الشرح
الكبير على متن المقنع (باب صلاة التطوع) (مسألة) قال (وهي أفضل
تطوع البدن) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " واعلموا أن خير أعمالكم
الصلاة " رواه ابن ماجه.
ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوع
(1/705)
(مسألة) (وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بصلاة الكسوف في حديث ابن مسعود،
فذكر الحديث إلى أن قال " فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم " متفق عليه وفي
حديث عائشة من رواية أبي داود، أمر بمنبر فوضع له ووعد الناس يوما يخرجون
فيه أي في الاستسقاء، وهذا يدل على الاعتناء بها والمحافظة عليها (مسألة)
قال (ثم الوتر وليس بواجب، ووقته ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، وأقله
ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة) الوتر سنة
مؤكدة في المنصوص عنه قال أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن
تقبل له شهادة، أراد بذلك المبالغة في تأكده ولم يرد الوجوب فإنه قد صرح في
رواية حنبل فقال: الوتر ليس بمنزلة الفرض، فإن شاء قضى الوتر وان شاء لم
يقضه.
وذلك لان البني صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه حضرا وسفرا، وروى أبو
(1/706)
أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن
أحب أن يوتر بواحدة فيلفعل " رواه أبو داود (فصل) واختلف أصحابنا في الوتر
وركعتي الفجر فقال القاضي: ركعتا الفجر آكد لاختصاصها بعدد لا يزيد ولا
ينقص، وقال غيره: الوتر آكد وهو أصح لأنه مختلف في وجوبه وفيه من الأخبار
ما لم يأت مثله في ركعتي الفجر، لكن ركعتي الفجر تليه في التأكد (فصل) وليس
الوتر واجبا، وبهذا قال مالك والشافعي، وذهب أبو بكر الى وجوبه وهو قول أبي
حنيفة لما ذكرنا من حديث أبي أيوب ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا
خفت الصبح فأوتر بواحدة " وعن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " رواه الإمام أحمد، وعن خارجة
بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة فقال " إن
الله أمدكم بصلاة فهي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها
(1/707)
لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر " رواه
الإمام أحمد وأبو داود، وعن أبي بصرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " إن الله زادكم صلاة فصلوها مابين العشاء إلى صلاة الصبح " رواه
الأثرم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين سأله ما فرض الله
عليه من الصلاة في اليوم والليلة قال " خمس صلوات " قال هل علي غيرها؟ قال
" لا أن تطوع " فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص
منها فقال " أفلح الرجل إن صدق " حديث صحيح، وروي أن رجلا من كنانة يدعى
المخدجي سمع رجلا من أهل الشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب قال:
فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن
جاء بهن لم يضيع من حقهن
(1/708)
شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد
أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء
أدخله الجنة " رواه مسلم.
وعن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم،
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر ثم قال " يا أهل القرآن أوتروا فإن
الله يحب الوتر " رواه أحمد، ولأنه يجوز فعله على الراحلة من غير ضرورة فلم
يكن واجباً كالسنن، فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على
بعيره متفق عليه.
وفي لفظ: كان يسبح على الراحلة قبل أي وجة توجه ويوتر عليها غير أنه لا
يصلى عليها المكتوبة، رواه مسلم، وأحاديثهم قد تكلم فيها، ثم إن المراد بها
تأكده وفضيلته وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة.
والتوعد للمبالغة كقوله " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا "
والله أعلم (فصل) ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر كذلك ذكره شيخنا
في كتاب المغني وذكر
(1/709)
في الكافي أنه إلى صلاة الصبح لقول النبي
صلى اله عليه وسلم " أن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة
الصبح " رواه الإمام أحمد في المسند.
ووجه الأول ما روي عن معاذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "
زادني ربي صلاة وهي الوتر ووقتهاما بين العشاء إلى طلوع الفجر " (1) رواه
الإمام أحمد: فإن أوتر قبل العشاء لم يصح وتره، وهو قول مالك والشافعي
ويعقوب ومحمد.
وقال الثوري وأبو حنيفة: إن صلاه قبل العشاء ناسيا لم يعد والأول أولى لما
ذكرنا من الحديثين، ولأنه صلاة قبل الوقت أشبه مالو صلاه نهارا، وإن أخره
حتى طلع الصبح احتمل أن يكون أداء لحديث أبي نصرة، وهو قول علي وابن مسعود
رضي الله عنهما.
قال شيخنا: والصحيح إن يكون قضاء لحديث معاذ ولقول النبي صلى الله عليه
وسلم " فإذا خشي أحدكم الصبح يصلي ركعة فأوترت له ما قد صلى " وقال "
واجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " متفق عليه وقال " أوتروا قبل أن تصبحوا "
رواه مسلم
__________
1) قد يقال المراد بصلاة الصبح فيما قبله فهو بمعنى طلوع الفجر فالروايتان
بمعنى واحد وهو الذي يتفق مع سائر الاحاديث فيه
(1/710)
(فصل) والأفضل فعله في آخر الليل لقول
عائشة، من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى
السحر، متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من خاف أن لا يقوم
من آخر الليل فليوتر من أوله، ومن طمع أن يقوم آخر فليوتر آخر الليل، فإن
صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " رواه مسلم.
وهذا صريح فإذا كان له تهجد جعل الوتر بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم
فعل ذلك وقال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه مسلم.
فأما إن خاف أن لا يقوم آخر الليل استحب أن يوتر من أوله لما ذكرنا من
الحديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به أبا هريرة وأبا ذر وأبا
الدرداء وكلها أحاديث صحاح.
وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر " متى توتر؟ "
قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر " متى توتر؟ " قال: آخر الليل، فقال
لأبي بكر " أخذ هذا بالحزم، وهذا بالقوة " وأي وقت أوتر من الليل بعد
العشاء أجزأه بغير
(1/711)
خلاف.
وقد دلت عليه الأخبار (فصل) ومن أوتر أول الليل ثم قام للتهجد صلى مثنى
مثنى ولم ينقض وتره، روى ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر وسعد بن أبي وقاص وابن
عباس وأبي هريرة وعائشة، وبه قال طاوس والنخعي ومالك والاوزاعي وأبو ثور،
قيل لاحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال " لا ثم قال وإن ذهب إليه ذاهب فأرجو،
قد فعله جماعة.
روي عن عمر وعلي وأسامة وأبي هريرة وابن مسعود وعثمان وسعيد وابن عمر رضي
الله عنهم، وبه قال إسحاق، ومعناه إذا قام للتهجد يصلي ركعة شفع الوتر
الأول ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر في آخر التهجد: ولعلهم ذهبوا إلى قول
النبي صلى الله عليه وسلم " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ولنا قول
النبي صلى الله عليه وسلم " لا وتران في ليلة " رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن صحيح
(1/712)
(فصل) وأقله ركعة لما ذكرنا من حديث أبي
أيوب ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى
فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة " وروى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " رواهما مسلم، وأكثره إحدى عشرة
ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة
لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل إحدى
عشر ركعة يوتر منها بواحدة، رواه مسلم وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم
من كل ركعتين ويوتر بواحدة وذكر القاضي في المجردانه إن صلى إحدى عشرة ركعة
وما شاء منهن بسلام واحد أجزأه والأولى الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
(مسألة) (وإن أوتر بتسع سرد ثمانيا وجلس ولم يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد
وسلم، وكذلك
(1/713)
السبع وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن)
وجملته أنه يجوز أن يوتر بواحدة وثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وقد ذكرنا
دليل الواحد والإحدى عشرة وسنذكر الثلاث إن شاء الله تعالى.
قال الثوري واسحاق: الوتر ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة، وقال ابن عباس
إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك يوتر بما شاء.
فظاهر قوله أنه لا بأس أن يوتر بأكثر من إحدى عشرة ويدل عليه ما روى عبد
الله بن قيس قال: قلت لعائشة بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟
قالت كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن
يوتر بأقل من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة.
رواه أبو داود، وهذا صريح في أنه يزيد على إحدى عشرة (فصل) فإن أوتر بتسع
سرد ثمانيا ثم جلس فتشهد ولم يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم ونحو هذا قال
إسحاق، وذلك لما روى سعد بن هشام قال: قلت يعني لعائشة يا أم المؤمنين
أنبئيني عن وتر
(1/714)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا
نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع
ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا
يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم
تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة
يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع
في الركعتين مثل صنيعه في الأول، قال فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها
فقال: صدقت رواه مسلم.
وحكم السبع حكم التسع لأن في حديث عائشة من رواية أبي داود أوتر بسبع لم
يجلس
إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة.
وقال القاضي: لا يجلس في السبع إلا في آخرها كالخمس لما روى ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فتوضأ ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم
إلا في آخرهن، رواه مسلم وأبو داود، وليس في هذا الحديث تصريح بأنه لم يجلس
عقيب السادسة،
(1/715)
وحديث عائشة حجة عليه.
وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن، روى ذلك عن زيد بن ثابت لما روى عروة
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة
ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ منها إلا في آخرها، متفق عليه (مسألة)
(وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين) كذلك ذكره أبو الخطاب، وممن روي عنه
أنه أوتر بثلاث عمر وعلي وأبي وأنس وابن مسعود وابن عباس وأبو أمامة وعمر
بن عبد العزيز وبه قال أصحاب الرأي، وقد دل على ذلك حديث أبي أيوب.
وقال أبو موسى: ثلاث أحب إلي من واحدة، وخمس أحب إلي من ثلاث، وسبع أحب إلي
من خمس، وتسع أحب إلي من سبع إذا ثبت ذلك فاختيار أبي عبد الله أن يفصل بن
الواحدة والثنتين بالتسليم قال: وإن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن لم يضيق عليه
عندي.
وممن كان يسلم من كل ركعتين ابن عمر حتى يأمر ببعض حاجته
(1/716)
وهو مذهب معاذ القارئ ومالك والشافعي
واسحاق، وقال الأوزاعي: إن فصل فحسن، وإن لم يفصل فحسن.
وقال أبو حنيفة: لا يفصل بسلام، واستدل بقول عائشة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وقولها كان يصلي أربعا
فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم
يصلي ثلاثا.
وظاهر هذا أنه كان يصلي الثلاث بتسليم واحد ولنا ما روت عائشة أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى
عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، رواه مسلم.
وعن نافع عن ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم "
رواه الأثرم، وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين
الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها، رواه
(1/717)
الإمام أحمد وهذا نص، فأما حديث عائشة فليس
فيه تصريح بأنها بتسليم واحد.
فإن صلى خلف إمام يصلي الثلاث بتسليم تابعه لئلا يخالف إمامه وهو قول مالك
والله أعلم (مسألة) قال (يقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بقل يا أيها
الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد) يستحب أن يقرأ في ركعات الوتر
الثلاث بذلك، وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: يقرأ في
الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين، وروي نحوه عن أحمد وهو قول مالك في
الوتر وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شئ معلوم لما روت عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الاولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي
الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين، رواه
ابن ماجه.
(1/718)
ولنا ما روى أبي بن كعب قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو
الله أحد، رواه أبو داود وابن ماجة.
وحديث عائشة في هذا لا يثبت يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف، وقد أنكر أحمد
ويحيى زيادة المعوذتين (مسألة) قال (ثم يقنت فيها بعد الركوع) القنوت مسنون
في الركعة الأخيرة من الوتر في جميع السنة في المنصور عند أصحابنا وهو قول
ابن مسعود وابراهيم واسحاق وأصحاب الرأي، وعنه لا يقنت في إلا في النصف
الأخير من رمضان، روى ذلك عن علي وأبي وهو قول مالك والشافعي اختاره الأثرم
لما روي أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ولا يقنت إلا
في النصف الثاني، رواه أبو داود.
وهذا كالإجماع.
وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان لهذا الخبر.
والرواية الأولى هي المشهورة قال أحمد في رواية المروذي: كنت
(1/719)
أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان ثم إني
قنت هو دعاء وخير وذلك لما روى أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يوتر فيقنت قبل الركوع.
وحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره " اللهم
إني أعوذ برضاك من سخطك " الحديث، وكان للدوام، وفعل أبي يدل على أنه رآه،
ونحن لا ننكر الاختلاف في هذا، ولأنه وتر فيشرع فيه القنوت كالنصف الأخير
(فصل) ويقنت بعد الركوع نص عليه أحمد، وروي نحو ذلك من أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي رضي الله عنهم، وبه قال الشافعي.
وقد قال أحمد: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، وإن قنت قبله فلا بأس ونحوه
قال أيوب السختياني لما روى حميد قال: سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح
فقال: كنا نقنت قبل الركوع وبعده، رواه ابن ماجه.
وقال مالك وأبو حنيفة: قبل الركوع، روى ذلك عن أبي وابن مسعود وأبي موسى
والبراء وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز، لأن في حديث
(1/720)
أبي ويقنت قبل الركوع.
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع ولنا ما روى أبو
هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع، رواه مسلم.
وحديث ابن مسعود يرويه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث.
وحديث أبي قد تكلم فيه أيضا وقبل: ذكر القنوت فيه غير صحيح والله أعلم
(فصل) ويستحب أن يقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه فروى الحسن بن علي قل: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات
أقولهن في الوتر " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن
توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك،
وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت " رواه أبو
داود والترمذي وقال هذا حديث حسن، ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في
القنوت
(1/721)
شيئا أحسن من هذا.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر
وتره " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك
منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " رواه الطيالسي.
وعن عمر رضي الله عنه أنه قنت في صلاة الفجر فقال: بسم الله الرحمن الرحيم،
اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل
عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، بسم الله الرحمن الرحيم "
اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونجفد، نرجوا رحمتك ونخشى
عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، اللهم عذب كفرة أهل
الكتاب.
وهاتان سورتان في مصحف أبي، وقال ابن سيرين: كتبهما أبي في مصحفه يعني إلى
قوله بالكفار ملحق - نحفد نبادر وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع، والجد
بكسر الجيم الحق لا اللعب، وملحق
(1/722)
بكسر الحاء لاحق.
هكذا روي هذا الحرف يقال لحقت القوم وألحقتهم بمعنى واحد، ومن فتح الحاء
أراد أن الله يحلقه إياه وهو معنى صحيح غير أن الرواية هي الأولى قال
الخلال: سألت ثعلبا عن محلق وملحق فقال: العرب تقولهما معا (فصل) إذا أخذ
الإمام في القنوت أمن من خلفه لا نعلم فيه خلافاً قال القاضي: وإن دعا معه
فلا بأس فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا نص عليه.
ويرفع يديه في حال القنوت قال الأثرم: كان أبو عبد الله يرفع يديه في
القنوت إلى صدره يروي ذلك عن ابن مسعود وعمر وابن عباس وهو قول إسحاق
وأصحاب الرأي، وأنكره الاوزاعي ومالك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "
إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك ولا تدع بظهورها، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك
" رواه أبو داود وابن ماجه.
وروى السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/723)
كان إذا دعا رفع يديه ومسح وجهه بيديه.
رواه أبو داود (مسألة) وهل يمسح وجهه بيديه؟ على روايتين (إحداهما) يمسح،
وهو قول الحسن وهو الصحيح لما ذكرنا من الحديثين (والثانية) لا يستحب لأنه
دعاء في الصلاة فلم يمسح وجهه فيه كسائر دعائها (مسألة) (ولا يقنت في غير
الوتر) وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وابن
مسعود وأبي يالدرداء.
وقال مالك والشافعي: يسن القنوت في صلاة الصبح في جميع الزمان لان أنساً
قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
من المسند ولإن
عمر كان يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم ولنا ما روى مسلم في صحيحه
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يذعو على حي من أحياة العرب
ثم تركه، وروى ابو هريرة وابن مسعود نحوه مرفوعا.
وعن أبي مالك الأشجعي
(1/724)
قال: قلت لأبي يا أبة إنك قد صليت خلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة نحو خمس
سنين أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال أي نبي محدث، قال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح ورواه أحمد وابن ماجه والنسائي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وعن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا
دعا لقوم أو دعا على قوم رواه سعيد، وروى سعيد أيضاً عن هشيم عن عروة
الهمداني عن الشعبي قال: لما قنت علي في صلاة الصبح أنكر ذلك لناس فقال
علي: أنا إنما استنصرنا على عدونا.
هذا وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام فانه سمى قنوتا.
ويحتمل أنه كان يقنت إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ليكون موافقاً لما ذكرنا
من الحديثين قنوت عمر يحمل على أنه كان في أوقات النوازل فإن أكثر الروايات
عنه أنه لم يكن يقنت، وعن سعيد بن جبير قال أشهد أني سمعت ابن عباس يقول أن
القنوت في صلاة الفجر بدعة رواه الدارقطني
(1/725)
(مسألة) قال (ألا إن ينزل بالمسلمين نازلة
فللإمام خاصة القنوت في صلاة الفجر) متى نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن
يقنت في صلاة الصبح في المنصوص عن أحمد في رواية الأثرم، وقال أبو داود:
سمعت أحمد سئل عن القنوت في الفجر فقال لو قنت أياما معلومة ثم ترك كما فعل
النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة لما ذكرنا من الحديث،
وفعل علي حين قال إنما استنصرنا على عدونا.
هذا ولا يقنت آحاد الناس وعنه يقنت رواها القاضي عن أحمد.
والمشهور في رءوس المسائل الأول.
ويقول في قنوته نحوا مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد روي عن عمر أنه كان يقول في القنوت اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،
والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح دات بينهم، وانصرهم على عدوك
وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون
رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم وأنزل بهم
بأسك الذي لا يرد
(1/726)
عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن
الرحيم، اللهم إنا نستعينك " رواه أبو داود (فصل) ولا يقنت في غير الفجر
والوتر، وقيل يقنت في صلوات الجهر كلها قياسا على الفجر وقال أبو الخطاب:
يقنت في الفجر والمغرب لأنهما صلاتهما جهر في طرفي النهار، وعنه يقنت في
جميع الصلوات، وهو مذهب الشافعي.
والأول أولى لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه إلا
في الفجر والوتر (فصل) قال أحمد: الأحاديث التي جاءت أن النبي صلى الله
عليه وسلم وسلم أوتر بركعة كان قبلها صلاة متقدمة.
قيل له: أوتر في السفر بواحدة قال: يصلي قبلها ركعتين.
فقيل له رجل تنفل بعد عشاء الآخرة ثم تعشى ثم أراد أن يوتر يعجبك أن يركع
ركعتين ثم يوتر؟ قال: نعم.
وسئل عمن
(1/727)
صلى من الليل ثم نام ولم يوتر فلا يعجبني
أن يركع ركعتين ثم يسلم ثم يوتر.
وسئل عن رجل أصبح ولم يوتر قال: لا يوتر بركعة إلا أن يخاف طلوع الشمس.
قيل له: فإذا لحق مع الإمام ركعة الوتر؟ قال: إن كان الإمام يفصل بينهن
بسلام أجزأته الركعة وإلا تبعه ويقضي ما مضى مثل ما صلى فإذا فرغ قام يقضي
ولا يقنت.
قيل لأبي عبد الله: رجل قام يتطوع ثم بدا له فجعل تلك الركعة وترا قال لا
كيف يكون هذا قد قلب نيته؟ قيل له: أيبتدئ الوتر؟ قال نعم.
قال أبو عبد الله: إذا قنت قبل الركوع كبر ثم أخذ في القنوت، وقد روي عن
عمر أنه كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر حين يركع.
وروي ذلك عن علي وابن مسعود والبراء وهو قول الثوري ولا نعلم فيه مخالفا
(فصل) وإذا فرغ من وتره استحب أن يقول: سبحان الله الملك القدوس - ثلاثا -
ويمد بها صوته في الثالثة لما روى عبد الرحمن بن أبزى قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يوتر (بسبح اسم ربك
(1/728)
الاعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله
أحد) وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال " سبحان
الملك القدوس " ثلاث مرات ثم يرفع صوته بها في الثالثة رواه الإمام أحمد
(مسألة) قال (ثم السنن الراتبة، وهي عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر وركعتان
بعدها وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وهما
آكد، قال أبو الخطاب: وأربع قبل العصر) السنن الرواتب مع الفرائض عشر ركعات
كما ذكر، وقال الشافعي: قبل الظهر أربعا لما روى عبد الله بن شقيق قال:
سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يصلي في بيته
قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، رواه مسلم
قال أبو الخطاب: وأربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " رحم الله أمرأ صلى قبل العصر أربعا " رواه أبو داود.
وعن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم
(1/729)
يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن
بالتسليم على الملائكة المقربين ومن سمعه من المسلمين والمؤمنين رواه
الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى ابن عمر قال: حفظت عن
النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها،
وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل
الصبح.
وكانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها حدثتني حفصة أنه كان
إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه، وروى الترمذي مثل ذلك عن
عائشة مرفوعا وقال هو حديث صحيح وقول النبي صلى الله عليه وسلم " رحم الله
امرأ صلى قبل العصر أربعا " ترغيب فيها ولم يجعلها من السنن الرواتب بدليل
أن ابن عمر لم يحفظها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث عائشة قد اختلف فيه فروي عنها مثل رواية ابن عمر
(1/730)
(فصل) وآكدها ركعتا الفجر لقول عائشة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شئ من النوافل أشد معاهدة منه على
ركعتين قبل الصبح، متفق عليه وقال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها "
رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم " صلوهما ولو طردتكم الخيل " رواه أبو داود،
ويستحب تخفيفهما فإن عائشة
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني
لأقول هل قرأ فيهما بأم الكتاب متفق عليه.
ويستحب أن يقرأ فيهما وفي ركعتي المغرب (قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله
أحد) لما روى ابن مسعود قال: ما أحصي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر (بقل يا أيها
الكافرون وقل هو الله أحد) رواه الترمذي وابن ماجة.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر
(بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) قال الترمذي هو حديث حسن.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في
(1/731)
ركعتي الفجر (قولوا آمنا بالله وما أنزل
إلينا) الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما (آمنا بالله واشهد بأنا
مسلمون) رواه مسلم (فصل) ويستحب أن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن،
وكان أبو موسى ورافع بن خديج وأنس يفعلونه، وأنكره ابن مسعود، واختلف فيه
عن ابن عمر ولنا ما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم
الركعتين قبل الصلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن " رواه الإمام أحمد
وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب.
وروى عن أحمد أنه ليس بسنة لأن ابن مسعود أنكره، واتباع النبي صلى الله
عليه وسلم أولى.
ويستحب فعل الركعتين قبل الفجر والركعتين
(1/732)
بعد المغرب وبعد العشاء في بيته لما ذكرنا
من حديث ابن عمر قال أبو داود: ما رأيت أحمد ركعهما يعني ركعتي الفجر في
المسجد قط إنما كان يخرج فيقعد في المسجد حتى تقام الصلاة، قال الأثرم سمعت
أبا عبد الله يسئل عن الركعتين بعد الظهر أين يصليان؟ قال: في المسجد ثم
قال: أما الركعتان قبل الفجر ففي بيته، وبعد المغرب ففي بيته، ثم قال ليس
ههنا شئ آكد من الركعتين بعد المغرب
يعني فعلهما في بيت.
قيل له: فإن كان منزل الرجل بعيدا؟ قال: لا أدري وذلك لما روى سعد ابن
إسحاق عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد بني عبد
الأشهل فصلى المغرب فرآهم يتطوعون بعدها فقال " هذه صلاة البيوت " رواه أبو
داود، وعن رافع بن خديج قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني
عبد الأشهل فصلى بنا المغرب في مسجدنا ثم قال " اركعوا هاتين الركعتين في
بيوتكم " رواه ابن ماجه
(1/733)
(فصل) وكل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول
وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها
والله أعلم (مسألة) (ومن فاته شئ من هذه السنن سن له قضاؤه) وهذا اختيار
ابن حامد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعضها فروي عنه عليه السلام أنه
قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد
العصر وقسنا الباقي عليه.
وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن
الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر " رواه أبو داود والترمذي من رواية
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
قال أحمد: أحب أن يكون للرجل شئ من النوافل يحافظ عليه إذا فات قضاه.
وقال بعض أصحابنا: لا يقضي إلا ركعتا الفجر إلى وقت الضحى وركعتا الظهر فإن
أحمد قال: ما أعرف وترا بعد الفجر، وركعتا الفجر تقضي إلى وقت الضحى.
(1/734)
وقال مالك: يقضي إلى وقت الزوال ولا يقضي
بعده.
وقال النخعي وسعيد بن جبير والحسن: إذا طلعت الشمس فلا وتر.
والصحيح الأول لما ذكرنا من النص والمعنى (فصل) ويستحب المحافظة على أربع
قبل الظهر وأربع بعدها لما روت ام حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول " من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله
على النار " قال الترمذي حديث صحيح، وروى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء "
رواه أبو داود.
وعلى أربع قبل العصر لما ذكرنا
وعن علي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعا قبل
الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها، وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين
بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين، رواه ابن
ماجه، وعلى ست بعد المغرب لما روى أبو هريرة قال قال
(1/735)
رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى بعد
المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة " رواه
الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي خثعم وضعفه البخاري.
وعلى أربع بعد العشاء، قالت عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات، رواه أبو داود (فصل) واختلف في
أربع ركعات منهما ركعتان قبل المغرب بعد الأذان، والظاهر عن أحمد جوازهما
وعدم استحبابهما، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله الركعتان قبل المغرب؟ قال:
ما فعلته قط إلا مرة واحدة حين سمعت الحديث، وقال فيهما أحاديث جياد أو قال
صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين إلا أنه قال لمن شاء،
فمن شاء صلى، وقال هذا شئ ينكره الناس وضحك كالمتعجب وقال هذا عندهم عظيم.
ووجه جوازهما ما روى أنس قال: كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم
(1/736)
ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب،
قال المختار بن فلفل: فقلت له أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟
قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا، متفق عليه.
وقال أنس: كنا بالمدينة إذا أذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فصلوا ركعتين
حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من
يصليها.
رواه مسلم، وعن عبد الله المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
صلوا قبل المغرب ركعتين " ثم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء " خشية
أن يتخذها الناس سنة، متفق عليه (الثاني) الركعتان بعد الوتر وظاهر كلام
أحمد أنه لا يستحب فعلهما مع الجواز.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الركعتين بعد الوتر فقال: أرجو أن
فعله إنسان أن لا يضيق عليه ولكن تكون وهو جالس كما جاء الحديث
قلت تفعله أنت؟ قال لا ما أفعله.
وعدهما أبو الحسن الآمدي من السنن الراتية.
قال شيخنا: والصحيح أنهما ليستا بسنة لأن أكثر من وصف تهجد النبي صلى الله
عليه وسلم لم يذكرهما منهم ابن عباس
(1/737)
وزيد بن خالد وعائشة فيما رواه عنها عروة
وعبد الله بن شقيق والقاسم واختلف فيه عن أبي سلمة وأكثر الصحابة ومن بعدهم
من أهل العلم على تركهما.
ووجه قول من قال بالاستحباب ما روى سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات ثم يسلم تسليما
يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة، وقال أبو
سلمة سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يصلي
ثلاث عشرة ركعة يصلي ثماني ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا
أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح.
رواهما مسلم وروى ذلك أبو أمامة أيضا (فصل) في صلوات معينة سوى ما ذكرنا
(منها) صلاة التراويح، والضحى، وسجود التلاوة
(1/738)
والشكر، وسيأتي ذكرها إن شاء الله (ومنها
تحية المسجد) فيستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل جلوسه لما روى أبو
قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا
يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه.
فإن جلس قبل الصلاة سن له أن يقوم فيصلي لما روى جابر قال: جاء سليك
الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال " يا سليك قم فاركع
ركعتين وتجوز فيهما " رواهما مسلم (فصل) ويستحب أن يتطوع مثل تطوع النبي
صلى الله عليه وسلم فإن علياً رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا صلى الفجر تمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق
مقدارها من صلاة العصر من ههنا يعني من قبل المغرب قام فصلى ركعتين ثم تمهل
حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة الظهر قام
فصلى أربعا، وأربعا قبل
(1/739)
الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها،
وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين
والنبيين ومن تبعهم من المسلمين، فتلك ست عشرة ركعة تطوع النبي صلى الله
عليه وسلم بالنهار، وقل من يداوم عليها، من المسند (فصل) ومنها صلاة
الاستخارة فروى جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول " إذا
هم أحدكم بالأمر فيلركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك
بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم
ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في
ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال - في عاجل أمري وآجله، فيسره لي ثم بارك
لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري - أو
قال - في
(1/740)
عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه،
واقدر لي الخير حيث كان ورضني به، ويسمي حاجته " أخرجه البخاري، ورواه
الترمذي وفيه " ثم رضني به " (فصل) ومنها صلاة الحاجة.
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت
له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل
ركعتين ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان
رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم
مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته،
ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين " رواه
ابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب (فصل) في صلاة التوبة عن علي رضي الله
عنه قال: حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال:
(1/741)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "
ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر
له " ثم قرأ (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) إلى آخرها إلا انه
رواه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن غريب وفي إسناده قال لأنه من رواية أبي الورقاء وهو
يضعف في الحديث (فصل) فأما صلاة التسبيح فإن أحمد قال ما يعجبني قيل له لم؟
قال ليس فيها شئ يصح ونفض يده كالمنكر ولم يرها مستحبة.
قال شيخنا: وإن فعلها إنسان فلا بأس فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة
الحديث فيها، وقد رأى غير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح منهم ابن
المبارك، وذكروا الفضل فيها.
ووجهها ما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال للعباس ابن عبد المطلب " يا عباس يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا
أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره،
قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره سره
(1/742)
وعلانيته، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل
ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة ثم
تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم
تهوي ساجدا فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد
فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل
ركعة، تفعل ذلك في الأربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل،
فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي
كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة " رواه ابن خزيمة في صحيحه والطبراني
في معجمه وفي آخره " فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر ورمل عالج غفر الله لك "
(فصل) ويستحب لمن توضأ أن يصلي ركعتين عقيب الوضوء إذا كان في غير أوقات
النهي
(1/743)
لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر " يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام
فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة " فقال: ما عملت عملا أرجى عندي فإني
لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن
أصلي، متفق عليه، واللفظ للبخاري، وعن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدعا بلالا فقال " يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة
قط إلا سمعت خشخشتك أمامي إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك "
وذكر الحديث وفيه قال: وقال لبلال " بم سبقتني إلى الجنة؟ " قال: ما أحدثت
إلا توضأت وصليت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بهذا " ورواه
الإمام أحمد وهذا لفظه والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب (فصل) وقد وصف عبد
الله بن المبارك صلاة التسبيح فذكر أنه يقول قبل القراءة وبعد الاستفتاح
(1/744)
خمس عشرة مرة سبحان الله، والحمد لله، ولا
إله إلا الله، والله أكبر، ثم يقولها بعد القراءة عشرا، ويقولها في الركوع
عشرا، وفي الرفع منه عشرا، وفي السجود عشرا، وفي الرفع منه عشرا، وفي
السجدة الثانية عشرا، فتلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة، قال أبو وهب:
وأخبرني عبد العزيز هو ابن أبي رزمة عن عبد الله قال: يبدأ في الركوع
بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثا، ثم يسبح التسبيحات
وعن أبي رزمة قال: قلت لعبد الله بن المبارك إن سها فيها أيسبح في سجدتي
السهو عشرا عشرا؟ قالا لا إنما هي ثلاثمائة تسبيحة رواه الترمذي (مسألة)
(ثم التراويح وهي عشرون ركعة يقوم بها في رمضان في جماعة ويوتر بعدها في
الجماعة) التراويح سنة مؤكدة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو
هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن
يأمرهم فيه بعزيمة فيقول " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر
(1/745)
له ما تقدم من ذنبه " وعن عائشة: صلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى في
القابلة وكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج
إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال " قد رأيت الذي صنعتم
فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم " وذلك في رمضان.
رواه مسلم، وعن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان
فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما
كانت السادسة فلم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل
فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال فقال " ان الرجل اذا صلى
مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " قال فلما كانت الرابعة لم يقم،
فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا
(1/746)
الفلاح قال قلت وما الفلاح؟ قال السحور ثم
لم يقم بقية الشهر.
رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال
حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الناس يصلون في
ناحية المسجد فقال " ما هؤلاء؟ " فقيل هؤلاء أناس ليس معهم قرآن وأبي بن
كعب يصلي بهم، وهم يصلون بصلاته فقال " أصابوا ونعم ما صنعوا " رواه أبو
داود وقال: يرويه مسلم بن خالد وهو ضعيف، حتى كان زمن عمر رضي الله عنه
فجمع الناس على أبي بن كعب.
فروى عبد الرحمن بن عبد القادر قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان فإذا الناس
متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني
أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب
قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال: نعمت البدعة
هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل.
وكان الناس يقومون أوله، أخرجه البخاري
(1/747)
(فصل) وعددها عشرون ركعة وبه قال الثوري
وابو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ست وثلاثون، وزعم أنه الأمر القديم وتعلق
بفعل أهل المدينة، فإن صالحا مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى
وأربعين ركعة يوترون منها بخمس ولنا أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على
أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرون ركعة.
وروى السائب بن يزيد نحوه، وروى مالك عن يزيد بن رومان قال: كان الناس
يقومون في زمن عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وعن أبي عبد
الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين
ركعة، وهذا كالإجماع، وأما ما روى صالح فإن صالحا ضعيف، ثم لا يدري من
الناس الذين أخبر عنهم وليس ذلك بحجة، ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه
لكان ما فعله عمر وعلي وأجمع عليه الصحابة في عصرهم أولى بالاتباع.
قال بعض أهل العلم
(1/748)
إنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا
مساواة أهل مكة، فإن أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة
مكان كل سبع أربع ركعات واتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق
وأولى (فصل) والأفضل فعلها في الجماعة نص عليه في رواية يوسف بن موسى ويوتر
بعدها في الجماعة لما ذكرنا من حديث يزيد بن رومان.
قال أحمد: كان جابر وعلي وعبد الله يصلونها في الجماعة، وبهذا قال المزني
وابن عبد الحكم وجماعة من الحنفية.
وقال مالك والشافعي: قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب إلينا لما روى زيد بن
ثابت قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون
بصلاته، ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم
يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم مغضبا فقال لهم " ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب
(1/749)
عليكم فعليكم الصلاة في بيوتكم، فإن خير
صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " رواه مسلم ولنا إجماع الصحابة على ذلك،
وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أهله وأصحابه في حديث أبي ذر وقوله " ان
الرجل اذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " وهذا خاص في قيام
رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك
معلل بخشية فرضه عليهم ولهذا ترك القيام بهم معللا بذلك أو خشية أن يتخدها
الناس فرضا، وقد أمن هذا بعده (فصل) قال أحمد: يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما
يخف عليهم ولا يشق لا سيما في الليالي القصار وقال القاضي: لا يستحب
النقصان من ختمة في الشهر ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد على ختمة
كراهية المشقة على من خلفه، قال الشيخ رحمه الله والتقدير بحال الناس أولى،
فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل ويختارونه كان أفضل كما جاء في حديث أبي
ذر قال فقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح -
يعني السجور.
وعن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على
(1/750)
عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر
رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمائتين، وكانوا
يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان رضي الله عنه من شدة القيام، رواه البيهقي.
وعن أبي عثمان النهدي قال: دعا عمر بن الخطاب بثلاثة قراء فاستقرأهم فأمر
أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس بثلاثين آية وأوسطهم أن يقرأ خمسا وعشرين آية،
وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية، رواه البيهقي، وكان السلف يستعجلون خدمهم
بالطعام مخافة طلوع الفجر (فصل) فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " واجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " (مسألة) (فإن أحب
متابعة الإمام فأوتر معه قام إذا سلم الامام فشفعها بأخرى) قال أبو داود:
سمعت أحمد يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لقول النبي صلى الله
عليه وسلم " ان الرجل اذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته " قال
وكان أحمد يقوم مع الناس ويوتر معهم
(1/751)
وأخبرني الذي كان يؤمه في شهر رمضان أنه
كان يصلي معهم التراويح كلها والوتر قال: وينتظرني بعد ذلك حتى أقوم ثم
يقوم كأنه يذهب إلى حديث أبي ذر.
وإذا أوتر مع الإمام شفعها بأخرى إذا سلم إمامه لقوله عليه السلام " لا
وتران في ليلة " ويؤخر وتره إلى آخر الليل للحديث المذكور.
قال أبو داود: وسئل أحمد عن قوم صلوا في رمضان خمس تراويح لم يتروحوا بينها
قال، لا بأس.
وسئل عمن أدرك من ترويحة ركعتين يصلي إليها ركعتين فلم ير ذلك، وقيل لاحمد:
يؤخر القيام يعني في التراويح إلى آخر الليل؟ لا سنة المسلمين أحب إلي
(فصل) ويجعل ختم القرآن في التراويح، نص عليه في رواية الفضل بن زياد قال:
حتى يكون لنا دعاء بين اثنين قلت: كيف أصنع قال: إذا فرغت من آخر القرآن
فارفع يديك قبل أن تركع
(1/752)
وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام.
قلت بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال حنبل: وسمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا
فرغت من قراءة قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع قلت إلى
أي شئ تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه، قال العباس
بن عبد العظيم: أدركت الناس بالبصرة يفعلونه وبمكة، ويروي أهل المدينة في
هذا شيئاً وذكر عن عثمان بن عفان
(فصل) واختلف أصحابنا في قيام ليلة الثلاثين من شعبان في الغيم، فحكي عن
القاضي قال: جرت هذه المسألة في وقت شيخنا أبي عبد الله بن حامد فصلى
وصلاها القاضي أبو يعلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله فرض
عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه " فجعل القيام مع الصيام، وذهب أبو حفص
العكبري إلى ترك القيام وقال: المعول في الصيام على حديث ابن عمر وفعل
الصحابة والتابعين ولم ينقل عنهم قيام تلك الليلة، واختاره الميموني لأن
الأصل بقاء شعبان وإنما صرنا إلى الصوم
(1/753)
احتياطا للواجب والصلاة غير واجبة فتبقى
على الأصل (فصل) وسئل أبو عبد الله إذا قرأ (قل أعوذ برب الناس) يقرأ من
البقرة شيئاً؟ قال: لا ولم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شئ، ولعله لم يثبت
فيه عنده أثر صحيح.
وسئل عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة ترى لمن خلفه أن يقرأها؟
قال نعم قد كان بمكة يوكلون رجلا يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها،
فإذا كان ليلة الختمة أعاده، وإنما استحب ذلك لتكمل الختمة ويعظم الثواب.
(مسألة) (ويكره التطوع بين التراويح، وفي التعقيب روايتان وهو أن يتطوع بعد
التراويح والوتر في جماعة) يكره التطوع بين التراويح نص عليه أحمد وقال:
فيه عن ثلاثة من أصحاب، رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة وأبو الدرداء
وعقبة بن عامر، وذكر لأبي عبد الله رخصة فيه عن بعض
(1/754)
الصحابة فقال: هذا باطل إنما فيه عن الحسن
وسعيد بن جبير، وقال أحمد يتطوع بعد المكتوبة ولا يتطوع بين التراويح، وروى
الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال: ما هذه
الصلاة؟ أتصلي وإمامك بين يديك ليس منا من رغب عنا، وقال من قلة فقه الرجل
أنه يرى أنه في المسجد وليس في صلاة (فصل) فأما التعقيب أو صلاة التراويح
في جماعة أخرى فعنه الكراهة نقلها عنه محمد بن الحكم إلا أنه قول قديم، قال
أبو بكر وإذا أخر الصلاة إلى نصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة وإنما
الخلاف فيما إذا رجعوا قبل الإمام، وعنه لا بأس به، نقلها عنه الجماعة وهو
الصحيح لقول أنس رضي الله عنه ما يرجعون إلا بخير يرجونه، أو لشر يحذرونه،
وكان لا يرى به بأسا، ولأنه خير وطاعة فلم يكره كما لو أخره إلى آخر الليل
(1/755)
(فصل) ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن
وغيرهم لحضور الدعاء، وكان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وروي ذلك عن
ابن مسعود وغيره، ورواه ابن شاهين مرفوعا، واستحسن أبو عبد الله التكبير
عند آخر كل سورة من سورة الضحى إلى آخر القرآن، لأنه يروي عن أبي بن كعب
أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك، رواه القاضي باسناده في
الجامع.
ولا بأس بقراءة القرآن في الطريق ولا وهو مضطجع، قال اسحاق بن إبراهيم خرجت
مع أبي عبد الله إلى الجامع فسمعته يقرأ سورة الكهف، وعن إبراهيم التيمي
قال كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق فإذا قرأت السجدة قلت له
أسجد في الطريق؟ قال نعم، وعن عائشة أنها قالت: إني لأقرأ القرآن وأنا
مضطجعة على سريري، رواه الفيرباني في فضائل القرآن (فصل) ويستحب ختم القرآن
في كل سبعة أيام، قال عبد الله بن أحمد كان أبي يختم القرآن
(1/756)
في النهار في كل سبع يقرأ كل يوم سبعا لا
يكاد يتركه نظرا وذلك لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله
بن عمرو " اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزيدن على ذلك " رواه أبو داود وعن
أوس بن حذيفة قال: قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبطأت عنا
الليلة قال " إنه طرأ على حزبي من القرآن فكرهت أن أجئ حتى أختمه " قال
أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا:
ثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وأحد عشر وثلاثة عشر وحزب المفصل وحده، رواه أبو
داود، ورواه الإمام أحمد وفيه حزب المفصل من ق حتى يختم، رواه الطبراني
فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحزب القرآن؟ فقالوا: كان يحزبه ثلاثا وخسما وذكره وإن قرأه في
ثلاث فحسن لأنه روي عن عبد الله بن عمرو قال: قلت لرسول صلى الله عليه وسلم
إن لي قوة قال " اقرأه في ثلاث "
رواه أبو داود فإن قرأه في أقل من ثلاث فعنه يكره ذلك لما روى عبد الله بن
عمرو قال: قال رسول الله
(1/757)
صلى الله عليه وسلم " لا يفقه من قرأه في
أقل من ثلاث " رواه أبو داود وعنه أن ذلك غير مقدر بل هو على حسب ما يجد من
النشاط والقوة لأن عثمان كان يختمه في ليلة، وروي ذلك عن جماعة من السلف.
والأفضل الترتيل لقول الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وعن عائشة أنها
قالت: لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة رواه
مسلم وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل
من ثلاث، رواه أبو عبيد في فضائل القران، وقال ابن مسعود فيمن قرأ القرآن
في أقل من ثلاث فهذ كهذ الشعر ونثر كنثر الدقل.
ويكره أن يؤخر ختمه أكثر من أربعين يوما لأن عبد الله بن عمرو سأل النبي
صلى الله عليه وسلم في كم يختم القرآن؟ قال " في أربعين يوما - ثم قال - في
شهر - ثم قال - في عشرين - ثم قال - في خمس عشرة - ثم قال - في عشر - ثم
قال - في سبع " لم ينزل من سبع أخرجه أبو داود وقال أحمد أكثر ما سمعت أن
يختم القرآن في أربعين ولأن تأخيره أكثر من هذا يفضي إلى نسيانه والتهاون
به وهذا إذا لم يكن عذر فأما مع العذر فذلك واسع
(1/758)
(فصل) قال أبو داود: قلت لأحمد قال ابن
المبارك: إذا كان الشتاء فاختم القرآن في أول الليل، وإذا كان الصيف فاختمه
في أول النهار فكأنه أعجبه لما روى طلحة بن مصرف قال: أدركت أهل الخير من
صدر هذه الأمة يستحبون الختم في أول الليل وأول النهار يقولون: إذا ختم في
أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم في أول الليل صلت عليه
الملائكة حتى يصبح.
وقال بعض العلماء: يستحب أن يجعل ختمة النهار في ركعتي الفجر أو بعدهما،
وختمة الليل في ركعتي المغرب أو بعدهما (فصل) وكره أحمد قراءة القرآن
بالالحان وقال: هي بدعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في أشراط
الساعة " أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا
ليغنيهم غناء " ولأن معجزة القرآن في لفظه ونظمه والألحان تغيره.
قال شيخنا: وكلام أحمد في هذا محمول
(1/759)
على الإفراط في ذلك بحيث يجعل الحركات
حروفا، ويمد في غير موضعه.
أما تحسين القرآن والترجيع فلا يكره فإن عبد الله بن المغفل قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح قال: فقرأ ابن مغفل
ورجع في قراءته.
وفي لفظ قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة
الفتح على راحلته فرجع في قراءته قال معاوية بن قرة: لولا إني أخاف أن
يجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته.
رواهما مسلم، وفي لفظ أأأ، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه
مسلم، وقال " زينوا القرآن بأصواتكم " وقال " ليس منا من لم يتغن بالقرآن "
رواه البخاري، قال أبو عبيد وجماعة: يتغنى بالقرآن يستغني به، وقالت طائفة
معناه يحسن قراءته ويترنم به ويرفع صوته به كما قال أبو موسى للنبي صلى
الله عليه وسلم لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرته لك تحبيراً، وقال
(1/760)
الشافعي يرفع صوته به.
وقال أبو عبيد: يقرأ بحزن مثل صوت أبي موسى: وعلى كل حال فتحسين الصوت
بالقرآن وتطريبه مستحب ما لم يخرج بذلك إلى تغيير لفظه أو زيادة حروف فيه
لما ذكرنا من الأحاديث.
وروي عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت أسمع قراءة رجل في
المسجد لم نسمع قراءة أحسن من قراءته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم
فاستمع ثم قال " هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل
هذا " (مسألة) (وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار) قد ذكرنا النوافل المعينة
- فأما النوافل المطلقة فتستحب في جميع الأوقات إلا في أوقات النهي لما
سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى: وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار.
قال أحمد: ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بذلك بقوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وكان
(1/761)
قيام الليل مفروضا بقوله تعالى (يا أيها
المزمل قم الليل إلا قليلا) ثم نسخ بآخر السورة.
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة بعد
الفريضة قيام الليل " رواه مسلم والترمذي وقال
هذا حديث حسن.
وأفضلها وسط الليل (فصل) والنصف الأخير أفضل من الأول لما روى عمرو بن
عنبسة قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال " جوف الليل الآخر فصل ما
شئت " رواه أبو داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل
ويقوم ثلثه وينام سدسه " وفي حديث ابن عباس في صفة تهجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ
- فوصف تهجده قال - ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن.
وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي
آخره: ثم إن كان له حاجة إلى أهله قضى
(1/762)
حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول
وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن له حاجة توضأ.
وقالت ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر الأعلى في بيتي إلا
نائما، متفق عليهن.
ولأن آخر الليل ينزل فيه الرب عزوجل إلى السماء الدينا، فروى أبو هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء
الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني
فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟ " قال أبو عبد الله: إذا أغفى يعني بعد
التهجد فإنه لا يبين عليه السهر، فإذا لم يغف بين عليه (فصل) ويستحب أن
يقول عند انتباهه ما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من
تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
وهو على كل شئ قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر
ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم
(1/763)
غفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى
قبلت صلاته " رواه البخاري.
وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد من الليل
قال " اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت قيام
السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك
الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق والجنة حق، والنار حق،
والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك
أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر
لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله
إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله " متفق عليه.
وفي مسلم " أنت رب السموات والأرض ومن فيهن - وفيه - أنت إلهي لا إله إلا
أنت " وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل
افتتح صلاته قال " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض
عالم الغيب والشهادة،
(1/764)
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه
يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط
مستقيم " رواه مسلم (فصل) ويستحب أن يتسوك لما روى حذيفة قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، متفق عليه.
وعن عائشة قالت: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره
فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي، أخرجه مسلم.
ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين لما روى أبو هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين
خفيفتين " وعن زيد بن خالد أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين،
ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين
قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون
اللتين قبلهما،
(1/765)
ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة، قال ابن عباس
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة.
أخرجهما مسلم، وقد اختلف في عدد الركعات في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم
ففي هذين الحديثين أنه ثلاث عشرة ركعة، وقالت عائشة ما كان يزيد في رمضان
ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم
يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا.
وفي لفظ قالت: كانت صلاته في رمضان وغيره بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر
وركعتا الفجر، وفي لفظ كان يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة
ركعة، يسلم بين
كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه.
فلعلها لم تعد الركعتين الخفيفتين اللتين ذكرهما غيرها، ويحتمل أنه صلى في
ليلة ثلاث عشرة وفي ليلة إحدى عشرة (فصل) ويستحب أن يقرأ حزبه من القرآن في
تهجده فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله
(1/766)
وهو مخير بين الجهر في القراءة والإسرار،
فإن كان الجهر أنشط له في القراءة أو بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها
فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته فالإسرار
أولى لما روى أبو سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر فقال " ألا أن كلكم مناج ربه فلا يؤذين
بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال - في الصلاة " رواه
أبو داود، وإلا فليفعل ما شاء.
قال عبد الله بن أبي قيس: سألت عائشة كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فقالت ربما أسر وربما جهر.
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقال ابن عباس كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه
من في الحجرة وهو في البيت، رواه أبو داود، وعن أبي قتادة أن النبي صلى
الله عليه وسلم خرج فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته، ومر بعمر وهو يصلي
رافعا صوته قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا
بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك " قال: إني أسمعت من
(1/767)
ناجيت يا رسول الله قال " ارفع قليلا "
وقال لعمر " مررت وأنت تصلي رافعا صوتك " قال فقال يا رسول الله أوقظ
الوسنان وأطرد الشيطان قال " اخفض من صوتك شيئا " رواه أبو داود (فصل) ومن
كان له تهجد ففاته استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه ما بين صلاة الفجر
وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل " وعن عائشة قالت: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى
من النهار ثلثي عشرة ركعة قالت: وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام
ليلة حتى الصباح، وما صام شهرا متتابعا إلا رمضان، أخرجهما مسلم
(مسألة) (وصلاة الليل مثنى مثنى فإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس والأفضل
مثنى) قوله مثنى يعني يسلم من كل ركعتين - والتطوع قسمان: تطوع الليل،
وتطوع النهار، فلا يجوز تطوع الليل إلا مثنى مثنى، وهذا قول كثير من أهل
العلم منهم أبو يوسف ومحمد.
وقال القاضي: لو صلى ستا في ليل أو نهار كره وصح، وقال أبو حنيفة: إن شئت
ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستا وإن شئت ثمانيا
(1/768)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة
الليل مثنى مثنى " متفق عليه (فصل) فأما صلاة النهار فتجوز أربعا فعل ذلك
ابن عمر.
وقال إسحاق صلاة النهار اختار أربعا وإن صلى ركعتين جاز لما روي عن أبي
أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن
تفتح لهن أبواب السماء " رواه أبو داود.
والأفضل مثنى، وقال إسحاق الأفضل أربعا ويشبهه قول الأوزاعي وأصحاب الرأي
وحديث أبي أيوب، ولنا ما روى علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " رواه أبو
داود، ولأنه أبعد للسهو وأشبه بصلاة الليل تطوعات النبي صلى الله عليه وسلم
في الصحيح ركعتان.
وذهب الحسن وسعيد بن جبير ومالك إلى أن تطوع النهار مثنى مثنى لحديث علي بن
عبد الله البارقي وقد ذكرنا حديث أبي أيوب، وحديث البارقي تفرد بذكر النهار
من بين سائر الرواة ونحمله على الفضيلة جمعاً بين الحديثين
(1/769)
(فصل) قال بعض أصحابنا لا تجوز الزيادة في
النهار على أربع وهذا ظاهر كلام الخرقي، وقال القاضي يجوز ويكره، ولنا أن
الأحكام إنما تتلقى من الشارع ولم يرد شئ من ذلك والله أعلم (فصل) ويستحب
التنفل بين المغرب والعشاء لما روي عن أنس بن مالك في هذه الآية (تتجافى
جنوبهم عن المضاجع) الآية قال: كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء يصلون،
رواه أبو داود، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صلى بعد
المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة " قال الترمذي هذا حديث غريب
(فصل) وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه أو تطويله فالأفضل
اتباعه فيه فإنه عليه
السلام لا يفعل إلا الأفضل، وقد ذكرنا بعض ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخففه ويطوله.
وما عدا ذلك ففيه ثلاث روايات (إحداها) الأفضل كثرة الركوع والسجود لقول
ابن مسعود: إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن
بينهن سورتين في كل ركعة عشرون سورة من
(1/770)
المفصل.
رواه مسلم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما من عبد سجد سجدة إلا كتب
الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة " (والثانية)
التطويل أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة القنوت "
رواه مسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته التهجد وكان يطيله
على ما قد ذكرنا (والثالثة) هما سواء لتعارض الأخبار في ذلك والله أعلم
(فصل) والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم
بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
وقال عليه السلام " إذا قضي أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من
صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا " رواهما مسلم.
وعن زيد ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة المرء في بيته
أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة " رواه أبو داود، ولأن الصلاة في
البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، والسر أفضل من
العلانية
(1/771)
(فصل) ويستحب أن يكون للإنسان تطوعات يداوم
عليها وإذا فاتت يقضيها لقول عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
الأعمال أفضل؟ قال " أدومه وإن قل " متفق عليه، وقالت كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا عمل عملاً أثبته.
رواه مسلم، وقال ابن عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكن مثل
فلان كان يقوم الليل فترك القيام فنام الليل " متفق عليه، ولأنه إذا قضى ما
ترك من تطوعه كان أبعد له من الترك (فصل) ويجوز التطوع في جماعة وفرادى لأن
النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما وكان أكثر تطوعه منفردا، وصلى
بحذيفة مرة، وبابن عباس مرة، وبأنس وأمه واليتيم مرة، وأم
الصحابة في ليالي رمضان ثلاثا.
وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى وسنذكر الباقي إن شاء الله تعالى وهي كلها
أحاديث صحاح (مسألة) (وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ويكون في حال
القيام متربعا) يجوز
(1/772)
التطوع جالسا مع القدرة على القيام بغير
خلاف علمناه، والصلاة قائما أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من
صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم " متفق عليه.
وفي لفظ مسلم " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " وقالت عائشة: أن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلي كثيرا من صلاته وهو جالس، رواه مسلم.
ولأن كثيراً من الناس يشق عليه طول القيام فلو وجب التطوع لترك أكثره فسامح
الشارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الراحلة
في السفر وسامح في نية صوم التطوع من النهار (فصل) ويستحب للمتطوع جالسا أن
يكون في حال القيام متربعا، روى ذلك عن ابن عمر وأنس وابن سيرين ومالك
والثوري والشافعي واسحاق، وعن أبي حنيفة كقولنا، وعنه يجلس كيف شاء لأن
القيام سقط فسقطت هيئته، وروي عن ابن المسيب وعروة وابن سيرين وعمر بن عبد
العزيز أنهم كانوا يحتبون في التطوع، واختلف فيه عن عطاء والنخعي
(1/773)
ولنا ما روى عن أنس أنه صلى متربعا، ولأن
ذلك أبعد من السهو والاشتباه، ولأن القيام يخالف القعود فينبغي أن يخالف
هيئته في بدله هيئة غيره كمخالفة القيام غيره ولا يلزم من سقوط القيام
لمشقته سقوط مالا مشقة فيه كمن سقط عنه الركوع والسجود ولا يلزم سقوط،
الإيماء بهما وهذا الذي ذكرنا من صفة الجلوس مستحب غير واجب إذ لم يرد
بإيجابه دليل (فصل) ويثني رجليه في الركوع والسجود، كذلك ذكره الخرقي لأن
ذلك يروي عن أنس وهو قول الثوري، وحكي عن أحمد واسحاق أنه لا يثني رجليه
إلا في السجود خاصة ويكون في الركوع على هيئة القيام، وحكاه أبو الخطاب،
وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو أقيس لأن هيئة الراكع في
رجليه هيئة القائم فينبغي أن يكون على هيئته، قال شيخنا: وهذا أصح في النظر
إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس وأخذ به - وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء
من قيام، وإن شاء من قعود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، قالت
عائشة: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى
أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو
(1/774)
أربعين آية ثم ركع متفق عليه.
وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا
طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد
ركع وسجد وهو قاعد، رواه مسلم (مسألة) (وأدنى صلاة الضحى ركعتان وأكثرها
ثمان، ووقتها إذا علت الشمس) صلاة الضحى مستحبة.
قال أبو هريرة: أوصاني خليلي بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي
الضحى وأن أوتر قبل أن أنام، وعن أبي الدرداء نحوه، متفق عليه.
وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يصبح على كل سلامى من أحدكم
صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف
صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " رواه
مسلم، وأقل صلاة الضحى ركعتان لهذا الحديث، قال أصحابنا: وأكثرها ثماني
ركعات لما روت ام هانئ.
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات فلم
أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود، متفق عليه، ويحتمل أن
يكون أكثرها اثنتي عشرة
(1/775)
ركعة لما روى أنس قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في
الجنة من ذهب " رواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب، وأفضل وقتها إذا علت
الشمس واشتد حرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الأوابين حين
ترمض الفصال " رواه مسلم، ويمتد وقتها إلى زوال الشمس، وأوله حين تبيض
الشمس (فصل) قال بعض أصحابنا: لا تستحب المداومة عليها لأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يكن يداوم عليها قالت عائشة: ما رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي الضحى قط، متفق عليه، وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجئ من
مغيبه، رواه مسلم، وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: ما حدثني أحد قط أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانئ.
فإنها حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثماني
ركعات ما رأيته قط صلى صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود متفق
عليه، ولأن في المداومة عليها تشبيها بالفرائض، وقال أبو الخطاب: تستحب
المداومة عليها لأن
(1/776)
النبي صلى الله عليه وسلم وصى بها أصحابه
وقال " من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كان مثل زبد البحر " رواه
الترمذي وابن ماجه.
وروت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد
ما شاء الله.
رواه مسلم، ولان أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه على ما ذكرنا
(مسألة) (وسجود التلاوة صلاة) يعني يشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من ستر
العورة واستقبال القبلة والنية والطهارة من الحدث والنجس في قول عامة أهل
العلم.
وروى عن عثمان رضي الله عنه في الحائض تستمع السجدة تومئ برأسها، وهو قول
سعيد بن المسيب قال: وتقول اللهم لك سجدت وقال الشعبي فيمن سمع السجدة على
غير وضوء يسجد حيث كان وجهه ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله
صلاة بغير طهور " فيدخل في عمومه السجود، ولأنه سجود فأشبه سجود السهو،
فعلى هذا إن سمع السجود وهو محدث لم يلزمه الوضوء ولا التيمم.
وقال النخعي: يتيمم ويسجد، وعنه يتوضأ ويسجد، وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب
الرأي
(1/777)
ولنا أنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما
لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها فعلى هذا إن توضأ لم يسجد
لفوات سببها، ولا يتيمم لها مع وجود الماء لأن الله تعالى شرط لجواز التيمم
المرض أو عدم الماء ولم يوجد واحد منهما، فإن كان عادما للماء فتيمم فله
السجود إن لم يطل لأنه لم يبعد سببها ولم يفت بخلاف الوضوء (مسألة) (وهو
سنة للقارئ والمستمع دون السامع) سجود التلاوة سنة مؤكدة ليس بواجب روى ذلك
عن عمر وابنه وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه بوجوبه لقوله
تعالى
(فما لهم لا يؤمنون، وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وهذا ذم ولا يذم إلا
على ترك الواجب ولأنه سجود يفعل في الصلاة أشبه سجود صلبها ولنا ما روى عن
عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النمل حتى إذا جاء
السجدة
(1/778)
نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة
القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود
فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر.
وفي لفظ أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وراه البخاري.
وهذا كان يوم الجمعة بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر فيكون إجماعاً، وروى
زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد
منا أحد متفق عليه.
فأما الآية فإنما ذم فيها تارك السجود غير معتقد فضله ولا مشروعيته وقياسهم
ينتقض بسجود السهو فإنه في الصلاة وهو غير واجب عندهم (فصل) ويسن للتالي
والمستمع وهو الذي يقصد الاستماع بغير خلاف علمناه سواء كان التالي في صلاة
أو لم يكن، فإن كان المستمع في صلاة فهل يسجد بسجود التالي؟ على روايتين
وذلك لما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا
القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه رواه أبو داود وروي أيضاً قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة
(1/779)
في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد
أحدنا مكانا لموضع جبهته، متفق عليه، فأما السامع الذي لا يقصد الاستماع
فلا يسن له روى ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران بن حصين رضي الله عنهم وبه
قال مالك.
وقال أصحاب الرأي: عليه السجود وروي نحوه عن ابن عمر والنخعي واسحاق لأنه
سامع للسجدة أشبه المستمع، وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود وإن سجد فحسن
ولنا ما روى عن عثمان أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم
يسجد وقال: إنما السجدة على من استمع.
وقال ابن عباس وعمران: ما جلسنا لها، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم.
فأما ابن عمر فإنما روي عنه أنه قال: إنما السجدة على من سمعها، فيحتمل أنه
أراد من سمعها قاصدا وينبغي
أن يحمل على ذلك جمعاً بين أقوالهم، ولأن السامع لا يشارك التالي في الأجر
فلم يشاركه في السجود كغيره أما المستمع فقد قال عليه السلام " التالي
والمستمع شريكان في الأجر " فلا يقاس غيره عليه (مسألة) (ويعتبر أن يكون
القارئ يصلح إماما له) يشترط لسجود التلاوة كون التالي يصلح
(1/780)
إماما له، فان كان امرأة أو خنثى مشكلا لم
يسجد الرجل باستماعه رواية واحدة، وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وروي ذلك
عن قتادة، والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى إلى
نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا " رواه
الشافعي في مسنده والجوزجاني في المترجم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم فإن كان التالي أميا سجد القارئ المستمع بسجوده لأن القراءة ليست بركن
في السجود، وإن كان صبياً ففي سجود الرجل بسجوده وجهان بناء على صحة إمامته
في النفل (مسألة) (فإن لم يسجد القارئ لم يسجد) يعني إذا لم يسجد التالي لم
يسجد المستمع، وقال الشافعي يسجد لوجود الاستماع وهو سبب السجود، وقال
القاضي إذا كان التالي في غير صلاة وهناك مستمع للقراءة فلم يسجد التالي لم
يسجد المستمع في ظاهر كلامه فدل على أنه قد روي عنه السجود
(1/781)
ولنا ما روينا من الحديث ولأنه تابع له فلم
يسجد بدون سجوده كما لو كانا في الصلاة، وإن كان التالي في صلاة دون
المستمع سجد معه، وإن كان المستمع في صلاة أخرى لم يسجد ولا ينبغي له
الاستماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن في الصلاة لشغلا " متفق عليه،
فعلى هذا لا يسجد إذا فرغ من الصلاة وقال أبو حنيفة يسجد لأن سبب السجود
وجد وامتنع المعارض فإذا زال المعارض سجد ولنا أنه لو ترك السجود لتلاوته
في الصلاة لم يسجد بعدها فلأن لا يسجد ثم بحكم تلاوة غيره أولى وعن أحمد في
المستمع أنه يسجد إذا كان في تطوع سواء كان التالي في صلاة أخرى أو لم يكن،
قال شيخنا والأول أصح لأنه ليس بإمام له فلا يسجد بتلاوته كما لو كان في
فرض (فصل) والركوع لا يقوم مقام السجود، وحكى صاحب المستوعب رواية عن أحمد
أن ركوع
الصلاة يقوم مقام السجود، وقال أبو حنيفة يقوم مقامه لقوله تعالى (وخر
راكعا وأناب) ولنا أنه سجود مشروع فلم يقم الركوع مقامه كسجود الصلاة،
والآية أريد بها السجود وعبر
(1/782)
عنه بالركوع بدليل أنه قال وخر ولا يقال
للراكع خر وإنما روي عن داود عليه السلام السجود ولو قدر أن داود ركع حقيقة
لم يكن فيه حجة لأنه أنما فعل ذلك توبة لا لسجود التلاوة.
وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة فإن شاء ركع وإن شاء سجد ثم قام
فقرأ شيئا من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة نص عليه
أحمد، وهذا قول ابن مسعود والربيع ابن خيثم واسحاق وأصحاب الرأي.
وروي عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى (فصل) وإذا
قرأ السجدة على الراحلة في السفر أومأ بالسجود حيث كان وجهه.
وقال القاضي: إن أمكنه أن يستفتح بها القبلة فعله، وإن كان لا تطيق دابته
احتمل أن لا يستفتح بها واحتمل أنه لا بد من الاستفتاح؟ وقد روي الإيماء به
على الراحلة عن علي وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير وهو قول مالك
والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم
(1/783)
قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم
الراكب والساجد بالأرض حتى إن الراكب ليسجد على يده رواه أبو داود، ولأنه
صلاة تطوع أشبه سائر التطوع، وإن كان ماشيا سجد بالأرض وبه قال أبو العالية
وأبو ثور وأصحاب الرأي لما ذكرنا، وقال الأسود بن يزيد وعلقمة وعطاء ومجاهد
يومئ وقد قال أبو الحسن الآمدي في صلاة الماشي يومئ وهذا مثله (مسألة) قال
(وهو أربع عشرة سجدة) اختلفوا في سجود القرآن فالمشهور من المذهب أن عزائم
السجود أربع عشرة سجدة (منها) ثلاث في المفصل وليس منها سجدة ص، ومنها
اثنتان في الحج وهذا أحد قولي أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة جعل
سجدة ص بدل من السجدة الثانية من الحج، وروى عن أحمد أنها خمس عشرة منها
سجدة ص، وروي ذلك عن عقبة بن عامر وهو قول إسحاق لما روي عن عمرو بن العاص
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها
ثلاث في المفصل وفي الحج اثنتان، رواه أبو داود وابن ماجة.
وقال مالك في رواية والشافعي في قول: عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ويروى
هذا القول عن ابن عمر وابن عباس منها سجدة
(1/784)
ص وأول الحج دون آخرها وليس فيها سجدات
المفصل.
وروي عن ابن عباس أنه عدها عشرا وأسقط منا سجدة ص لما روى أبو الدرداء قال:
سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شئ،
رواه ابن ماجه.
وقال ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ
تحول إلى المدينة.
رواه أبو داود ولنا ما روى أبو رافع قال: صليت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ
(إذا السماء انشقت) فسجد فقلت ما هذه السجدة؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم
صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه، متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (إذا السماء
انشقت، واقرأ باسم ربك) أخرجه مسلم، وعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى
الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها وما بقي من القوم أحد إلا سجد،
متفق عليه، وهذا مقدم على قول ابن عباس لأنه إثبات والإثبات مقدم على النفي
وأبو هريرة إنما أسلم بعد الهجرة في السنة السابعة ويمكن الجمع بين
الأحاديث بحمل السجود على الاستحباب، وتركه السجود يدل على عدم الوجوب فلا
تعارض إذا - وأما رواية كون السجود
(1/785)
خمس عشرة فمبناه على أن منها سجدة ص وقد
روي عن عمر وابنه وعثمان أنهم سجدوا فيها وهو قول الحسن ومالك والثوري
وأصحاب الرأي لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها وظاهر
المذهب أنها ليست من عزائم السجود روى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعلقمة
وهو قول الشافعي لما روى أبو سعيد قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
على المنبر ص فنزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ
السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما هي
توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود " فنزل فسجد وسجدوا.
رواه أبو داود، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال "
سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا " أخرجه
النسائي، وقال ابن عباس ليست ص من عزائم السجود والحديث الذي ذكرناه
للرواية الأولى من أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها يدل على أنه إنما
سجد فيها شكرا كما بين في حديث ابن عباس، فإذا قلنا ليست من عزائم السجود
فسجدها في الصلاة احتمل أن لا تبطل صلاته لأن سببها القراءة في الصلاة
أشبهت عزائم السجود
(1/786)
واحتمل أن تبطل صلاته إذا فعل ذلك عمدا
كسائر سجود الشكر والله أعلم (مسألة) قال (في الحج منها اثنتان) وهذا قول
الشافعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وممن كان يسجد فيها سجدتين عمر وعلي
وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء وأبو موسى، وقال ابن عباس فضلت الحج
بسجدتين.
وقال الحسن وسعيد بن جبير والنخعي ومالك وأصحاب الرأي: ليست الثانية بسجدة
لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود فلم تكن سجدة كقوله (يا مريم اقنتي لربك
واسجدي واركعي مع الراكعين) ولنا حديث عمرو بن العاص الذي ذكرناه، وعن عقبة
بن عامر قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الحج سجدتان؟ قال "
نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " رواه أبو داود.
وقال أبو إسحاق أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين، وقال ابن
عمر لو كنت تاركا لإحداهما لتركت الأولى، وذلك لأن الأولى إخبار والثانية
امر واتباع الأمر أولى
(1/787)
(فصل) وموضع السجدات آخر الأعراف والرعد
(بالغدو والآصال) وفي النحل (ويفعلون ما يؤمرون) وفي بني إسرائيل (ويزيدهم
خشوعا) وفي مريم (خروا سجدا وبكيا) وفي الحج (يفعل ما يشاء) وفي الثانية
(لعلكم تفلحون) وفي الفرقان (وزادهم نفورا) وفي النمل (رب العرش العظيم)
وفي (الم تنزيل - وهم لا يستكبرون) وفي حم السجدة (وهم لا يسأمون) وآخر
النجم وفي سورة الانشقاق (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وآخر اقرأ باسم
ربك (واقترب) وروي عن ابن عمر أن السجود في حم عند قوله (إياه تعبدون)
وحكاه ابن أبي موسى وبه قال الحسن وابن سيرين وأصحاب عبد الله والليث ومالك
لأن الأمر بالسجود فيها.
ولنا تمام الكلام في الثانية فكان السجود بعدها كما في
سجدة النحل عند قوله (ويفعلون ما يؤمرون) وذكر السجدة في التي قبلها
(مسألة) قال (ويكبر إذا سجد وإذا رفع) متى سجد للتلاوة فعليه التكبير
للسجود والرفع منه في الصلاة وغيرها وبه قال الحسن وابن سيرين والنخعي
والشافعي وأصحاب الرأي وبه قال مالك إذا سجد في الصلاة واختلف عنه في غير
الصلاة، وقال ابن أبي موسى: في التكبير إذا رفع رأسه من سجود التلاوة
اختلاف في الصلاة وغيرها
(1/788)
ولنا ما روى ابن عمر قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجود كبر وسجد وسجدنا
معه.
قال عبد الرزاق: كان الثوري يعجبه هذا الحديث.
قال أبو داود يعجبه لأنه كبر رواه أبو داود ولأنه سجود منفرد فيشرع التكبير
في ابتدائه والرفع منه كسجود السهو بعد السلام.
(فصل) ولا يشرع في ابتداء السجود أكثر من تكبيرة، وقال الشافعي: إذا سجد
خارج الصلاة كبر تكبيرتين الافتتاح والسجود كما لو صلى ركعتين ولنا حديث
ابن عمر وظاهره أنه كبر واحدة ولأن معرفة ذلك من الشرع ولم يرد به ولأنه
سجود منفرد فلم يشرع فيه تكبيران كسجود السهو وقياسهم يبطل بسجود السهو
وقياس هذا على سجود السهو أولى من قياسه على الركعتين لشبهه به، ولأن
الإحرام بالركعتين يتخلل بينه وبين السجود أفعال كثيرة فلذلك لم يكتف
بتكبيرة الإحرام عن تكبير السجود بخلاف هذا (مسألة) (ويجلس ويسلم ولا
يتشهد) المشهور عن أحمد أن التسليم واجب في سجود التلاوة وبه قال أبو قلابة
وأبو عبد الرحمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم " ولأنها صلاة ذات
(1/789)
إحرام فوجب السلام فيها كسائر الصلوات،
وفيه رواية أخرى لا تسليم، وبه قال النخعي والحسن وسعيد بن جبير، وروي ذلك
عن أبي حنيفة، واختلف قول الشافعي فيه.
قال أحمد: أما التسليم فلا أدري ما هو لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه
وسلم فعلى قولنا بوجوب السلام يجزئه تسليمة نص عليه أحمد، وبه قال إسحاق
قال: يقول السلام عليكم.
وذكر القاضي في المجرد عن أبي بكر
رواية لا يجزئه إلا اثنتان، والصحيح الأول لأنها صلاة ذات إحرام لا ركوع
فيها أشبهت صلاة الجنازة ولا تفتقر إلى تشهد، نص عليه أحمد لأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أحد من أصحابه واختار أبو الخطاب أنه يفتقر
إلى التشهد قياساً على الصلاة ولنا أنها صلاة لا ركوع فيها فلم تفتقر إلى
تشهد كصلاة الجنازة ولا يسجد فيه للسهو كصلاة الجنازة (فصل) ويقول في سجوده
ما يقول في سجود صلب الصلاة، نص عليه أحمد.
وإن قال ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن.
قالت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل "
سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته " قال الترمذي هذا
حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول
(1/790)
الله إني رأيتني الليلة أصلي خلف شجرة
فقرأت السجدة فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي
بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا فتقبلها مني كما
تقبلتها من عبدك داود.
فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد، فقال ابن عباس فسمعته يقول
مثلما أخبره الرجل عن قول الشجرة، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال
غريب: ومهما قال من نحو ذلك فحسن (مسألة) قال (وإذا سجد في الصلاة رفع يديه
نص عليه، وقال القاضي لا يرفعهما) متى سجد للتلاوة خارج الصلاة رفع يديه في
تكبيرة الابتداء لأنها تكبيرة الإحرام، وإن كان في الصلاة فكذلك نص عليه
أحمد لما روي وائل بن حجر قال: قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فكان يكبر إذا خفض ورفع ويرفع يديه في التكبير، قال أحمد هذا
يدخل في هذا كله، وفي رواية أخرى لا يرفع يديه في الصلاة اختاره القاضي وهو
قياس المذهب لقول ابن عمر وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه، ويتعين
تقديمه على حديث وائل بن حجر لأنه أخص منه، ولذلك قدم عليه في سجود الصلاة
كذلك ههنا (فصل) ويكره اختصار السجود وهو أن ينزع الآيات التي فيها السجود
فيقرؤها ويسجد فيها
(1/791)
وبه قال الشعبي والنخعي والحسن واسحاق ورخص
فيه أبو حنيفة ومحمد وأبو ثور، وقيل اختصار السجود أن يحذف في القراءة آيات
السجود وكلاهما مكروه لأنه لم يرو عن السلف رحمهم الله، بل المنقول عنهم
كراهته (مسألة) (ولا يستحب للإمام السجود في صلاة لا يجهر فيها) قال بعض
أصحابنا يكره للإمام قراءة السجدة في صلاة السر فإن قرأ لم يسجد، وبه قال
أبو حنيفة لأن فيها إبهاما على المأموم.
وقال الشافعي لا يكره لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في
الظهر ثم قام فركع فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة، رواه أبو داود.
قال شيخنا واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى (مسألة) (فإن سجد
فالمأموم مخير بين اتباعه وتركه) كذلك قال بعض أصحابنا لأنه ليس بمسنون
للإمام ولم يوجد الاستماع المقتضي للسجود.
قال شيخنا: والأولى السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل
الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا " وما ذكروه يبطل بما إذا كان المأموم
بعيدا أو أطروشا في صلاة الجهر فإنه يسجد بسجود إمامه وإن لم يسمع (مسألة)
(ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم) وبهذا قال الشافعي
واسحاق
(1/792)
وأبو ثور وابن المنذر.
وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في
أيامه الفتوح واستسقى فسقي ولم ينقل أنه سجد ولو كان مستحبا لم يخل به ولنا
ما روى أبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر
ساجدا رواه ابن المنذر، وسجد الصديق حين بشر بفتح اليمامة، وعلي حين وجد ذا
الثدية، وروي عن غيرهما من الصحابة فثبت ظهوره وانتشاره، وتركه تارة لا يدل
على عدم استحبابه فإن المستحب يفعل تارة ويترك أخرى وصفة سجود الشكر كصفة
سجود التلاوة في أفعاله وأحكامه وشروطه على ما بينا (مسألة) (ولا يسجد له
في الصلاة) لا يجوز أن يسجد للشكر في الصلاة لأن سببه ليس منها فإن فعل
بطلت صلاته إن كان عمداً كما لو زاد فيها سجودا غيره.
وإن كان ناسياً أو جاهلاً بتحريم ذلك لم تبطل صلاته كما لو زاد في الصلاة
سجودا ساهيا والله أعلم وقال ابن الزاغوني يجوز في الصلاة والأول أولى
(فصل في أوقات النهي) وهي خمسة، بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد
العصر،
(1/793)
وعند طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند
قيامها حتى تزول، وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب) كذلك عدها أصحابنا خمسة
أوقات كما ذكرنا.
وقال بعضهم: الوقت الخامس من حين شروع الشمس في الغروب إلى تكامله لما روى
ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا بدا حاجب الشمس
فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب " ووجه
القول الأول حديث عقبة بن عامر الذي نذكره إن شاء الله تعالى، قال شيخنا:
والمنهي عنه من الأوقات عند أحمد: بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، وبعد العصر
حتى تغرب وعند قيامها حتى تزول وهو في معنى قول الأصحاب، وهذه الأوقات منهي
عن الصلاة فيها وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي والأصل فيها ما روى ابن عباس
قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعن
أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بعد الصبح حتى
ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس " متفق عليهما.
وعن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات نهانا النبي صلى الله عليه وسلم إن نصلي
فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة
(1/794)
حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى
تميل، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، وعن عمرو بن عنبسة قال: قلت يا
رسول الله أخبرني عن الصلاة؟ قال " صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حين
تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها
الكفار ثم صل فإن الصلاة محصورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن
الصلاة فإنه حينئذ تسجر جنهم، فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة
حتى تصلى العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني
شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار " رواهما مسلم، وقال ابن المنذر إنما المنهي
عنه الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بدليل تخصيصها بالنهي في حديثه
وقوله " لا تصلوا
بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة " رواه أبو داود، وقالت عائشة وهم
عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها
ولنا ما ذكرنا من الأحاديث فإنها صريحة صحيحة والتخصيص في بعض الأحاديث لا
يعارض العموم الموافق له، بل يدل على تأكد الحكم فيما خصه، وقول عائشة في
رد خبر عمر غير مقبول فإنه مثبت لروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي
تقول برأيها، ثم هي قد روت ذلك أيضا، فروت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يصلي بعد العصر وينهى عنها، رواه أبو داود.
فكيف يقبل ردها لما قد
(1/795)
أقرت بصحته؟ وقد رواه أبو سعيد وأبو هريرة
وعمرو بن عنبسة وغيرهم كنحو رواية عمر فكيف يترك هذا بمجرد رأي مختلف؟
(فصل) والنهي بعد العصر عن الصلاة متعلق بفعلها فمن لم يصل العصر أبيح له
التنفل وإن صلى غيره، ومن صلى فليس له التنفل وإن صلى وحده، لا نعلم في ذلك
خلافا عند من منع الصلاة بعد العصر.
فأما النهي بعد الفجر ففيه روايتان (إحداهما) يتعلق بفعل الصلاة أيضا يروي
ذلك عن الحسن والشافعي لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس
" وروى أبو داود حديث عمر بهذا اللفظ.
وفي حديث عمرو بن عنبسة " صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة " رواه مسلم.
وفي رواية أبي داود قال: قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال " جوف الليل
الآخر فصل فيما شئت فإن الصلاة مقبولة مشهودة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى
تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين " ولأن النهي بعد العصر متعلق بفعل
الصلاة فكذلك بعد الفجر.
(والرواية الثانية) أن النهي متعلق بطلوع الفجر.
وبه قال ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي.
وقد رويت كراهته عن
(1/796)
ابن عمر وابن عمرو وهو المشهور في المذهب
لما روى يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر
فقال: يا يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه
الصلاة فقال " ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين " (1)
رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا
طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتا الفجر " وهذا يبين مراد النبي صلى الله عليه
وسلم من اللفظ المجمل ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة من النهي فإن دليل
ذلك خطاب فالمنطوق أولى منه، وحديث عمرو بن عنبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة
فيه وهو في سنن ابن ماجة " حتى يطلع الفجر " (مسألة) قال (ويجوز قضاء
الفرائض فيها) يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها روي
نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة، وبه قال أبو العالية
والنخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي وإسحاق وابن
المنذر، وقال أصحاب الرأي لا تقضى الفوائت في الأوقات الثلاثة التي في حديث
عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي، ولأن النبي
صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى
__________
1) يعني ركعتين وهما سنة الفجر
(1/797)
ابيضت الشمس، متفق عليه ولنا قول النبي صلى
الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها " متفق عليه
وفي حديث أبي قتادة " إنما التفريط في اليقطة على من لم يصل الصلاة حتى يجئ
وقت الأخرى فان فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها " متفق عليه (1) وخبر النهي
مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص، وقياسهم
منقوض بذلك أيضا، وحديثهم يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل (فصل)
ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها.
وقال أصحاب الرأي: تفسد لأنها صارت في وقت النهي ولنا ما روى أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذ أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل
أن تغيب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع
الشمس فليتم صلاته "
متفق عليه، وهذا نص خاص على عموم ما ذكروه (فصل) ويجوز فعل الصلاة المنذورة
في وقت النهي سواء كان النذر مطلقاً أو مؤقتا ويتخرج
__________
1) الحديث غير متفق عليه بل رواه مسلم حديث طويل وأولل لبمرفوع في المسألة
(أنه ليس في النوم تفريط ... ) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه
(1/798)
أنه لا يجوز بناء على صوم الواجب في أيام
التشريق وهو قول أبي حنيفة لعموم النهي.
ولنا أنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض وصلاة الجنازة فإنه قد
وافقنا فيما بعد صلاة العصر والصبح (مسألة) (وتجوز صلاة الجنازة وركعتا
الطواف وإعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد بعد الفجر والعصر، وهل يجوز
في الثلاثة الباقية؟ على روايتين) تجوز صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع
الشمس وبعد العصر حتى تميل الشمس للغروب بغير خلاف قال إبن المنذر: إجماع
المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح، فأما الصلاة عليها في
الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة فلا تجوز، ذكره القاضي وغيره، وحكاه
الأثرم عن أحمد، وقد روي عن جابر وابن عمر نحو هذا القول، قال الخطابي: هذا
قول أكثر أهل العلم، وفيه رواية أخرى أنه يجوز حكاها أبو الخطاب وهو مذهب
الشافعي لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر فأبيحت في سائر الأوقات
كالفرائض، ولنا قول عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم
ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، وذكره للصلاة مقروناً بالدفن
يدل على إرادة صلاة الجنازة ولأنها صلاة من غير الصلوات الخمس أشبهت
النوافل، وإنما أبيحت بعد العصر والصبح لطول مدتهما فالانتظار يخاف منه
عليها بخلاف هذه الأوقات، وقياسهم على
(1/799)
الفرائض لا يصح لتأكدها ولا يصح قياس
الأوقات الثلاثة على الوقتين الطويلين لما ذكرنا (فصل) وتجوز ركعتا الطواف
بعده في هذين الوقتين، وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين ابن عمر وابن
الزبير وابن عباس والحسن والحسين ومجاهد والقاسم بن محمد، وفعله عروة
بعد الصبح وهو قول الشافعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز لعموم
أحاديث النهي، ولنا ما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة
شاء من ليل أو نهار " ورواه الاثرم والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأن
ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع وحديثهم مخصوص
بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون أولى، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟
فيه روايتان (إحداهما) يجوز لما ذكرنا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور
(والثانية) لا يجوز لحديث عقبة بن عامر ولتأكد النهي في هذه الأوقات
الثلاثة وقصرها وكونها لا يشق تأخير الركوع للطواف فيها بخلاف غيرها (فصل)
ويجوز إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد أو دخل وهم يصلون بعد الفجر
والعصر
(1/800)
وهذا قول الحسن والشافعي، واشترط القاضي
لجواز الاعادة ههنا أن يكون مع إمام الحي، ولم يفرق هنا بين إمام الحي
وغيره ولا بين المصلي جماعة أو فرادى، وهو ظاهر قول الخرقي، وكلام أحمد يدل
على هذا أيضاً.
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عمن صلى في جماعة ثم دخل المسجد وهم يصلون
أيصلي معهم؟ قال: نعم، وقال أبو حنيفة: لا تعاد الفجر ولا العصر في وقت
النهي لعموم النهي ولنا ما روى جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: شهدت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف
وأنا غلام شاب، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه
فقال " علي بهما " فأتي بهما ترتعد فرائصهما فقال " ما منعكما أن تصليا
معنا؟ " فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال " لا تفعلا، إذا
صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة "
رواه أبو داود والاثرم والترمذي، وهذا صريح في إعادة الفجر والعصر مثلها.
والحديث بإطلاقه يدل على الإعادة سواء كان مع إمام الحي أو غيره، وسواء صلى
وحده أو في جماعة، وهل يجوز في الأوقات الباقية؟ على روايتين (إحداهما)
يجوز لما روى أبو ذر قال: إن خليلي يعني النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني
أن أصلي الصلاة لوقتها وقال " فإذا أدركتها معهم فصل
(1/801)
معهم فإنها لك نافلة " رواه مسلم، وقياساً
على الوقتين الآخرين (والثانية) لا يجوز لحديث عقبة بن عامر ولما بينها
وبين هذين الوقتين من الفرق (مسألة) (ولا يجوز التطوع بغيرها في شئ من
الأوقات الخمسة الا ماله سبب كتحية المسجد وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف،
وقضاء السنن الراتبة فإنها على روايتين) أراد بغير ما ذكر من الصلوات وهي
صلاة الجنازة، وركعتا الطواف، وإعادة الجماعة، وليس في المذهب خلاف نعلمه
في أنه لا يجوز أن يبتدئ في هذه الأوقات تطوعاً لا سبب له وهذا قول الشافعي
وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر يروي ذلك
عن علي والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان ابن بشير وأبي أيوب الأنصاري
وعائشة رضي الله عنهم وجماعة من أهل العلم سواهم.
وروى عن أحمد أنه قال: لا نفعله ولا نعيب فاعله لقول عائشة ما ترك رسول
الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط، وقولها وهم عمر إنما
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها.
رواه مسلم، وقول علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة
بعد العصر إلا والشمس مرتفعة "
(1/802)
ولنا الأحاديث المذكورة وهي صحيحة صريحة،
وروى أبو بصرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر
بالمخمص فقال " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ
عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد " رواه مسلم،
وهذا خاص في محل النزاع.
وأما حديث عائشة فقد روى عنها ذكوان مولاها أنها حدثته أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها.
رواه أبو داود، وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى
عنهما ثم رأيته يصليهما وقال " يا بنت ابن ابي أمية أنه أتاني ناس من عبد
القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان
" رواهما مسلم، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعله لسبب
وهو قضاء ما فات من السنة، وأنه نهى عن الصلاة بعد العصر كما رواه غيرهما،
وحديث عائشة يدل على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيه غيره وهو
حجة على من خالف ذلك، فإن النزاع في غير النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت
ذلك من غير معارض
له وقولها وهم عمر قد أجبنا عنه (فصل) فأما ماله سبب فالمنصوص عن أحمد رضي
الله عنه في الوتر أنه يفعل بعد طلوع الفجر
(1/803)
قبل الصلاة، روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر
وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وعائشة وغيرهم رضي الله
عنهم، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر فقال: نعم هذه ساعة
الوتر.
وقد روي عن أبي موسى أنه سئل عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن فقال: لا وتر
له وأنكر ذلك عطاء والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول أبي موسى لعموم النهي
ولنا ما روى أبو بصرة الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر " رواه
الأثرم، واحتج به أحمد وأحاديث النهي ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر
كما حكينا متقدما وقد روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من نام عن الوتر فليصله إذا أصبح " رواه ابن ماجه.
إذا ثبت هذا فإنه لا ينبغي أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لهذا الخبر ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له
ما قد صلى " متفق عليه، وقال مالك ما فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد
الصبح قبل أن يصلي الصبح وحكاه ابن أبي موسى في الارشاد مذهبا لاحمد قياسا
على الوتر ولأن هذا الوقت لم يثبت النهي فيه صريحا فكان حكمه خفيفا (فصل)
فأما سجود التلاوة وصلاة الكسوف وتحية المسجد فالمشهور في المذهب أنه لا
يجوز فعلها في شئ من أوقات النهي وكذلك قضاء السنن الراتبة في الأوقات
الثلاثة المذكورة في حديث
(1/804)
عقبة بن عامر ذكره الخرقي في سجود التلاوة
وصلاة الكسوف، وقال القاضي في ذلك روايتان أصحهما أنه لا يجوز وهو قول
أصحاب الرأي (والثانية) يجوز وهو قول الشافعي لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه، وقال
في الكسوف " فإذا رأيتموها فصلوا "
وهذا خاص في هذه الصلاة فيقدم على النهي العام ولأنها صلوات ذوات سبب أشبهت
ما ثبت جوازه ولنا أن كل واحد خاص من وجه إلا أن النهي للتحريم والأمر
للندب وترك المحرم أولى من فعل المندوب (فصل) فأما قضاء السنن الراتبة في
الوقتين الآخرين فالصحيح أن ركعتي الفجر تقضى بعدها لأن أحمد قال: أنا
أختار أن يقضيهما مع الضحى وإن صلاهما بعد الفجر أجزأه لما روى قيس بن فهد
قال: رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة
الفجر فقال: " ما هاتان الركعتان يا قيس؟ " قلت يا رسول الله لم أكن صليت
ركعتي الفجر فهما هاتان، رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وسكوت النبي
صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، وفيه رواية أخرى لا يجوز ذلك وهو قول
أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي.
ولما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يصل
ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس " رواه الترمذي وحديث قيس مرسل
قاله أحمد والترمذي وإذا
(1/805)
كان الأمر هكذا كان تأخيرهما إلى وقت الضحى
أحسن ليخرج من الخلاف ولا يخالف عموم الحديث وإن فعلهما جاز لأن هذا الخبر
لا يقصر عن الدلالة على الجواز، والصحيح أن السنن الراتبة تقضي بعد العصر
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد
العصر في حديث أم سلمة الذي ذكرناه والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه
وسلم متعين، ولأن النهي بعد العصر خفيف لما روي في خلافه من الرخصة.
وقول عائشة أنه كان ينهى عنها معناه والله أعلم أنه ينهى عنها لغير هذا
السبب أو كان يفعلها على الدوام وهذا مذهب الشافعي، وفيه رواية أخرى لا
يجوز وهو قول أصحاب الرأي لعموم النهي والأخذ بالحديث الخاص أولى (فصل) ولا
فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، وقال الشافعي لا
يمنع لما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم ولما روى أبو ذر قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد
العصر إلى أن تغيب الشمس إلا بمكة قال ذلك ثلاثاً " رواه الدارقطني، ولنا
عموم النهي ولأنه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها
لما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم ولما روى أبو ذر قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد
العصر إلى أن تغيب الشمس إلا بمكة قال ذلك ثلاثاً " رواه الدارقطني، ولنا
عموم النهي ولأنه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض وحديث
جبير أراد به ركعتي الطواف وحديث أبي ذر يرويه عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف
قال (3) يحيى بن معين (فصل) ولا فرق في وقت الزوال بين يوم الجمعة وغيره
ولا بين الشتاء والصيف كان عمر بن الخطاب ينهى عنه، وقال ابن مسعود كنا
ننهى عن ذلك يعني يوم الجمعة ورخص فيه الحسن وطاوس
__________
3) لعل الاصل:
(1/806)
والاوزاعي والشافعي واسحاق في يوم الجمعة
لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار
إلا يوم الجمعة.
رواه أبو داود، ولأن الناس ينتظرون الجمعة في هذا الوقت وليس عليهم قطع
النوافل وأباحه عطاء في الشتاء دون الصيف لأن ذلك الوقت حين تسجر جهنم ولنا
عموم أحاديث النهي وهي عامة في يوم الجمعة وغيره وفي الصيف والشتاء، ولأنه
وقت نهي فاستوى فيه يوم الجمعة وغيره كسائر الأوقات وحديثهم في إسناده ليث
وهو ضعيف وهو مرسل أيضا وقولهم أنهم ينتظرون الجمعة قلنا إذا علم وقت النهي
فليس له أن يصلي وإن شك فله أن يصلي حتى يعلم لأن الأصل الإباحة فلا تزول
بالشك ونحو هذا قال مالك والله أعلم (تم طبع الجزء الاول..) ع 9
(1/807)
|