في تكبيرة الركوع مستحب: ويرفعهما إلى فروع أذنيه ويكون ابتداء
الفرع مع ابتداء التكبير، وانتهاؤه مع انتهائه كما قلنا في ابتداء الصلاة،
وهذا قول ابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وابن الزبير
وأنس رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وعطاء وطاووس وابن المبارك، والشافعي
مالك في أحد قوليه وقال الثوري وأبو حنيفة والنخعي لا يرفعهما لما روي عن
عبد الله بن مسعود أنه قال: أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة، حديث حسن.
وروي يزيد بن زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلا ثم لا يعود، رواه أحد بمعناه
قالوا: والعمل في هذين الحديثين الاولين أولى لأن ابن مسعود كان فقيها
مالازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم عالما بأحواله فتقدم روايته على
غيره ولنا ما روى عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما
يرفع رأسه من الركوع، متفق عليه، وقد ذكرنا حديث أبي حميد وفيه الرفع، رواه
في عشرة من الصحابة منهم أبو قتادة فصدقوه، ورواه عمر وعلي ووائل ابن حجر
ومالك بن الحويرث وأنس وأبو هريرة وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة
وأبو موسى فصار كالمتواتر الذي لا يتطرق إليه شك بصحة سنده وكثرة رواته
وعمل به الصحابة والتابعون
(1/538)
وأنكروا على من تركه، فروي أن ابن عمر كان
إذا رأى من لا يرفع حصبه وأمره أن يرفع وحديثاهم ضعيفان، فحديث ابن مسعود
قال ابن المبارك لم يثبت، وحديث البراء قال أبو داود: هذا حديث ليس بصحيح -
ولو صحا كان الترجيح لأحاديثنا لأنها أصح إسنادا وأكثر رواة ولأنهم مثبتون
والمثبت يقدم على النافي ولأنه قد عمل به السلف من الصحابة والتابعين،
وقولهم أن ابن مسعود إمام، قلنا لا ننكر فضله وإمامته، أما بحيث يقدم على
عمر وعلي فلا ولا يساوي واحدا منهما فكيف تقدم روايته؟ (الأمر الثاني)
الركوع وهو واجب في الصلاة بالنص والإجماع قال الله تعالى (يا أيها الذين
آمنوا اركعوا واسجدوا) وأجمعوا على وجوب الركوع على القادر عليه (الأمر
الثالث) التكبير فيه وهو مشروع في كل خفض ورفع في قول أكثر أهل العلم منهم
ابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي
وعوام علماء الأمصار، وروي عن عمر بن عبد العزيز وسالم والقاسم وسعيد بن
جبير أنهم كانوا لا يتمون التكبير لما روى عبد الرحمن بن أبي أنه صلى مع
النبي صلى الله عليه وسلم فكان
لا يتم التكبير، يعني إذا خفض وإذا رفع، رواه الإمام أحمد ولنا ما روى أبو
هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين
يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع
ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع
رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة
كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس، متفق عليه.
وعن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع
وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر، رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح.
وقال النبي
(1/539)
صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني
أصلي " وقال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا " متفق عليه ولأنه
شروع في ركن فشرع فيه التكبير كحالة الابتداء (فصل) ويستحب أن يضع يديه على
ركبتيه ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول عامة أهل العلم،
وذهب قوم من السلف إلى التطبيق وهو أن يجعل المصلي أحد كفيه على الأخرى ثم
يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ، قال مصعب بن
سعد: ركعت فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني أبي وقال إنا كنا نفعل هذا فنهينا
عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب متفق عليه.
وفي حديث أبي حميد رأيته إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ويستحب أن يفرج
أصابعه لما روى وائل بن حجر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع فرج
أصابعه، رواه البيهقي (فصل) ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه لأن
في حديث أبي حميد في صفة الركوع ثم هصر ظهره، وفي لفظ ثم اعتدل فلم يصوب
رأسه ولم يقنع، وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم
يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك، متفق عليه.
وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ركع لو كان قدح ماء
على ظهره ما تحرك وذلك لاستواء ظهره، ويستحب أن يجافي عضديه عن جنبيه فإن
في حديث أبي حميد النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض
عليهما ووتر أيديه فنحاهما عن جنبه، صحيح
(1/540)
(مسألة) (وقدر الإجزاء الانحناء بحيث يمكنه
مس ركبتيه بيديه لأنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به ولا يلزمه
وضع يديه على ركبتيه بل ذلك مستحب، فإن كانتا عليلتين لا يمكنه وضعهما
انحنى ولم يضعهما، وإن كانت إحداهما عليلة وضع الآخرى (1) (فصل) وإذا رفع
رأسه وشك هل رفع أو لا؟ أو هل أنى بقدر الإجزاء أو لا؟ لزمه أن يعود فيركع
__________
1) سقط هذا السطر من نسخة الشرح الكبير فنقلناه من المغني وربما كان ما سقط
أكثر
(1/541)
لأن الأصل عدم ما شك فيه إلا أن يكون
وسواسا فلا يلتفت إليه وكذلك حكم سائر الأركان (مسألة) (ثم يقول سبحان ربي
العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال) قول سبحان ربي العظيم مشروع في الركوع، وبه
قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك ليس عندنا في الركوع والسجود شئ محدود
وقد سمعت أن التسبيح في الركوع والسجود ولنا ما روى عقبة بن عامر قال: لما
نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال النبي صلى الله عليه وسلم " اجعلوها في
ركوعكم " وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ركع أحدكم
فليقل سبحان ربي العظيم ثلاث مرات وذلك أدناه " أخرجهما أبو داود وابن
ماجة، وأدنى الكمال ثلاث لما ذكرناء ويجزئه تسبيحة واحدة لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يذكر عددا في حديث عقبة ولأنه ذكر مكررا فأجزأت واحدة
كسائر الأذكار، قال أحمد جاء الحديث عن الحسن البصري أنه قال " التسبيح
التام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث " وقال القضي الكامل في التسبيح إن كان
منفردا
(1/542)
مالا يخرجه إلى السهو وفي حق الإمام مالا
يشق على المأمومين، ويحتمل أن يكون الكامل عشر تسبيحات لأن أنساً روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي كصلاة عمر بن عبد العزيز فحزروا ذلك
بعشر تسبيحات.
وقال الميموني صليت خلف أبي عبد الله فكنت أسبح في الركوع والسجود عشر
تسبيحات وأكثر.
وقال بعض أصحابنا الكمال أن يسبح مثل قيامه لما روى البراء قال: رمقت
محمداً صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد
ركوعه، فسجدته، فجلسته
(1/543)
ما بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين
التسليم والانصراف قريبا من السواء متفق عليه (فصل) إلا أن الأولى للإمام
عدم التطويل لئلا يشق على المأمومين إلا أن يكون الجماعة يرضون بذلك فيستحب
له التسبيح الكامل على ما ذكرنا، وإن قال سبحان ربي العظيم وبحمده فلا بأس
فإنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ركع قال " سبحان ربي
العظيم وبحمده " ثلاثا إذا سجد قال " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثا رواه
أبو داود.
قال أحمد بن نصر روي عن
(1/544)
أحمد أنه سئل: تسبيح الركوع والسجود "
سبحان ربي العظيم وبحمده " أعجب إليك أو " سبحان ربي العظيم؟ " فقال قد جاء
هذا وجاء هذا.
وروي عنه أنه قال: أما أنا فلا أقول وبحمده.
وحكاه ابن المنذر عن الشافعي وأصحاب الرأي لأن هذه الزيادة قال أبو داود:
نخاف أن لا تكون محفوظة والرواية بدونها أكثر (فصل) يكره أن يقرأ في الركوع
والسجود لما روى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن
في الركوع والسجود، قال الترمذي هذا حديث صحيح (مسألة) (ثم يرفع رأسه قائلا
سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه) إذا فرغ من الركوع رفع رأسه
(1/545)
قائلا سمع الله لمن حمده، ويكون انتهاؤه
عند انتهاء رفعه، ويرفع يديه لما روينا من الأخبار، وفي موضع الرفع روايتان
(إحداهما) بعد اعتداله قائما، حكاه أحمد بن الحسين أنه رأى أحمد يفعله لأن
في بعض ألفاظ حديث ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح
الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع (والثانية) يبتدئه
حين يبتدئ رفع رأسه، لان أبا حميد قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ثم قال " سمع الله لمن حمده " ورفع يديه.
وفي حديث ابن عمر في الرفع: وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ويقول "
سمع الله لمن حمده " وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه كقوله إذا
كبر أي إذا أخذ في التكبير ولأنه محل رفع المأموم
فكان محل رفع الإمام كالركوع، فإن الرواية لا تختلف في أن المأموم يبتدئ
الرفع عند رفع رأسه لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال والرفع إنما جعل هيئة
للذكر.
وقول سمع الله لمن حمده مشروع في حق الإمام والمنفرد لا نعلم فيه خلافاً في
المذهب لما ذكرنا من حديث أبي حميد وحديث ابن عمر وروي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لبريدة " يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن
حمده ربنا ولك الحمد " رواه الدارقطني، ويعتدل قائما حتى يرجع كل عضو إلى
موضعه ويطمئن لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا
رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار إلى مكانه متفق عليه، وقالت عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى
يستوي قائما، رواه مسلم
(1/546)
(فصل) وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك لا يجب لأن الله تعالى لم
يأمر به وإنما أمر بالركوع والسجود والقيام فلا يجب غيره.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم ارفع حتى تعتدل
قائما " متفق عليه وداوم على فعله وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي "
وقولهم لم يأمر به، قلنا قد أمر بالقيام وهذا قيام وقد أمر به النبي صلى
الله عليه وسلم وأمره يجب امتثاله.
ويسن الجهر بالتسميع للإمام كم يسن له الجهر بالتكبير قياساً عليه، والله
أعلم (فصل) وإذا قال مكان سمع الله لمن حمده: من حمد الله سمع له، لم
يجزئه.
وقال الشافعي: يجزئه لإتيانه باللفظ والمعنى.
ولنا أنه عكس اللفظ المشروع أشبه ما لو قال في التكبير: الأكبر الله، ولا
نسلم أن المعنى لم يتغير فإن قوله: سمع الله لمن حمده، صيغة تصلح للدعاء،
واللفظ الآخر صيغة شرط وجزاء لا يصلح للذكر فاختلفا (مسألة) (فإذا اعتدل
قائما قال ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد)
قول ربنا ولك الحمد مشروع في حق كل مصل في المشهور عنه، وهو قول أكثر أهل
العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة والشعبي والشافعي وإسحاق وابن
المنذر، وعن أحمد لا يقوله المنفرد فإنه قال في رواية إسحاق في الرجل يصلي
وحده فإذا قال سمع الله لمن حمده، قال ربنا ولك الحمد
(1/547)
فقال إنما هذا للإمام جمعهما وليس هذا لأحد
سوى الإمام لأن الخبر لم يرد به في حقه فلم يشرع له كقول سمع الله لمن حمده
في حق المأموم.
وقال مالك وأبو حنيفة لا يشرع هذا في حق الإمام لا المنفرد لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك
الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له " متفق عليه ولنا أن أبا
هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمع الله لمن حمده حين
يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد.
متفق عليه.
وعن أبي سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه
من الركوع " قال سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء
الارض، وملء ما شئت من شئ بعد " رواه مسلم، وما ذكروه لا حجة لهم فيه فإنه
إن ترك ذكره في حديثهم فقد ذكره في أحاديثنا - ثم يقول الامام ملء السموات
وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد - لما ذكرنا من الأحاديث، والصحيح أن
المنفرد يقول كما يقول الإمام لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لبريدة " يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده، ربنا
ولك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد " رواه الدارقطني،
وهذا عام وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، رواه عنه علي
وابو
(1/548)
هريرة وأبو سعيد وغيرهم ولم يفرقوا بين
كونه إماما أو منفردا، ولأنه ذكر للإمام فشرع للمنفرد كسائر الأذكار.
وذكر القاضي في المنفرد رواية أنه يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد
لا يزيد عليه قال والصحيح أنه يقول مثل الإمام (فصل) ويقول ربنا ولك الحمد
بواو، نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو
وقال روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث، عن أنس، وعن سعيد بن المسبب عن أبي
هريرة، وعن سالم عن ابيه وهو قول مالك، ونقل ابن منصور عن احمد إذا رفع
رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد، رواه أبو سعيد وابن أبي أوفى.
فاستحب الاقتداء به في القولين، وقال الشافعي
السنة قول ربنا لك الحمد، لأن الواو للعطف وليس ههنا شئ يعطف عليه ولنا أن
السنة الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه ذلك، ولأن إثبات
الواو أكثر حروفا ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا إذ التقدير ربنا حمدناك، ولك
الحمد فإنها لما كانت للعطف ولا شئ ههنا يعطف عليه دلت على التقدير الذي
ذكرناه كقولك سبحانك اللهم وبحمدك أي؟ وبحمدك سبحانك وكيفما قال كان حسنا
لأن السنة قد وردت به
(1/549)
(مسألة) فإن كان مأموما لم يزيد على ربنا
ولك الحمد، إلا عند أبي الخطاب.
قال شيخنا لا أعلم خلافاً في المذهب أنه لا يشرع للمأموم قول سمع الله لمن
حمده، وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة ومالك وأصحاب الرأي، وقال
يعقوب ومحمد والشافعي واسحاق يقول ذلك كالإمام لحديث بريدة وقياسا على
الإمام في سائر الأذكار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قال
الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد " وهذا يقتضي أن يكون
قولهم ربنا ولك الحمد عقيب تسميع الإمام بلا فصل لأن الفاء للتعقيب وهذا
ظاهر يجب تقديمه على القياس وعلى حديث بريدة، ولأنه خاص بالمأموم وذلك عام،
ولو تعارضا كان حديثنا أولى لأنه صحيح، وحديث بريدة فيه جابر الجعفي، فأما
قول ملء السماء وما بعده فظاهر المذهب أنه لا يسن للمأموم، اختاره الخرقي
ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره، واختاره أكثر أصحابه لأن النبي صلى
الله عليه وسلم اقتصر على أمرهم بقول " ربنا ولك الحمد " فدل على أنه لا
يشرع لهم سواه، ونقل الأثرم عنه ما يدل على أنه مسنون وهو أنه قال: ليس
يسقط خلف الإمام عنه غير سمع الله لمن حمده اختاره أبو الخطاب وهو قول
الشافعي لأنه ذكر مشروع في الصلاة أشبه سائر الأذكار (فصل) وموضع قول ربنا
ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد القيام من الركوع لانه في حال
(1/550)
قيامه يقول سمع الله لمن حمده فقوله قولوا
ربنا ولك الحمد يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم، والمأموم يأخذ في
الرفع عقيب قول الإمام سمع الله لمن حمده فيكون قوله ربنا ولك الحمد حينئذ
والله أعلم
(فصل) وإن زاد على قول ربنا ولك الحمد: ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت
من شئ بعد - فقد اختلف عن أحمد فيه، فروي عنه أنه قيل له أتزيد على هذا
فتقول أهل الثناء والمجد؟ فقال: قد روي ذلك وأما أنا فأقول هذا إلى: ما شئت
من شئ بعد، فظاهر هذا أنه لا يستحب ذلك في الفريضة اتباعا لأكثر الأحاديث
الصحيحة، ونقل عنه أبو الحارث أنه قال: وأنا أقول ذلك؟ يعني أهل الثناء
والمجد، فظاهره أنه يستحب، اختاره أبو حفص وهو الصحيح لما روى أبو سعيد
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال " اللهم
ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الارض، وملء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء
والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما
منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال " اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات
وملء الارض، وملء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت،
ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وروى عبد الله بن أبي أوفى
بعد قوله " وملء ما شئت من شئ بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء
البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس "
رواهن مسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القيام بين الركوع
والسجود.
قال أنس: كان
(1/551)
النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله
لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد
أوهم وليست حالة سكوت فنعلم أنه عليه السلام كان يزيد على هذه الكلمات
لكونها لا تستغرق هذا القيام كله (فصل) وإذا رفع رأسه من الركوع فعطس فقال
ربنا ولك الحمد ينوي بذلك للعطسة والرفع فروي عنه لا يجزئه لأنه لم يخلصه
للرفع، قال شيخنا: والصحيح أنه يجزئه لأنه ذكر لا تعتبر له النية وقد اتى
به فأجزئه كما لو قاله ذاهلا ويحمل قول أحمد على الاستحباب لا على نفي
الإجزاء حقيقة (فصل) وإذا أتى بقدر الإجزاء من الركوع فاعترضته علة منعته
القيام سقط عنه الرفع لتعذره ويسجد عن الركوع، فإن زالت العلة قبل سجوده
فعليه القيام، وإن زالت بعد سجوده إلى الأرض
سقط القيام لأن السجود قد صح وأجزأ فسقط ما قبله، فإن قام من سجوده عالما
بتحريم ذلك بطلت صلاته لأنه زاد في الصلاة فعلا وإن كان جاهلاً أو ناسياً
لم تبطل ويعود إلى جلسة الفصل ويسجد للسهو (فصل) وإن أراد الركوع فوقع إلى
الأرض فإنه يقوم فيركع، وكذلك إن ركع فسقط قبل طمأنينة الركوع لأنه لم يأت
بما يسقط الفرض، فإن ركع فاطمأن ثم سقط فإنه يقوم منتصبا ولا يعيد
(1/552)
الركوع فإن فرضه قد سقط والاعتدال عنه قد
سقط بقيامه (فصل) إذا رفع رأسه من الركوع فذكر أنه لم يسبح في ركوعه لم يعد
إلى الركوع سواء ذكره بعد اعتداله قائما أو قبله لأن التسبيح قد سقط برفعه
والركوع قد وقع صحيحا مجزئا فلو عاد إليه زاد ركوعا في الصلاة غير مشروع
فإن فعله عمدا أبطل الصلاة وإن فعله ناسياً أو جاهلاً لم تبطل الصلاة كما
لو ظن أنه لم يركع ويسجد للسهو، فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع لم
يدرك الركعة لأنه ليس بمشروع في حقه ولأنه لم يدرك ركوع الركعة فأشبه ما لو
لم يدركه راكعا ذكره شيخنا، وقال القاضي في المجرد إن رجع الإمام لم تبطل
صلاته فإن أدركه المأموم فقياس المذهب أنه يعتد بها ركعة لأنه رجع إلى واجب
غير أنه سقط عنه بالنسيان (مسألة) (ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه)
السجود واجب في الصلاة بالنص والإجماع والطمأنينة واجبة فيه لقول النبي صلى
الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا " والخلاف فيها
كالخلاف في طمأنينة الركوع، وينحط إلى السجود مكبرا لما ذكرنا من الأخبار
ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء انحطاطه وانتهاؤه مع انتهائه، ولايستحب رفع
يديه فيه في المشهور من المذهب ونقل عن الميموني أنه يرفع يديه وسئل عن رفع
اليدين في الصلاة فقال: يرفع في كل خفض ورفع
(1/553)
وقال، فيه عن ابن عمر وأبي حميد أحاديث
صحاح ووجه الأول حديث ابن عمر قال: وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه
ولما وصف أبو حميد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر رفع اليدين في
السجود والأحاديث العامة مفسرة بالأحاديث المفصلة التي رويناها فلا يبقى
فيها اختلاف
(مسألة) (فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه ويكون على أطراف أصابعه) هذا
المشهور من المذهب روى ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو قول أبي حنيفة والثوري
والشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يضع يديه قبل ركبتيه، وهو مذهب مالك لما
روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجد أحدكم
فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه " رواه أبو داود والنسائي،
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه،
رواه أبو داود والنسائي والدارقطني، ووجه الأولى ما روى وائل بن حجر قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض
رفع يديه قبل ركبتيه، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن
غريب، قال الخطابي هذا أصح من حديث أبي هريرة، وقد روى الأثرم من حديث أبي
هريرة " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك البعير " وعن
سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين،
فهذا يدل على أنه منسوخ رواه ابن خزيمة إلا أنه من رواية يحيى بن سلمة بن
كهيل وقد تكلم فيه البخاري وقال ابن معين ليس بشئ لا نكتب حديثه، وقال
الدارقطني في حديث وائل بن حجر: تفرد به شريك عن عاصم ابن كليب وشريك ليس
بالقوي فيما تفرد به، ويستحب أن يكون على أطراف أصابعه ويثنيها إلى القبلة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " ذكر منها
أطراف القدمين
(1/554)
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم
سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة، وفي رواية وفتح
أصابع رجليه، وهذا معناه (مسألة) (والسجود على هذه الأعضاء واجب إلا الأنف
على إحدى الروايتين) السجود على الأعضاء السبعة واجب في قول طاوس وإسحاق
والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي في الآخر لا يجب
السجود على غير الجبهة، ورواه الآمدي عن أحمد، وقال القاضي في الجامع هو
ظاهر كلام أحمد فإنه قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه أنه يجزئه ومعلوم
أنه قد أخل بالسجود على يديه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سجد وجهي "
وهذا يدل على أن السجود على الوجه
ولأن الساجد على الوجه يسمى ساجدا ووضع غيره على الأرض لا يسمى به ساجدا،
فالامر بالسجود ينصرف الى ما يسمى به ساجدا دون غيره، ولأنه لو وجب السجود
على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة ولنا ما روى ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم اليدين، والركبتين،
والقدمين، والجبهة " متفق عليه وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " رواه مسلم، وسجود الوجه
لا ينفي سجود ما عداه، وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود فانا نمنع في
الجبهة على رواية ولو سلم فالجبهة
(1/555)
هي الأصل في السجود وهي مكشوفة عادة بخلاف
غيرها فإن أخل بالسجود على عضو من هذه الأعضاء لم تصح صلاته عند من أوجبه،
وان قدر على السجود على الجبهة وعجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء سجد على
بقيتها وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه ولا يجب عليه أن يرفع
إليه شيئا، لأن السجود هو الهبوط ولا يحصل بالرفع وإن سقط السجود عن الجبهة
لعارض من مرض أو غيره سقط عنه السجود على غيره لأنه الأصل وغيره تبع له
فإذا سقط الأصل سقط التبع ولهذا قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا
يسجد عليه أنه يجزئه.
(فصل) وفي الأنف روايتان (إحداهما) يجب السجود عليه وهو قول سعيد بن جبير
واسحاق لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أسجد
على سبعة أعظم، الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف
القدمين " متفق عليه.
وإشارته إلى أنفه تدل على إرادته.
وللنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.
الجبهة، والأنف، واليدين والركبتين، والقدمين " (والرواية الثانية) لا يجب
وهو قول عطاء والحسن والشافعي وأبي يوسف ومحمد لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " ولم يذكر
(1/556)
الانف فيها، وروي أن جابراً قال: رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر، رواه تمام في
فوائده وغيره، وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف، وروي عن أبي حنيفة
إن سجد على جبهته
دون أنفه أجزأه، ولعله ذهب إلى أن الجبهة والأنف عضو واحد لإشارة النبي صلى
الله عليه وسلم حين ذكر الجبهة والسجود على بعض العضو يجزئ، وهذا قول يخالف
الحديث الصحيح والعلماء قبله.
قال إبن المنذر لا أعلم أحداً سبقه إلى هذا القول والله أعلم (مسألة) (ولا
تجب عليه مباشرة المصلي بشئ منها إلا الجبهة على إحدى الروايتين) لا تجب
مباشرة المصلى بشئ من أعضاء السجود في الصحيح من المذهب.
قال القاضي في المجرد: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله فالصلاة
صحيحة رواية واحدة، وهل يكره على روايتين، وممن رخص في السجود على الثوب في
الحر والبرد عطاء وطاوس والشعبي ومالك واسحاق وأصحاب الرأي وسجد شريح على
برنسه (وفيه رواية أخرى) أنه يجب عليه مباشرة المصلي بالجبهة ذكرها أبو
الخطاب وروى الأثرم قال: سألت أبا عبد الله عن السجود على كور العمامة
فقال: لا يسجد على كورها ولكن يحصر العمامة وهو مذهب الشافعي لما روى خباب
قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر
(1/557)
الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا رواه
البيهقي ورواه مسلم وليس فيه جباهنا واكفنا، وعن علي رضي الله عنه قال: إذا
كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته رواه البيهقي، ولأنه سجد على ما هو
حامل له أشبه مااذا سجد على يديه ولنا ما روى أنس قال كنا نصلي مع النبي
صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود متفق
عليه، وعن ثابت بن صامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني الأشهل
وعليه كساء ملتف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى رواه ابن ماجه، وقال
الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم
ويسجد الرجل على عمامته رواه البيهقي، ولأنه عضو من أعضاء السجود فجاز
السجود على حائله كالقدمين، وأما حديث خباب فالظاهر أنهم طلبوا منه تأخير
الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحو ذلك مما يزيل عنهم الضرر الحاصل من الحر،
أما الرخصة في السجود على العمامة والأكمام فالظاهر أنهم لم يطلبوه لأن ذلك
إنما طلبه الفقراء ولم يكن لهم عمائم ولا أكمام طوال يتقون بها وإن احتمل
ذلك لكنه لا يتعين لجواز ما ذكرنا ولذلك لم
يعملوا به في الأكف قال أبو إسحاق المنصوص عن الشافعي انه لا يجب كشفهما
وقد قيل فيه قول إنه يجب وأما إذا سجد على يديه قائما لم يصح لأن السجود
عليهما يفضي إلى تداخل أعضاء السجود
(1/558)
بخلاف مسئلتنا، وقال القاضي في الجامع لم
أجد نصا في هذه المسألة.
ويجب أن تكون مبنية على السجود على غير الجبهة.
إن قلنا لا يجب جاز كما لو سجد على العمامة، وإن قلنا يجب لم يجز لئلا
يتداخل محل السجود بعضه في بعض، والأولى مباشرة المصلي بالجبهة واليدين
ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة وذكر القاضي في كراهية ستر اليدين روايتين
قال أحمد واسحاق لا يعجبني إلا في الحر والبرد، وكان ابن عمر يكره السجود
على كور العمامة (مسألة) (ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويضع
يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه) التجافي في السجود للرجل مستحب لأن في
حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن
جنبيه، وفيه إذا سجد فرج بين فخديه غير حامل بطنه على شئ من فخذيه، ولابي
داود ثم سجد وأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه،
وعن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهيمة
أن تمر بين يديه لمرت رواه مسلم، وعن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه، رواه الإمام أحمد
(1/559)
(فصل) ويستحب أن يضع راحتيه على الارض
مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة ويضعهما حذو منكبيه لما
ذكرنا وهو مذهب الشافعي، ولما روى وائل بن حجر قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا سجد ضم أصابعه، رواه البيهقي.
وروى الأثرم قال: رأيته سجد ويداه حذو أذنيه لما روى البراء بن عازب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " رواه
الاثرم وابو داود بمعناه والجميع حسن (فصل) والكمال في السجود أن يضع جميع
بطن كفه وأصابعه على الأرض ويرفع مرفقيه، روى ذلك عن ابن عمر لما روى وائل
بن حجر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه
فان اقتصر على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزئه لأنه قد سجد على
يديه، وهكذا لو سجد على ظهور قدميه ولأنه لا يخلو من إصابة بعض أطراف قدميه
الأرض فيكون ساجدا على أطراف القدمين إلا أنه يكون تاركا للأفضل (فصل) واذا
أراد السجود فسقط على وجهه فماست جبهته الأرض أجزأه ذلك إلا أن يقطع نية
السجود وإن سقط على جنبه ثم انقلب فماست جبهته الأرض لم يجزئه ذلك إلا أن
ينوي السجود والفرق
(1/560)
بين المسئلتين أنه ههنا خرج عن سنن الصلاة
وهيآتها ثم كان انقلابه الثاني عائدا إلى الصلاة فافتقر إلى تجديد نية.
وفي التي قبلها هو على هيئة الصلاة وسننها فاكتفى باستدامة النية (مسألة)
(ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا) الحكم في هذا التسبيح كالحكم في تسبيح
الركوع على ما شرحناه، والأصل فيه حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما نزل (سبح اسم ربك الأعلى) قال " اجعلوها في سجودكم " وروى
ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجد أحدكم فليقل سبحان
ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه " وعن حذيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا سجد قال " سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات " رواهن ابن ماجة وأبو داود
ولم يقل ثلاث مرات.
والحكم في عدده وتطويل السجود كما ذكرنا في الركوع (فصل) وإن زاد دعاءا
مأثورا أو ذكرا مثل ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي
" متفق عليه.
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا معاذ إذا وضعت وجهك
ساجدا فقل اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك " وقال عليه السلام " أحب
الكلام إلى الله إن يقول العبد وهو ساجد رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي "
رواهما سعيد في سننه، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول
في سجوده
(1/561)
" اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله
وآخره، وسره وعلانيته " رواه مسلم - فهو حسن لما ذكرنا وقد قال عليه الصلاة
والسلام " وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم "
حديث صحيح، وقال الاقضي لا تستحب الزيادة على سبحان ربي الأعلى في الفرض،
وفي التطوع روايتان، قال شيخنا وقد ذكرنا هذه الأخبار الصحيحة وسنة النبي
صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، والأمر بالتسبيح لا ينفي الأمر بغيره كما
أن الأمر بالدعاء لم ينف الأمر بغيره (فصل) ولا بأس بتطويل السجود للعذر
لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو حامل حسنا أو حسينا في إحدى
صلاتي العشاء فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك
سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إليك
قال " كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته "
رواه الإمام أحمد والنسائي وهذا لفظه (فصل) ولا بأس أن يضع مرفقيه على
ركبتيه إذا أطال السجود لما روى أبو هريرة قال شكا أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم فقال " استعينوا بالركب " قال ابن عجلان
هو أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود وأعيى، رواه الإمام أحمد وأبو
داود، وقال عمر رضي الله عنه أن الركب قد سنت لكم فخذوا بالركب، رواه
الترمذي وقال حديث حسن صحيح (مسألة) (ثم يرفع رأسه مكبرا) يعني إذا قضى
سجود ورفع رأسه مكبرا وجلس ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه وانتهاؤه مع
انتهائه.
وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وهو قول الشافعي، وقال
(1/562)
مالك وأبو حنيفة ليس بواجب بل يكفي عند أبي
حنيفة أن يرفع رأسه مثل حد السيف لأن هذه جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن
واجبة كجلسة التشهد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم
اجلس حتى تطمئن جالسا " متفق عليه وروت عائشة قالت: كان - تعني النبي صلى
الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من السجدة ثم لم يسجد حتى يستوي قاعدا متفق
عليه، ولأنه رفع واجب فكان الاعتدال عنه واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة
والتشهد الأول واجب عندنا في الصحيح (مسألة) قال (ويجلس مفترشا يفرش رجله
اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويقول
رب أغفر لي ثلاثا) السنة أن يجلس بين السجدتين مفترشا يفرش رجله اليسرى
فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعها
على الأرض معتمدا عليها تكون أطراف أصابعها إلى القبلة لقول أبي حميد في
صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله اليسرى
(1/563)
وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في
موضعه ثم يهوي ساجدا.
وفي حديث عائشة وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، متفق عليه.
قال الأثرم: تفقدت أبا عبد الله فرأيته يفتح أصابع رجله اليمنى فيستقبل بها
القبلة، وروى بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا نعلم إذا جلسنا في
الصلاة أن يفترش الرجل منا قدمه اليسرى وينصب قدمه اليمنى على صدر قدمه فإن
كانت إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يعدلها.
وعن ابن عمر قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها
القبلة (فصل) والمستحب عند أبي عبد الله أن يقول: رب اغفر لي، يكرر ذلك
والواجب منه مرة وأدنى الكمال ثلاث كقولنا في التسبيح، وفي وجوبه (روايتان)
نذكرهما فيما يأتي إن شاء الله والأصل في هذا ما روي حذيفة أنه صلى مع
النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين " رب أغفر لي " رواه
النسائي وابن ماجة، وإن قال رب اغفر لنا أو اللهم اغفر لنا فلا بأس
(1/564)
(مسألة) (ثم يسجد الثانية كالأولى) وهذه
السجدة واجبة بالإجماع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد سجدتين لم
يختلف عنه في ذلك (فصل) والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من
الرفع والوضع بعد فراغ الإمام منه ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم
واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام ولنا ما روى البراء قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال " سمع الله لمن حمده " لم
(1/565)
نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته بالأرض ثم
نتبعه، متفق عليه، وروى أبو موسى قال خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال " إذا
صليتم فأقيموا صفوفكم، وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا - إلى قوله - وإذا
ركع فاركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم " فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " فتلك بتلك " رواه مسلم، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " انما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا
وإذا ركع فاركعوا - إلى قوله - وإذا سجد
(1/566)
فاسجدوا " متفق عليه.
رتبه عليه بفاء التعقيب فيقتضي أن يكون بعده كقوله جاء زيد فعمرو؟ أي بعده،
فإن وافق إمامه في الأفعال فركع وسجد معه أساء وصحت صلاته (مسألة) (ثم يرفع
رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه) وجملته أنه إذا قضى
السجدة الثانية نهض للقيام مكبرا، والقيام ركن.
وفي وجوب التكبير (روايتان) ذكرنا وجههما وينهض على صدور قدميه معتمدا على
ركبتيه ولا يعتمد على الأرض بيديه، قال القاضي: لا يختلف قوله أنه لا يعتمد
على الأرض سواء قلنا يجلس للاستراحة أم لا.
وقال مالك والشافعي: السنة أن يعتمد على يديه في النهوض لان مالك بن
الحويرث قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما رفع
(1/567)
رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا ثم
اعتمد على الأرض، رواه النسائي، ولأن أعون للمصلي ولنا ما روى وائل بن حجر
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا
نهض رفع يديه قبل ركبتيه، رواه النسائي والاثرم.
وفي لفظ وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه.
وعن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على
يديه إذا نهض في الصلاة، رواهما أبو داود.
وقال علي رضي الله عنه أن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في
الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً
لا يستطيع، رواه الأثرم، ولأنه أشق فكان أفضل كالتجافي وحديث مالك محمول
على أنه كان
(1/568)
من النبي صلى الله عليه وسلم لمشقة القيام
لكبره فإنه قال عليه السلام " إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود
"
(مسألة) (إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض) يعني إذا شق عليه النهوض على
الصفة المذكورة فلا بأس باعتماده على الأرض بيديه لا نعلم أحدا خالف في
هذا، وقد دل عليه حديث مالك بن الحويرث وقول علي إلا أن يكون شيخا كبير
والمشقة تكون لكبر أو ضعف أو سمن أو نحوه (مسألة) (وعنه أنه يجلس جلسة
الاستراحة على قدميه واليتيه) اختلفت الرواية عن أحمد في جلسة الاستراحة
فروي عنه لا يجلس اختاره الخرقي وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود
وابن عباس، وبه يقول مالك والثوري وأصحاب الرأي، قال أحمد أكثر الأحاديث
على هذا قال الترمذي وعليه العمل عند أهل العلم قال أبو الزناد تلك السنة
(والثانية) أنه يجلس اختارها الخلال وهو أحد قول الشافعي.
قال الخلال رجع أبو عبد الله عن قوله بترك الجلوس لما روى مالك بن الحويرث
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض
متفق عليه وذكره أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
حديث صحيح فيتعين العمل به، وقيل إن كان المصلي ضعيفا جلس للاستراحة
لحاجته، وإن كان قوياً لم يجلس كما قلنا في الاعتماد بيديه على الأرض.
وحمل جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كان في آخر عمره عند كبره، قال
شيخنا وفي هذا جمع بين الأخبار، وتوسط بين القولين فإذا قلنا يجلس فإنه
يجلس مفترشا كالجلوس بين السجدتين وهو مذهب الشافعي لقول أبي حميد في صفة
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى رجع كل عضو
في موضعه ثم نهض وهذا صريح لا ينبغي العدول عنه، وقال الخلال روي عن أحمد
من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على اليتيه قال القاضي يجلس على قدميه واليتيه
مفضيا بهما إلى الأرض لأنه لو جلس مفترشا لم يأمن السهو فيشك هل جلس عن
السجدة الأولى أو الثانية، وقال أبو الحسن الآمدي لا يختلف أصحابنا أنه لا
يلصق اليتيه بالأرض في جلسة الاستراحة بل يجلس معلقا عن الأرض (فصل) ويستحب
أن يكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفع رأسه من السجود وانتهاؤه عند اعتداله
(1/569)
قائما ليكون مستوعبا بالتكبير جميع الركن
وعلى هذا بقية التكبيرات إلا من جلس جلسة الاستراحة فإنه ينتهي بتكبيره عند
انتهاء جلوسه ثم ينهض بغير تكبير وقال أبو الخطاب ينهض مكبراو لا يصح
فإنه يفضي إلى المولاة بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه
(مسألة) (ثم ينهض ثم يصلي الثانية كذلك إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح
وفي الاستعاذة روايتان) وجملة ذلك أنه يصنع في الركعة الثانية كما يصنع في
الأولى على ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الركعة الأولى للمسئ
في صلاته ثم قال " افعل ذلك في صلاتك كلها " وهذا لا نعلم فيه خلافاً إلا
أن الثانية تنقص النية وتكبيرة الإحرام والاستفتاح لأن ذلك يراد لافتتاح
الصلاة ولا نعلم في ترك هذه الأمور الثلاثة خلافا فيما عدا الركعة الأولى،
فأما الاستعاذة ففيها روايتان (إحداهما) تختص الركعة الأولى وهو قول عطاء
والحسن والثوري لما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت
وهذا يدل على أنه لم يكن يستعيذ رواه مسلم، ولان الصلاة جملة واحدة
فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة ولذلك اعتبرنا الترتيب في القراءة في
الركعتين أشبه مالو سجد للتلاوة في أثناء صلاته فمتى أتى بالاستعاذة في
أولها كفى ذلك كالاستفتاح فعلى هذه الرواية إذا ترك الاستعاذة في الأولى
لنسيان أو غيره أتي بها في الثانية، والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه لأنه
يراد لافتتاح الصلاة فإذا نسيه في أولها فات محله
(1/570)
والاستعاذة للقراءة وهو يستفتحها في
الثانية (والرواية الثانية) يستعيذ في كل ركعة، وهو قول ابن سيرين والشافعي
لقوله سبحانه (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) الآية فيقتضي ذلك تكرير
الاستعاذة عند تكرير القراءة ولأنها مشروعة للقراءة فتكرر بتكريرها كما لو
كانت في صلاتين (فصل) والمسبوق إذا أدرك الإمام فيما بعد الركعة الأولى لم
يستفتح، وأما الاستعاذة فإن قلنا تختص بالركعة الأولى لم يستعذ لأن ما
يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته فإذا قام للقضاء استفتح
(1/571)
واستعاذ نص عليه أحمد، وإن قلنا بالرواية
الثانية استعاذ وإذا أراد المأموم القراءة استعاذ لقول الله تعالى (فإذا
قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (مسألة) (ثم يجلس مفترشا ويضع
يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر
ويحلق الابهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ويبسط اليسرى على
فخذه اليسرى) متى فرغ من الركعتين جلس للتشهد، وهذا الجلوس والتشهد فيه
مشروعان بغير خلاف نقله الخلف عن السلف عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا
متواترا فإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين فهما واجبان فيها على إحدى
الروايتين وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وصفة الجلوس لهذا التشهد كصفة الجلوس بين السجدتين مفترشا كما وصفنا وسواء
كان آخر صلاته أو لم يكن وبهذا قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال مالك
يكون متوركا على كل حال لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركا.
وقال الشافعي: إن كان متوسطا كقولنا، وإن كان آخر صلاته كقول مالك ولنا
حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يعني للتشهد فافترش رجله
اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته وفي لفظ فإذا جلس في الركعتين جلس على
اليسرى ونصب الأخرى حديث صحيح وهذا يقدم على حديث ابن مسعود، فإن أبا حميد
ذكر حديثه في عشرة من الصحابة فصدقوه وهو متأخر عن ابن مسعود وإنما يؤخذ
بالآخر فالآخر ولأن أبا حميد قد بين في حديثه الفرق بين التشهدين والأخذ
بالزيادة واجب، ويستحب أن يضع يده اليمنى على الفخذ اليمنى ويبسط اليسرى
على الفخذ اليسرى مضمومة الأصابع مستقبلا بأطراف أصابعهما القبلة كما ذكرنا
لما روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع مرفقه الأيمن على
فخذه اليمنى ثم عقد من أصابعه
(1/572)
الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بأصبعه
الوسطى على الإبهام ورفع السبابة يشير بها.
قال أبو الحسن الآمدي: وروي عن أبي عبد الله أنه يجمع أصابعه الثلاث ويعقد
الإبهام كعقد الخمسين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده
اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وفي
حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليسرى على فخذه
اليسرى ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ولا يحركها لما روى ابن الزبير
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه ولا يحركها.
رواه أبو داود، وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع
يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه،
وعنه أنه يبسط الخنصر والبنصر لذلك فالأول أولى لما ذكرنا من الأحاديث
وتكون إشارته بالسبابة عند ذكر الله تعالى (مسألة) (ثم يتشهد فيقول:
التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) هذا التشهد هو المختار عند إمامنا رحمه الله
وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من
التابعين، منهم الثوري واسحاق وأصحاب الرأي وكثير من أهل المشرق.
وقال مالك: أفضل التشهد تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: التحيات لله،
الزاكيات لله، الصلوات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته.
وسائره
(1/573)
كتشهد ابن مسعود لأن عمر قاله على المنبر
بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر فكان اجماعا، وقال الشافعي أفضله ما روي
عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما
يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول " التحيات المباركات الصلوات الطيبات
لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله "
رواه مسلم وفي لفظ سلام عليك سلام علينا ورواه الترمذي وفيه وأشهد أن
محمداً رسول الله ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال: علمني رسول الله صلى
الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات
لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله.
وفي لفظ " فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله فإذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على
كل عبد لله صالح في السماء والأرض - وفيه - فليختر من المسألة ما شاء "
متفق عليه.
قال الترمذي حديث ابن مسعود قد روي من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم في التشهد وعليه
(1/574)
أكثر أهل العلم فكان الأخذ به أولى وقد
رواه عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة وعائشة
فأما حديث عمر فإنما هو من قوله وأكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم على
خلافه فكيف يكون إجماعا؟ على أن الخلاف ليس ههنا في الإجزاء إنما الخلاف في
الأحسن والأفضل، وتشهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه أصحابه أولى
وأحسن.
وحديث ابن عباس تفرد به واختلف عنه في بعض ألفاظه، وحديث ابن مسعود أصح
وأكثر رواة فكان أولى (فصل) وأي تشهد تشهد به مما صح عن النبي صلى الله
عليه وسلم جاز نص عليه أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه الصحابة
مختلفا دل على جواز الجميع كالقراآت المختلفة التي اشتمل عليها المصحف، قال
القاضي: وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية
صح تشهده، فعلى هذا أقل ما يجزئ من التشهد: التحيات لله، السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان
لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - أو - أن محمد رسول الله
(فصل) وفي هذا القول نظر فإنه يجوز أن يجزئ بعضها عن بعض على سبيل البدل
كقولنا في القراآت ولا يجوز أن يسقط ما في بعض الأحاديث إلا أن يأتي بما في
غيره من الأحاديث.
وروى
(1/575)
عن أحمد في رواية أبي داود إذا قال وأن
محمداً عبده ورسوله ولم يذكر أشهد أرجو أن يجزئه.
وقال ابن حامد: رأيت بعض أصحابنا يقول لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصلاة،
قال شيخنا والأول أصح لما ذكرنا وهو مذهب الشافعي (مسألة) قال (هذا التشهد
الأول فلا يستحب الزيادة على ما ذكرنا ولا تطويله) وهو قول النخعي والثوري
واسحاق، وقال الشافعي لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه،
وعن ابن عمر قال: بسم الله خير الأسماء، وقال ابن عمر زدت فيه وحده لا شريك
له، وقد روى جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما
يعلمنا السورة من القرآن " بسم الله وبالله، التحيات لله وباقيه كتشهد ابن
مسعود وبعده " أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار " رواه النسائي وابن
ماجة وسمع ابن عباس رجلا يقول بسم الله فانتهره، وهو قول مالك وأهل المدينة
وابن المنذر والشافعي
وهو الصحيح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين
الأوليين كأنه على الرضف حتى يقوم رواه أبو داود، والرضف الحجارة المحماة
يعني لما يخففه ولأن الصحيح في التشهدات ليس فيه التسمية ولا شئ من هذه
الزيادات فيقتصر عليها ولم تصح التسمية عند أصحاب الحديث ولا غيرها مما وقع
الخلاف فيه وإن فعله جاز لأنه ذكر
(1/576)
(فصل) وإذا أدرك بعض الصلاة مع الإمام فجلس
الإمام في آخر صلاته لم يزد المأموم على التشهد الأول بل يكرره، نص عليه
أحمد فيمن أدرك مع الإمام ركعتين قال يكرر التشهد ولا يصلي على
(1/577)
النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بشئ مما
دعا به في التشهد الأخير لأن ذلك إنما يكون في التشهد الذي يسلم عقيبه وليس
هذا كذلك
(1/578)
(مسألة) (ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل
محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وإن شاء قال: كما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) يعني إذا جلس في
آخر صلاته تشهد بالتشهد الذي ذكرناه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم
كما ذكرنا، وفي وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم روايتان (أصحهما)
وجوبها وهو قول الشافعي واسحاق (والثانية) أنها سنة قال المروذي: قلت لأبي
عبد الله: ابن راهويه يقول لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم في التشهد بطلت صلاته فقال: ما أجترئ أن أقول هذا وقال في موضع هذا
شذوذ وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر وهو قول جل أهل
العلم إلا الشافعي وبه قال ابن المنذر قال: لأني لا أجد دليلا يوجوب
الإعادة على من تركها، واحتجوا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه
وسلم علمه التشهد ثم قال " إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك " وفي
لفظ " فقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم " رواه أبو داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا
تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم، أمر بالاستعاذة عقيب التشهد
من غير فصل ولان
(1/579)
الوجود من الشرع ولم يرد به.
ولنا ما روى كعب بن عجزة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا
يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال " قولوا اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " متفق
عليه، وعن فضالة بن عبيد قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو
في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " عجل هذا " ثم دعاه فقال له " إذا صلى أحدكم
فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم
يدعو بما شاء " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث
حسن صحيح، وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا تشهد
أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى
آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد " رواه البيهقي فأما حديث
(1/580)
ابن مسعود فقال الدارقطني: الزيادة فيه من
كلام ابن مسعود (فصل) وصفة الصلاة كم ذكرنا لحديث كعب بن عجرة وقد رواه
النسائي كذلك وفيه " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " قال
الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
وفي حديث أبي حميد " اللهم صلي على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على
آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم
إنك حميد مجيد " متفق عليه واللفظ لمسلم.
والأولى الإتيان بالصلاة كما في حديث كعب بن عجرة المتفق عليه فإنه أصح شئ
روي فيها وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما روي في الأخبار جاز كقولنا في
التشهد، وظاهره أنه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الأخبار جاز لأنه لو كان
واجبا لما أغفله النبي صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: ظاهر كلام أحمد أن
الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حسب لأن أبا زرعة الدمشقي حكي
عن أحمد
أنه قال كنت أتهيب ذلك يعني القول بوجوب الصلاة ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة
فذكر الصلاة حسب وهذا مذهب الشافعي، ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان،
وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على ما في خبر كعب لأنه أمر به والأمر يقتضي
الوجوب، وقد ذكرنا ما يدل على خلاف قولهم والنبي صلى الله عليه وسلم إنما
أمرهم بهذا حين سألوه ولم يبتدئهم به
(1/581)
(فصل) آل النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه
على دينه كما قال تعالى (آل فرعون) يعني أتباعه من أهل دينه، وقد جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل من آل محمد؟ قال " كل تقي " أخرجه تمام
في فوائده، وقيل آله أهله الهاء منقلبة عن الهمزة كما يقال أرقت الماء
وهرقته، فلو قال على أهل محمد مكان آل أجزأه عند القاضي وقال: معناهما
واحد، ولذلك لو صغر قيل أهيل قال: ومعناهما جميعا أهل دينه، وقال ابن حامد
أبو حفص: لا يجزئ لما فيه من مخالفة الأثر وتغيير المعنى فإن الأهل يعبر به
عن القرابة، والآل عن الأتباع في الدين والله أعلم (فصل) في تفسير التحيات،
التحية العظمة، قاله ابن عباس، والصلوات الصلوات الخمس، والطيبات الأعمال
الصالحة، وقال أبو عمرو: التحيات الملك وأنشد ولكل ما نال الفتى + + + قد
نلته إلا التحية وقيل التحيات البقاء، وقال ابن الأنباري: التحيات السلام،
والصلوات الرحمة، والطيبات من الكلام (فصل) والسنة إخفاء التشهد لا نعلم في
هذا خلافاً، قال عبد الله بن مسعود من السنة إخفاء التشهد، رواه أبو داود،
ولأنه ذكر غير القراءة لا ينتقل به من ركن إلى ركن فاستحب إخفاؤه كالتسبيح.
ومن قدر على التشهد بالعربية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز
بغيرها كالتكبير
(1/582)
فإن عجز عن العربية تشهد بلسانه كقولنا في
التكبير ويجئ على قول القاضي أنه لا يتشهد وحكمه حكم الاخرس، فإن قدر على
تعلم التشهد والصلاة لزمه ذلك كالقراءة فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه لم يصح
فإن خاف فوات الوقت أو عجز عن تعلمه أتى بما يمكنه وأجزأه للضرورة، وإن لم
يحسن شيئا منه سقط
(فصل) السنة ترتيب التشهد وتقديمه على الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم، فإن نكسه من غير تغيير شئ من معانيه ولا إخلال بشئ من الواجب فيه
فعلى وجهين (أحدهما) يجزئه ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأن المقصود المعنى
وقد حصل أشبه ما لو رتبه (والثاني) لا يصح لأنه أخل بالترتيب في ذكر ورد
الشرع به فلم يصح كالأذان (مسألة) (ويستحب أن يتعوذ فيقول أعوذ بالله من
عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح
الدجال) لما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو "
اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا
والممات، ومن فتنة المسيح الدجال " متفق عليه، ولمسلم " إذا تشهد أحدكم
فليستعذ بالله من أربع " وذكره (مسألة) (وإن دعا بما ورد في الأخبار فلا
بأس) قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله أن هؤلاء يقولون لا يدعو في المكتوبة
إلا بما في القرآن، فنفض
(1/583)
يده كالمغضب وقال من يقف على هذا وقد
تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قالوا؟ قلت لأبي
عبد الله: إذا جلس في الرابعة يدعو بعد التشهد بما شاء؟ قال بما شاء لا
أدري ولكن يدعو بما يعرف وبما جاء قلت على حديث عمرو بن سعد؟ قال سمعت عبد
الله يقول إذا جلس أحدكم في صلاته ذكر التشهد ثم ليقل اللهم إني أسألك من
الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما
لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر
ما عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا
عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار،
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
رواه الأثرم واختاره أحمد ذكره القاضي وقال لا يستحب للإمام الزيادة على
هذا لئلا يطيل على المأمومين، فإن كان منفردا فلا بأس بكثرة الدعاء ما لم
يخرجه إلى السهو فقد روى أبو داود عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه
وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من
القرآن قال وعلمنا أن نقول اللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام،
وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن،
وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك
أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها
علينا.
وعن أبي بكر الصديق أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به
في صلاتي قال " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثير ولا يغفر الذنوب إلا أنت
فاغفر لي مغفرة من عندك
(1/584)
وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " متفق
عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " ما تقول
في الصلاة؟ " قال أتشهد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، أما والله
ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال " حولها ندندن " رواه أبو داود، وقوله
بما ورد في الأخبار يعني أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف
رحمهم الله فقد ذهب أحمد إلى حديث ابن مسعود في الدعاء وهو موقوف عليه قال
عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول في سجوده.
اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك، وقال كان
عبد الرحمن يقوله في سجوده وقال سمعت الثوري يقوله في سجوده (فصل) فأما ما
يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله اللهم ارزقني جارية حسناء، وطعاما طيبا
ودارا قوراء، وبستانا أنيقا، ونحوه فلا يجوز الدعاء به في الصلاة.
وقال الشافعي: يدعو بما أحب لقوله عليه السلام في حديث ابن مسعود " ثم
ليتخير من الدعاء أعجبه إليه " متفق عليه.
ولمسلم " ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء " ولنا قوله عليه السلام (إن
صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن " رواه مسلم، وهذا من كلام الآدميين ولأنه كلام آدمي يتخاطب بمثله
أشبه رد السلام وتشميت العاطس والخبر محمول على أنه يتخير من الدعاء
المأثور (فصل) فأما الدعاء بما يتقرب به إلى الله مما ليس بمأثور ولا يقصد
به ملاذ الدنيا فقال جماعة
(1/585)
من أصحابنا لا يجوز ويحتمله كلام أحمد
لقوله يدعو بما جاء وبما يعرف، وحكى عنه ابن المنذر أنه قال
لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته وهذا هو الصحيح
إن شاء الله تعالى اختاره شيخنا لظواهر الاخبار فإن في حديث أبي هريرة " ثم
يدعو لنفسه بما بدا له " وعن أنس قال: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقالت: يا رسول الله علمني شيئا أدعو به في صلاتي فقال " احمدي
الله عشرا، وسبحي الله عشرا، ثم سلي الله ما شئت " يقول نعم نعم نعم رواه
الأثرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أما السجود فأكثروا فيه من
الدعاء " ولم يعين لهم ما يدعون به فيدل على أنه أباح لهم جميع الدعاء إلا
ما خرج منه بالدليل في الفصل الذي قبله ولأنه دعاء يتقرب به إلى الله عزوجل
أشبه الدعاء المأثور (فصل) فأما الدعاء لإنسان بعينه في صلاته ففي جوازه
روايتان (إحداهما) يجوز قال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول لابن الشافعي
أنا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي أبوك أحدهم.
وروي ذلك
(1/586)
عن علي وأبي الدرداء لقول النبي صلى الله
عليه وسلم في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش ابن
أبي ربيعة " ولأنه دعاء لبعض المؤمنين أشبه مالو قال: رب اغفر لي ولوالدي
(والأخرى) لا يجوز كرهه عطاء والنخعي لشبهه بكلام الآدميين ولأنه دعاء
لمعين أشبه تشميت العاطس.
وقد دل على المنع منه حديث معاوية بن الحكم السلمي، ويحتمل التفريق بين
الدعاء وتشميت العاطس لانه مخاطبة لإنسان لدخول كاف المخاطب فيه والله أعلم
(فصل) ويستحب للامام ترتيل القراءة والتسبيح والتشهد بقدر ما يرى أن من
خلفه ممن يثقل على لسانه قد أتى عليه والتمكن في الركوع والسجود حتى يرى أن
الكبير والصغير والثقبل قد أتى عليه فإن خالف فأتى بقدر ما عليه كره
وأجزأه، ويكره له التطويل كثيرا لئلا يشق على من خلفه، وأما المنفرد فله
التطويل في ذلك كله ما لم يخرجه إلى حال يخاف السهو، وقد روي عن عمار أنه
صلى صلاة أوجز فيها
(1/587)
فقيل له في ذلك فقال: إني أبادر الوسواس،
ويستحب للإمام إذا عرض في الصلاة عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه أن يخفف
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني لأقوم في الصلاة وأنا
أريد
أن أطول فيه فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه " رواه أبو
داود (مسألة) (ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك)
التسليم واجب في الصلاة لا يقوم غيره مقامه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو
حنيفة لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل إذا خرج بما ينافي الصلاة من
عمل أو حدث أو غير ذلك جاز فالسلام عندهم مسنون غير واجب لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ في صلاته ولو وجب لأمر به لأنه لا يجوز
تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأن إحدى التسليمتين غير واجبة كذلك الأخرى
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها
التكبير، وتحليلها التسليم " رواه أبو داود ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه
نطق واجب كالأول ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه فقال "
صلوا كما رأيتموني أصلي " وحديث الأعرابي أجبنا عنه، والتسليمة الثانية
عندنا واجبة على إحدى الروايتين (فصل) والمشروع أن يسلم تسليمتين عن يمينه
وعن يساره روى ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وعمار وابن مسعود رضي الله عنهم
وهو مذهب الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عمر وأنس
وسلمة بن الاكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك
(1/588)
والاوزاعي يسلم تسليمة واحدة وقال عمار بن
أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين وكان مسجد المهاجرين
يسلمون فيه تسليمة واحدة ولما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، وعن سلمة بن الاكوع قال: رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى فسلم تسلمية واحدة.
رواهما ابن ماجة، ولأن التسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة فلم يشرع ما
بعدها كالثالثة ولنا ما روى ابن مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه ويساره، وعن جابر بن سمرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على
أخيه من على يمينه وشماله " رواهما مسلم، وفي لفظ لحديث ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " وعن
يساره " السلام عليكم ورحمة
الله " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وحديث عائشة يرويه زهير بن محمد
يروي مناكير (1) وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث منكر، ويمكن حمل حديث عائشة
على أنه كان يسمعهم تسليمة واحدة جمعاً بين الأحاديث على أن أحاديثنا تتضمن
الزيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ويجوز أن يكون عليه السلام فعل الأمرين
ليبين الجائز والمسنون ولأن الصلاة عبادة ذات إحرام فيشرع لها تحللان كالحج
(فصل) والتسليمة الأولى هي واجبة وهي ركن من أركان الصلاة، والثانية سنة في
الصحيح
__________
1) عزا المغني هذا القول إلى البخاري فهل تركه الشارح اختصارا أو تركه
الناسخ سهوا؟
(1/589)
قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من
أهل العلم على أن صلاة من اقتصر على تسلمية واحدة جائزة (وفيه رواية أخرى)
أنها واجبة ذكرها القاضي وابو الخطاب قال القاضي وهي أصح لحديث جابر بن
سمرة ولأنها عبادة لها تحللان فكانا واجبين كتحللي الحج ولأنها إحدى
التسليمتين أشبهت الأولى وعدها أبو الخطاب من أركان الصلاة لما ذكرنا،
والصحيح الأول اختاره شيخنا فإنه لا يصح عن أحمد تصريح بوجوب التسليمتين
إنما قال التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون
ذهب إليه في المشروعية لا الإيجاب كغيره.
وقد دل عليه قوله في رواية مهنا أعجب إلي التسليمتان لأن عائشة وسلمة بن
الاكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسلمية
واحدة، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار
وأقوال الصحابة في كون المشروع تسليمتين والواجب واحدة.
وقد دل على صحة ذلك الإجماع الذي حكاه ابن المنذر.
وحديث جابر بن سمرة يعني في إصابة السنة بدليل أن فيه " يضع يده على فخذه "
وليس هو واجبا بالاتفاق ولأنها صلاة فتجزئ فيها تسليمة واحدة كصلاة الجنازة
والنافلة فإن الخلاف إنما هو في المفروضة، أما صلاة النافلة والجنازة وسجود
التلاوة فلا خلاف أنه يخرج منها بتسليمة واحدة قاله القاضي ونص أحمد عليه
في صلاة الجنازة وسجود التلاوة
(1/590)
(فصل) (فإن لم يقل ورحمة الله لم يجزه،
وقال القاضي يجزئه ونص عليه أحمد في صلاة الجنازة)
وجملة ذلك أن الأفضل أن يقول السلام عليكم ورحمة الله لما ذكرنا من حديث
ابن مسعود، وقد روى وائل بن حجر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
فكان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وعن شماله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " رواه أبو داود، فإن قال كذلك فحسن،
والأول أحسن لكثرة رواته وصحة طرقه، فإن قال السلام عليكم حسب فقال القاضي:
يجزئه في ظاهر كلام أحمد ونص عليه في صلاة الجنازة وهو مذهب الشافعي لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " وتحليلها التسليم " وهذا التسليم.
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره، السلام عليكم
السلام عليكم، رواه سعيد ولأن ذكر الرحمة تكرير للثناء فلم يجب كقوله
وبركاته، وقال ابن عقيل الأصح أنه لا يجزئه لأن الصحيح عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يقول " السلام عليكم ورحمة الله " ولأنه سلام في الصلاة
ورد مقرونا بالرحمة فلم يجز بدونها كالتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم
في التشهد (فصل) فإن نكس السلام ففال عليكم السلام لم يجزه، وقال القاضي:
يجزئه في وجه وهو مذهب الشافعي لحصول المعنى منه وليس هو قرآنا فيعتبر له
النظم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتبا وأمر به كذلك ولأنه ذكر
يؤتى به في أحد طرفي الصلاة فلم يجز منكسا كالتكبير
(1/591)
(فصل فإن قال سلام عليكم منكرا منونا ففيه
وجهان (أحدهما) يجزئه وهو قول الشافعي لأن السلام الذي ورد في القرآن أكثره
بغير ألف ولام كقوله (سلام عليكم بما صبرتم) ولأنا أجزنا التشهد بتشهد ابن
عباس وأبي موسى وفيهما سلام عليك والتسليمان واحد (والآخر) لا يجزئه لأنه
بغير صيغة السلام الوارد ويخل بحرف يقتضي الاستغراق فلم يجز كما لو أثبت
اللام في التكبير، وقال الآمدي: لا فرق بين أن ينون التسليم أو لا ينونه لا
حذف التنوين لا يخل بالمعنى بدليل مالو وقف عليه (فصل) ويسن أن يلتفت عن
يمينه في التسلمية الأولى وعن يساره في الثانية كما وردت السنة في حديث ابن
مسعود وجابر وغيرهما، قال الامام أحمد: ثبت عندنا من غير وجه أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه، ويكون
التفاته في الثانية أكثر لما روي عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده
الأيمن والأيسر، رواه يحيى بن محمد بن صاعد بإسناده، وقال ابن
عقيل: يبتدئ بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت عن يمينه ويساره في
قوله ورحمة الله لقول
(1/592)
عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم
تلقاء وجهه معناه ابتداؤه بالتسليم جمعاً بين الأحاديث (فصل) روي عن أبي
عبد الله أن التسلمية الأولى أرفع من الثانية اختار هذا أبو بكر الخلال
وأبو حفص العكبري وحمل أحمد حديث عائشة أنه كان يسلم تسليمة واحدة على أنه
كان يجهر بواحدة فيسمع منه ذلك لأن الجهر في غير القراءة إنما كان للإعلام
بالانتقال من ركن إلى غيره وقد حصل الجهر بالأولى، واختار ابن حامد الجهر
بالثانية وإخفاء الأولى لئلا يسابقه المأموم في السلام ويستحب حذف السلام
لقول أبي هريرة حذف السلام سنة، وروي مرفوعا رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
قال أبو عبد الله هو أن لا يطول به صوته: وقال ابن المبارك معناه لا يمد
مدا، قال إبراهيم النخعي: التكبير جزم والسلام جزم (مسألة) (وينوي بسلامه
الخروج من الصلاة فإن لم ينو جاز، وقال ابن حامد تبطل صلاته) الأولى أن
ينوي بسلامه الخروج من الصلاة وإن نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من
خلفه إن كان إماما أو الرد على من معه إن كان مأموما فلا بأس نص عليه أحمد
فقال ينوي بسلامه الرد على الإمام.
وقال أيضا ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، فإن نوى الملكين ومن خلفه فلا بأس
والخروج من الصلاة تختار.
وقال ابن حامد إن نوى في السلام الرد على الملائكة أو غيرهم من الناس مع
نية الخروج فهل تبطل صلاته؟ على وجهين (أحدهما) تبطل لأنه نوى السلام على
آدمي أشبه مالو سلم على من لم
(1/593)
يصل معه.
وقال أبو حفص بن مسلمة ينوي بالتسليمة الأولى الخروج وبالثانية السلام على
الحفظة والمأمومين إن كان إماما، والرد على الإمام والحفظة إن كان مأموما
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة " إنما يكفي أحدكم
أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " رواه مسلم،
وفي لفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نرد على الامام وإن يسلم
بعضنا على بعض.
رواه أبو داود.
وهذا يدل على أنه يسن التسليم على
من معه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.
فإن لم ينو الخروج ولا شيئا غيره صح، وقال ابن حامد لا يصح وهو ظاهر مذهب
الشافعي لأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة فافتقر إلى النية كالتكبير ولنا أنه
جزء من أجزاء الصلاة فلم يحتج إلى نية تخصه كسائر أجزائها ولأن الصلاة
عبادة فلم تحتج الى نية الخروج منها كالصوم وذلك لأن النية إذا وجدت في أول
العبادة انسحبت على أجزائها واستغنى عن ذكرها وقياس الجزء الآخر على الأول
لا يصح لذلك (فصل) ويستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب الصلاة والاستغفار
كما ورد في الاخبار فروي المغيرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول
في دبر كل صلاة مكتوبة " لا إله إلا الله وحده
(1/594)
لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل
شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك
الجد " متفق عليه، وقال ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف
من صلاته استغفر ثلاثا وقال " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا
الجلال والإكرام " قال الأوزاعي يقول " أستغفر الله أستغفر الله " رواه
مسلم، وقال أبو هريرة جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم
يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون
ويجاهدون ويتصدقون فقال " ألا أحدثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم
ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم إلا من عمل مثله؟
تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال سمي (1) فاختلفنا
بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا
وثلاثين " فرجعت إليه يعني إلى أبي صالح فقال يقول: سبحان الله والحمد لله
والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون.
متفق عليه واللفظ للبخاري.
قال أحمد في رواية أبي داود يقول هكذا ولا يقطعه سبحان الله والحمد لله
والله أكبر.
وكان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله
إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل والثناء الحسن الجميل، لا
إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره
الكافرون.
وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة رواه مسلم،
وعن معاذ ابن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال " يا معاذ
والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " رواه الإمام أحمد
__________
1) قوله تعالى سمي ليس من لفظ البخاري بل جاءت في مسلم مع زيادة فلم يكن
لذكره حاجة وسمى هذا من رواة هذا الحديث
(1/595)
وأبو داود والنسائي عن أبي ذر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجله قبل أن
يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو
على كل شئ قدير - عشر مرات - كتبت له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له
عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان، ولم ينبغ
للذنب أن يدركه ذلك اليوم إلا الشرك بالله " رواه النسائي والترمذي وقال
حسن غريب صحيح.
وقال أبو معبد مولى ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من
المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس كنت أعلم
إذا انصرف الناس بذلك إذا سمعته متفق عليه (فصل) روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يقعد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس حسناء، رواه مسلم
فيستحب للإنسان أن يفعل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة)
وإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية نهض مكبرا إذا فرغ من التشهد الأول فصلى
الثالثة والرابعة مثل الثانية إلا أنه لا يجهر ولا يقرأ شيئا بعد الفاتحة)
متى فرغ من التشهد الأول نهض مكبرا كنهوضه من السجود قائما على صدور قدميه
معتمدا على ركبتيه ولا يعتمد بالأرض إلا أن يشق عليه كما ذكرنا في النهوض
من السجود ولا يقدم إحدى رجليه عند النهوض قاله ابن عباس وكرهه إسحاق وروي
عن ابن عباس أنه يقطع الصلاة ورخص فيه مجاهد والأولى تركه لأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم وقد كرهه ابن عباس ولا تبطل به الصلاة لأنه عمل
يسير ولم يوجد فيه ما يقتضي البطلان (فصل) ويصلي الثالثة والرابعة كالثانية
لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته وقد
وصف له الركعة الأولى " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " ولا يجهر فيهما لا
نعلم في ذلك خلافا وأكثر
(1/596)
أهل العلم يرون أنه لا تسن الزيادة على
فاتحة الكتاب في غير الأوليين من كل صلاة.
قال ابن سيرين لا أعلمهم يختلفون في أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة
الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب روى ذلك عن ابن مسعود وأبي
الدرداء وجابر وأبي هريرة وعائشة وهو قول مالك وأصحاب الرأي وأحد قولي
الشافعي، وقال في الآخر يسن أن يقرأ سورة مع الفاتحة في الأخريين لما روى
الصنابحي قال: صليت خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فدنوت منه حتى إن
ثيابي تكاد أن تمس ثيابه فقرأ في الركعة الأخيرة بأم الكتاب وهذه الآية
(ربنا لا تزغ قلوبنا) رواه مالك في الموطأ ولنا حديث أبي قتادة أن النبي
صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث إلى قوله - في الركعتين الأخريين " بأم
الكتاب " وكتب عمر إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب
وسورة، وفي الأخريين بأم الكتاب، وما فعل أبو بكر قصد به الدعاء لا القراءة
ولو قصد القراءة لكان الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى مع أن عمر
وغيره من الصحابة قد خالفوه.
فأما إن دعا الإنسان في الركعة الأخيرة بآية كما روي عن الصديق فلا بأس
لأنه دعاء في الصلاة أشبه دعاء التشهد (مسألة) (ثم يجلس في التشهد الثاني
متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل اليتيه على
الأرض) التورك في التشهد الثاني سنة وبه قال مالك والشافعي.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: يجلس فيه مفترشا كالتشهد الأول لما ذكرنا من
حديث وائل وأبي حميد في صفة جلوس النبي صلى الله عليه وسلم ولنا أن في حديث
أبي حميد: حتى إذا كانت الركعة التي يقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وجلس
متوركا على شقه الأيسر، وهذا بيان الفرق بين التشهدين وزيادة يجب الأخذ بها
والمصير إليها والذي احتجوا به في التشهد الأول ونحن نقول به.
فأما صفة التورك فهو كما ذكر.
قال الأثرم رأيت أبا عبد الله يتورك في الرابعة في التشهد فيدخل رجله
اليسرى ويخرجها من تحت ساقه الأيمن ولا يقعد على شئ منها وينصب اليمنى يفتح
أصابعه وينحي عجزه كله ويستقبل بأصابعه اليمنى القبلة
(1/597)
وركبته اليمنى على الأرض ملزقة وهذا قول
أبي الخطاب وأصحاب الشافعي فإن أبا حميد قال: فإذا كان في الرابعة أفضى
بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة، رواه أبو داود.
وقال الخرقي والقاضي: ينصب رجله اليمنى ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه
اليمنى، ويجعل اليتيه على الأرض لقول عبد الله بن الزبير كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش
قدمه اليمنى، رواه مسلم.
وفي بعض ألفاظ حديث أبي حميد نحو هذا قال: جعل بطن قدمه عند مأبض اليمنى
ونصب قدمه اليمنى، وأيهما فعل فحسن (فصل) وهذا التشهد والجلوس له من أركان
الصلاة وممن قال بوجوبه عمر وابنه وأبو مسعود البدري والحسن والشافعي، ولم
يوجبه مالك وأبو حنيفة، وأوجب أبو حنيفة الجلوس قدر التشهد لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يعلمه الأعرابي فدل على أنه غير واجب ولنا أن النبي صلى
الله عليه وسلم أمر به فقال " قولوا التحيات لله " وفعله وداوم عليه.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على
الله قبل عباده، السلام على جبرائيل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله " إلى
آخره.
وهذا يدل على أنه فرض بعد إن لم يكن مفروضا، وحديث الأعرابي يحتمل أنه كان
قبل فرض التشهد، ويحتمل أنه ترك تعليمه لأنه لم يتركه (فصل) ولا يتورك إلا
في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما.
وقال الشافعي: يسن التورك في كل تشهد يسلم فيه وإن لم يكن ثانيا كتشهد
الصبح والجمعة لأنه تشهد يسن تطويله فسن التورك فيه كالثاني ولنا حديث وائل
بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب
رجله اليمنى ولم يفرق بين ما يسلم فيه ولا ما لا يسلم، وقالت عائشة: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله
اليسرى وينصب اليمنى، رواه مسلم وهذان
(1/598)
يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج
منه بحديث أبي حميد في التشهد الثاني فيبقى فيما عداه
على قضية الأصل ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورك فيه كالأول وهذا لأن
التشهد الثاني إنما يتورك فيه للفرق بين التشهدين وما ليس فيه تشهد ثان لا
يحتاج إلى الفرق، وما ذكروه من المعنى إن صح فيضم إليه هذا المعنى الذي
ذكرناه ويعلل بهما والحكم إذا علل بمعنيين لم يتعد بدونهما (فصل) قيل لأبي
عبد الله ما تقول في تشهد سجود السهو؟ قال يتورك فيه أيضا هو من بقية
الصلاة يعني إذا كان من السهو في صلاة رباعية لأن تشهدها يتورك فيه وهذا
تابع له، وقال القاضي: يتورك في كل تشهد لسجود السهو بعد السلام في
الرباعية وغيرها لأنه تشهد ثان في الصلاة يحتاج إلى الفرق، وقال الأثرم قلت
لأبي عبد الله الرجل يدرك مع الإمام ركعة فيجلس الإمام في الرابعة أيتورك
معه الرجل المسبوق في هذه الجلسة؟ فقال إن شاء تورك، قلت فإذا قام يقضي
يجلس في الرابعة فينبغي له أن يتورك؟ فقال نعم ينبغي أن يتورك لأنها
الرابعة يتورك ويطيل الجلوس في التشهد الأخير قال القاضي: قوله إن شاء تورك
على سبيل الجواز لا أنه مسنون، وقد صرح بذلك في رواية مهنا فيمن أدرك من
صلاة الظهر ركعتين لا يتورك إلا في الأخيرتين ويحتمل أن تكون هاتين
روايتين.
(مسألة) (والمرأة كالرجل في ذلك كله إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود
وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها، وهل يسن لها رفع
اليدين؟ على روايتين) الأصل أن
(1/599)
نثبت في حق المرأة من الأحكام ما نثبت في
حق الرجل لشمول الخطاب لهما غير أنها لا يسن لها التجافي لأنها عورة فاستحب
لها جمع نفسها ليكون أستر لها فإنه لا يؤمن أن يبدو منها شئ حال التجافي
وكذلك في الافتراش، قال علي رضي الله عنه: إذا صلت المرأة فلتحتفز ولتضم
فخذيها، وعن ابن عمر أنه كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة، قال أحمد
السدل أعجب إلي واختاره الخلال ولا يسن لها رفع اليدين في إحدى الروايتين
لأنه في معنى التجافي، والرواية الأخرى يشرع لها قياساً على الرجل ولأن أم
سلمة كانت ترفع يديها (فصل) ويستحب للمصلي أن يفرج بين قدميه ويراوح بينهما
إذا طال قيامه، قال الأثرم رأيت أبا عبد الله يفرج بين قدميه ورأيته يراوح
بينهما.
روي هذا عن عمرو بن ميمون والحسن، وروى
الأثرم باسناده عن أبي عبيدة قال: رأى عبد الله رجلا يصلي صافا بين قدميه
فقال لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل، ورواه النسائي وفيه قال أخطأ السنة
لو راوح بينهما كان أعجب إلي، ولا يستحب الإكثار منه لما روي عن عطاء قال:
إني لاحب أن يقل التحريك وأن يعتدل قائما على قدميه إلا أن يكون إنسانا
كبيراً لا يستطيع ذلك.
فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلا بد من التوكي على هذه مرة وعلى هذه
مرة، وقد روى النجاد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام
أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه ولا يميل ميل اليهود "
(1/600)
(فصل) ويكره الالتفات في الصلاة لغير حاجة
لما روي عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في
الصلاة فقال " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " رواه البخاري وعن
أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الله عزوجل مقبلا
على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه " رواه الإمام
أحمد وأبو داود.
وعن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك والالتفات في
الصلاة فإن الالتفات فيها هلكة فإن كان لابد في التطوع لا في الفريضة "
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
فإن كان لحاجة لم يكره لما روى سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة فجعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، رواه أبو داود قال:
وكان أرسل فارسا إلى الشعب يحرس، وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه، رواه النسائي.
ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير عن القبلة بجملته أو يستدبرها قال
ابن عبد البر جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيراً
(مسألة) ويكره رفع بصره إلى السماء لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم "
فاشتد قوله في ذلك حتى قال " لينتهين عن ذلك أو لتخطف أبصارهم " رواه
البخاري.
ويكره الاستناد إلى الجدار ونحوه في الصلاة لأنه يزيل مشقة القيام والتعبد
به
(1/601)
(مسألة) قال (وافتراش الذراعين في السجود)
قال الترمذي أهل العلم يختارون الاعتدال في
السجود، وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجد أحدكم
فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح،
وفي لفظ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اعتدلوا في السجود
ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذارعيه كالكلب " وهذا هو المنهي عنه كرهه أهل
العلم وفي حديث أبي حميد فإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما (مسألة)
(ويكره الإقعاء في الجلوس وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وعنه أنه سنة)
كذلك وصف أحمد الإقعاء، وقال أبو عبيد هذا قول أهل الحديث، فأما عند العرب
فهو جلوس الرجل على اليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب.
قال شيخنا ولا أعلم أحداً قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة.
فأما الأول فكرهه علي وابو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعليه
العمل عند أكثر أهل العلم لما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " لا تقع بين السجدتين " وعن أنس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب " رواهما
ابن ماجة، وفيه رواية أخرى أنه سنة، وروى مهنا عن أحمد أنه قال لا أفعله
ولا أعيب على من يفعله العبادلة كانوا يفعلونه.
قال طاوس رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر وابن الزبير
(1/602)
وابن عباس وقال طاوس قلنا لابن عباس في
الإقعاء على القدمين في الجلوس فقال هي السنة.
قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال هي سنة نبيك رواه مسلم وأبو داود،
والأول أولى لما ذكرنا وقد قال ابن عمر حين فعله لا تقتدوا بي فإني قد كبرت
وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش رجله اليسرى وينصب
اليمنى وينهى عن قعية الشيطان (مسألة) (ويكره أن يصلي وهو حاقن) سواء خاف
فوات الجماعة أو لا لا نعلم فيه خلافاً وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي
لما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا صلاة
بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " رواه مسلم، ولأن ذلك يشغله عن خشوع
الصلاة وحضور قلبه فيها فإن خالف وفعل صحت صلاته وهو قول أبي حنيفة
والشافعي، وقال ابن أبي موسى إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه ويشغله
عن الصلاة أعاد في الظاهر من قوله، وقال مالك أحب
إلي أن يعيد إذا شغله ذلك لظاهر الخبر ولنا أنه إن صلى يحضرة الطعام أو
قلبه مشغول بشئ من الدنيا صحت صلاته كذا ههنا وخبر عائشة أريد به الكراهة
بدليل ما لو صلى بحضرة الطعام قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لو صلى
بحضرة الطعام فأكمل صلاته إن صلاته تجزئه وكذلك إذا صلى حاقنا (مسألة) (أو
بحضرة طعام تتوق إليه نفسه) وبهذا قال عمر وابنه وتعشى ابن عمر وهو يسمع
(1/603)
قراءة الإمام قال ابن عباس: لا نقوم إلى
الصلاة وفي أنفسنا شئ، وبهذا قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال مالك:
يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعاما خفيفا.
ولنا حديث عائشة الذي ذكرناه.
وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قرب عشاء أحدكم
وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا تعجلوا حتى يفرغ منه " رواه مسلم وغيره.
ولأنه إذا قدم الصلاة على الطعام اشتغل قلبه عن خشوعها.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يخشى فوات الجماعة أو لم يخش لعموم الحديثين.
هذا إذا كانت نفسه تتوق إليه أو يخشى فواته أو فوات بعضه إن تشاغل بالصلاة
أو تكون حاجته إلى البداية به لوجه من الوجوه، فان لم يفعل وبدأ بالصلاة
صحت في قولهم جميعاً حكاه ابن عبد البر لأن البداية بالطعام رخصة فإن لم
يفعلها صحت صلاته كسائر الرخص (مسألة) (ويكره العبث في الصلاة) لما روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في الصلاة فقال " لو خشع قلب هذا
لخشعت جوارحه " ويكره التخصر وهو أن يضع يده على خاصرته لما روى أبو هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصرا متفق عليه (مسألة)
قال (والتروح وفرقعة الأصابع وتشبيكها) يكره التروح إلا من غم شديد لأنه من
العبث وبذلك قال إسحاق وعطاء وأبو عبد الرحمن ومالك، ورخص فيه ابن سيرين
ومجاهد والحسن ويكره فرقعة الأصابع وتشبيكها في الصلاة لما روي عن على أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفقع
(1/604)
أصابعك وأنت في الصلاة " رواه ابن ماجه،
وعن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك
أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، رواه
الترمذي وابن ماجة (فصل) وإذا تثاءب في الصلاة استحب أن يكظم ما استطاع فان
لم يقدر وضع يده على فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا تثاءب
أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فان الشيطان يدخل " رواه مسلم، وللترمذي
" فليضع يده على فيه " (فصل) ومما يكره في الصلاة أن ينظر إلى ما يلهيه أو
ينظر في كتاب لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة
لها أعلام فقال " شغلتي أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني
بإنبجانيته " متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة " أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا يزال
تصاويره تعرض لي في صلاتي " رواه البخاري.
ويكره أن يصلي وهو معقوص أو مكتوف لما روي عن ابن عباس أنه رأى عبد الله
ابن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام إليه فحله فلما انصرف أقبل على
ابن عباس فقال: مالك ورأسي فقال: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف " رواه مسلم، ويكره أن يكف
شعره أو ثيابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم
وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا " متفق عليه.
ولا نعلم بين أهل العلم في كراهية هذا خلافا، ونقلت كراهة بعضه
(1/605)
عن ابن عباس وعائشة ويكره أن يكثر الرجل
مسح جبهته في الصلاة لما روي عن ابن مسعود أنه قال من الجفاء أن يكثر الرجل
مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته رواه ابن ماجه.
ويكره النفخ وتحريك الحصى لما روت ام سلمة قالت: رأى النبي صلى الله عليه
وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ فقال " يا أفلح ترب وجهك " رواه
الترمذي، إلا أن فيه مقالا.
قال ابن عباس: لا تمسح جبهتك ولا تنفخ ولا تحرك الحصى.
ورخص فيه مالك وأصحاب الرأي، ويكره مسح الحصى لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فان الرحمة تواجهه " رواه
أبو داود والترمذي، ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس في الصلاة لما روى
ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة
وهو معتمد على يده، رواه الإمام أحمد وأبو داود، ويكره أن يغمض عينيه في
الصلاة، نص عليه وقال: هو من فعل اليهود، وهو قول سفيان، وروي عن مجاهد
والاوزاعي ورويت الرخصة فيه
من غير كراهة عن الحسن، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه " رواه الطبراني إلا أن فيه عبد
الرحمن بن أبي حاتم وقال هذا منكر الحديث، ويكره الرمز بالعين والإشارة
لغير حاجة لأنه يذهب بخشوع الصلاة ويكره إخراج لسانه وفتح فمه لأنه خروج عن
هيئة الخشوع (مسألة) (وله رد المار بين يديه) ليس لأحد أن يمر بين يدي
المصلي إذا لم يكن بين يديه
(1/606)
سترة وإن كان له سترة فليس له المرور بينه
وبينها لما روى أبو جهم الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا
له من أن يمر بين يديه " ولمسلم " لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر
بين يدي أخيه وهو يصلي " وروي عن يزيد قال رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال مررت
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال " اللهم
أقطع أثره " فما مشيت عليها بعد، رواه أبو داود، وفي لفظ قال " قطع صلاتنا
قطع الله أثره " وإن أراد أحد المرور بين يديه فله منعه يروي ذلك ابن مسعود
وابن عمر وابنه سالم وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم
خلافهم لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا
كان أحدكم يصلي إلى سترة من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن
أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " ومعناه والله أعلم فليدفعه
(1/607)
فإن ألح فليقاتله أي يعنف في دفعه، وقوله
فإنما هو شيطان أي فعله فعل شيطان أو الشيطان يحمله على ذلك، وقيل معناه أن
معه شيطانا، وأكثر الروايات عن أبي عبد الله " أن المار بين يدي المصلي إذا
ألح في المرور وأبى الرجوع فللمصلي أن يجتهد في رده ما لم يخرجه ذلك إلى
إفساد صلاته بكثرة العمل فيها " وروي عنه أنه قال: يرد ما استطاع وأكره
القتال فيها وذلك لما يفضي إليه من الفتنة وفساد الصلاة، والنبي صلى الله
عليه وسلم إنما أمر برده حفظا للصلاة عما ينقضها فيعلم أنه لم يرد ما
يفسدها بالكلية فيحمل لفظ المقاتلة على دفع أبلغ من الدفع الأول والله
أعلم.
ويؤيد ذلك ما روت ام سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في
حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمرو بن أبي سلمة فقال بيده
فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " هن أغلب " رواه ابن ماجه وهذا يدل على أنه صلى الله
عليه وسلم لم يجتهد في الدفع (فصل) ويستحب له أن يرد ما مر بين يديه من
كبير وصغير وبهيمة لما روينا من حديث أم سلمة وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت
بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه
(فصل) فإن مر بين يديه إنسان فعبر لم يستحب رده من حيث جاء، وهذا قول
الشعبي والثوري وإسحاق وابن المنذر، وروي عن ابن مسعود أنه يرده من حيث جاء
وفعله سالم بن عبد الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده فيتناول
العابر ولنا أن هذا مرور ثان فينبغي أن لا يتسبب إليه كالأول ولأن المار لو
أراد أن يعود من حيث جاء لكان مأمورا بدفعه ولم يحل للعابر العود والحديث
إنما يتناول من أراد المرور لقوله " فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه "
وبعد العبور فليس هو مريدا للاجتياز (فصل) ولا يقطع المرور الصلاة بل
ينقصها نص عليه وروي عن ابن مسعود: أن ممر الرجل ليضع
(1/608)
نصف الصلاة.
قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله، أما
إذا لم تمكنه الرد فصلاته تامة لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة فلا يؤثر
فيها ذنب غيره والله أعلم (مسألة) (وله عد الآي والتسبيح) لا بأس بعد الآي
في الصلاة، فأما التسبيح فتوقف فيه أحمد، وقال أبو بكر: هو في معنى عد
الآي، وقال ابن أبي موسى: لا يكره في أصح الوجهين وهذا قول الحسن والنخعي
وسعيد بن جبير وطاوس وابن سيرين والشعبي وإسحاق، وكرهه أبو حنيفة والشافعي
لأنه يشغل عن خشوع الصلاة ولنا إجماع التابعين فإنه حكي عمن سمينا من غير
خلاف في عصرهم فكان إجماعا وإنما كره أحمد عد التسبيح دون الآي، لأن
المنقول عن السلف إنما هو عد الآي، وكره الحسن أن يحسب شيئا سواه ولأن
التسبيح يتوالى لقصره فيتوالى حسابه فيصير فعلا كثيرا
(فصل) ولا بأس بالإشارة في الصلاة باليد والعين لما روى ابن عمر وأنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة، روى الدارقطني حديث أنس
بإسناد صحيح، ورواه أبو داود.
وروى الترمذي حديث ابن عمر وقال حسن صحيح (مسألة) (وله قتل الحية والعقرب
والقملة ولبس الثوب والعمامة ما لم يطل) وهو قول الحسن والشافعي واسحاق
وأصحاب الرأي.
وكرهه النخعي لأنه يشغل عن الصلاة، والأول أولى لأن النبي
(1/609)
صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في
الصلاة، الحية والعقرب.
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولا بأس بقتل القمل لأن أنسا
وعمر كانوا يفعلونه.
وقال القاضي: التغافل عنها أولى، وقال الأوزاعي: تركه أحب إلي لأن ذلك يشغل
عن الصلاة لأمر غير مهم يمكن استدراكه بعد الصلاة وربما كثر فأبطلها (فصل)
ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق فاستفتحت فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه،
رواه أبو داود، ورواه أحمد عن عائشة وفيه ووصفت له الباب في القبلة، وروى
أبو قتادة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت زينب
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من
السجود ردها، رواه مسلم.
وصلى أبوبرزة ولجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها وجعل رجل
من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ فلما انصرف قال: إني سمعت قولكم
وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات أو ثمان
وشهدت من تيسيره اني ان كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن ترجع إلى مألفها
فيشق علي، رواه البخاري.
قال لا بأس أن يحمل الرجل ولده في الصلاة الفريضة لحديث أبي قتادة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التحف بإزاره وهو في الصلاة، فلا بأس
أن سقط رداء الرجل أن يرفعه لذلك، وإن انحل
(1/610)
إزاره أن يشده، وإن عتقت الأمة في الصلاة
اختمرت وبنت على صلاتها، وقال من فعل كفعل أبي
برزة حين مشى إلى الدابة حين أفلتت منه فصلاته جائزة وهذا لأن النبي صلى
الله عليه وسلم هو المشرع فما فعله وأمر به فلا بأس به، وقد روى سهل بن سعد
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على منبره فإذا أراد أن يسجد نزل عن
المنبر فسجد بالأرض ثم رجع إلى المنبر كذلك حتى قضى صلاته، وفي حديث جابر
في صلاة الكسوف قال: ثم تأخر وتأخرت الصفوف حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم
وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه متفق عليه.
فكل هذا وأشباهه لا بأس به في الصلاة ولا يبطلها، وإن فعله لغير حاجة كره
ولم يبطلها أيضا لما روى عمرو بن حريث قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ربما يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وربما مسح لحيته وهو يصلي، رواه
البيهقي (فصل) ولا يتقدر الجائز من هذا بثلاث ولا بغيرها من العدد لأن فعل
النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر منه زيادته على ثلاث كتأخره حتى تأخر
الرجال فانتهوا إلى النساء، وكذلك مشي أبي برزة مع دابته ولأن التقدير بابه
التوقيف وهذا لا توقيف فيه لكن يرجع في الكثير واليسير إلى العرف فيما يعد
كثيرا ويسيرا وما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسير (مسألة) (وإن
طال الفعل في الصلاة أبطلها عمده وسهوه إلا أن يفعله متفرقا) متى طال الفعل
في الصلاة وكثر أبطل الصلاة إجماعا عمدا كان أو سهوا إذا كان من غير جنس
الصلاة إلا أن
(1/611)
يكون لضرورة فيكون حكمه حكم الخائف فلا
تتبطل الصلاة به، وإن فعله متفرقا لم تبطل الصلاة أيضاً إذا كان كل عمل
منها يسيرا بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم إمامة ووضعها في كل ركعة
فإن ذلك لو جمع كان كثيراً ولم تبطل به لتفرقه، فإن احتاج إلى الفعل الكثير
لغير ضرورة قطع الصلاة فعله.
قال أحمد إذا رأى صبيين يتخوف أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر فإنه يذهب
إليهما فيخلصهما ويعود في صلاته وقال: إذا لزم رجل رجلا فدخلا المسجد وقد
أقيمت الصلاة فإذا سجد الإمام خرج الملزوم فإن الذي كان يلزمه يخرج في طلبه
يعني ويبتدئ الصلاة وهكذا لو رأى حريقا يريد إطفاءه أو غريقا يريد إنقاذه
خرج إليه وابتدأ الصلاة.
فإن خاف على نفسه من الحريق ونحوه في الصلاة ففر منه بنى على صلاته فأتمها
صلاة خائف على ما ذكرنا من قبل والله أعلم
(مسألة) (ويكره تكرار الفاتحة) لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا عن أصحابه لأنها ركن، وفي إبطال الصلاة بتكررها خلاف فكره لذلك (مسألة)
(ويكره الجمع بين سور في الفرض ولا يكره في النفل) أما الجمع بين السور في
النفل فلا يكره رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا فإن النبي صلى الله عليه
وسلم قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء.
وقال ابن مسعود: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة، متفق عليه وكان
عثمان يختم القرآن في كل
(1/612)
ركعة، وأما الفريضة فيستحب أن يقتصر فيها
على سورة بعد الفاتحة من غير زيادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان
يصلي أكثر صلاته، وهل يكره الجمع بين السورتين فيها؟ على روايتين (إحداهما)
يكره لما ذكرنا (والثانية) لا يكره لأن حديث ابن مسعود مطلق، وروي أن رجلا
من الأنصار كان يؤمهم وكان يقرأ قبل كل سورة (قل هو الله أحد) ثم يقرأ سورة
أخرى معها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ما يحملك على لزوم هذه
السورة في كل ركعة؟ " فقال إني أحبها فقال " حبك إياها أدخلك الجنة " رواه
البخاري تعليقا، ورواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب، وروى الخلال بإسناده
عن ابن عمر أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في كل ركعة، رواه مالك في
الموطأ، فأما قراءة السورة الواحدة في الركعتين يعيدها فلا بأس وقد ذكرناه
(فصل) والمستحب أن يقرأ في الثانية سورة بعد السورة التي قرأها في الركعة
الأولى في النظم، قال أحمد في رواية مهنا أعجب إلي أن يقرأ من البقرة إلى
أسفل لأن ذلك المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وروي عن ابن
مسعود أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلب
__________
1) فيه ان السور لم تكن مرتبة كلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على
التحقيق الذي عليه الجمهور وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ليتزم هذا
الترتيب الذي في المصحف والمراد بالتنكيس المذموم آيلت السورة
(1/613)
وفسره أبو عبيد بذلك، فإن قرأ كذلك فلا بأس
به لأن أحمد قال حين سئل عن ذلك: لا بأس به أليس يعلم الصبي على هذا؟ وقد
روي أن الأحنف قرأ الكهف في الأولى، وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه صلى مع
عمر الصبح فقرأ بهما، استشهد به البخاري (مسألة) (ولا يكره قراءة أواخر
السور وأوساطها.
وعنه يكره) المشهور عن أحمد أنه لا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها في
الصلاة نقلها عنه جماعة لقول الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر منه) ولان أبا
سعيد قال: أمرنا أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر، رواه أبو داود، وروى
الخلال بإسناده أن ابن مسعود كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل
عمران وآخر الفرقان.
وقال أبو برزة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالستين إلى المائة
فيه دليل على أنه لم يكن يقتصر على قراءة سورة، ولأن آخرها أحد طرفي السورة
فلم يكره كأولها، وعن أحمد أنه يكره في الفرض نقلها عنه المروذي وقال: سورة
أعجب إلي، وقال المروذي: وكان لأبي عبد الله قرابة يصلي به فكان يقرأ في
الثانية من الفجر بآخر السورة فلما أكثر قال أبو عبد الله: تقدم أنت فصل،
فقلت له هذا يصلي بكم منذ كم؟ قال دعنا منه يجئ بآخر السور وكرهه، قال
شيخنا رحمه الله ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما
نقل عنه وكره المداومة على خلاف ذلك فإن المنقول عن النبي صلى الله عليه
وسلم قراءة السورة أو بعض السور من أولها، ونقل عنه رواية ثالثة أنه يكره
قراءة أوسط السورة دون آخرها لما روينا في آخر السور عن عبد الله بن مسعود
ولم ينقل مثل ذلك في وسطها، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يقرأ آخر
السورة في الركعة فقال أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن يزيد
وغيره؟
(1/614)
(فصل) فأما قراءة أوائل السور فلا خلاف في
أنه غير مكروه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ من سورة المؤمنين إلى ذكر
موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع، وقرأ سورة الأعراف في المغرب فرقها مرتين،
رواه النسائي (مسألة) (وله أن يفتح على الإمام إذا أرتج عليه في الصلاة وإن
يرد عليه إذا غلط) لا بأس به
في الفرض والنفل روى ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر وهو قول جماعة من
التابعين، وكرهه ابن مسعود وشريح والثوري، وقال أبو حنيفة تبطل به الصلاة
لما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يفتح
على الإمام " وقال ابن عقيل إن كان في النفل جاز ذلك وإن كان في الفرض
وارتج عليه في الفاتحة فتح عليه وإلا فلا ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي "
أصليت معنا؟ " قال نعم، قال " فما منعك؟ " رواه أبو داود قال الخطابي
اسناده جيد، وعن ابن عباس قال تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
القراءة في صلاة الصبح فلم يفتحوا عليه فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم
فقال " أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب؟ " قالوا لا فرأى القوم إنما فقده
ليفتح عليه.
وروى مسور بن يزيد المالكي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في
الصلاة فترك آية من القرآن فقيل يا رسول الله آية كذا وكذا تركتها فقال "
فهلا أذكرتنيها؟ " رواه أبو داود،
(1/615)
ولأنه تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها
أشبه التسبيح، وحديث علي يرويه الحارث قال الشعبي كان كذابا، وقال أبو داود
لم يسمع إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها (فصل) فإن ارتج على
الإمام في الفاتحة فعلى المأموم أن يفتح عليه كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه
بالتسبيح، فإن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم، وكذلك لو
عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام به كالركوع فإنه يستخلف من يتم
بهم كما لو سبقه الحدث، بل الاستخلاف ههنا أولى لأن من سبقه الحدث قد بطلت
صلاته وهذا صلاته صحيحة، وإذا لم يقدر على إتمام الفاتحة فقال ابن عقيل
يأتي بما يحسن ويسقط عنه ما عجز عنه وتصح صلاته لأن القراءة ركن من أركان
الصلاة فإذا عجز عنه في أثناء الصلاة سقط كالقيام، فأما المأموم فإن كان
أميا صحت صلاته أيضاً، وإن كان قارئا نوى مفارقته وصلى وحده ولا يصح له
إتمام الصلاة خلفه لأن هذا قد صار في حكم الأمي، قال شيخنا والصحيح أنه إذا
لم يقدر على قراءة الفاتحة تفسد صلاته لأنه قادر على الصلاة بقراءتها فلم
تصح صلاته لعموم قوله عليه السلام " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "
ولا يصح قياس
هذا على الأمي لأن الأمي لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت لم تصح صلاته
بدونها وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف فيه ويصلي، ولا يصح قياسه على
أركان الأفعال لأن خروجه من الصلاة لا يزيل عجزه عنها بخلاف هذا
(1/616)
(فصل) ويكره أن يفتح من هو في الصلاة على
من هو في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة لأن ذلك يشغله عن صلاته وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم " إن في الصلاة لشغلا " فإن فعل لم تبطل صلاته
لأنه قرآن إنما قصد قراءته دون خطاب الآدمي أشبه مالو رد على إمامه.
وقال ابن عقيل في المصلي إذا رد على من ليس في الصلاة إن كان في النفل فلا
بأس، وإن كان في الفرض فهل تبطل صلاته؟ يخرج على روايتين فأما غير المصلي
فلا بأس أن يفتح على المصلي وقد روى النجاد بإسناده قال كنت قاعدا بمكة
فإذا رجل عند المقام يصلي وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه فإذا هو عمر رضي الله
عنه (مسألة) (وإذا نابه شئ مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح إن كان
رجلا وإن كانت امرأة صفحت ببطن كفها على الأخرى) وجملته أنه إذا سها الإمام
فأتى بفعل في غير موضعه لزم المأمومين تنبيهه، فإن كانوا رجالا سبحوا به،
وإن كانوا نساء صفقن ببطون أكفهن على ظهر الأخرى وبه قال الشافعي، وقال
مالك: يسبح الرجل والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ في
صلاته فليسبح الرجال ولتصفح النساء " متفق عليه ولنا ما روى سهل بن سعد
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نابكم شئ في صلاتكم فليسبح
الرجال، ولتصفح النساء " متفق عليه (فصل) وإذا سبح لتنبيه إمامه أو
لاستئذان إنسان عليه وهو في الصلاة أو كلمه بشئ أو نابه
(1/617)
أمر في صلاته فسبح ليعلمه أنه في صلاة أو
خشي على إنسان الوقوع في شئ فسبح به، أو خشي أن يتلف بشئ فسبح ليتركه أو
ترك إمامه ذكرا فرفع صوته به ليذكره لم يؤثر في الصلاة في قول أكثر أهل
العلم منهم الأوزاعي والشافعي وإسحاق.
وحكي عن أبي حنيفة: أن تنبيه الآدمي
بالتسبيح أو القرآن أو الإشارة يبطل الصلاة لأن ذلك خطاب آدمي فيدخل في
عموم أحاديث النهي عن الكلام لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " من أشار في الصلاة إشارة تفقه أو تفهم فقد قطع الصلاة " ولنا ما روى
أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التسبيح للرجال،
والتصفيق للنساء " متفق عليه، ولما ذكرنا من حديث سهل بن سعد: وعن ابن عمر
قال: قلت لبلال كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا
يسلمون عليه في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.
وعن صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد علي
إشارة قال الترمذي كلا الحديثين صحيح.
وقد ذكرنا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة رواه
أبو داود.
وعن علي قال: كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فان كان في
صلاة سبح، وإن كان في غير صلاة أذن، وحديث أبي حنيفة يرويه أبو غطفان وهو
مجهول فلا تعارض به الأحاديث الصحيحة (فصل) فإن عطس في الصلاة فقال: الحمد
لله، أو لسعه شئ فقال بسم الله، أو سمع أو
(1/618)
رأى ما يغمه فيقول إنا لله وإنا إليه
راجعون.
أو رأى ما يعجبه فقال سبحان الله - كره له ذلك ولم تبطل الصلاة، نص عليه
أحمد في رواية الجماعة فيمن عطس فحمد الله لم تبطل صلاته.
ونقل عنه مهنا فيمن قيل له في الصلاة ولد لك غلام فقال: الحمد لله.
أو قيل احترق دكانك فقال: لا إله إلا الله، أو ذهب كيسك فقال لا حول ولا
قوة إلا بالله فقد مضت صلاته وهذا قول الشافعي وأبي يوسف لما روي عن علي
رضي الله عنه أنه قال له رجل من الخوارج وهو في صلاة الغداة (لئن أشركت
ليحبطن عملك) الآية قال فأنصت له حتى فهم ثم أجابه وهو في الصلاة (فاصبر إن
وعد الله حق) الآية رواه النجاد بإسناده، واحتج به أحمد، وقال أبو حنيفة:
تفسد صلاته لأنه كلام آدمي، وقد روي نحو ذلك عن أحمد فإنه قال: فيمن قيل له
ولد لك غلام فقال: الحمد لله رب العالمين، أو ذكر مصيبة فقال (إنا لله وإنا
إليه راجعون) قال يعيد الصلاة قال القاضي هذا محمول على من قصد خطاب
الآدمي، ووجه الأول ما ذكرنا من حديث علي، وروى عامر بن ربيعة قال عطس شاب
من الأنصار
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقال: الحمد لله حمدا
كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يرضى ربنا وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة.
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من القائل الكلمة؟ فإنه لم
يقل بأسا ما تناهت دون العرش " رواه أبو داود، ولأن ما لا يبطل الصلاة
ابتداء لا يبطلها إذا أتى به عقيب سبب كالتسبيح لتنبيه إمامه قال الخلال:
اتفقوا عن أبي عبد الله
(1/619)
أن العاطس لا يرفع صوته بالحمد، وإن رفع
فلا بأس لحديث الأنصاري.
قال أحمد: في الامام يقول لا إله إلا الله فيقول من خلفه لا إله إلا الله
يرفعون بها أصواتهم قال: يقولون ولكن يخفضون.
وانما لم يكره أحمد ذلك كما كره القراءة خلف الإمام لأنه يسير لا يمنع
الانصات كالتأمين.
قيل لأحمد فان رفعوا أصواتهم بهذا؟ قال: أكرهه قيل فينهاهم الإمام؟ قال لا.
قال القاضي: إنما لم ينههم لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الإخفات (فصل) قيل لأحمد اذا قرأ (أليس
ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) هل يقول سبحان ربي الأعلى؟ قال إن شاء وإلا
فيما بينه وبين نفسه ولا يجهر به، وقد روي عن علي أنه قرأ في الصلاة (سبح
اسم ربك الأعلى) فقال سبحان ربي الاعلى.
ومن ابن عباس أنه قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فقال: سبحانك
وبلى، وعن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ
(أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك فقال
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود (فصل) فإن قرأ
القرآن يقصد به تنبيه آدمي مثل أن يستأذن عليه فيقول (ادخلوها بسلام آمنين)
أو يقولون لرجل اسمه يحيى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) فقد روي عن أحمد أنه
يبطل الصلاة، وهو قول أبي حنيفة لأنه خطاب آدمي أشبه ما لو كلمه.
وروي عنه ما يدل على أنها لا تبطل فإنه احتج
(1/620)
بحديث علي مع الخارجي قال له (اصبر إن وعد
الله حق) وروي نحو هذا عن ابن مسعود وابن أبي ليلى، فروى الخلال بإسناده عن
عطاء بن السائب قال: استأذنا على عبد الرحمن بن أبي ليلى
وهو يصلي فقال (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ولأنه قرآن فلم يفسد الصلاة
كما لو لم يقصد به التنبيه، وقال القاضي: إن قصد التلاوة حسب لم تفسد
صلاته، وإن حصل التنبيه، وإن قصد التنبيه حسب فسدت صلاته لأنه خاطب آدميا،
وإن قصدهما ففيه وجهان (أحدهما) لا تفسد وهو مذهب الشافعي لما ذكرنا من
الآثار والمعنى (والثاني) تفسد صلاته لأنه خاطب آدميا أشبه ما لو لم يقصد
التلاوة.
فأما إن أتى بما لا يتميز به القرآن عن غيره كقوله لرجل اسمه إبراهيم يا
إبراهيم ونحوه فسدت صلاته لان هذا كلام الناس ولم يتميز عن كلامهم بما
يتميز به القرآن أشبه مالو جمع بين كلمات مفرقة من القرآن فقال يا إبراهيم
خذ الكتاب الكبير (مسألة) (وان بدره البصاق بصق في ثوبه، وإن كان في غير
المسجد جاز أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه) لما روى أبو هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل علي الناس فقال " ما
بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فينتخع في
وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فان لم يجد فليقل هكذا
" ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البصاق في المسجد
(1/621)
خطيئة وكفارتها دفنها " رواه مسلم (1)
(مسألة) (ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل آخرة الرحل) يستحب للمصلي الصلاة إلى
سترة فان كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو إلى سارية، وإن كان في فضاء
صلى إلى شئ شاخص بين يديه إما إلى حربة أو عصا أو يعرض البعير فيصلي إليه،
لا نعلم في استحباب ذلك خلافا وسواه ذلك في الحضر والسفر لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كانت تركز له الحربة فيصلي إليها، ويعرض البعير فيصلي إليه.
وفي حديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له عنزة فتقدم فصلى
الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع، متفق عليه.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضع
أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبال من مر من وراء ذلك " رواه
مسلم
(فصل) وقدر طولها ذراع أو نحوه يروي ذلك عن عطاء والثوري وأصحاب الرأي،
وعنه أنها قدر عظم الذراع وهو قول مالك والشافعي وهذا ظاهر التقريب لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قدرها بمؤخرة الرحل وهي تختلف فتارة تكون ذراعا
وتارة تكون أقل فما قارب الذراع أجزاء الاستتار به فأما قدرها في الغلط فلا
نعلم فيه حدا فقد تكون غليظة كالحائط ورقيقة كالسهم فإن النبي صلى الله
عليه
__________
1) لعل الاصل رواهما مسلم والا فاثاني متفق عليه وهو في الصحيحين بلفظ
البزاق بالزاي
(1/622)
وسلم كان يستتر بالعنزة، وقال أبو سعيد كان
يستتر بالسهم والحجر في الصلاة إلا أن أحمد قال ما كان أعرض فهو أعجب إلي
لما روي عن سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " استتروا في الصلاة ولو
بسهم " رواه الأثرم، فقوله " ولو بسهم " يدل على أن غيره أولى منه (فصل)
ويستحب أن يدنو من سترته لما روى سهل بن أبي حثمة يرفعه أنه قال " إذا صلى
أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته " رواه أبو داود،
وعن سهل بن سعد قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السترة ممر
الشاة، رواه البخاري.
ولأن قربه من السترة أصون لصلاته وأبعد من أن يمر بينه وبينها شئ، وينبغي
أن يكون مقدار ذلك ثلاثة أذرع فما دون قال أحمد أن ابن عمر قال: صلى النبي
صلى الله عليه وسلم في الكعبة فكان بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، وكان عبد
الله بن مغفل يجعل بينه وبين سترته ستة أذرع، وقال عطاء أقل ما يكفيك ثلاثة
أذرع وهو قول الشافعي لخبر ابن عمر، وكلما دنا فهو أفضل لما ذكرنا من
الأخبار والمعنى، قال مهنا سألت أحمد عن الرجل يصلي كم ينبغي أن يكون بينه
وبين القبلة؟ قال يدنو من القبلة ما استطاع (فصل) ولا بأس أن يستتر ببعير
أو حيوان فعله ابن عمر وأنس، وقال الشافعي لا يستتر بدابة
(1/623)
ولنا ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى إلى بعير، رواه البخاري، وفي لفظ قال: قلت فإذا ذهب الركاب
قال: كان يعرض الرحل ويصلي إلى آخرته، فإن استتر بإنسان فلا بأس
لأنه يقوم مقامه، وقد روي عن حميد بن هلال قال: رأي عمر بن الخطاب رجلا
يصلي والناس يمرون بين يديه فولاه ظهره وقال بثوبه هكذا - وبسط يديه هكذا -
وقال صل ولا تعجل، وعن نافع كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من
سواري المسجد قال لنافع ولني ظهرك، رواهما النجاد.
فأما الصلاة إلى وجه الإنسان فتكره لأن عمر أدب على ذلك، وعن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين
القبلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا، متفق عليه
(مسألة) (فإن لم يجد خط خطا وصلى إليه وقام ذلك مقام السترة) نص عليه أحمد
وبه قال سعيد ابن جبير والاوزاعي، وأنكره مالك والليث وأبو حنيفة، وقال
الشافعي بالخط بالعراق وقال بمصر لا يخط المصلي خط إلا أن يكون فيه سنة
تتبع
(1/624)
ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب
عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره من مر أمامه (1) " رواه أبو
داود وصفة الخط مثل الهلال.
قال أبو داود: سمعت أحمد غير مرة وسئل عن الخط فقال هكذا عرضا مثل الهلال
قال وسمعت مسددا قال: قال ابن أبي داود الخط بالطول وقال في رواية الأثرم
قالوا طولا وقالوا عرضا وأما أنا فأختار هذا ودور بأصبعه مثل القنطرة
وكيفما خطه أجزأ لأن الحديث مطلق فكيفما أتى به فقد أتى بالخط والله أعلم
(فصل) فان كا معه عصا لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا نقله الأثرم،
وكذلك قال سعيد ابن جبير والاوزاعي، وكرهه النخعي ولنا أن هذا في معنى الخط
الذي ثبت استحبابه بالحديث الذي رويناه (فصل) وإذا صلى إلى عود أو عمود أو
نحوه استحب أن ينحرف عنه ولا يصمد له لما روى أبو داود عن المقداد بن
الأسود قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى عود أو إلى
__________
1) هذا لفظ ابن حبان ولم يذكره المصف ولفظ أبي داود (ما مر)
وهو أعم
(1/625)
عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن
أو الأيسر ولا يصمد له صمدا؟ أي لا يستقبله فيجعله وسطا، ومعنى الصمد القصد
(فصل) وتكره الصلاة إلى المتحدثين لئلا يشتغل بحديثهم، واختلف في الصلاة
إلى النائم فروي أنه يكره روى ذلك عن ابن مسعود وسعيد بن جبير.
وعنه ما يدل على أنه إنما يكره في الفريضة خاصة لأن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصلي من الليل وعائشة معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة متفق عليه،
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى النائم والمتحدث،
رواه أبو داود خرج التطوع منه لحديث عائشة وبقي الفرض على مقتضى العموم.
وقيل لا يكره فيهما لأن حديث عائشة صحيح، وحديث النهي ضعيف، قاله الخطابي،
وتقديم قياس الخبر الصحيح أولى من الضعيف.
ويكره أن يصلي إلى نار قال أحمد: إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه،
وكره ابن سيرين ذلك.
قال أحمد في السراج والقنديل يكون في القبلة: أكرهه، وأما كره ذلك لأن
النار تعبد من دون الله فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها، وقال أحمد: لا تصل
إلى صور منصوبة في وجهك
(1/626)
وذلك لأن الصورة تعبد من دون الله، وقد روي
عن عائشة قالت: كان التابوت فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يصلي فنهاني أو قالت كره ذلك، رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم
بإسناده، ولأن المصلي يشتغل بها عن صلاته.
قال أحمد: يكره أن يكون في القبلة شئ معلق مصحف أو غيره، ولا بأس أن يكون
موضوعا إلى الأرض، وروى مجاهد قال: لم يكن ابن عمر يدع بينه وبين القبلة
شيئا إلا نزعه لا سيفا ولا مصحفا، رواه الخلال.
قال أحمد: ولا يكتب في القبلة شئ لأنه يشغل قلب المصلي وربما اشتغل بقراءته
عن الصلاة، وكذلك يكره التزويق وكل ما يشغل المصلي عن صلاته فإنه روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة " أميطي عنا قرامك فإنه لا تزال
تصاويره تعرض لي في صلاتي " رواه البخاري، وإذا كان النبي صلى الله عليه
وسلم
مع ما أيده الله به من العصمة والخشوع يشغله ذلك فغيره من الناس أولى،
ويكره أن يصلي وأمامه امرأة تصلي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أخروهن من حيث أخرهن الله " وإن كانت عن يمينه أو يساره لم يكره وإن كانت
تصلي، وكره أحمد أن يصلي وبين يديه كافر، وروي عن إسحاق لأن المشركين نجس
(1/627)
(فصل) ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة
روى ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد وقال الأثرم: قيل لاحمد الرجل يصلي
بمكة ولا يستتر بشئ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم
ليس بينه وبين الطواف سترة قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها لما روى الأثرم
باسناده عن المطلب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعة
جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعته في حاشية المطاف وليس
بينه وبين الطواف أحد.
وقال عمار بن أبي عمار رأيت ابن الزبير جاء يصلي والطواف بينه وبين القبلة،
تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها، رواه
حنبل في كتاب المناسك.
قال المعتمر: قلت لطاوس الرجل يصلي ركعتين بمكة فيمر بين يديه الرجل
والمرأة فقال: أولا ترى الناس يبك بعضه بعضا وإذا هو يرى أن لهذا البلد
حالا ليس لغيره، وذلك لا الناس يكثرون بها لأجل قضاء النسك ويزدحمون فيها
ولذلك سميت بكة لان الناس يتباكون فيها أي يزدحمون ويدفع بعضهم بعضا فلو
منع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس.
وحكم الحرم كله حكم مكة في هذا بدليل قول ابن عباس: أقبلت راكبا على حمار
(1/628)
أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي
بالناس إلى غير جدار، متفق عليه، ولأن الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى
مجرى مكة في ذلك (فصل) فإن صلى في غير مكة إلى غير سترة فلا بأس لما روى
ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء ليس بين يديه شئ، رواه
البخاري، قال أحمد في رجل يصلي في فضاء ليس بين يديه سترة ولا خط: صلاته
جائزة فأحب إلي أن يفعل
(مسألة) (فإن مر من ورائها شئ لم يكره حتى لو صلى إلى سترة فمر من ورائها
ما يقطع الصلاة لم تنقطع وإن مر غير ذلك لم يكره) لما ذكرنا من الأحاديث
وإن مر بينه وبينها قطعها إن كان مما يقطعها وكره إن كان مما لا يقطعها
(مسألة) (وإن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم بطلت صلاته وفي
المرأة والحمار روايتان) إذا مر الكلب الأسود بين يدي المصلي قريبا منه قطع
صلاته بغير خلاف في المذهب، وهذا قول عائشة وروي عن معاذ ومجاهد والبهيم
الذي ليس في لونه شئ سوى السواد لما روى أبو ذر
(1/629)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل
آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود " قال عبد الله
بن الصامت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟
فقال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال "
الكلب الأسود شيطان " رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وفي المرأة والحمار
روايتان (إحداهما) لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود نقلها عنه الجماعة وهو
قول عائشة لما روى الفضل بن عباس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمار لنا وكلبة يعبثان بين
يديه فما بالي ذلك.
رواه أبو داود.
وعن ابن عباس قال أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم
يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع
فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد.
وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها
وأنا معترضة بينه وبين القبلة، متفق عليهما وقد ذكرنا
(1/630)
حديث زينب بنت أبي سلمة حين مرت بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقطع صلاته، رواه ابن ماجه، (والثانية) أن
المرأة والحمار يقطعان الصلاة لما ذكرنا من حديث أبي ذر: وروى أبو هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقطع الصلاة المرأة والحمار
والكلب " رواه مسلم.
فأما حديث عائشة فقد قيل ليس بحجة لأن حكم الوقوع يخالف حكم المرور بدليل
كراهة المرور بين يدي المصلي بخلاف
الاعتراض.
وحديث ابن عباس ليس فيه إلا أنه مر بين يدي بعض الصف، وسترة الإمام سترة
لمن خلفه.
روي هذا القول عن أنس لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى سترة ولم
ينقل أنه أمر أصحابه بنصب سترة أخرى.
وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقال ويجوز أن يكونا بعيدين.
وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي والشافعي لا يقطع الصلاة شئ لما ذكرنا من
الأحاديث ولما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقطع
الصلاة شئ " رواه أبو داود
(1/631)
ولنا حديث أبي هريرة وأبي ذر، وقد أجبنا عن
الأحاديث المتقدمة.
وحديث أبي سعيد يرويه مجالد وهو ضعيف فلا يعارض به الصحيح وهو عام
وأحاديثنا خاصة فيجب تقديمها (فصل) ولا يقطع الصلاة غير ما ذكرنا لأن تخصيص
النبي صلى الله عليه وسلم لها بالذكر يدل على عدمه فيما سواها، وقال ابن
حامد: هل يقطع الصلاة مرور الشيطان؟ على وجهين (أحدهما) يقطع وهو قول بعض
أصحابنا لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم قطع الكلب الصلاة بكونه شيطانا
(والثاني) لا يقطع اختاره القاضي، ومتى كان في الكلب الأسود لون غير السواد
لم يقطع الصلاة وليس ببهيم إلا أن يكون بين عينيه نكتتان تخالفان لونه فلا
يخرج بهما عن اسم البهيم.
وأحكامه في قطعه الصلاة وتحريم صيده وإباحة قتله لأنه قد روي في حديث "
عليكم بالأسود البهيم ذي القرنين فإنه شيطان " وإنما خصصنا قطع الصلاة
بالأسود البهيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطانا في
(1/632)
حديث أبي ذر، وقال عليه السلام " لولا أن
الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم فإنه شيطان "
فبين أن الشيطان هو الأسود البهيم (فصل) ولا فرق بين الفرض والتطوع فيما
ذكرنا لعموم الأدلة، وقد روي عن أحمد ما يدل على التسهيل في التطوع.
والصحيح التسوية لأن مبطلات الصلاة في غير هذا يتساوى فيها الفرض والتطوع،
وقال أحمد يحتجون بحديث عائشة بأنه في التطوع وما أعلم بين الفريضة والتطوع
فرقا إلا أن التطوع يصلي على الدابة
(فصل) فإن كان الكلب الأسود البهيم واقفا بين يديه أو نائما ولم يمر ففيه
روايتان (إحداهما) يبطل قياسا على المرور ولأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " ولم يذكر مرورا، وقد قالت
عائشة: عدلتمونا بالكلاب والحمر، وذكرت في معارضة ذلك ودفعه أنها
(1/633)
كانت تكون معترضة بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم كاعتراض الجنازة (والثانية) لا تبطل به الصلاة لأن الوقوف
والنوم مخالف لحكم المرور بدليل أن عائشة كانت تنام بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلا يكرهه ولا ينكره، وقد قال في المار " كان أن يقف أربعين
خير له من أن يمر بين يديه " وكان ابن عمر يقول لنافع: ولني ظهرك ليستتر
ممن يمر بين يديه، وقعد عمر بين يدي المصلي يستره من المرور، وإذا اختلف
حكم الوقوف والمرور فلا يقاس عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم " يقطع
الصلاة " لابد فيه من اضمار المرور أو غيره فإنه لا يقطعها إلا بفعله، وقد
جاء في بعض الأخبار فيتعين حمله عليه (فصل) والذي يقطع الصلاة مروره إنما
يقطعها إذا مر قريبا والذي لا يقطع الصلاة إنما يكره له المرور إذا كان
قريبا أيضا فأما البعيد فلا يتعلق به حكم، قال شيخنا ولا أعلم أحداً من أهل
العلم
(1/634)
حد البعيد في ذلك ولا القريب إلا أن عكرمة
قال: إذا كان بينك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة بحجر لم يقطع الصلاة وروى
أبو داود وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال " إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار
والخنزير والمجوسي واليهودي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا وبين يديه قذفة
بحجر " هذا لفظ رواية أبي داود وفي رواية عبد " والنصراني والمرأة الحائض "
فلو ثبت هذا الحديث تعين المصير إليه غير أنه لم يجزم برفعه، وفيه ما هو
متروك بالإجماع وهو ما عدا الثلاثة المذكورة ولا يمكن تقييد ذلك بموضع
السجود كما قال بعضهم، فإن قوله عليه السلام " إذا لم يكن بين يديه مثل
آخرة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود " يدل على أن ما هو أبعد من السترة
تنقطع فيه بمرور الكلب، والسترة تكون أبعد من موضع السجود.
قال شيخنا: والصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه المصلي ودفع المار بين يديه
لا بطل
(1/635)
صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
بدفع المار بين يديه فتقيد بدلالة الإجماع بما يقرب منه بحيث إذا مشى إليه
لا تبطل صلاته، واللفظ في الحديثين واحد، وقد تعذر حملهما على الإطلاق، وقد
تقيد أحدهما بالإجماع فينبغي أن يقيد الآخر به والله أعلم (فصل) وإذا صلى
إلى سترة مغصوبة فاجتاز وراءها ما يقطع الصلاة قطعها في أحد الوجهين ذكرهما
ابن حامد لأنه ممنوع من نصبها والصلاة إليها فوجودها كعدمها (والثاني) لا
تبطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفى ذلك مثل آخرة الرحل " وقد وجد
واصل الوجهين إذا صلى في ثوب مغصوب وفيه روايتان (فصل) وسترة الإمام سترة
لمن خلفه، نص عليه أحمد، وروي عن ابن عمر قال الترمذي: قال أهل العلم سترة
الإمام سترة لمن خلفه وهو قول الفقهاء السبعة والنخعي ومالك والشافعي
وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب
سترة أخرى وفي حديث ابن عباس
(1/636)
قال: أقبلت على حمار أتان والنبي صلى الله
عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت
وأرسلت الأتان يرتع ودخلت في الصف فلم ينكر علي أحد، متفق عليه، ومعنى
قولهم سترة الإمام سترة لمن خلفه أنه متى لم يحل بين الإمام وسترته شئ يقطع
الصلاة لم يضر المأمومين مرور شئ بين أيديهم في بعض الصف ولا فيما بينهم
وبين الإمام، وإن مر بين يدي الإمام ما يقطع صلاته قطع صلاتهم، وقد دل على
ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة يعني إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه
فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من
وراثه، رواه أبو داود فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه
وخلفه فرق (مسألة) (ويجوز له النظر في المصحف) يجوز له النظر في المصحف في
صلاة التطوع قال أحمد
(1/637)
لا بأس ان يصلي بالناس القيام وهو يقرأ في
المصحف قيل له الفريضة؟ قال لم أسمع فيها بشئ وسئل
الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال: كان خيارنا يقرءون في
المصاحف، روي عن عطاء ويحيى الأنصاري، ورويت كراهته عن سعيد بن المسيب
والحسن ومجاهد وابراهيم لأنه يشغل عن الخشوع في الصلاة، وقال القاضي: لا
بأس به في التطوع إذا لم يحفظ، فإن كان حافظا كره لأن أحمد سئل عن الإمامة
في المصحف في رمضان قال إن اضطر الى ذلك، وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة إذا
لم يكن حافظا لأنه عمل طويل، وروي عن ابن عباس قال: نهانا أمير المؤمنين إن
نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم.
رواه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف ولنا أن عائشة كان يؤمها عبد لها
في المصحف، رواه الأثرم، وقول الزهري: ولأنه نظر إلى موضع معين فلم نبطل
الصلاة كالحافظ، وأما فعله في الفرض ففيه روايتان (إحداهما) يكره اختاره
(1/638)
القاضي لأنه يشغل عن خشوع الصلاة ولا يحتاج
إليه (والثانية) لا يكره، ذكره ابن حامد.
وقال القاضي في المجرد: أن قرأ في التطوع في المصحف لم تبطل صلاته وان فعل
ذلك في الفريضة فهل يجوز؟ على روايتين (فصل) وإذا قرأ في كتاب في نفسه ولم
ينطق بلسانه فقد نقل المروذي عن أحمد أنه كان يصلي وهو ينظر إلى جزء إلى
جانبه، فظاهره أن الصلاة لا تبطل.
وقال جماعة من أصحابنا تبطل الصلاة إذا تطاول: وكان ابن حامد يقول: إذا طال
عمل القلب أبطل كعمل اليدين.
والمذهب أن الصلاة لا تبطل ذكره القاضي (مسألة) (وإذا مرت به آية رحمة أن
يسألها أو آية عذاب أن يستعيذ منها، وعنه يكره ذلك في الفرض) لا بأس بذلك
في صلاة التطوع لأن حذيفة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
فأما الفريضة فعنه إباحته فيها كالنافلة لأنه دعاء وخير.
وعنه الكراهة لأنه إنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1/639)
في النافلة فينبغي الاقتصار عليه والله
أعلم (فصل) قال رحمه الله (أركان الصلاة اثنا عشر، القيام وتكبيرة الإحرام،
وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين،
والطمأنينة في هذه الأفعال،
والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة الأولى، والترتيب، من ترك منها شيئا
عمدا بطلت صلاته) المشروع في الصلاة قسمان.
واجب ومسنون، والواجب ينقسم إلى قسمين (أحدهما) لا يسقط في عمد ولا سهو،
وهي الأركان التي ذكرها المصنف، إلا أن قراءة الفاتحة إنما تجب على الإمام
والمنرد والقيام يسقط في النافلة، وفي وجوب بعضها اختلاف ذكرناه، وقد ذكرنا
أدلتها في أثناء الباب سوى الترتيب ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلاها مرتبة وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقد دل على وجوب أكثرها ماروى
أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل
(1/640)
فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه
وسلم فقال " ارجع فصل فانك لم تصل " ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن
غيره فعلمني قال " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن
ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن؟؟؟،
ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا.
ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " متفق عليه وزاد مسلم " إذا قمت إلى الصلاة
فأسبغ الوضوء ثم إستقبل القبلة فكبر " فدل ذلك على أن هذه المسماة في
الحديث لا تسقط بحال فإنها لو سقطت لسقطت عن الأعرابي لجهله، والجاهل
كالناسي.
فأما أحكام تركها فان كان عمداً بطلت صلاته في الحال، وإن كان سهوا ثم ذكره
في الصلاة أتى به على ما سنذكره إن شاء الله.
وإن لم يذكره حتى سلم وطال الفصل بطلت الصلاة وإن لم يطل الفصل بنى على ما
مضى من صلاته نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول الشافعي.
وقال بعض أصحابنا
(1/641)
متى لم يذكره حتى سلم بطلت صلاته.
وقال الأوزاعي فيمن نسي سجدة من صلاة الظهر فذكرها في صلاة العصر: يمضي في
صلاته فإذا فرغ سجدها ولنا على أن الصلاة لا تبطل مع قرب الفصل أنه لو ترك
ركعة أو كبر وذكر قبل طول الفصل أتى بما ترك ولم تبطل صلاته إجماعا وقد دل
على ذلك حديث ذي اليدين، فإذا ترك ركنا واحدا فأولى أن لا تبطل.
والدليل على ان الصلاة تبطل بطول الفصل أنه أخل بالموالاة فبطلت صلاته كما
لو ذكر
في يوم ثان والمرجع في طول الفصل إلى العرف وبه قال بعض الشافعية.
وقال بعضهم الفصل الطويل قدر ركعة وهو نص الشافعي.
وقال الخرقي في سجود السهو إذا تركه يسجد ما كان في المسجد لأنه محل للصلاة
فيحد قرب الفصل وبعده به.
والأولى حده بالعرف لأنه لا حد له في الشرع فرجع فيه إلى العرف كسائر ما
لاحد له ولا يجوز التقدير بالتحكم
(1/642)
(فصل) ومتى كان المتروك سالما أتى به فحسب،
وإن كان تشهدا أتى به وبالسلام، وإن كان غيرهما أتى بركعة كاملة.
وقال الشافعي يأتي بالركن وما بعده لا غير.
ويأتي الكلام عليه إن شاء الله وتختص تكبيرة الإحرام من بين سائر الأركان
لأن الصلاة لا تنعقد بتركها لأنها تحريمها فلا يدخل في الصلاة بدونها،
ويختص السلام بأنه إذا نسيه أتى به وحده وقد ذكرناه (مسألة) (وواجباتها
تسعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة،
والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، وسؤال المغفرة بين السجدتين مرة،
والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في
التشهد الأخير في رواية) هذا هو القسم الثاني من الواجبات، وفي وجوبها
روايتان (إحداهما) هي واجبة وهو قول إسحاق (والرواية الثانية)
(1/643)
أنها غير واجبة وهو قول أكثر الفقهاء إلا
أن الشافعي قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجعلها من
الأركان وهو رواية عن احمد لحديث كعب بن عجرة، ودليل عدم وجوبها أن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسئ في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت
الحاجة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقال " صلوا كما رأيتموني
أصلي " وقد روى أبو داود باسناده عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " لا تتم الصلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع
الوضوء مواضعه، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه، ويقرأ بما شاء من القرآن،
ثم يقول الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول سمع الله لمن حمده
حتى يستوي قائما
(1/644)
ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن
مفاصله، ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر
ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته
" وفي رواية " لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك " وهذا نص في وجوب التكبير
وقد ذكرنا
(1/645)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في
الركوع والسجود، ولأن مواضع هذه الأركان أركان فكان فيها ذكر واجب كالقيام
وقد أشرنا إلى أدلة الباقي منها.
فأما حديث المسئ في صلاته فلم يذكر فيه جميع الواجبات بدليل أنه لم يعلمه
التشهد ولا السلام، فلعله اقتصر على تعليم ما أساء فيه ولا يلزم
(1/646)
من التساوي في الوجوب التساوي في الأحكام
بدليل واجبات الحج.
وقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليم التكبير وهو زيادة يجب قبولها (مسألة)
قال (ومن ترك منها شيئا عمدا بطلت صلاته، ومن تركه سهوا ترك للسهو.
وعنه
(1/647)
أن هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها) وحكم
هذه إذا قلنا بوجوبها أنه إن تركها عمدا بطلت صلاته لأنها واجبة أشبهت
الأركان، وإن تركها سهوا جبرها بسجود السهو لأن النبي صلى الله عليه وسلم
لما قام إلى الثالثة وترك التشهد الأول سجد سجدتين قبل أن يسلم في حديث ابن
نجيه ولولا أنه سقط
(1/648)
بالسهو لرجع إليه، ولولا أنه واجب لما سجد
لجبره لأنه لا يزيد في الصلاة زيادة محرمة لجبر ما ليس بواجب، وغير التشهد
من الواجبات مقيس عليه، ولا يمتنع أن يكون لعبادة واجب يجبر إذا تركه
وأركان لا تصح إلا بها كالحج، ويختص التسميع لسقوطه عن المأموم.
وذكر ابن عقيل رواية فيمن
(1/649)
ترك شيئاً من الواجبات ساهيا أن صلاته تبطل
كالأركان.
قال والأول أصح وهو أنها تنجبر بسجود السهو (مسألة) وسنن الأقوال اثنا عشر،
الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم،
وقول آمين، وقراءة السورة، والجهر، والإخفات، وقول ملء السموات (1) بعد
التحميد، وما زاد على
__________
1) أي الخ الثناء المعروف
(1/650)
التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى
المرة في سؤال المغفرة، والتعوذ في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر، فهذه
سنن لا تبطل الصلاة بتركها ولا يجب السجود لسهوها لأن فعلها غير واجب
فجبرها أولى وهل يشرع؟ على روايتين (إحداهما) يشرع وهو مذهب مالك وأبي
حنيفة في الإمام إذا ترك الجهر.
وقال الحسن والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي واسحاق: عليه سجود السهو إذا
ترك قنوت
(1/651)
الوتر ناسيا لقوله عليه السلام " لكل سهو
سجدتان " (والثانية) لا يشرع لأن تركها عمدا يبطل الصلاة فلم يشرع لسهوها
سجود كسنن الأفعال وهذا قول الشافعي
(1/652)
(مسألة) (وما سوى هذا من سنن الأفعال لا
تبطل الصلاة بتركها ولا يشرع السجود لها)
(1/653)
فأما سنن الأفعال فهي رفع اليدين عند
الافتتاح والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى
(1/654)
وجعلها تحت السرة على ما ذكرنا من الاختلاف
فيه، والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على
(1/655)
الركبتين في الركوع، والتجافي في السجود،
ومد ظهره معتدلا وجعله حيال رأسه، والبداءة بوضع
(1/656)
الركبتين قبل اليدين في السجود ووضع يديه
حذو منكبيه وأذنيه فيه ونصب قدميه وفتح أصابعهما
(1/657)
فيه، والجلوس والافتراش في الجلوس بين
السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في الثاني،
(1/658)
ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة
محلفة، والإشارة بالسبابة، ووضع اليد اليسرى على الفخذ
(1/659)
اليسرى مبسوطة، والالتفات عن اليمين
والشمال في التسليمتين، والسجود على الأنف، وجلسة
(1/660)
الاستراحة ونية الخروج من الصلاة في سلامه
على ما ذكرنا من الخلاف فيها، فهذه لا تبطل الصلاة بتركها عمدا ولا سهوا
ولا يشرع السجود لها بحال لأنه لا يمكن التحرز من تركها فلو شرع السجود لها
(1/661)
لم تخل صلاة من سجود في الغالب، وقال أبو
الخطاب فيها روايتان وقال ابن عقيل يخرج في مشروعية السجود لسهوها روايتان
بناء على سنن الأقوال والأول أولى
(1/662)
(القسم الثالث) من السنن ما يتعلق بالقلب
وهو الخشوع في الصلاة، ونية الخروج وقد ذكرناه والله أعلم
(1/663)
|