الشرح
الكبير على متن المقنع (باب سجود السهو) قال الامام أحمد يحفظ عن
النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء، سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث
فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من اثنتين ولم يتشهد.
وقال الخطابي: المعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة، حديثا ابن مسعود
وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة (مسألة) قال (ولا يشرع في العمد وهو قول
أبي حنيفة) وقال الشافعي: يسجد لترك التشهد والقنوت عمدا لأن ما تعلق الجبر
بسهوه تعلق بعمده كجبرانات الحج ولنا أن السجود يضاف إلى السهو فدل على
اختصاصه به.
والشرع إنما ورد به فيه ولا يلزم من انجبار السهو به انجبار العمد لوجود
العذر في السهو، وما ذكروه يبطل بزيادة ركن أو ركعة أو قيام في موضع جلوس
(مسألة) (ويشرع السهو في زيادة ونقص وشك لأن الشرع إنما ورد به في ذلك)
فأما حديث النفس فلا يشرع له سجود لأن الشرع لم يرد به، ولأنه لا يمكن
التحرز منه وهو معفو عنه (مسألة) (للنافلة والفرض) لا فرق بين النافلة
والفرض في سجود السهو أنه يشرع فيهما في قول عوام أهل العلم، وقال ابن
سيرين: لا يشرع في النافلة ولنا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا
نسي أحدكم فليسجد سجدتين " وقوله " إذا نسي أحدكم فزاد أو نقص فليسجد
سجدتين " ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود فشرع لها السجود كالفريضة
(1/664)
(فصل) ولا يشرع سجود السهو في صلاة الجنازة
لأنها لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا في سجود تلاوة لأنه لو شرع كان
الجبر زائدا على الأصل ولا في سجود السهو، نص عليه أحمد ولأنه إجماع حكاه
إسحاق لأنه يفضي إلى التسلسل، ولو سها بعد سجود السهو لم يسجد لذلك والله
أعلم (مسألة) (فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو
سجودا عمدا بطلت الصلاة، وإن كان سهوا سجد له) الزيادة في الصلاة تنقسم إلى
قسمين، زيادة أقوال وزيادة أفعال وزيادة الأفعال تتنوع نوعين (أحدهما)
زيادة من جنس الصلاة مثل أن يقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام أو
يزيد ركعة أو ركنا، فإن فعله عمدا بطلت صلاته إجماعا، وإن كان سهوا سجد له
قليلاً كان أو كثيرا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زاد الرجل أو
نقص فليسجد سجدتين " رواه مسلم (مسألة) (فإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ
منها سجد لها) لما روى عبد الله بن مسعود قال: صلى بنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم خمسا فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال " ما شأنكم " قالوا يا
رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال " لا " قالوا فإنك صليت خمسا فانفتل ثم
سجد سجدتين ثم سلم ثم قال " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي
أحدكم فليسجد سجدتين " وفي رواية قال " إنما أنا بشر أذكر كما تذكرون،
وأنسى كما تنسون " ثم سجد سجدتي السهو، وفي رواية قال " إذا زاد الرجل أو
نقص فليسجد سجدتين " رواه بطرقه مسلم
(1/665)
(مسألة) (وإن علم فيها جلس في الحال فتشهد
إن لم يكن تشهد وسجد وسلم) متى قام إلى خامسة في الرباعية أو إلى رابعة في
المغرب أو إلى الثالثة في الصبح لزمه الرجوع متى ذكر ويجلس فإن كان قد تشهد
عقيب الركعة التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم، وإن كان تشهد ولم يصل على
النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلم، وإن لم يكن تشهد
تشهد وسجد للسهو ثم سلم وإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجد عقيب ذكره وتشهد
وسلم وصحت صلاته، وبهذا قال علقمة والحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك
والشافعي واسحاق.
وقال أبو حنيفة: إن ذكر قبل أن يسجد جلس للتشهد، وإن ذكر بعد السجود وكان
جلس عقيب الرابعة قدر التشهد صحت صلاته ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون
نافلة.
وإن لم يكن جلس بطل فرضه وصارت صلاته نافلة ولزمه إعادة الصلاة، ونحو قال
حماد بن أبي سليمان، وقال قتادة والاوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا: يضيف
إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
أبي سعيد " فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته " رواه مسلم ولنا حديث عبد الله
بن مسعود الذي تقدم والظاهر منه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس عقيب
الرابعة لأن الظاهر أنه لو فعله لنقل، ولأنه قام إلى الخامسة يعتقد أنه قام
عن ثالثة لم تبطل صلاته بذلك ولم يضف إلى الخامسة أخرى.
وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضا لأنه جعل الزيادة
(1/666)
نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي
قبلها بجلوس وجعل السجدتين يشفعها بها ولم يضم إليها ركعة أخرى وهذا كله
يخالف ما قالوه فقد خالفوا الخبرين جميعاً (فصل) ولو قام إلى الثالثة في
صلاة الليل فهو كما لو قام إلى ثالثة في الفجر نص عليه أحمد، وقال مالك:
يتمها أربعا ويسجد للسهو في الليل والنهار وهو قول الشافعي بالعراق.
وقال الأوزاعي في صلاة النهار كقوله وفي صلاة الليل إن ذكر قبل ركوعه في
الثالثة كقولنا وإن ذكر قبل ركوعه كقول مالك ولنا قول النبي صلى الله عليه
وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى " ولأنها صلاة شرعت ركعتين أشبهت صلاة الفجر،
فأما صلاة النهار فيتمها أربعا
(فصل) إذا جلس للتشهد في غير موضعه قدر جلسة الاستراحة فقال القاضي: يلزمه
السجود سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل لأنه لم يردها بجلوسه
إنما أراد التشهد سهوا.
قال الشيخ ويحتمل أن لا يلزمه لأنه فعل لا يبطل عمده صلاة فلم يسجد لسهوه
كالعمل اليسير من غير جنس الصلاة (مسألة) (وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع)
متى سبح به اثنان يثق بقولهما لزمه الرجوع إليه سواء غلب على ظنه صواب
قولهما أو خلافه.
وقال الشافعي: إن غلب على ظنه خطؤهما لم يعمل بقولهما ولنا أن النبي صلى
الله عليه وسلم رجع إلى قول ابي بكر وعمر في حديث ذي اليدين حين سألهما "
أحق ما يقول ذو اليدين؟ " قالا نعم.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأمومين بالتسبيح ليذكروا
(1/667)
الإمام ويعمل بقولهم.
وقال في حديث ابن مسعود " فإذا نسيت فذكروني ".
فأما إن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يجز له متابعتهم، وقال أبو
الخطاب: يلزمه الرجوع كالحاكم يحكم بالشاهدين ويترك يقين نفسه، قال شيخنا:
وليس بصحيح لأنه علم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ، وكذا نقول في الشاهدين متى
علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما لعلمه أنهما شاهدا زور، ولا يحل
الحكم بقول الزور لأن العدالة اعتبرت في الشهادة ليغلب على الظن صدق الشهود
وردت شهادة غيرهم لعدم ذلك فمع يقين الكذب أولى أن لا يقبل (مسألة) (فإن لم
يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالما، وإن فارقه أو كان جاهلا لم تبطل)
متى سبح المأموم بالإمام فلم يرجع في موضع يلزمه الرجوع بطلت صلاته، نص
عليه أحمد لأنه ترك الواجب عمدا، وليس للمأمومين اتباعه لان صلاته باطلة،
فإن اتبعوه عالمين بتحريم ذلك بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا، وإن
فارقوه وسلموا صحت، وهذا اختيار الخلال لأنهم فارقوه لعذر أشبه من فارق
إمامه إذا سبقه الحدث، وذكر القاضي رواية ثانية: أنهم يتبعونه في القيام
استحبابا، وذكر رواية ثالثة: أنهم ينتظرونه ليسلم بهم اختارها ابن حامد،
والأول أولى لأن الإمام مخطئ في ترك متابعتهم فلا يجوز اتباعه على الخطأ،
وإن كانوا جاهلين فصلاتهم صحيحة لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه
في الخامسة في حديث ابن مسعود ولم تبطل صلاتهم، وتابعوه أيضا في السلام
(1/668)
في حديث ذي اليدين (فصل) فإن سبح به واحد
لم يرجع إلى قوله إلا أن يغلب على ظنه فيعمل بغلبة ظنه لا بتسبيحه لأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده، وإن سبح به فساق
فكذلك لأن قولهم غير مقبول وإن افترق المأمومون طائفتين وافقه قوم وخالفه
آخرون؟ سقط قولهم كالبينتين إذا تعارضتا ويحتمل أن يرجع إلى قول ما عنده
(1) لأنه قد عضده قول اثنين فترجح، ذكره القاضي ومتى لم يرجع وكان
المأمومون على يقين من خطأ الإمام لم يتابعوه لأنهم إنما يتابعونه في أفعال
الصلاة وليس هذا منها إلا أنه ينبغي أن ينتظروه ههنا لأن صلاته صحيحة لم
تفسد بزيادته فينتظرونه كما ينتظرهم الإمام في صلاة الخوف (مسألة) (والعمل
المستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه ولا تبطل باليسير
ولا يشرع له سجود) وجملته أن العمل ينقسم إلى عمل من جنس الصلاة وقد ذكرنا،
وعمل من غير جنس الصلاة كالحك والمشي والتروح فهذا تبطل الصلاة بكثيره عمدا
كان أو سهوا بالإجماع وإن كان متفرقا لم تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم
حمل أمامة في الصلاة إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وهذا لو اجتمع كان
كثيراً، وإن كان يسيراً لم يبطلها لما ذكرنا والمرجع في الكثير واليسير إلى
العرف وقد ذكرناه فيما مضى ولا يشرع له سجود لأنه لا يكاد تخلو منه صلاة
ويشق التحرز عنه
__________
1) الظاهر ان كلمة (قول) زائدة من الناسخ
(1/669)
(مسألة) (وإن أكل أو شرب عمدا بطلت صلاته،
قل أو كثر، وإن كان سهوا لم تبطل إذا كان يسيراً) إذا أكل أو شرب عامدا في
الفرض بطلت صلاته لا نعلم فيه خلافاً.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المصلي ممنوع من
الأكل والشرب.
وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض
عامدا أن عليه الإعادة، وإن فعله في التطوع أبطله في الصحيح من المذهب، وهو
قول أكثر الفقهاء، لأن ما أبطل الفرض أبطل التطوع
كسائر المبطلات وعن أحمد: أنه لا يبطلها ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير
أنهما شربا في التطوع وهذا قول إسحاق لأنه عمل يسير أشبه غير الأكل، فأما
إن كثر فإنه يفسدها بغير خلاف لأن غير الأكل من الأعمال يبطل الصلاة إذا
كثر، فالأكل والشرب أولى، فإن كان سهوا وكثر أبطل الصلاة أيضاً بغير خلاف
لما ذكرنا، وإن كان يسيرا لم يبطل به الفرض ولا التطوع وهو قول عطاء
والشافعي.
وقال الأوزاعي: يبطل الصلاة لأنه فعل من غير جنس الصلاة يبطل عمده فأبطل
سهوه كالعمل الكثير.
ولنا عموم قوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأنه يسوي
بين قليله وكثيره حال العمد فعفي عنه في الصلاة إذا كان سهوا كالعمل من
جنسها (فصل) إذا ترك في فيه ما يذوب كالسكر فذاب منه شئ فابتعله أفسد
الصلاة لأنه أكل
(1/670)
وإن بقي بين أسنانه أو في فيه من بقايا
الطعام يسير يجري به الريق فابتعله لم تبطل لأنه يشق الاحتراز منه، وإن ترك
في فيه لقمة ولم يبتلعها كره لأنه يشغله عن خشوع الصلاة، وعن الذكر
والقراءة فيها ولا يبطلها لأنه عمل يسير فهو كما لو أمسك شيئا في يده والله
أعلم (مسألة) (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كالقراءة في السجود
والقعود، والتشهد في القيام وقراءة السورة في الأخريين لم تبطل الصلاة
بعمده) لأنه مشروع في الصلاة ولا يجب السجود لسهوه لأن عمده لا يبطل الصلاة
فلم يجب السجود لسهوه كسائر مالا يبطل عمده الصلاة وهل يشرع؟ فيه روايتان
(إحداهما) يشرع لعموم قوله عليه السلام " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو
جالس " رواه مسلم (والثانية) لا يشرع لأن عمده لا يبطل الصلاة فلم يشرع
السجود لسهوه كترك سنن الأفعال (فصل) فإن أتى فيها بذكر أو دعاء لم يرد به
الشرع فيها كقوله آمين رب العالمين وقوله في التكبير الله أكبر كبيرا ونحوه
لم يشرع له سجود لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقول
في الصلاة الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى فلم
يأمره بالسجود (مسألة) (وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها لأنه تكلم
فيها عامدا، وإن كان سهوا ثم ذكر
قريبا أتهما وسجد، وإن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت) وجملته
أن من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طول الفصل ولم ينتقض وضوؤه
فصلاته صحيحة لا تبطل بالسلام وعليه
(1/671)
أن يأتي بما بقي منها ثم يتشهد ويسلم ويسجد
سجدتين ويتشهد ويسلم، فإن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان
بما بقي عن جلوس لأن هذا القيام واجب في الصلاة ولم يأت به لها فلزمه
الإتيان به مع النية ولا نعلم في جواز الإتمام في حق من نسي ركعة فما زاد
خلافا - والأصل في هذا ما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشاء قال ابن سرين: سماها لنا أبو
هريرة ولكن أنا نسيت - فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد
فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه
اليسرى وخرجت السرعان من المسجد فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر
وعمر فهاباه أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال:
يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال " لم أنس ولم تقصر " فقال " أكما
يقول ذو اليدين " قالوا نعم، قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم، ثم
كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم
رفع رأسه فكبر قال فربما سألوه ثم سلم قال: ثبت أن عمران بن حصين قال ثم
سلم متفق عليه ورواه أبو داود وزاد قال: قلت فالتشهد؟ قال لم أسمع في
التشهد وأحب إلي أن يتشهد.
وروى عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات
من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة يا
رسول الله؟ فخرج مغضبا فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد
(1/672)
سجدتي السهو ثم سلم.
رواه مسلم (فصل) فأما إن طال الفصل أو انتقض وضوءه استأنف الصلاة كذلك قال
الشافعي، وإن ذكر قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين
ونحوه بنى.
وقال مالك نحوه.
وقال الليث ويحيى الانصاري والاوزاعي بنى ما لم ينتقض وضوءه.
ولنا أنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض
مع طول الفصل كما لو انتقض وضوءه والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة
ولأصحاب الشافعي في ذلك خلاف قد ذكرناه فيما إذا ترك ركنا في الباب قبله.
والصحيح أنه لا حد له إذ لم يرد بتحديده نص فيرجع فيه إلى العادة والمقاربة
لمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين (فصل) فإن لم يذكره
حتى شرع في صلاة أخرى فإن طال الفصل بطلت الأولى لما ذكرنا وإن لم يطل
الفصل عاد إلى الأولى فأتمها وهذا قول الشافعي.
وقال الشيخ أبو الفرج في المبهج: يجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تماما
للأولى فيبني إحداهما على الأخرى ويصير وجود السلام كعدمه لأنه سهو معذور
فيه وسواء كان ما شرع فيه نفلا أو فرضا.
وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان إن شرع في تطوع بطلت المكتوبة.
وقال مالك أحب إلي أن يبتدئها.
وروى عن أحمد مثل قول الحسن فإنه قال في رواية أبي الحارث: إذا صلى ركعتين
من المغرب وسلم ثم دخل في التكلم أنه بمنزلة الكلام استأنف الصلاة.
ولنا أنه أهمل عملا من جنس الصلاة سهوا فلم تبطل صلاته كما لو زاد خامسة
(1/673)
وأما إتمام الأولى بالثانية فلا يصح لأنه
قد خرج من الأولى بالسلام ونية الخروج منها ولم ينوها بعد ذلك ونية غيرها
لا تجزئ.
عن نيتها كحالة الابتداء (فصل) فإن تكلم في هذه الحال - يعني إذا سلم يطن
أن صلاته قد تمت - لغير مصلحة الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء ونحوه بطلت
صلاته نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى وجماعة سواه لقول النبي صلى الله
عليه وسلم " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح
والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم، وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في
الصلاة يكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا
بالسكوت ونهينا عن الكلام، رواه مسلم.
وفيه رواية ثانية أن الصلاة لا تفسد بالكلام في تلك الحال بحال وهو مذهب
مالك والشافعي لأنه نوع من النسيان ولذلك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه وبنوا على صلاتهم (مسألة) (وإن تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات
(إحداها) لا تبطل (والثانية) تبطل (والثالثة) تبطل صلاة المأموم دون الإمام
اختارها الخرقي) وجملة ذلك أن من سلم عن نقص في صلاته كما
ذكرنا ثم تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات (إحداها) أن الصلاة لا تفسد لأن
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تكلموا في صلاتهم في حديث ذي اليدين
وبنوا على صلاتهم.
وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/674)
لنا أسوة حسنة، وهذا مذهب مالك والشافعي
ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وممن روي أنه تكلم بعد أن سلم وأتم
صلاته الزبير وابناه، وصوبه ابن عباس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى
(والثانية) تفسد صلاتهم وهو قول الخلال ومذهب أصحاب الرأي لعموم أحاديث
النهي (والثالثة) أن صلاة الإمام لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إماما فتكلم وبنى على صلاته، وصلاة المأمومين تفسد لأنه لا يصح اقتداؤهم
بأبي بكر وعمر لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة
عليهما ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلا عن نقص الصلاة في وقت يمكن ذلك
فيها، وهذا غير موجود في زماننا، وهذا اختيار الخرقي وربما خصصناه بالكلام
في شأن الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما تكلموا في شأن
الصلاة (مسألة) قال (وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت، وعنه لا تبطل إذا كان
ساهياً أو جاهلاً ويسجد له) متى تكلم عامدا عالما أنه في الصلاة مع علمه
بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام بطلت صلاته إجماعا حكاه
ابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ
من كلام الناس " وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا
صاحبه إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن
الكلام، رواهما مسلم.
وعن ابن مسعود قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة
فيرد علينا، فلما رجعنا من
(1/675)
عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد فقلنا يا
رسول الله كنا نسلم عليك في الصباح فترد علينا؟ قال " إن في الصلاة لشغلا "
متفق عليه.
ولأبي داود " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في
الصلاة " (فصل) فأما إن تكلم جاهلاً بتحريم ذلك في الصلاة فقال القاضي في
الجامع: لا أعرف عن
أحمد نصا في ذلك.
وقد ذكر شيخنا فيه ههنا روايتين (إحداهما) تبطل صلاته لأنه ليس من جنسه ما
هو مشروع في الصلاة أشبه العمل الكثير ولعموم أحاديث النهي (والثانية) لا
تبطل لما روى معاوية ابن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع النبي صلى
الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم
بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه (1) ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون
بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت (2) فلما صلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما
منه فوالله ما كهرني (3) ولا ضربني ولا شتمني ثم قال " إن هذه الصلاة لا
يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أو
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم.
فلم يأمره بالإعادة فدل على صحتها، وهذا مذهب الشافعي وفي كلام الناسي
روايتان (إحداهما) لا تبطل وهو قول مالك والشافعي لأن النبي صلى الله عليه
وسلم تكلم في حديث ذي اليدين، وقد ذكرنا حديث معاوية، وما عذر فيه بالنسيان
عذر فيه بالجهل
__________
1) عند أحمد ومسلم وغيرهما وثكل أماء وزيادة الياء رواية أبي داود كما في
نيل الاوطار 2) أي لم أتكلم أولم أكملهم لكني سكت 3) قوله ما كهرني معناه
ما انتهرني أو ما عبس في وجهي
(1/676)
(والثانية) تفسد صلاته وهو قول النخعي
وأصحاب الرأي لعموم أحاديث المنع من الكلام وإذا قلنا إنه لا يبطل الصلاة
سجد لعموم الأحاديث، ولأن عمده يبطل الصلاة فوجب السجود لسهوه كترك
الواجبات والله أعلم (فصل) فإن تكلم في صلب الصلاة لمصلحة الصلاة مع علمه
أنه في الصلاة بطلت صلاته لعموم الأحاديث.
وذكر القاضي في ذلك الروايات الثلاث التي ذكرناها في المسألة التي قبلها
ويحتمله كلام الخرقي لعموم لفظه، وهو مذهب الأوزاعي فانه قال: لو أن رجلاً
قال للإمام وقد جهر بالقراءة في العصر: إنها العصر، لم تفسد صلاته، ولأن
الإمام يطرقه حال يحتاج إلى الكلام فيها وهو ما لو نسي
القراءة في ركعة فذكرها في الثانية فقد فسدت عليه ركعة فيحتاج أن يبدلها
بركعة هي في ظن المأمومين خامسة ليس لهم موافقته فيهاو لا سبيل إلى إعلامهم
بغير الكلام، وقد يشك في صلاته فيحتاج إلى السؤال (1) قال شيخنا: ولم أعلم
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن الإمام نصا في الكلام في
غير الحال التي سلم معتقدا تمام صلاته ثم تكلم بعد السلام، وقياس الكلام في
صلب الصلاة عالما بها على هذه الحال ممتنع لان هذه حال نسيان لا يمكن
التحرز من الكلام فيها وهي أيضا حال يتطرق الجهل
__________
1) زاد في المغني هنا: فلذلك أبيع له الكلام.
(1/677)
إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها فلا يصح
قياس ما يفارقها في هذين الأمرين عليها، وإذا عدم النص والقياس والاجما
امتنع ثبوت الحكم لأنه بغير دليل ولا سبيل إليه والله أعلم (فصل) فإن تكلم
مغلوبا على الكلام فهو ثلاثة أنواع (أحدها) أن يخرج الحروف من فيه بغير
اختياره مثل أن يتثاءب فيقول هاه أو يتنفس فيقول آه أو يسعل فينطق بحرفين
أو يغلط في القرآن فيأتي بكلمة من غير القرآن أو يغلبه البكاء فلا تفسد
صلاته في المنصوص عنه فيمن غلبه البكاء وقد كان عمر يبكي حتى يسمع له نشيج.
وقال مهنا: صليت إلى جنب أبي عبد الله فتثاءب خمس مرات وسمعت لتثاؤبه هاه
هاه وهذا لأن الكلام ههنا لا ينسب إليه ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام،
وقال القاضي فيمن تثاءب فقال هاه تفسد صلاته، وهذا محمول على أن من فعل ذلك
غير مغلوب عليه لما ذكرنا.
وذكر ابن عقيل فيه احتمالين (أحدهما) تبطل صلاته لان لا يشرع جنسه في
الصلاة أشبه الحدث (والثاني) لا تبطل لما ذكرنا (النوع الثاني) أن ينام
فيتكلم فقد توقف أحمد عن الكلام فيه والأولى إلحاقه بالفصل الذي قبله لان
القلم مرفوع عنه، وكذلك ليس لعتقه ولإطلاقه حكم، وقال ابن عقيل في النائم
إذا تكلم بكلام الآدميين انبنى على كلام الناسي في أصح الروايتين (النوع
الثالث) أن يكره على الكلام فيحتمل أن يكون ككلام الناسي لأن النبي صلى
الله عليه وسلم جمع
(1/678)
بينهما في العفو بقوله " عفي لأمتي عن
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قال القاضي وهذا أولى بالعفو وصحة
الصلاة لأن الفعل غير منسوب إليه، ولهذا لو أكره على إتلاف مال لم يضمنه،
والناسي يضمن ما اتلفه قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن صلاته تفسد لأنه
أتى بما يفسد الصلاة عمدا أشبه مالو أكره على صلاة الفجر أربعا وقياسه على
الناسي لا يصح لوجهين (أحدهما) أن النسيان يكثر بخلاف الإكراه (الثاني) أنه
لو نسي فزاد في الصلاة أو نقص لم تفسد صلاته ولم يثبت مثله في الاكراه.
والصحيح عند أصحاب الشافعي إن الصلاة لا تبطل بشئ من هذه الأنواع (فصل) فإن
تكلم بكلام واجب كمن خشي على ضرير أو صبي أو رأى حية ونحوها تقصد غافلا أو
يرى نارا يخاف أن تشتعل في شئ ونحو هذا ولم يمكن التنبيه بالتسبيح فقال
أصحابنا تبطل الصلاة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما ذكرنا من كلام المكره
قال شيخنا: ويحتمل أن لا تبطل الصلاة، وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال في حديث
ذي اليدين: إنما كلم النبي صلى الله عليه وسلم القوم حين كلمهم لأنه كان
عليهم أن يجيبوه فعلل صحة صلاتهم بوجوب الكلام عليهم، وهذا كذلك وهو ظاهر
مذهب الشافعي والحصيح عند أصحابه (فصل) وكل كلام حكمنا بأنه لا يفسد الصلاة
فإنما هو اليسير منه، فإن كثر وطال أفسد الصلاة وهذا منصوص الشافعي.
قال القاضي في المجرد: كلام الناسي إذا طال يفسد رواية واحدة، وقال في
(1/679)
الجامع لا فرق بين القليل والكثير في ظاهر
كلام أحمد، لأن ما عفي عنه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالأكل في الصيام
وهو قول بعض الشافعية.
ووجه الأول أن دلالة الأحاديث المانعة من الكلام عامة تركت في اليسير بما
ورد فيه من الأخبار فتبقى فيما عداه على مقتضى العموم، ولا يصح قياس الكثير
عليه لعدم إمكان التحرز من اليسير، ولأن اليسير قد عفي عنه في العمل من غير
جنس الصلاة بخلاف الكثير والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا، هذا قول
أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن الحرفين يكونان كلمة كقوله أب وأخ ويد ودم
وكذلك الأفعال والحروف لا تنتظم كلمة من أقل من حرفين ولو قال " لا " فسدت
صلاته لأنها حرفان لام وألف
(مسألة) (وإن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إلا ما كان من
خشية الله تعالى، وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك، وقد روي عن أبي عبد
الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة للصلاة) إذا ضحك فبان حرفان
فسدت صلاته، وكذلك إن قهقه ولم يتبين حرفان وهو قول الشافعي واصحاب الرأي،
وكذلك ذكره شيخنا في المغني.
وقال القاضي في المجرد: إن قهقه فبان حرف واحد لم تبطل صلاته، فإن كان
حرفان القاف والهاء فهو كالكلام تبطل إن كان عامدا وإن كان ساهياً أو
جاهلاً خرج على الروايتين وهو ظاهر قول الشيخ في هذا الكتاب.
قال إبن المنذر اجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة، وأكثر أهل العلم على أن
التبسم لا يفسدها، وقد روى الدارقطني
(1/680)
في سننه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى
الله عليه وسلم انه قال " القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء " (فصل)
فأما النفخ فمتى انتظم حرفين أفسد الصلاة لأنه كلام وإلا لم يفسدها، وقد
قال أحمد: النفخ عندي بمنزلة الكلام.
وروي عن ابن عباس أنه قال: من نفخ في الصلاة فقد تكلم.
وروي عن أبي هريرة - إلا أن ابن المنذر قال: لا يثبت عن ابن عباس ولا أبي
هريرة.
وروى عن أحمد أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة ليس كلاما.
روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعي وإسحاق، وجمع القاضي بين
قولي أحمد فقال: الموضع الذي قال أحمد يقطع الصلاة إذ انتظم حرفين، والموضع
الذي قال لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان.
وقال أبو حنيفة: إن سمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا يضر.
قال شيخنا: والصحيح أنا لا يقطع الصلاة ما لم ينتظم منه حرفان لما روى عبد
الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
الحديث إلى أن قال ثم نفخ فقال: أف أف.
وأما قول أبي حنيفة: فان أراد مالا يسمعه الإنسان من نفسه فليس ذلك بنفخ،
وإن أراد مالا يسمعه غيره فلا يصح لأن ما أبطل الصلاة إظهاره أبطلها إسراره
كالكلام (فصل) فأما البكاء والتأوه والأنين فما كان مغلوبا عليه لم يؤثر
لما ذكرنا من قبل وما كان غير ذلك، فإن كان لغير خشية الله أفسد الصلاة،
وإن كان من خشية الله فقال القاضي وأبو الخطاب: التأوه والبكاء لا يفسد
الصلاة وكذلك الانين.
وقال القاضي: التأوه ذكر مدح الله تعالى إبراهيم به
(1/681)
فقال (إن إبراهيم لأواه حليم) والذكر لا
يفسد الصلاة، ولأن الله سبحانه وتعالى مدح الباكين فقال (خروا سجدا وبكيا)
وروى مطرف عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره
أزيز كأزيز المرجل، رواه الخلال.
قلت: رواه أحمد وأبو داود.
وقال عبد الله بن شداد سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف، وقال شيخنا: لم
أر عن أحمد في البكاء ولا في الأنين شيئا والأشبه بأصوله أنه متى فعله
مختارا فسدت صلاته فإنه قال في رواية مهنا في البكاء: لا يفسد الصلاة ما
كان من غلبة، ولأن الحكم لا يثبت إلا بنص أو قياس أو إجماع وعموم النصوص
تمنع من الكلام كله، ولم يرد في الأنين والتأوه نص خاص، والمدح على التأوه
لا يخصصه كتشميت العاطس، ورد السلام، والكلمة الطيبة (فصل) فأما النحنحة
فقال أصحابنا: هي كالنفخ إن بان منها حرفان بطلت صلاته.
وقد روى المروذي قال: كنت آتي أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته لأعلم أنه
يصلي.
وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة فقال أصحابنا: وهذا محمول
على أنه لم يأت بحرفين.
قال شيخنا: وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك لأنها لا تسمى كلاما وتدعو
الحاجة إليها.
وقد روي عن علي رضي الله عنه قال: كان لي ساعة في السحر أدخل فيها علي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فان كان في صلاة يتنحنح فكان ذلك إذني، رواه
الخلال.
واختلفت الرواية عن أحمد في كراهية تنبيه المصلي بالنحنحة فقال في موضع لا
يتنحنح في الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نابكم شئ في صلاتكم
فالتسبيح للرجال، والتصفيق
(1/682)
للنساء " وقد روى الأثرم أنه كان يتنحنح
ليعلمه أنه يصلي، وحديث علي يدل عليه وهو خاص فيقدم على العام (فصل) إذا
سلم على المصلي لم يكن له رد السلام بالكلام فان فعل ذلك بطلت صلاته، روي
نحو ذلك عن أبي ذر وهو قول مالك والشافعي.
وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا.
وروي عن أبي هريرة أنه أمر بذلك، وقال إسحاق: أن فعله متأولا جازت صلاته
ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال كنا نسلم علي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم
يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ قال "
إن في الصلاة لشغلا " متفق عليه.
ولأبي داود " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث
أن لا تتكلموا في الصلاة " وروى جابر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فبعئي في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت
عليه فلم يرد علي فلما انصرف قال " أما إنه لم يمنعني إن أرد عليك إلا أني
كنت أصلي " ولأنه كلام آدمي أشبه تشميت العاطس، إذ ثبت ذلك فإنه يرد السلام
بالإشارة، وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق، وروي عن ابن عباس أن موسى بن
جميل سلم عليه وهو يصلي فقبض ابن عباس على ذراعه فكان ذلك رد ابن عباس وذلك
لما روى صهيب قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه
وكلمته فرد علي إشارة، وعن ابن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى قباء يصلي فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال قلت لبلال كيف رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون
(1/683)
عليه وهو يصلي؟ قال يقول هكذا (1) وبسط
يعني كفه وجعل بطنه أسفل وظهره إلى فوق، رواهما أبو داود والترمذي وقال كلا
الحديثين صحيح، وإن رد عليه بعد فراغه من الصلاة فحسن لأن في حديث ابن
مسعود قال فقدمت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم
يرد علي فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصلاة قال " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في
الصلاة " (فصل) وإذا دخل على قوم وهم يصلون فلا بأس أن يسلم عليهم قاله
أحمد.
وروى ابن المنذر عنه أنه سلم على مصل وفعل ذلك ابن عمر وقال ابن عقيل يكره
وكرهه عطاء وأبو مجلز والشعبي واسحاق لأنه ربما غلط المصلي فرد بالكلام،
ووجه تجويزه قوله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) أي على أهل
دينكم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين سلم عليه أصحابه لم ينكر ذلك
(فصل) وأما النقص فمتى ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت
التي تركه منها، وإن ذكره قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده، فإن لم يعد بطلت
صلاته.
وجملته أنه متى ترك ركنا سجودا أو ركوعا ساهيا فلم يذكر حتى شرع في قراءة
الركعة التي تليها بطلت الركعة التي ترك منها الركن وصارت التي تليها
مكانها نص عليه أحمد في رواية جماعة.
قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن رجل صلى ركعة ثم قام ليصلي أخرى فذكر أنه
إنما سجد للركعة الأولى سجدة واحدة فقال
__________
1) أي يفعل هكذا
(1/684)
إن كان أول ما قام قبل أن يحدث عملا للأخرى
فإنه ينحط ويسجد ويعتد بها، وإن كان قد أحدث عملا للأخرى ألغى الأخرى وجعل
هذه الأولى قلت: فيستفتح أو يجتزئ.
بالاستفتاح الأول قال: يجزئه الأول قلت: فنسي سجدتين من ركعتين قال: لا
يعتد بتينك الركعتين.
وهذا قول إسحاق وقال الشافعي: إن ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية
فإنه يعود إلى سجدة الأولى، وإن ذكره بعد سجوده في الثانية وقعت عن الأولى
لأن الركعة الأولى قد صحت وما فعله في الثانية سهوا لا يبطل الاولى كما لو
ذكر قبل القراءة، وقد ذكر أحمد هذا القول عن الشافعي وقربه إلا أنه اختار
الأول.
وقال مالك: إن ترك سجدة فذكرها قبل رفع رأسه من ركوع الثانية ألغى الأولى.
وقال الحسن والاوزاعي من نسي سجدة ثم ذكرها في الصلاة سجدها متى ذكرها.
وقال الأوزاعي: يرجع إلى حيث كان من الصلاة وقت ذكرها فيمضي فيها.
وقال أصحاب الرأي نحو قول الحسن ولنا أن المزحوم في الجمعة إذا زال الزحام
والإمام راكع في الثانية فإنه يتبعه ويسجد معه ويكون السجود من الثانية دون
الأولى كذا هنا.
وأما إذا ذكرها قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده لأنه ذكره في موضعه فلزمه
الإتيان به كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام فإنه يأتي
بها في الحال، وإن علم بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة إن طال الفصل أو
أحدث ابتدأ الصلاة لتعذر البناء وإن ذكر قريبا أتى بركعة كاملة لما ذكرنا
من أن الركعة التي ترك الركن منها بطلت بالشروع في غيرها
(1/685)
(فصل) فإن مضى في موضع يلزمه الرجوع أو رجع
في موضع يلزمه المضي عالما بتحريمه بطلت صلاته لتركه الواجب عمدا، وإن فعله
يعتقد جوازه لم تبطل لأنه تركه غير متعمد أشبه مالو مضى قبل ذكر المتروك
لكن إذا مضى في موضع يلزمه الرجوع فسدت الركعة التي ترك ركنها كما لو لم
يذكر إلا بعد الشروع في القراءة، وإن رجع في موضع المضي لم يعتد بما فعله
في الركعة التي تركه منها لأنها فسدت بشروعه في قراءة غيرها فلم يعد الى
الصحة بحال (مسألة) (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد
سجد سجدة فصحت
له ركعة ويأتي بثلاث، وعنه تبطل صلاته) هذه المسألة مبنية على المسألة التي
قبلها وهو أنه متى ترك ركناً من ركعة فلم يذكرها حتى شرع في قراءة التي
بعدها بطلت، فههنا لما شرع في قراءة الثانية بطلت الأولى فلما شرع في قراءة
الثالثة قبل إتمام الثانية بطلت الثانية، وكذلك الثالثة تبطل بشروعه في
الرابعة فبقيت الرابعة ولم يسجد فيها إلا سجدة واحدة، فيسجد الثانية حين
يذكر وتتم له ركعة ويأتي بثلاث ركعات، وبهذا قال مالك والليث.
وفيه رواية أن صلاته تبطلا لأن هذا يؤدي الى التلاعب بالصلاة ويلغي عملا
كثيرا في الصلاة وهو مابين التحريمة والركعة الرابعة، وهذا قول إسحاق.
وقال الشافعي: يصح له ركعتان على ما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وهو أنه
إذا قام إلى الثانية سهوا قبل تمام الأولى كان عمله فيها لغوا فلما سجد
فيها انضمت سجدتها إلى سجدة الأولى فكملت له ركعة وهكذا الحكم في الثالثة
والرابعة.
وحكى الإمام أحمد هذا القول عن الشافعي ثم قال: هو أشبه من
(1/686)
من قول أصحاب الرأي.
وقال الأثرم: فقلت له فإنه إذا فعل لا يستقيم لأنه إنما نوى بهذه السجدة عن
الثانية قال: فلذلك أقول أنه يحتاج أن يسجد لكل ركعة سجدتين قال شيخنا:
ويحتمل أن يكون القول المحكي عن الشافعي هو الصحيح وأن يكون قولا لاحمد
لأنه قد حسنه واعتذر عن المصير إليه بكونه إنما نوى بالسجدة الثانية عن
الثانية، وهذا لا يمنع جعلها عن الأولى، وقال الثوري وأصحاب الرأي يسجد في
الحال أربع سجدات، وهذا فاسد لأن ترتيب الصلاة شرط لا يسقط بالسهو كما لو
نسي فقدم السجود على الركوع فإن لم يذكر حتى سلم ابتدأ الصلاة لأن الركعة
الأخيرة بطلت بسلامه في منصوص أحمد فحينئذ يستأنف الصلاة (فصل) إذا ترك
ركنا ولم يعلم موضعه بنى الأمر فيه على أسوأ الأحوال مثل أن يترك سجدة لا
يعلم أمن الرابعة هي أم من غيرها؟ يجعلها مما قبلها لأنه يلزمه ركعة كاملة،
ولو جعلها من الرابعة أجزأه سجدة وإن ترك سجدتين لا يعلم أمن ركعتين أم من
ركعة جعلهما من ركعتين ليلزمه ركعتان وإن ترك ركناً من ركعة وعلم وهو فيها
ولم يعلم أركوع هو أم سجود، جعله ركوعا، وعلى قياس هذا يأتي بما يتيقن به
إتمام صلاته لئلا يخرج منها وهو شاك فيها فيكون مغرورا بها وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم
" لا غرار في صلاة ولا تسليم " رواه أبو داود.
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن تفسير هذا الحديث فقال: أما أنا فأرى أن
لا يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت
(1/687)
(مسألة) (وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه
الرجوع ما لم ينتصب قائما فإن استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في
القراءة لم يجز له الرجوع وعليه السجود لذلك كله) إذا ترك التشهد الأول
ناسيا وقام لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يذكره قبل أن يعتدل قائما
فيلزمه الرجوع للتشهد، وممن قال يجلس علقمة والضحاك وقتادة والاوزاعي
والشافعي وابن المنذر، وقال مالك إن فارقت اليتاه الأرض لم يرجع وقال حسان
بن عطية: إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى ولنا ما روى المغيرة بن شعبة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما
فليجلس فإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو " رواه أبو داود وابن
ماجة (الثاني) ذكره بعد اعتداله قائما وقبل شروعه في القراءة فالأولى أن لا
يرجع لحديث المغيرة وإن رجع جاز، نص عليه كما ذكره قبل الاعتدال.
وقال النخعي: يلزمه الرجوع ما لم يستفتح القراءة قال شيخنا: ويحتمل أن لا
يجوز له الرجوع ههنا لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن فلم يجز له الرجوع كما
لو شرع في القراءة (الأمر الثالث) ذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له
الرجوع في قول أكثر أهل العلم، وممن روي عنه أنه لا يرجع عمر وسعد وابن
مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وابن الزبير وغيرهم وقال الحسن:
يرجع ما لم يركع، والصحيح الأول لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن مقصود فلم
يجز له الرجوع كما لو شرع في الركن، إذا ثبت ذلك فإنه يسجد للسهو في جميع
هذه
(1/688)
المسائل لحديث المغيرة، ولما روى عبد الله
بن مالك بن بحينه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في
الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس
تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم، متفق عليه (فصل) فإن
علم المأمومون بتركه التشهد الأول قبل قيامهم وبعد قيام الإمام تابعوه في
القيام ولم
يجلسوا، حكاه الآجري عن أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأهل العراق ولا نعلم
فيه مخالفاً لأن النبي لما قام حين سها عن التشهد قام الناس معه، وفعله
جماعة من الصحابة فروى الإمام أحمد بإسناده عن زياد بن علاثة قال: صلى بنا
المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه رواه الآجري
عن عقبة بن عامر وقال: إني سمعتكم تقولون سبحان الله لكيما أجلس وليست تلك
السنة، إنما السنة التي صنعت.
فأما إن سبحوا به قبل قيامه ولم يرجع تشهدوا لأنفسهم ولم يتابعوه لأنه ترك
واجباً عليه فلم يكن لهم متابعته في تركه، ولو رجع إلى التشهد بعد شروعه في
القراءة لم يتابعوه أيضا لأنه أخطأ.
فأما الإمام فان فعل ذلك عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه زاد في الصلاة من
جنسها عمدا، أو ترك واجبا عمدا، وإن فعله ناسياً أو جاهلاً بالتحريم لم
تبطل لأنه زاده سهوا، ومتى علم بتحريم ذلك وهو في التشهد نهض ولم يتم
الجلوس
(1/689)
(فصل) فإن ذكر الإمام التشهد قبل انتصابه
وقبل قيام المأمومين وشروعهم في القراءة فرجع لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى
واجب فلزمهم متابعته ولا اعتبار بقيامهم قبله (فصل) وإن نسي التشهد دون
الجلوس فالحكم فيه كما لو نسيهما لأن التشهد هو المقصود.
فأما إن نسي شيئا من الأذكار الواجبة غير التشهد كتسبيح الركوع والسجود،
وقول رب أغفر لي بين السجدتين، وقول رنبا ولك الحمد، فإنه لا يرجع إليه بعد
الخروج من محله لأن محل الذكر ركن وقع مجزئا صحيحا فلو رجع إليه لكان زيادة
في الصلاة وتكرارا لركن ثم يأتي بالذكر في ركن غير مشروع بخلاف التشهد لكن
يمضي ويسجد للسهو كترك التشهد (فصل) فإن قام من السجدة الأولى ولم يجلس
جلسة الفصل فهذا قد ترك جلسة الفصل والسجدة الثانية، ومتى ذكر قبل الشروع
في القراءة لزمه الرجوع بغير خلاف علمناه، فإذا رجع جلس جلسة الفصل ثم سجد
الثانية.
وقال بعض الشافعية: لا يحتاج إلى الجلوس لأن الفصل قد حصل بالقيام ولا يصح
لأن الجلسة واجبة فلم ينب عنها القيام كما لو قصد ذلك، فأما ان قام بعد أن
جلس للفصل فإنه يسجد ولا يلزمه جلوس، وقيل يلزمه ليكون سجود عن جلوس، ولا
يصح لأنه قد أتى بالجلسة
فلم تبطل بالسهو بعدها كالسجدة الأولى، فإن كان يظن أنه سجد سجدتين وجلس
للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لأنها سنة فلا تنوب عن الواجب كما لو ترك
سجدة من ركعة ثم سجد للتلاوة
(1/690)
فإنها لا تجزئ.
عن سجدة الصلاة والله أعلم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وأما الشك فمتى شك
في عدد الركعات بني على اليقين، وعنه يبني على غالب ظنه، وظاهر المذهب أن
المنفرد يبني على اليقين، والإمام على غالب ظنه) متى شك في عدد الركعات
ففيه ثلاث روايات (إحداها) أن يبني على اليقين إماماً كان أو منفردا
اختارها أبو بكر.
ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وابن عمرو، وهو قول ربيعة ومالك والثوري
والاوزاعي والشافعي وإسحاق لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح
الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا
شفعن له صلاته، وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان " رواه مسلم.
وعن عبد الرحمن بن عوف (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك
أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أو نقص، فإن كان شك في الواحدة والثنتين
فليجعلها واحدة، فإن لم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا فيجعلهما اثنتين، فإن لم
يدر ثلاثا صلى أو أربعا فيجعلها ثلاثا حتى يكون الشك في الزيادة ثم ليسجد
سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث
صحيح ولأن الأصل عدم ما شك فيه فينبني على عدمه كما لو شك في ركوع أو سجود
(والثانية) أن يبني على غالب ظنه إماماً كان أو منفردا، نقلها عنه الأثرم،
روى ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود
__________
1) ذكر الحافظ في التلخيص أن حديث عبد الرحمن معلول وساق رواياته وحقق انه
ضعيف
(1/691)
رضي الله عنهما، وهو قول النخعي، وبه قال
أصحاب الرأي إذا تكرر ذلك منه، وإن كان أول ما أصابه أعاد لقوله عليه
السلام " لا غرار في صلاة ولا تسليم " ووجه هذه الرواية ما روى عبد الله
ابن مسعدو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته
فليتحر الصواب وليتم عليه ثم
يسجد سجدتين " متفق عليه، وللبخاري " بعد التسليم " وفي لفظ " فليتحر أقرب
ذلك إلى الصواب " ولأبي داود " إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث وأربع وأكثر
ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس ".
والإمام يبني على غالب ظنه لحديث ابن مسعود جمعاً بين الأحاديث، وهذه
المشهورة عن أحمد، اختارها الخرقي.
وإنما خصصنا الإمام بالبناء على غالب ظنه لأن له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ
فيتأكد عنده صواب نفسه، ولأنه إن أصاب أقره المأمومون، وإن أخطأ سبحوا به
فرجع إليهم فيحصل له الصواب في الحالين بخلاف المنفرد إذ ليس له من يذكره
فيبني على اليقين ليحصل له إتمام صلاته.
وما قاله أصحاب الرأي فيخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أحدكم
إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك
أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " متفق عليه، وقوله عليه السلام " لاغرار في
صلاة " يعني لا ينقص من صلاته ويحتمل أنه أراد ولا يخرج منها وهو شاك في
إتمامها، ومن بني على اليقين لم يخرج وهو شاك، وكذلك
(1/692)
الإمام إذا بنى على غالب ظنه فوافقه
المأمومون أو رد عليه فرجع إليهم (مسألة) (فان استوى الأمران عنده بني على
اليقين) إماماً كان أو منفردا وأتى بما بقي عليه من صلاته وسجد للسهو لما
ذكرنا من الأحاديث ولأن الأصل البناء على اليقين، وإنما جاز تركه في حق
الإمام لمعارضة الظن الغالب فيبقى فيما عداه على الأصل (مسألة) (ومن شك في
ترك ركن فهو كتركه) إذا شك في ترك ركن من أركان الصلاة وهو فيها فحكمه حكم
تركه إماماً كان أو منفردا لأن الأصل عدمه، وإن شك في ترك واجب يوجب تركه
السجود ففيه وجهان (أحدهما) لا سجود عليه، قاله ابن حامد لأنه شك في سببه
فلم يجب السجود له كما لو شك في الزيادة (والثاني) يسجد له ذكره القاضي لأن
الأصل عدمه، والصحيح وجوب السجود إلا على الرواية التي تقول إن هذه سنن فلا
يجب والله أعلم.
وإن شك في زيادة توجب السجود فلا سجود عليه لأن الأصل عدمها فلا يجب السجود
بالشك فيها.
ولو شك في عدد الركعات
أو في ركن ثم ذكره في الصلاة لم يسجد لأن السجود لزيادة أو نقص أو احتمال
ذلك ولم يوجد وإنما يؤثر الشك في الصلاة إذا وجد فيها، فإن شك بعد سلامها
لم يلتفت إليه لأن الظاهر أنه أتي بها على الوجه المشروع ولأن ذلك يكثر
فيشق الرجوع إليه، وهكذا الشك في سائر العبادات
(1/693)
(مسألة) (وليس على المأموم سجود سهو إلا أن
يسهو إمامه فيسجد) وجملته أن المأموم إذا سها دون إمامه لم يلزمه سجود في
قول عامة أهل العلم.
وحكي عن مكحول أنه قام عند قعود إمامه فسجد ولنا أن معاوية بن الحكم تكلم
خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بسجود، وعن ابن عمر أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى
من خلفه " رواه الدارقطني.
فأما إذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها معه أو تفرد
الإمام بالسهو إجماعا، كذلك حكاه إسحاق وابن المنذر، وسواء كان السجود قبل
السلام أو بعده لحديث ابن عمر ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل
الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا " (فصل) وإذا كان المأموم مسبوقا فسها
الإمام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته في السجود سواء كان قبل السلام أو
بعده، روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي وأصحاب الرأي، وقال ابن سيرين يقضي
ثم يسجد، وقال مالك والليث والاوزاعي والشافعي في السجود قبل السلام
كقولنا، وقول ابن سيرين فيما بعده، وروي ذلك عن أحمد لأنه فعل خارج الصلاة
فلم يتبع الإمام فيه كصلاة أخرى.
وعن أحمد رواية أخرى أنه مخير بين متابعة إمامه وتأخير السجود إلى آخر
صلاته حكاه ابن أبي موسى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا سجد
فاسجدوا " وقوله في حديث ابن عمر " فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه؟ ولأن
السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه كالذي قبل السلام وكغير المسبوق، وفارق
صلاة أخرى فإنها غير مؤتم به فيها إذا ثبت أنه يتابع إمامه، فإذا قضى ففي
إعادة السجود روايتان (إحداهما) يعيده لأنه قد لزمه حكم السهو، وما فعله من
السجود مع الإمام كان متابعة له
(1/694)
فلا يسقط به ما لزمه كالتشهد الأخير
(والثانية) لا يلزمه السجود لأن سجود إمامه قد كملت به
الصلاة في حقهما وحصل به الجبران فلم يحتج إلى سجود ثان كالمأموم إذا سها
وحده.
وللشافعي قولان كالروايتين، فإن نسي الإمام السجود سجد المسبوق في آخر
صلاته رواية واحدة لأنه لم يوجد من الإمام ما يكمل به صلاة المأموم.
وكذلك إن لم يسجد مع الإمام وإذا سها المأموم بعد مفارقة إمامه في القضاء
سجد رواية واحدة لأنه قد صار منفردا فلم يتحمل عنه الإمام السجود، وكذلك لو
سها فسلم مع إمامه قام فأتم وسجد بعد السلام كالمنفرد (مسألة) (فإن لم يسجد
الإمام فهل يسجد المأموم؟ على روايتين) يريد غير المسبوق إذا سها إمامه فلم
يسجد المأموم فيه روايتان (إحداهما) يسجد اختارها ابن عقيل وقال هي أصح لأن
صلاة المأموم نقصت بسهو إمامه ولم تنجبر بسجوده فيلزم المأموم جبرها وهذا
مذهب ابن سيرين وقتادة ومالك والليث والشافعي (والثانية) لا يسجد روى ذلك
عن عطاء والحسن والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لأن
المأموم إنما يسجد تبعا فإذا لم يسجد الإمام لم يوجد المقتضي لسجود
المأموم.
هذا إذا تركه الإمام لعذر فإن تركه قبل السلام عمدا وكان ممن لا يرى وجوبه
فهو كتركه سهوا وإن كان يعتقد وجوبه بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا، وهل
تبطل صلاة المأموم؟ فيه وجهان (أحدهما) تبطل لبطلان صلاة الإمام كما لو ترك
التشهد الأول (والثاني) لا تبطل لأنه لم يبق من الصلاة إلا السلام
(1/695)
(فصل) وإذا قام المأموم لقضاء ما فاته فسجد
إمامه بعد السلام وقلنا تجب عليه متابعة إمامه فحكمه حكم القائم عن التشهد
الأول وإن لم يستتم قائما لزمه الرجوع وإن استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز
وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع نص عليه أحمد في رواية الأثرم لأنه
قام عن الواجب إلى ركن أشبه القيام عن التشهد الأول، وذكر ابن عقيل فيه
روايات ثلاث (إحداها) يرجع لأن إمامه نفذ في الأداء ولأنه سجود في الصلاة
أشبه سجود صلبها (والثانية) لا يعود لأنه نهض إلى ركن (والثالثة) هو مخير
لأن سجود السهو أخذ شبها من سجود صلب الصلاة من حيث إنه سجود وشبها من
التشهد الأول لكونه يسقط بالسهو فلذلك جبر، وما ذكرناه أولى (فصل) وليس على
المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك في قول أكثر أهل العلم ويروى عن
ابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد ومجاهد وإسحاق فيمن أدرك وترا من صلاة إمامه
سجد للسهو لأنه يجلس للتشهد في غير موضع التشهد ولنا قول النبي صلى الله
عليه وسلم " وما فاتكم فأتموا " ولم يأمر بسجود وقد فات النبي صلى الله
عليه وسلم بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف فقضى ولم يكن لذلك سجود،
والحديث متفق عليه وقد جلس في غير موضع تشهده، ولأن السجود إنما شرع للسهو
ولا سهو ههنا، ولأن متابعة الإمام واجبة فلم يسجد لفعلها كسائر الواجبات
(1/696)
(فصل) قال رحمه الله (وسجود السهو لما يبطل
عمده الصلاة واجب في ظاهر المذهب، وعن أحمد أنه غير واجب) قال شيخنا: ولعل
مبنى هذه الرواية على أن الواجبات التي شرع السجود لجبرها غير واجبة فيكون
جبرها غير واجب.
وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كانت
الركعة والسجدتان نافلة له " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في
حديث ابن مسعود وأبي سعيد وفعله، وقوله نافلة يعني أن له ثوابا فيه كما
سميت الركعة أيضا نافلة وهي واجبة على الشاك بغير خلاف.
فأما المشروع لما لم يبطل عمده الصلاة فغير واجب.
قال أحمد إنما يجب السجود فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وما
كان في معناه ونقيس على زيادة خامسة سائر زيادات الأفعال من جنس الصلاة
وعلى ترك التشهد الأول ترك غيره من الواجبات وعلى التسليم من نقصان زيادات
الأقوال المبطلة عمدا (مسألة) (ومحله قبل السلام، لا في السلام قبل إتمام
صلاته، وفيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه، وعنه أن الجميع قبل السلام،
وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام، وما كان من نقص كان قبله) وجملة ذلك
أن سجود السهو كله قبل السلام في ظاهر قول أحمد إلا في الموضعين المذكورين
وهي إذا سلم عن نقص في صلاته لحديث ذي اليدين وعمران بن حصين (والثاني) إذا
بنى الإمام على غالب ظنه لحديث ابن مسعود، نص على ذلك في رواية الأثرم
فقال: أنا أقول كل سهو جاء عن
(1/697)
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فيه بعد
السلام، فإنه يسجد فيه بعد السلام، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام، وهو
أصح في المعنى لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل التسليم كسجود صلبها، وهذا
قول سليمان بن داود وابن أبي خيثمة وابن المنذر.
قال القاضي: لا يختلف قول أحمد في هذين الموضعين أنه يسجد لهما بعد
التسليم، وهذا اختيار الخرقي.
والروايتان الأخريان ذكرهما أبو الخطاب (إحداهما) جميع السجود قبل السلام،
روى ذلك عن أبي هريرة والزهري والليث والاوزاعي، وهو مذهب الشافعي لحديث
ابن بحينة وأبي سعيد.
قال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ولأنه تمام للصلاة فكان
قبل سلامها كسائر أفعالها (والثانية) ما كان من زيادة كان بعد السلام لحديث
ذي اليدين وحديث ابن مسعود حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسا، وما كان
من نقص كان قبله لحديث ابن بحينة، وهذا مذهب مالك وأبي ثور والمزني، وقال
أصحاب الرأي: جميع سجود السهو بعد السلام، وله فعله قبل السلام، روي نحو
ذلك عن علي وسعد وابن مسعود وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس والحسن لحديث
ذي اليدين وابن مسعود، وروي ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
لكل سهو سجدتان بعد التسليم " رواه سعيد عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم "
رواهما أبو داود ولنا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم السجود قبل
السلام وبعده في أحاديث صحيحة وفيما ذكرناه عملا بالأحاديث كلها وجمعا
بينها وذلك واجب مهما أمكن فإن خبر النبي صلى الله عليه وسلم
(1/698)
حجة يجب المصير إليه، والعمل به، ولا يترك
إلا لمعارض مثله أو أقوى منه وليس في سجوده في موضع ما ينفي سجوده في موضع
آخر ودعوى نسخ حديث ذي اليدين لا وجه له لان راوييه أبو هريرة وعمران بن
حصين وهجرتهما متأخرة وقول الزهري مرسل ثم لا يقتضي نسخا فانه يجوزأن يكون
آخر الأمرين سجوده قبل السلام لوقوع السهو آخرا فيما يسجد له قبل السلام،
وحديث ثوبان يرويه اسماعيل بن عياش وزهير بن سالم وفي روايته عن أهل الحجاز
ضعف وحديث ابن جعفر من رواية مصعب بن شيبة، قال أحمد يروى المناكير، وقال
النسائي منكر الحديث وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف
قال الأثرم لا يثبت واحد منهما والله أعلم (مسألة) (وإن نسيه قبل السلام
قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد وعنه أنه يسجد وإن بعد) متى نسي
سجود السهو قبل السلام قضاه بعد السلام ما لم يطل الفصل ما دام في المسجد
وإن تكلم، وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور، وقال الحسن وابن
سيرين إذا صرف وجهه عن القبلة لم يبن ولم يسجد، وقال أبو حنيفة إن تكلم بعد
الصلاة سقط عنه سجود السهو لأنه أتى بما ينافيها أشبه مالو أحدث ولنا ما
روى ابن مسعدو أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام.
رواه مسلم، وفي حديث ابن مسعود أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا
فلما انفتل توشوش القوم فيما بينهم ثم سجد بعد انصرافه عن القبلة، ولأنه
إذا جاز إتمام الركعتين من الصلاة بعد الكلام والانصراف كما جاء في حديث ذي
اليدين
(1/699)
وعمران بن حصين فالسجود أولى (فصل) فأما أن
طال الفصل وخرج من المسجد لم يسجد، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة،
وذكر القاضي: أنه يسجد ما لم يطل الفصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع
إلى المسجد بعد خروجه منه في حديث عمران بن حصين لإتمام الصلاة والسجود
أولى، وهذا قول الشافعي وقال الخرقي: يسجد ما كان في المسجد، فإن خرج لم
يسجد، وهو قول الحكم وابن شبرمة، وعنه أنه يسجد وإن خرج، وقد حكاها ابن أبي
موسى عن أحمد، وهو أحد قولي الشافعي لأنه جبران فأتى به بعد طول الفصل
والخروج كجبرانات الحج، وهذا قول مالك إن كان لزيادة، وإن كان لنقص أتى به
ما لم يطل الفصل لانه لتكميل الصلاة.
ووجه الأولى أنه لتكميل الصلاة فلا يأتي به بعد طول الفصل كركن من أركانها،
وإنما ضبطناه بالمسجد لأنه محل الصلاة فاعتبرت فيه المدة كخيار المجلس
(فصل) فإن نسيه حتى شرع في صلاة أخرى سجد بعد فراغه منها في ظاهر كلام
الخرقي ما كان في المسجد وعلى قول غيره: إن طال الفصل لم يسجد وإلا سجد
(مسألة) (وكيفي لجميع السهو سجدتان إلا أن يختلف محلهما ففيه وجهان) إذا
سها سهوين
أو أكثر من جنس كفاه سجدتان بغير خلاف علمناه، وإن كان السهو من جنسين
فكذلك حكاه ابن المنذر عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم الثوري ومالك
والشافعي وأصحاب الرأي وذكر أبو بكر
(1/700)
فيه وجهين (احدهما) ما ذكرنا (والثاني)
يسجد سجودين، وهو قول الأوزاعي وابن أبي حاتم وعبد العزيز بن أبي سلمة إذا
كان أحدهما قبل السلام، والآخر بعده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لكل
سهو سجدتان " رواه أبو داود وابن ماجة، وهذان سهوان، ولأن كل سهو يقتضي
سجودا وإنما يتداخلان في الجنس الواحد.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا
يتناول السهو في موضعين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سها وتكلم بعد
سلامه فسجد لهما سجودا واحدا، ولأنه شرع للجبر فكفى فيه سجود واحد كما لو
كان من جنس واحد، وحديثهم في إسناده مقال.
ثم إن المراد به لكل سهو في صلاة، والسهو وإن كثر داخل في لفظ السهو لأنه
اسم جنس فيكون التقدير لكل صلاة فيها سهو سجدتان يدل على ذلك أنه قال " لكل
سهو سجدتان بعد السلام " كذا رواية أبي داود، ولا يلزمه بعد السلام سجودان
(فصل) ومعنى اختلاف محلهما أن يكون أحدهما قبل السلام والآخر بعده لاختلاف
سببهما وأحكامهما.
وقال بعض أصحابنا: هو أن يكون أحدهما من نقص والآخر من زيادة، قال شيخنا:
والأول أولى إن شاء الله تعالى، فإذا قلنا يسجد لهما سجودا واحدا سجد قبل
السلام لأنه أسبق وآكد، ولأن الذي قبل السلام قد وجد سببه ولم يوجد قبله ما
يوجب منع وجوبه ولا يقوم مقامه
(1/701)
فلزمه الإتيان به، وإذا سجد له سقط الثاني
لإغناء الأول عنه (فصل) ولو أحرم منفردا فصلى ركعة ثم نوى متابعة الإمام
وقلنا بجواز ذلك فسها فيما انفرد فيه وسها إمامه فيما تابعه فيه فإن صلاته
تنتهي قبل صلاة إمامه، فعلى قولنا هما من جنس واحد إن كان محلهما واحدا،
وعلى قول من فسر الجنسين بالزيادة والنقص يحتمل كونهما من جنسين، وهكذا
لو صلى من الرباعية ركعة ودخل مع مسافر فنوى متابعته فلما سلم إمامه قام
ليتم ما عليه فقد حصل مأموما في وسط صلاته منفردا في طرفيها، فإذا سها في
الوسط والطرفين جميعا فعلى قولنا إن كان محل سجودهما واحدا فهي جنس واحد،
وإن اختلف محل السجود فهي جنسان.
وقال بعض أصحابنا: هي جنسان.
ولأصحاب الشافعي فيها وجهان كهذين.
ووجه ثالث: أنه يسجد ست سجدات لكل سهو سجدتان
(1/702)
(مسألة) (ومتى سجد بعد السلام جلس فتشهد ثم
سلم) وجملة ذلك أنه متى سجد للسهو كبر للسجود والرفع منه سواء كان قبل
السلام أو بعده، فإن كان قبل السلام سلم عقيبه، وإن كان بعده تشهد وسلم
سواء كان محله بعد السلام أو كان قبله فنسيه إلى ما بعده وبهذا قال ابن
مسعود والنخعي وقتادة والحكم والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي في
التشهد والتسليم، وقال أنس والحسن وعطاء ليس فيهما تشهد ولا تسليم.
وقال ابن سيرين وابن المنذر: فيهما تسليم بغير تشهد، وعن عطاء: إن شاء تشهد
وإن شاء ترك ولنا على التكبير قول ابن بحينة: فلما قضى الصلاة سجد سجدتين
كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم.
وقول أبي هريرة: ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر.
وأما التسليم فقد ذكره عمران بن حصين في حديثه الذي رواه مسلم قال فيه: سجد
سجدتي السهو ثم سلم
(1/703)
وفي حديث ابن مسعود: ثم سجد سجدتين ثم سلم
وأما التشهد فروي عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها،
فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولأنه
سجود له تسليم فكان له تشهد كسجود صلب الصلاة.
ويحتمل أن لا يجب التشهد لأن ظاهر الحديثين الأولين أنه سلم من غير تشهد
وهما أصح من هذه الرواية ولأنه سجود مفرد أشبه سجود التلاوة (فصل) وإذا نسي
سجود السهو حتى طال الفصل لم تبطل صلاته، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي.
وعن أحمد أن خرج من المسجد أعاد الصلاة، وهو قول الحكم وابن شبرمة وقول
مالك وابي
ثور في السجود قبل السلام ووجه الأول أنه جابر للعبادة بعدها فلم تبطل
بتركه كجبرانات الحج (مسألة) (وإن ترك السجود الواجب قبل السلام عمدا بطلت
صلاته) لأنه ترك واجبا في الصلاة
(1/704)
عمدا، وإن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل لأنه جبر للعبادة خارجا عنها فلم
تبطل بتركه كجبرانات الحج وسواء كان محله بعد السلام أو كان قبله فنسيه
فصار بعده.
وقد نقل عن أحمد ما يدل على بطلان الصلاة.
ونقل عنه التوقف فإنه قال فيمن نسي سجود السهو: إن كان في سهو خفيف فارجو
أن لا يكون عليه.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله فإن كان فيما سها فيه النبي صلى الله عليه
وسلم؟ قال هاه ولم يجب فبلغني عنه أنه يستحب أن يعيد، فإذا كان هذا في
السهو ففي العمد أولى وهذا ظاهر المذهب (فصل) ويقول في سجود السهو ما يقول
في سجود صلب الصلاة قياساً عليه والله أعلم |