الشرح
الكبير على متن المقنع بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين * (باب
صلاة الجماعة) * * (مسألة) * (وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال لا
شرطاً) الجماعة واجبة على الرجال المكلفين لكل صلاة مكتوبة، روي نحو ذلك عن
ابن مسعود وأبي موسى وبه قال عطاء والاوزاعي وأبو ثور، وقال مالك والثوري
وأبو حنيفة والشافعي لا تجب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تفضل صلاة
الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " متفق عليه ولأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم ينكر على اللذين قالا قد صلينا في رحالنا ولو كانت واجبة
لأنكر عليهما، ولأنها لو كانت واجبة لكانت شرطاً لها كالجمعة ولنا قوله
تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية ولو لم تكن واجبة لرخص فيها
حالة الخوف ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها وروى أبو هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب
ليحطب (1) ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى
رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه، وفيه ما يدل على
أنه أراد الجماعة لأنه لو أراد الجمعة لما هم بالتخلف عنها، وعن أبي هريرة
قال أتى النبي صلى الله
__________
(1) بدون تاء وفي المغني بالتاء وهما روايتان من عدة روايات للبخاري
(2/2)
عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس
لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما
ولى دعاه فقال " أتسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم قال " فأجب " رواه مسلم.
وإذا لم يرخص للاعمى الذي لا قائد له فغيره أولى قال إبن المنذر وروينا أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن أم مكتوم " لا أجد لك رخصة " يعني في
التخلف عن الجماعة.
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية أو
بلد لا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب
يأكل القاصية " وفي حديث مالك ابن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما
وليؤمكما أكبركما " ولمسلم " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم " أمر وظاهر
الأمر الوجوب * (فصل) * وليست شرطاً لصحة الصلاة نص عليه أحمد وقال ابن
عقيل تشترط في أحد الوجهين قال وهو الصحيح عندي لما ذكرنا من الأدلة.
قال شيخنا وهذا ليس بصحيح للحديثين اللذين ذكرناهما في حجة الخصم ولا نعلم
احدا قال بوجوب الإعادة على من صلى وحده الا أنه قد روي عن جماعة من
الصحابة منهم ابن مسعود أنهم قالوا: من سمع الندا من غير عذر فلا صلاة له *
(فصل) * وتنعقد باثنين فصاعداً بغير خلاف علمناه لما روى أبو موسى أن النبي
صلى الله عليه
(2/3)
وسلم قال " الاثنان فما فوقهما جماعة "
رواه ابن ماجه ولحديث مالك بن الحويرث، وقد أم النبي صلى الله عليه وسلم
ابن عباس مرة وحذيفة مرة ولو أم الرجل عبده أو زوجته أدرك فضيلة الجماعة
وإن أم صبياً جاز في التطوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس وهو
صبي وإن أمه في الفرض فقال أحمد لا تنعقد به الجماعة لأنه لا يصلح أن يكون
إماماً فيها وعنه يصح ذكرها الآمدي كما لو أم بالغاً متنفلاً * (مسألة) *
(وله فعلها في بيته في أصح الروايتين) .
ويجوز فعل الجماعة في البيت والصحراء في الصحيح من المذهب وعنه إن حضور
المسجد واجب على القريب منه لأنه روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " ولنا قول النبي
صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة
فليصل " متفق عليه والحديث الذي ذكروه لا نعرفه إلا من قول علي نفسه كذلك
رواه سعيد والظاهر أنه إنما أراد الجماعة فعبر بالمسجد عنها لانه محلها
ويجوز أن يكون أراد الكمال والفضيلة فان الاخبار الصحيحة دالة على صحة
الصلاة في غير المسجد والله أعلم * (فصل) * ويستجب لأهل الثغر الاجتماع في
مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة فاذا جاءهم خبر عن عدوهم سمع
جميعهم، وكذلك اذا أرادوا التشاور في أمر، وإن جإ عين للكفار أخبر بكثرتهم.
قال الأوزاعي لو كان الأمر الي لسمرت أبواب المساجد التي للثغور ليجتمع
الناس في مسجد واحد.
* (مسألة) * (والافضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة
إلا بحضوره) لأنه يعمره
(2/4)
باقامة الجماعة فيه ويحصلها لمن يصلي فيه
فيحصل له ثواب عمارة المسجد ويحضلها لمن لا يصلى فيه وذلك معدوم في غيره،
وكذلك إن كانت تقام فيه مع غيبته ألا إن في قصد غيره كسر قلب إمامه وجماعته
فجبر قلوبهم أولى * (مسألة) * (ثم ما كان أكثر جماعة ثم في المسجد العتيق)
فإن عدم ما ذكرنا في المسألة التي قبلها ففعلها فيما كان أكثر جماعة أفضل
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده
وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله
تعالى " رواه الإمام أحمد في المسند فإن تساويا في الجماعة فالمسجد العتيق
أفضل لأن الطاعة فيه أسبق والعبادة فيه أكثر.
وذكر أبو الخطاب إن فعلها في المسجد العتيق أفضل وان قل الجمع فيه لذلك
والأول أولى لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (وهل الأولى قصد الأبعد أو
الأقرب) على روايتين.
إحداهما قصد الأبعد أفضل لتكثر خطاه في طلب الثواب فتكثر حسناته ولما روى
أبو موسى قال قال النبي صلى الله عليه
وسلم " أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " رواه البخاري
والثانية قصد الأقرب لأن له جواراً فكان أحق بصلاته كما أن الجار أحق بهدية
جاره ومعروفه لقوله عليه السلام " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " *
(مسألة) * (ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه) لأن الامام الراتب
بمنزلة صاحب البيت وهو أحق لقوله عليه السلام " لا يؤمن الرجل الرجل في
بيته إلا بإذنه " وقد روي عن ابن عمر أنه أتى أرضاً وعندها مسجد يصلي فيه
مولى لابن عمر فصلى معهم فسألوه أن يصلي بهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق،
إلا أن يتأخر لعذر فيصلي غيره لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه
وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أحسنتم "
* (مسألة) * (فإن لم يعلم عذره انتظر وروسل) إلا أن يخشى خروج الوقت فيقدم
غيره لئلا يفوت الوقت
(2/5)
* (مسألة) * (فان صلى ثم أقيمت الصلاة وهو
في المسجد استحب له إعادتها إلا المغرب فإنه يعيدها ويشفعها برابعة) من صلى
فريضة ثم أدرك تلك الصلاة في جماعة استحب له إعادتها أي صلاة كانت إذا كان
في المسجد أو دخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن والشافعي سواء كان صلاها
منفرداً أو في جماعة، وسواء كان مع إمام الحي أو لا.
هذا ظاهر كلام أحمد فيما حكاه عنه الاثرم والخرقي قال القاضي وإن كان مع
إمام الحي استحب له وإن كان مع غير إمام الحي استحب له اعادة ما سوى الفجر
والعصر.
وقال أبو الخطاب يستحب له الاعادة مع إمام الحي.
وقال مالك إن كان صلى وحده أعاد المغرب وإلا فلا لأن الحديث الدال على
الاعادة قال فيه صلينا في رحالنا.
وقال أبو حنيفة لا تعاد الفجر ولا العصر ولا المغرب لعموم أحاديث النهي
ولأن التطوع لا يكون بوتر.
وعن ابن عمر والنخعي تعاد الصلوات كلها إلا الصبح والمغرب.
وقال أبو موسى والثوري والاوزاعي تعاد كلها إلا المغرب لما ذكرنا وقال
الحكم إلا الصبح وحدها.
ولنا حديث يزيد بن الأسود الذي ذكرناه وحديث أبي ذر وهي تدل على محل النزاع
وحديث يزيد بن الأسود صريح في صلاة
الفجر والعصر في معناها ويدل أيضاً على الإعادة سواء كان مع إمام الحي أو
غيره وعلى جميع الصلوات وقد روى أنس قال صلى بنا أبو موسى الغداة في المربد
فانتهينا الى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة.
وعن حذيفة أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وكان قد صلاهن في جماعة رواهما
الأثرم * (فصل) * فأما المغرب ففي استحباب اعادتها روايتان.
إحداهما يستحب قياساً على سائر الصلوات لما ذكرنا من عموم الاحاديث.
والثانية لا يستحب حكاها أبو الخطاب لأن التطوع لا يكون بوتر فان قلنا
تستحب اعادتها شفعها برابعة نص عليه أحمد وبه قال الأسود بن يزيد والزهري
والشافعي واسحق لما ذكرنا، وروي صلة (1) عن حذيفة أنه قال لما أعاد المغرب
قال ذهبت أقوم في الثانية فأجلسني وهذا يحتمل أن يكون أمره بالاقتصار على
ركعتين ويحتمل ان أمره بالصلاة مثل صلاة الامام ووجه الأول أن النافلة لا
تشرع بوتر والزيادة أولى من النقصان
__________
(1) هو بكسر ففتح ابن زفر تابعي ثقة
(2/6)
* (فصل) * فان أقيمت الصلاة وهو خارج
المسجد فان كان في وقت نهي لم يستحب له الدخول لما روى مجاهد قال خرجت مع
ابن عمر من دار عبد الله بن خالد بن أسيد حتى إذا نظر إلى باب المسجد اذا
الناس في الصلاة فلم يزل واقفاً حتى صلى الناس وقال اني قد صليت في البيت
فان دخل وصلى فلا بأس لما ذكرنا من خبر أبي موسى وإن كان في غير وقت النهي
استحب له الدخول والصلاة معهم لعموم الاحاديث الدالة على إعادة الجماعة *
(فصل) * فاذا أعاد الصلاة فالاولى فرضه روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو
قول الثوري وأبي حنيفة واسحق والشافعي في الجديد وعن سعيد بن المسيب وعطاء
والشعبي التي صلى معهم المكتوبة لأنه روي في حديث يزيد بن الاسود " إذا جئت
إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة
" ولنا أن في الحديث الصحيح " تكن لكما نافلة " وقوله في حديث أبي ذر "
فإنها لك نافلة "
ولأنها قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض بدليل أنها لا تجب ثانياً واذا برئت
الذمة بالاولى استحال كون الثانية فريضة.
قال ابراهيم اذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها فما
صلى بعده فهو تطوع، وحديثهم لا تصريح فيه فينبغي أن يحمل معناه على ما في
الاحاديث الباقية، فعلى هذا لا ينوي الثانية فرضاً بل ينويها ظهراً معادة
وان نواها نفلاً صح * (فصل) * ولا تجب الاعادة رواية واحدة قاله القاضي قال
وقد ذكر بعض أصحابنا فيه رواية انها تجب مع إمام الحي لظاهر الأمر، ولنا
أنها نافلة.
والثانية لا تجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصلى صلاة في يوم
مرتين " رواه أبو داود ومعناه والله أعلم واجبتان.
ويحمل الأمر على الاستحباب فعلى هذا إذا قصد الاعادة فلم يدرك الا ركعتين
فقال الآمدي يجوز أن يسلم معهم وأن يتمها أربعاً لانها نافلة والمنصوص أنه
يتمها أربعاً لقوله عليه السلام " وما فاتكم فأتموا " * (مسألة) * (ولا
تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة) معنى إعادة الجماعة انه اذا
صلى إمام الحي وحضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا جماعة وهذا قول ابن
مسعود وعطاء والحسن والنخعي واسحق.
وقال مالك والثوري والليث وابو حنيفة والشافعي لا تعاد الجماعة في مسجد له
(2/7)
إمام راتب في غير ممر الناس ومن فاتته
الجماعة صلى منفرداً لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب والعداوة والتهاون في
الصلاة مع الإمام، ولأنه مسجد له إمام راتب فكره فيه إعادة الجماعة كالمسجد
الحرام ولنا عموم عليه السلام " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس
وعشرين درجة " وروى أبو سعيد قال جاء رجل - وقد صلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم - فقال " أيكم يتجر على هذا؟ " فقام رجل فصلى معه قال الترمذي
هذا حديث حسن ورواه الأثرم وفيه فقال " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ "
وروى بإسناده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فلما
صليا قال " وهذان جماعة " ولأنه قادر على الجماعة فاستحب له كالمسجد الذي
في ممر الناس وما قاسوا عليه ممنوع * (فصل) * فأما اعادتها في المسجد
الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى فقد روي عن أحمد
كراهته وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الامام الراتب
فيها
اذا أمكنتهم الصلاة مع الجماعة مع غيره، وظاهر خبر أبي سعيد وأبي أمامة أنه
لا يكره لأن الظاهر أن ذلك كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولأن
المعنى يقتضيه لأن حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها في غيرها والله أعلم *
(مسألة) * (واذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) متى أقيمت الصلاة
المكتوبة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت
الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " منفق عليه.
وروي ذلك عن أبي هريرة وكان عمر يضرب على صلاة بعد الاقامة وكرهه سعيد بن
جبير وابن سيرين وعروة والشافعي واسحق وأباح قوم ركعتي الفجر والامام يصلي،
روى ذلك عن ابن مسعود وروي عن ابن عمر أنه دخل المسجد والناس في الصلاة
فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم خرج إلى
(2/8)
المسجد فصلى وهذا قول مسروق والحسن، وقال
مالك إن لم يخف أن تفوته الركعة فليركع.
وقال الأوزاعي اركعهما ما تيقنت انك تدرك الركعة الاخيرة ونحوه قول أبي
حنيفة والأول أولى لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها
خفيفة) لقول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) إلا أن يخاف فوات الجماعة
فيقطعها لأن الفريضة أهم من النافلة وعنه يتمها للآية التي ذكرها * (فصل) *
ومن كبر قبل سلام الامام فقد أدرك الجماعة.
يعني أنه يبني عليها ولا يجدد إحراماً لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام أشبه
ما لو أدرك ركعة ولأنه اذا أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأحرم معه لزمه أن
ينوي الصفة التي هو عليها وهو كونه مأموماً فينبغي أن يدرك فضل الجماعة *
(مسألة) * قال (ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم " من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " رواه أبو داود (1) ولأنه لم
يفته من الاركان إلا القيام وهو يأتي به مع تكبيرة الاحرام ثم يدرك مع
الامام بقية الركعة وانما تحصل له الركعة اذا اجتمع مع الإمام في الركوع
بحيث ينتهي إلى قدر الإجزاء من الركوع قبل أن يزول الامام عن قدر الاجزاء
منه فان أدرك الركوع ولم يدرك الظمأنينة فعلى وجهين ذكرهما ابن عقيل وعليه
أن يأتي بالتكبير في حال قيامه فأما إن أتى به أو ببعضه بعد أن انتهى في
الانحناء الى قدر الركوع لم يجزئه لأنه أتي بها في غير محلها
ولأنه يفوته القيام وهو من أركان الصلاة إلا في النافلة لأنه لا يشترط لها
القيام * (مسألة) * (وأجزأته تكبيرة واحدة والأفضل اثنتان) وجملة ذلك أن من
أدرك الإمام في الركوع أجزائه تكبيرة واحدة وهي تكبيرة الاحرام التي
ذكرناها وهي ركن لا تسقط بحال وتسقط تكبيرة الركوع ها هنا نص عليه أحمد في
رواية أبي داود وصالح، روى ذلك (عن) زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وعطاء
والحسن والثوري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي، وعن عمر بن عبد العزيز عليه
تكبيرتان وهو قول حماد بن أبي سليمان قال شيخنا، والظاهر أنهما أرادا
الاولى له تكبيرتان فيكون موافقاً لقول الجماعة فان عمر ابن عبد العزيز قد
نقل عنه أنه كان ممن لا يتم التكبير ووجه القول الأول أن هذا قد روي عن زيد
ابن ثابت وابن عمر ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة فيكون إجماعاً ولأنه
اجتمع واجبان من جنس واحد في محل واحد أحدهما ركن فسقط به الآخر كما لو طاف
(في) الحج طواف الزيارة عند خروجه من مكة فانه يجزيه عن طواف الوداع وقال
القاضي إن نوى بها تكبيرة الاحرام وحدها أجزاه وإن نواهما لم يجزه في
الظاهر من قول أحمد لأنه شرك بين الواجب وغيره في النية أشبه ما لو عطس عند
رفع رأسه من الركوع فقال ربنا ولك الحمد ينويهما فإن أحمد قد نص في هذا أنه
لا يجزيه وهذا القول يخالف منصوص أحمد فإنه قد قال في رواية ابنه صالح فيمن
جاء والامام راكع كبر تكبيرة
__________
(1) في هامش الاصل ينظر في هذا الحديث فما أظن أبا داود رواه أقول بل روي
من حديث لابي هريرة " ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة " وقد فسروا الركعة
بالركوع وهو ضعيف في اسناده يحيي المديني قال البخاري منكر الحديث ... وفي
الصحيحين عن أبي هريرة " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " وفي
رواية لمسلم زيادة " مع الامام "
(2/9)
واحدة قيل له ينوي بها الافتتاح قال نوى أو
لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة ولأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح
ولهذا حكمنا بدخوله في الصلاة بهذه النية ولم تؤثر نية الركوع في فسادها،
ولا
يجوز ترك نص الامام لقياس نصه في موضع آخر كما لا يترك نص الله تعالى وسنة
رسوله بالقياس وهذا لا يشبه ما قاس عليه القاضي فان التكبيرتين من جملة
العبادة بخلاف حمد الله في العطاس فإنه ليس من جملة الصلاة فقياسه على
الطوافين أولى لكونهما من أجزاء العبادة والأفضل تكبيرتان نص عليه.
قال أبو داود قلت لأحمد يكبر مرتين أحب اليك قال إن كبر تكبيرتين ليس فيه
اختلاف وإن نوى تكبيرة الركوع خاصة لم يجزه لأن تكبيرة الاحرام ركن ولم يأت
بها * (فصل) * فإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة
الافتتاح وينحط بغير تكبير لأنه لا يعتد له به وقد فاته محل التكبير وإن
أدركه في السجود أو في التشهد الأول كبر في حال قيامه مع الامام الى
الثالثة لأنه مأموم له فيتابعه في التكبير من أدرك الركعة معه من أولها.
وان سلم الامام قام المأموم الى القضاء بتكبير وبه قال مالك والثوري واسحق
وقال الشافعي يقوم بغير تكبير لأنه قد كبر في ابتداء الركعة ولا إمام له
يتابعه.
ولنا أنه قام في الصلاة إلى ركن معتد به فيكبر كالقائم من التشهد الاول
وكما لو قام مع الإمام ولا نسلم أنه كبر في ابتداء الركعة فان ما كبر فيه
لم يكن من الركعة إذ ليس في أول الركعة سجود ولا تشهد وانما ابتداء الركعة
قيامه فينبغي أن يكبر فيه * (فصل) * ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته
فيه وإن لم يعتد له به لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركوع
فقد أدرك الركعة " رواه أبو داود وروى الترمذي عن معاذ قال قال النبي صلى
الله عليه وسلم " إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام "
(1) قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا اذا جاء الرجل والامام
ساجد فليسجد ولا تجزيه تلك الركعة قال بعضهم لعله أن لا يرفع رأسه من
السجدة حتى يغفر له * (مسألة) * (وما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته وما
يقضيه فهو أولها يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة) هذا هو المشهور من المذهب،
ويروى ذلك عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين ومالك والثوري وحكي عن الشافعي
وأبي حنيفة وأبي يوسف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وما فاتكم فاقضوا "
متفق
عليه والمقضي هو الفائت فينبغي أن يكون على صفته.
فعلى هذا يستفتح له ويستعيذ ويقرأ السورة وعنه أن الذي يدرك أول صلاته
والمقضي آخرها وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز واسحق وهو
قول الشافعي ورواية عن مالك واختاره ابن المنذر لقوله عليه السلام " وما
فاتكم فأتموا "
__________
(1) قال الحافظ في التلخيص فيه ضعف وانقطاع
(2/10)
فعلى هذه الرواية لا يستفتح.
وأما الاستعاذة فإن قلنا تسن في كل ركعة استعاذ وإلا فلا.
وأما السورة بعد الفاتحة فيقرأها على كل حال قال شيحنا لا أعلم خلافاً بين
الأئمة الأربعة في قراءة الفاتحة وسورة وهذا مما يقوي الرواية الأولى فإن
لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان إحداهما
يستفتح ويأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد فعل ذلك جندب لأن المقضي أول
صلاته وهذه صفة أولها ولانهما ركعتان يقرأ فيهما السورة فكانا متواليتين
كغير المسبوق.
والثانية يأتي بركعة يقرأ فيها بالحمد وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بأخرى
يقرأ فيها بالحمد وحدها نقلها صالح وأبو داود والاثرم فعل ذلك مسروق وبه
قال عبد الله بن مسعود وهو قول سعيد بن المسيب وأيما فعل من ذلك جاز آن شاء
الله لأنه يروى أن مسروقاً وجندباً ذكرا عند عبد الله بن مسعود فصوب فعل
مسروق ولم ينكر فعل جندب ولا أمره باعادة الصلاة والله أعلم * (مسألة) *
(ولا تجب القراءة على المأموم) هذا قول أكثر أهل العلم وممن كان لا يرى
القراءة خلف الإمام علي وابن عباس وابن مسعود وأبو سعيد وزيد بن ثابت وعقبة
بن عامر وجابر وابن عمر وحذيفة بن اليمان وبه يقول الثوري وابن عيينة
وأصحاب الرأي ومالك والزهري والاسود وابراهيم وسعيد بن جبير.
قال ابن سيرين لا أعلم من السنة القراءة خلف الإمام وقال الشافعي وداود تجب
القراءة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب " متفق عليه وعن عبادة قال كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ
فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال " لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟ " قلنا نعم يا
رسول الله قال " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها
"
رواه أبو داود، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من
صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج غير تمام " قال الراوي
فقلت يا أبا هريرة إني أكون أحياناً وراء الإمام قال فغمزني في ذراعي وقال
اقرأ بها في نفسك يا فارسي رواه مسلم، ولأنها ركن من أركان الصلاة فلم تسقط
عن المأموم كسائر الأركان، ولأن من لزمه القيام لزمته القراءة إذا قدر
عليها كالمنفرد.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من كان له إمام فقراءة الإمام له
قراءة " رواه الحسن ابن صالح عن ليث بن سليم فإن قيل: ليث بن سليم ضعيف
قلنا قد رواه الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا الحسن بن صالح عن أبي
الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اسناد صحيح متصل رجاله
كلهم ثقات، الاسود بن عامر روى له البخاري والحسن بن صالح أدرك أبا الزبير
ولد قبل وفاته بنيف وعشرين سنة وروى من طرق خمسة سوى هذا.
وروي أيضاً عن ابن عباس وعمران ابن حصين وأبي الدرداء عن النبي صلى الله
عليه وسلم أخرجهن الدارقطني ورواه عبد الله بن شداد
(2/11)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام
أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما، وروي عن علي عليه السلام أنه قال ليس على
الفطرة من قرأ خلف الإمام، وقال ابن مسعود وددت ان من قرأ خلف الامام ملئ
فوه تراباً ولأن القراءة لو وجبت على المأموم لما سقطت عن المسبوق كسائر
الأركان.
وأما أحاديثهم فالحديث الاول الصحيح محمول على غير المأموم وكذلك حديث أبي
هريرة وقد جاء مصرحاً به فروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل
صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج إلا وراء الامام " رواه الخلال،
وقول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك من كلامه ورأيه قد خالفه غيره من الصحابة
وحديث عبادة لم يروه غير ابن إسحق ونافع بن محمود بن الربيع وهو أدنى حالا
من ابن إسحق وقياسهم على المنفرد لا يصح لأن المنفرد ليس له من يتحمل عنه
القراءة بخلاف المأموم * (مسألة) * (ويستحب أن يقرأ في سكتات الامام وما لا
يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده فإن لم يسمعه لطرش فعلى وجهين) وهو قول جماعة
من أهل العلم روي نحوه عن عبد الله بن عمر وهو قول مجاهد والحسن والشعبي
وسعيد بن المسيب وعروة وغيرهم قال أبو سلمة بن عبد الرحمن للامام سكتتان
فاغتنم فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا دخل في الصلاة واذا قال ولا
الضالين، وقال عروة أما أنا فأغتنم من الامام اثنتين اذا قال غير المغضوب
عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها وحين يختم السورة فأقرءوا قبل أن يركع، وهذا
قول الشافعي، وقالت طائفة لا يقرأ خلف الامام في سر ولا جهر يروي ذلك عن
تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرناهم في المسألة قبلها رواه
سعيد في سننه.
وقال إبراهيم النخعي انما أحدث الناس القراءة وراء الامام زمان المختار
لأنه كان يصلي بهم صلاة النهار دون الليل فاتهموه فقرأوا خلفه، وكره
ابراهيم القراءة خلف الإمام وقال يكفيك قراءة الامام وهذا قول ابن عيينة
والثوري وأصحاب الرأي لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " ولأنه مأموم فلم يقرأ كحالة
الجهر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أسررت بقراءتي فاقرأوا "
رواه الدارقطني ولقول الراوي في الحديث الصحيح فانتهى الناس أن يقرأوا فيما
جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور
والقياس في حالة الجهر لا يصح لأنه أمر فيها بالانصات لاستماع قراءة الامام
بخلاف هذا.
إذا ثبت هذا فإنه يقرأ في حالة الجهر في سكتات الامام بالفاتحة وفي حال
الاسرار يقرأ بالفاتحة وسورة كالامام والمنفرد * (فصل) * فإن لم يسمع
الامام في حال الجهر لبعده قرأ نص عليه قيل له أليس قد قال الله تعالى
(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال هذا الى أي شئ يستمع قيل له
فالاطروش قال لا أدري قال شيخنا وهذا ينظر فيه فإن كان بعيداً قرأ أيضاً
وإن كان قريباً قرأ في نفسه بحيث لا يشتغل من
(2/12)
الى جانبه عن الاستماع لأنه في معنى البعيد
ولا يقرأ (اذا) كان يخلط على من يقرب اليه ويشغله عن الاستماع وفيه وجه آخر
لا يقرأ اذا كان قريباً لئلا يخلط على الإمام ولأنه لو كان في موضعه من
يسمع لم يقرأ أشبه السميع، وإن سمع همهمة الامام ولم يفهم فقال في رواية
الجماعة لا يقرأ وقال في رواية عبد الله يقرأ اذا سمع الحرف بعد الحرف *
(فصل) * ولا يستحب للمأموم القراءة وهو يسمع قراءة الإمام بالحمد ولا
بغيرها وبه قال سعيد
ابن المسيب وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري وكثير من السلف والثوري
وابن عيينة وابن المبارك وأصحاب الراي وهو أحد قولي الشافعي والقول الآخر
قال يقرأ ونحوه عن الليث وابن عون ومكحول لما ذكرنا من الاحاديث.
والمعنى على وجوب القراءة على المأموم.
ولنا قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) قال
سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب والزهري وابراهيم والحسن أنها نزلت في شأن
الصلاة، قال أحمد في رواية أبي داود أجمع الناس على أن هذه الآية في
الصلاة، وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام
ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " رواه سعيد بن منصور، وروى أبو
موسى قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا
صلاتنا فقال " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا
وإذا قرأ فأنصتوا " رواه مسلم، وروى أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " مالي أنازع القرآن " فانتهى الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي
صلى الله عليه وسلم.
رواه مالك بمعناه وقال الترمذي حديث حسن ولأنه إجماع، قال أحمد ما سمعت
احدا من أهل الاسلام يقول أن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزي صلاة من خلفه
اذا لم يقرأ، وقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وهذا
مالك في أهل الحجاز وهذا الثوري في أهل العراق وهذا الأوزاعي في أهل الشام،
وأما الأحاديث فقد أجبنا عنها فيما مضى ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق
فلا تجب على غيره كقراءة السورة * (فصل) * قال أبو داود قيل لأحمد اذا قرأ
المأموم بفاتحة الكتاب ثم سمع قراءة الامام قال يقطع اذا سمع قراءة الامام
وينصت للقراءة وذلك لما ذكرنا من الآية والأخبار * (مسألة) * (وهل يستفتح
ويستعيذ فيما يجهر فيه الامام؟ على روايتين) أما في حال قراءة إمامه فلا
يستفتح ولا يستعيذ لأنه اذا سقطت القراءة عنه كيلا يشتغل عن استماع قراءة
الامام فالاستفتاح أولى ولأن قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له
وأنصتوا) يتناول كل ما يشتغل عن الانصات من الاستفتاح وغيره ولأن الاستعاذة
انما شرعت من أجل القراءة فاذا سقطت القراءة سقط التبع، وإن سكت الامام
قدراً يتسع لذلك ففيه روايتان إحداهما يستفتح ولا يستعيذ
اختاره القاضي لأنه أمكن للاستفتاح من غير اشتغال عن الانصات وفيه رواية
أنه يستفتح ويستعيذ
(2/13)
لما ذكرنا.
والثانية لا يستفتح لأنه يشغله عن القراءة وهي أهم منه، وأما المأموم في
صلاة الاسرار فانه يستفتح ويستعيذ نص عليه أحمد فقال إذا كان ممن يقرأ خلف
الامام تعوذ قال الله تعالى (فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) *
(مسألة) * (ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع ليأتي به بعده فان لم
يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي) وجملة ذلك أنه لا يجوز أن
يسبق إمامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبقوني بالركوع ولا
بالسجود ولا بالقيام " رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه
رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار " متفق عليه.
فإن فعل ذلك عامداً أثم وتبطل صلاته في ظاهر كلام أحمد فإنه قال ليس لمن
سبق الامام صلاة لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب.
وذلك لما ذكرنا من الحديثين، وروي عن ابن مسعود أنه نظر إلى من سبق الامام
فقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت.
ولأنه لم يأتم بإمامه في الركن أشبه ما إذا سبقه بتكبيرة الاحرام، وإن كان
جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لأنه سبق يسير، ولقوله عليه السلام " عفي
لأمتي عن الخطأ والنسيان " وقال ابن حامد في ذلك وجهان وقال عندي أنه يصح
لأنه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو ركع معه ابتداء صح وهذا اختيار ابن
عقيل وعليه أن يرفع ليأتي به بعده ليكون مؤتماً بإمامه فان لم يفعل عمدا
بطلت صلاته عند أصحابنا لأنه ترك الواجب عمدا.
وقال القاضي لا تبطل لأنه سبق يسير * (مسألة) * (فإن ركع ورفع قبل ركوع
إمامه عالماً عمداً فهل تبطل صلاته؟ على وجهين) وكذلك ذكره أبو الخطاب
أحدهما تبطل للنهي.
والثاني لا تبطل لأنه سبقه بركن واحد فهي كالتي قبلها.
قال ابن عقيل اختلف أصحابنا فقال بعضهم تبطل الصلاة بالسبق بأي ركن من
الاركان ركوعاً كان أو سجوداً أو قياما أو قعودا، وقال بعضهم السبق المبطل
مختص بالركوع لأنه الذي يحصل به
ادراك الركعة وتفوت بفواته فجاز أن يختص بطلان الصلاة بالسبق به، وإن كان
جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عفي
لأمتي عن الخطأ والنسيان " وهل تبطل الركعة، فيه روايتان: إحداهما تبطل
لأنه لا يقتدي بإمامه في الركوع أشبه ما لو لم يدركه والأخرى لا تبطل
للخبر.
فأما إن ركع قبل ركوع إمامه فلما ركع الامام سجد قبل رفعه بطلت صلاته إن
كان عمداً لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة وإن فعله جاهلاً أو ناسياً
لم تبطل للحديث ولم يعتد بتلك الركعة لعدم اقتدائه بإمامه فيها * (فصل) *
فإن سبق الامام المأموم بركن كامل مثل أن يركع ويرفع قبل ركوع المأموم لعذر
من نعاس أو غفلة أو زحام أو عجلة الامام فانه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه
ولا شئ عليه نص عليه
(2/14)
أحمد في رواية المروذي.
قال شيخنا وهذا لا أعلم فيه خلافاً.
وحكي في المستوعب رواية أنه لا يعتد بتلك الركعة وان سبقه بركعة كاملة أو
أكثر فانه يتبع إمامه ويقضي ما سبقه به كالمسبوق.
قال أحمد في رجل نعس خلف الامام حتى صلى ركعتين قال كأنه أدرك ركعتين، فاذا
سلم الامام صلى ركعتين وعنه يعيد الصلاة، وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من
ركعة ثم زال عذره فالمنصوص عن أحمد أنه يتبع إمامه ولا يعتد بتلك الركعة.
وظاهر هذا أنه إن سبقه بركنين بطلت تلك الركعة وإن سبق بأقل من ذلك فعله
وأدرك إمامه، وقد قال بعض أصحابنا فيمن زحم عن السجود يوم الجمعة ينتظر
زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الامام ما لم يخف فوات الركوع في الثانية مع
الامام.
فعلى هذا يفعل ما فاته وإن كان أكثر من ركن وهو قول الشافعي لأن النبي صلى
الله عليه وسلم فعله بأصحابه حين صلى بهم بعسفان صلاة الخوف فأقامهم خلفه
صفين فسجد معه الصف الاول والصف الثاني قيام حتى قام النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الثانية فسجد معه الصف الثاني ثم تبعه وجاز ذلك للعذر فهذا مثله.
وقال مالك إن أدركهم المسبوق في أول سجودهم سجد معهم واعتد بها، وإن علم
أنه لا يقدر على الركوع وأدركهم في السجود حتى يستووا قياماً أتبعهم فيما
بقي من صلاتهم ثم يقضي ركعة ثم يسجد للسهو.
وهذا قول الأوزاعي إلا أنه لم يجعل عليه سجود سهو.
قال شيخنا والأولى في هذا والله أعلم
أنه ما كان على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف فان غير
المنصوص عليه يرد الى الأقرب من المنصوص عليه وان فعل ذلك لغير عذر بطلت
صلاته لأنه ترك الائتمام بإمامه عمداً والله أعلم (فصل) فإن سبق المأموم
الامام بالقراءة لم تبطل صلاته رواية واحدة * (مسألة) * (ويستحب للامام
تخفيف الصلاة مع إتمامها) لقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف
الناس صلاة في تمام، وروي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس فليجوز فإن فيهم الضعيف
والكبير وذا الحاجة " متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ "
أفتان أنت؟ ثلاث مرار فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها،
والليل إذا يغشى.
فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة " رواه البخاري وهذا لفظه،
ورواه مسلم * (مسألة) * (ويستحب تطويل الركعة الاولى أطول من الثانية) .
يستحب تطويل الركعة الاولى من كل صلاة ليلحقه القاصد للصلاة.
وقال الشافعي تكون الاوليان سواء.
وقال أبو حنيفة يطول الاولى من صلاة الصبح خاصة ووافق قول الشافعي في غيرها
وذلك لحديث أبي سعيد حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين
الاوليين من الظهر قدر ثلثين آية، ولأن الآخرتين متساويتان فكذلك الأوليان
ولنا ما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين
الأوليين من صلاة
(2/15)
الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في
الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحياناً وكان يقرأ في العصر في
الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويطول في الأولى ويقصر في الثانية
وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح متفق عليه وروى عبد الله بن أبي أوفى أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الاولى من صلاة الظهر حتى لا
يسمع وقع قدم.
فأما حديث أبي سعيد فرواه ابن ماجة وفيه وفي الركعة الأخرى قدر النصف من
ذلك وهو أولى لموافقته للأحاديث الصحيحة ثم لو قدر التعارض وجب تقديم حديث
أبي
قتادة لصحته ولتضمنه الزيادة وهو التفريق بين الركعتين.
وروى أبو سعيد أن الصلاة كانت تقام ثم يخرج أحدنا يقضي حاجته ويتوضأ ثم
يدرك الركعة الاولى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد في الامام يطول
في الثانية يعني أكثر من الأولى يقال له في هذا يعلم * (مسألة) * (ولا
يستحب انتظار داخل وهو في الركوع في إحدى الروايتين) .
متى أحس بداخل في حال القيام أو الركوع يريد الصلاة معه وكانت الجماعة
كثيرة في انتظاره لأنه يبعد أن لا يكون فيهم من يشق عليهم وكذلك إن كانت
الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليهم لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل فلا
يشق عليهم لنفعه وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره وهذا مذهب ابي مخلد والشعبي
والنخعي واسحاق.
وقال الاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي لا ينتظره وهو رواية أخرى لأن انتظاره
تشريك في العبادة فلا يشرع كالرياء ولنا أنه انتظار ينفع ولا يشق فشرع
كتطويل الركعة الاولى وتخفيف الصلاة.
وقد قال عليه السلام " من أم الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والضعيف وذا
الحاجة " وقد شرع الانتظار في صلاة الخوف لتدرك الطائفة الثانية وكان صلى
الله عليه وسلم ينتظر الجماعة فقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
العشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم بطؤا أخر، وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم
وأطال السجود حين ركب الحسن على ظهره وقال " إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن
أعجله " وبهذا كله يبطل ما ذكروه وقال القاضي الانتظار جائز غير مستحب
فإنما ينتظر من كان ذا حرمة كأهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل * (مسألة) *
(وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها وبيتها خير لها) لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " لا تمنعوا ماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " يعني غير
متطيبات.
رواه أبو داود ويخرجن غير متطيبات لهذا الحديث ويباح لهن حضور الجماعة مع
الرجال لقول عائشة كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه وصلاتهن في بيوتهن
أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة المرأة في بيتها أفضل من
صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " رواه أبو
داود
(2/16)
(فصل في الامامة) (السنة أن يؤم القيامة
اقرؤهم) يعني ان القارئ مقدم على الفقيه وغيره ولا خلاف في التقديم
بالقراءة والفقه واختلف في أيهما يقدم فذهب أحمد رحمه الله إلى تقديم
القارئ وهو قول ابن سيرين والثوري وابن المنذر واسحق وأصحاب الرأي.
وقال عطاء ومالك والاوزاعي والشافعي يقدم الافقه اذا كان يقرأ ما يكفي في
الصلاة لأنه قد ينوبه في الصلاه مالا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فيكون
اولى كالامامة الكبرى والحكم ولنا ما روى أبو مسعود البدري أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في
القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن
كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً - أو قال - سلماً " وعن أبي سعيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم
بالإمامة أقرؤهم " رواهما مسلم ولما قدم المهاجرون الأولون كان يؤمهم سالم
مولى أبي حذيفة وفيهم عمر بن الخطاب وفي حديث عمرو بن سلمة قال " ليؤمكم
أكثركم قرآناً " فإن قيل إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم القارئ
لأن الصحابة كان أقرأهم أفقههم وأنهم كانوا اذا قرأوا القرآن تعلموا معه
أحكامه قال ابن مسعود كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها
وأحكامها قلنا اللفظ عام فيجب الأخذ بعمومه على أن في الحديث ما يبطل هذا
التأويل وهو قوله
(2/17)
وان استووا فأعلمهم بالسنة ففاضل بينهم في
العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة ولو كان كما قالوا للزم من التساوي في
القراءة التساوي في الفقه وقد نقلهم مع التساوي في القراءة الى الأعلم
بالسنة وقال صلى الله عليه وسلم " أقرؤكم أبي وأقضاكم علي وأعلمكم بالحلال
والحرام معاذ بن جبل " ففضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة قيل لأبي عبد الله
حديث النبي صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس أهو خلاف أبي
مسعود؟ قال لا إنما قوله لأبي بكر عندي يصلي بالناس للخلافة يعني أن
الخليفة أحق بالامامة (فصل) ويرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن
لحديث عمر بن سلمة، وان تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما
أجود قراءة واعراباً فهو أولى لأنه اقرأ وإن كان
أحدهما أكثر حفظاً والآخر أقل لحناً وأجود قراءة قدم لأنه أعظم أجراً في
قراءته لقوله عليه السلام " من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات
ومن قرأ ولحن فيه فله بكل حرف حسنة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما اعراب القرآن أحب إلي من حفظ بعض حروفه.
وان اجتمع قارئ لا يعرف أحكام الصلاة فكذلك للخبر وقال ابن عقيل يقدم
الأفقه لأنه يمتاز بما لا يستغني عنه في الصلاة
(2/18)
* (مسألة) * ثم أفقههم ثم أسنهم ثم أقدمهم
هجرة ثم أشرفهم ثم أتقاهم ثم من تقع له القرعة متى استووا في القراءة وكان
أحدهما أفقه قدم لما ذكرنا من الحديث ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة
للإتيان بواجباتها وأركانها وشرطوها وسننها وجبرها إن احتاج إليه فإن اجتمع
فقيهان قارئان أحدهما أقرأ والآخر أفقه قدم الأقرأ للحديث نص عليه وقال ابن
عقيل يقدم الافقه لتميزه بما لا يستغني عنه في الصلاة وهذا يخالف الحديث
المذكور فلا يعول عليه فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر
أعلم بما سواها قدم الأعلم بأحكام الصلاة لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة
بخلاف الآخر (فصل) فإن استووا في القراءة والفقه فقال شيخنا ها هنا يقدم
أسنهم يعني أكبرهم سناً وهو اختيار الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم
لمالك بن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما " متفق
عليه ولأن الأسن أحق بالتوقير والتقديم وظاهر كلام أحمد أنه يقدم أقدمهما
هجرة ثم أسنهما لحديث أبي مسعود فإنه مرتب هكذا قال الخطابي وعلى هذا
الترتيب أكثر أقاويل العلماء ومعنى تقديم الهجرة أن يكون أحدهما أسبق هجرة
من دار الحرب إلى دار الإسلام وإنما يقدم بها لأنها قربة وطاعة فإن عدم ذلك
إما لاستوائهما فيها أو عدمها قدم أسنهما لما ذكرنا وقال ابن حامد أحقهم
بعد القراءة والفقه أشرفهم ثم أقدمهم هجرة ثم أسنهم والصحيح ما دل عليه
حديث النبي صلى الله عليه وسلم من تقديم السابق بالهجرة ثم الاسن ويرجح
بتقديم الاسلام كتقديم الهجرة
(2/19)
لأن في بعض ألفاظ حديث أبي مسعود " فإن
كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما " ولأن الإسلام أقدم
من الهجرة فإذا قدم بالهجرة فأولى أن يتقدم بالإسلام فإذا استووا في جميع
ذلك قدم أشرفهم والشرف يكون بعلو النسب وبكونه أفضل في نفسه وأعلاهم قدراً
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " قدموا قريشاً ولا تقدموها " فإن استووا في
هذه الخصال قدم أتقاهم لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الاجابة وقد جاء
" إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال " ذكره الإمام
أحمد في رسالته ويحتمل تقديم الأتقى على الأشرف لأن شرف الدين خير من شرف
الدنيا وقد قال الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فإن استووا في هذا
كله أقرع بينهم نص عليه لأن سعداً أقرع بين الناس في الأذان يوم القادسية
فالإمامة أولى ولأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر
الحقوق وإن كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فهو أحق به وكذلك إن رضي
الجيران أحدهما دون الآخر قدم به ولا يقدم بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في
الإمامة ولا أثر له فيها وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب
بغير خلاف علمناه
(2/20)
* (مسألة) * وصاحب البيت وإمام المسجد أحق
بالإمامة إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان) متى أقيمت الجماعة في بيت فصاحبه
أولى بالإمامة من غيره إذا كان ممن تصح إمامته لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا
بإذنه " رواه مسلم وعن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم " من
زار قوماً فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم " رواه أبو داود وهذا قول عطاء
والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً فان كان في البيت ذو سلطان قدم على صاحب
البيت لأن ولايته على البيت وصاحبه وقدم النبي صلى الله عليه وسلم عتبان بن
مالك وأنساً في بيوتهما اختاره الخرقي وقال ابن حامد صاحب البيت أحق
بالإمامة لعموم الحديث والاول أصح وكذلك إمام المسجد الراتب أولى من غيره
لأنه في معنى صاحب البيت إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان ففيه وجهان وقد روي عن
ابن عمر أنه أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلي فيه مولى له فصلى ابن عمر معهم
فسألوه أن يؤمهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق (فصل) واذا قدم المستحق من
هؤلاء لرجل في الإمامة جاز وصار بمنزلة من أذن له في
استحقاق التقدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه ولأنه حق له فجاز
نقله إلى من شاء قال أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤم الرجل في
سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه " أرجو أن يكون الإذن في
الكل (فصل) وإذا دخل السلطان بلداً له فيه خليفة فهو أحق من خليفته لأن
ولايته على خليفته وغيره وكذلك لو اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد
أولى لأنه يملك البيت والعبد على الحقيقة وولايته
(2/21)
على العبد فإن لم يكن سيده معهم فالعبد
أولى لما ذكرنا من الحديث وقد روي أنه اجتمع ابن مسعود وحذيفة وبو ذر في
بيت أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد فتقدم أبو ذر ليصلي بهم فقالوا له
وراءك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك فقالوا نعم فتأخر وقدموا أبا سعيد فصلى
رواه صالح بن أحمد باسناده وان اجتمع المؤجر والمستأجر فالمستأجر أولى
ولأنه أحق بالسكنى والمنفعة * (مسألة) * والحر أولى من العبد والحاضر أولى
من المسافر والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين) إمامة العبد صحيحة لما
روي عن عائشة أن غلاماً لها كان يؤمها وصلى ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر وراء
أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الحسن
والنخعي والشعبي والحكم والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي وكره ذلك أبو
مجلز وقال مالك لا يؤمهم إلا أن يكون قارئا وهم أميون ولنا عموم قوله عليه
السلام " يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله تعالى " ولأنه قول من سمينا من
الصحابة ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا ولأنه من أهل الآذان للرجال يأتي
بالصلاة على الكمال فجاز له امامتهم كالحر إذا ثبت ذلك فالحر أولى منه لأنه
أكمل منه وأشرف ويصلي الجمعة والعيد إماماً بخلاف العبد ولأن في تقديم الحر
خروجاً من الخلاف والمقيم أولى من المسافر لأنه إذا كان إماماً حصلت له
الصلاة كلها جماعة فان أمه المسافر أتم الصلاة منفرداً وقال القاضي إن كان
فيهم إماماً فهو أحق بالإمامة وان كان مسافراً لأن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصلي بهم عام الفتح ويقول لأهل البلد " صلوا أربعاً فإنا سفر "
رواه أبو داود وإن تقدم المسافر جاز ويتم المقيم الصلاة بعد سلام إمامه
(2/22)
كالمسبوق وان أنم المسافر الصلاة جازت
صلاتهم وحكي عنه رواية في صلاة المقيم أنها لا تجوز لأن الزيادة نفل أم بها
مفترضين والصحيح الأول لأن المسافر اذا نوى الاتمام لزمه فيصير الجميع
فرضاً (فصل) وإمامة الأعمى جائزة لا نعلم فيها خلافاً إلا ما حكى عن أنس
أنه قال ما حاجتهم اليه وعن ابن عباس أنه قال كيف أؤمهم وهم يعدلونني الى
القبلة والصحيح عن ابن عباس أنه كان يؤمهم وهو أعمى وعتبان بن مالك وقتادة
وجابر وقال أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم أم الناس
وهو أعمى (1) رواه أبو داود ولأن الأعمى فقد حاسة لا تخل بشئ من أفعال
الصلاة ولا شروطها أشبه فقد الشم والبصير أولى منه اختاره أبو الخطاب ولأنه
يستقبل القبلة بعلمه ويتوقى النجاسات ببصره ولأن في إمامته اختلافاً وقال
القاضي هما سواء لأن الأعمى أخشع لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه
فيكون ذلك مقابلاً لما ذكرتم فتساويا قال الشيخ والأول أولى لأن البصير لو
أغمض عينيه كره ذلك ولو كان فضيلة لكان مستحباً لأنه يحصل بتغميضه ما يحصله
الأعمى ولأن البصير اذا أغمض بصره مع إمكان النظر كان له الأجر فيه لأنه
يترك المكروه مع إمكانه إختياراً والأعمى يتركه اضطرار افكان أدنى حالاً
وأقل فضلاً * (مسألة) * (وهل تصح إمامة الفاسق والاقلف؟ على روايتين)
والفاسق ينقسم على قسمين فاسق من جهة الاعتقاد وفاسق من جهة الأفعال فأما
الفاسق من جهة الاعتقاد
__________
" 1 " لفظه في المنتفى ان النبي " ص " استخلف ابن أم مكتوم على المدينة
مرتين يصلي بهم وهو أعمى.
رواه أحمد وأبو داود
(2/23)
فمتى كان يعلن بدعته ويتكلم بها ويدعو
اليها ويناظر لم تصح إمامته وعلى من صلى وراءه الاعادة قال أحمد لا يصلى
خلف أحد من أهل الأهواء اذا كان داعية الى هواه وقال لا تصلى خلف المرجئ
اذا كان داعية وقال القاضي وكذلك إن كان مجتهداً يعتقدها بالدليل كالمعتزلة
والقدرية وغيرة الرافضة لأنهم يكفرون ببدعتهم، وإن لم يكن يظهر بدعته ففي
وجوب الاعادة خلفه روايتان إحداهما تجب الاعادة كالمعلن
بدعته ولأن الكافر لا تصح الصلاة خلفه سواء أظهر كفره أو أخفاه كذلك
المبتدع قال أحمد في رواية أبي الحارث لا تصلي خلف مرجي ولا رافضي ولا فاسق
الا أن يخافهم فيصلي ثم يعيد وقال أبو داود متى صليت خلف من يقول لقرآن
مخلوق فأعد وعن مالك لا نصلي خلف أهل البدع والثانية تصح الصلاة خلفه قال
الأثرم قلت لأبي عبد الله الرافضة الذين يتكلمون بما تعرف؟ قال نعم آمره أن
يعيد قيل له وهكذا أهل البدع قال لا لأن منهم من يسكت ومنهم من يتكلم وقال
لا نصلي خلف المرجئ اذا كان داعية فدل على أنه لا يعيد إذا لم يكن كذلك
وقال الحسن والشافعي الصلاة خلف أهل البدع جائزة بكل حال لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " صلوا خلف من قال لا إله إلا الله " ولأنه رجل صلاته صحيحة
فصح الائتمام به كغيره وقال نافع كان ابن عمر يصلي خلف الحسنية (1)
والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون فقيل له أتصلي مع هؤلاء وبعضهم يقتل
بعضاً؟ فقال من قال حي على الصلاة أجبته ومن قال حي على الفلاح أجبته ومن
قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا رواه سعيد.
ووجه القول الأول ما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على
منبره يقول " لا تؤمن امرأة رجلاً ولا فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسلطانه أو
يخاف سوطه أو سيفه " رواه ابن ماجه وهذا أخص من حديثهم فيتعين تقديمه
وحديثهم نقول به في الجمع والأعياد ونعيد وقياسهم منقوض بالأمي ويروى عن
حبيب بن عمر الانصاري عن أبيه قال سألت واثلة بن الاسقع قلت أصلي خلف
القدري؟ قال لا تصل خلفه ثم قال أما أنا لو صليت خلفه لأعدت صلاتي رواه
الاثرم
__________
(1) كذا وفي المغني: الخشبية
(2/24)
(فصل) وأما الفاسق من جهة الاعمال كالزاني
والذي يشرب ما يسكره فروي عنه أنه لا يصلى خلفه فإنه قال لا تصل خلف فاجر
ولا فاسق وقال أبو داود سمعت أحمد يسئل عن إمام قال أصلي بكم رمضان بكذا
وكذا درهماً، قال اسأل الله العافية، من يصلي خلف هذا؟ وروي لا يصلى خلف من
لا يؤدي الزكاة ولا يصلى خلف من يشارط ولا بأس أن يدفع إليه من غير شرط
وهذا اختيار ابن عقيل وعنه أن الصلاة خلفه جائزة وهو مذهب الشافعي لقول
النبي صلى الله عليه وسلم صلوا خلف
من قال لا إله إلا الله وكان ابن عمر يصلي مع الحجاج، والحسن والحسين
وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان والذين كانوا في ولاية زياد وابنه
كانوا يصلون معهما وصلوا وراء الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر فصار هذا
اجماعا وعن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنت إذا
كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال قلت فما تأمرني قال " صل
الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة " رواه مسلم وهذا فعل
يقتضي فسقهم ولأنه رجل تصح صلاته لنفسه فصح الائتمام به كالعدل ووجه الأولى
ما ذكرنا من الحديث ولأن الإمامة تتضمن حمل القراءة ولا يؤمن تركه لها ولا
يؤمن ترك بعض شرائطها كالطهارة وليس ثم إمارة ولا عليه ظن يؤمننا ذلك
والحديث أجبنا عنه وفعل الصحابة محمول على أنهم خافوا الضرر بترك الصلاة
معهم وروينا عن قسامة بن زهير أنه قال لما كان من شأن فلان ما كان قال له
أبو بكر تنح عن مصلانا فإنا لا نصلي خلفك وحديث أبي ذر يدل على صحتها نافلة
والنزاع إنما هو في الفرض (فصل) وأما الجمع والاعياد فتصلى خلف كل بر وفاجر
وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة وكذلك
(2/25)
من كان من العلماء في عصره وقد روي أن
رجلاً جاء محمد بن النضر فقال له أن لي جيراناً من أهل الأهواء لا يشهدون
الجمعة قال حسبك، ما تقول فيمن رد على ابي بكر وعمر؟ قال ذلك رجل سوء قال
فإن رد على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال يكفر.
قال فإن رد على العلي الأعلى؟ ثم غشي عليه ثم أفاق فقال ردوا عليه والذي لا
إله إلا هو فإنه قال (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله) وهو يعلم أن بني العباس سيلونها ولأن هذه الصلاة من
شعائر الإسلام الظاهرة ويليها الأئمة دون غيرهم فتركها خلفهم يفضي الى
تركها بالكلية.
إذا ثبت ذلك فإنها تعاد خلف من يعاد خلفه غيرها قياساً عليها هذا ظاهر
المذهب وعنه أنه قال من أعادها فهو مبتدع وهذا بدل على أنها لا تعاد خلف
فاسق ولا مبتدع لأنها صلاة مأمور بها فلم تجب إعادتها كسائر الصلوات (فصل)
فإن كان المباشر عدلا والذي ولاه غير مرضي الحال لبدعته أو لفسقه لم يعدها
في المنصوص عنه لأن صلاته إنما ترتبط بصلاة إمامه ولا يضر وجود معنى في
غيره كالحدث وذكر القاضي
في وجوب الاعادة روايتين والصحيح الأول * (فصل) * فإن لم يعلم فسق امامه
بدعته فقال ابن عقيل لا إعادة عليه لأن ذلك مما يخفى فأشبه الحدث والنجس.
قال شيخنا والصحيح إن هذا ينظر فيه، فإن كان ممن يخفي بدعته وفسوقه
(2/26)
صحت صلاته لأن من يصلي خلفه معذور، وإن كان
ممن يظهر ذلك وجبت الإعادة على الرواية التي تقول بوجوب إعادتها خلف
المبتدع لأنه معنى يمنع الائتمام فاستوى فيه العلم وعدمه كما لو كان أمياً،
والحدث والنجاسة يشترط خفاؤهما على الامام والمأموم معاً والفاسق لا يخفي
عليه فسق نفسه فأما إن لم يعلم حاله ولم يظهر منه ما يمنع الائتمام به
فصلاته صحيحة نص عليه لأن الأصل في المسلمين السلامة * (فصل) * فأما
المخالفون في الفروع كالمذاهب الأربع فالصلاة خلفهم جائزة صحيحة غير مكروهة
نص عليه لأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم لم يزل بعضهم يصلي خلف بعض مع
اختلافهم في الفروع فكان ذلك إجماعاً، وإن علم أنه يترك ركناً يعتقده
المأموم دون الإمام فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به.
قال الأثرم سمعت أحمد يسأل عن رجل صلى بقوم وعليه جلود الثعالب.
فقال إن كان يلبسه وهو يتأول قوله عليه السلام " أيما إهاب دبغ فقد طهر "
فصل خلفه فقيل له أتراه أنت جائزاً؟ قال لا.
ولكنه اذا كان يتأول فلا بأس أن يصلي خلفه، ثم قال أبو عبد الله لو أن رجلا
لم ير الوضوء من الدم لم يصل خلفه فلا نصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك إي
بلى ولأن كل مجتهد مصيب أو كالمصيب في حط المآثم عنه وحصول الثواب له ولأن
صلاته تصح
(2/27)
لنفسه فجازت الصلاة خلفه، كما لو لم يترك
شيئاً.
وقال ابن عقيل في الفصول لا تصح الصلاة خلفه وذكر القاضي فيه روايتين
إحداهما لا تصح لأنه يفعل ما يعتقده المأموم مفسداً للصلاة فلم يصح ائتمامه
به كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد ولأن أكثر ما فيه أنه ترك ركناً
لا يأثم بتركه فبطلت الصلاة خلفه كما لو تركه ناسياً، والثانية تصح لما
ذكرنا * (فصل) * فإن فعل شيئاً من المختلف فيه يعتقد تحريمه، فان كان يترك
ما يعتقد شرطاً للصلاة
أو واجباً فيها فصلاته وصلاة من يأتم به فاسده.
وإن كان المأموم يخالف في اعتقاد ذلك لأنه ترك واجبا في الصلاة فبطلت صلاته
وصلاة من خلفه كالمجمع عليه وإن كان لا يتعلق ذلك بالصلاة كشرب يسير النبيذ
والنكاح بغير ولي ممن يعتقد تحريمه، فهذا إن دام على ذلك فهو فاسق، حكمه
حكم سائر الفساق.
وإن لم يدم عليه لم يؤثر لأنه من الصغائر، فان كان الفاعل لذلك عامياً قلد
من يعتقد جوازه فلا شئ عليه فيه لأن فرض العامي سؤال العالم وتقليده قال
الله تعالى (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وإن اعتقد حله وفعله صحت
الصلاة خلفه في الصحيح من المذهب.
وذكر ابن أبي موسى في صحة الصلاة خلفه روايتين
(2/28)
* (فصل) * واذا أقيمت الصلاة والانسان في
المسجد والامام لا يصلح للامامة فان شاء صلى خلفه وأعاد وإن نوى الانفراد
ووافقه في أفعال الصلاة صحت صلاته لأنه أتى بالصلاة على الكمال أشبه ما لو
لم يقصد موافقة الامام.
وروى عن أحمد أنه يعيد، رواها عنه الأثرم.
والصحيح الأول لما ذكرنا، وكذلك لو كان الذين لا يرضون الصلاة خلفه جماعة
فأمهم أحدهم ووافقوا الامام في الأفعال كان ذلك جائزاً
(2/29)
* (فصل) * وأما الاقلف ففيه روايتان.
إحدهما لا تصح إمامته لأن النجاسة في ذلك المحل لا يعفى عنها عندنا،
والثانية تصح لأنه إن أمكنه كشف القلفة وغسل النجاسة غسلها، وان كان مرتقاً
لا يقدر على كشفها عفي عن إزالتها لعدم الإمكان وكل نجاسة معفو عنها لا
تؤثر في بطلان الصلاة والله أعلم * (مسألة) * (وفي إمامة أقطع اليدين
وجهان) .
روي عن أحمد أنه قال لم أسمع فيها شيئاً، وذكر الآمدي فيه روايتين.
إحداهما تكره وتصح
(2/30)
اختارها القاضي لأنه عجز لا يخل بركن في
الصلاة فلم يمنع صحة الامامة كقطع إحدى الرجلين والأنف، والثانية لا تصح
اختارها أبو بكر لأنه يخل بالسجود على بعض أعضاء السجود أشبه العاجز عن
السجود على جبهته، وحكم قطع اليد الواحدة كقطعهما.
فأما أقطع الرجلين فلا تصح إمامته لأنه عاجز عن القيام أشبه الزمن، فان
قطعت
(2/31)
إحداهما وأمكنه القيام صحت إمامته، ويتخرج
أن لا تصح على قول أبي بكر لإخلاله بالسجود على عضو والأول أصح لأنه يسجد
على الباقي من رجله أو حاملها
(2/32)
* (مسألة) * (لا تصح الصلاة خلف كافر بحال)
ولا تصح الصلاة خلف كافر ولا أخرس سواء علم بكفره قبل فراغه من الصلاة أو
بعد ذلك، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي كمحدث وهو لا يعلم
(2/33)
ولنا أنه إئتم بمن ليس من أهل الصلاة أشبه
ما لو ائتم بمجنون.
والمحدث يشترط أن لا يعلم حدث نفسه والكافر يعلم حال نفسه * (فصل) * إذا
صلى خلف من يشك في إسلامه فصلاته صحيحة ما لم يبن كفره، ولأن الظاهر من
المصلين الإسلام ولا سيما إذا كان إماماً، فإن كان ممن يسلم تارة ويرتد
أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم عن أي دين هو، فان صلى خلفه ولم يعلم ما هو عليه
نظرنا، فإن كان قد علم إسلامه قبل الصلاة ثم.
شك في ردته فهو مسلم، وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح الصلاة خلفه، وان
كان
(2/34)
علم إسلامه فصلى خلفه فقال بعد الصلاة
أسلمت أو ارتددت قبل الصلاة لم تبطل الصلاة لأنها كانت محكوما بصحتها فلم
يقبل قوله في إبطالها لأنه ممن لا يقبل قوله * (فصل) * قال أصحابنا يحكم
بإسلامه سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام وسواء صلى في جماعة أو
منفرداً، فان رجع عن الإسلام بعد ذلك فهو مرتد، وإن مات قبل ظهور ما ينافي
الإسلام فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفار.
وقال أبو حنيفة: إن صلى في المسجد حكم بإسلامه وإن
(2/35)
صلى في غير المسجد فرادى لم يحكم باسلامه،
وقال بعض الشافعية لا يحكم باسلامه بحال لأن الصلاة من فروع الاسلام فلا
يصير بفعلها مسلماً كالحج والصوم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم
وأموالهم الا بحقها " وقال بعضهم إن صلى في دار الإسلام فليس بمسلم لأنه
يقصد الاستتار بالصلاة واخفاء دينه، وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم لعدم
التهمة في حقه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين "
وقال " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل الصلاة حداً بين الإسلام والكفر، فمن
صلى فقد دخل في حد الإسلام.
وقال " المملوك إذا صلى
(2/36)
فهو أخوك " رواه الإمام أحمد ولأنها عبادة
تختص المسلمين، فاذا صلى حكم باسلامه كالشهادتين، فأما الحج فان الكفار
كانوا يفعلونه والصيام ترك المفطرات فقد يفعله من ليس بصائم، فأما صلاته في
نفسه فأمر بينه وبين الله سبحانه وتعالى فان علم أنه كان قد أسلم ثم توضأ
وصلى بنية صحيحة فهي صحيحة وإلا فعليه الإعادة، لأن الوضوء لا يصح من
الكفار.
واذا لم يسلم قبل الصلاة كان حال شروعه فيها غير مسلم ولا متطهر فتصح منه
والله أعلم
(2/37)
* (فصل) * ولا تصح إمامة الأخرس بغير أخرس
لأنه يترك ركناً وهو القراءة تركاً مأيوساً من زواله فلم تصح إمامته بقادر
عليه كالعاجز عن الركوع والسجود.
فأما إمامته بمثله فقياس المذهب صحتها قياساً على الأمي والعاجز عن القيام
يؤم مثله وهذا في معناهما والله أعلم.
وقال القاضي وابن عقيل لا تصح لأن الأمي غير مأيوس من نطقه والأول أولى *
(فصل) * فأما الأصم فتصح إمامته لأنه لا يخل بشئ من أفعال الصلاة ولا
شروطها أشبه
(2/38)
الأعمى، فان كان الأصم أعمى صحت إمامته
كذلك.
وقال بعض أصحابنا لا تصح إمامته لأنه اذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا
إشارة.
قال شيخنا والأولى صحتها لأنه لا يمنع من صحة الصلاة احتمال عارض لا يتيقن
وجوده كالمجنون حال إفاقته * (مسألة) * (ولا تصح إمامة من به سلس البول ولا
عاجز عن الركوع والسجود والقعود)
وجملة ذلك أنه لا تصح إمامة من به سلس البول ومن في معناه ولا المستحاضة
بصحيح لانهم يصلون مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث من غير طهارة.
فأما من عليه النجاسة فإن كانت على بدنه
(2/39)
فتيمم لها لعدم الماء جاز للطاهر الإئتمام
به كما يجوز للمتوضئ الائتمام بالمتيمم للحدث، هذا اختيار القاضي وعلى قياس
قول أبي الخطاب لا يجوز الائتمام به لأنه أوجب عليه الإعادة، وإن كانت على
ثوبه لم يجز الائتمام به لتركه الشرط ولا يجوز إئتمام المتوضئ ولا المتيمم
بعادم الماء والتراب ولا اللابس بالعاري ولا القادر على الاستقبال بالعاجز
عنه لأنه ما ترك لشرط يقدر عليه المأموم أشبه ائتمام المعافى بمن به سلس
البول ويصح ائتمام كل واحد من هؤلاء بمثله لأن العراة يصلون جماعة وكذلك
الأمي يجوز أن يؤم مثله كذلك هذا
(2/40)
* (فصل) * ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم
بغير خلاف نعلمه لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم فلم ينكره، وأم ابن عباس أصحابه متيمماً وفيهم عمار بن ياسر
في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكروه ولأن طهارته صحيحة
أشبه المتوضئ * (فصل) * ولا تصح إمامة العاجز عن شئ من أركان الأفعال
كالعاجز عن الركوع والسجود بالقادر عليه سواء كان إمام الحي أو لم يكن، وبه
قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي يجوز لأنه
(2/41)
فعل أجازه المرض أشبه القاعد يؤم بالقيام،
ولنا أنه أخل بركن لا يسقط في النافلة فلم يجز الائتمام به للقادر عليه
كالقارئ بالأمي.
وأما القيام فهو أخف بدليل سقوطه في النافلة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر المصلين خلف الجالس بالجلوس، ولا خلاف أن المصلي خلف الضطجع لا يضطجع
فأما إن أم مثله فقياس المذهب صحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
بأصحابه في المطر بالايماء والعراة يصلون جماعة بالايماء، وكذلك حال
المسايفة ولأن الأمي تصح إمامته بمثله كذلك هذا
(2/42)
* (مسألة) * (ولا تصح خلف عاجز عن القيام
إلا إمام الحي المرجو زوال علته) ولا تصح إمامة العاجز عن القيام بالقادر
عليه إذا لم يكن إمام الحي رواية واحدة لأنه يخل بركن من أركان الصلاة أشبه
العاجز عن الركوع، وتجوز إمامته بمثله كما يؤم الأمي مثله * (فصل) * فأما
إمام الحي إذا عجز عن القيام فيجوز أن يؤم القادر عليه بشرط أن يكون ذلك
لمرض يرجى زواله، لأن اتخاذ الزمن ومن لا ترجى قدرته على القيام إماماً
راتباً يفضي الى تركهم القيام على الدوام وإلى مخالفة قوله عليه السلام "
فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون " ولا حاجة إليه ولأن
(2/43)
الأصل في هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يرجى برؤه، فاذا وجد فيه هذان الشرطان فالمستحب له أن يستخلف لأن
الناس مختلفون في صحة امامته ففي استخلافه خروج من الخلاف ولأن صلاة القائم
أكمل وكمال صلاة الامام مطلوب، فإن قيل فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم
بأصحابه ولم يستخلف قلنا فعل ذلك لتبيين الجواز واستخلف مرة أخرى ولأن صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً أفضل من صلاة غيره قائماً فان صلى بهم
قاعداً جاز وصلوا وراءه جلوساً يروي ذلك عن أربعة من أصحاب
(2/44)
النبي صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير،
وجابر، وقيس بن فهد، وأبو هريرة، وهو قول الأوزاعي وحماد ابن زيد واسحق
وابن المنذر، وقال مالك في إحدى الروايتين: لا تصح صلاة القادر على القيام
خلف القاعد وهو قول محمد بن الحسن، قال الشعبي روي عن النبي صلى الله عليه
أنه قال " لا يؤمن أحد بعد جالساً " أخرجه الدارقطني.
ولأن القيام ركن لا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان،
وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يصلون خلفه قياماً، لما روي عن عائشة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ثم وجد في نفسه خفة فخرج بين
رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر
(2/45)
فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي
صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم
قاعد.
متفق عليه وهذا أخير الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه
ركن قدر عليه فلم يجز له تركه كسائر الاركان ولنا ما روى أبو هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون " متفق عليه، وعن عائشة قالت صلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم
(2/46)
في بيته وهو شاك فصلى جالساً وصلى وراءه
قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال " إنما جعل الإمام ليؤتم
به فادا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا
ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالساً فصلو جلوساً أجمعون " أخرجه البخاري قال
ابن عبد البر روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة من حديث
أنس وجابر وأبي هريرة وابن عمر وعائشة كلها بأسانيد صحيحة فأما حديث الشعبي
فمرسل ويرويه جابر الجعفي وهو متروك وقد فعله أربعة من
(2/47)
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وأما
حديث الآخرين فليس فيه حجة قاله أحمد لأن أبا بكر كان ابتدأ الصلاة فلما
أتمها قائماً فأشار أحمد إلى امكان الجمع بين الحديثين بحمل حديثهم على من
ابتدأ الصلاة قائماً والثاني على من ابتدأ الصلاة جالساً ومتى أمكن الجمع
بين الحديثين كان أولى من النسخ ثم
(2/48)
يحتمل أن أبا بكر كان الامام قاله ابن
المنذر في بعض الروايات وقالت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف
أبي بكر في مرضه الذي مات فيه وقال أنس صلى النبي صلى الله عليه وسلم في
مرضه خلف أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً به، قال الترمذي كلا الحديثين حسن
صحيح ولا يعرف للنبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر صلاة إلا في هذا
الحديث.
وروى مالك الحديث عن ربيعة وقال كان أبو بكر الامام قال مالك العمل عندنا
على حديث ربيعة هذا، فإن قيل لو كان أبو بكر الامام لكان عن يسار النبي صلى
الله عليه وسلم.
قلنا يحتمل أنه فعل ذلك لأن وراءه صفاً والله أعلم * (مسألة) * قال (فإن
صلوا قياماً صحت صلاتهم في أحد الوجهين) (أحدهما) لا تصح أومأ إليه أحمد
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجلوس ونهاهم عن القيام فقال في
حديث جابر " إذا صلى الإمام قاعداً فصلوا قعوداً وإذا صلى قائماً فصلوا
قياماً، ولا تقوموا والإمام جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها " فقعدنا،
ولأنه ترك الاقتداء بإمامه مع القدرة عليه أشبه تارك القيام في حال
(2/49)
قيام إمامه (والثاني) يصح لأن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى وراءه قوم قياماً فلم يأمرهم بالإعادة، فعلى هذا يحمل
الأمر على الاستحباب ولأنه تكلف القيام في موضع يجوز له الجلوس أشبه المريض
اذا تكلف القيام، ويحتمل أن تصح صلاة الجاهل بوجوب القعود دون العالم كما
قالوا في الذي ركع دون الصف * (مسألة) * (فان ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم
اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً لأن أبا بكر حين ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم
جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة بهم جالساً أتموا قياماً ولم
يجلسوا ولأن القيام هو الأصل فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر
عليه كالذي أحرم في الحضر ثم سافر (فصل) فان استخلف بعض الأئمة في وقتنا
هذا فزال عذره فحضر فهل يجوز أن يفعل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي
بكر؟ فيه ثلاث روايات (إحداها) ليس له ذلك قال أحمد في رواية أبي
(2/50)
داود وذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم
لأن هذا أمر يخالف القياس فان انتقال الامام مأموماً وانتقال المأمومين من
إمام الى آخر لا يجوز إلا لعذر يحوج اليه وليس في تقدم الامام الراتب ما
يحوج الى هذا أما النبي صلى الله عليه وسلم فانه من الفضيلة وعظم المنزلة
ما ليس لأحد ولذلك قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم (والثانية) يجوز نص عليه في رواية أبي الحارث
فعلى هذا يكبر ويقعد الى جنب الامام ويبتدئ القراءة من حيث بلغ الامام لأن
الأصل أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يكون جائزاً لأمته ما لم يقم
على اختصاصه به دليل (والرواية الثالثة) إن ذلك يجوز للخليفة دون بقية
الأئمة فإنه قال في رواية المروزي ليس هذا لأحد إلا الخليفة وذلك لأن رتبة
الخلافة تفضل رتبة سائر الأئمة فلا يلحق بها غيرها وكان ذلك للخليفة وخليفة
النبي صلى الله عليه وسلم يقوم مقامه
(2/51)
* (مسألة) * ولا تصح إمامة المرأة والخنثى
للرجال ولا للخناثى.
لا يصح أن يأتم رجل بامرأة في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء وقال أبو
ثور لا إعادة على المصلي خلفها وقال بعض أصحابنا يجوز أن تؤم الرجال في
التراويح وتكون وراءهم لما روي عن أم ورقة بنت الحارث أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم جعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها رواه أبو
داود وهذا عام ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تؤمن امرأة رجلاً رواه
ابن ماجه ولأنها لا تؤذن رجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون وحديث أم ورقة
انما أذن لها أن تؤم بنساء أهل الدار كذلك رواه الدارقطني وهذه زيادة يجب
قبولها ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الحديث عليه وذلك لأنه أذن لها أن تؤم في
الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذناً والأذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف
في المذهب أنها
(2/52)
لا تؤمهم في الفرائض فالتخصيص بالتروايح
تحكم بغير دليل، ولو ثبت ذلك لأم ورقة لكان خاصاً بها بدليل أنه لا يشرع
لغيرها من النساء اذان ولا إقامة فتختص بالامامة كما اختص بالأذان والإقامة
(فصل) وأما الخنثى فلا يجوز أن يؤم رجلاً لاحتمال أن يكون امرأة ولا يؤم
خنثى لجواز أن يكون الامام امرأة والمأموم رجلاً ولا أن تؤمه امرأة لجواز
أن يكون رجلاً ويجوز له أنه يؤم المرأة لأن أدنى أحواله أن يكون امرأة وقال
القاضي رأيت لأبي حفص البرمكي أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة لأنه إن قام
مع الرجال احتمل أن يكون امرأة وان قام مع النساء أو وحده أو ائتم بامرأة
احتمل أن يكون رجل وان أم الرجال احتمل أن يكون امرأة وان أم النساء فقام
وسطهن احتمل أن يكون رجل وان قام أمامهن احتمل أنه امرأة، قال الشيخ ويحتمل
أن تصح صلاته في هذه الصورة
(2/53)
وفي صورة أخرى وهو أن يقوم في صف الرجال
مأموماً فإن المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من
يليها * (مسألة) * (ولا إمامة الصبي لبالغ إلا في نفل على إحدى الروايتين)
ولا يصح ائتمام البالغ بالصبي في الفرض نص عليه أحمد وهو قول ابن مسعود
وابن عباس وبه قال عطاء والشعبي ومالك والثوري
والاوزاعي وأبو حنيفة وأجازه الحسن والشافعي واسحق وابن المنذر وذكر أبو
الخطاب رواية في صحة امامته في الفرض بناء على إمامة المفترض بالمتنفل وقال
ابن عقيل يخرج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجهاً بناء على القول بوجوب
الصلاة عليه ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله تعالى " فيدخل في عموم ذلك وروي عن عمر بن سلمة الجرمي أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لقومه " يؤمكم أقرؤكم " قال فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع
سنين او ثمان سنين رواه البخاري وأبو داود وغيرهم ولنا قول ابن مسعود وابن
عباس ولأن الامامة حال كمال والصبي ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال
كالمرأة ولأنه لا يؤمن من الصبي الاخلال بشرط من شرائط الصلاة أو القراءة
حال الاسرار فأما حديث عمرو بن سلمة فقال الخطابي كان أحمد يضعف أمر عمرو
بن سلمة وقال مرة دعه ليس بشئ قال أبو داود قيل لأحمد حديث عمرو بن سلمة
قال لا أدري أي شئ هذا ولعله إنما توقف
(2/54)
عنه لأنه لم يتحقق بلوغ الأمر إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فانه كان بالبادية في حي من العرب بعيد من المدينة وقوى
هذا الاحتمال قوله في الحديث وكنت اذا سجدت خرجت استي وهذا غير سائغ (فصل)
فاما إمامته في النفل ففيها روايتان (إحداهما) لا تصح لذلك (والثانية) تصح
لأنه متنفل يؤم متنفلين ولأن النافلة يدخلها التخفيف ولذلك تنعقد الجماعة
به فيها إذا كان مأموماً * (مسألة) * ولا تصح إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك
فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده ومتى أخل بشرط
الصلاة مع القدرة عليه لم تصح صلاته لاخلاله بالشرط فان صلى محدثاً وجهل
الحدث هو والمأموم حتى قضوا الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة وصلاة الامام
باطلة وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الحسن
وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي والشافعي وعن علي أنهم يعيدون جميعاً وبه
قال ابن نصر والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه لأنه صلى بهم محدثاً أشبه ما لو
علم ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فروي أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج
إلى الجرف فأهراق
الماء فوجد في ثوبه احتلاماً فأعاد ولم يعد الناس، وعن عثمان أنه صلى
بالناس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار اذا هو بأثر الجنابة فقال كبرت
والله كبرت والله.
وأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا، وعن ابن عمر نحو ذلك.
رواه كله الاثرم وعن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "
إذا صلى الجنب بقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم " رواه أبو سليمان محمد
بن الحسين الحراني ولأن الحدث مما يخفى ولا سبيل إلى معرفته من الامام
للمأموم فكان معذوراً في الاقتداء به ويفارق ما إذا علم الامام حدث نفسه
لأنه يكون مستهزئاً بالصلاة فاعلاً ما لا يحل واذا علمه المأموم لم يعذر في
الاقتداء به وما نقل عن علي لا يثبت بل قد نقل عنه كما ذكرنا عن غيره من
الصحابة والحكم في النجاسة كالحكم في الحدث لأنها في معناها في خفائها على
الامام والمأموم، على أن في النجاسة رواية أخرى أن الامام أيضاً لا تلزمه
الاعادة وقد ذكرناه * (فصل) * فإن علم حدث نفسه في الصلاة أو علم المأمومون
لزمهم استئناف الصلاة.
قال الأثرم سألت أبا عبد الله: رجل صلى بقوم على غير طهارة بعض الصلاة
فذكر؟ قال يعجبني أن يبتدئوا الصلاة قلت يقول لهم استأنفوا الصلاة؟ قال لا،
ولكن ينصرف ويتكلم ويبتدئون الصلاة.
وذكر ابن عقيل
(2/55)
رواية اذا علم المأمومون أنهم يبنون على
صلاتهم، وقال الشافعي يبنون على صلاتهم سواء علم بذلك أو علم المأمومون لأن
ما مضى عى صلاتهم صحيح فكان لهم البناء عليه كما لو أقام الى خامسة فسبحوا
به فلم يرجع.
ولنا أنه ائتم بمن صلاته فاسدة مع العلم منهما أو من أحدهما أشبه ما لو
ائتم بامرأة، وإنما خولف هذا اذا استمر الجهل منهما للإجماع ولأن وجوب
الاعادة على المأمومين في حالة استمرار الجهل يشق لتفرقهم بخلاف ما إذا
علموا في الصلاة، وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أن صلاة الجميع
تفسد والأولى يختص البطلان بمن علم دون من جهل لأنه معنى مبطل اختص به
فاختص بالبطلان كحدث نفسه * (فصل) * قال أحمد في رجلين أم أحدهما الآخر فشم
كل واحد منهما ريحاً أو سمع صوتاً يعتقده من صاحبه يتوضآن ويعيدان الصلاة
لأن كل واحد منهما يعتقد فساد صلاة صاحبه، وهذا
إذا قلنا تفسد صلاة كل واحد من الامام والمأموم بفساد صلاة الآخر بكونه صار
فذاً، وعلى الرواية المنصورة ينوي كل واحد منهما الانفراد ويتم صلاته،
ويحتمل أنه إنما قضى بفساد صلاتهما إذا أئتما الصلاة على ما كانا عليه من
غير فسخ النية، فان المأموم يعتقد أنه مؤتم بمحدث والامام يعتقد أنه يؤم
محدثاً.
وأما قوله يتوضآن فلعله أراد لتصح صلاتهما جماعة إذ ليس لأحدهما أن يأتم
بالآخر مع اعتقاده حدثه واحتياطاً: أما اذا صليا منفردين فلا يجب الوضوء
على واحد منهما لأنه متيقن للطهارة شاك في الحدث * (فصل) * فان اختل غير
ذلك من الشروط في حق الامام كالستارة واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق
المأموم لأن ذلك لا يخفي غالباً بخلاف الحدث والنجاسة، وكذا إن فسدت صلاته
لترك ركن فسدت صلاتهم نص عليه أحمد فيمن ترك القراءة يعيد ويعيدون وكذلك لو
ترك تكبيرة الاحرام * (مسألة) * (ولا تصح إمامة الأمي وهو من لا يحسن
الفاتحة أو يدغم حرفاً أو يلحن لحنا يحيل المعنى إلا بمثله) والكلام في هذه
المسألة في فصلين (أحدهما) ان الامي لا تصح إمامته بمن يحسن قراءة الفاتحة،
وهذا قول مالك والشافعي في الجديد وقيل عنه يصح أن يأتم القارئ بالامي في
صلاة الاسرار دون الجهر وعنه يصح أن يأتم به في الحالين ولنا أنه ائتم
بعاجز عن ركن وهو قادر عليه فلا تصح كالعاجز عن الركوع والسجود وقياسهم
يبطل بالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود وأما القيام فهو ركن أخف من غيره
بدليل أنه يسقط في النافلة مع القدرة عليه بخلاف القراءة فان صلى بأمي
وقارئ صحت صلاة الامي والامام.
وقال أبو حنيفة تفسد صلاة الامام أيضاً لأنه يتحمل القراءة عن المأموم وهو
عاجز عنها ففسدت صلاته ولنا أنه أم من لا يصح ائتمامه به فصحت صلاة الإمام
كما لو أمت امرأة رجلاً ونساء، وقولهم ان المأموم يتحمل عنه الامام القراءة
قلنا إنما يتحملها مع القدرة، فأما من يعجز عن القراءة عن نفسه فعن غيره
أولى
(2/56)
* (الفصل الثاني) * أنه تصح إمامته بمثله
لانه يساويه فصحت إمامته به كالعاجز عن القيام * (فصل) * قوله أو يبدل
حرفاً هو كالألثغ الذي يبدل الراء غيناً والذي يلحن لحنا يحيل المعنى
كالذي يكسر كاف إياك أو تاء أنعمت أو يضمها إذا كان لا يقدر على إصلاح ذلك
يصح ائتمامه بمثله كاللذين لا يحسنان شيئاً وإن كان يقدر على إصلاح ذلك لم
تصح صلاته ولا صلاة من يأتم به لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة مع القدرة
عليه أشبه تارك الركوع * (فصل) * فإن صلى القارئ خلف من لا يعلم حاله في
صلاة الأسرار صحت صلاته لأن الظاهر أنه إنما يتقدم من يحسن القراءة، وان
كان يسر في صلاة الجهر ففيه وجهان أحدهما لا تصح صلاة القارئ، ذكره القاضي
وابن عقيل لأن الظاهر أنه لو أحسن القراءة لجهر، والثاني تصح لأن الظاهر
أنه لا يؤم الناس إلا من يحسن القراءة، والاسرار يحتمل أن يكون لجهل أو
نسيان، فان قال قد قرأت صحت الصلاة على الوجهين لأن الظاهر صدقه، وتستحب
الاعادة احتياطاً، ولو أسر في صلاة الاسرار ثم قال ما كنت قرأت الفاتحة
لزمه ومن وراءه الاعادة، لأنه روي عن عمر أنه صلى بهم المغرب فلما سلم قال
ما سمعتموني قرأت.
قالوا لا قال فما قرأت في نفسي فأعاد بهم الصلاة * (فصل) * وإذا كان رجلان
لا يحسنان الفاتحة أو أحدهما يحسن سبع آيات من غيرها والآخر لا يحسن شيئاً
فلكل واحد منهما الائتمام بالآخر لأنهما أميان والمستحب تقديم من يحسن
السبع آيات لانه اقرأ، وعلى هذا كل من لا يحسن الفاتحة يجوز أن يؤم من لا
يحسنها سواء استويا في الجهل أو تفاوتا فيه * (مسألة) * (وتكره إمامة
اللحان والفأفاء الذي يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر القاف ومن لا يفصح
ببعض الحروف) أما الذي يلحن لحنا يحيل المعنى فقد ذكرناه، وتكره إمامة
اللحان الذي لا يحيل المعنى نص عليه وتصح صلاته بمن لا يلحن لأنه أتى بفرض
القراءة فان أحال المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده
فيبطل صلاتهما، ومن لا يفصح ببعض الحروف كالقاف والضاد فقال القاضي تكره
إمامته وتصح أعجمياً كان أو عربياً.
وقيل فمن قرأ ولا الضالين بالظاء لا تصح صلاته لأنه يحيل المعنى يقال ظل
يفعل كذل اذا فعله نهاراً فهو كالألثغ وتكره إمامة الفأفاء والتمتام، وتصلح
لأنهما يأتيان بالحروف على وجهها ويزيدان زيادة هما مغلوبان عليها فعفي
عنها ويكره تقديمهما لهذه الزيادة * (مسألة) * (ويكره أن يؤم نساء أجانب لا
رجل معهن)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بالمرأة الاجنبية ولا بأس
أن يؤم ذوات محارمه، وأن يؤم النساء مع الرجل فقد كن النساء يشهدن مع النبي
صلى الله عليه وسلم وقد أم أنساً واليتيم وأمه * (مسألة) * (ويكره أن يؤم
قوماً أكثرهم له كارهون)
(2/57)
لما روى أبو أمامة قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد
الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون "
حديث حسن غريب.
وعن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يقبل
منهم صلاة من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل يأتي الصلاة دباراً - والدبار
أن يأتي بعد أن يفوت الوقت - ورجل اعتبد محرراً " رواه أبو داود.
وقال علي لرجل أم قوماً وهم له كارهون أنك لخروط قال أحمد إذا كرهه اثنان
أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثرهم، فإن كان ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك
لم تكره إمامته.
قال منصور أما إنا سألنا عن ذلك فقيل لنال إنما عنى بهذا الظلمة، فأما من
أقام السنة فانما الاثم على من كرهه، قال القاضي والمستحب أن لا يؤمهم
صيانة لنفسه وان استوى الفريقان فالأولى أن لا يؤمهم أراد بذلك الاختلاف
والله أعلم * (مسألة) * (ولا بأس بإمامة ولد الزنا والجندي اذا سلم دينهما)
لا بأس بإمامة ولد الزنا وهو قول عطاء وسليمان بن موسى والحسن والنخعي
والزهري وعمرو ابن دينار واسحاق وقال أصحاب الرأي ولا تجزي الصلاة خلفه،
وكره مالك أن يتخذ إماماً راتباً وقال الشافعي يكره مطلقاً لأن الإمامة
منصب فضيلة فكره تقديمه فيها كالعبد ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم
القوم أقرؤهم " وقالت عائشة ليس عليه من وزر أبوية شئ قال الله تعالى (ولا
تزر وازرة وزر أخرى) وقال سبحانه (وإن أكرمكم عند الله أتقاكم " والعبد لا
نكرة إمامته لكن الحر أولى منه ولو سلم ذلك فالعبد ناقص في أحكامه لا يلي
النكاح ولا المال بخلاف هذا ولا بأس بإمامة الجندي والخصي اذا كانا مرضيين
لأنه عدل يصلح للامامة أشبه غيره * (فصل) * ولا بأس بإمامة الاعرابي إذا
كان يصلح نص عليه وهو قول عطاء والثوري والشافعي
واسحق وأصحاب الرأي، وقد روي عن أحمد أنه قال لا نعجبني إمامة الاعرابي إلا
أن يكون قد سمع وفقه لأن الغالب عليهم الجهل، وكره ذلك أبو مجاز وقال مالك
لا يؤمهم لقول الله تعالى
(2/58)
(الأعراب أشد كفرا) الآية.
ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " ولأنه مكلف
عدل تصح صلاته لنفسه أشبه المهاجر * (فصل) * والمهاجر أولى منه لا يقدم على
المسبوق بالهجرة فمن لا هجرة له أولى.
قال أبو الخطاب والحضري أولى من البدوي لأنه مختلف في إمامته ولأن الغالب
عليهم الجفاء وقلة المعرفة بحدود الله تعالى * (مسألة) * (ويصح ائتمام مؤدي
الصلاة بمن يقضيها) مثل أن يكون عليه ظهر أمس فأراد قضاءها فائتم به رجل
عليه ظهر اليوم ففيه روايتان.
أصحهما أنه يصح نص عليه، وفي رواية ابن منصور وهذا اختيار الخلال وقال
المذهب عندي في هذا رواية واحدة وغلط من نقل غيرها لأن القضاء يصح بنية
الاداء فيما اذا صلى فبان بعد خروج الوقت، وكذلك من يقضي الصلاة يصلى خلف
من يؤديها لأنه في معناه، والرواية الثانية لا يصح، نقلها صالح لأن نيتهما
مختلفة هذا ينوي قضاء وهذا أداء * (فصل) * ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل
ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا تصح فيهما.
اختلف عنه في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل فنقل عنه حنبل وأبو الحارث لا
يصح، اختاره أكثر الأصحاب وهو قول الزهري ومالك وأصحاب الرأي لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " متفق
عليه، ولأن صلاة المأموم لا تتأدى
(2/59)
بنية الامام أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي
الظهر.
والثانية تصح نقلها عنه اسماعيل بن سعيد وأبو داود وهذا قول عطاء والاوزاعي
والشافعي وأبي ثور وابن المنذر.
قال شيخنا وهي أصح لأن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله وسلم ثم يرجع
فيصلي بقومه تلك الصلاة متفق عليه وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة من
أصحابه في صلاة الخوف ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم
رواه أبو داود والاثرم وهو في الثانية متنفل مفترضين ولأنهما صلاتان اتفقتا
في الأفعال
فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض.
فأما حديثهم فالمراد به لا تختلفوا عليه في الأفعال لأنه انما ذكر في
الحديث الأفعال فقال فاذا سجد فاسجدوا ولهذا صح ائتمام المتنفل بالمفترض
وقياسهم ينتقض بالمسبوق في الجمعة إذا أدرك أقل من ركعة فنوى الظهر خلف من
يصلي الجمعة * (فصل) * فأما صلاة المتنفل خلف المفترض فلا نعلم في صحتها
خلافاً وقد دل عليه قوله عليه السلام " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه "
* (فصل) * فأما صلاة الظهر خلف من يصلي العصر ففيه روايتان وكذلك صلاة
العشاء خلف من يصلي التراويح أحدهما يجوز نقلها عنه اسماعيل بن سعيد فإنه
قال له ما ترى إن صلى في رمضان خلف إمام يصلي بهم التراويح قال يجزيه ذلك
من المكتوبة.
والثانية لا يجوز نقلها عنه المروذي لأن أحدهما لا يتأدى بنية الأخرى كصلاة
الجمعة والكسوف خلف من يصلي غيرهما أو صلاة غيرهما
(2/60)
خلف من يصليهما لم تصح رواية واحدة لأنه
يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في عموم قوله عليه السلام " فلا
تختلفوا عليه " * (فصل) * ومن صلى الفجر ثم شك هل طلع الفجر أو لا لزمته
الاعادة وله أن يؤم فيها من لم يصل، وقال بعض أصحابنا تخرج على الروايتين
في إمامة المتنفل بالمفترض والصحيح الأول لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته
ووجوب أفعالها فأشبه ما لو شك هل صلى أو لا، ولو فاتت المأموم ركعة فصلى
الامام خمساً ساهياً فقال ابن عقيل لا يعتد للمأموم بالخامسة لأنها سهو
وغلط، وقال القاضي هذه الركعة نافله للإمام وفرض للمأموم فيخرج فيها
الروايتان.
وقد سئل أحمد عن هذه المسائل فتوقف فيها.
قال شيخنا والأولى أنه يحتسب له بها لأنه لو لم يحتسب له بها لزمه أن يصلي
خمساً مع علمه بذلك ولأن الخامسة واجبة على الامام عند من يوجب عليه البناء
على اليقين، ثم إن كانت نفلاً فقد ذكرنا أن الصحيح صحة الائتمام فيه، وإن
صلى بقوم الظهر يظنها العصر فقال أحمد يعيد ويعيدون وهذا على الرواية التي
منع فيها ائتمام المفترض بالمتنفل، فان ذكر الامام وهو في الصلاة فأتمها
عصراً كانت له نفلا وإن قلب بنية إلى الظهر بطلت صلاته لما ذكرنا متقدماً،
وقال ابن حامد يتمها والفرض باق في ذمته
* (فصل في الموقف) * السنة أن يقف المأمومون خلف الامام اذا كان المأمومون
جماعة، فالسنة أن يقفوا خلف الامام رجالاً كانوا أو نساء لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه فيقومون
(2/61)
خلفه ولأن جابراً وجباراً لما وقفا عن
يمينه وشماله ردهما الى خلفه وان كانا اثنين، فكذلك لما روى جابر قال سرت
مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئته حتى قمت عن
يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن
يساره فأخذنا جميعاً بيديه فأقامنا خلفه رواه أبو داود وهذا قول عمر وعلي
وجابر بن زيد والحسن ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وكان ابن مسعود يرى أن
يقفا من جانبي الامام لأنه يروى عنه أنه صلى بين علقمة والأسود وقال هكذا
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، رواه أبو داود ولنا الحديث الذي
ذكرناه فإنه أخرهما الى خلفه ولا ينقلهما إلا الى الأكمل وصلى النبي صلى
الله عليه وسلم بأنس واليتيم فجعلهما خلفه.
وحديث ابن مسعود يدل على الجواز فإن كان أحدهما صبياً فذلك في أصح
الروايتين أن كانت الصلاة تطوعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أنساً
واليتيم وراءه، وإن كان فرضا جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره كما في
حديث ابن مسعود أو جعلهما عن يمينه، وان جعلهما خلفه فقال بعض أصحابنا لا
يصح لأنه لا يصح أن يؤمه فيه كالمرأة ويحتمل أن يصح لأنه بمنزلة المتنفل
والمتنفل يصاف المفترض * (مسألة) * (فإن وقفوا قدامه لم يصح)
(2/62)
وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال مالك
واسحاق يصح لأن ذلك لا يمنع الاقتداء به فأشبه من خلفه، ولنا قوله عليه
السلام " إنما جعل الإمام ليؤتم به " ولأنه يحتاج في الاقتداء الى الالتفات
الى ورائه ولأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا هو في معنى
المنقول فلم يصح كما لو صلى في بيته بصلاة الامام، ويفارق من خلف الامام
فإنه لا يحتاج في الاقتداء الى الالتفات بخلاف هذا، وقد قال بعض أصحابنا
يجوز للمرأة أن تؤم الرجال في صلاة التراويح ويكونون بين يديها.
وقد ذكرنا فساد ذلك فيما مضى، وإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح لما
ذكرنا من حديث ابن مسعود ولأن وسط الصف موقف لإمام العراة وللمرأة اذا أمت
النساء، ويصح أن يقفوا عن يمينه لأنه موقف للواحد على ما نذكره إن شاء الله
* (مسألة) * (وإن كان واحد وقف عن يمينه رجلا كان أو غلاماً) لما روينا من
حديث جابر وروى ابن عباس قال قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل
فقمت ووقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه متفق عليه * (مسألة) *
(وإن وقف خلفه أو عن يساره لم تصح) وجملة ذلك أنه من صلى وحده خلف الامام
ركعة كاملة لم تصح صلاته وهذا قول النخعي
(2/63)
واسحق وابن المنذر وغيرهم، وأجازه الحسن
ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لأن أبا بكرة ركع دون الصف فلم
يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولأنه موقف للمرأة فكان موقفاً
للرجال كما لو كان مع جماعة ولنا ما روى وابصة بن معبد أن النبي صلى الله
عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد، رواه أبو داود وغيره
وقال ابن المنذر ثبت الحديث وفي لفظ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
رجل صلى وراء الصف وحده فقال يعيد رواه تمام في الفوائد، وعن علي بن شيبان
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف
نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف " رواه الأثرم وقال قلت لأبي
عبد الله حديث ملازم ابن عمرو يعني هذا الحديث أيضاً حسن؟ قال نعم.
ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الامام.
فأما حديث أبي بكرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه فقال " لا تعد "
والنهي يقتضي الفساد وعذره فيما فعله لجهله وللجهل تأثير في العفو ولا يلزم
من كونه موقفاً للمرأة أن يكون موقفاً للرجل بدليل اختلافهما في كراهة
الوقوف واستحبابه * (فصل) * وإن وقف عن يسار الامام وكان عن يمين الامام
أحد صحت صلاته لما ذكرنا من حديث
ابن مسعود ولأن وسط الصف موقف لإمام العراة وإن لم يكن عن يمينه أحد فصلاته
فاسدة، وكذلك
(2/64)
إن كانوا جماعة وأكثر أهل العلم يرون ان
الأولى للواحد أن يقف عن يمين الامام.
روي عن سعيد ابن المسيب أنه كان إذا لم يكن معه إلا واحد جعله عن يساره،
وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي تصح صلاة من وقف عن يسار الامام لأن ابن
عباس لما أحرم عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه ولم تبطل
تحريمته ولو لم يكن موقفاً لزمه استئنافها كقدام الامام ولأنه أحد الجانبين
أشبه اليمين وكما لو كان عن يمينه أحد ولنا حديث ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه وسلم أداره عن يمينه، وكذلك حديث جابر وقولهم لم يأمره بابتداء
التحريمة لأن ما فعله قبل الركوع لا يؤثر فان الامام يحرم قبل المأمومين
وكذلك المأمومون يحرم بعضهم قبل بعض الباقين، ولا يضر انفراده ولا يلزم من
العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة.
قولهم هو موقف إذا كان أحد عن يمينه قلنا لا يلزم من كونه موقفاً في صورة
أن يكون موقفاً في غيرها بدليل ما وراء الامام فانه موقف للاثنين وليس
موقفاً للواحد، وان منعوه فقد دل عليه الحديث المذكور والقياس أنه يصح كما
لو كان عن يمينه وكون النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً يدل
على الفضيلة لا على عدم الصحة بدليل رد جابر وجبار الى وراءه مع صحة
صلاتهما عن جانبه * (فصل) * فإن كان خلف الامام صف فهل تصح صلاة من وقف عن
يساره؟ فيه احتمالان.
أحدهما يصح لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى وأبو بكر عن
يمينه، وكان أبو بكر
(2/65)
الامام وكان مع الامام ولأن مع الإمام من
تنعقد صلاته به فصح كما لو كان عن يمينه أحد، والثاني لا تصح لأنه ليس
بموقف إذا لم يكن صف فلم يكن موقفاً مع الصف كإمام الامام وفارق إذا كان
معه آخر لأنه معه في الصف فكان صفاً واحداً فهو كما لو وقف معه خلف الصف *
(مسألة) * (وإن أم امرأة وقفت خلفه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
أخروهن من حيث أخرهن الله " وروى أنس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى بأمه أو خالته فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا
رواه مسلم، وإن أم رجلاً وامرأة وقف الرجل عن يمينه ووقفت المرأة خلفهما
لما ذكرنا، وإن كانا رجلين وقفا خلفه والمرأة خلفهما كما روى أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى بهم فصففت أنا واليتيم وراءه والمرة خلفنا فصلى لنا
رسول الله ركعتين متفق عليه، وكان الحسن يقول في ثلاثة أحدهم امرأة يقوم
بعضهم وراء بعضهم وهذا قول لا نعلم أحدا وافقه فيه، واتباع السنة أولى *
(فصل) * فإن وقفت المرأة في صف الرجال كره لها ذلك ولم تبطل صلاتها ولا
صلاة من يليها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو بكر تبطل صلاة من يليها ومن
خلفها دونها وهو قول أبي حنيفة لأنه منهي عن الوقوف الى جانبها أشبه الوقوف
أمام الامام.
ولنا أنها لو وقفت في غير صلاة لم تبطل صلاته كذلك في الصلاة، وقد ثبت ان
عائشة كانت تعترض بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي
(2/66)
قولهم: وهو منهي عنه، قلنا هي منهية عن
الوقوف مع الرجال فاذا لم تبطل صلاتها فصلاتهم أولى وقال ابن عقيل الأشبه
بالمذهب عندي بطلان صلاتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخروهن "
وهو موقف منهي عنه أشبه موقف الفذ خلف الامام والصف * (مسألة) * (وان اجتمع
رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء)
لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فصف الرجال ثم صف خلفهم
الغلمان.
وتقدم الخناثى على النساء لجواز أن يكون رجلاً (وكذلك يفعل في تقديمهم إلى
الإمام إذا اجتمعت جنائزهم) وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى *
(مسألة) * (ومن لم يقف معه إلا كافر أو امرأة أو محدث يعلم حدثه فهو فذ،
وكذلك الصبي إلا في النافلة) أما إذا وقف معه كافر ومحدث يعلم حدثه لم تصح
صلاته لأن وجوده وعدمه واحد وكذلك اذا وقف معه سائر من لا تصح صلاته لما
ذكرنا.
وقد روي عن أحمد أنه قال إذا أم رجلين أحدهما غير طاهر أتم الطاهر معه،
وهذا يحتمل أنه أراد اذا علم المحدث حدث نفسه أتم الآخر إن كان عن يمين
الامام وإن لم يكن عن يمينه تقدم فصار عن يمينه.
فأما إن كانا خلفه وأتم الصلاة
مع علم المحدث بحدثه لم تصح وإن لم يعلمه صح لأنه لو كان إماماً صح
الائتمام به فصحة مصافته أولى * (فصل) * فإن لم يقم معه إلا امرأة فقال ابن
حامد لا تصح صلاته لأنها لا تؤمه فلا تكون معه
(2/67)
صفاً ولأنها من غير أهل الوقوف معه فوجودها
كعدمها، وقال ابن عقيل تصح على أصح الوجهين لأنه وقف معه مفترض صلاته صحيحة
أشبه ما لو وقف معه رجل، وليس من شرط المصافة أن يكون ممن تصح إمامته بدليل
القارئ مع الامي والفاسق والمفترض مع المتنفل، وإن وقف معه خنثى مشكل لم
يكن معه صفاً على قول ابن حامد لأنه يحتمل أن يكون امرأة * (فصل) * وإن وقف
معه فاسق أو متنفل صار صفاً لأن صلاتهم صحيحة، وكذلك لو وقف قارئ مع أمي أو
من به سلس البول مع صحيح أو قائم مع قاعد كانا صفاً لما ذكرنا * (فصل) *
اذا وقف مع البالغ وخلفه صبي فان كان في النافلة صح لما ذكرنا من حديث أنس
وذكر أبو الخطاب رواية أنه لا يصح بناء على إمامته في النفل، وإن كان في
الفرض فقد روى الأثرم عن أحمد أنه توقف في هذه المسألة وقال ما أدري فذكر
له حديث أنس فقال ذلك في التطوع واختلف فيه أصحابنا فقال بعضهم لا يصح لأنه
لا يصلح إماماً للرجال في الفرض كالمتنفل، ولا يشترط لصحة مصالته صلاحيته
للامامة بدليل الفاسق والعبد والمسافر في الجمعة والأصل المقيس عليه ممنوع
* (فصل) * إذا أم الرجل خنثى مشكلاً وحده فالصحيح أنه يقف عن يمينه لأنه إن
كان رجلاً فهذا موقفه وان كان امرأة لم تبطل صلاتها بوقوفها مع الإمام كما
لو وقفت مع الرجال، ولا يقف وحده لجواز أن يكون رجلاً فإن كان معهما رجل
وقف الرجل عن يمين الامام والخنثى عن يساره
(2/68)
أو عن يمين الرجل ولا يقفان خلفه لجواز أن
يكون امرأة إلا عند من أجاز للرجل مصافة المرأة، فان كان معهم رجل آخر وقف
الثلاثة خلفه صفاً لما ذكرنا، وإن كانا خنثيين مع الرجلين فقال أصحابنا يقف
الخنثيان صفاً خلف الرجلين لاحتمال أن يكونا امرأتين، ويحتمل أن يقفا مع
الرجلين لأنه يحتمل أن يكون أحدهما رجلاً فلا تصح صلاته، وإن كان معهم نساء
وقفن خلف الخناثى على ما ذكرنا
* (فصل) * وإذا كان المأموم واحداً فكبر عن يسار الامام أداره الامام عن
يمينه ولم تبطل تحريمته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس، وإن
كبر وحده خلف الامام ثم تقدم عن يمينه أو جاء آخر فوقف معه أو تقدم الى
الصف بين يديه أو كانا اثنين فكبر أحدهما وتوسوس الآخر ثم كبر قبل رفع
الامام رأسه من الركوع أو كبر واحد عن يمين الامام فأحس بآخر فتأخر معه قبل
أن يحرم الثاني ثم أحرم أو أحرم عن يسار الامام فجاء آخر فوقف عن يمينه قبل
رفع الامام رأسه من الركوع صحت صلاتهم وقد نص عليه أحمد في رواية الأثرم في
الرجلين يقومان خلف الامام ليس خلفه غيرهما خاف أن يدخل في الصلاة خلف الصف
فقال ليس هذا من ذاك، ذاك في الصلاة بكمالها أو صلى ركعة كاملة وما أشبه
هذا، فأما هذا فارجو أن لا يكون به بأس، ولو أحرم رجل خلف الصف ثم خرج من
الصف رجل فوقف معه صح لما ذكرنا * (فصل) * وإن كبر رجل عن يمين الامام وجاء
آخر فكبر عن يساره أخرجهما الامام الى
(2/69)
ورائه كفعل النبي صلى الله عليه وسلم بجابر
وجبار، ولا يتقدم الإمام إلا أن يكون وراءه ضيق وإن تقدم جاز وإن كبر
الثاني مع الأول عن اليمين وخرجا جاز، وان دخل الثاني وهما في التشهد كبر
وجلس عن يسار الامام أو عن يمين الآخر ولا يتأخران في التشهد لأن فيه مشقة
* (فصل) * وإن أحرم اثنان وراء الامام فخرج أحدهما لعذر أو لغيره دخل الآخر
في الصف أو نبه رجلاً فخرج معه أو دخل فوقف عن يمين الإمام فإن لم يمكنه شئ
من ذلك نوى الانفراد وأتم منفرداً لأنه عذر حدث له أشبه ما لو سبق إمامه
الحدث.
* (مسألة) * ومن جاء فوجد فرجة وقف فيها فإن لم يجد وقف عن يمين الامام ولم
يجذب رجلاً ليقوم معه فان لم يمكنه ذلك نبه رجلاً ليقوم معه (1) فخرج فوقف
معه وهذا قول عطاء والنخعي وكره ذلك مالك والاوزاعي واستقبحه أحمد وإسحق،
قال ابن عقيل جوز أصحابنا جذب رجل يقوم معه صفاً قال وعندي أنه لا يفعل لما
فيه من التصرف بغير إذنه.
قال شيخنا والصحيح جواز ذلك لأن الحاجة داعية إليه فجاز كالسجود على ظهر
إنسان أو قدمه حال الزحام وليس هذا تصرفاً فيه بل هو تنبيه له فجرى مجرى
مسألته أن يصلي معه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لينوا
في أيدي إخوانكم " يريد ذلك فإن امتنع من الخروج وحده معه صلى وحده
__________
(1) في المتن المطبوع فان لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه اه ويتأمل قوله
بعده: فخرج فوقف معه.
على أن هذه المسألة كانت في الاصل مدغمة في الشرح
(2/70)
* (مسألة) * (فان صلى فذاً ركعة لم تصح)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لفرد " رواه الأثرم * (مسألة) *
(وإن ركع فذاً ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الامام صحت صلاته وإن
رفع ولم يسجد صحت، وقيل إن علم النهي لم تصح وإن فعله لغير عذر لم تصح) من
ركع دون الصف ثم دخل في الصف لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يصلي ركعة
ثم يدخل فلا تصح صلاته لما ذكرنا (الثاني) أن يمشي وهو راكع ثم يدخل في
الصف قبل رفع الامام رأسه من الركوع أو يأتي آخر فيقف معه قبل رفع الامام
رأسه فتصح صلاته لأنه أدرك مع الإمام في الصف ما يدرك به الركعة، وممن رخض
في ذلك زيد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب وعروة وسعيد بن جبير وجوزه
الزهري والاوزاعي ومالك والشافعي إذا كان قريبا من الصف (والحال الثالث) أن
لا يدخل في الصف الا بعد رفع الامام رأسه من الركوع أو يقف معه آخر في هذه
الحال ففيه ثلاث روايات إحداهن تصح صلاته وهذا مذهب مالك والشافعي لأن أبا
بكرة فعل ذلك وفعله من ذكرنا من الصحابة ولأنه لم يصل ركعة كاملة أشبه ما
لو أدرك الركوع، والثانية تبطل صلاته بكل حال لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك
به الركعة
(2/71)
أشبه ما لو صلى ركعة كاملة، والثالثة أنه
إن كان جاهلاً بتحريم ذلك صحت صلاته وإلا لزمته الاعادة اختارها الخرقي لما
روى أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن
يصل الى الصف فذكر ذلك للنبي الله صلى عليه وسلم فقال " زادك الله حرصاً
ولا تعد " رواه البخاري فلم يأمره بإعادة الصلاة ونهاه عن العود، والنهي
يقتضي الفساد، ولم يفرق القاضي والخرقي في هذه
المسألة بين من دخل قبل رفع رأسه من الركوع أو بعد الرفع، وذلك منصوص أحمد
والدليل يقتضي التفريق فيحصل كلامهم عليه وقد ذكره أبو الخطاب على نحو ما
ذكرنا * (فصل) * فإن فعل ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات لم تصح صلاته في أحد
الوجهين لأنه فاته ما تفوته الركعة بفواته وإنما أبيح للمعذور لحديث أبي
بكرة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل، والثاني تصح لأن الموقف لا يختلف
بخيفة الفوات وعدمه كما لو فاتته الركعة كلها * (فصل) * السنة أن يتقدم في
الصف الأول أولو الفضل والأسن وأن يلي الامام أكملهم وأفضلهم قال أحمد يلي
الامام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان لما روى أبو سعيد الأنصاري قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليلني منكم أولو الأحلام والنهي
ثم الذين يلونهم ثم الذين
(2/72)
يلونهم " (2) وقال أبو سعيد أن النبي صلى
الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال " تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم
من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عزوجل " رواهما أبو داود.
وعن قيس بن عبادة قال أتيت المدينة للقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني
وقام في مكاني فما عقلت صلاتي، فلما صلى قال يا بني لا يسؤك الله فإني لم
آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا " كونوا في
الصف الذي يليني " وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك.
وكان الرجل أبي بن كعب رواه أحمد والنسائي * (فصل) * والصف الأول أفضل
للرجال، وللنساء بالعكس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير صفوف
الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " رواه أبو
داود وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتموا الصف الأول فما
كان من نقص فليكن في الصف الآخر " رواه أبو داود، وعن أبي بن كعب قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو
تعلمون فضيلته لابتدرتموه " رواه الإمام أحمد، وميامن الصفوف أفضل لقول
عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله وملائكته
يصلون على ميامن
__________
(2) رواه بهذا اللفظ أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود بزيادة "
واياكم وهيشات الاسواق أي جلبتها وخصوماتها " ورواه أحمد ومسلم والنسائي
وابن ماجه من حديث أبي مسعود الانصاري بزيادة في أوله قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا
فتختلف قلوبكم وليلني منكم " الخ فعز والمصنف له إلى ابي سعيد غلط.
وحديث أبي سعيد " هو الخدري " الذي بعده رواه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه
فالمؤلف فقيه لا محدث
(2/73)
الصفوف " رواه أبو داود، ويستحب أن يقف
الامام في مقابلة وسط الصف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وسطوا
الإمام وسدوا الخلل " (1) * (مسألة) * وإذا كان المأموم يرى من وراء الامام
صحت صلاته اذا اتصلت الصفوف، وإن لم ير من وراءه لم تصح وعنه تصح إذا كان
في المسجد) وجملة ذلك أنه إذا كان الإمام والمأموم في المسجد يعتبر اتصال
الصفوف.
قال الآمدي لا خلاف في المذهب أنه إذا كان في أقصى المسجد وليس بينه وبين
الامام ما يمنع الاستطراق والمشاهدة أنه يصح اقتداؤه به وإن لم تتصل الصفوف
وهذا مذهب الشافعي، وذلك لأن المسجد بني للجماعة فكل من حصل فيه فقد حصل في
محل الجماعة، فإن كان المأموم خارج المسجد أو كانا جميعاً في غير المسجد صح
أن يأتم به بشرط أمكان المشاهدة واتصال الصفوف وسواء كان المأموم في درجة
المسجد أو في دار أو على سطح والامام على سطح آخر، أو كان في صحراء أو في
سفينتين وهذا مذهب الشافعي إلا أنه يشترط أن لا يكون بينهما ما يمنع
الاستطراق في أحد القولين.
ولنا أن هذا لا تأثير له في المنع مع الاقتداء بالامام ولم يرد فيه نهي ولا
هو في معنى ذلك فلم يمنع صحة الائتمام به كالفعل اليسير إذا ثبت هذا فان
معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة به بحيث يمنع امكان
__________
" 1 " رواه أبو داود عن أبي هريرة وفيه علتان، وان سكت عنه هو والمنذري
(2/74)
الاقتداء، وحكي عن الشافعي أنه حد الاتصال
بما دون ثلاثمائة ذراع والتحديدات بابها التوقيف ولا نعلم في هذا نصاً ولا
إجماعاً يعتمد عليه فوجب الرجوع فيه إلى العرف كالتفريق والاحراز * (فصل) *
فإن كان بين المأموم والامام حائل يمنع رؤية الامام ومن وراءه فقال ابن
حامد فيه روايتان إحداهما لا يصح الائتمام به اختاره القاضي لأن عائشة قالت
لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الامام فانكن دونه في حجاب ولأنه
لا يمكنه الاقتداء به في الغالب، والثانية تصح قال أحمد في رجل يصلي خارج
المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس، وذلك لأنه
يمكنه الاقتداء بالامام فصح من غير مشاهدة كالأعمى ولأن المشاهدة تراد
للعلم بحال الامام والعلم استماع التكبير فجرى مجرى الرؤية، وعنه أنه يصح
إذا كان في المسجد دون غيره لأن المسجد محل الجماعة وفي مظنة القرب ولأنه
لا يشترط فيه اتصال الصفوف، لذلك فجاز أن لا يشترط الرؤية واختار شيخنا
التساوي فيهما لاستوائهما في المعنى المجوز أو المانع فوجب استواؤهما في
الحكم وإنما صح مع عدم المشاهدة لأنه يشترط أن يسمع التكبير فإن لم يسمعه
لم يصح ائتمامه بحال لأنه لا يمكنه الاقتداء * (فصل) * وكل موضع اعتبرنا
المشاهدة فانه يكفي مشاهدة من وراء الامام من باب إمامه أو عن يمينه أو عن
يساره ومشاهدة طرف الصف الذي وراءه لأنه يمكنه الاقتداء بذلك، وإن حصلت
(2/75)
المشاهدة في بعض أحوال الصلاة كفاه في
الظاهر لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل
وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أناس
يصلون بصلاته والحديث رواه البخاري، والظاهر أنهم كانوا يرونه في حال قيامه
* (فصل) * فإن كان بينهما طريق أو نهر تجري فيه السفن أو كانا في سفينتين
مفترقتين ففيه وجهان أحدهما لا تصح اختاره أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأن
الطريق ليست محلا للصلاة أشبه ما يمنع لاتصال والثاني تصح اختاره شيخنا وهو
مذهب مالك والشافعي لأنه لا نص في منع ذلك ولا إجماع ولا هو في المعنى
المنصوص لأنه لا يمنع الاقتداء والمؤثر في المنع ما يمنع الرؤية أو سماع
الصوت وليس هذا بواحد منهما قولهم إن بينهما ما ليس محلا للصلاة ممنوع وإن
سلم في الطريق فلا يصح في النهر بدليل
صحة الصلاة عليه في السفينة وحال جموده ثم كونه ليس محلاً للصلاة إنما يؤثر
في منع الصلاة فيه، أما في صحة الاقتداء بالامام فتحكم محض لا يلزم المصير
إليه، فأما إن كانت صلاته جمعة أو عيداً أو جنازة لم يؤثر ذلك فيها لأنها
تصح في الطريق، وقد صلى أنس في موت حميد بن عبد الرحمن بصلاة الامام
وبينهما طريق والله أعلم * (مسألة) * (ولا يكون الامام أعلى من المأموم،
فإن فعل وكان كثيراً فهل تصح صلاته؟ وجهين) :
(2/76)
ويكره أن يكون الامام أعلى من المأموم في
ظاهر المذهب سواء أراد تعليمهم أو لم يرد وهذا قول مالك والاوزاعي وأصحاب
الرأي، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره واختاره الشافعي للإمام الذي
يعلم من خلفه أن يصلي على الشئ المرتفع ليراه من خلفه ليقتدوا به، لما روى
سهل بن سعد قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه يعني
المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر ثم رفع ونزل القهقرى
حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل علي الناس فقال
" أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي " متفق عليه ولنا ما
روى عمار بن ياسر أنه صلى بالمدائن فتقدم فقام على دكان والناس أسفل منه
فتقدم حذيفة فأخذ بيده فأتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال
له حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا أم الرجل القوم
فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم " قال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على
يدي، رواه أبو داود ولأنه يحتاج أن يقتدي بامامه فينظر ركوعه وسجوده، فاذا
كان أعلى منه احتاج الى رفع بصره اليه وذلك منهي عنه في الصلاة.
فأما حديث سهل فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى
لئلا يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعاً يسيراً لا بأس
به جمعاً بين الأخبار، ويحتمل أن يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه
فعل شيئاً ونهى عنه فيكون فعله لنفسه ونهيه لغيره، وكذلك لا يستحب لغيره
عليه السلام ولأن النبي
(2/77)
صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة على
المنبر فان سجوده وجلوسه انما كان على الأرض بخلاف ما اختلفنا فيه
* (فصل) * ولا بأس بالعلو اليسير كدرجة المنبر ونحوها لما ذكرنا من حديث
سهل ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة وهذا يختص
الكثير * (فصل) * فإن كان العلو كثيراً أبطل الصلاة في قول ابن حامد وهو
قول الأوزاعي لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وقال القاضي لا تبطل وهو
قول أصحاب الرأي لأن عماراً أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها ولأن النهي
معلل بما يفضي إليه من رفع البصر وهو لا يبطل الصلاة فسببه أولى * (فصل) *
فإن كان مع الامام من هو مساو له ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو
أسفل منه لوجود المعنى فيهم خاصة، ويحتمل أن يتناول النهي الامام لكونه
منهياً عن القيام في مكان أعلى من مقامهم، فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة
الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهي * (فصل) * فإن كان المأموم أعلى
من الامام كالذي على سطح المسجد أو رف أو دكة عالية فلا بأس لأنه روي عن
ابي هريرة أنه صلى بصلاة الامام على سطح المسجد وفعله سالم وبه قال الشافعي
وأصحاب الرأي، وقال مالك يعيد اذا صلى الجمعة فوق سطح المسجد بصلاة الإمام.
ولنا ما ذكرنا من فعل أبي هريرة ولأنه يمكنه الاقتداء بامامه أشبه
المتساويين، ولأن علو الامام إنما كره لحاجة المأمومين الى رفع البصر
المنهي عنه وهذا بخلافه
(2/78)
* (مسألة) * (ويكره للإمام أن يصلي في طاق
القبلة) يكره للامام أن يدخل في طاق القبلة، كره ذلك ابن مسعود وعلقمة
والاسود لأنه يستتر عن بعض المأمومين فكره كما لو كان بينه وبينهم حجاب،
وفعله سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي فأما إن كان لحاجة ككون المسجد
ضيقاً لم يكره للحاجة اليه * (مسألة) * (ويكره للإمام أن يتطوع في موضع
المكتوبة) نص عليه أحمد وقال: كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فأما
المأموم فلا بأس أن يتطوع مكانه فعل ذلك ابن عمر وقال اسحق وروي عن المغيرة
بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يتطوع الإمام في مكانه
الذي يصلي فيه بالناس " رواه أبو داود إلا أن أحمد
قال لا أعرف ذلك عن غير علي * (مسألة) * (ويكره للمأمومين الوقوف بين
السواري إذا قطعت صفوفهم) وكره ذلك ابن مسعود والنخعي ورخص فيه ابن سيرين
ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر ولنا ما روى معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا
ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها
طرداً رواه ابن ماجه، فان كان الصف صغيراً لا ينقطع بها لم يكره لعدم ما
يوجب الكراهة ولا يكره ذلك للإمام
(2/79)
* (مسألة) * (ويكره للإمام إطالة القعود
بعد الصلاة مستقبل القبلة) لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام
تباركت يا ذا الجلال والإكرام " رواه ابن ماجه (1) ولأنه لا يستحب
للمأمومين الانصراف قبل الامام، فاذا أطال الجلوس شق عليهم، فإن لم يقم
استحب أن ينحرف عن قبلته لما روي عن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه أخرجه البخاري، وعن علي رضي الله عنه
أنه صلى بقوم العصر ثم أسند ظهره الى القبلة فاستقبل القوم رواه الأثرم،
قال الأثرم رأيت أبا عبد الله اذا سلم يلتفت ويتربع، قال أبو داود رأيته
اذا كان إماماً فسلم انحرف عن يمينه، وروى جابر بن سمرة قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً، وفي
لفظ كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس رواه مسلم * (مسألة) *
(فإن كان معه نساء لبث قليلا لنصرف النساء) لما روت ام سلمة قالت أن النساء
كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من
الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال قال
الزهري فنرى ذلك والله أعلم أن ذلك لكي ينفذ من ينصرف من النساء رواه
البخاري، ويستحب للنساء أن لا يجلسن بعد الصلاة لذلك ولأن
__________
(1) بل رواه احمد ومسلم والترمذي أيضا
(2/80)
الاخلال به من أحد الفريقين يفضي الى
اختلاط الرجال بالنساء، ويستحب للمأمومين أن لا يقوموا قبل الامام لئلا
يذكر سهواً فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم إني إمامكم فلا
تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف " رواه مسلم إلا أن
يخالف الامام السنة في إطالة الجلوس أو ينحرف فلا بأس بذلك * (فصل) *
وينصرف الامام حيث شاء عن يمين وشمال لقول ابن مسعود: لا يجعل أحدكم
للشيطان حظاً من صلاته، يرى أن حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله رواه مسلم (1)
وعن لهب (2) أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه رواه
أبو داود * (مسألة) * (فإن أمت امرأة بنساء قامت وسطهن في الصف) اختلفت
الرواية هل يستحب للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة فعنه أنه مستحب يروي ذلك عن
عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والاوزاعي والشافعي وأبي ثور، وعن أحمد أنه
غير مستحب وكرهه أصحاب الرأي.
وقال الشعبي والنخعي وقتادة: لهن ذلك في التطوع خاصة.
وقال الحسن واسحاق وسليمان بن يسار: لا تؤم مطلقاً ونحوه قول مالك: لأنه
يكره لها الأذان وهو دعاء إلى الجماعة فكره ما يراد له الأذان ولنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها.
رواه أبو داود، ولانهن
__________
(1) بل رواه الجماعة كلهم إلا الترمذي (2) الصواب: قبيصة بن هلب ورواه
الترمذي وابن ماجه أيضا باختلاف في اللفظ
(2/81)
من أهل الفرائض أشبهن الرجال، وانما كره
لهن الأذان لما فيه من رفع الصوت ولسن من أهله.
إذا ثبت ذلك فانها تقوم وسطهن في الصف لا نعلم في ذلك خلافاً بين من رأى أن
تؤمهن لأن ذلك يروي عن عائشة وأم سلمة رواه سعيد بن منصور عن أم سلمة، ولأن
المرأة يستحب لها التستر ولذلك
لا يستحب لها التجافي وكونها في وسط الصف أستر لها فاستحب لها كالعريان،
فان صلت بين أيديهن احتمل أن يصح لكونه موقفاً في الجملة للرجل، واحتمل أن
لا يصح لأنها خالفت موقفها أشبه ما لو خالف الرجل موقفه، فان أمت امرأة
واحدة قامت عن يمينها كالمأموم من الرجال وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة
يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس (فصل) وتجهر في صلاة الجهر قياساً على
الرجل، فإن كان ثم رجل لم تجهر إلا أن يكونوا من محارمها فلا بأس به والله
أعلم (فصل) ويعذر في الجمعة والجماعة المريض.
قال إبن المنذر: لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن
الجماعات من أجل المرض، وقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " من سمع النداء فلم يمنعه من إتباعه عذر - قالوا: وما العذر يا رسول
الله؟ قال: خوف المرض - لم تقبل منه الصلاة التي صلى " رواه أبو داود وقد
كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض فيقول "
مروا أبا بكر فليصل بالناس " * (مسألة) * (ومن يدافع أحد الاخبثين أو بحضرة
طعام وهو محتاج إليه)
(2/82)
لما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين " رواه
مسلم.
وسواء خاف فوات الجماعة أو لم يخف لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا حضر
العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء " رواه مسلم * (مسألة) * (والخائف من
ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم
ولا شئ معه) الخوف يتنوع ثلاثة أنواع (أحدهما) الخوف على نفسه بأن يخاف
سلطاناً يأخذه أو لصاً أو سبعاً أو سيلاً أو نحو ذلك مما يؤذيه في نفسه، أو
يخاف غريماً يحبسه ولا شئ معه يعطيه، فان حبس المعسر ظلم، وكذلك إن كان
عليه دين مؤجل خشي أن يطالب به قبل محله، وإن كان الدين حالاً وهو قادر على
أدائه فلا عذر له في التخلف لأن مطل الغني ظلم، وإن توجه عليه حد لله تعالى
أو حد قذف فخاف أن يؤخذ به لم يكن ذلك عذراً لأنه يجب عليه وفاؤه، وكذلك أن
توجه عليه
فصاص.
وقال القاضي: إن رجا الصلح عنه بمال فهو عذر حتى يصالح بخلاف الحدود لأنها
لا تدخلها المصالحة، وحد القذف إن رجا العفو عنه فليس بعذر لأنه يرجو
اسقاطه بغير بدل (الثاني) الخوف على ماله من لص، أو سلطان، أو نحوه، أو
يخاف على بهيمة من سبع: أو شر ودإن ذهب وتركها، أو على منزله، أو متاعه، أو
زرعه، أو يخاف إباق عبده، أو يكون له خبز في التنور، أو
(2/83)
طبيخ على نار يخاف تلفها بذهابه، أو يكون
له مال ضائع، أو عبد آبق يرجو وجدانه في تلك الحال أو يخاف ضياعه ان اشتغل
عنه، أو يكون له غريم أن ترك ملازمته ذهب، أو يكون ناطور بستان أو نحوه
يخاف إن ذهب سرق، أو مستأجراً لا يمكنه ترك ما استؤجر على حفظه، فهذا
وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة لعموم قوله عليه السلام أو خوف،
ولأن في أمره عليه السلام بالصلاة في الرحال لأجل الطين والمطر مع أن
ضررهما أيسر من ذلك تنبيهاً على جوازه (الثالث) الخوف على ولده وأهله أن
يضيعوا، أو يخاف موت قريبه ولا يشهده، فهذا كله عذر في ترك الجمعة والجماعة
وبهذا قال عطاء والحسن والشافعي: ولا نعلم فيه خلافاً، وقد استصرخ ابن عمر
على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى وهو يتجمر للجمعة فأتاه بالعقبق وترك
الجمعة والله أعلم * (مسألة) * (أو فوات رفقة، أو غلبة النعاس، أو خشية
التأذي بالمطر، والوحل، والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة) ويعذر
في تركها من يريد سفراً يخاف فوات رفقته لأن عليه في ذلك ضرراً، ومن يخاف
غلبة النعاس حتى يفوتاه الجواز له أن يصلي وحده وينصرف لأن الرجل الذي صلى
مع معاذ انفرد عند تطويل معاذ، وخوف النعاس والمشقة فلم ينكر عليه النبي
صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك.
ويعذر في ترك الجماعة من يخاف تطويل الامام كثيراً لذلك، فإنه إذا جاز ترك
الجماعة بعد دخوله فيها لأجل التطويل فترك الخروج اليها أولى، ويعذر في
المطر الذي يبل الثياب، والوحل الذي يتأذى
(2/84)
به في بدنه أو ثيابه لما روى عبد الله بن الحارث قال: قال عبد الله بن
العباس لمؤذنه في يوم مطير: اذا
قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل: صلوا في بيوتكم،
قال: فكأن الناس استنكروا ذلك.
فقال ابن عباس: اتعجبون من ذلك وقد فعل ذلك من هو خير مني، إن الجمعة عزيمة
واني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض.
متفق عليه، وقد روى أبو المليح أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح
وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالم.
رواه أبو داود، ويعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة
الباردة لما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي
مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر " صلوا في رحالكم " متفق
عليه، ورواه ابن ماجة بإسناد صحيح ولم يقل في السفر |