الشرح
الكبير على متن المقنع كتاب العارية
وهي مشتقة من عار الشئ إذا ذهب وجاء ومنه قيل للبطال عيار لتردده في
بطالته، والعرب تقول أعاره وعاره مثل أطاعه وطاعه، وهي إباحة الإنتفاع بعين
من أعيان المال، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله
تعالى ويمنعون الماعون روي عن ابن عباسن وابن مسعود قالا العوراي وفسرها
ابن مسعود قال القدر والميزان والدلو.
وأما السنة فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته في حجة
الوداع (العارية مؤداة والمنحة مزدودة والدين مقتضي والزعيم غارم) قال
الترمذي حديث حسن غريب وروى صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم
استعار منه أدراعاً يوم حنين فقال أغصباً يا محمد؟ قال (بل عارية مضمونة)
رواه أبو داود
وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها ولأنه لما جازت هبة الأعيان
جازت هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالاعيان والمنافع جميعا، وهي مندوب
إليها غير واجبة في قول أكثر أهل العلم وقيل هي واجبة للآية ولما روى أبو
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مامن صاحب ابل لايؤدي حقها) الحديث
قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (إعارة دلوها وإطراق فحلها ومنحة لبنها يوم
ورودها) فذم الله تعالى
(5/354)
مانع العارية وتوعده رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما ذكره في خبره ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أديت
زكاة مالك فقد قضيت ما عليك) رواه ابن المنذر وروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال (ليس في المال حق سوى الزكاة) وفي حديث الإعرابي الذي سأل
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا فرض الله علي من الصدقة؟ أو قال الزكاة، قال
هل علي غيرها؟ قال (لا، إلا أن تتطوع شيئاً) أو كما قال والآية فسرها ابن
عمر والحسن بالزكاة وكذلك زيد بن أسلم وقال عكرمة إذا جمع ثلاثتها فله
الويل إذا سها من الصلاة وراءى ومنع الماعون.
(فصل) ولا تجوز إلا من جائز التصرف لأنه تصرف في المال أشبه البيع وتنعقد
بكل لفظ أو فعل يدل عليها كقوله أعرتك هذا، أو يدفع اليه شيئاً ويقول أبحتك
الانتفاع به أو خذ هذا فانتفع به أو يقول أعرني هذا أو أعطنيه أركبه أو
أحمل عليه فيسلمه إليه وأشباه هذا لأنه إباحة للتصرف فصح بالقول والفعل
الدال عليه كإباحة الطعام بقوله وتقديمه إلى الضيف.
(مسألة) (وهي هبة منفعه تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع) تجوز إعارة كل
عين ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها على الدوام كالدور والعيبد والجواري
والدواب والثياب والحلي للبس والفحل للضراب والكلب للصيد وغير ذلك لأن
النبي صلى الله عليه وسلم استعار ادراعا وذكر إعارة دلوها وفلها وذكر ابن
مسعود عارية القدر والميزان فثبت الحكم في هذه الأشياء
(5/355)
وما عداها يقاس عليها إذا كان في معناها
ولأن ما جاز للمالك استيفاؤه من المنافع ملك إباحته إذا لم يمنع منه مانع
كالثياب ويجوز إستعارة الدراهم والدنانير للوزن فإن استعارها لينفقها فهو
قرض
وهذا قول أصحاب الرأي، وقيل لا يجوز ذلك ولا تكون العارية في الدنانير وليس
له أن يشتري بها شيئاً ولنا أن هذا معنى القرض فانعقد القرض به كما لو صرح
به فأما منافع البضع فلا تستباح بالبذل ولا بالإباحة إجماعاً وإنما يباح
بأحد شيئين الزوجية وملك اليمين قال الله سبحانه (والذين هم لفروجهم
حافظهون * الاعلى أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى
وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولأن منافع البضع لو ابيجت بالبذل والعارية لم
يحرم الزنا لأن الزانية تبذل نفعها له والزاني مثلها (مسألة) (ولا تجوز
إعارة العبد المسلم لكافر) لأنه لا يجوز تمكينه من استخدامه فلم تجز عاريته
لذلك ولا تجوز إعارة الصيد لمحرم لأنه لا يجوز له إمساكه (مسألة) (ويكره
إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها) إن كان يخلو بها وينظر إليها لأنه لا
يؤمن عليها فإن كانت شوهاء أو كبيرة فلا بأس لأنها لا يشتهى مثلها وتجوز
إعارتها لامرأة ولذي محرمها لعدم ذلك، ولا تجوز إعارة العين لنفع محرم
كاعارة الدر لمن يشرب فيها الخمر أو يبيعه أو يعصي الله تعالى فيها أو
لااعارة عبد للزمر أو لسقيه الخمر أو يحملها إليه أو يعصرها ونحو ذلك لأنه
إعانة على المحرم (مسألة) (واستعارة والديه للخدمة) لأنه يكره استخدامهما
فكر استعارتهما لذلك
(5/356)
(مسألة) (وللمعير الرجوع فيها متى شاء ما
لم يأذن في شغلها بشئ يستضر المستعير برجوعه) تجوز العارية مطلقة ومؤقتة
لأنها إباحة فأشبهت إباحة الطعام وللمعير الرجوع فيها متى شاء سواء كانت
مطلقة أو مؤقتة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك إن كانت مؤقتة فليس
له الرجوع قبل الوقت وإن لم يوقت له مدة لزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها
لأن المعير قد ملكه المنفعة مدة وصارت العين في يده بعقد مباح فلم يملك
الرجوع فيها بغير رضى المالك كالعبد الموصى بخدمته والمستأجر ولنا أن
المافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة كما لو لم تحصل العين
في يده ولأن المنافع إنما تستوفى شيئاً فشيئاً فكلما استوفى منفعة فقد
قبضها والذي لم يستوفه لم يقبضه فجاز الرجوع فيه كالهبة قبل القبض، وأما
العبد الموصى بخدمته فلموصي الرجوع ولم يلمك الورثة الرجوع لأن التبرع من
غيرهم وأما المستأجر فهو مملوك بعقد معاوضة فيلزم بخلاف مسئلتنا، ويجوز
للمستعير الرد متى شاء بغير خلاف نعلمه لأنه إباحة فكان لمن أبيح له تركه
كالباحة الطعام
(مسألة) (فإن أذن له في شغله بشئ يستضر المستعير برجوعه فيه لم يجز له
الرجوع) لما فيه من اضرار بالمستعير مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه أو لوحا
يرقع به سفينة فرقعها به ولحج في البحر لم يجز الرجوع ما دامت في لجة البحر
لذلك وله الرجوع قبل دخولها في البحر وبعد الخروج منه لعدم الضرر (مسألة)
(وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت)
(5/357)
وله الرجوع فيها قبل الدفن وليس له الرجوع
بعد الدفن حتى يصير الميت رميا قاله ابن البنا (مسألة) (وإن أعاره حائط
ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع مادام عليه) إذا أعاره حائطاً ليضع عليه
أطراف خشبه جاز كما تجوز إعارة الأرض للغراس والبناء وله الرجوع قل الوضع
وبعده ما لم بين عليه لانه لاضرر عليه فيه فإن بنى عليه لم يجز الرجوع لما
في ذلك من هدم البناء وإن قال أنا أدفع إليك ما ينقص بالقطع لم يلزم
المستعير ذلك لأنه إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على
المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة (مسألة) (وإن سقط عنه لهدم أو غيره
لم يملك رده) سواء بنى الحائط بآلة أو بغيرها لأن العارية لا تلزم وإنما
امتنع الرجوع قبل انهدامه لما فيه من الضرر بالمستعير بإزالة المأذون في
وضعه وقد زال ذلك بإنهدامه وسواء زال الخشب عنه بذلك أو أزاله المستعير
باختياره وكذلك لو زال الخشب والحائط بحاله (مسألة) (وإن أعاره أرضاً للزرع
لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصلا فيحصده) إذا أعاره أرضاً
للزرع فله الرجوع ما لم يزرع فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها الى أن ينتهي
الزرع فإن بذل المعير له قيمة الزرع ليمكله فلم يكن له ذلك نص عليه أحمد
لأن له وقتاً ينتهي إليه فإن كان مما يحصد قصيلا فله الرجوع في وقت إمكان
حصاده لعدم الضرر فيه
(5/358)
(مسألة) (وإن أعارها للغراس والبناء شرط
عليه القطع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع) لقول النبي صلى الله
عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) حديث صحيح ولأن العارية مقيدة غير مطلقة
فلم تتناول ما عدا المقيد لأن المستعير دخل في العارية راضيا با لتزام
الضرر الداخل عليه بالقطع وليس على صاحب الأرض
ضمان نقصه ولا نعلم في هذا خلافاً فأما تسوية الحفر فإن كانت مشروطة عليه
لزمه لما ذكرنا وإلا لم يلزمه لأنه رضي بضرر القطع من الحفر ونحوه بشرط
القلع (مسألة) (وإن لم يشترط لم يلزمه إلا أن يضمن له المعير النقص) فإذا
لم يشترط المعير القلع لم يلزم المستعير القلع لما فيه من الضرر عليه فإن
ضمن له النقص لزمه لأنه رجوع في العارية من غير إضرار فإن قلع فعليه تسوية
الأرض وكذلك إن اختار أخذ بنائه وغراسه فإنه يملكه فملك نقله لأن القلع
باختياره لو امتنع منه لم يجبر عليه قلعه لاستخلاص ملكه من ملك غيره فلزمته
التسوية كالشفيع إذا أخذ غرسه وقال القاضي لا يلزمه ذلك لأن المعير رضي
بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه الذي لا يمكن إلا بالحفر (مسألة)
(فإن أبى القلع في الحال التي لا يجبر عليه فيها فبذل له المعير قيمة
الغراس والبناء ليملكه أجبر المستعير عليه) كالشفيع مع المشتري والمؤجر مع
المستأجر فإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير
لأن الغراس والبناء تابع والأرض أصل ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع
ولا تتبعهما وبهذا كله قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يطالب المستعير
بالقلع من غير ضمان إلا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع
(5/359)
قبل انقضائها لأن المعير لم يغره فكان عليه
القطع كما لو شرط عليه ولنا أنه بنى وغرس بإذن المعير من غير شرط القطع فلم
يلزمه القلع من غير ضمان كما لو طالبه قبل انقضاء الوقت وقولهم لم يغره
ممنوع فإن الغراس والبناء يراد للتبقية وتقدير المدة ينصرف إلى ابتدائه
كأنه قال لا تغرس بعد هذه المدة (مسألة) (فإن امتنع المعير من دفع القيمة
وارش النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر لم يقلع) لأن العارية
تقتضي الإنتفاع بغير ضمان والإذن فيما يبقى على الدوام وتضر إزالته رضى
بالإبقاء ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) مفهومه أن
العرق الذي ليس بظالم له حق فبعد ذلك ان اتفقا على البيع بيعت الأرض
بغراسها وبنائها ودفع مالى كل واحد منهما قدر حقه فيقال كم قيمة الأرض بلا
غراس ولابناء فإذا قيل عشرة قلنا وكم تساوي مغروسة مبنية فإن قالوا خمسة
عشر فيكون للمعير ثلثا
الثمن وللمستعير ثلثه (مسألة) (وإن أبيا البيع ترك بحاله) وقلنا لهما
انصرفا فلا حكم لكما عندنا (مسألة) (وللمعير النصرف في أرضه على وجه لا يضر
بالشجر) وجملته أن للمعير التصرف في أرضه (مسألة) ودخولها والإنتفاع بها
كيف شاء بما لا يضر بالغراس والبناء ولا ينتفع بهما، وللمتسعير الدخول
للسقي والإصلاح وأخذ الثمرة وليس.
له الدخول لغير حاجة من التفرج ونحوه لأنه قد رجع في الإذن له
(5/360)
ولأن الإذن في الغرس إذن فيما يعود بصلاحه
ولكل واحد منهما بيع ما يختص به مع الملك ومنفرداً فيقوم المشتري مقام
البائع، وقال بعض الشافعية ليس للمستعير البيع لأن ملكه في الشجر والبناء
غير مستقر لأن للمير أخذه منه متى شاء بقيمته قلنا عدم استقراره لا يمنع
بيعه بدليل الشقص المشفوع والصداق قبل الدخول (مسألة) (ولم يذكر أصحابنا
أجرة من حين الرجوع في هذه المسائل) إلا فيما إذا استعار أرضاً فزرعها ورجع
المعير فيها قبل كمال الزرع فعليه أجر مثلها من حين الرجوع لأن الأصل جواز
الرجوع وإنما منع القلع لما فيه من الضرر ففي دفع الأجر جمع بين الحقين
فيخرج في سائر السمائل مثل هذا، وفيه وجه آخر انه لا يجب الأجر في شئ من
المواضع لأن حكم العارية باق فيه لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها
والإعارة تقتضي الإنتفاع (مسألة) (وإن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت
فهو غاصب يأتي حكمه) العارية تنقسم قسمين مطلقة ومؤقتة تبيح الإنتفاع ما لم
ينقضي الوقت لأنه استباح ذلك بالإذن ففيها عدا محل الإذن يببقى على أصل
المنع فإن كان المعار أرضاً لم يكن له أن يغرس ولا يبني ولا يزرع بعد الوقت
أو الرجوع فإن فعل شيئاً من ذلك فهو غاصب يأتي حكمه في باب لغصب
(5/361)
(فصل) يجوز أن يستعير دابة ليركبها إلى
موضع معلوم لأن إجارتها جائزة والإعارة أوسع لجوازها فيما لا تجوز إجارته
كالكلب للصيد، فإن استعارها إلى موضع فجاوزه فقد تعدى وعليه أجر المثل
للزائد خاصة وان اختلفا فقالا لمالك أعرتكها إلى فرسخ وقال المستعير إلى
فرسخين فالقول قول المالك وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان
يشبه ما قال المستعير فالقول قوله وعليه الضمان.
ولنا أن المالك مدعى عليه فكان القول قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(ولكن اليمين على المدعى عليه) (مسألة) (وإن حمل السيل بذراً إلى أرض فنبت
فيها فهو لصاحبه) ولا يجبر على قعله وقال أصحاب الشافعي يجبر عليه في أحد
الوجهين إذا طالبه رب الأرض لأن ملكه حصل في ملك غيره بغير إذنه فأشبه مالو
انتشرت أغصان شجرته في هواء ملك غيره ولنا أن قلعه إتلاف للمال عنى مالكه
ولم يوجد منه تفريط ولا يدوم ضرره فلا يجبر على ذلك كما لو حصلت دابته في
دار غيره على وجه لا يمكن خروجها إلا بقلع الباب أو قتلها فانهلا يجبر على
قتلها، ويفارق أغصان الشجرة فنه يدوم ضرره ولا يعرف قدر ما يشغل في الهواء
فيؤدي أجره إذا ثبت هذا فإنه يقر في الأرض إلى حين حصاده بأجر مثله وقال
القاضي لا أجر عليه لأنه حصل في أرض غيره بغير تفريطه أشبه ما إذا باتت
دابته في أرض إنسان بغير تفريطه والأول أولى لأن إلزامه
(5/362)
تبقية زرع ما أذن فيه في أرضه بغير أجر ولا
انتفاع إضرار به وشغل لملكه بغير اختياره فلم يجز كما لو أراد إبقاء
البهيمة في دار غيره عاماً، ويفارق مبيتها لأن ذلك لا يجبر المالك عليه ولا
يمنع من إخراجها فإذا تركها اختياراً منه كان راضياً به بخلاف مسئلتنا
ويكون الزرع لمالك البذر لأنه عين ماله ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته
كزرع الغاصب على ما نذكره والأول أولى لأنه بغير عدوان وقد أمكن جبر حق
مالك الأرض بدفع الأجر إليه، وإن احب مالكه قعله فله ذلك وعليه تسوية الحفر
وما نقصت لأنه أدخل النقص على ملك غيره لا ستصلاح ملكه (مسألة) (وإن حمل
السيل نوى غرس رجل فنبت في أرض غيره كالزيتون ونحوه فهو لمالك النوى) لأنه
من نماء ملكه فهو كالزرع ويجبر على قلعه ههنا لأن ضرره يدوم فهو كأغصان
الشجرة المنتشرة في هواء ملك غيره، وهل يكون كغرس الشفع أو كغرس الغاصب؟
على وجهين (أحدهما)
يكون كغرس الغاصب لأنه حصل في ملك غيره بغير إذنه (الثاني) كغرس الشفيع
لأنه حصل في ملك غيره بغير تفريط منه ولا عدوان.
(فصل) وإن حمل السيل ارضا بشجرها فنبتت في أرض آخركما كانت فهي لمالكها
يجبر على إزالتها كما ذكرنا وفي كل ذلك إذا ترك صاحب الأرض المنتقلة أو
الشجر أو الزرع ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله ولا أجره
ولا غيره لأنه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه وكانت الخيرة
(5/363)
إلى صاحب الأرض المشغولة به إن شاء أخذه
لنفسه وإن شاء قلعه.
(فصل) قال رضي الله عنه (وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر)
لأنه ملك التصرف بقول المالك وإذنه فأشبه المستأجر لأنه ملكه بإذنه فوجب أن
يملك ما يقتضيه الاذن كالمتسأجر، فعلى هذا إن أعاره للغراس والبناء فله أن
يزرع ما شاء وإن استعارها للزرع لم يغرس ولم بين وإن استعارها للغرس أو
البناء ملك المأذن له فيه منها دون الآخر لأن ضررهما مختلف، وكذلك إن
استعارها لزرع الحنطة فله زرع الشعير وقد ذكرنا ذلك مفصلا في الإجارة وكذلك
إن أذن له في زرع مرة لم يكن له أن يزرع أكثر منها وإن أذن له في غرس شجرة
فانقلعت لم يملك غرس أخرى لأن الاذن اختص بشئ لم يجاوزه.
(فصل) ومن استعار شيئاً فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله لأن وكيله نائب
عنه ويده كيده، وليس له أن يؤجره إلا أن يأذن فيه لأنه لم يملك المنافع فلم
يكن له أن يملكها ولا نعلم في هذا خلافاً ولا خلاف بينهم أن المستعير لا
يملك العين وأجمعوا على ان للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه (فصل)
وليس له أن يرهنه بغير إذن مالكه، وله ذلك باذنه بشروط ذكرناها في باب
الرهن ولا يصير المعير ضامناً للدين وقال الشافعي يصير ضامناً في رقبة عبده
في أحد قوليه لأن العارية ما يستحق به منعفة العين والمنفعة ههنا للمالك
فدل على أنه ضمان
(5/364)
ولنا إنه أعاره ليقضي منه حاجته فلم يكن
ضامناً كسائر العواري وإنما يستحق بالعارية النفع المأذون
فيه وما عداه من النفع فهو لمالك العين.
(مسألة) (والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وإن شرط نفي ضمانها سواء تعدى
المستعير فيها أولم يتعد) روى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وهو قول الشافعي
واسحاق، وقال الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة
ومالك والاوزاعي وابن شبرمة: هي أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي لما روى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على
المستعير غير المغل ضمان) ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة،
قالوا وقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) يدل على أنه أمانة
لقول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بل عارية مضمونة، وروى
الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (على اليد ما أخذت حتى
تؤديه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب ولأنه أخذ ملك غيره لنفع
نفعه منفرداً بنفعه من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف فكان مضموناً
كالمغصوب والمأخوذ على وجه السوم وحديثهم يرويه عمر بن عبد الجبار عن عبيد
بن حسان عن عمرو بن شعيب وعمر وعيبد ضعيفان قاله الدار قطعي ويحتمل أنه
أراد ضمان المنافع والأجر وقياسهم منقوض بالمقبوض على وجه السوم.
(5/365)
(فصل) وإن شرط نفي الضمان لم يسقط وبه قال
الشافعي وقال أبو حفص العكبري يسقط قال أبو الخطاب أو ما إليه أحمد وبه قال
قتادة والعنبري لأنه لو أذن في إتلافها لم يجب ضمانها فكذلك إذا أسقط عنه
ضمانها وقيل بل مذهب قتادة والعنبري أنها لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها فيجب
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان (بل عارية مضمونة) ولنا أن كل عقد
اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع صحيح أو فاسد وما اقتضى الأمانة
فكذلك كالوديعة والشركة والمضاربة والذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم
إخبار بصفة العارية وحكمها، وفارق ما إذا إذن في الإتلاف فإن الإتلاف فعل
يصح فيه الإذن ويسقط حكمه إذ لا ينعقد موجباً للضمان
مع الإذن فيه وإسقاط الضمان ههنا نفي للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك
ولا يملك الإذن فيه (فصل) وتضمن بقيمتها يوم التلف إلا على الوجه الذي يجب
فيه ضمان الأجزاء التالفة بالإنتفاع المأذون فيه فإنه يضمنها بقيمتها قبل
تلف أجزائها إن كانت قيمتها حينئذ أكثر وإن كانت أقل ضمنها بقيمتها يوم
تلفها على الوجهين جميعاً ويضمنها بمثلها إن كانت مثلية (مسألة) (وكل ما
كان أمانة لا يصير مضموناً بشرطه لأن مقتضى العقد كونه أمانة فإذا شرط
ضمانه فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو اشترط ضمان
الوديعة أو ضمان مال في يد
(5/366)
مالكه وما كان مضموناً لا ينتفي ضمانه
بشرطه لأن مقتضى العقد الضمان فإذا شرط نفي ضمانه لا ينتفي مع وجود سببه
كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدى فيه وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال المؤمنون
على شروطهم وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه والأول ظاهر المذهب لما ذكرناه
(مسألة) (وإن تلفت أجزاؤها بالإستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين) وجملة ذلك
أن المستعير إذا انتفع بالعارية ثم ردها على صفتها فلا شئ عليه لأن المنافع
مأذون في إتلافها فلا يجب عوضها وان تلف شئ من أجزائها التي لا تذهب
بالإستعمال ضمنه لأن ما تضمن جملته تضمن أجزاؤه كالمغصوب فأما أجزاؤها التي
تذهب بالإستعمال كخمل المنشفة والقطيفة ففيه وجهان (أحدهما) يجب ضمانه لأنه
أجزاء عين مضمونة فوجب ضمانها كالمغصوب ولأنها أجزاء يجب ضمانها لو تلفت
العين قبل استعمالها فتضمن إذا تلفت وحدها كالأجزاء التي لا تتلف
بالاستعمال (والثاني) لا يضمنها وبه قال الشافعي لأن الاذن في الاستعمال
تضمنه فلا يجب ضمانه كالمنافع وكمالو أذن في إتلافها صريحا وفارق ما إذا
تلفت العين قبل استعمالها لأنه لا يمكن تمييزها من العين ولأنه إنما أذن في
إتلافها على وجه الانتفاع فإذا تلفت قبل ذلك فقد فاتت على غير الوجه الذي
أذن فيه فضمنها كما لو أجر العين المستعارة فإنه يضمن منافعها فإن قلنا لا
يضمن الأجزاء فتلفت العين بعد ذهابها بالإستعمال قومت حال التلف لأن
الأجزاء التالفة تلفت غير مضمونة لكونها مأذوناً في إتلافها فلا يجز
تقويمها عليه وإن قلنا تضمن الأجزاء قومت العين قبل
(5/367)
تلف أجزائها فإن تلفت الأجزاء باستعمال غير
مأذون فيه كمن استعار ثوبا ليلبسه فحمل فيه تراباً فإنه يضمن نقصه ومنافعه
لأنه تلف بتعديه وإن تلفت بغير تعد منه ولا استعمال كتلفها بمرور الزمان
الطويل عليها ووقوع نار فيها ضمن ما تلف بالنار ونحوها لأنه تلف لم يتضمنه
الاستعمال المأذون فيه فهو كتلفها بفعل لم يأذن فيه وما تلف بطول الزمان
كالذي تلف بالاستعمال لأنه تلف بالإمساك المأذون فيه فأشبه تلفه بالفعل
المأذون فيه (فصل) ولا يجب ضمان ولد العارية في أحد الوجهين لأنه لم يدخل
في الإعارة فلم يدخل في الضمان ولا فائدة للمستعير فيه أشبه الوديعة ويضمن
في الآخر لأنه ولد عين مضمونة أشبه ولد المغصوبة والأول أصح فإن ولد
المغصوبة لا يضمن إذا لم يكن مغصوباً وكذلك العارية إذا لم يؤخذ مع أمه
(مسألة) (وليس للمستعير أن يعير) وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وفي
الآخر له ذلك وهو قول أبي حنيفة لأنه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كإجارة
المستأجر ويحتمل أن يكون مذهب لاحمد في العارية المؤقتة بناء على كونه إذا
أعاره أرضه سنة ليبني فيها لم يحل الرجوع قبل السنة لأنه قد ملك المنفعة
فجازت له إعارتها كالمتسأجر بعقد لازم وحكاه صاحب المجرد قولا لاحمد، وقال
أصحاب الرأي إذا استعار ثوباً ليلبسه فأعطاه غيره فلبسه فهو ضامن وإن لم
يسم من يلبسه فلا ضمان عليه وقال مالك إذا لم يعمل بها إلا الذي أعيرها فلا
ضمان عليه ولنا أن العارية إباحة المنفعة فلا يجوز أن يبيحها غيره كإباحة
الطعام وفارق الإجارة فإنه ملك
(5/368)
الانتفاع على كل وجه فملك أن يملكها وفي
العارية لم يملكها إنما ملك استيفاءها على وجه ما أذن فيه فأشبه من أبيح له
أكل الطعام.
فعلى هذا إن أعار فللمالك الرجوع بأجر المثل وله أن يطالب من شاء منهما لأن
الأول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه والثاني استوفاه بغير إذنه فإن
ضمن الأول رجع على الثاني لأن الإستيفاء حصل منه فاستقر الضمان عله وإن ضمن
الثاني لم يرجع على الأول إلا أن يكون الثاني لم يعلم بحقيقة الحال فيحتمل
أن يستقر الضمان على الأول لأنه غر الثاني ودفع إليه العين على أنه يستوفي
منافعها بغير عوض
(مسألة) (وإن تلفت عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء) لما ذكرنا ويستقر
الضمان على الثاني بكل حال لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه فإن ضمن الأول
رجع الأول على الثاني ولا يرجع الثاني إن ضمنه على أحد (مسألة) (وعلى
المستعير مؤنة رد العارية) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة)
وقوله (على اليد ما أخذت حتى ترده) قال الترمذي هذا حديث حسن، ويجب ردها
إلى المعير أو الوكيل في قبضها ويبرأ بذلك من ضمانها وإن ردها الى المكان
الذي أخذها منه أو الى ملك صاحبها لم يبرأ من ضمانها وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة يبرأ لأنها صارت كالمقبوضة فإن رد العواري في العادة يكون
إلى أملاك أربابها فيكون مأذوناً فيه عادة
(5/369)
ولنا أنه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه
فيها فلم يبرأ منها كما لو دفعها إلى أجنبي وما ذكره يبطل بالسارق إذا رد
المسروق إلى الحرز ولا نسلم أن العادة ما ذكر (مسألة) (وإن رد الدابة إلى
إصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ إلا بردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على
يده كالسائس ونحوه) قد ذكرنا في المسألة قبلها الاردها الى المكان الذي
أخذها منه، وإن ردها إلى زوجته المتصرفة في ماله أو رد الدابة إلى سائسها
فقال القاضي يبرأ في قياس المذهب لأن أحمد قال في الوديعة اذا سلمها إلى
امرأته لم يضمها لأنه مأذون في ذلك أشبه مالو أذن فيه نطقاً (فصل) ومن
استعار شيئا فانتع به ثم ظهر مستخقا فلما لكنه أجر مثله يطالب به من شاء
منهما فإن ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم لأنه غره بذلك وغرمه لأنه
دخل عن أنه لا أجرة عليه وإن ضمن المعير لم يرجع على أحد لأن الضمان استقر
عليه قال أحمد في قصار دفع ثوباً إلى غير صاحبه فلبسه فالضمان على القصار
دون اللابس وسنذكره في الغصب إن شاء الله تعالى.
(فصل) وإن اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتي عقيب العقد والبهيمة قائمة
فالقول قول الراكب إذا اختلف رب الدابة والراكب فقال الراكب هي عارية وقال
المالك أكريتكها
(5/370)
وكانت الدابة باقية لم تنقص وكان الإختلاف
عقيب العقد فالقول قول الراكب مع يمينه لأن الأصل براءة ذمته منها لأن
الأصل عدم عقد الإجارة ويرد الدابة إلى مالكها وكذلك إذا ادعى المالك أنها
عارية وقال الراكب قد اكريتنيها فالقول قول المالك مع يمينه لما ذكرنا
(مسألة) (وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من
المدة دون ما بقي منها) حكي ذلك عن مالك وقال أصحاب الرأي القول قول الراكب
وهو منصوص الشافعي لأنهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب وادعى
المالك عوضاً لها والأصل عدم وجوبه وبراءة ذمة الراكب منه.
ولنا أنهما اختللفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فكان القول قول
المالك كما لو اختلفا في عين ققال المالك بعتكها وقال الآخر وهبتنيها ولأن
المنافع تجري مجرى الأعيان في الملك والعقد عليها ولو اختلفا في الأعيان
كان القول قول المالك كذا ههنا وما ذكروه يبطل بهذه المسألة ولأنهما اتفقا
على أن المنافع لا تنتقل الى الراكب إلا بنقل المالك لها فيكون القول قول
في كيفية الإنتقال كالأعيان فيحلف المالك ويستحق الأجر (مسألة) (وهل يستحق
أجر المثل أو المدعي إذا زاد عليها؟ على وجهين) (أحدهما) أجر المثل لأنهما
لو اتفقا على وجوبه واختفافي قدره وجب أجر المثل فمع الإختلاف في أصله أولى
(والثاني) المسمى لأنه وجب بقول المالك ويمينه فوجب ما حلف عليه كالأصل
والأول أصح لأن الإجارة لا تثبت بدعوى المالك بغير بينة وإنما يستحق بدل
النفعة وهو أجر المثل وقيل يلزمه أقل الأمرين لأنه إن كان المسمى أقل ققد
رضي به وإن كان أكثر فليس له إلا أجر المثل لأن الإجارة لم تثبت وإنما يكون
القول قول المالك إذا اختلفا في أثناء المدة فيها مصى منها وأما فيما قي
فالقول قول المستعير لأن ما بقي بمنزلة ما لو اختلفا
(5/371)
عقيب العقد وإن ادعى المالك في هذه الصورة
أنها عارية وادعى الآخر بأجرة فهو يدعي استحقاق المنافع ويعترف بالأجر
للمالك والمالك ينكر ذلك كله فالقول قوله مع يمينه فيحلف ويأخذ بهيمته
(مسألة) (وإن اختلفا بعد تلف الدابة فقال المالك أعرتك وقال الراكب بل
أجرتني فالقول قول المالك إذا كان قبل مضي مدة لها أجرة) سواء ادعى الإجارة
أو العارية لأنه إن ادعى الإجارة
فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها فيقبل إقراره على نفسه، وإن ادعى
الإعارة فهو يدعي قيمتها والقول قوله لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل
فيما يقبضه الانساب من مال غيره الضمان لقول النبي صلى الله وسلم (على اليد
ما أخذت حتى ترده) حديث حسن وإذا حلف المالك إستحق القيمة والقول في قدرها
قول الراكب مع يمينه لأنه منكر للزيادة المختلف فيها والأصل عدما، وإن
اختلفا في ذلك بعد مضي مدة لها أجرة والبهمية تالفة وكان الأجر بقدر قيمتها
أو كان ما يدعيه المالك أقل مما يعترف به الراكب فالقول قول المالك بغير
يمين سواء ادعى الإجارة أو الاعارة إذا لا فائدة في اليمين على شئ يعرف له
به خصمه ويحتمل أن لا يأخذه إلا بيمين لأنه يدعي شيئاً لا يصدق فيه ويعترف
له خصمه بما لا يدعيه فيحلف على ما يدعيه وإن كان ما يدعيه المالك أكثر بأن
تكون قيمة الدابة
(5/372)
أكثر من أجرها فادعى المالك أنها عارية
لتجب له القيمة وأنكر استحقاق الاخر ادعى الراكب إنها مكتراة أو كان الكراء
أكثر من قيمتها فادعى المالك أنه أجرها ليجب له الكراء وادعى الراكب أنها
عارية فالقمول قول المالك في الصورتين لما قدمنا فإذا حلف إستحق ما حلف
عليه ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا (مسألة) (وإن قال أجرتني أو
أعرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقبل قول الغاصب) إذا كان الاختلاف
عقيب العقد والدابة قائمة لم تنقص فلا معنى للإختلاف ويأخذ المالك دابته
وكذلك إن كانت الدابة تالفة وادعى الراكب العارية لأن القيمة تجب على
المستعير كوجوبها على الغاصب، وإن كان الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة
فالاختلاف في وجوبه والقول قول المالك وهذا ظاهر قول الشافعي ونقل المزني
عنه أن القول قول الراكب وذكره بعض أصحابنا لأن المالك يدعي عليه عوضا
الأصل براءة ذمته منه ولأن الظاهر من اليد أنها لحق فكان القول قول صاحبها
ولنا ما قدمنا في المسألة التي قبلها بل هذا أولى لانهما ثم اتفقا على أن
المنافع ملك الراكب وههنا لم يتفقا على ذلك فإن المالك ينكر إنتقال الملك
فيها إلى الراكب والراكب يدعيه والقول قول المنكر لأن الأصل عدم الإنتقال
فيحلف ويستحق الأجر، فإن قال المالك غصبتها وقال الراكب أجرتنيها
فالاختلاف ههنا في وجوب القيمة لأن الأجر يجب في الموضعين إلا أن يختلف
المسمى وأجر المثل فالقول قول المالك مع يمينه في وجوب القيمة فإن كانت
الدابة تالفة عقيب أخذها حلف وأخذ قيمتها وإن كانت قد بقيت مدة لمثلها أجر
والمسمى بقدر أجر المثل أخذه المالك لا تفاقهما على استحقاقه وكذلك إن كان
أجر المثل دون المسمى وفي اليمين وجهان وان كان زائداً عن المسمى لم يستحقه
إلا باليمين وجهاً واحداً والله أعلم
(5/373)
|