الشرح
الكبير على متن المقنع باب الفدية (وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) ما
هو على التخيير وهو نوعان (أحدهما) يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام
ستة مساكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وهي فدية حلق الرأس
وتقليم الأظفار وتغطية الرأس واللبس والطيب، وعنه يجب الدم إلا أن يفعله
لعذر فيجب) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) في أن فدية هذه
المحظورات على التخيير أيها شاء فعل والأصل في ذلك قوله تعالى (فمن كان
منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) ذكره بلفظ أو
وهي
للتخيير وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة " لعلك اذاك هو امك "
قال: نعم يارسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة
مساكين أو انسك شاة " متفق عليه وفي لفظ " أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين
نصف صاع تمر " فدلت الآية والخبر على وجوب الفدية على صفة التخيير بين
الذبح والإطعام والصيام في حلق الشعر وقنا عليه تقليم الأظفار واللبس
والطيب لأنه حرم في الإحرام لأجل الترفه فأشبه حلق الشعر ولا فرق في الحلق
بين المعذور وغيره في ظاهر المذهب والعامد والمخطئ، وهو مذهب مالك
والشافعي، وعن أحمد أنه إذا حلق من غير عذر فعليه دم من غير تخيبر اختاره
ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة لأن الله تعالى خير بشرط العذر فإذا عدم العذر
زال التخيير ولنا أن الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له
والتبع لا يخالف أصله، ولان كل كفارة ثبت التخيير فيها مع العذر ثبت مع
عدمه كجزاء الصيد، لا فرق بين قتله للضرورة إلى أكله أو لغير ذلك وإنما
الشرط لجواز الحلق لا للتخير (الفصل الثاني) أنه مخير بين الثلاثة المذكورة
في الحديث وهي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف
صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وقد دل الحديث المذكور على ذلك.
وفي لفظ أو أطعم فرقا بين ستة مساكين.
وفي لفظ فصم ثلاثة أيام وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين
رواه أبو داود، وبهذا قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال
الحسن وعكرمة ونافع الصيام عشرة أيام والصدقة على عشرة مساكين
(3/330)
ويروى عن الثوري وأصحاب الرأي قالوا يجزئ
من البر نصف صاع ومن التمر والشعير صاع صاع واتباع السنة الصحيحة أولى
(فصل) والحديث إنما ذكر فيه التمر ويقاس عليه البر والشعير والزبيب لأن كل
موضع أجزأ فيه التمر أجزأ ذلك فيه كالفطرة وكفارة اليمين، وقد روى أبو داود
في حديث كعب بن عجرة قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي "
احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين فرقا من
زبيب أو انسك شاة " ولا يجزئ من هذه الأصناف أقل من ثلاثة آصع إلا البر
ففيه روايتان (إحداهما) يجزئ مد بر لكل مسكين مكان نصف صاع من غير كما في
كفارة اليمين (والثانية) لا يجزئ إلا نصف صاع لأن الحكم ثبت فيه بطريق
التنبيه أو القياس والفرع يماثل أصله ولا يخالفه، وبهذا قال مالك والشافعي
(فصل) ومن أبيح له حلق رأسه جاز له تقديم الكفارة على الحلق فعله علي رضي
الله عنه ولأنها كفارة فجاز تقديمها على وجوبها ككفارة اليمين (الفصل
الثالث) أنه لا فرق بين فعلها لعذر أو غيره وقد ذكرناه (مسألة) (النوع
الثاني جزاء الصيد يتخير فيه بين المثل وتقويمه بدراهم يشتري بها طعاماً
فيطعم لكل مسكين مداً أو يصوم عن كل مد يوما وان كان ممالا مثل له خبر بين
الإطعام والصيام وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل فان لم يجد
لزمه الإطعام فان لم يجد صام) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) في
وجوب الجزاء على المحرم في قتل الصيد وأجمع أهل للعلم على وجوبه في الجملة،
وقد نص الله تعالى عليه بقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقتوا الصيد وأنتم
حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) نص على وجوب الجزاء
على المتعمد وقد ذكرناه (الفصل الثاني) أنه على التخيير بين الأشياء
المذكورة بأيها شاء كفر موسراً كان أو معسراً وبهذا قال مالك والشافعي
وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية ثانية أنها على الترتيب فيجب المثل أولاً فان
لم يجد أطعم فان لم يجد صام روي هذا عن ابن عباس والثوري ولان هذي المتعة
على الترتيب وهذا آمد منه لأنه بفعل محظور وعنه رواية ثالثة أنه لاإطعام في
كفارة الصيد، وإنما ذكره في الآية ليعدل به الصيام لأن من قدر على الإطعام
قدر على الذبح كهذا قال ابن عباس وهذا قول الشافعي ولنا قوله سبحانه (فجزأ
مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل امنكم هديا بالغ الكعبة أو
(3/331)
كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) و "
أو " في الأمر للتخيير روي عن ابن عباس رضي الله عنه
أنه قال: كل شئ أو، أو، فهو مخير وأما ما كان (فان لم يجد) فهو الاول
فالأول ولأنه عطف هذه الخصال بعضها على بعض بأو فكان مخيراً في جميعها
كفدية الادى وقد سمى الله تعالى الطعام كفارة ولا يكون كفارة ما لم يجب
إخراجه وجعله طعاماً للمساكين وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم
ولأنها كفارة ذكر فيها الطعام فكان من خصالها كسائر الكفارات وقولهم إنها
وجبت بفعل محظور يبطل بفدية الأذى على أن لفظ النص صريح في التخيير فليس
ترك مدلولة قياساً على هدي المتعة بأولى من العكس فكما لا يجوز ثم لا يجوز
هنا (فصل) وإذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على فقراء الحرم ولا يجزئه أن
يتصدق به حياً على المساكين لأن الله سبحانه سماه هدياً والهدي يجب ذبحه
وله ذبحه أي وقت شاء، ولا يختص ذلك بأيام النحر لأن الأمر به مطلق (الفصل
الثالث) أنه متى اختار الإطعام فإنه يقوم المثل بدراهم والدراهم بطعام
ويتصدق به على المساكين، وبهذا قال الشافعي وقال مالك: يقوم الصيد لا المثل
وحكى ابن أبي موسى رواية مثل ذلك وحكى رواية أخرى أنه إن شاء اشترى
بالدراهم طعاماً فتصدق به وإن شاء تصدق بالدراهم وجه قول مالك إن التقويم
إذا وجب لأجل الإتلاف قوم المتلف كالذي لا مثل له ولنا على مالك أن كل متلف
وجب فيه المثل إذا قوم وجبت قيمة مثله كالمثلي من مال الآدمي وعلى أنه لا
تجوز الصدقة بالدراهم إن الله سبحانه إنما ذكر في الآية التخيير بين ثلاثة
أشياء وهذا ليس منها.
والطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى من التمر والزبيب والبر
والشعير قياساً عليه ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعاماً لدخوله في إطلاق
اللفظ (الفصل الرابع) أنه يطعم كل مسكين من البر مداً كما يدفع إليه في
كفارة اليمين ومن سائر الأصناف نصف صاع نص عليه أحمد رحمه الله تعالى في
إطعام المساكين في الفدية والجزاء وكفارة اليمين إن أطعم براً فمد لكل
مسكين ان أطعم تمراً فنصف صاع لكل مسكين، ولفظ شيخنا ههنا مطلق في أنه يطعم
لكل مسكين مداً ولم يفرق بين الأصناف وكذلك ذكره الخرقي مطلقاً، والأولى
أنه لا يجتزئ من غير البرباقل من نصف صاع لأنه لم يرد الشرع في موضع بأقل
من ذلك في طعمه
المساكين وهذا لا توقيف فيه فيرد إلى نظرائه ولا يجزئ إخراج الطعام إلا على
مساكين الجرم
(3/332)
لأنه قائم مقام الهدي الواجب لهم فيكون
أيضاً لهم كقيمة المثلي من مال الآدمي (الفصل الخامس) أنه يصوم عن كل مد
يوماً وهو قول عطاء ومالك والشافعي لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام فكان
اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار وعن أحمد رحمه الله أنه يصوم عن كل نصف
صاع يوماً وهو قول ابن عباس والحسن والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن
المنذر قال القاضي المسألة رواية واحدة واليوم عن مد بر أو نصف صاع من غيره
وكلام أحمد في الروايتين محمول على اختلاف الحالين لأن صوم اليوم مقابل
إطعام المسكين وإطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، ولأن الله تعالى
جعل اليوم في كفارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين فكذا ههنا وروى أبو ثور
إن كفارة الصيد من الإطعام والصيام مثل كفارة الآدمي وروي ذلك عن ابن عباس
رضي الله عنهما ولنا أنه جزاء عن متلف فاختلف باختلافه كبدل مال الآدمي،
ولأن الصحابة رضي الله عنهم حين قضوا في الصيد قضوا فيه مختلفاً (فصل) فإن
بقي من الطعام مالا يعدل يوماً كدون المد صام عنه يوما كاملا كذلك قال عطاء
والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم احداً خالفهم لأن الصوم لا
يتبعض فيجب تكميله ولا يجب التتابع في الصيام، وبه قال الشافعي وأصحاب
الرأي فإن الله سبحانه أمر به مطلقاً فلا يتقيد بالتتابع من غير دليل ولا
يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعض نص عليه أحمد، وبه قال الشافعي
واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وجوزه محمد بن الحسن إذا عجز عن بعض الإطعام
ولا يصح لأنها كفارة واحدة فلم يجز فيها ذلك كسائر الكفارات (فصل) وإن كان
ممالا مثل له من الصيد يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاماً فيطعمه
للمساكين وبين أن يصوم لتعذر المثل وهل يجوز إخراج القيمة؟ فيه احتمالان
(أحدهما) لا يجوز وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل فإنه قال إذا أصاب
المحرم صيداً ولم يصب له عدل حكم عليه قوم طعاماً
إن قدر على طعام والاصام لكل نصف صاع يوماً هكذا يروي عن ابن عباس ولأنه
جزاء صيد فلم يجز إخراج القيمة فيه كالذي له مثل ولأن الله تعال خير بين
ثلاثة أشياء ليس منها القيمة فإذا عدم أحد الثلاثة يبقى التخيير بين
الشيئين الباقيين فأما إيجاب شئ غير المنصوص عليه فلا (والثاني) يجوز إخراج
القيمة لأن عمر رضي الله عنه قال لكعب ما جعلت على نفسك؟ قال درهمين.
قال
(3/333)
اجعل ما جعلت على نفسك.
وقال عطاء في العصفور نصف درهم وظاهره اخراج الدرهم الواجبة، وعنه أن جزاء
الصيد على الترتيب وقد ذكرناه (فصل) قال رضي الله عنه (الضرب الثاني على
الترتيب وهو ثلاثة أنواع (أحدها دم المتعة والقرآن فيجب الهدي فان لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع
إلى أهله وإن صامها قبل ذلك أجزأه) لا نعلم خلافاً في وجوب الدم على
المتمتع والقارن وقد ذكرناه فيما مضى وذكرنا شروط وجوب الدم فان لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لقوله تعالى (فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج
وسبعة إذا رجعتم) وتعتبر القدرة على الهدي في موضعه فمتى عدمه في موضعه جاز
له الانتقال إلى الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده لأن وجوبه موقت
فاعتبرت له القدرة عليه في موضعه كالماء في الطهارة إذا عدمه في مكانه
انتقل إلى التراب (فصل) ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان وقت
استحباب ووقت جواز.
فأما الثلاثة فالأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة يروي ذلك عن عطاء وطاوس
والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وأصحاب الرأي وروي عن
ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أنه يصومهن مابين أهلاله بالحج ويوم عرفة
وظاهر هذا أنه يجعل آخرها يوم التروية لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب.
وذكر القاضي في المجرد ذلك مذهب أحمد المنصوص عن أحمد ما ذكرناه أولاً
وانما أوجبنا له صوم يوم عرفة ههنا لموضع الحاجة وعلى هذا القول يستحب له
تقديم الإحرام
بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج فإن صام منها شيئاً قبل إحرامه
بالحج جاز نص عليه فأما وقت جواز صيامها فإذا أحرم بالعمرة.
وهذا قول أبي حنيفة، وعن أحمد إذا حل من العمرة وقال مالك والشافعي لا يجوز
إلا بعد الإحرام بالحج ويروى ذلك عن ابن عمر وهو قول إسحاق وابن المنذر
لقول الله تعالى (فصيام ثلاثة أيام في الحج) ولأنه صيام واجب فلم يجز
تقديمه على وقت وجوبه كسائر الصيام الواجب ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه
المبدل فلم يجز فيه البدل كقبل الإحرام بالعمرة وقال الثوري والاوزاعي
يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة ولنا أن احرم العمرة أحد إحرامي التمتع
فجاز الصوم بعده كإحرام الحج.
وأما قوله (فصيام ثلاثة
(3/334)
أيام في الحج) فقيل معناه في أشهر الحج
فإنه لا بد فيه من اضمار إذا كان الحج أفعالاً لا يصام فيها إنما يصام في
وقتها أو في أشهرها فهو كقوله سبحانه (الحج أشهر معلومات) وأما تقديمه على
وقت الوجوب فيجوز إذا وجد السبب كتقديم التكفير على الحنث وزهوق النفس وأما
كونه بدلاً فلا يقدم على المبدل فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على
الإحرام بالحج فكذلك الصوم (فصل) فأما تقديم الصوم على إحرام العمرة فلا
يجوز لا نعلم قائلا بجواز إلا رواية عن أحمد حكاها بعض الاصحاب وليس بشئ
لأنه تقديم الصوم على سببه ووجوبه ومخالف لقول أهل العلم وأحمد رحمه الله
ينزه عن هذا.
وأما السبعة فلها وقتان وقت اختيار ووقت جواز أما وقت الاختيار فإذا رجع
إلى أهله لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله "
متفق عليه وأما وقت الجواز فإذا مضت أيام التشريق قال الأثرم سئل أحمد هل
يصوم بالطريق أو بمكة؟.
قال: كيف شاء، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وعن عطاء ومجاهد يصومها في الطريق
وهو قول إسحاق وقال ابن المنذر يصومها إذا رجع إلى أهله للخبر ويروى ذلك عن
ابن عمر وهو قول الشافعي وله قول كقولنا وكقول إسحاق ولنا أن كل صوم لزمه
وجاز في وطنه جاز قبل ذلك كسائر الفروض وأما الآية فإن الله سبحانه جوز له
تأخير الصيام الواجب تخفيفاً عنه فلا يمنع ذلك الأجزاء قبله كتأخير صوم
رمضان في السفر والمرض
بقوله سبحانه (فعدة من أيام أخر) لأن الصوم وجد من أهله بعد وجود سببه
فأجزأ كصوم المسافر والمريض (مسألة) (فإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام
منى وعنه لا يصومها ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم) إذا لم يصم المتمتع
الثلاثة الأيام في الحج فإنه يصومها بعد ذلك، وبهذا قال علي وعائشة وابن
عمر وعروة بن الزبير وعبيد بن عمير والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي
وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وطاوس ومجاهد إذا فاته الصوم في العشر لم
يصم بعده واستقر الهدي في ذمته لأن الله تعالى قال (فصيام ثلاثة أيام في
الحج) ولأنه بدل موقت فيسقط بخروج وقته كالجمعة ولنا أنه صوم واجب فلم يسقط
بخروج وقته كصوم رمضان والآية تدل على وجوبه في الحج لا على سقوطه والقياس
منتقض بصوم الظهار إذا قدم المسيس عليه والجمعة ليست بدلاً إنما هي الأصل
وإنما سقطت لان الوقت جعل شرطاً لها كالجماعة.
إذا ثبت هذا فإنه يصوم أيام منى وهذا قول ابن عمر
(3/335)
وعائشة وعروة وعبيد بن عمير والزهري ومالك
والاوزاعي واسحاق والشافعي في القديم لما روى ابن عمر وعائشة رضي الله
عنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي رواه
البخاري وهذا ينصرف إلى ترخيص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الله
تعالى أمر بصيام هذه الأيام الثلاثة في الحج ولم يبق من الحج إلا هذه
الأيام فيتعين الصوم فيها فإذا صام هذه الأيام فحكمه حكم من صام قبل يوم
النحر، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يصوم أيام منى روى ذلك عن علي والحسن
وعطاء وهو قول ابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم ستة
أيام ذكر منها أيام التشريق ولأنها لا يجوز فيها صوم النفل فلا يصومها عن
الفرض كيوم النحر فعلى هذه الرواية يصوم بعد ذلك عشرة أيام وكذلك الحكم اذا
قلنا بصوم أيام منى فلم يصمها واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في وجوب
الدم عليه فعنه عليه دم لأنه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته فلزمه دم
كرمي الجمار ولا فرق بين المؤخر لعذر أو لغيره لما ذكرنا وقال القاضي إنما
يجب الدم إذا أخره لغير عذر فليس عليه إلا قضاؤه لأن الدم الذي هو المبدل
لو أخره لعذر لم يكن عليه دم لتأخيره فالبدل أولى وروي ذلك عن أحمد
(مسألة) وقال أبو الخطاب (إن أخر الصوم أو الهدي لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه
وإن أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر؟ على روايتين) قال وعندي أنه لا
يلزمه من الصوم دم بحال ولا يجب التتابع في الصيام إذا أخر الهدي الواجب
لعذر مثل أن ضاعت نفقته فليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا الواجبة، وإن
أخره لغير عذر ففيه روايتان (إحداهما) ليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا
(والثانية) عليه هدي آخر لأنه نسك موقت فلزمه الدم بتأخيره عن وقته كرمي
الجمار قال أحمد من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين كذلك قال ابن عباس
رضي الله عنه وأما إذا أخر الصوم فقد ذكرنا أنه يجب على الدم إذا كان
تأخيره لغير عذر اختاره القاضي وإن كان لعذر ففيه روايتان، وعن أحمد رواية
ثالثة أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب الشافعي
لأنه صوم واجب يجب القضاء بفواته فلم يجب بفواته دم كصوم رمضان (فصل) ولا
يجب التتابع في صيام التمتع لا في الثلاثة ولا في السبعة ولا في التفريق نص
عليه أحمد رحمه الله لأن الأمر ورد بها مطلقاً وذلك لا يقتضي حجا ولا
تفريقاً وهذا قول الثوري واسحاق وغيرهما وقال بعض الشافعية إذا أخر الثلاثة
وصام السبعة فعليه التفريق لأنه وجب من
(3/336)
حيث الفعل وما وجب التفريق فيه من حيث
الفعل لا يسقط بفوات وقته كأفعال الصلاة من الركوع والسجود ولنا أنه صوم
واجب فعله في زمن يصح الصوم فيه فلم يجب تفريقه كسائر الصوم ولا نسلم وجوب
التفريق في الأداء فإنه إذا صام أيام منى واتبعها السبعة فما حصل التفريق
وإن سلمنا وجوب التفريق في الأداء فإنما كان من حيث الوقت فإذا فات الوقت
سقط كالتفريق بين الصلاتين (فصل) ووقت وجوب الصوم وقت وجوب الهدي لأنه بدل
عنه فأشبه سائر الابدال فإن قيل فكيف جوزتم الانتقال إلى الصوم قبل زوال
وجوب المبدل فلم يتحقق العجز عن المبدل لأنه إنما يتحقق العجز المجوز
للانتقال إلى المبدل زمن الوجوب فكيف جوزتم الصوم قبل وجوبه؟ قلنا إنما
جوزنا له الانتقال إلى المبدل بناء على العجز الظاهر فإن الظاهر من المعسر
استمرار إعساره وعجزه كما
جوزنا التكفير قبل وجوب المبدل وأما تجويز الصوم قبل وجوبه فقد ذكرناه
(مسألة) (ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال
إليه إلا أن يشاء) هذا قول الحسن وقتادة ومالك والشافعي وقال ابن أبي نجيح
وحماد والثوري إن أيسر قبل أن يكمل الثلاثة فعليه الهدي فإن كمل الثلاثة
صام السبعة وقيل متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه صام أو لم يصم
وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصيام قدر على الهدي أو لم يقدر
لأنه قدر على المبدل في زمن وجوبه فلم يجزه البدل كما لو لم يصم ولنا أنه
يصوم دخل فيه لعدم الهدي فإذا وجد الهدي لم يلزمه الخروج إليه كصوم السبعة
وعلى هذا يخرج الأصل الذي قاسوا عليه فانه ما شرع في الصيام فأما إن اختار
الانتقال إلى الهدي جاز لأنه أكمل.
(مسألة) وإن وجب ولم يشرع فهل يلزمه الانتقال؟ على روايتين (إحداهما) لا
يلزمه الانتقال إليه قال في رواية المروذي إذا لم يصم في الحج فليصم إذا
رجع ولا يرجع إلى الدم قد انتقل فرضه إلى الصيام وذلك لأن الصيام استقر في
ذمته لوجوبه حال وجود السبب المتصل بشرطه وهو عدم الهدي.
(والثانية) يلزمه الانتقال إليه قال يعقوب سألت أحمد عن المتمتع إذا لم يصم
قبل يوم النحر قال عليه هديان يبعث بهما إلى مكة أوجب عليه الهدي الأصلي
وهديا لتأخير الصوم عن وقته لأنه قدر على المبدل قبل شروعه في البدل فلزمه
الانتقال إليه كالتيمم إذا وجد الماء
(3/337)
(فصل) ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن
يأتي به لعذر منعه الصوم فلا شئ عليه وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم
عن صوم رمضان لأنه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان (مسألة) (النوع
الثاني المحصر يلزمه الهدي فان لم يجد صام عشرة أيام ثم حل) لا خلاف في
وجوب الهدي على المحصر وقد دل عليه قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من
من الهدي) فان لم يجد الهدي صام عشرة أيام ثم حل قياساً على هدي المتمتع
وليس له التحلل قبل ذلك وفيه اختلاف نذكره في باب الإحصار إن شاء الله
تعالى
(مسألة) (النوع الثالث فدية الوطئ) تجب به بدنة فان لم يجد صام عشرة أيام
ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة رضي الله عنهم به،
وقد ذكرناه في الباب الذي قبله قاله عبد الله ابن عمر وعبد الله بن عمرو
وعبد الله ابن عباس رواه عنهم الأثرم ولم يظهر لهم في الصحابة مخالف فيكون
إجماعاً فيكون بدله مقيساً على بدل دم المتعة، هذا هو الصحيح من المذهب
لأنا إنما أوجبنا البدنة بقول الصحابة رضي الله عنهم فكذلك في بدلها، وقال
القاضي يخرج بدنة فان لم يجد أخرج بقرة فان لم يجد فسبعاً من الغنم فان لم
يجد أخرج بقيمتها طعام فبأيها كفر أجزأه.
وجه قول القاضي يجب بالوطئ بدنه لما ذكرنا من قول الصحابة رضي الله عنهم
فان لم يجد البدنة أخرج بقرة لأنها تساويها في الهدي والأضاحي، وقد روى أبو
الزبير رضي الله عنه قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟ قال وهل
هي إلا من البدن فان لم يجد أخرج سبعاً من الغنم لأنها تقوم مقام البدنة في
الهدي والأضاحي ولما روى ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل
فقال إني علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله
عليه وسلم إن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه وإن لم يجد أخرج
بقيمتها طعاماً فان لم يجد صام عن كل مد يوماً كقولنا في جزاء الصيد على
إحدى الروايتين في أنه لا ينتقل إلى الإطعام مع وجود المثل ولا إلى الصيام
مع القدرة على الإطعام قال شيخنا وظاهر كلام الخرقي أنه مخير في هذه الخمسة
فبايها كفرأجزأه والخرقي إنما صرح بإجزاء سبع من الغنم مع وجود البدنة هكذا
ذكر في كتابه ولعل ذلك نقله بعض الأصحاب عنه في غير كتابه المختصر ووجه
قوله إنها كفارة تجب بفعل محظور فيخير فيها بين الدم والإطعام والصيام
كفدية الاذى (مسألة) (ويجب بالوطئ في الفرج بدنة إن كان في الحج وشاة إن
كان في العمرة) ذكرنا ذلك في باب محظورات الإحرام مفصلا فيم إذا كان الوطئ
قبل التحلل الأول وبعده وذكرناه
(3/338)
الخلاف فيه بما يغني عن إعادته.
(مسألة) (ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة وإن كانت مكرهة فلا فدية
عليها) وقيل عليها كفارة يتحملها الزوج عنها إذا جامع امرأته في الحج وهي
مطاوعة فحكمها حكمه على
كل واحد منهما بدنة إن كان قبل التحلل الأول وممن أوجب عليها بدنة ابن عباس
وسعيد بن المسيب ومالك والحكم وحماد ولأن ابن عباس رضي الله عنه قال: أهد
ناقة، ولانها حدى المتجامعين من غير إكراه فأشبهت الرجل وعنه أنه قال أرجو
أن يجزيهما هدي واحد يروي ذلك عن عطاء وهو مذهب الشافعي لأنه جماع واحد فلم
يوجب أكثر من بدنة كحالة الإكراه، فأما المكرهة على الجماع فلا فدية عليها
ولا على الواطئ أن يفدي عنها نص عليه أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة فلم يوجب
حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام، وهذا قول إسحاق وأبي ثور
وابن المنذر، وعن أحمد رواية أخرى أن عليه أن يهدي عنها وهو قول عطاء ومالك
لأن إفساد الحج وجد منه في حقهما فكان عليه لإفساد حجها هدي كإفساد حجه
وعنه ما يدل على أن الهدي عليها وهو قول أصحاب الرأي لأن فساد الحج ثبت
بالنسبة إليه فكان الهدي عليها كما لو طاوعته ويحتمل أنه أراد أن الهدي
عليه يتحمله الزوج عنها فلا يكون رواية ثالثة.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثالث الدماء الواجبة للفوات أو لترك
واجب أو للمباشرة في غير الفرج فما أوجب منها بدنة فحكمهما حكم البدنة
الواجبة بالوطئ بالفرج وما عداه فقال القاضي ما وجب لترك واجب ملحق بدم
المتعة وما وجب لمباشرة ملحق بفدية الأذى) إذا فاته الحج وجب عليه دم في
أصلح الروايتين وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وكذلك إذا ترك شيئاً من
واجبات الحج كالإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة
وسائر الواجبات المتفق على وجوبها والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين
منصوص عليه ومقيس على المنصوص عليه فالمنصوص عليه فدية الأذى وجزاء الصيد
ودم الإحصار ودم المتعة والبدنة الواجبة بالوطئ في الفرج لقضاء الصحابة رضي
الله عنهم بها وما سوى ذلك مقيس عليه فالبدنة الواجبة بالمباشرة فيما دون
الفرج مقيسة على الواجبة بالوطئ بالفرج لأنه دم وجب بسبب المباشرة أشبه
الواجب بالوطئ في الفرج وهكذا القران يقاس على هدي التمتع لأنه وجب للترفه
بترك أحد السفرين أشبه دم المتعة
(3/339)
ويقاس عليه أيضاً دم الفوات فيجب عليه مثل
دم المتعة وبدله مثل بدله وهو صيام عشرة أيام إلا
أنه لا يمكن أن يكون منها ثلاثة قبل يوم النحر لأن الفوات إنما يكون بفوات
ليلة النحر لأنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه فصار كالتارك لأحد السفرين، فإن
قيل فهلا ألحقتموه بهدي الإحصار فإنه أشبه به إذ هو إحلال من إحرامه قبل
إتمامه؟ قلنا أما الهدي فقد استويا فيه وأما البدل فإن الإحصار ليس بمنصوص
على البدل فيه وإنما ثبت قياساً وقياسه على الأصل المنصوص عليه أولى من
قياسه على فرعه على أن الصيام ههنا مثل الصيام عن دم الإحصار في العدد إلا
أن صيام الإحصار يجب قبل الحل وهذا يجوز قبل الحل وبعده وأما الخرقي فإنه
جعل الصوم عن دم الفوات كالصوم عن جزاء الصيد عن كل مديوما والمروي عن عمر
وابنه رضي الله عنهما مثل ما ذكرنا ويقاس عليه أيضاً كل دم وجب لترك واجب
كترك الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس والمبيت بمزدلفة
وطواف الوداع فالواجب فيه ما استيسر من الهدي فان لم يجد فصيام عشرة أيام
لأن المتمتع ترك الإحرام من الميقات بالحج وكان يقتضي أن يكون واجباً فوجب
عليه الهدي لذلك فقسنا عليه ترك الواجب ويقاس على فدية الأذى ما وجب بفعل
محظور يترفه به كتقليم الأظفار واللبس والطيب وكل استمتاع من النساء يوجب
شاة كالوطئ في العمرة وبعد التحلل الأول في الحج والمباشرة من غير إنزال
فإنه في معنى فدية الأذى من الوجه الذي ذكرناه فيقاس عليه ويلحق به، وقد
قال ابن عباس فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير عليه فدية من صيام
أو صدقة أو نسك، رواه الأثرم (مسألة) (ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه
بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة وعند بدنة) أما إذا أنزل بالمباشرة فإن عليه
بدنة لأنه استمتاع أوجب الغسل فأوجب بدنة كالوطئ في الفرج وإن لم ينزل
فعليه شاة في الصحيح كذلك ذكره الخرقي وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وابن
سيرين والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنها
ملامسة لا تفسد الحج عريت عن الإنزال فلم توجب بدنة كاللمس لغير شهوة وعنه
يجب عليه بدنة.
وقال الحسن فيمن ضرب بيده على فرج جاريته عليه بدنة، وعن سعيد بن جبير إذا
قال منها ما دون الجماع ذبح بقرة لأنها مباشرة محظورة بالإحرام أشبهت ما
اقترن به الإنزال ولنا أنها ملامسة من غير إنزال فأشبهت لمس غير الفرج ويجب
به شاة لما روى الأثرم أن عمر
ابن عبد الله قبل عائشة بنت طلحة محرماً فسأل فأجمع له على أن يهريق دماً
والظاهر أنه لم يكن أنزل لأنه
(3/340)
لم يذكر.
وسواء مذى أو لم يمذ قال سعيد بن جير إن قبل فمذى أو لم يمذ فعليه دم وسائر
اللمس لشهوة كالقبلة فيما ذكرنا لأنه استمتاع يلتذ به كالقبلة.
وقال أحمد رحمه الله فيمن قبض على فرج امرأته وهو محرم فإنه يهريق دماً وبه
قال عطاء لأنه استمتاع محظور في الإحرام أشبه الوطئ فيما دون الفرج (مسألة)
(وإن كرر النظر فانزل أو استمنى فعليه دم هل هو شاة أو بدنة؟ على روايتين
وإن مذى بذلك فعليه شاة) إذا كرر النظر فأنزل ففيه روايتان (إحداهما) عليه
بدنة روى ذلك عن ابن عباس (والثانية) عليه شاة وهو قول سعيد بن جبير وروي
أيضاً عن ابن عباس وقال أبو ثور لا شئ عليه وحكي عن أبي حنيفة والشافعي
لأنه ليس بمباشرة أشبه الفكر ولنا أنه إنزال بفعل محظور فأوجب الفدية
كاللمس وقد روى الأثرم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال له رجل فعل الله
بهذه وفعل أنها تطيبت لي فكلمتني وحدثتني حتى سبقتني الشهوة فقال ابن عباس
تم حجك واهرق دماً.
والاستمناء في معنى تكرار النظر فيقاس عليه فإن كرر النظر فمذى فعليه شاة
وكذلك ذكره أبو الخطاب لأنه جزء من المني لكونه خارجاً بسبب الشهوة ولأنه
حصل به التذاذ فهو كاللمس فإن لم يقترن به مني ولا مذي فلا شئ عليه كرر
النظر أو لم يكرره.
وقد روي عن أحمد فيمن جرد امرأته ولم يكن منه غير التجريد إن عليه شاة وهو
محمول على أنه لمس فإن التجريد لا يخلو عن اللمس ظاهراً أو على أنه أمنى أو
أمذى أما مجرد النظر فلا شئ ففيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر
إلى نسائه وهو محرم وكذلك أصحابه (فصل) فإن نظر ولم يكرر النظر فأمنى فعليه
شاة لأنه فعل يحصل به اللذة أوجب الإنزال أشبه اللمس وإلا فلا شئ عليه لأنه
لا يمكن التحرز عنه أشبه الفكر والاحتلام (مسألة) (فإن فكر فانزل فلا شئ
عليه وحكى ابو حفص البرمكي وابن عقيل أن حكمه حكم تكرار النظر إذا اقترن به
الإنزال في إفساد الصوم)
فيحتمل أن يجب به ههنا دم قياساً عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "
عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم "
متفق عليه ولأنه لانص فيه ولا إجماع ولا يصح قياسه على تكرار النظر لأنه
دونه في استدعاء الشهوة وافضائه إلى الإنزال ويخالفه في التحريم إذا تعلق
بأجنبية أو الكراهة إن كان في زوجته فيبقى على الأصل
(3/341)
(فصل) والعمد والنسيان في الوطئ سواء نص
عليه أحمد وقد ذكرناه فأما القبلة واللمس وتكرار النظر فلم يذكر شيخنا حكم
النسيان فيه في الحج لكن ذكره في مفسدات الصوم وفرق بين العمد والسهو
فينبغي أن يكون ههنا مثله وكذلك ذكره الخرقي والفرق بينهما أن الوطئ لا
يكاد يتطرق النسيان إليه بخلاف ما دونه ولأن الجماع يفسد الصوم بمجردة دون
غيره والجاهل في التحريم والمكره في حكم الناسي لأنه معذور (فصل) قال رضي
الله عنه (ومن كرر محظوراً من جنس مثل أن حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ قبل
التكفير عن الأول فكفارة واحدة وإن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة) إذا
حلق ثم حلق فالواجب فدية واحدة ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني فإن كفر
عن الأول ثم حلق ثانياً فعليه بالثاني كفارة أيضاً وكذلك الحكم فيما إذا
وطئ ثم وطئ أو لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب وكذلك سائر محظورات الإحرام إذا
كررها ما خلا قتل الصيد وسواء فعله متتابعاً أو متفرقاً فإن فعلها مجتمعة
كفعلها متفرقة في وجوب الفدية ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني وعنه أن
لكل وطئ كفارة وإن لم يكفر عن الأول لأنه سبب للكفارة فأوجبها كالأول وعنه
أنه إن كرره لأسباب مثل أن لبس للبرد ثم لبس للحر ثم لبس للمرض فكفارات وإن
كان لسبب واحد فكفارة واحدة وروى عنه الأثرم فيمن لبس قميصاً وجبة وعمامة
وغير ذلك لعلة واحدة فكفارة فإن اعتل فلبس جبة ثم برأ ثم اعتل فلبس جبة
فقال لا هذا عليه كفارتان وقال ابن أبي موسى في الإرشاد إذا لبس وغطى رأسه
متفرقاً وجب عليه دمان وإن كان في وقت واحد فعلى روايتين وعن الشافعي
كقولنا وعنه لا يتداخل وقال مالك
تتداخل كفارة الوطئ دون غيره وقال أبو حنيفة إن كرره في مجلس واحد فكفارة
واحدة وإن كان في مجالس فكفارات وقال في تكرار الوطئ عليه للثاني شاة إلا
أن يفعله في مجلس واحد على وجه الرفض للإحرام ولنا إنما يتداخل إذا كان
متتابعاً يتداخل وإن تفرق كالحدود وكفارات الإيمان ولأن الله تعالى أوجب في
حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو في دفعات والقول بأنه
لا يتداخل لا يصح فإنه إذا حلق لا يمكن إلا شيئاً بعد شئ ولنا على أنه لا
يتداخل إذا كفر عن الأول أنه سبب للكفارة فإذا كفر عن الأول وجب عليه
للثاني كفارة كالإيمان أو نقول سبب يوجب عقوبة فيكرر بتكرره بعد التطهير
كالحدود (مسألة) (وان قتل صيداً بعد صيد فعليه جزاؤهما وعنه عليه جزاء
واحد) إذا قتل صيدين فعليه جزاؤهما سواء قتلهما دفعة واحدة أو واحدة بعد
واحدة، وعن أحمد أنه
(3/342)
يتداخل إذا كان متفرقاً فيجب عليه جزاء
واحد كالمحظورات غير قتل الصيد والصحيح الأول لأن الله تعالى قال (فجزاء
مثل ما قتل من النعم) ومثل الصيدين لا يكون مثل أحدهما ولأنه لو قتل صيدين
دفعة واحدة وجب جزاؤهما فإذا تفرقا كان الوجوب أولى لأن حالة التفريق لا
تنقص عن حالة الاجتماع كسائر المحظورات (مسألة) (وإن فعل محظوراً من أجناس
فعليه لكل واحد فداء وعنه عليه فدية واحدة) إذا فعل محظوراً من أجناس كحلق
ولبس وتطيب ووطئ فعليه لكل واحد فدية سواء فعله مجتمعاً أو متفرقاً، وهذا
مذهب الشافعي.
وعن أحمد أن في الطيب واللبس والحلق فدية واحدة إذا كانا في وقت واحد وان
فعل ذلك واحداً بعد واحد فعليه لكل واحد دم وهو قول إسحاق وقال عطاء وعمر
بن دينار إذا حلق ثم احتاج إلى الطيب أو إلى قلنسوة أو إليهما ففعل ذلك
فليس عليه إلا فدية واحدة وقال الحسن إن لبس القميص وتعمم وتطيب فعل ذلك
جميعاً فليس عليه إلا فدية واحدة ولنا أنها محظورات مختلفة الأجناس فلم
يتداخل جزاؤهما كالحدود المختلفة والإيمان المختلفة وعكسه إذا كانت من جنس
واحد
(مسألة) (وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيداً عامداً أو مخطئاً فعليه
الكفارة وعنه في الصيد لا كفارة عليه إلا في العمد ويتخرج في الحلق مثله)
أما الوطئ فقد ذكرناه وجملته أنه لا فرق بين العمد والخطأ في الحلق
والتقليم ومن له عذر ومن لا عذر له في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي ونحوه
عن الثوري وفيه وجه آخر لافدية على الناسي وهو قول أبي إسحاق وابن المنذر
لقوله عليه السلام " عفي لا متي عن الخطأ والنسيان " ولنا أنه إتلاف فاستوى
عمده وسهوه كإتلاف مال الآدمي ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه
لأذى به وهو معذور فكان تنبيهاً على وجوبها على غير المعذور ودليلاً على
وجوبها على المعذور بنوع آخر كالمحتجم يحلق موضع محاجمه أو شعر شجته وفي
معنى الناسي النائم الذي يقلع شعره أو يصوب رأسه إلى تنور فيحرق اللهب شعره
ونحو ذلك (فصل) وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه أيضاً هذا ظاهر المذهب، وبه
قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال الزهري
على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة وعنه لا كفارة على المخطئ وهو قول
ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر وداود لأن الله تعالى قال (ومن
قتله منكم متعمداً) فيدل بمفهومه على أنه لاجزاء على الخاطئ ولأن الأصل
(3/343)
براءة ذمته فلا تشغلها إلا بدليل ولأنه
محظور بالإحرام لا يفسد به ففرق بين عمده وخطأه كاللبس ووجه الأول قول جابر
رضي الله عنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيد المحرم كبشا
وقال عليه السلام في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه ولم يفرق بين العمد
والخطأ رواهما ابن ماجة ولأنه ضمان إتلاف فاستوى عمده وخطاؤه كمال الآدمي
(مسألة) (وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسياً فلا كفارة فيه وعنه عليه
الكفارة) أما إذا لبس أو تطيب أو غطى رأسه عامداً فإن عليه الفدية بغير
خلاف علمناه لأنه ترفه محظور في إحرامه عامداً فأشبه حلق الشعر ويستوي في
ذلك قليل الطيب وكثيره وقليل اللبس وكثيره، وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة لا يجب الدم الا بتطبيب عضو كامل وفي اللباس بلباس يوم وليلة ولا
شئ فيما دون ذلك لأنه لم يلبس لبساً معتاداً أشبه مالو ائتزر بالقميص ولنا
أنه معنى حصل به الاستمتاع بالمحظور فاعتبر بمجرد الفعل كالوطئ أو محظوراً
فلا يتقدر فديته بالزمن كسائر المحظورات وما ذكروه ممنوع فإن الناس يختلفون
في اللبس في العادة وما ذكروه تقدير والتقديرات بابها التوقيف وتقديرهم
بعضو ويوم وليلة تحكم محض وأما إذا ائتزر بقميص فليس ذلك بلبس مخيط ولذلك
لا يحرم عليه وإن طال والمختلف فيه محرم لبسه (فصل) ويلزمه غسل الطيب وخلع
اللباس لأنه فعل محظور فلزمته إزالته وقطع استدامته كسائر المحظورات
والمستحب أن يستعين في غسل الطيب بحلال لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه وإن
وليه بنفسه فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي عليه طيب " اغسل
عنك الطيب " ولأنه تارك له فإن لم يجد ما يغسله به مسحه بخرقة أو حكه بتراب
أو غيره لأن الذي عليه أن يزيله حسب الإمكان وقد فعله (فصل) فإن كان معه
ماء وهو محتاج إلى الوضوء والماء لا يكفيهما غسل به الطيب وتيمم للحدث لأنه
لا رخصة في إبقاء الطيب وترك الوضوء إلى التيمم رخصة فإن قدر على قطع رائحة
الطيب بغير الماء فعل وتوضأ لأن المقصود من إزالة الطيب قطع رائحة فلا
يتعين الماء والوضوء بخلافه فإن لبس قميصاً وسراويل وعمامة وخفين كفاه فدية
واحدة لأن الجميع لبس فأشبه الطيب في رأسه وبدنه وفيه خلاف ذكرناه فيما مضى
(فصل) فأما إن فعل ذلك ناسياً فلا فدية عليه هذا ظاهر المذهب والجاهل في
معنى الناسي وهذا قول عطاء والثوري وإسحاق وابن المنذر قال أحمد قال سفيان
ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء إذا أتى أهله وإذا أصاب صيدا وإذا حلق
رأسه قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه لانه شئ
(3/344)
لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب
لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب فهذه الثلاثة العمد والخطأ
والنسيان فيه سواء وكل شئ من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده مثل إذا
غطى المحرم رأسه ثم ذكر ألقاه عن رأسه وليس عليه شئ أو لبس خفاً نزعه وليس
عليه شئ وعنه رواية أخرى أن عليه الفدية في كل حال وهو مذهب مالك والليث
وأبي حنيفة لأنه هتك حرمة الإحرام
فاستوى عمده وسهوه كالحلق والتقليم ولنا عموم وقوله عليه السلام " عفي
لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وروى يعلى ابن أمية أن رجلاً
أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق أو
أثر صفرة فقال يارسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال " اخلع عنك هذه
الجبة واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال - أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع
في حجك " متفق عليه وفي لفظ قال يارسول الله أحرمت بالعمرة وعلي هذه الجبة
فلم يأمره بالفدية مع مسألته عما يصنع وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير
جائز دل على أنه عذره لجهله (1) والناسي في معناه.
ولأن الحج عبادة يجب بإفسادها الكفارة فكان في محظوراته ما يفرق فيه بين
عمده وسهوه كالصوم.
وأما الحلق وقتل الصيد فه إتلاف ولا يمكن تلافيه، إذا ثبت ذلك فإنه متى ذكر
فعليه خلع اللباس وغسل الطيب في الحال فإن أخر ذلك عن زمن الإمكان فعليه
الفدية لأنه تطيب وليس من غير عذر فأشبه المبتدئ.
وإن مس طيباً يظنه يابساً فبان رطباً ففيه وجهان (أحدهما) عليه الفدية لأنه
قصد مس الطيب (والثاني) لا فدية عليه لأنه جهل تحريمه فأشبه من جهل تحريم
الطيب.
وإن طيب بإذنه فعليه الفدية لأنه منسوب إليه، فإن قيل: فلم لا يجوز له
استدامة الطيب ههنا كالذي تطيب قبل إحرامه؟ قلنا ذلك فعل مندوب اليه فكان
له استدامته وههنا هو محرم وإنما سقط حكمه بالنسيان والجهل فإذا زالا ظهر
حكمه وإن تعذر عليه إزالته لا كراه أو علة ولم يجد من يزيله فلا فديه عليه
وجرى مجرى المكره على ابتداء الطيب وحكم الجاهل إذا علم حكم الناسي إذا ذكر
وحكم المكره حكم الناسي لأنه مقرون به في الحديث الدال على العفو.
ويستحب له أن يلبي إذا فعل ذلك استذكاراً للحج واستشعاراً بإقامته عليه
ورجوعه إليه، ويروى هذا القول عن إبراهيم النخعي وقد ذكره الخرقي (مسألة)
(ومن رفض إحرامه ثم فعل محظوراً فعليه فداؤه) وجملة ذلك أن التحلل من الحج
لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء كمال أفعاله أو التحلل عند الحصر أو بالعذر
إذا شرط وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به ولو نوى التحلل لم يحل ولا يفسد
الإحرام برفضه لأنها عبادة لا يخرج منها بالفساد فلم يخرج برفضها بخلاف
سائر العبادات، ويكون الإحرام
(3/345)
باقياً في حقه يلزمه أحكامه ويلزمه جزاء كل
جناية جناها، وإن وطئ أفسد حجه وعليه لذلك بدنة مع ما وجب عليه من الدماء
سواء كان الوطئ قبل الجنايات أو بعدها فإن الجناية على الإحرام الفاسد
كالجناية على الإحرام الصحيح وليس عليه لرفض الاحرام شئ لأنه مجرد نية لم
تؤئر شيئاً (مسألة) (ومن تطيب قبل إحرامه في بدنة فله استدامة ذلك في
إحرامه وليس له لبس ثوب مطيب) يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنة
خاصة وقد ذكرناه في باب الإحرام وله استدامة الطيب في إحرامه قالت عائشة
رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم
وقالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
محرم.
متفق عليه وفي لفظ للنسائي: كأني أنظر إلى وبيص طيب المسك في مفرق رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة
فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها
فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها.
رواه أبو داود (فصل) وليس له لبس مطيب بعد إحرامه بغير خلاف لقوله رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا
الورس " متفق عليه فإن لبس ثوباً مطيباً ثم أحرم فله استدامة لبسه ما لم
ينزعه فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه فإن فعل فعليه الفدية لأن الإحرام يمنع
ابتداء الطيب ولبس المطيب دون استدامته وقد ذكرناه والله تعالى أعلم
(مسألة) (وإن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه فإن استدام لبسه فعليه الفدية)
إذا أحرم وعليه قميص أو سراويل أو جبة خلعه ولم يشقه ولا فدية عليه، وبه
قال أكثر أهل العلم وقال بعضهم أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع
القميص منه ولنا ما ذكرناه من حديث يعلى بن أمية أن رجلاً أتى النبي صلى
الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فقال يارسول الله أحرمت بالعمرة وعلي هذه
الجبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها ولو وجب شقها أو وجبت عليه
فدية لأمره بها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فإن استدام لبسه
فعليه الفدية لأن خلعه واجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنه محظور
من محظورات الإحرام فوجب عليه دم لفعله كما لو حلق رأسه (مسألة) (وإن لبس
ثوبا مطيبا فانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه الماء فاح
ريحه فعليه الفدية) لأنه مطيب بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء والماء لا
رائحة له وإنما هو من الطيب الذي فيه فلزمته الفدية كما لو ظهرت بنفسها
(فصل) قال رحمه الله (وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إذا قدر على
إيصاله إليهم إلا
(3/346)
فدية الأذى واللبس ونحوها إذا وجد سببها في
الحل فيفرقها حيث وجد سببها ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر) الهدايا والضحايا
مختصه بمساكين الحرم لقوله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) وكذلك جزاء
المحظورات إذا فعلها في الحرم نص عليه أحمد رحمه الله فقال أما إذا كان
بمكة أو كان من الصيد فكله بمكة لأن الله تعالى قال (هدايا بالغ الكعبة)
وذكر القاضي في قتل الصيد رواية أخرى أنه يفدي حيث قتله كحلق الرأس وهذا
يخالف نص الكتاب ومنصوص أحمد فلا يعول عليه وما وجب لترك نسك أو فوات فهو
لمساكين الحرم دون غيرهم لأنه هدي وجب لترك نسك أشبه دم القران وقال ابن
عقيل فيمن فعل المحظور لغير سبب يبيحه أنه يختص ذبحه وتفرقه لحمه بفقراء
الحرم كسائر الهدي (فصل) وما وجب نحره بالحرم جب تفرقه لحمه به، وبهذا قال
الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة إذا ذبحها في الحرم جاز تفرقه لحمها في الحل
ولنا أنه أحد مقصودي النسك فاختص بالحرم كالذبح ولأن المقصود من ذبحه
بالحرم التوسعة على مساكينه ولا يحصل بإعطائه غيرهم والطعام كالهدي في
اختصاصه بفقراء الحرم فيما يختص الهدي به، وقال عطاء والنخعي الهدي بمكة
وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء ويقتضيه مذهب مالك وأبي حنيفة ولنا قول
ابن عباس رضي الله عنهما الهدي والإطعام بمكة والصوم حيث شاء ولأنه نسك
يتعدى نفعه إلى المساكين فاختص بالحرم كالهدي (فصل) ومساكين الحرم من كان
فيه من أهله ومن رود إليه من الحاج وغيرهم وهم الذين تدفع إليهم الزكاة
لخاصتهم فإن دفع إلى فقير في ظنه فبان غنيا خرج فيه وجهان كالزكاة وللشافعي
فيه قولان وما جاز تفرقته بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة، وبه
قال الشافعي وأبو ثور وجوزه أصحاب الرأي ولنا أنه كافر فلم يجز الدفع إليه
كالحربي
(فصل) فإن عجز عن إيصاله إلى فقراء الحرم جاز ذبحه وتفريقه في غيره لقوله
سبحانه (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فإن منع الناذر الوصول بنفسه وأمكنه
تنفيذه لزمه وقال ابن عقيل يخرج في الهدي المنذور إذا عجز عن إيصاله
روايتان كدماء الحج والصحيح الجواز (فصل) فأما فدية الأذى إذا وجد سببها في
الحل فيجوز في الموضع الذي حلق فيه نص عليه أحمد، وقال الشافعي: لا يجوز
إلا في الحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) ولنا أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية وهي من الحل ولم يأمره ببعثه إلى
الحرم، وروي الاثرم والجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد الله بن
جعفر رضي الله
(3/347)
عنهما قال: كنت مع عثمان وعلي وحسين بن علي
رضي الله عنهم حجابا فاشتكى حسين بن علي بالسقيا فأومأ بيده إلى رأسه فحلقه
علي ونحر عنه جزورا بالسقيا وهذا لفظ رواية الأثرم ولم يعرف لهم مخالف
والآية وردت في الهدي وحكم اللبس والطيب حكم الحلق إذا وجد في الحل ذكره
القاضي قياساً عليه وقال فيه وفي الحلق روايتان (إحداهما) يفدي حيث وجد
سببه والثانية محل الجميع الحرم حكاهما ابن أبي موسى في الإرشاد (فصل) فأما
دم الإحصار فيخرجه حيث أحصر من حل أو حرم نص عيه أحمد وهو قول مالك
والشافعي فإن كان قادراً على أطراف الحرم ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه نحره
فيه لأن الحرم كله منحر وقد قدر عليه (والثاني) ينحره في موضعه لأن النبي
صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه وعن أحمد رحمه الله ليس للمحصر نحر
هديه إلا في الحرم فيبعثه إلى الحرم ويواطئ رجلاً على نحره في وقت يتحلل
وهذا يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فيمن لدغ في الطريق وروى ذلك كعن
الحسن والشعبي وعطاء لأنه أمكنه النحر في الحرم أشبه مالو حصر فيه قال
شيخنا وهذا والله أعلم فيمن كان حصره خاصاً أما الحصر العام فلا ينبغي أن
يقوله أحد لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدزي إلى محله ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحروا هداياهم بالحديبية وهي من الحل
قال البخاري ومال أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا وحلوا من كل
شئ قبل الطواف وقبل أن يصل
الهدي إلى البيت ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً أن يقضي
شيئاً ولا أن يعود له ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند
الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان وهي من الحل باتفاق أهل السير والنقل
وقد دل عليه قوله سبحانه (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) ولأنه موضع حله فكان
موضع نحره كالحرم فإن قيل فقد قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ
الهدي محله) وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولأنه ذبح يتعلق بالإحرام
فلم يجز في غير الحرم كجزاء الصيد قلنا الآية في حق غير المحصر ولا يمكن
قياس المحصر عليه لأن تحلل المحصر في الحل وتحلل غيره في الحرم وكل منهما
ينحر في موضع تحلله وقد قيل في قوله تعالى (حتى يبلغ الهدي محله) أي حتى
يذبح وذبحه في حق المحصر في موضع حله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
(مسألة) (وأما الصيام فيجزئه بكل مكان) لا نعلم فيه خلافاً كذلك قال ابن
عباس وعطاء والنخعي وغيرهم وذلك لأن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد فلا معنى
لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي والإطعام فإن نفعه يتعدى إلى المعطى والله تعالى
أعلم (مسألة) (وكل دم ذكرنا يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة ومن وجبت عليه بدنة
أجزأته بقرة)
(3/348)
كل من وجب عليه دم أجزأه ذبح شاة أو سبع
بدنة أو بقرة لقوله سبحانه في المتمتع (فما استيسر من الهدي) قال ابن عباس
رضي الله عنهما شاة أو شرك في دم (1) وقال تعالى في فدية الأذى (ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك) وفسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة
بذبح شاة وما سوى هذين مقيس عليهما فإن اختار ذبح بدنة فهو أفضل لأنها أوفر
لحماً وأنفع للفقراء وهل تكون كلها واجبة؟ فيه وجهان (أحدهما) تكون واجبة
اختاره ابن عقيل لأنه اختار الا على لأداء فرضه فكان كله واجباً كما لو
اختار إلا على من خصال الكفارة (والثاني) يكون سبعها واجباً والباقي تطوع
له أكله وهديته لأن الزائد على السبع يجوز تركه من غير شرط ولا بدل أشبه
مالو ذبح سبع شياه (فصل) ولا يجزئه إلا الجذع من الضأن والثني من غيره
والجذع ماله ستة أشهر والثني من المعز ماله سنة ومن البقر ماله سنتان ومن
الإبل ماله خمس سنين وبه قال مالك والليث والشافعي واسحاق
وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال ابن عمر والزهري لا يجزئ إلا الثني من كل شئ.
وقال عطاء والاوزاعي يجزي، الجذع من الكل إلا المعز ولنا على الزهري ماروي
عن أم هلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يجوز
الجذع من الضأن أضحية " وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال كنا مع رجل من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له مجاشع بن سليم فعزب الغنم فأمر
منادياً فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " إن الجذع يوفي
مما توفي منه الثنية " رواهما ابن ماجة وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا
جذعاً من الضأن " رواه مسلم وهذا حجة على عطاء والاوزاعي، وحديث أبي بردة
بن نيار قال يارسول الله إن عندي عناقاً جذعا هي خبر من شاتي لحم قال "
تجزئك ولا تجزئ أحداً بعدك " رواه أبو داود والنسائي.
ولا يجزئ فيها المعيب الذي يمنع من الاجزاء في الهدي والأضاحي قياسها عليها
(فصل) ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة) إذا كان في غير النذر وجزاء الصيد
لما روى أبو الزبير عن جابر قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟
قال وهل هي إلا من البدن؟ رواه مسلم فأما في النذر فقال ابن عقيل يلزمه ما
نواه فإن أطلق ففيه روايتان (إحداهما) هو مخير لما ذكرنا من الخبر
(والأخرى) لا تجزئه إلا مع عدم البدنة وهو قول الشافعي لأنها بدل فاشترط
عدم المبدل لها قال شيخنا والأولى أولى للخبر ولأن ما أجزأ عن سبعة في
الهدايا ودم المتعة أجزأ في النذر بلفظ البدنة كالجزور، وإن كان في جزاء
الصيد أجزأت أيضاً لحديث جابر اختاره شيخنا.
ويحتمل أن لا تجزئ لأن البقرة لا تشبه النعامة.
ومن وجبت علية بدنة أجزأه سبع من الغنم ذكره الخرقي سواء
(3/349)
كانت من جزاء الصيد أو منذورة أو فدية
الوطئ.
وقال ابن عقيل إنها تجزئ عنها عند عدمها في ظاهر كلام أحمد رحمه الله لأنه
بدل فلا يصار إليه مع وجودها كسائر الإبدال، فأما عند عدمها فيجوز لما روى
ابن عباس رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال إن علي
بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن
يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه.
وعنه لا يجزئه أقل
من عشر شياه لانهم كانا يعدلونها في الغنيمة بعشر كذلك.
هذا والأول أولى للخبر ولنا أن الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحماً فإذا
عدل إلى الأعلى أجزأه كما لو ذبح عن الشاة بدنة (فصل) ومن وجبت عليه سبع من
الغنم أجزأته بدنة أو بقرة إن كان في كفارة محظور لأن الواجب فيه ما استيسر
من الهدي وهو شاة أو سبع بدنة وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتمتعون فيذبحون البقرة عن سبعة.
قال جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل
سبع منا في بدنة.
رواه مسلم.
فأما ان وجب عليه سبع من الغنم في جزاء الصيد فقال شيخنا لاتجزئه البدنة في
الظاهر لأن الغنم أطيب لحماً فلا يعدل عن الأعلى إلى الأدنى (فصل) ومن وجبت
عليه بقرة أجزأته بدنة لأنها أكثر لحماً وأوفر.
ويجزئه سبع من الغنم إذا قلنا يجزئ عن البدنة بطريق الأولى وإن كانت البقرة
منذورة احتمل على ما حكاه ابن عقيل أن لا تجزئه سبع من الغنم مع وجودها كما
لو كان المنذور بدنة والله تعالى أعلم * باب جزاء الصيد * (وهو ضربان
(أحدهما) له مثل من النعم فيجب مثله وهو نوعان (أحدهما) قضت فيه الصحابة
ففيه ما قضت) .
يجب على المحرم الجزاء يقتل صيد البر بمثله من النعم إن كان له مثل هذا قول
أكثر أهل العلم منهم الشافعي.
وقال أبو حنيفة الواجب القيمة ويجوز صرفها إلى المثل لأن الصيد ليس بمثلي
ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وجعل النبي صلى الله عليه
وسلم في الضبع كبشاً وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على إيجاب المثل فقال عمر
وعلي وعثمان وزيد وابن عباس ومعاوية في النعامة بدنة، وحكم عمر وعلي في
الظبي بشاة وحكم عمر في حمار الوحش ببقرة حكموا بذلك في الأزمنة المختلفة
والبلدان المتفرقة فدل على أن ذلك ليس على وجه القيمة لأنه لو كان على وجه
القيمة لاعتبروا صفة المتلف التي تختلف القيمة فيه إما برؤية أو اخبار ولم
ينقل عنهم السؤال عن ذلك حال الحكم ولانهم حكموا في الحمام بشاة والحمامة
لا تبلغ قيمة الشاة غالباً.
إذا ثبت هذا فليس المراد حقيقة المماثلة فإنها لا تتحقق بين الأنعام والصيد
لكن أريد المماثلة من حيث الصورة، والمثلي من الصيد قسمان (أحدهما) قضت فيه
(3/350)
الصحابة فيجب فيه ما قضت وبه قال عطاء
والشافعي وإسحاق.
وقال مالك يستأنف الحكم فيه لأن الله تعالى قال (يحكم به ذواعدل منكم) ولنا
قول النبي صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم "
(1) وقال " اقتداو بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (2) ولأنهم أقرب الى الصواب
وأبصر بالعلم فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي فالذي؟؟ فيه
النعامة حكم فيها عمر وعلي وعثمان وزيد وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم
ببدنة.
وبه قال عطاء ومالك والشافعي وأكثر العلماء، وحكي عن النخعي إن فيها قيمتها
وبه قال أبو حنيفة وخالفه في ذلك صاحباه واتباع النص والآثار أولى، ولأن
النعامة تشبه البعير في خلقه فكان مثلاً لها فيدخل في عموم النص وفي حمار
الوحش بقرة روى ذلك عن عمر وبه قال عروة ومجاهد والشافعي وعن أحمد فيه بدنة
روى ذلك عن أبي عبيدة وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي وفي بقرة الوحش بقرة
روى ذلك عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي، والإيل فيه بقرة قاله
ابن عباس، قال أصحابنا في الثيتل والوعل بقرة كالايل، والاروي فيه بقرة
قاله ابن عمر وقال القاضي فيها عضب وهو من أولاد البقر ما بلغ أن يعتص على
قرن ولم يبلغ أن يكون ثوراً، وفي الضبع كبش لما روى أبو داود عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشاً، قال أحمد حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش وقضى به عمر وابن عباس وبه قال
عطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال الأوزاعي كان العلماء بالشام
يعدونها من السباع ويكرهون أكلها وهو القياس إلا أن اتباع السنة والآثار
أولى، وفي الغزال شاة ثبت ذلك عن عمر وروي عن علي وبه قال عطاء وعروة
والشافعي وابن المنذر ولا يحفظ عن غيرهم خلافهم وقد روى جابر عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال " في الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة "
قال ابن الزبير والجفرة التي قد فطست ورعت، رواه الدارقطني، وفي الثعلب شاة
أيضاً لأنه يشبه الغزال وممن قال فيه الجزاء قتادة وطاوس ومالك والشافعي
وعن أحمد لا شئ فيه لأنه سبع، وأما الوبر فقال القاضي فيه جفرة لأنه ليس
بأكبر منها وهو قول الشافعي وقيل فيه شاة روى ذلك عن مجاهد وعطاء، وفي الضب
جدي قضى به عمر وزيد وبه قال الشافعي وعن أحمد فيه شاة لأن جابر بن عبد
الله وعطاء قالا فيه ذلك، وقال مجاهد حفنة من طعام
والأولى أولى لأن قضاء عمر أولى من قضاء غيره والجدي أقرب إليه من الشاة،
وفي اليربوع جفرة لما ذكرنا من حديث جابر وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وبه
قال عطاء والشافعي وأبو ثور وقال النخعي ثمنه وقال مالك قيمته من الطعام
وقال عمرو بن دينار ما سمعنا أن الضب واليربوع يوديان
(3/351)
واتباع الآثار أولى والجفرة يكون لها أربعة
أشهر من المعز وقال أبو الزبير هي التي فطمت ورعت وقيل هي الطفلة التي يروح
بها الراعي على يديه، وفي الأرنب عناق لما ذكرنا من حديث جابر وقضى به عمر
أيضاً وبه قال الشافعي وقال ابن عباس فيه حمل وقال عطاء فيه شاة وقضاء عمر
أولى والعناق الأنثى من أولاد المعز أصغر من الجفرة، والذكر جدي وفي الحمام
وهو كل ماعب وهدر شاة حكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن
الحارث في حمام الحرم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي
واسحاق وقال أبو حنيفة ومالك فيه قيمته إلا أن مالكا وافق في حمام الحرم
دون الإحرام لأن القياس يقتضي القيمة في كل الطير تركناه في حمام الحرم
بحكم الصحابة ففيما عداه يبقى على الأصل قلنا قد روي عن ابن عباس في الحمام
في حال الإحرام كقولنا ولأنها حمامة مضمونة لحق الله تعالى فضمنت بشاة
كحمامة الحرم ولأنها متى كانت الشاة مثلاً لها في الحرم فكذلك في الحل فيجب
ضمانها لقول الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقياس الحمام على جنسه
أولى من قياسه على غيره، والحمام كل ماعب الماء أي وضع منقاره فيه فيكرع
كما تكرع الشاة ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير وإنما أوجبوا فيه شاة
لشبهه بها في كرع الماء ولا يشرب كشرب بقية الطيور قال أحمد في رواية ابن
القاسم وسندي كل طير يعب الماء يشرب مثل الحمام ففيه شاة فيدخل فيه الفواخت
والدواشين والسفاهين والقمري والدسبي والقطا.
ولأن كل واحد منها تسميه العرب حماماً، وقال الكسائي كل مطوق حمام وعلى هذا
القول الحجل حمام لأنه مطوق (مسألة) (النوع الثاني) ما لم تقض فيه الصحابة
فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة ويجوز أن يكون القاتل أحدهما) وذلك
لقول الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) فيحكمان فيه بأشبه الأشياء به من
النعم من
حيث الخلقة لا من حيث القيمة بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في
القيمة وليس من شرط الحكم أن يكون فقيهاً لأن ذلك زيادة على أمر الله تعالى
به وقد أمر عمر أربد أن يحكم في الضب ولم يسأله أفقيه أم لا لكن تعتبر
العدالة لأنها منصوص عليها، وتعتبر الخبرة لأنه لا يتمكن من الحكم بالمثل
إلا من له خبرة ولأن الخبرة بما يحكم به شرط في سائر الحكام، ويجوز أن يكون
القاتل أحد العدلين وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال مالك والنخعي
ليس له ذلك لأن الانسان لا يحكم لنفسه وكذلك يجوز أن يكون الحاكمان
القاتلين وبه قال الشافعي وقال مالك لا يجوز حكاه أبو الحسين ولنا عموم
قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا وقد روى
الشافعي في مسنده عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجاً فأوطأ رجل منا قال له
أربد ضباً ففقر ظهره فقدمنا
(3/352)
على عمر رضي الله عنه فسأله أربد فقال احكم
يا أربد فيه قال أنت خير مني يا أمير المؤمنين قال إنما أمرتك أن تحكم ولم
آمرك أن تزكيني فقال أربد أرى فيه جدياً قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذلك
فيه، فأمره عمر أن يحكم وهو القاتل وأمر أيضا كعب الأحبار أن يحكم على نفسه
في الجرادتين اللتين صادهما وهو محرم ولأنه مال يخرج في حق الله تعالى فجاز
أن يكون من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة، قال ابن عقيل إنما يحكم القاتل إذا
قتل خطأ لأن القتل عمداً ينافي العدالة فيخرج عن أن يكون قد قتله جاهلاً
بالتحريم فلا يمتنع أن يحكم لأنه لا يفسق بذلك والله أعلم.
وعلى قياس ذلك إذا قتله عند الحاجة إلى أكله لأن قتله مباح لكن يجب فيه
الجزاء (مسألة) (ويجب في كل واحد من الصغير والكبير والصحيح والمعيب مثله
إلا الماخض تفدى بقيمة مثلها وقال أبو الخطاب يجب فيها مثلها) يجب في كبير
الصيد كبير مثله وفي الصغير صغير وفي الصحيح صحيح وفي المعيب معيب وفي
الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك لا يجزئ إلا كبير
صحيح لأن الله تعالى قال (هديا بالغ الكعبة) ولا يجزئ في الهدي صغير ولا
معيب ولأنها كفارة متعلقة بقتل حيوان فلم تختلف بصغره وكبره كقتل لآدمي
ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومثل الصغير صغير ومثل المعيب
معيب ولأن ما ضمن باليد والجناية اختلف ضمانه بالصغر والكبر كالبهيمة،
والهدي في الآية مقيد بالمثل، وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على ايجاب
مالا يصلح هديا كالجفرة والعناق والجدي.
وكفارة الآدمي ليست بدلاً عنه ولا تجري مجرى الضمان بدليل أنها لا تتبعض في
أبعاضه فإن فدى المعيب بصحيح فهو أفضل فأما الماخض وهي الحامل فقال القاضي
يضمنها بقيمة مثلها، وهو مذهب الشافعي لأن قيمتها أكثر من قيمة لحمها وقال
أبو الخطاب يضمنها بما خض مثلها للآية ولأن إيجاب القيمة عدول عن المثل مع
إمكانه فان فداها بغير ماخض احتمل الجواز لأن هذه الصفة لا تزيد في لحمها
بل ربما نقصتها فلا يشترط وجودها في المثل كاللون وإن جني على ماخض فأتلف
جنينها وخرج ميتاً ففيه ما نقصت أمه كما لو جرحها وإن خرج حياً لوقت يعيش
لمثله ثم مات ضمنه بمثله وإن كان لوقت لا يعيش لمثله فهو كالميت كجنين
الآدمية (مسألة) (ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى وفداء الذكر
بالانثى وفي فدائها به وجهان) إذا فدى المعيب بمثله جاز لما ذكرنا وإن
اختلف العيب مثل فداء الأعور بأعرج والأعرج بأعور لم يجز لعدم المماثلة وإن
فدى أعور من إحدى العينين بأعور من أخرى أو أعرج بقائمة بأعرج من أخرى
(3/353)
جاز لأن هذا اختلاف يسير ونوع العيب واحد
وإنما اختلف محله وإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأن لحمها أطيب وأرطب وإن
فداها به ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لأن لحمه أوفر فتساويا والآخر لا يجوز
لأن زيادته عليها ليست من جنس زيادتها فاشبه فداء المعيب من نوع بالمعيب من
نوع آخر ولأنه لا يجزئ عنها في الزكاة كذلك ههنا (مسألة) (الضرب الثاني)
مالا مثل له وهو سائر الطير فيجب فيه قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام فهل
يجب فيه قيمته أو شاة؟ على وجهين) يجب فداء مالا مثل له بقيمته في موضعه
الذي أتلفه فيه كإتلاف فصال الآدمي ولا خلاف بين أهل العلم في وجوب ضمان
الصيد من الطير إلا ما حكي عن داود ماكان أصغر من الحمام لا يضمن لأن
الله تعالى قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وهذا لا مثل له ولنا عموم قوله
تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقد قيل في قوله تعالى (ليبلونكم الله
بشئ من الصيد تناله أيديكم) يعني الفرخ والبيض ومالا يقدر أن يفر من صغار
الصيد (ورماحكم) يعني الكبار، وقد روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما
أنهما حكما في الجراد الجزاء ودلالة الآية على وجوب جزاء غيره لا يمنع من
وجوب الجزاء في هذا بدليل آخر ويفدى بقيمته لأن الأصل أن يضمن بقيمته كما
لو أتلفه الآدمي لكن تركنا هذا الأصل لدليل ففيما عداه تجب القيمة بقضية
الأصل.
(فصل) فأما ماكان أكبر من الحمام كالأوز والحبارى والكركي والحجل والكبير
من طير الماء ففيه وجهان (أحدهما) يجب فيه شاة لأنه يروي عن ابن عباس وعطاء
وجابر أنهم قالوا في الحجلة والقطاة والحبارى شاة وزاد عطاء في الكركي
والكروان وابن الماء ودجاجة الحبش والماء والخرب شاة شاة والخرب هو فرخ
الحبارى ولأن إيجاب الشاة في الحمام تنبيه على إيجابها فيما هو أكبر منه
(والوجه الثاني) فيه قيمته وهو مذهب الشافعي لأن القياس يقتضي وجوبها في
جميع الطير تركناه في الحمام لإجماع الصحابة ففي غيره يبقى على أصل القياس
(مسألة) (ومن أتلف جزءاً من صيد فعليه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله إن كان
مثلياً) أما مالا مثل له فإذا أتلف جزءاً منه ضمنه بقيمته لأن جملته تضمن
بقيمته فكذلك اجزاؤه كما لو كان لآدمي وإن كان له مثل ففيه وجهان (أحدهما)
يضمن بمثله من مثله لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعضه مثله
كالمكيلات والآخر تجب قيمة مقداره من مثله لأن الجزء يشق إخراجه فيمنع
إيجابه ولهذا عدل الشارع عن
(3/354)
إيجاب جزء من بعير في خمس من الإبل إلى
إيجاب شاة والأول أولى لأن المشقة ههنا غير ثابتة لوجود الخبرة له في
العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فينتفي المانع فيثبت مقتضى
الأصل هذا إذا اندمل الصيد ممتنعاً.
(مسألة) (وإذا نفر صيداً فتلف بشئ ضمنه) إذا نفر صيداً فتلف في حال نفوره
ضمنه وكذلك أن جرح صيداً فتحامل إن وقع في شئ تلف به لأنه تلف بسببه فإن
نفره فسكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف لم يضمنه وفيه وجه آخر أنه يضمنه
إذا تلف في المكان الذي انتقل إليه لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه دخل
دار الندوة فالقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام
فأطاره فوقع على واقف آخر فانتهزته حية فقتلته فقال لعثمان ونافع بن الحارث
إني وجدت في نفسي أني اطرته من منزل كان فيه آمنا إلى موقع كان فيه حية
فقال نافع لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء يحكم بها على أمير المؤمنين؟
فقال عثمان أرى ذلك فأمر بها عمر رضي الله عنه رواه الشافعي في مسنده
(مسألة) (وان جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه وكذلك إن وجد ميتاً
ولم يعلم موته بجنايته وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه) وإذا جرح
صيداً فغاب غير مندمل والجراحة موجبة لا تبقى الحياة معها غالباً فعليه
جزاء جميعه كما لو قتله وإن كانت غير موجبة فعليه ضمان ما نقص لأنا لا نعلم
حصول التلف بفعله إلا أنه يقومه صحيحاً وجريحاً جراحة غير مندملة فيعتبر ما
بينهما لأنا لا نعلم هل يندمل أم لاوكذلك إن وجده ميتاً ولم يعلم أمات من
الجناية أم من غيرها لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه ضمان جميعه ههنا لأنه وجد
سبب إتلافه منه ولم نعلم سبباً آخر فوجب إحالته على السبب المعلوم كما لو
وقع في الماء نجاسة فوجده متغيراً تغيراً يصلح أن يكون منها فانا نحكم
بنجاسته وكذلك لو رمى صيداً فغاب عن عينه ثم وجده ميتاً لا أثر به غير سهمه
حل أكله وهذا أقيس.
(فصل) وإن اندمل الصيد غير ممتنع ضمنه جميعه لأنه عطله فصار كالتالف ولأنه
يفضي إلى تلفه فصار كما لو جرحه جرحا يتيقن موته به، وهذا مذهب أبي حنيفة
ويتخرج أن يضمنه بما نقص لأنه لا يضمن إلا ما أتلف ولم يتلف جميعه بدليل
مالو قتله محرم لزمه الجزاء والصحيح أن على المشتركين جزاء واحداً وضمانه
بجزاء كامل يفضي الى إيجاب جزاءين وإن صيرته الجناية غير ممتنع فلم يعلم
أصار ممتنعاً أم لا فعليه ضمانه لأن الأصل عدم الامتناع
(فصل) وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد من مباشرة أو سبب وكذلك ما جنت
دابته بيدها او فمها فأتلفت صيداً فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها
وما جنت برجلها فلا ضمان فيه
(3/355)
وقال القاضي يضمن السائق جميع جنايتها لأن
يده عليها ويشاهد رجلها، وقال ابن عقيل لا ضمان في الرجل لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " الرجل جبار " وإن انفلتت فأتلفت صيداً لم يضمنه لأنه لا
يدله عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " العجماء جبار " ولذلك لو
أتلفت آدمياً لم يضمنه ولو نصب شبكة أو حفر بئراً فوقع فيها صيد ضمنه لأنه
بسببه كما يضمن الآدمي إلا أن يكون حفر البئر بحق كحفرة في داره أو في طريق
واسع ينتفع بها المسلمون فينبغي أن لا يضمن كالآدمي وإن نصب شبكة قبل
إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه لم يضمنه لأنه لم يوجد منه بعد إحرامه
تسبب إلى إتلافه أشبه مالو صاده قبل إحرامه وتركه في منزله فتلف بعد إحرامه
(مسألة) (وإن نتف ريشه فعاد فلا شئ عليه وقيل عليه قيمة الريش) إذا نتف ريش
طائر ثم حفظه فأطعمه وسقاه حتى عاد ريشه فلا ضمان عليه لأن النقص زال وقيل
عليه قيمة الريش لأن الثاني غير الأول فإن صار غير ممتنع بنتف ريشه فهو
كالجرح وقد ذكرناه وإن غاب ففيه ما نقص، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأوجب
مالك وأبو حنيفة فيه الجزاء جميعه ولنا أنه نقص يمكن زواله فلا يضمنه
بكماله كما لو جرحه ولم يعلم حاله (مسألة) (وكلما قتل صيداً حكم عليه) يعني
يجب الجزاء بقتل الصيد الثاني كما يجب إذا قتله ابتداء هذا ظاهر المذهب قال
أبو بكر وهذا أولى القولين بأبي عبد الله، وبه قال عطاء والثوري والشافعي
واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وفيه رواية ثانية أنه لا يجب إلا في المرة
الأولى وروي ذلك عن ابن عباس.
وبه قال شريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة لأن الله تعالى
قال (ومن عاد فينتقم الله منه) ولم يوجب جزاء وفيه رواية ثالثة أن كفر عن
الأول فعليه للثاني كفارة وإلا فلا وقد ذكرناها ولنا أنها كفارة عن قتل
فاستوى فيها المبتدي والعائد كقتل الآدمي، ولأنها بدل متلف يجب
به المثل أو القيمة فأشبه بدل مال الآدمي.
قال أحمد روي عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ وفيمن قتل ولم يسألوه هل
كان قبل هذا قتل أو لا والآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها، وذكر
العقوبة في الثاني لايمنع الوجوب كما قال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون) وقد ثبت ان العائد لو انتهى كان له ما سلف وأمره إلى الله (فصل)
ويجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته.
نص عليه أحمد رحمه الله لأنها كفارة قتل فجاز تقديمها على الموت ككفارة قتل
الآدمي، ولأنها كفارة أشبهت كفارة الظهار واليمين
(3/356)
(مسألة) (وإن اشترك جماعة في قتل صيد
فعليهم جزاء واحد، وعنه على كل واحد جزاء، وعنه إن كفروا بالمال فكفارة
واحدة، وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة) روي عن أحمد رحمه الله في
هذه المسألة ثلاث روايات (إحداهن) أن الواجب جزاء واحد وهو الصحيح.
يروى هذا عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء
والزهري والنخعي والشعبي والشافعي واسحاق (والثانية) على كل واحد جزاء
ذكرها ابن أبي موسى اختارها أبو بكر، وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة،
ويروى عن الحسن لأنها كفارة قتل يدخلها الصوم أشبهت كفارة قتل الآدمي
(والثالثة) إن كان صوماً فعلى كل واحد منهم صوم تام، وإن كان غيره فجزاء
واحد، وإن أهدى أحدهما أو أطعم وصام الآخر فعلى المهدي بحصته، وعلى الآخر
صيام تام لأن الجزاء ليس بكفارة، وإنما هو بدل بدليل أن الله تعالى عطف
عليه الكفارة فقال (فجزاء مثل ما قتل من النعم..أو كفارة) والصيام كفارة
فيكمل ككفارة قتل الآدمي ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم)
والجماعة إنما قتلوا صيدا فلزمهم مثله، والزائد خارج عن المثل، فلا يجب،
ومتى ثبت اتحاد الجزاء في الهدي وجب اتحاده في الصيام لأن الله تعالى قال
(أو عدل ذلك صياما) والاتفاق حاصل على أنه معدول بالقيمة إما قيمة المتلف
أو قيمة مثله
فإيجاب الزائد على عدل القيمة خلاف النص، ولأنه قول من سمينا من الصحابة
ولم نعرف لهم مخالفاً ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه فكان واحداً
كالدية، وكفارة الآدمي لنا فيها منع فلا تتبعض في إبعاضه ولا تختلف
باختلافه، فلم يتبعض على الجماعة بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن كان شريك المحرم
حلالاً أو سبعاً فالجزاء كله على المحرم في أحد الوجهين وفيه وجه آخر إن
على المحرم بحصته كالمحرمين وقد ذكرناه (فصل) وإن اشترك حلال ومحرم في قتل
صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه
ولا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمة الإحرام والحرم، وهذا الاشتراك
الذي هذا حكمه هو الذي يقع الفعل منهما معا أو يجرحه أحدهما قبل الآخر
ويموت منهما فإن جرحه أحدهما وقتله الآخر فعلى الجارح ما نقصه على ما مضى،
وعلى القاتل جزاؤه مجروحاً (فصل) وان قتل صيداً مملوكاً ضمنه بالقيمة
لمالكه والجزاء لله تعالى لأنه حيوان مضمون بالكفارة فجاز أن يجتمع التقويم
في التكفير فلا ضمانه كالعبد
(3/357)
(فصل) وإذا قتل القارن صيداً فعليه جزاء
واحد نص عليه أحمد فقال: إذا قتل القارن صيداً فعليه جزاء واحد وهؤلاء
يقولون جزاآن فليزمهم أن يقولوا في صيد الحرم ثلاثة لأنهم يقولون في الحل
اثنين ففي الحرم ينبغي أن يكون ثلاثة وهذا قول مالك والشافعي، وقال أصحاب
الرأي جزاآن، وكذلك إذا تطيب أو لبس، قال القاضي وإذا قلنا على القارن
طوافان لزمه جزاآن ولنا قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم) ومن أوجب جزائين فقد أوجب مثلين، ولأنه صيد واحد فلم يجب فيه
جزآان كما لو قتل المحرم في الحرم صيداً (باب صيد الحرم ونباته) (مسألة)
(وهو حرام على الحلال والمحرم فمن أتلف من صيده شيئاً فعليه ما على المحرم
في مثله) الأصل في تحريمه النص والإجماع، أما النص فما روى ابن عباس رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " إن هذا
البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله
إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من
النهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد
شوكها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا من عرفها " فقال العباس
يارسول الله: إلا الاذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إلا الاذخر " متفق عليه.
وأجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم (فصل) وفيه الجزاء
على من يقتله بمثل ما يجزي به الصيد في الإحرام، وحكي عن داود أنه لا جزاء
فيه لأن الأصل براءة الذمة ولم يرد فيه نص فيبقى بحاله
(3/358)
ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في
الحمام الحرم بشاة شاة، روى ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ولم ينقل
عن غيرهم خلافهم فيكون إجماعاً، ولأنه صيد ممنوع منه لحق الله تعالى أشبه
الصيد في حق المحرم (فصل) للصوم مدخل في ضمان صيد الحرم عند الأكثرين خلافا
لابي حنيفة ولنا أنه يضمن بالإطعام فيضمن بالصيام كالصيد في الإحرام (فصل)
ويجب في حمام الحرم شاة، وقال أبو حنيفة فيه في الحرم شاة، وفي حمام الحل
في الحرم حكومة، وفي حمام الحرم في الحل روايتان (إحداهما) حكومة
(والثانية) شاة ولنا ما ذكرنا من قضاء الصحابة ولم يفرقوا.
ذكر هذين الفصلين القاضي أبو الحسن (فصل) وكل ما يضمن في الإحرام يضمن في
الحرم إلا القمل فإنه يباح في الحرم بغير خلاف لأنه حرم في حق المحرم لأجل
الترفه وهو مباح في الحرم كإباحة الطيب واللبس (فصل) ويضمن صيد الحرم في حق
المسلم والكافر، والكبير والصغير، والحر والعبد، وقال أبو حنيفة لا يضمنه
الصغير ولا الكافر ولنا أن الحرمة تعلقت بمحله بالنسبة إلى الجميع فوجب
ضمانه كالآدمي
(3/359)
(فصل) ويضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة
كصيد الإحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص
عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لافرق بين كون الدلالة في الحل والحرم، وقال
القاضي لا جزاء على الدال إذا كان في الحل، والجزاء على المدلول وحده
كالحلال إذا دل محرماً ولنا أن قتل الصيد الحرمي حرام على الدال فيضمن
بالدلالة كما لو كان في الحرم يحققه أن صيد الحرم محرم على كل أحد لقوله
عليه السلام " لا ينفر صيدها " وفي لفظ " لا يصاد صيدها " وهذا عام في كل
أحد، ولأن صيد الحرم معصوم بمحله فحرم قتله عليهما كالملتجئ إلى الحرم،
وإذا ثبت تحريمه عليهما فيضمن بالدلالة ممن يحرم عليه قتله كما يضمن بدلالة
المحرم عليه، وكل ما يضمن به في الإحرام يضمن به في الحرم ومالا فلا لأنه
صيد ممنوع منه لحق الله تعالى فيضمن بكل ما به في الإحرام وكان حكمه حكمه
في وجوب الضمان وعدمه قياساً عليه (مسألة) (وإن رمى الحلال من الحل صيداً
في الحرم، او أرسل كلبه عليه، أو قتل صيداً على غصن في الحرم أصله في الحل،
أو أمسك طائراً في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن في أصح الروايتين) إذا رمى
الحلال من الحل صيدا في الحرم، او أرسل جارحاً عليه فقتله، أو قتل صيداً
على غصن في الحرم أصله في الحل ضمنه، وبه قال الشافعي والثوري وأبو ثور
وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن
(3/360)
أحمد رواية أخرى لاجزاء عليه لان القاتل
حلال في الحل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينفر صيدها " ولم
يفرق بين من هو في الحل والحرم، وقد أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم
وهذا من صيده، ولأن صيد الحرم معصوم بمحله لحرمة الحرم فلا يختص تحريمه بمن
في الحرم كالملتجئ، وكذلك الحكم لو أمسك طائراً في الحل فهلك فراخه في
الحرم فإنه يضمن الفراخ لما ذكرنا دون الأم لأنها من صيد الحل وهي حلال
(مسألة) (وان قتل من الحرم صيداً في الحل بسهمه أو كلبه، أو صيداً على غصن
في الحل أصله في الحرم، او أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم
يضمن في أصح الروايتين) هذه المسائل عكس التي قبلها والصحيح أنه لا ضمان في
ذلك لأنه ليس من صيد الحرم، قال أحمد فيمن أرسل كلبه في الحرم فصاد في الحل
فلا شئ عليه، وعنه رواية أخرى عليه الضمان في جميع الصور
وعن الشافعي ما يدل عليه، وذهب الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر فيمن
قتل طائراً على غصن في الحل أصله في الحرم لا جزاء عليه، وهو ظاهر قول
أصحاب الرأي، وقال اسحاق وابن الماجشون عليه الجزاء لأن الغصن تابع للأصل
وهو في الحرم ولنا أن الأصل حل الصيد حرم صيد الحرم بالنص والإجماع فبقي ما
عداه على الأصل ولأنه صيد حل أصابه حلال فلم يحرم كما لو كانا في الحل،
ولأن الجزاء إنما يجب في صيد الحرم، أو صيد المحرم وليس هذا واحداً منهما
(3/361)
(فصل) وإن كان الصيد والصائد في الحل فرماه
بسهمه، أو أرسل كلبه عليه فدخل الحرم ثم خرج فقتل الصيد في الحل فلا جزاء
فيه، وبه قال أصحاب الرأي وأبو ثور وابن المنذر، وحكي عن الشافعي أن عليه
الجزاء ولنا ما ذكرنا قال القاضي لا يزيد سهمه على نفسه، ولو عدا بنفسه
فسلك الحرم في طريقه ثم قتل صيداً في الحل لم يكن عليه شئ فسهمه أولى
(مسألة) (وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى
وجهين، وان فعل ذلك بسهمه ضمنه) أما إذا رمى من الحل صيداً فيه فقتل صيدا
في الحرم فعليه الجزاء، وبهذا قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال أبو
ثور لا جزاء عليه ولنا أنه قتل صيداً حرمياً فلزمه جزاؤه كما لو رمى حجراً
في الحرم فقتل صيداً.
يحققه أن الخطأ كالعمد في وجوب الجزاء وهذا لا يخرج عن أحدهما، فأما إن
أرسل كلبه على صيد في الحل فقتله في الحرم فنص أحمد على أنه لا يضمنه وهو
قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم يرسل الكلب على الصيد في الحرم،
وإنما دخل باختيار نفسه أشبه مالو استرسل بنفسه، وقال عطاء وأبو حنيفة
وصاحباه عليه الجزاء لأنه قتل صيداً حرمياً بإرسال كلبه عليه فضمنه كما لو
قتله بسهمه وهذا اختيار أبي بكر عبد العزيز
(3/362)
وحكى صالح عن أحمد أنه إن كان الصيد قريباً
من الحرم ضمنه لأنه فرط بإرساله وإلا لم يضمنه وهذا قول
مالك فإن قتل صيداً غيره لم يضمنه، وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي
وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم يرسل الكلب على ذلك الصيد فأشبه مالو استرسل
بنفسه، وفيه رواية أخرى أنه يضمن إن كان الصيد قريباً من الحرم لأنه مفرط
فأشبه المسألة التي قبلها.
إذا ثبت هذا فإنه لا يأكل الصيد في هذه المواضع كلها ضمنه أولا لأنه صيد
حرمي قتل في الحرم كما لو ضمنه، ولأننا إذا ألغينا فعل الآدمي صار الكلب
كأنه استرسل بنفسه فقتله (فصل) فإن رمى الحلال من الحل صيداً فجرحه فتحامل
الصيد فدخل الحرم فمات فيه حل أكله ولا جزاء فيه لأن الذكاة حصلت في الحل
فأشبه مالو جرح صيداً ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه ويكره أكله لموته في
الحرم (فصل) وإن وقف صيد بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم فقتله قاتل
ضمنه تغليباً للحرم وبه قال أصحاب الرأي وأبو ثور وإن نفر صيداً من الحرم
فأصابه شئ في حال نفوره ضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه فأشبه ما لو تلف بشركة
أو شبكته وإن سكن من نفوره ثم أصابه شئ لم يضمنه نص عليه وهو قول الثوري
لأنه لم يكن سبباً لإتلافه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه وقع على ردائه
حمامة فأطارها فوقعت على واقف فانتهزتها حية فاستشار عثمان ونافع بن الحارث
فحكما عليه
(3/363)
بشاة وهذا يدل على أنهم رأوا عليه الضمان
بعد سكونه فإن انتقل عن المكان الثاني فأصابه شئ فلا ضمان عليه لأنه خرج عن
المكان الذي طرد إليه وقول الثوري وأحمد يدل على هذا قال سفيان إذا طردت في
الحرم شيئاً فأصاب شيئاً قبل أن يقع أو حين وقع ضمنت وإن وقع من ذلك المكان
الى مكان آخر فليس عليك شئ فقال أحمد رحمه الله جيد (فصل) قال المصنف رحمه
الله (ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه إلا اليابس والاذخر وما زرعه الآدمي وفي
جواز الرعي وجهان) أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم البري الذي لم
ينبته الآدمي وعلى إباحة أخذ الاذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع
والرياحين حكى ذلك ابن المنذر والأصل ما روينا من حديث ابن عباس وروى أبو
شريح وأبو هريرة بنحوه والكل متفق
عليها وفي حديث أبي هريرة " ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ولا
يعضد شجرها " وروى الأثرم حديث أبي هريرة وفيه " لا يعضد شجرها ولا يحتش
حشيشها ولا يصاد صيدها " فأما ما أنبته الآدمي من الشجر فقال أبو الخطاب
وابن عقيل له قلعه من غير ضمان كالزرع، وقال القاضي: ما نبت في الحل ثم غرس
في الحرم فلا جزاء فيه وما نبت أصله في الحرم ففيه الجزاء بكل حال، وقال
الشافعي في شجر الحرم الجزاء بكل حال أنبته الآدميون أو نبت بنفسه، وحكى
ابن البنا في الخصال
(3/364)
مثل ذلك لعموم قوله عليه السلام " ولا يعضد
شجرها " وقال أبو حنيفة: لا جزاء فيما أنبت الآدميون جنسه كالجوز واللوز
والنخل ونحوه ولا فيما أنبته الآدمي من غيره كالدوح والسلم ونحوه لأن الحرم
يختص تحريمه ما كان وحشياً من الصيد كذلك الشجر، وقول شيخنا وما زرعه
الآدمي يحتمل اختصاصه بالزرع دون الشجر فيكون كما حكاه ابن البنا وهو قول
الشافعي ويحتمل أن يعم جميع ما يزرع كقول أبي الخطاب ويحتمل أن يريد ما
أنبت الآدميون حشيشه، قال شيخنا والأولى الاخذ بعموم الحديث في تحريم الشجر
كله إلا ما أنبته الآدميون من جنس شجرهم بالقياس على ما أنبتوه من الزرع
والأهلي من الحيوان فإننا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله أنسيا دون من
تأنس من الوحشي كذا ههنا (فصل) ويحرم قطع الشوك والعوسج وقال القاضي وابو
الخطاب وابن عقيل لا يحرم وروي عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي
لأنه يؤذي بطبعه أشبه السباع من الحيوان ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا
يعضد شوكها " وفي حديث أبي هريرة " لا يختلي شوكها " وهذا صريح وهو راجح
على القياس (فصل) ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش لأنه بمنزلة الميت
ولا يقطع ما انكسر ولم يبن لأنه قد تلف فهو بمنزلة الظفر المنكسر ولا بأس
بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقلع من
(3/365)
الشجر بغير فعل آدمي ولا فيما سقط من الورق
نص عليه ولا نعلم فيه خلافاً لأن الخبر إنما ورد في القطع وهذا لم يقطع
فأما إذا قطعه آدمي فقال أحمد لم أسمع إذا قطع ينتفع به وقال في الدوحة
تقطع
من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها لأنه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم فإذا
قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم ويحتمل إن يباح
لغير القطع للانتفاع به لأنه انقطع بغير فعله فأبيح له الانتفاع به كما لو
أقلعته الريح ويفارق الصيد الذي ذبحه لأن الذكاة يعتبر لها الأهلية ولهذا
لا يحصل بفعل البهيمة بخلاف هذا (فصل) وليس له أخذ ورق الشجر وقال الشافعي
له أخذه لأنه لا يضر به وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشي به ولا
ينزع من أصله ورخص فيه عمرو بن دينار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم "
لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها " رواه مسلم ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه
كريش الطير وقولهم لا يضر به ممنوع فإنه يضعفه وربما آل إلى تلفه (فصل)
ويحرم قطع حشيش الحرم إلا ما استثناه الشرع من الاذخر وما أنبته الآدميون
واليابس لقوله عليه السلام " لا يحتش حشيشها " وفي استثنائه الاذخر دليل
على تحريم ما عداه وفي جواز رعيه وجهان (أحدهما) لا يجوز وهو مذهب أبي
حنيفة لأن ما حرم إتلافه لم يجز أن يرسل
(3/366)
عليه ما يتلفه كالصيد (والثاني) يجوز وهو
مذهب عطاء والشافعي لان الهديا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل أنها
كانت تسد أفواهها ولأن الحاجة تدعو إليها أشبه قطع الاذخر ويباح أخذ الكمأة
من الحرم وكذلك الفقع لانه لاأصل له فأشبه الثمرة وروى حنبل قال يؤكل من
شجر الحرم الضغابيس والعشرق وما سقط من الشجر وما أنبت الناس (مسألة) (ومن
قطعه ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته والغصن بما
نقصه فإن استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين) يجب الضمان في إتلاف شجر الحرم
وحشيشه، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك وأبو داود وابن المنذر لا
يضمن لأن المحرم لا يضمنه في الحل فلا يضمن في الحرم كالزرع قال إبن المنذر
لااجد دلالة أوجب بها في شجر الحرم فرضا في كتاب ولا سنة ولا إجماع وأقول
كما قال مالك نستغفر الله تعالى
ولنا ما روى أبوهشيمة قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بشجر كان في
المسجد بضر بأهل الطواف فقطع وفدا قال وذكر البقرة رواه حنبل في المناسك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة قال
والدوحة الشجرة العظيمة والجزلة الصغيرة ونحوه عن عطاء ولأنه ممنوع منه
لحرمة الحرم فضمن كالصيد ويخالف المحرم فانه لايمنع من قطع شجر الحل ولا
زرع الحرم إذا ثبت هذا فإنه يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة
والحشيش بقيمته والغصن بما
(3/367)
نقص كأعضاء الحيوان، وبه قال الشافعي وقال
أصحاب الرأي يضمن الكل بقيمته، وعن أحمد مثل ذلك وعنه في الغصن الكبير شاة
ولنا قول ابن عباس وعطاء لأنه أحد نوعي ما يحرم إتلافه فكان فيه ما يضمن
بمقدر كالصيد فإن قطع غصناً أو حشيشاً فاستخلف سقط ضمانة كما لو قطع شعر
آدمي فنبت وفيه وجه آخر أنه لا يسقط لأن الثاني غير الأول فهو كما لو حلق
المحرم شعراً فعاد (فصل) ومن قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر فيبست
ضمنها، لأنه أتلفها وإن غرسها في الحرم فنبتت لم يضمنها لأنه لم يتلفها ولم
تزل حرمتها وإن نقصت ضمن نقصها وإن غرسها في الحل فنبتت فعليه ردها إليه
لأنه أزال حرمتها فإن تعذر ردها أو ردها فيبست ضمنها وإن قلعها غيره من
الحل فقال القاضي الضمان على الثاني لأنه أتلفها فإن قيل فلم لا يجب على
المخرج كالصيد إذا نفره إنسان من الحرم فقتله إنسان في الحل فإن الضمان على
المنفر قلنا الشجر لا ينتقل بنفسه ولا تزول حرمته بإخراجه ولهذا وجب على
مخرجه رده والصيد يكون تارة في الحرم وتارة في الحل فمن نفره فقد فوت حرمته
فلزمه جزاؤه وهذا لم يفوت حرمتها بالإخراج فكان الجزاء على المتلف لأنه
أتلف شجراً حرمياً محرماً إتلافه (مسألة) (وإن قطع غصنا في الحل أصله في
الحرم ضمنه وإن قطع غصناً في الحرم أصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين)
إذا كانت الشجرة في الحرم غصها في الحل فعلى قاطعة الضمان لأنه تابع لأصله
وإن كانت في
(3/368)
الحل وغصنها في الحرم لم يضمنه في أحد
الوجهين اختاره القاضي لأنه نابع لأصله فهي كالتي قبلها وفي الآخر يضمنه
اختاره ابن أبي موسى لأنه في الحرم فإن كان بعض الأصل في الحرم وبعضه في
الحل ضمن الغصن سواء كان في الحل أو في الحرم تغليباً لحرمة الحرم كالصيد
الواقف بعضه في الحل وبعضه في الحرم (فصل) يكره إخراج تراب الحرم وحصاه لأن
ابن عباس وابن عمر كرهاه ولا يكره إخراج ماء زمزم لأنه يستخلف فهو كالثمرة
(فصل) قال رحمه الله ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها إلا ما تدعو الحاجة
إليه من شجرها للرحل والعارضة القائمة ونحوها ومن حشيشها للعلف ومن أدخل
إليها صيداً فله إمساكه وذبحه صيد المدينة وشجرها وحشيشها حرام، وبه قال
مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يحرم لأنه لو كان محرماً لبينه النبي صلى
الله عليه وسلم بياناً عاماً ولوجب فيه الجزاء كصيد الحرم ولنا ما روى علي
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة حرم مابين ثور إلى
عير " متفق عليه وروى تحريم المدينة أبو هريرة ورافع وعبد الله بن زيد في
المتفق عليه ورواه مسلم عن سعد وجابر وأنس رضي الله عنهم وهذا يدل على
تعميم البيان وليس هو في الدرجة دون أخبار تحريم الحرم وقد قبلوه وأثبتوا
أحكامه على أنه ليس بممتنع أن يبينه بياناً خاصاً أو بينه بيانا عام فينقل
خاصاً كصفة الاذان والإقامة
(3/369)
(فصل) ويفارق حرم المدينة حرم مكة في شيئين
(أحدهما) انه يجوز أنه يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه
للمساند والوسائد والرحل ومن حشيشها ما يحتاج إليه للعلف لما روى الإمام
أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
حرم المدينة قالوا يارسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح وإنا لا نستطيع
أرضاً غير أرضنا فرخص لنا فقال " القائمتان والوسادة والعارضة والمسند فأما
غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شئ " قيل المسند مرود البكرة
(3/370)
فاستثنى ذلك وجعله مباحاً كاستثناء الاذخر
بمكة وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة حرام
مابين عائر إلى ثور لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يصلح أن يقطع منها
شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره " رواه أبو داود ولا المدينة يقرب منها وزرع
فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الضرر بخلاف مكة (الثاني) إن من صاد من
خارج المدينة صيداً ثم أدخله إليها لم يلزمه
(3/371)
إرساله نص عليه أحمد لأن النبي صلى الله
عليه وسلم " يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " وهو طائر صغير فظاهر هذا أنه
أباح إمساكه بالمدينة ولم ينكر ذلك وحرمه مكة أعظم من حرمة المدينة بدليل
أنه لا يدخلها إلا محرم وإذا جاز إمساك الصيد فيها جاز ذبحه فيها كغيرها
(3/372)
(مسألة) (ولا جزاء في صيد المدينة وعنه
جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه) ليس في صيد المدينة وشجرها جزاء في إحدى
الروايتين وهو قول أكثر أهل العلم لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام فلم يجب
فيه جزاء كصيد وج (والثانية) فيه الجزاء روى ذلك عن ابن أبي ذئب وهو قول
الشافعي القديم وابن المنذر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إني
أحرم المدينة مثل ما حرم
(3/373)
إبراهيم مكة " ونهى أن يعضد شجرها ويؤخذ
طيرها فوجب في هذا الحرم الجزاء كما وجب في ذلك إذا لم يظهر بينهما فرق
وجزاؤه إباحة سلب القاتل لما أخذ لما روى مسلم باسناده عن عامر بن سعد أن
سعداً رضي الله عنه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبداً يقطع شجراً ويخبطه
فسلبه فلما جاء سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال
معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول
(3/374)
الله صلى الله عليه وسلم وأبي أن يرد
عليهم، وعن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من وجد أحداً يصيد
فيه فليسلبه رواه أبو داود فعلى هذا يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله أو
قاطع الشجر سلبه وهو أخذ جميع ثيابه حتى السراويل فإن كان على دابة لم يملك
أخذها لأن الدابة ليست من السلب وإنما أخذها
(3/375)
قاتل الكافر في الجهاد لأنها يستعان بها في
الحرب بخلاف مسئلتنا فإن لم يسلبه أحد فلا شئ عليه سوى التوبة (مسألة) (وحد
حرمها بين ثور إلى عير وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر
ميلاً حمى) حد حرم المدينة ما بين لا بيتها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما
(3/376)
بين لابيتها حرام " متفق عله واللابة الحرة
وهي أرض بها حجارة سود قال أحمد رحمه الله: ما بين لابيتها حرام بريد في
بريد كذا فسره مالك بن أنس والبرد أربعة فراسخ وروى أبو هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى رواه مسلم وقد روي علي
رضي الله عنه أن النبي
(3/377)
صلى الله عليه وسلم قال " حرم المدينة ما
بين ثور إلى عير " متفق عليه قال أهل العلم بالمدينة لا نعرف بها ثوراً ولا
عيراً وإنما هما جبلان بمكة فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد قدر
ما بين ثور وعير ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماها ثوراً وعيراً
تجوزاً والله تعالى أعلم
(3/378)
(فصل) ولا يحرم صيد وج ولا شجره وهو واد بالطائف، وقال أصحاب الشافعي يحرم
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صيد وج وعضاهها محرم " رواه الإمام
أحمد ولنا أن الأصل الإباحة والحديث ضعفه أحمد ذكره أبو بكر الخلاف في كتاب
العلل |