الشرح
الكبير على متن المقنع كتاب الوصايا (وهي الأمر بالتصرف بعد
الموت) الوصايا جمع وصية مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي المتبرع
به بعد المو ت، وقال أبو الخطاب هو التبرع بمال يقف نفوذه على خروجه من
الثلث، فعلى قوله تكون العطية في مرض الموت وصية، والصحيح أنها ليست وصية
لأنها تخالفها في الاسم والحكم في أشياء ذكرناها في عطية المريض، والأصل
فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله سبحانه (كتب عليكم إذا حضر
أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) وقوله (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأما
السنة فروى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ
بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟
قال " لا " قلت فبالشطر يا رسول الله؟ قال لا قلت فبالثلث؟ قال " الثلث
والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس "
متفق عليه وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما حق امرئ
مسلم له ما يوصي ففيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "
(6/414)
متفق عليه وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية
لوارث " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه
قال
انكم تقرؤن هذه الآية (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأن النبي صلى الله
عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية رواه الترمذي وأجمع العلما في جميع
الامصار والأعصار على جواز الوصية (فصل) ولا تجب إلا على من عليه دين أو
عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه لأن الله تعالى أوجب أداء
الأمانات إلى أهلها وطريقه الوصية فتكون واجبة عليه، فأما الوصية ببعض ماله
فليست واجبة عند الجمهور يروي ذلك عن الشعبي والنخعي والثوري ومالك وأصحاب
الرأي والشافعي وغيرهم، قال ابن عبد البر اجمعوا على أن الوصية غير واجبة
إلا على من عليه حق بغير بينة أو أمانة بغير إشهاد إلا طائفة شذت فأوجبتها
فروي عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقاً مما قل أو كثر، وقيل لأبي
مجلز على كل ميت وصية؟ قال إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز هي واجبة
للأقربين الذين لا يرثون وبه قال داود وحكي ذلك عن مسروق وطاوس واياس
وقتادة وابن جرير واحتجوا بالآية وبخبر ابن عمر فقالوا تستحب الوصية
للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين
(6/415)
ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يوصوا ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل
عنهم نقلاً ظاهراً ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلم تجب بعد الموت كعطية
الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس نسخها قول سبحانه (للرجال نصيب مما ترك
الوالدان والأقربون) الآية وقال ابن عمر نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة
ومجاهد ومالك والشافعي وذهب جماعة ممن يرى نسخ القرآن بالنسبة إلى أنها
نسخت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا
وصية لوارث " وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة *
(مسألة) * (وتصح من البالغ الرشيد) عدلاً كان أو فاسقاً رجلاً أو امرأة
مسلماً أو كافراً لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى * (مسألة) * (وتصح من
السفيه في أصح الوجهين) المحجور عليه للسفه تصح وصيته في قياس قول أحمد قال
الخبري وهو قول الأكثرين وفيه وجه
آخر أنها لا نصح حكاه أبو الخطاب لأنه محجور عليه في تصرفانه فلم تصح منه
كالهبة ولنا أنه عاقل مكلف فصحت وصيته كالرشيد ولأن وصيته محض مصلحة من غير
ضرر لأنه
(6/416)
إن عاش لم يذهب من ماله شئ وإن مات فهو
محتاج إلى الثواب فصحت وصيته كعباداته (فصل) وتصح من الصبي العاقل إذا جاوز
العشر ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان المنصوص من أحمد صحة
وصية الصبي العاقل إذا جاوز العشر رواه عنه صالح وحنبل قال أبو بكر لا
يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته
وفيما بين السبع والعشر روايتان وقال ابن أبي موسى لا تصح وصية الغلام لدون
العشر ولا الجارية لدون تسع قولاً واحداً وما زاد على العشر فيصح على
المنصوص وفيه وجه آخر لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي وابو الخطاب تصح وصية
الصبي إذا عقل وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول
عمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عتبة والشعبي
والنخعي ومالك واسحاق، قال إسحاق إذا بلغ اثنتي عشرة، وحكاه ابن المنذر عن
أحمد وعن ابن عباس لا تصح
(6/417)
وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن ومجاهد
وأصحاب الرأي وللشافعي قولان كالمذهبين ولأنه تبرع بالمال فلا يصح من الصبي
كالهبة والعتق ولنا ما روى أن صبياً من غسان له عشر سنين وصى لأخوال له
فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد، وروى مالك
في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل
لعمر بن الخطاب إن ههنا غلاماً يفاعاً لم يحتلم وورثته بالشام وهو ذو مال
وليس له ههنا لا ابنة عم فقال عمر فليوص لها فأوصى بمال يقال له بئر خشم
قال عمرو بن سليم فبعث ذلك المال بثلاثين ألفاً وابنة عمه التي أوصى لها هي
أم عمر بن سليم قال أبو بكر وكان الغلام بن عشر أو اثنتي عشرة سنة وهذه
قضية انتشرت ولم تنكر ولأنه تصرف محض نفع للصبي فصح منه كالإسلام والصلاة
وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه فلا يلحقه ضرر في
عاجل دنياه
ولا أخراه بخلاف الهبة والمعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج اليه
وإذا ردت رجعت إليه وههنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا تصح
عباداته ولا إسلامه وأما من له فوق السبع ولم يبلغ العشر فقد ذكرنا فيه
روايتين (إحداهما) تصح وصيته وهو ظاهر قول القاضي وأبي الخطاب لأنه عاقل
يصح إسلامه
(6/418)
يؤمر بالصلاة وتصح منه أشبه من جاوز العشر
(والثانية) لا تصح كمن له دون السبع والأول أقيس والله أعلم قال الخرقي ومن
جاوز العشر فوصيته جائزة إذا وافق الحق يريد إذا وصى وصية يصح مثلها من
البالغ صحت منه ومالا فلا قال شريح وعبد الله بن عتبة وهما قاضيان من أصاب
الحق أجزنا وصيته * (مسألة) * (ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون
والمبرسم، وفي السكران وجهان) أما الطفل ومن له دون سبع سنين والمجنون
والمبرسم فلا وصية لهم في قول الأكثرين منهم حميد بن عبد الرحمن ومالك
والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومن تبعهم قال شيخنا ولا نعلم احداً
خالفهم إلا إياس بن معاوتة فإنه قال في الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهما
الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبداتهما ولا شئ من
تصرفاتهما فكذلك الوصية بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض
نفع لا ضرر فيها فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه فأما من يفيق في
الأحيان فإذا أوصى حال جنونه لم يصح، وإن أوصى حال إفاقته صحت وصيته لأنه
بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادات عليه فكذلك وصيته ولا تصح وصية
السكران في أصح الوجهين وفيه وجه آخر أنها تصح بناء على
(6/419)
طلاقه والأول أصح لأنه غير عاقل أشبه
المجنون وطلاقه انا أوقعه من أوقعه تغليظاً عليه لارتكابه المعصية فلا
يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه فأما
الضعيف في عقله فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فهو كالعاقل
والله أعلم * (مسألة) * (وتصح وصية الأخرس بالإشارة ولا تصح ممن اعتقل
لسانه بها ويحتمل أن تصح) إذا فهمت إشارة الأخرس صحت وصيته بها لأنها أقيمت
مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم تفهم إشارته فلا حكم لهاربه قال
أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت
عليه وصيته فاشار بها رفعت إشارته فلا تصح وصيته إذا لم يكن مأيوساً من
نطقه ذكره القاضي وابن عقيل وبه قال الثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ويحتمل أن
يصح وهو قول الشافعي وابن المنذر لأنه غير قادر على الكلام أشبه الأخرس
واحتج ابن المنذر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو قاعد فأشار
إليهم فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجهاً إذا اتصل باعتقال لسانه
الموت ولنا أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بالإشارة كالقادر على
الكلام والخبر لا يلزم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على الكلام
ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصيته ولا إقراره وفارق الأخرس
فإنه مأيوس من نطقه
(6/420)
(فصل) وإن وصى عبد أو مكاتب أو أم ولد وصية
ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال لهم وإن عتقوا ثم ماتوا ولم
يغيروا وصيتهم صحت لأن لهم قولاً صحيحاً وأهلية تامة وفارقوا الحر بأنهم لا
مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير ولا شئ له ثم استغنى
وإن قال أحدهم متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ثم مات صحت وصيته وبه
قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور ولا أعلم عن غيرهم خلافهم * (مسألة) * (وإن
وجدت وصيته بخطه صحت وعنه لا تصح حتى يشهد عليها) نقل إسحاق بن إبراهيم عن
أحمد أنه قال من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد عليها وعرف خطه
وكان مشهور الخط يقبل ما فيها ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما
حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه ببيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ولم يذكر
شهادة " ولأن الوصية يتسامح فيها ويصح تعليقها على الخطر والغرر وتصح للحمل
وبالحمل وبما لا يقدر على تسليمه فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية
الحديث وكما لو كتب الطلاق ولم يلفظ به وعن أحمد ما يدل على أنه لا يقبل
الخط في الوصية ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو
تقرأ عليه فيقر بما فيه
(6/421)
وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعي وأبو
ثور وأصحاب الرأي، لأن الحكم لا يجوز برؤية خط
الشاهد بالشهادة فكذا ههنا وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه خطه تحت
ختمه ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم
يجز للحاكم إنفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فههنا
أولى، وإن كتب وصيته وقال اشهدوا علي بما في هذه الورقة أو قال هذه وصيتي
فاشهدوا علي بها فقد حكي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال
للشهود اشهدوا علي بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو
يقرأ عليه فيقر بما فيه وهو قول من سمينا في المسألة الأولى ويحتمل جوازه
على ما نقله عن أحمد إسحاق بن إبراهيم في المسألة قبلها وذكره الخرقي، وممن
قال ذلك عبد الملك بن يعلى ومكحول ونمير بن ابراهيم ومالك والليث والاوزاعي
ومحمد بن مسلمة وأبو عبيد واسحاق وروي عن سالم بن عبد الله وقتادة وسوار بن
عبد الله بن الحسن ومعاذ بن معاذ العنبريين وهو مذهب فقهاء أهل البصرة
وقضاتهم واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله
وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه ثم ما عمل به الخلفاء الراشدون
المهديون بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج
والأموال
(6/422)
مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على
وجهها وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بكتاب كتبه وختم
عليه، ولا نعلم احدا أنكر ذلك مع شهريه وانتشاره في علماء العصر فيكون
إجماعاً، ووجه القول الأول أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد
عليه ككتاب القاضي إلى القاضي والأولى الجواز إن شاء الله تعالى لظهور
دليله والاصل لنافيه منع (فصل) وأما إذا ثبتت الوصية بشهادة أو إقرار
الورثة به فإنه يثبت حكمه ويعمل به ما لم يعلم رجوعه عنه وإن تطاولت مدته
وتغيرت أحوال الموصي مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أو بقتل لأن
الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال والشك كسائر الأحكام (فصل)
ويستحب أن يكتب الموصي وصيته وبشهد عليها لأنه أحوط لها وأحفظ لما فيها وقد
ذكرنا حديث ابن عمر وروى أنس رضي الله عنه قال كانوا يكتبون في صدور
وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده
ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من
ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا
مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب (يا بني إن الله اصطفى لكم
الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أخرجه سعيد عن فضيل بن عياض
(6/423)
عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس، وروي
عن ابن مسعود أنه كتب في وصيته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ذكر ما أوصى به
عبد الله بن مسعود إن حدث بي حادث الموت من مرضه هذا أن مرجع وصيتي إلى
الله تعالى ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله وأنهما في حل وبل مما
وليا وقضيا وأنه لا يزوج امرأة من بنات عبد الله ألا بإذنهما، وروى ابن عبد
قال كان في وصيته أبي الدرداء بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى أبو
الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده
ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه يؤمن بالله
ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيى ويموت إن شاء الله وأوصى فيما رزقه الله بكذا
وكذا وأن هذه وصيته إذ لم يغيرها.
* (فصل) * قال رحمه الله (والوصية مستحبة لمن ترك خيراً وهو المال الكثير
بخمس ماله وتكره لغيره إن كان له ورثة) وجملة ذلك أن الوصية مستحبة لمن ترك
خيراً لقول الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم المو ت إن ترك خيرا)
الوصية فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث، وروى ابن عمر
(6/424)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
يا ابن آدم جعلت لك نصيباً من مالك حين أخذت بكظمك لا طهرك وأزكيك " وعن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله تصدق عليكم عند
وفاتكم بثلث أموالكم " رواهما ابن ماجة، وقال الشعبي من أوصى بوصية فلم يجر
ولم يحف كان له من الأجر مثل ما لو أعطاه وهو صحيح، فأما الفقير الذي له
ورثة محتاجون فلا يستحب له أن يوصي لأن الله تعالى قال في الوصية إن ترك
خيرا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من
أن تدعهم
عالة يتكففون الناس " وقال ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقال علي رضي الله عنه
لرجل أراد أن يوصي إنك لم تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً فدعه لورثتك،
وروي عنه أنه قال في أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الوراث وروي عن عائشة
رضي الله عنها أن رجلاً قال لها لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي؟
فقالت اجعل الثلاثة للأربعة وعن ابن عباس قال من ترك سبعمائة درهم ليس عليه
وصية وقال عروة دخل علي على صديق له يعوده فقال الرجل إني أريد أن أوصي
فقال له على أن الله تعالى يقول إن ترك خيرا وإنك إنما تدع شيئاً يسيراً
فدعه لورثتك، واختلف أهل العلم في القدر الذي
(6/425)
لا نستحب الوصية لمالكه فروي عن أحمد إذا
ترك دون الألف لا تستحب له الوصية وعن علي أربعمائة دينار وعن ابن عباس إذا
ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال من ترك ستين ديناراً ما ترك خيراً
وقال طاوس الخير ثمانون ديناراً، وقال النخعي ألف إلى خمسمائة وقال أبو
حنيفة القليل أن يصيب أقل الورثة سهماً خمسون درهماً، قال شيخنا والذي يقوى
عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لأن النبي
صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله " إنك إن تترك ورثتك أغنياء
خير من أن تدعهم عالة، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي
فمتى لم يبلغ الميراث غناءهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون أفضل من
الوصية به لغيرهم.
فعلى هذا تختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغنائهم وحاجتهم فلا
يتقيد بقدر من المال وقد قال الشعبي ما من مال أعظم أجراً من مال يتركه
الرجل لولده يغنيهم به عن الناس (فصل) والأولى ان لا يستوعب الثلث بالوصية
وإن كان غنياً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والثلث كثير " قال ابن عباس
لو أن الناس نقصوا من الثلث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الثلث كثير
" متفق عليه وقال القاضي وابو الخطاب إن كان غنياً استحب الوصية بالثلث
(6/426)
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد
" والثلث كثير " مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله فإنه قال في الحديث:
إن لي مالاً كثيراً ولا يرثني إلا ابنتي.
وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن
الساثب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال مرضت مرضاً فعادني
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " أوصيت؟ " فقلت نعم أوصيت بمالي كله
للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوص بالعشر؟
فقلت يا رسول الله مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يناقصني وأناقصه حتى قال " أوص بالثلث والثلث كثير " قال أبو عبد
الرحمن لم يكن منا من يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئاً لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " إذا ثبت هذا فالأفضل للغني
الوصية بالخمس روي نحو هذا عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله
عنهما وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة، ويروى عن عمر رضي الله عنه
أنه جاءه شيخ فقال يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب
موالي كلالة منزوح بينهم أفأوصي بمالي كله؟ قال لا فلم يزل يحطه حتى بلغ
العشر وقال إسحاق السنة الربع إلا أن يكون الرجل يعرف في ماله حرمة شبهات
أو غيرها فله استيعاب الثلث
(6/427)
ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى
بالخمس وقال رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى (واعلموا انما
غنتم من شئ فأن لله خمسه) وروي أن أبا بكر وعلياً رضي الله عنهما أوصيا
بالخمس، وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي
بالربع وعن إبراهيم قال كانوا يقولون صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب
الخمس أفضل من صاحب الربع وعن الشعبي قال كان الخمس أحب إليهم من الثلث فهو
منتهى الجامح، وعن العلاء بن زياد قال أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية
أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتابعوا على الخمس.
(فصل) والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء في
قول عامة أهل العلم قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا
كانوا ذوي حاجة وذك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه
الوارثون بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وبقي سائر
الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب، وقد قال الله تعالى (وآت ذا
القربى حقه) وقال
تعالى (وآتى المال على حبه ذوي القربى) فبدأ بهم ولأن الصدقة عليهم في
الحياة أفضل فكذلك بعد
(6/428)
الموت فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته في
قول أكثر أهل العلم منهم سالم وسليمان بن يسار وعطاء ومالك والثوري
والاوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وحكي عن طاوس والضحاك وعبد الملك
بن يعلى أنهم قالوا ينزع عنهم ويرد إلى قرابته، وعن سعيد بن المسيب والحسن
وجابر بن زيد للذي أوصى له ثلث الثلث والباقي يرد إلى قرابة الموصي لأنه لو
أوصى بماله كله لجاز منه الثلث والباقي يرد على الورثة وأقاربه الذين لا
يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة في اسحقاق المال كله.
ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلاً أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال
غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم
أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فأجاز العتق في ثلثه لغير أقاربه ولأنها
عطية فجازت لغير أقاربه كالعطية في الحياة * (مسألة) * (فأما من لا وارث له
فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه لا يجوز إلا الثلث) اختلفت الرواية عن أحمد
رحمه الله فيمن لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته جائزة
بكل ماله ثبت ذلك عن ابن مسعود وبه قال عبيدة السلماني ومسروق واسحاق وأهل
العراق والرواية الأخرى لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك والاوزاعي وابن
شبرمة والشافعي والعنبري
(6/429)
لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر
من الثلث كما لو ترك وارثاً ولأن المسلمين يرثونه وهو بيت المال.
ولنا أن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة به بدليل قول
النبي صلى الله عليه وسلم " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة
يتكففون الناس " وههنا لا وارث له يتعلق حقه بماله فأشبه حال الصحة ولانه
لم ينعق بماله حق وارث ولا غريم أشبه حال الصحة والثلث (فصل) وإن خلف ذا
فرض لا يرث جميع المال كبنت أو أم لم تكن له الوصية بأكثر من
الثلث لأن سعداً قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا يرثني إلا ابنة فمنعه
النبي صلى الله عليه وسلم من الزيادة على الثلث، ولأنها تستحق جميع المال
بالفرض والرد فأشبه العصبة وإن كان للميتة زوج أو كان للرجل امرأة فكذلك
لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية لقول الله تعالى (من
بعد وصية يوصى بها أو دين) وقيل تبطل في قدر فرضه من الثلثين فإذا كان
للميتة زوج فله الثلث وإن كان للميت امرأة فلها السدس وهو ربع الباقي بعد
الثلث والباقي للموصى له وهذا أولى إن شاء الله تعالى لأن الثلث ليس للوارث
فيه أمر إنما إجازته ورده في الثلثين ولم ينقص عليه منهما شئ فأما ذوو
(6/430)
الأرحام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يمنع
الوصية بجميع المال لأنه قال ومن أوصى بجميع ماله ولا عصبة له ولا مولى
فجائز وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة والصلة ولذلك لا يصرف إليه شئ إلا
عند عدم الرد والمولى، ولا تجب نفقتهم في الصحيح ويحتمل كلام شيخنا في
الكتاب المشروح أنه لا تنفذ وصيته فيما زاد على الثلث لأن له وارثاً فيدخل
في معنى قوله عليه السلام " إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة
يتكففون الناس " ولأنهم ورثة يستحقون ماله بعد موته فأشبهوا ذوي الفروض
والعصبات وتقديم غيرهم عليهم لا يمنع مساواتهم لهم في مسئلتنا كذوي الفروض
الذين يحجب بعضهم بعضاً (فصل) فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله بفرضه أو
قال أوصيت لفلان بثلثي على أنه لا ينقص ذا الفرض شيئاً من فرضه أو خلف
امرأة وقال أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها صح في المسألة الأولى لأن
ذا الفرض يرث المال كله لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها من
رأس المال أو يجعلها من الزائد على الفرض، فأما المسألة الثانية فتنبني على
الوصية بجميع المال فإن قلنا تصح ثم صحت ههنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال
لا وارث له فصحت الوصية به كما لو لم تكن زوجة وإن قلنا لا تصح ثم فههنا
مثله لأن بيت المال جعل كالوارث فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون
(6/431)
المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم،
فعلى هذا يعطى الموصى له الثلث من رأس المال ويسقط تخصيصه.
* (مسألة) * (ولا يجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشئ
إلا بإجازة الورثة) وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير
إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة فإن أجازوه جاز وإن ردوه بطل
في قول أكثر العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال أوصي
بمالي كله؟ قال " لا - الحديث إلى أن قال - فبالثلث والثلث كثير " وقوله
عليه السلام " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم " يدل على أنه
لا شئ له في الزائد عليه وحديث عمران ابن حصين في المملوكين السنة الذين
أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم.
فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرث أربعة وقال
له قولاً شديداً يدل على أنه لا يصح تصرفه فيها زاد على الثلث إذا لم تجز
الورثة وتجوز بإجازتهم لأن الحق لهم وقد قيل إن الوصية بما زاد على الثلث
باطلة كما يذكر فيما إذا أوصى للوارث، وحكم الوصية للوارث كالحكم في الوصية
لغيره بالزيادة على الثلث في أنها تبطل بالرد بغير خلاف بين العلماء، قال
إبن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على هذا
(6/432)
وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن
الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود وابن ماجة
والترمذي ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من تفضيل بعض ولده عنى بعض في
حال الصحة مع إمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك
لما فيه من إيقاع العدواة والحسد بينهم ففي حال موته وتعلق الحقوق به وتعذر
تلافي العدل بينهم أولى وأحرى فإن أجازها باقي الورثة جازت في قول الجمهور
من أهل العلم وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وإن أجازها الورثة إلا أن
يعطوه عطية مبتدأة أخذاً من ظاهر قول أحمد رحمه اله في رواية حنبل لا وصية
لوارث وهذا قول المزني وأهل الظاهر وقول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي
صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وظاهر مذهب أحمد والشافعي أن الوصية
صحيحة في نفسها لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لاجنبي
والخبر قد روي فيه " إلا أن يجيز الورثة " والاستثناء من النفي إثبات فيكون
ذلك دليلاً
(6/433)
على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من
الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا أو
يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة، وفائدة الخلاف
أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول
الوارث أجزت وإن كانت باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة وسنذكر ذلك إن شاء
الله تعالى (فصل) وإن أسقط عن وارثه ديناً أو وصى بقضاء دينه أو أسقطت
المرأة صداقها عن زوجها أو عفى عن جناية موجبها المال فهي كالوصية له وإن
عفي عن القصاص وقلنا الواجب القصاص عيناً سقط إلى غير بدل وإن قلنا الواجب
أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وإن عفي عن حد القذف سقط مطلقاً، وإن وصى
لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وقال
أبو يوسف هي وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذه الوصية ويستوفى دينه منها
ولنا أنه وصى لأجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه، وإن وصى
لولد وارثه صح فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله
تعالى قال طاوس في قوله تعالى فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً قال أن يوصي
لولد ابنته وهو يريد ابنته رواه سعيد وقال ابن عباس الجنف في الوصية
والإضرار فيها من الكبائر
(6/434)
* (مسألة) * (فإن وصى لكل وارث بمعين قدر
نصيبه كرجل خلف ابناً وبنتاً وعبداً قيمته مائة وأمة قيمتها خمسون فوصى
للابن بالعبد وللبنت بالأمة صحت الوصية في أحد الوجهين) لأن حق الوارث في
القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبياً بجميع
ماله فإنه يصح إذا كان بثمن المثل وإن تضمن فوات عين المال (والثاني) يقف
على إجازة الورثة لأن في الأعيان غرضاً صحيحاً فكما لا يجوز إبطال حق
الوارث من قدر حقه لا يجوز من عينه * (مسألة) * (وإن لم يف الثلث بالوصايا
تحاصوا فيه وادخل النقص على كل واحد بقدر وصيته وعنه يقدم العتق) إذا خلت
الوصايا من العتق وتجاوزت الثلث فرد الورثة الزيادة فإن الثلث يقسم بين
الموصى لهم على
قدر وصاياهم ويدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ماله في الوصية كمسائل
العول إذا زادت الفروض عن المال فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولآخر
بمعين قيمته خمسون ووصى بفداء أسير بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله
مائة جمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمائة ونسبت منها الثلث فكان
(6/435)
ثلثها فيعطى كل واحد منهم ثلث وصيته فلصاحب
الثلث ثلث المائة وكذلك صاحب المائة ولصاحب الخمسين سدسها ولفداء الأسير
عشرة ولعمارة المسجد ستة وثلثان وإن كان فيها عتق ففيها روايتان (إحداهما)
أن الثلث يقسم بين الوصايا والعتق كما لو لم يكن فيها عتق وهذا قول ابن
سيرين والشعبي وأبي ثور لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه كسائر
الوصايا (والروية الثانية) يقدم العتق وما فضل منه يقسم بين سائر الوصايا
على قدر وصاياهم روى ذلك عن عمر وبه قال شريح ومسروق وعطاء الخراساني
وقتادة والزهري ومالك والثوري واسحاق لأن فيه حقاً لله وللآدمي فكان آكد
ولأنه لا يلحقه فسخ ويلحق غيره ولأنه أقوى بدليل سرايته ونفوذ من الراهن
والمفلس وروي عن الحسن والشافعي كالروايتين (فصل) والعطايا المعلقة بالمو ت
كقوله إذا مت فأعطوا فلاناً كذا أو اعتقوا فلاناً ونحوه وصايا حكمها حكم
غيرها من الوصايا في مقدمها ومؤخرها والخلاف في تقديم العتق منها لأنها
تلزم بالموت فتتساوى كلها.
(6/436)
(فصل) إذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث
إعتاقه ويجبره الحاكم عليه إن أبى لأنه حق واجب عليه فأجبر عليه كتنفيذ
الوصية بالعطية وإن أعتقه الوارث أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه لأنه حنيئذ
عتق وولاؤه للموصي لأنه السبب وهؤلاء نواب عنه ولهذا لزمهم إعتاقه فإن كانت
الوصية بعتقه إلى غير الوارث كان الإعتاق اليه لأنه نائب الموصي في إعتاقه
فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع كالوكيل في الحياة: * (مسألة) * (وإن أجاز
الورثة الوصية جازت)
لأن الحق لهم وإن ردوها بطلت بغير خلاف لأن الحق لهم فجاز بإجازتهم وبطل
بردهم واجازتهم تنفيد في الصحيح من المذاهب لأن ظاهر المذهب أن الوصية
للوارث وللأجنبي بالزيادة على الثلث صحيحة موقوفة على إجازة الورثة فعلى
هذا تكون اجازته تنفيذاً وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت
أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية ولا خلاف في تسميتها إجازة فعلى هذا لا
تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت فيها أحكام الهبة لأنها ليست هبة وقال بعض
أصحابنا الوصية باطلة فعلى هذا تكون هبة تفتقر إلى شروط الهبة وتثبت فيها
أحكامها فلو كان المجيز أباً للمجاز له لم يكن له الرجوع
(6/437)
فيه إذا قلنا إنها إجازة مجردة وإن قلنا هي
هبة مبتدأة فله الرجوع ولو أعتق عبدًا لا مال له سواه في مرضه أو وصى بعتقه
فأعتقوه بوصيته نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن
أجازوه عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله على قولنا بصحة إعتاقه
ووصيته وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالإعتاق فالحكم
فيه على ما ذكرنا وإن قلنا الوصية باطلة والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات
الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم
باشروه بالإعتاق ولو تزوج رجل ابنة عمه فأوصت له بوصية أو أعطته في مرض
موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فليس
له ذلك إن قلنا هي تنفيذ وله الرجوع إن قلنا هي هبة مبتدأة ولو وقف في مرضه
على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا إجازتهم تنفيذ وإن قلنا هي عطية مبتدأة
انبنى على صحة وقف الإنسان على نفسه على ما ذكر من الخلاف فيه (فصل) ولا
فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال إن وصى في
المرض فهو من الثلث وإن كان صحيحاً فله أن يوصي بما شاء قال القاضي يريد
بذلك العطية أما الوصية فهي عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل
حال
(6/438)
* (مسألة) * (ومن أوصى له وهو في الظاهر
وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية، وإن أوصى له وهو غير وارث فصار
عند الموت وارثاً بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت)
لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت، فلو وصى لثلاثة
إخوة له مفترقين ولا ولد له ومات ولم يولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب
إلا بإجازة الورثة، وإن ولد له ابن صحت الوصية للجميع من غير إجازة إذا لم
تتجاوز الثلث، وإن ولد له بنت جازت الوصية لغير الأخ من الأبوين فيكون لهما
ثلثا الموصى به بينهما، ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث، وبهذا يقول
الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلاف ذلك
ولو وصى لهم وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ولا
لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه، وإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم
تجز الوصية للأخ من الأب أيضاً لأنه صار وارثاً (فصل) ولو وصى لامرأة
أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها إلا بإجازة الورثة وإن أوصى
أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث إلا أنه إن طلقها في
مرض موته
(6/439)
فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها
لأنه يتهم أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك كما لو
طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها * (مسألة) * (ولا تصح
إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به) فلو أجازوا قبل
ذلك ثم ردوا أو أذنوا لموروثهم بالوصية في حياته بجميع المال أو بالوصية
لبعض الورثة ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الإجازة في
صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود
وهو قول شريح وطاوس والحكم والثوري والحسن ابن صالح والشافعي وأبي ثور وابن
المنذر وأبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد
الملك بن يعلى والزهري وربيعة والاوزاعي وابن أبي ليلى ذلك جائز عليهم لأن
الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك
إن أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله
فكذلك جائز عليهم ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم
كالمرأة إذا أصدقت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل
البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم تصح فيها إجازتهم
كما قبل الوصية.
(6/440)
* (مسألة) * (ومن أجاز الوصية ثم قال إنما
أجزت لأني ظننت المال قليلاً فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على
ما ظنه في أظهر الوجهين إلا أن تقوم به بينة) وجملة ذلك أنه إذا وصى بزيادة
على الثلث فأجاز الوارث الوصية ثم قال إنما أجزتها ظناً أن المال قليل فبان
كثيراً فإن كانت للموصى له بينة تشهد باعترافه بقدر المال أو كان المال
ظاهراً لا يخفي عليه لم يقبل قوله إذا قلنا الإجازة تنفيذ فإن قلنا هي هبة
مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة
باعترافه ولم يكن المال ظاهراً فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت
منزلة الإبراء فلا تصح في المجهول فالقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن
الأصل عدم العلم فإذا وصى بنصف ماله فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف
فقال ظننته ثلاثة آلاف فله الرجوع بخمسائة لأنه رضي بإجازة الوصية على أن
الزائد على الثلث خمسمائة فكانت ألفاً فيرجع بخمسائة فيحصل للموصى له ألفان
وخمسمائة
(6/441)
وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لأنه أجاز
عقداً له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في
فسخه بعيب أو خيار أو أقر بدين ثم قال غلطت * (مسألة) * (وإن كان المجاز
عيناً أو فرساً يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت باقي المال
كثيراً تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلاً أو ظهر عليه دين لم اعلمه تبطلل
الوصية) لأن العبد معلوم لا جهالة فيه، وفيه وجه آخر أنه يملك الفسخ لأنه
قد يسمح بذلك ظناً منه أن يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بأن خلاف ذلك
لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها (فصل) ولا تصح
الإجازة إلا من جائز التصرف ولا تصح من الصبي والمجنون والمحجور عليه للسفه
لأنها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة، فأما المحجور عليه لفلس فتصح منه
إن قلنا هي تنفيذ وإن قلنا هي هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله *
(مسألة) * (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت فأما رده
وقبوله قبل ذلك فلا عبرة به)
يشترط لثبوت الملك للموصى له شرطان (أحدهما) القبول إذا كانت لمعين يمكن
القبول منه في قول جمهور الفقهاء لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك
متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع قال أحمد الهبة
(6/442)
والوصية واحد فإن كانت لغير معنى كالفقراء
والمساكين أو لمن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم
يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القول من جميعهم متعذر فسقط
اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفي بقبوله ولذلك لو كان منهم
ذو رحم من الموصى به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه
ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما يثبت لك
واحد منهم بالقبض فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك
فعيتبر قبوله لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يحصل بما قام مقامه من الأخذ
والفعل الدال على الرضى كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور
والتراخي (الثاني) أن يقبل بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق
ولذلك لم يصح رده * (مسألة) * (وإن مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت
الوصية) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال
الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن
تكون لولد الموصى له وقال عطاء إذا علم المريض بموت الموصى له ولم يحدث
فيما أوصى به شيئاً فهو لوارث الموصى له لأنه مات بعد عقد الوصية فيقوم
الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول
(6/443)
ولنا أنها عطية صادقت المعطى ميتاً فلم تصح
كما لو وهب ميتاً وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت
الوصية أيضاً وإن سلمنا صحتها فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسئلتنا.
* (مسألة) * (وإن ردها بعد موته بطلت أيضاً) لا يخلو رد الوصية من أربعة
أحوال (أحدها) أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد لأن الوصية لم تقع بعد
أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا
يكون محلاً للرد كما قبل الوصية (الثاني) أن يردها بعد الموت وقبل القبول
فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه اسقط حقه في حال يملك قبوله
وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع (الثالث) أن يرد بعد القبول
والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فأشبه رده لسائر ملكه إلا أن
يرضي الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة (الرابع) أن يرد
بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد
لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم
يصح لأن ملكه قد استقر عليه فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن
القبض معتبر فيه، ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان
(6/444)
(أحدهما) يصح الرد في الجميع فلا فرق بين
المكيل والموزون وغيرهما وهو المنصوص عن الشافعي لأنهم لما ملكوا الرد من
غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض
فصح رده كما قبل القبول (والثاني) لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقول من
غير قبض (فصل) وكل موضع صح الرد فيه فإن الوصية تبطل بالرد ويرجع الموصى به
إلى التركة فيكون الجميع للوارث لأن الأصل ثبوت الحق لهم وإنما خرج بالوصية
فإذا بطلت رجع إلى ما كان عليه كأن الوصية لم توجد ولو عين بالرد واحداً
فقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان لجميعهم لأن رده امتناع من تملكه
فبقي على ما كان عليه ولأنه لا يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وار
ث يخصه به.
وكل موضع امتنع الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به بعض الورثة لأنه
ابتداء هبة ولأنه يملك دفعه إلى أجنبي فملك دفعه إلى الوراث فلو قال رددت
هذه الوصية لفلان قيل له ما أرددت بقولك لفلان؟ فإن قال أردت تمليكه إياها
وتخصيصه بها فقبلها اختص بها وإن قال أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان عادت
إلى الجميع إنما قبلوها فإن قبلها بعضهم دون بعض فمن قبل حصته منها (فصل)
ويحصل الرد بقوله رددت الوصية وقوله ما أقبلها وما أدى هذا المعنى قال أحمد
إذا
(6/445)
وصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثة
الموصى له
* (مسألة) * (وإن مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه ذكره الخرقي
وقال القاضي يبطل على قياس قوله) إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل
الرد والقبول قام وارثه مقامه في القبول والرد كذلك ذكره الخرقي لأنه حق
يثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه الصلاة والسلام " من ترك
حقاً فلورثته " وكخيار الرد بالعيب وقال أبو عبد الله بن حامد تبطل الوصية
لأنه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبل القبول بطل العقد
كالهبة قال القاضي هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار
المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة، وقال أصحاب الرأي تلزم الوصية في حق
الوارث وتدخل في ملكه حكماً بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي
وإنما الخيار للموصى له فإذا مات بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى
شيئاً على أن الخيار له فمات بعد انقضائه ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت
الوصي أنها عقد لازم من أحد الطرفين فلم يبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن
والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له فلا
يبطل
(6/446)
يموت الآخر كالذي ذكرنا، ويفارق الهبة
والبيع قبل القبول من الوجهين الذين ذكرناهما وهو أنه جائز من الطرفين
ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأن ثم يبطل الخيار ويلزم
العقد فنظيره في مسئلتنا قول أصحاب الرأي ولنا على إبطال قولهم أنه عقد
يفتقر إلى قبول التملك فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فان
الوراث يقوم مقام الموصى له في الرد والقبول لأن كل حق مات عنه المستحق فلم
يبطل بالموت قام الوارث فيه مقامه فإن رد الوارث الوصية بطلت وإن قبلها صحت
وإن كان الوراث جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقبل بعض
ثبت الملك لمن قبل في حصته وبطلت الوصية في حق من رد فإن كان منهم من ليس
له التصرف قام وليه مقامه في ذلك وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه فيه
الحظ فإن فعل غيره لم يصح، فإذا كان الحظ في قبولها لم يصح الرد وكان له
قبولها بعد ذلك وإن كان الحظ في ردها لم يصح قبوله لها لأن الولي لا يملك
التصرف في حق المولي عليه بغير ماله
الحظ فيه فلو وصى لصبي بذي رحم يعتق بمكله له وكان على الصبي ضرر في ذلك
بأن تلزمه نفقة الموصى به لكونه فقيراً لا كسب له والمولى عليه موسر لم يكن
له قبول الوصية وإن لم يكن عليه ضرر لكون
(6/447)
الموصى به ذا كسب أو لكون المولى عليه
فقيراً لا تلزمه نفقته تعين القبول لأن في ذلك نفعاً للمولى عليه لعتق
قرابته من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم * (مسألة) * (وإن قبلها
بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح من المذهب) وهو قول مالك وأهل
العراق وروي عن الشافعي وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أنه إذا قبل تبينا أن
الملك ثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله
بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة والبيع ولأنه لا
يجوز ان يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال (من بعد وصية يوصى بها
أو دين) والإرث بعد الوصية ولا يبقى للميت لأنه صار جماداً لا يملك شيئاً
وللشافعي قول ثالث غير مشهور أن الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول
لما ذكرنا ولنا أنه تمليك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك
القبول كسائر العقود ولأن القبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولأن
القبول لا يخلو من أن يكون شرطاً أو جزءاً من السبب والحكم لا يتقدم سببه
ولا شرطه ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل، فإن قيل فلو
قال لامرأته أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته
بشهر، قلنا ليس هذا شرطاً في وقوع الطلاق وإنما نتبين الوقت الذي يقع فيه
الطلاق ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله
(6/448)
بشهر لم يصح، وأما انتقاله من جهة الموجب
في سائر العقود فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول فهو كمسئلتنا غير أن ما بين
الإيجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسئلتنا، قولهم إن الملك لا
يثبت للوارث ممنوع فإن الملك ينتقل الى الوراث بحكم الأصل إلا أن يمنع منه
مانع فأما قول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) قلنا المراد به
الوصية المقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكاً للوارث وقبل قبولها فليست
مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فلكم الربع من بعد وصية يوصى بها) أي
لكم ذلك مستقر
ولا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في
التركة وهو آكد من الوصية وإن سلمنا أن الملك لا يبقى للوارث فإنه يبقى
ملكاً للميت كما إذا كان عليه دين، وقولهم لا يبقى له ملك ممنوع فإنه يبقى
ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له
ملك في ديته إذا قتل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تقضى
ديونه وننفذ وصاياه ويجهز إن كان قبل تجهيزه فهذا يبقى على ملكه لتعذر
انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام
السبب فإن رد الموصى له أو قبل انتقل حينئذ فإن قلنا بالأول وإنه ينتقل إلى
الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين
المرهونة
(6/449)
فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو
تصرف بغير ذلك لم ينفذ شئ من تصرفاته ولو كان الوارث ابناً للموصي به مثل
أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي فإذا ماتت انتقل
الملك فيه إلى ابنه حين القبول ولا يعتق عليه * (مسألة) * (فما حصل من كسب
أو نماء منفصل في الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول كالولد والثمرة
والكسب فهو للورثة على الوجه الأول) لأنه ملكهم فإن كان متصلاً تبعها لأنه
يتبع في العقود والفسوخ * (مسألة) * (وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوراث
قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له وولدها حر لأنه وطئها في ملكه) وعليه
قيمتها للوصي إذا قبلها لأنه فوتها عليه ولا مهر عليه ولا تلزمه قيمة الولد
لذلك، فإن قيل فكيف قضيتم بعتقها ههنا وهي لا تعتق بإعتاقه؟ قلنا الاستيلاد
أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن والأب والشريك المعسر وإن لم ينفذ
إعتاقهم، وعلى الوجه الآخر يكون ولده رقيقاً والأمة باقية على الرق فإن
وطئها الموصى له قبل ذلك كان قبولاً لها ويثبت الملك له به لأنه لا يجوز
إلا في الملك
(6/450)
فإقدامه عليه دليل على اختياره الملك فأشبه
ما لو وطئ من له الرجعة زوجته الرجعية أو وطئ من له
الخيار في البيع الأمة المبيعة أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته *
(مسألة) * (وإن وصى له بزوجته فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده
رقيق للوارث) وعلى الوجه الآخر يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد
لأنها علقت منه بحر في ملكه * (مسألة) * (وإن وصى له بأبيه فمات قبل القبول
فقبل ابنه عتق الموصى به ولم يرث شيئاً) وجملة ذلك أنه إذا وصى له بأبيه
فمات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول فلوارثه قبولها على قول
الخرقي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى فإن قبلها ابنه صح وعتق عليه الجد ولم
يرث من ابنه شيئاً لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث
لغيره وعلى الوجه الآخر نثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس
وقال بعض أصحاب الشافعي لا يرث أيضاً لأنه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز
اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته وإذا لم يجز اعتباره لم يعتق فيؤدي توريثه
إلى إبطال توريثه وهذا فاسد فإنه لو أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث
ثبت نسبه وورث مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة ومن
(6/451)
فروع ذلك أنه لو مات الموصى له فقبل وارثه
لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي لا من جهة موروثه ولم يثبت
للموصى له شئ فحينئذ لا تقضى ديونه ولا ننفذ وصاياه ولا يعتق من يعتق عليه
فإن كان منهم من يعتق على الوراث عتق عليه وكان ولاؤه له دون الموصى له
وعلى الوجه الآخر نتبين أن الملك كان ثابتاً للموصى له وإن انتقل منه إلى
وارثه فتنعكس هذه الأحكام فتقضى ديونه وننفذ وصاياه ويعتق من يعتق عليه وله
ولاؤه يختص به الذكور من ورثته ويحتمل أن يثبت الملك من حين الموت فتنعكس
هذه الأحكام وقد ذكرناه (فصل) وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول
إن مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة أن يقول إن مت في مرضي هذا أو في
هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره
أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية المقيدة دون المطلقة قال أحمد فيمن
وصى وصية إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك
فليس له وصية وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال
مالك إن قال قولاً ولم يكتب كتاباً فهو كذلك وإن كتب كتاباً ثم صح من مرضه
وأقر الكتاب فالوصية بحالها ما لم ينقضها.
(6/452)
ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت
كما لو لم يكتب كتاباً أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله ولأنه قيد وصيته
بقيد فلا تتعداه كما ذكرناه وإن قال لأحد عبديه أنت حر بعد موتي وقال للآخر
أنت حر إن مت من مرضي هذا فمات من مرضه فالعبدان سواء في التدبير وإن برأ
من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه
وقال إن مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه وكذلك سائر الشروط
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون على شروطهم " (فصل) قال رضي
الله عنه (ويجوز الرجوع في الوصية) اتفق أهل العلم على أن للموصي أن يرجع
في كل ما وصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق فقد اختلف فيها فالاكثرن على
جواز الرجوع فيها أيضاً روى ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال يغير الرجل ما
شاء من وصيته وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقنادة ومالك والشافعي
وأحمد واسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي يغير ما
شاء منها إلا العتق لأنه إعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير
(6/453)
ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها ولأنها
عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض
قبل قبضه، وأما التدبير فلنا فيه منع وإن سلم فإن الوصية تفارق التدبير
فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليته على صفة في الحياة * (مسألة) *
(فإذا قال قدر رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو نحو ذلك كقوله غيرتها بطلت)
لأنه صريح في الرجوع وإن قال في الموصى به هو لورثتي أو في ميراثي فهو رجوع
لأن ذلك ينافي كونه وصية
* (مسألة) * (وإن قال ما أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعاً) وبه قال
الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً لأنه صرح بالرجوع عن
الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني أشبه ما لو قال رجعت عن وصيتي
لفلان وأوصيت بها لفلان * (مسألة) * (وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو
بينهما) إذا وصى لإنسان بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى لرجل بثلثه ثم
وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما وليس ذلك
رجوعاً
(6/454)
في الوصية الأولى وبه قال ربيعة ومالك
والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد والحسن
وعطاء وطاوس وداود وصيته للأخير منهما لأنه وصى للثاني بما وصى به للأول
فكان رجوعاً كما لو قال ما وصيت به لفلان فهو لفلان ولأن الثانية تنافي
الأولى فإذا أتى بها كان رجوعاً كما لو قال هذا لورثتي ولنا أنه وصى بها
لهما فاستويا فيها كما لو قال وصيت لكما بهذه العين وما قاسوا عليه صرح فيه
بالرجوع عن وصيته للأول وفي مسئلتنا يحتمل أنه قصد التشريك فلم تبطل وصية
الآخر بالشك (فصل) إذا وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعاً
وعلى قول الآخرين ينبغي أن يكون للثاني ثلثه كاملاً وإن وصى بعبده لاثنين
فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وإن وصى لاثنين بثلثي ماله فرد الورثة ذلك
ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملاً لأنه وصى له به منفرداً وزالت
المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به (فصل) إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث
لرجل وأقام آخر شاهدين أنه أوصى له بالثلث، فرد الوارث الوصيين وكان الوارث
رجلاً عدلاً وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في
(6/455)
الثلث، وبهذا قال أبو ثور، وهو قياس قول
الشافعي، وقال أصحاب الرأي لا يشاركه المقر له بناء منهم على أن الشاهد
واليمين ليس بحجة شرعية، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد
ويمين رواه مسلم، وإن كان المقر ليس بعدل أو كان امرأة فالثلث لمن شهدت له
البينة، لأن
وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوراث
أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد، أو أقر لآخر به بكلام متصل فالمقر به
بينهما، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً وإن أقر به
لواحد ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه ثبت للأول بإقراره
فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الأول إلا أن يكون عدلاً فيشهد بذلك ويحلف
معه المقر له فيشاركه كما لو ثبت للأول ببينة، وإن أقر للثاني في المجلس
بكلام منفصل ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل لأن حق الأول ثبت في الجميع فأشبه
ما لو أقر له في مجلس آخر (والثاني) يقبل لأن المجلس الواحد كالحال
الواحدة.
* (مسألة) * (وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعاً) إذا وهب الموصى به أو
تصدق به أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو كان ثوباً ففصله ولبسه
(6/456)
أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع.
قال إبن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنه إذا أوصى لرجل بطعام
فأكله أو بشئ فأتلفه أو وهبه أو تصدق به أو بجارية فأحبلها أو أولدها فإنه
يكون رجوعاً، وكذلك إن باعها، وحكي عن أصحاب الرأي إن بيعه ليس برجوع لأنه
أخذ بدله بخلاف الهبة.
ولنا أنه أزال ملكه عنه، فكان رجوعاً كما لو وهبه وإن عرضه على البيع أو
وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له كان رجوعاً لأنه يدل على
اختياره للرجوع ووصيته ببيعه أو إعتاقه رجوع لكونه وصى بما ينافي الوصية
الأولى وإن رهنه كان رجوعاً لأنه علق به حقاً يجوز بيعه، فكان أعظم من عرضه
على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه لا
يزيل الملك أشبه إجارته * (مسألة) * (وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية فعلى
وجهين) (أحدهما) يكون رجوعاً لأن الكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه
ينتجز بالموت فسبق أخذ الموصى له وجحد الوصية رجوع لأنه لا يدل على الرجوع
ولأن جحده يدل على أنه لا يريد
إيصاله إلى الموصى له.
(6/457)
و (الثاني) لا يكون رجوعاً لآل الكتابة
والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ولأن الوصية عقد فلا تبطل بالجحود كسائر
العقود وهو رواية عن أبي حنيفة.
* (مسألة) * (وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعاً) لأنه يتعذر
تسليمه فيدل على رجوعه، وإن خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعاً، لأنه لا
يمنع التسليم وإن أزال اسمه فطحن الحنطة أو عجن الدقيق أو خبز الحنطة أو
جعل الخبز فتيتاً فهو رجوع لأنه أزال اسمه وذكره القاضي لأنه أزال اسمه
وعرضه للاستعمال، وذلك دليل على رجوعه وبهذا قال الشافعي، وعلى قياس ذلك
إذا نجر الخشبة باباً ونحوه لأنه أزال اسمه فهو في معناه، وإن كان قطناً أو
كتاناً فغزله، أو غزلاً فنسجه، أو ثوباً فقطعه، أو بقرة فضربها، أو شاة
فذبحها كان رجوعاً، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي في ظاهر مذهبه، واختار
أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبو ثور لأنه لا يزيل اسمه ولنا أنه عرضه
للاستعمال فكان رجوعاً لأن فعله يدل على الرجوع، وقولهم انه لا يزيل اسمه
لا يصح فإن الثوب لا يسمى غزلاً، والغزل لا يسمى كتاناً.
(فصل) وإن حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من فعل الموصي مثل أن سقط الحب في
الأرض
(6/458)
فصار زرعاً أو انهدمت الدار فصارت فضاء في
حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الإسم وهو اختيار
القاضي وذكر أبو الخطاب في الدار إذا انهدمت وزال اسمها وجهاً أنه لا يكون
رجوعاً لأن الموصي لم يقصد ذلك والأول أولى وإن كان انهدام الدار لا يزيل
اسمها سلمت إليه.
* (مسألة) * (وان زاد في الدار عمارة أو انهدام بعضها فهل يستحقه الموصى
له؟ على وجهين: (أحدهما) : لا يستحقه لأن الزيادة لم تتناولها الوصية
والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار وإنما يتبع الدار في الوصية وما يتبعها في
البيع.
و (الوجه الآخر) : يدخلان في الوصية لأن الزيادة تابعة للموصى به فأشبه سمن
العبد وتعليمه والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائه.
* (مسألة) * (وإن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعاً
سواء خلطها بمثلها أو خير منها أو دونها لأنه كان مشاعاً وبقي مشاعاً وقيل
أن خلطه بخير منه كان رجوعاً لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير
منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا
خلطه بمثله أو دونه.
(فصل) نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال هذا ثلثي لفلان ويعطي فلان منه
مائة
(6/459)
في كل شهر الى أن يموت فهو للآخر منهما
ويعطى هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شئ رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة
الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصى.
* (مسألة) * (وإن وصى لرجل بشئ ثم قال إن قدم فلان فهو له، فقدم في حياة
الموصي فهو له لأنه جعله له بشرط قدومه وقد وجد الشرط، وإن قدم بعد موت
الموصي فهو للأول في أحد الوجهين، لأنه لما مات قبل قدومه انتقل إلى الأول
لعدم الشرط في الثاني وقدم وقدم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصي
منه فيبقى للأول، ذكره القاضي، وفي الوجه الثاني هو للقادم لأنه مشروط له
بقدومه فأشبه ما لو قال إن حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان، فحملت بعد موته
فإنه يستحق حملها، بعد ملك الورثة لأصلها.
(فصل) إذا أوصى بأمة لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح، لأن النكاح لا يجتمع
مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما ملك الموصى به بالقبول
فحينئذ ينفسخ النكاح، وفيه وجه آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتاً
من حين موت الموصي فتبين أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي فإن أتت بولد
لم يخل من ثلاثة أحوال.
(6/460)
(أحدها) أن تكون حاملاً حين الوصية ويعمل
ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى به معها
لأن للحمل حكماً ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به منفرداً صحت
به مع أمه فيصير كما لو كان منفصلاً فأوصى بهما جميعاً وفيه آخر لا حكم
للحمل فلا يدخل
في الوصية وإنما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن
انفصل في حياة الموصي فهو كسائر كسبها، وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو
للورثة على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصي.
(الحال الثاني) أن تحمل به بعد الوصية ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من
حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم
تتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية فلا نثبته بالشك فيكون مملوكاً للموصي
إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك وإن قلنا لا حكم
له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول ولأبيه إن ولدته بعده وكل موضع كان
الولد للموصى له فإنه يعتق عليه بأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه
بالقرابة وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه
بحر في ملكه
(6/461)
(الحال الثالث) أن تحمل بعد موت الموصي
وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته
قبل القبول فهو للوارث في ظاهر المذهب لأن الملك إنما يثبت للموصى له بعد
القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصي له، وإن وضعته بعد القبول فكذلك لأن
الظاهر أن للحمل حكماً فيكون حادثاً على ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون
للموصي له فعلى هذا يكون حراً لا ولاء عليه لأنها أم ولد لكونها علقت منه
بحر في ملكه فهو كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل
قريب مما قلناه، وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية
بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد ولنا
أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وكما لو وصى
بعتق جارية فولدت ويفارق الاستيلاد لأن له تغليباً وسراية وهذا التفريع
فيما إذا خرجت من الثلث وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ
النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع يكون الولد لابيه
فان يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان
موسراً وإن كان معسراً فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد
فإنها تصير أم ولد ههنا
(6/462)
سواء كان موسراً أو معسراً على قول الخرقي
كما إذا استولد الأمة المشتركة وقال القاضي يصير منها أم ولد بقدر ما ملك
منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (وتخرج الواجبات
من رأس المال أوصى بها أو لم يوص كقضاء الدين والحج والزكاة) لأن حق الورثة
بعد اداء الدين لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وقال علي رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية رواه
الترمذي والواجب لحق الله سبحانه بمنزلة الدين لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم " دين الله أحق أن يقضى " فإن وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من
الباقي فيخرج الواجب أولا من رأس المال ثم يخرج ثلث الباقي كمن تكون تركته
أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا وتدفع إلى الموصى
له بالثلث عشرة وهي ثلث الباقي بعد الدين * (مسألة) * (وإن قال أخرجوا
الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال على ما قال الموصي كأنه
قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان معها وصية بتبرع فقال القاضي يبدأ بالواجب
فإن فضل عنه من الثلث شئ فهو لصاحب التبرع وإن لم يفضل منه شئ سقط وذلك لأن
الدين تجب
(6/463)
البداءة به قبل الميراث والتبرع فإذا عينه
في الثلث وجب البداية به وما فضل للتبرع فإن لم يفضل شئ سقط لأنه لم يوص له
بشئ إلا أن يجيز الورثة فيعطى ما أوصى له به وقال أبو الخطاب يزاحم به
أصحاب الوصايا فيحتمل ما قاله القاضي ويحتمل أن يقسم الثلث بين الواجب
والتبرع بالحصة فما بقي من الواجب تمم من الثلثين فيدخله الدور ويحتاج إلى
العمل بطريق الخبر فلو كان المال ثلاثين فالواجب عشرة والوصية عشرة فاجعل
تتمة الواجب شيئاً يبقى ثلاثون إلا شيئاً فثلثه عشرة إلا ثلث شئ اقسمها بين
الواجب والتبرع يحصل للواجب خمسة إلا سدس شئ فإذا أضفت إليها الشئ الذي هو
تتمة الواجب كان عشرة فأجبر الخمسة من الشئ بسدسه يبقى خمسة أسداس شئ تعدل
خمسة فتبين ان الشئ ستة وللوصي الآجر وهو صاحب التبرع أربعة
(فصل) فإن كان عليه دين خمسة أيضاً عزلت تتمة الواجب شئ وتتمة الدين نصف شئ
بقي ثلث المال عشرة إلا نصف شئ فاقسمه بين الوصايا فيحصل للواجب أربعة الا
خمس شئ اضمم إليها تتمته يصير شيئاً وأربعة الا خمس شئ تصير عشرة وبعد
الجبر تصير أربعة أخماس تعدل ستة فرد على الستة ربعها تكن سبعة ونصفها تعدل
شيئاً فالشئ سبعة ونصف ونصف الشئ ثلاثة ونصف وربع
(6/464)
وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها
ستة وربع للدين خمسها أحد وربع إذا ضمت إليه تتمته كمل خمسة وللواجب اثنان
ونصف يكمل بتتمته وللصدقة اثنان ونصف، وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم
الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة
وصاحب التبرع بالقسط ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة
يأخذ من صاحب التبرع ديناراً ومن الورثة أربعة وفي المسألة الثانية حصل
للواجب أربعة وبقي له ستة وحصل للدين دينار وبقي له ثلاثة فيأخذان ما بقي
لهما وذلك تسعة من الورثة نصفها وثلثها وذلك سبعة ونصف ومن صاحب التبرع
سدسها دينار ونصفها للواجب منها ثلثاها وللدين ثلثها فإن أوصى بالواجب
وأطلق فهو من رأس المال فيبدأ بإخراجه قبل التبرعات والميراث فإن كانت وصية
ثم بتبرع فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى
أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لأنه إنما يملك الوصية بالثلث.
ولنا أن الواجب من رأس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره فيبقى على ما
كان عليه كما لو لم يوص به وقولهم لا يملك الوصية إلا بالثلث قلنا في
التبرع وأما في الواجبات فلا ينحصر في الئلث
(6/465)
ولا يتقيد به فإن أوصى بالواجب وقرن به
الوصية بتبرع مثل أن يقول حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني ففيه وجهان
(أصحهما) أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على
الاقتران في الحكم ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى (كلوا من ثمره إذا
اثمر وآتو حقه يوم حصاده) والأكل لا يجب والإيتاء يجب ولأنه ههنا قد عطف
غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب
لا يلزم استواءهما في محل الإخراج (والثاني) أنه من الثلث لأنه قرن به ما
مخرجه من الثلث والله سبحانه وتعالى أعلم.
(باب الموصى له) تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي وحربي ومرتد،
أما صحة الوصية للمسلم والذمي فلا نعلم فيه خلافاً وبه قال شريح والشعبي
والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي قال محمد بن الحنفية في قوله تعالى
(إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً) هو وصية المسلم لليهودي والنصراني
ولأن الهبة تصح له فصحت الوصية كالمسلم وتصح وصية الذمي للمسلم لأنه إذا
صحت وصية المسلم للذمي
(6/466)
فوصية الذمي للمسلم أولى وحكم وصية الذمي
حكم وصية المسلم فيما ذكرنا، وتصح الوصية للحربي وإن كان في دار الحرب نص
عليه أحمد وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا تصح وهو قول
أبي حنيفة لأن الله تعالى قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في
الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية إلى قوله
(إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم) الآية
فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره ولنا أنه تصح هبة فصحت الوصية له كالذمي
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عمر حلة من حرير فقال يا رسول
الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال " إني لم أعطكها لتلبسها "
فكساها عمر خاله مشركاً بمكة وعن أسماء بنت أبي بكر قالت أتتني أمي وهي
راغبة تعني عن الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول
الله أتتني أمي وهي راغبة أفأصلها؟ قال " نعم " وهذان فيهما صلة أهل الحرب
وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فإنما نهى عن توليه لا عن
بره ولا الوصية له وإن احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الإجماع
على صحة الهبة للحربي والوصية في معناها.
(6/467)
* (مسألة) * (وتصح للمرتد كما تصح الهبة
له)
ذكره أبو الخطاب وقال ابن أبي موسى لا تصح لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا
يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا
يثبت له الملك بالوصية * (مسألة) * (وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده) تصح
الوصية للمكاتب سواء كان مكاتبه أو مكاتب وارثه أو مكاتب أجنبي سواء وصى له
يجزء شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله ولأنه
يملك المال بالعقود فصحت الوصية له كالحر، فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض
كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤا وإن قال ضعوا عنه نجماً من نجومه فلهم
أن يضعو اي نجم شاؤا وسواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة لتناول اللفظ له فإن
قال ضعوا عنه أي نجم شاء رجع إلى مشيئته لأن سيده جعل المشيئة إليه وإن قال
ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثرها مالاً لأنه أكبرها قدراً، وإن قال
ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثر من نصفها لان اكثر الشئ يزيد على نصفه
فإن كانت نجومه خمسة وضعوا ثلاثة وإن كانت ستة وضعوا أربعة ويحتمل أن يصرف
إلى واحد منها أكثرها مالاً فإن كانت نجومه سواء تعين القول الأول فإن قال
ضعوا عنه أوسط نجومه ولم يكن فيها إلا وسط واحد تعين مثل أن تكون نجومه
متساوية القدر والأجل وعددها مفرد فيتعين الأوسط في العدد فإن كانت خمسة
تعين الثالث، وإن كانت
(6/468)
سبعة فالرابع فإن كان عددها مزدوجاً وهي
مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة فأوسطها
المائتان فيتعين وإن كانت متساوية القدر مختلفة الأجل مثل أن يكون اثنان
إلى شهر شهر وواحد إلى شهرين وواحد الى ثلاثة أشهر تعنيت الوصية في الذي
إلى شهرين، وإن اتفقت هذه المعاني في واحد تعين، وإن كان لها أوسط في القدر
وأوسط في الأجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضاً رجع إلى قول الورثة، وإن
اختلفت الورثة والمكاتب في إرادة الموصي منها فالقول قول الورثة مع أيمانهم
أنهم لا يعلمون ما أراد، ومتى كان العدد وتراً فأوسطه واحد وإن كانت شفعاً
كأربعة فأوسطه اثنان وهكذا القول فيما اذا أوصى بأوسط نجومه، وإن قال ضعوا
عنه ما يخف أو ما يثقل أو ما يكثر رجع إلى تقدير الورثة لان كل شئ يخف إلى
حيث ما هو أثقل منه، ويثقل إلى حيث ما هو أخف منه،
(6/469)
كما قال أصحابنا فيما إذا أقر بمال عظيم أو
كثير أو ثقيل أو خفيف، وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه وضع عنه النصف وأدنى
زيادة وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثل نصفه فذلك ثلاثة أرباع وأدنى
زيادة وإن قال ضعوا أكثر ما عليه ومثله فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها
فيصح في الكتابة ويبطل في الزيادة لعدم محلها وإن قال ضعوا عنه ما شاء فشاء
وضع كل ما عليه وضع لتناوله اللفظ فإن قال ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة
لم يضعوا عنه الكل، لأن من للتبعيض ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا في هذا
الفصل.
(6/470)
* (مسألة) * (وتصح الوصية لمدبره) لأنه
يصير حراً حين لزوم الوصية فصحت الوصية له كأم الولد فان لم يخرج من الثلث
هو والوصية جميعاً قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع له، وقال القاضي يعتق
بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه.
ولنا أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو
وصى لعبده القن بمشاع من ماله.
* (مسألة) * (وتصح الوصية لأم ولده لأنها حرة حين لزوم الوصية) وقد روى ذلك
عن عمر رضي الله عنه انه أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف، رواه
سعيد وروي ذلك عن عمران بن حصين، وبه قال ميمون بن مهران، والزهري، ويحيى
الانصاري، ومالك، والشافعي، واسحق.
(6/471)
* (مسألة) * (وتصح لعبد غيره) وتكون الوصية
لسيده والقبول من العبد لأن العقد مضاف إليه أشبه ما لو وهبه شيئاً فإذا
قبل نثبت لسيده لأنه من كسب عبده وكسب العبد للسيد ولا يفتقر في القبول إلى
إذن السيد لأنه كسب من غير إذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق
والشافعي ولأصحابه وجه آخر أنه يفتقر إلى إذن السيد لأنه تصرف العبد فهو
كبيعه وشرائه
ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى إذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح
(فصل) وإن وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه تقف على إجازة الورثة وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك إن كان يسيراً جاز لأن العبد يملك وإنما
لسيده أخذه من يده فإذا أوصى له بشئ يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده.
(6/472)
ولنا أنها وصية لعبد وارثه أشبه الوصية
بالكثير وما ذكره من ملك العبد ممنوع لا اعتبار به فإنه مع هذا القصد يستحق
سيده أخذه فهو كالكثير.
(فصل) وإذا وصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج عتقت فإن
تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي والليث وأبي ثور وابن
المنذر وأصحاب الرأي لأن العتق إذا وقع لم يمكن رفعه فإن وصى لأم ولده بألف
على أن لا تتزوج أو على أن تبيت مع ولده ففعلت وأخذت الألف ثم تزوجت أو
تركت ولده ففيها وجهان (أحدهما) تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت الوصية،
وفارق العتق فإنه لا يمكن رفعه (والثاني) لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب
الرأي لأن وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى * (مسألة) *
(وتصح لعبده بمشاع كثلثه فإن خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيه وإن لم
يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث) وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة
إلا أنهم قالوا إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه
(6/473)
وقال الشافعي الوصية باطلة إلا أن يوصي
بعتقه لأنه أوصى لمال يصير للورثة فلم يصح كما لو وصى له بمعين.
ولنا أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع
والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل استحقه لأنه يصير حراً فملك الوصية
فيصير كأنه قال أعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه ما فضل منه، وفارق ما إذا وصى
له بمعين لأنه لا يتناول شيئاً منه على أن لنا في الأصل
المقيس عليه منعاً.
* (مسألة) * (وإن وصى له بمعين كثوب أو دار أو مائة لم تصح الوصية في قول
الأكثرين منهم الثوري وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وذكر ابن أبي موسى
رواية عن احمد أنها تصح وهو قول مالك وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين إن
شاء الورثة أجازوا وإن شاءوا ردوا ولنا أن العبد يصير ملكاً للورثة فما وصى
به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه، وفارق ما إذا
وصى له بمشاع لما ذكرناه.
* (مسألة) * (وتصح الوصية للحمل إذا علم أنه كان موجوداً حين الوصية بأن
تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أو لأقل من أربع سنين
إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين) وفي الآخر لأقل من سنتين لا نعلم في صحة
الوصية للحمل خلافاً وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
(6/474)
وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيث
كونها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله
إلى وارثه، وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه (يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الاثنين) وقال سبحانه (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم
شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله) والحمل
يرث فتصح الوصية له ولأن الوصية أوسع من الميراث لأنها تصح للمخالف في
الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى ولأن الوصية
تتعلق بخطر وغرر فصحت للحمل كالعتق فإن انفصل الحمل ميتاً بطلت الوصية لأنه
لا يرث ولأنه يحتمل أن لا يكون حياً حين الوصية فلا تثبت له الوصية
والميراث بالشك، وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو شرب دواء أو غيره لما
بينا من أنه لا يرث وإن وضعته حياً صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال
الوصية بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر ان كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد
يطؤها فإنا نعلم وجوده حين الوصية فإن أتت به لأكثر منها لم تصح الوصية
لاحتمال حدوثه بعد الوصية، وإن كانت بائناً فأتت به لأكثر من أربع سنين من
حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وإن أتت به
لأقل من ذلك صحت الوصية
لأن الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من
أربع سنين من حين
(6/475)
الفرقة وهذا مذهب الشافعي، وإن وصى لحمل
امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط إلحاقه به، فإن كان
منفياً باللعان أو دعوى الاستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشترط في
الوصية فإن كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائباً
في بلد بعيد أو مريضاً مرضاً يمنع الوطئ أو كان أسيراً أو محبوساً أو علم
الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك فإن أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور
وبين ما إذا كان يطؤها لأنهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت
في حكم من يطؤها، قال شيخنا ويحتمل أنها متى أتت به في هذه الحال أو لوقت
يغلب على الظن أنه كان موجوداً حال الوصية مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة
الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان
موجوداً بأمارات الحمل بحيث يحكم لها بكونه حاملاً صحت الوصية له لأنه يثبت
له أحكام الحمل في غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهراً فنبغى أن
تثبت له الوصية، والحكم بإلحاقه بالزوج والسيد في تلك الصور إنما كان
احتياطاً للنسب فإنه يلحق بمجرد الاحتمال وإن كان بعيداً، ولا يلزم من
إثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فإنه لا يحتاط لإبطال
الوصية كما يحتاط لإثبات النسب فلا يلزم إلحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط له
مع ظهور ما يثبته
(6/476)
ويصححه، وفيه وجه آخر أنه إذا أتت به لأكثر
من سنتين إذا كانت بائناً لا تثبت له الوصية بناء على أن أكثر مدة الحمل
سنتان * (مسألة) * (وإن وصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح) وقال بعض أصحاب
الشافعي تصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية ولنا أن الوصية تمليك فلا
تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه يملك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية جرت
مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجوداً كذلك
الوصية، ولو تجدد للميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثه ورثته
ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي
تتجدد بعد موته فجاز أن تملك بالوصية.
فإن قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولد فلان صح فالوصية أولى لأنها
تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف، قلنا الوصية أجريت مجرى الميراث ولا
يحصل الميراث إلا لموجود فكذلك الوصية، والوقف يراد للدوام فمن ضرورته
إثباته للمعدوم.
(فصل) وإذا وصى لحمل امرأة فولدت ذكراً وانثى فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك
عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئاً بعد ولادتهما، وإن فاضل بينهما فهو على
ما قال كالوقف وإن قال إن كان في
(6/477)
بطنها غلام فله ديناران وإن كانت فيه جارية
فلها دينار فولدت غلاماً وجارية فلكل منهما ما وصى له به لأن الشرط وجد
فيه، وإن ولدت أحدهما منفرداً فله وصيته، ولو قال إن كان حملها أو إن كان
ما في بطنها غلاماً فله ديناران وإن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما
منفرداً فله وصيته، وإن ولدت غلاماً وجارية فلا شئ لهما لأن أحدهما ليس هو
جميع الحمل ولا كل ما في البطن، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور.
* (مسألة) * (وان قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وإن جرحه ثم أوصى له فمات
من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان)
اختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه، فقال ابن حامد تجوز الوصية
له واحتج بقول أحمد فيمن جرح رجلاً خطأ فعفا المجروح فقال أحمد تعتبر من
الثلث قال وهذه وصية لقاتل وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر وأظهر قولي
الشافعي لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر لا تصح
الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره والتدبير
وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من
الوصية، فالوصية
(6/478)
أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث
فمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب إن وصى له بعد جرحه صح وإن وصى له قبل ثم
طرأ القتل على الوصية أبطلها جمعها بين نصي أحمد في الموضعين، وهو قول
الحسن بن صالح وهذا قول حسن، لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها
لم يطرأ عليه
ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها فإنه يبطل ما هو
آكد منها، يحققه أن القتل إنما يمنع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث
الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعاً لمفسدة قتل
الموروثين ولذلك بطل التدبير بالقتل قبل الطارئ عليه أيضاً وهذا المعنى
متتحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل
قبل الوصية لأنه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض
بالوصية له بعد ما صدر منه في حقه وعلى هذا لا فرق بين الخطأ والعمد كما لا
تفترق الحال بذلك في الميراث.
* (مسألة) * (وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح) لأنهم من
أبواب البر فصحت لهم كغيرهم ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة
قياساً عليها، لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله
تعالى ولما أطلق الله تعالى أعطاهم من الزكاة حمل على ذلك كذلك هذا
(6/479)
قال شيخنا وإذا وصى لأصناف الزكاة
المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون الزكاة وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن
الوصية، كما لو وصى لثمان قبائل، والفرق بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز
الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه
والوصية أريد بها بيان من يجب الدفع إليه، ويجوز الاقتصار من كل صنف على
واحد في ظاهر المذهب لأنه لا يمكن استيعابهم وحكي هذا عن أصحاب الرأي وعن
محمد بن الحسن أنه قال لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين، وعن أحمد رواية
ثانية أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف حكاها أبو الخطاب وهو
مذهب الشافعي وقد ذكرنا ذلك وأدلته في الزكاة ولا يجوز الصرف إلا إلى
المستحق من أهل بلده كما ذكرنا في الزكاة (فصل) وإذا أوصى للفقراء وحدهم
دخل فيه المساكين وكذلك إن أوصى للمساكين دخل فيهم الفقراء لأنهم صنف واحد
في غير الزكاة إلا أن يذكر الصنفين جميعاً فيدل ذلك على أنه أراد المغايرة
بينهما، ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة
بأقارب الموصي كما ذكرنا في الزكاة.
* (مسألة) * (وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق
عليه صح لأن ذلك قربة يصح بذل المال فيه، فصحت الوصية له كالوصية للفقراء
فإن مات الفرس رد الموصى به
(6/480)
أو باقيه إلى الورثة لأنه عين للوصية جهة
فإذا فاتت عادت إلى الورثة كما لو وصى أن يشترى عبد زيد فيعتق فمات العبد
أو لم يبعه سيده أو تعذر شراؤه، وإن أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس بطلت
الوصية في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر
قبل شرائه قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل أوصى بألف درهم في
السبيل أيجعل في الحج منها؟ قال لا، إنما يعرف الناس السبيل الغزو.
(فصل) إذا قال يخدم عبدي فلان سنة ثم هو حر صحت الوصية فإن قال الموصى له
بالخدمة لا أقبل الوصية أو قال قد وهبت الخدمة لم يعتق في الحال وبهذا قال
الشافعي، وقال مالك إن وهب الخدمة للعبد عتق في الحال.
ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قبله كما لو رد الوصية (فصل)
وإن وصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسائة للورثة
وكذلك إن امتنع عن بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته أو لعجز الثلث عن
ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت
(6/481)
لتعذر العمل بها فأشبه ما لو وصى لرجل فمات
قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثاً ولا يلزم الورثة شراء عبد آخر لأن
الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره فإن اشتروه بأقل من ذلك فالباقي للورثة
وقال الثوري يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد إرفاقه بالثمن
ومحاباته فأشبه ما لو قال بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها وكما لو
وصى أن يحج عنه فلان بخمسمائة وهي أكثر من أجر المثل وقال إسحاق يجعل بقية
الثمن في العتق كما لو وصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج ولنا أنه
أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعاً إليه كما لو وكل في شرائه
في حياته وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم إرفاق
الذي يحج بالفضلة، وفي مسئلتنا المقصود العتق، ويفارق ما إذا أوصى أن يحج
عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقاً فتصرف
جميعها فيه وههنا لمعين فلا تتعداه، وقوله أنه قصد إرفاق زيد ومحاباته به
قلنا إن كان ثم قرينة تدل على ذلك إما لكون البائع صديقه أو ذا حاجة أو من
أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو كان يعلم حصول العبد بدون الخمسمائة لقلة
قيمته فنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال ادفعوا إليه
جميعها
(6/482)
وإن بذله بدونها وإن عدمت هذه القرائن
فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل فكان الثمن عائداً إلى الورثة كما لو
أمره بالشراء في حياته قال شيخنا وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) ولو
وصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه فلم يخرح من ثلثه اشتري عبد بالثلث وبه
قال الشافعي، وقال أبوحينفة تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف فلا يجوز
للمأمور الشراء بدونه كالوكيل.
ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث فإذا لم يحملها وجب تنفيذها
فيما حمله كما لو وصى بعتق عبد فلم يحمله الثلث، وفارق الوكالة فإنه لو
وكله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه، ولو وصى إليه بإعتاق عبد أعتق منه
ما يحتمله الثلث فإن حمله الثلث فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين
يستغرق المال فالوصية باطلة ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال
لأننا تبينا أن الشراء باطل لكونه اشتري بمال مستحق للغرماء بغير إذنهم وإن
كان اشتراه في الذمة صح الشراء ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه لا يرجع
به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي ولا تركه له فيرجع عليها
وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضر ب معهم
بقدر دينه لأن الدين غرمه بتغرير الموصي فيرجع به عليه فإذا كان ميتاً لزمه
في تركته كأرش جنايته
(6/483)
(فصل) وإن وصى بشراء عين وأطلق أو ببيع
عبده وأطلق فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من مستحق ولا مستحق ههنا
فإن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع نفعاً للعبد
بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها كما لو وصى بشراء
عبد يعتق فلم يبعه سيده، وإن وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع لأنه قصد
إرفاقه بذلك في الغالب وإن لم يسم ثمناً بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد
إيصال العبد المعين إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض
بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملك وإعتاق الرقاب ويحتمل أن
يريد إرفاق المشتري لمعنى يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو
أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته إن لم يعين الثمن بطلت الوصية * (مسألة) *
(وإن وصى في أبواب البر فقال شيخنا يصرف في القرب كلها) لأن اللفظ للعموم
فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل، وقيل عن أحمد تصرف
في أربع جهات في الأقارب والمساكين والحج والجهاد، وعنه فداء الأسرى مكان
الحج لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والزكاة
والحج والجهاد من أكبر
(6/484)
شعائر الإسلام وفداء الأسرى من أعظم
القربات، وقد نقل المروذي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر يجزأ
ثلاثة أجزاء جزءاً في الجهاد وجزءاً يتصدق به في أقاربه وجزءاً في الحج
وقال في رواية أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءاً في فداء
الأسرى، قال شيخنا وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز
صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولأنه ربما
كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق فقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت
وإصلاح طريق وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من
لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجباً وتعباً كان الله تعالى
قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله تعالى فتقديم هذا على
ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له (فصل) وإن
قال ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها
عملاً بمقتضى وصيته وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين،
والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فان لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم
يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي يجب ذلك لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه
الحظ وهذا أحظ ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده
بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد
(6/485)
أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله
أقارب محاويج فلم يوص لهم بشئ ولم يرثوا فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق قال وسئل
عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أيعطى إخوته وهم فقراء؟ قال
نعم هم أحق يعطون خمسين درهماً لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد
منهم على ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى * (مسألة) * (وإن وصى أن يحج
عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ) إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال
صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث لأنه وصى به في جهة قربة فوجب صرفه
فيها كما لو وصى في سبيل الله تعالى وليس للوصي أن يصرف إلى من يحج أكثر من
نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالتوكيل في
البيع ثم لا يخلو إما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة فيصرف فيها أو
ناقصاً فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر نصوص أحمد فإنه قال في رواية حنبل في
رجل أوصى أن يحج ولا تبلغ النفقة فقال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب
من أهل مدينته وهذا قول العنبري وقال القاضي يعان به في الحج وهو قول سوار
القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد أنه مخير في ذلك فإنه قال في
(6/486)
رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب
عليها: أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج أو يحج به من حيث يبلغ فإن
كان يفضل عن الحجة دفع في حجة ثانية وثالثة إلى أن ينفذ أو يبقى مالاً يبلغ
حجة فيحج به من حيث يبلغ أو يعان به في الحج على ما ذكرنا من الخلاف فيه
ولا يستنيب في الحج مع الإمكان إلا من بلد المحجوج عنه لأنه نائب عن الميت
وقائم مقامه فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج منه فإن كان الموصى به
لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضاً أو تطوعاً فإن كان فرضاً أخذ
أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي الحج الفرض إن كان قد أوصى بالثلث
فإن كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ثم يحج بالباقي
تطوعاً حتى ينفذ كما ذكرنا من قبل، وان كان الثلث أقل تمم قدر ما يكفي الحج
من رأس المال وبهذا قال عطاء وطاوس والحسن وسعيد بن المسيب والزهري
والشافعي واسحاق قال سعيد بن المسيب والحسن كل واجب
من رأس المال، وقال ابن سيرين والنخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري
وأبو حنيفة وداود ابن أبي هند إن وصى بالحج من ثلثه وإلا فليس على ورثته شئ
فعلي قولهم إن لم يف الثلث بالموصى به وإلا لم يزد على الثلث لأن الحج
عبادة فلا يلزم الوارث كالصلاة
(6/487)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو
كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فدين الله أحق أن يقضى "
والدين من رأس المال فما هو أحق منه أولى ولأنه واجب فكان من رأس المال
كدين الآدمي وإن كان تطوعاً أخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة ويحج به
على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن وصى أن يحج عنه حجة بألف دفع الكل إلى من
يحج) إذا وصى أن يحج عنه حجة واحدة بقدر من المال وكان فيه فضل عما يحج به
فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك فكأنه صرح فقال حجوا عني حجة واحدة بألف
وما فضل منها فهو لمن يحج * (مسألة) * (فإن عينه في الوصية فقال يحج عني
فلان بألف صرف ذلك إليه وإن لم يعين فللموصى إليه صرفه إلى من شاء) لأنه
فوض إليه الاجتهاد إلا أنه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل إلا
بإذن الورثة وإن لم يكن فيها فضل جاز لأنه لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان
الحج الموصى به تطوعاً اعتبر من الثلث وإن كان واجباً فالزائد عن نفقة
المثل معتبر من الثلث وإن لم يف الموصى به بالحج أتم من رأس المال وفيه من
الخلاف ما ذكرنا
(6/488)
* (مسألة) * (فإن أبى الحج وقال اصرفوا لي
الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه) إذا قال المعين ذلك بطل التعيين ويحج
عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي اللى الورثة ويحتمل أن تبطل
الوصية إن كان الحج تطوعاً لأنه عين لها جهة فإذا لم يقللها بطلت كما لو
قال بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه والظاهر أنها لا تبطل لأنه قصد
القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة كما لو قال بيعوا عبدي
لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع من غيره ويتصدق
بثمنه فإن قال المعين اصرفوا لي الفضل عن نفقة الحج لأنه موصى لي به لم
يصرف إليه شئ لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يوجد الشرط
لم يستحق شيئاً (فصل) فإذا قال حجوا عني حجة ولم يذكر قدراً من المال فإنه
لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل لما ذكرنا والباقي للورثة وهذا
ينبني على أنه يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه نائب فما ينفق عليه فيما
يحتاج إليه فهو من مال الموصي وما بقي للورثة فإن تلف المال في الطريق فهو
من مال الموصي وليس على النائب إتمام الحج وإن قلنا يجوز الاستئجار على
الحج فلا يستأجر إلا ثقة بأقل ما
(6/489)
يمكن وما فضل فهو للأجير لأنه ملك ما أعطي
بعقد الإجارة وإن تلف المال في الطريق بعد قبض الأجير له فهو من ماله
ويلزمه إتمام الحج، وإن قال حجوا عني ولم يقل حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة
ولأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا فقال يحج عني فلان دفع إليه
بقدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه
فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن أن يحج به غيره فإن أبى الحج وكان واجباً
استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته والله أعلم (فصل) وإن وصى أن يحج عنه
زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ما له فأجاز الورثة أمضيت على ما
قال الموصي فإن لم يفضل عن المائة شئ فلا شئ لعمرو لأنه إنما وصى له بالفضل
ولا فضل وإن رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة وما
فضل من الثلث فلعمرو فإن لم يفضل منه شئ فلا شئ لعمر ولانه إنما وصى له
بالزيادة ولا زيادة ولا تمتنع المزاحمة به ولا يعطى شيئاً كولد الأب مع ولد
الأبوين في مزاحمة الجد ويحتمل أنه متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد
كل واحد إلى نصف وصيته لأن زيداً إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يدخل
عليه من النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا
(6/490)
(فصل) وإن وصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو
ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ الوصية ودفع إلى زيد
ودفع إلى بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شئ بطلت وصية عمرو، وإن
مات
العبد بعد موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد ثم نقوم
العبد لو كان حياً فإن بقي من الثلث بعد قيمته شئ فهو لعمرو وإلا بطلت
وصيته، لو قال لأحد عبديه أنت مدبر ثم قال لآخر أنت مدبر في زيادة الثلث عن
قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول بموته فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا أو
رجوعه فيه أو خروجه مستحقاً أو غير ذلك * (مسألة) * (وإن وصى لأهل سكته فهو
لأهل دربه) لأن السكة الطريق والدرب مضاف إليه * (مسألة) * (وإن وصى
لجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب) نص عليه أحمد وبه وقال الاوزاعي
والشافعي وقال أبو حنيفة الجار الملاصق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
الجار أحق بصقبه " يعني الشفعة وإنما يثبت للملاصق ولأن الجار مشتق من
المجاورة وقال قتادة الجار الدار والداران وروي عن علي عليه السلام في قول
النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قال من سمع
النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة من سمع الإقامة وقال أبو يوسف الجيران
أهل المحلة أن جمعهم مسجد فإن تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين
فالجميع جيران وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران وأما الأمصار التي فيها
القبائل فالجوار على الأفخاذ
(6/491)
ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " الجار أربعون داراً هكذا وهكذا وهكذا وهكذا " وهذا نص
لا يجوز العدول عنه إن صح وإن لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب ويرجع في
ذلك إلى العرف وقال أبو بكر مستدار أربعين داراً من كل جانب والحديث يحتمله
* (مسألة) * (وإن وصى لأقرب قرابته أو لأقرب الناس إليه أو أقربهم به رحماً
لم يدفع بنفسه من غير واسطة والأخ والجد سواء) لأن كل واحد يدلي إلى الأبعد
مع وجود الأقرب فإن كان له أب وابن فهما سواء، لأن كل واحد منهما يدلي
بالأب من غير واسطة ويحتمل تقديم الابن على الأب لأنه يسقط تعصيبه والأولى
أولى لأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب مه بدليل أن
ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده
ويحتمل تقديم الأخ على الجد لأن الأخ يدلي ببنوة الأب والجد يدلي بالأبوة
فهما كالأب والابن والأول أولى ولا يصح قياس الأخ على الابن لأنه لا يسقط
تعصيب الجد بخلاف الابن ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن وقال
أصحاب الشافعي يقدم ابن الابن على الأب في وجه لأنه يسقط تعصيبه ولنا أن
الأب يدلي بنفسه ويلي ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال بخلاف ابن
الابن والأب والأم سواء وكذلك الابن والبنت والجد أبو الأب وأبو الأم وأم
الأب وأم الأم كلهم سواء
(6/492)
هكذا ذكره شيخنا ويحتمل تقديم أبي الأب على
أب الام لأنه يسقطه ثم بعد الأولاد أولاد البنين وإن سفلوا الأقرب فالأقرب
الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على دخولهم في الوقف ثم من بعد
الولد الأجداد الاقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني ثم الأخوة والأخوات
ثم ولدهم وان سفلوا ولا شئ لولد الأخوات إذا قلنا لا يدخل ولد البنات *
(مسألة) * (والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما)
الأخ من الأب والأخ من الأم سواء لأنهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما
والأخ من الأبوين أحق منهما لأن له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة
(فصل) والأخ للأب أولى من ابن الأخ من الأبوين كما في الميراث ثم بعدهم
الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ويستوي العم من الأب والعم من الأم وعلى
الاحتمال الذي ذكرناه في تقديم أبي الأب على أبي الأم تقديم العم من الأب
على العم من الأم وكذلك أبناؤهما وعلى هذا الترتيب ذكره القاضي وهو مذهب
الشافعي إلا أنه يرى دخول ولد البنات والأخوات والأخوال والخالات وهذا
القول يخرج
(6/493)
على مذهب أحمد على الرواية التي تجعل
القرابة فيها كل من يقع عليه اسم القرابة فأما على الرواية التي تقول إن
اسم القرابة يختص من كان من اولاد الآباء وهي التي اختارها الخرقي فلا تدخل
فيه الأم ولا أقاربها لأن من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة
فعلى هذا تتناول الوصية من كان أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى
أربعة آباء ولا تعدوهم فإن وصى لجماعة من أقرب الناس إليه
أعطي ثلاثة من أقرب الناس إليه فإن وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كاخوة
فالوصية لجميعهم لأن بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وإن لم يوجد
ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية فان كان في الدرجة الثانية جماعة سوي
بينهم لما ذكرنا في الدرجة الأولى، وإن لم يكمل من الثانية فمن الثالثة
فإذا وجد ابن وأخ وعم فالوصية بينهم أثلاثاً وكذلك إن كان ابن وإخوان وإن
كان ابن وثلاثة اخوة دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية
ولهم ثلثاها فإن كان الابن وارثاً سقط حقه من الوصية إن لم يجز له والباقي
للاخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة سواء كان من يرث في
الحال أو يكن ويسوي بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا خلاف في أنهم
لا يكونون من جهة الأم بحال * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا تصح
الوصية لكنيسة ولا بيت نار ولا لعمارتهما والإنفاق
(6/494)
عليهما وبهذا قال الشافعي وابو ثور وسواء
كان الموصي مسلماً أو ذمياً وقال أصحاب الرأي تصح وأجاز أبو حنيفة الوصية
بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي إن يوصي بشراء خمر أو
خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة ولنا أن هذه الأفعال محرمة وفعلها معصية
فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو مته للفجور ولأنها لا تجوز في
الحياة فلا يجوز في الممات * (مسألة) * (وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم
تصح) لأنها كتب منسوخة وفيها تبدليل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي
صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة وذكر القاضي
أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت
الوصية لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة
والصحيح أن الوصية لا تصح بهذا لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم
وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد ما يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة
الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من أهل الذمة
وأهل الحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية
(6/495)
(فصل) ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد
مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن وصى له بعبد كافر فأسلم
قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول وقلنا إن الملك
إنما ثبت حين القبول بطلت لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم وإن قلنا
يثبت الملك بالموت قبل القبول فالوصية صحيحة لأنا نتبين أنه أسلم بعد أن
ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضاً لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه
كابتداء الملك * (مسألة) * (ولا تصح لملك ولا لبهيمة ولا لجني) لأنه تمليك
فلم يصح لهم كالهبة ولا تصح لميت لذلك وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال
مالك إن علم أنه ميت صحت الوصية وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه
لأن الغرض نفعه بها فأشبه ما لو كان حياً.
ولنا أنه أوصى لمن لا تصح الوصية له لو لم يعلم حاله فلا تصح إذا علم حاله
كالبهيمة وفارق الحي فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى
القبول فلم يصح للميت كالهبة * (مسألة) * (وإن وصى لحي وميت يعلم موته
فالكل للحي ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف وإن لم يعلم فللحي نصف الموصى
به
(6/496)
إذا وصى بثلثه أو بمائة لحي وميت فللحي نصف
الوصية سواء علم موته أو لم يعلم، وهذا قول أبي حنيفة واسحق والبصريين وقال
الثوري وأبو يوسف ومحمد إذا قال هذه المائة لفلان وفلان الميت فهي للحي
منهما، وإن قال بين فلان وفلان فوافقنا الثوري على أن نصفها للحي وعن
الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب عندي إذا علمه ميتاً فالكل للحي وإن لم
يعلمه ميتاً فللحي النصف وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في
رواية ابن القاسم إذا وصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتاً فللحي
خمسون، فقيل له أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط أليس كله لفلان؟ قال وأي
شئ يشبه هذا الحائط له ملك؟ فعلى هذا متى شرك بين من تصح الوصية له وبين من
لا تصح
مثل أن يوصي لفلان وللملك أو الحائط أو لفلان وللميت فالموصى به كله لمن
تصح الوصية له إذا كان عالماً بالحال لأنه إذا أشرك بينهما في هذه الحال
علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وإن لم يعلم بالحال فلمن تصح
الوصية له نصفها لأنه قصد إيصال نصفها إليه وإلى الآخر النصف ظنا منه أن
الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما صحت في حق الآخر بقسطه
كتفريق
(6/497)
الصفقة ووجه القول الأول أنه جعل الوصية
لاثنين فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات
أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال، فأما إن وصى لاثنين حيين فمات أحدهما
فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا ومثله لو بطلت الوصية في حق أحدهما
لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال أوصيت لكل واحد من فلان
وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف
الوصية سواء كان شريكه حياً أو ميتاً لأنه عين وصيته في النصف فلم يكن له
حق فيما سواه.
* (مسألة) * (فإن وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الواراث
فالثلث بينهما نصفين) وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز
سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان
(6/498)
لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في
المسئلتين وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا
قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وغيرهم * (مسألة) * (وإن وصى لهما
بثلثي ماله وأجاز الورثة لهما جازت وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده
فللأجنبي الثلث كاملاً) لأنهم خصوا الوارث بالإبطال فالثلث كله للأجنبي
وسقطت وصية الوراث فصار كأنه لم يوص له وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير
تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس وهذا
الذي ذكره القاضي هو قول مالك والشافعي لأن الوارث يزاحم الأجنبي إذا أجاز
الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان
البطلان راجعاً إليهما وما
بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد، اختار أبو الخطاب أن الثلث
جميعه للأجنبي وحكي نحوه عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما
دون إذا كان لأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس
فإن صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه من
وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان
ذلك آكد
(6/499)
في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به
وإن قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا وصية الأجنبي فهو على ما قالوا
لأن لهم أن يجيزوا لهما وإن يردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما
ويردوا على الآخر، وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف
وصيته جاز كما قلنا وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا
ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية
الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان
فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبي
على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله
للأجنبي لأنه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة وجب توفير
الثلث عليه لأنه قد أوصى له به * (مسألة) * (ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي
فردوا وصية الوارث فهو على ما قال وإن أجازوا للوارث فالثلث بينهما) لأن
الوصية تتعلق بالشرط ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صح
فإن وصى لوارثه فأجاز بعض باقي الوثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز
وحده وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا وإن
أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم جميعها أو ردوها فهو على ما فعلوا من
ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في
مرض موته فأجاز له أخواه فهو له وإن أجاز أحدهما وحده فله ثلثاه وإن أجاز
له نصف العبد فله نصفه ولهما نصفه وإن أجاز أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر
فله النصف الثلث بنصيبه والسدس من نصيب المجيز، وإن أجاز كل واحد منهما له
نصف نصيبه كمل له الثلثان وإن أجاز له
(6/500)
أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلثه أو باع نصيبه
كمل له ثلاثة أرباع العبد وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز
لهما أو يرد عليهما أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساوياً وإن شاء
متفاضلاً أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز
لأحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل
فيه * (مسألة) * (وإن وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع)
وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد، وعن محمد لزيد الخمس وللفقراء الخمسان
وللمساكين الخمسان لأن أقل الجمع اثنان ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما)
كقولنا (والثاني) له السبع لأن أقل الجمع ثلاثة فإذا انضم إليهم صاروا سبعة
ولنا أنه وصى لثلاث جهات فوجب أن يقسم بينهم بالسوية كما لو وصى لزيد وعمرو
وخالد وإن كان زيد مسكيناً لم يدفع إليه من سهم المساكين شئ وبه قال الحسن
واسحاق لأن عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهم إذ الظاهر بين المعطوف
والمعطوف عليه المغايرة ولأن تجويز ذلك يفضي إلى تجويز دفع نصيب المساكين
كله إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما إن كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم
وحصرهم مثل أن يقول هذا لزيد واخوته فهي كالتي قبلها ويحتمل أن يكون كأحدهم
لأنه شرك بينه وبينهم على وجه لا يجوز الإخلال ببعضهم فتتساووا فيه كما لو
قال هذا لكم
(6/501)
باب الموصي به تصح الوصية بما لا يقدر على
تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع
لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبغيره أولى ولأنها أجريت مجرى الميراث وهذا
يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في
تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث.
(فصل) وتصح بالحمل إذا كان مملوكاً بأن يكون رقيقاً أو حمل بهيمة مملوكة
لأن الغرر والخطر لا يمنع صحة الوصية فجرى مجرى إعتاق الحمل فإن انفصل
ميتاً بطلت الوصية وإن خرج حياً وعلمنا وجوده
حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وإن لم يكن كذلك لم يصح لجواز حدوثه
* (مسألة) * (وتصح بالمعدوم) فلو قال أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه أو
ناقتي هذا أو نخلتي هذه صح لما ذكرنا من صحتها مع الغرر سواء وصى بما تحمله
أبداً أو مدة بيعها لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن
يملك بالوصية فإن حصل منه شئ وإلا بطلت وصيته لأن الموصى به عدم فبطلت
الوصية به كالموهوب إذا عدم لأن الوصية كالهبة وإن وصى له بمائة لا يملكها
صح فإن قدر عليه عند الموت أو على شئ منها وإلا بطلت لما ذكرنا في المسألة
قبلها * (مسألة) * (وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت
النجس
(6/502)
تصح الوصية بالكلب المباح اقتناؤه ككلب
الصيد والماشية والحرب لأن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه والوصية تبرع
فصحت في المال وفي غير المال كالهبة، وإن كان مما لا يباح اقتناؤه لم تصح
الوصية به سواء قال كلباً من كلابي أو من مالي لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه
لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى له بشاة ولا شاة له فإنه يمكن تحصيلها
بالشراء فإن كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد
قيل للموصى له جميع الكلب وإن قل المال لأن قليل المال خير من الكلب لكونه
لا قيمة له وقيل للموصى له به ثلثه وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن
يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شئ من جنس الموصى به (فصل) وإن وصى
لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فلموصى له بالثلث الثلث وللموصى له بالكلاب
ثلثها وجها واجها واحداً لأن ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية
فيما يقابله من حق الموصي له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو
وصى بثلث ماله ولم يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على
الورثة لأنها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له أو بين
اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لأنها لا قيمة لها فإن تشاحوا في بعضها
فينبغي أن يقرع بينهم وإن وصى له بكلاب وله كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد
والماشية والحرث فله واحد منها بالقرعة أو ما أحب الورثة على الرواية
الأخرى وإن كان له كلب يباح اتخاذه وكلب هراس فله الكلب المباح ومذهب
الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا إلا أنه يجعل للموصى له بكلب
ما أحب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بالجر والصغير في أحد الوجهين وتصح
في الآخر بناء على جواز اقتنائه وتربيته للصيد وقد سبق ذلك في كتاب البيع
(6/503)
(فصل) فأما الزيت النجس فإن قلنا بجواز
الاستصباح به فهو كالكلب الذي يباح اتخاذه وإن قلنا لا يجوز لم تصح الوصية
لأنه ليس فيه نفع مباح أشبه الخنزير (فصل) ولا تصح الوصية بالخنزير ولا بشئ
من السباع التي لا تصلح للصيد كالأسد والذئب لأنها لا منفعة فيها ولا تصح
بشئ ليس فيه منفعة مباحة من غيرها كالخمر والميتة ونحوهما لأن الوصية تمليك
فلا تصح بذلك كالهبة ولأن ذلك محرم فلا تصح الوصية به كالخنرير * (مسألة) *
(وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة لأن الوصية تصح بالمعدوم فالمجهول بطريق
الأولى ولأن المجهول ينتقل إلى الوراث فصحت الوصية به كالمعلوم ويعطيه
الورثة ما شاءوا مما يقع عليه الاسم لأنه اليقين كما لو أقر له بعبد فإن لم
يكن له عبيد اشترى له ما سمى عبداً وإن كان له عبيد أعطاه الورثة ما شاءوا
لما ذكرنا وقال القاضي يعطيه الورثة ما شاءوا من ذكر أو أنثى قال شيخنا
والصحيح عندي أنه لا يستحق إلا ذكراً فإن الله تعالى قرق بين العبيد
والإماء بقوله سبحانه (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم)
والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهراً ولأنه في العرف كذلك فإنه لا يفهم من
إطلاق اسم العبد إلا الذكر فإنه لو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة
وإن وصى له بأمة لم يكن له أن يعطيه إلا أنثى وليس له أن يعطيه خنثى مشكلاً
لأنه لا يعلم كونه
(6/504)
ذكراً ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه
أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته الذكر والأنثى والخنثى.
* (مسألة) * (فإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف اسم للأنثى
والبعير والثور اسم المذكر غلب العرف) في اختيار شيخنا لأن الظاهر أن
المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولا يريد إلا ما يفهمه أهل بلده
وقال أصحابنا تغلب الحقيقة ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله.
فعلى هذا إذا أوصى له بشاة يتناول الضأن والمعز قال أصحابنا ويتناول
الصغيرة والكبيرة والأنثى لأن اسم الشاة يتناول جميع ذلك بدليل قول النبي
صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة " يريد الذكور والإناث والصغار
والكبار وقال شيخنا لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في عرفهم في بلد
يتناول ذلك، فأما من لا يتناول عرفهم إلا الإناث فإن وصيته لا نتناول إلا
ما يسمى في عرفهم لما ذكرنا، والكبش الذكر الكبير من الضأن والتيس لا يقع
إلا على الذكر الكبير من المعز فإن وصى بعشرة من الغنم تناول عشرة من
الذكور والإناث والصغار والكبار (فصل) وإن وصى بجمل فهو الذكر وإن وصى
بناقة فهي الأنثى وإن قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والأنثى جميعاً
ويحتمل أنه إن قال عشرة بالهاء فهي للذكور وإن قال عشر فهو للإناث وكذلك
الغنم لأن العدد في العشرة من الثلاثة إلى العشرة للذكور بالها وللمؤنث
بغيرها قال الله تعالى (سخرها
(6/505)
عليهم سبع ليال وثمانية أيام) وإن وصى
ببعير ففيه وجهان (أحدهما) هو للذكر وحده لأنه في العرف اسم له (والثاني)
هو للذكر والأنثى لأنه يتناولهما جميعاً في لسان العرب فيقول حلبت البعير
يريد الناقة، والجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة
كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالانسان وإن وصى له بثور فهو ذكر وإن وصى
ببقرة فهي أنثى * (مسألة) * (والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال
والحمير) لأن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك فإن قرن به ما يصرفه إلى
أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصر ف إلى الخيل وإن قال دابة ينتفع بظهرها
ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر وإن وصى له بحمار فهو ذكر والاتان
أنثى وإن وصى بحصان فهو ذكر والفرس يتناول الذكر والأنثى * (مسألة) * (وإن
وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاءوا) الوصية بغير
معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه صحيحة وقد ذكرنا صحة الوصية بالمجهول فيما
مضى وبه يقول مالك والشافعي واسحاق، واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له
فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة
اختارها الخرقي ونقل ابن منصور أنه يعطى أخسهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا
وهو قول الشافعي وقال مالك قولاً يقتضي أنه إذا وصى بعبد وله ثلاثة أعبد
فله ثلثهم وإن كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال إذا وصى بعشر من ابله وهي
مائة يعطى عشرها والنخل والرقيق والدواب على ذلك والصحيح إن
(6/506)
شاء الله تعالى أنه يعطى عشرة بالعدد لأنه
الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضى فلا يعدل عنه لكن يعطى واحداً بالقرعة
لأنه يستحق واحداً غير معين وليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير إلى
القرعة كما لو اعتق واحداً منهم وعلى ما نقله ابن منصور يعطيه الورثة ما
شاءوا من صحيح أو معيب جيد أو ردئ لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى
له بعبد ولم يضفه الى عبيده * (مسألة) * (وإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية
في أحد الوجهين) لأنه أوصى له بلا شئ فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي
ولا شئ فيه أو بداري ولا دار له وهذا أحد الوجهين، فإن اشترى قبل موته
عبيداً احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فهو كما لو قال أوصيت لك
بما في كيسي ولا شئ فيه ثم جعل في كيسه شيئا، ولأن الوصية تقتضي عبداً من
الموجودين حال الوصية، وقد روى ابن منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه أعطوا
فلاناً من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شئ يعطى مائة درهم فلم يبطل
الوصية لانه قصد اعطاء مائة درهم وظنها في الكيس فإذا لم يكن له في الكيس
أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده إذا لم يكن له عبيد يشتري
له عبد ويعطاه وهذا الوجه الثاني ووجهه أنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية
فأشبه ما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه * (مسألة) * (فإن كان عبيد
فماتوا إلا واحداً تعينت الوصية فيه وكذلك لان لم يكن له إلا عبد واحد
لتعذر تسليم الباقي، وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي بطلت الوصية
لأنها إنما تلزم بالموت ولا عبيد له حينئذ، وإن تلفوا بعد موته بغير تفريط
من الورثة بطلت أيضاً لأن التركة عند الورثة غير مضمونة لأنها حصلت في
أيديهم بغير فعلهم، وإن قتلهم قاتل فللموصي له قيمة أحدهم مبنياً على
(6/507)
الروايتين فيمن يستحقه منهم في الحياة إما
قيمة أحدهم بالقرعة أو قيمة من يختاره الورثة لأنه
بدل عما وجب له.
* (مسألة) * (وإن وصى له بقوس وله أقواس للرمى والبندق والندف فله قوس
النشاب لأنه أظهرها إلا أن يقترن به قرينة تصرفه إلى غيره وعند أبي الخطاب
له أحدهم بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده) إذا وصى له بقوس صحت الوصية لأن
فيه منفعة مباحة سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي أو نبل وهو العربي أو قوس
يمجرى أو قوس جرح أو ندف أو بندق فإن لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي
تعينت الوصية فيه وإن كانت له جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرفه إلى
أحدهما انصرف إليه مثل أن يقول قوس يندف به أو يتعيش به أو نحو ذلك فهذا
يصرفه إلى قوس الندف وإن قال قوس يغزو به خرج منه قوس الندف والبندق، وإن
كان الموصي له ندافا لا عادة له بالرمى أو بندقانياً لا عادة له بالرمي بشئ
سواه أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي
يستعمله عادة لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به
فإن انتفت القرائن فاختار أبو الخطاب أنه يأخذ أحدها بالقرعة كالوصية بعبد
من عبيده أو يعطيه الورثة ما يختارونه لأن اللفظ يتناول جميعها قال شيخنا
والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف، ولا البندق ولا العربية في بلد لا
عادة لهم بالرمي بها، وهذا مذهب الشافعي، إلا أنه لم يذكر العربية،
(6/508)
ويكون له واحد مما عدا هذه لأن هذه لا يطلق
عليها اسم القوس في العادة من غير أهلها حتى يضيفها فيقول قوس القطن أو
الندف أو البندق، وأما لعربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر
ببال الموصي غالباً ويعطى القوس معمولة لأنها لا تسمى قوساً إلا كذلك، ولا
يستحق وترها لأن الإسم يقع عليها دونه، وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها
لأنها لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها.
* (مسألة) * (وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة، وإن
كان بطبل لهو لا يصلح إلا للهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة، فإن كان إذا
فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضاً لان منفعة في الحال معدومة، فإن كان
يصلح لهما صحت الوصية به لأن المنفعة به قائمة، وإن وصى له بطبل وأطلق وله
طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر انصرفت الوصية إلى الطبل المباح فإن
كان
له طبول تصح الوصية بجميعها فله أحدها بالقرعة أو ما شاء الورثة على اختلاف
الروايتين.
وإن وصى بدف صحت الوصية به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أعلنوا
النكاح واضربوا عليه بالدف " ولا تصح الوصية بمزمار ولا طنبور ولا عود لهو
لأنها محرمة وسواء كانت فيها الأوتار أو لم تكن لأنها مهيأة لفعل المعصية
فأشبه ما لو كانت فيه الأوتار.
* (مسألة) * (وتنفذ الوصية فيما علم من ماله أو لم يعلم) وقال مالك لا تنفذ
الا فيما علم، وحكي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك
(6/509)
إلا في المدبر فإنه يدخل في كل شئ.
ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم ولأن الوصية بجزء من ماله لفظ عام
فيدخل فيه ما لم يعلم به من ماله كما لو نذر الصدقة بثلثه * (مسألة) * (وإن
وصى بثلثه فاستحدث مالاً دخل ثلثه في الوصية) في قول أكثر أهل العلم ولا
فرق عندهم بين التلاد والمستفاد في أنه يعتبر ثلث الجميع وممن قال ذلك
النخعي والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه من ماله يرثه
ورثته وتقضى منه ديونه أشبه ما ملكه قبل الوصية ولما ذكرنا في التي قبلها.
* (مسألة) * (وإن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية ? على روايتين)
(إحداهما) تدخل قال مهنا روي عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء مشاع فقتل
الموصي وأخذت ديته فقال يستحق منها، وروي عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ
مثل ذلك، وهو قول الحسن ومالك (والثانية) لا تدخل في وصيته نقلها ابن منصور
وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور وداود وهو قول إسحاق، وقال مالك في دية
العمد لأن الدية انما تجب للورثة بعد موت الموصي لأن سببها الموت فلا يجوز
وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن يجب للميت بعد موته لأنه
بالموت تزول أملاكه الثابتة له فيكف يتجدد له ملك فلا تدخل في الوصية لأن
الميت إنما
(6/510)
يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته، ووجه
الرواية الأولى إن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها،
ولأن بدل أطرافه في حياته له فكذلك بدل نفسه بعد موته، ولذلك تقضى منها
ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه، وإنما يجوز ورثته من أملاكه ما استغنى
عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن
نصب شبكة فسقط فيها شئ بعد موته فإنه يملكه بحيث تقضى منه ديونه ويجهز
فكذلك ديته لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبه قضاء دينه.
* (مسألة) * (فإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل الدية على الورثة من
الثلثين؟ على وجهين) بناء على الروايتين فعلى الرواية الأولى تحسب الدية من
ماله فإن كانت وصيته بقدر نصف الدية أو أقل منه نفذت الوصية وإلا أخرج منه
قدر ثلثها.
وعلى الرواية الثانية لا تحسب الدية وتخرج الوصية من تلاد ماله دون ديته
بناء على أن الدية ليست من ماله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتصح الوصية بالمنفعة المفردة وتصح
بخدمة عبد ومنفعة أمة وغلة دار وبثمرة بستان أو شجرة سواء وصى بذلك مدة
معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله وهذا قول الجمهور منهم مالك
والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا تصح الوصية بالمنفعة
المفردة لأنها معدومة.
ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج
ذلك من ثلث المال
(6/511)
نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول من قال
بصحة الوصية بها، وإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث، وقال مالك
إذا وصى بخدمة عبده سنة فلم تخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته
سنة وبين المال، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور إذا وصى بخدمة عبده سنة فإن
العبد يخدم الموصى له يوماً والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن
أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على
صفتها إذا أخرجت من الثلث أو بقدر ما خرج من الثلث منها كسائر الوصايا أو
كالأعيان إذا ثبت هذا وأريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى
بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة
ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها (فصل) فإن أراد الموصى له
بمنفعة العبد أو الدار إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها
فله ذلك، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجوز إجارة المنفعة
المستحقة بالوصية لأنه أوصى له باستيفائه.
ولنا أنها منفعة يملكها ملكاً تاماً فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو
ملكها بالإجارة وإن أراد الموصى له إخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال
أبو ثور، وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن يسكون أهله في غير البلد فيخرجه
إلى أهله.
(6/512)
ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه
كالمستأجر.
* (مسألة) * (إذا أوصى بمنافع عبده أو أمته أبداً أو مدة بعينها فللورثة
عتقها لأنها مملوكة لهم ومنفعتها باقية للموصي له ولا يرجع على المعتق بشئ
وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها فإن وهب
صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب
للعبد يكون لسيده.
(فصل) ولهم بيعها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له
وعليه وقيل لا يجوز بيعها لأن ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات
وقيل يجوز بيعها لمالك منفعتها دون غيره لأن مالك منفعتها يجتمع له الرقبة
والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض، ووجه الأول أنها أمة
مملوكة تصح الوصية بها فصح بيعها لغيره ولأنه يمكنه إعتاقها وتحصيل ولائها
وثواب عتقها بخلاف الحشرات.
* (مسألة) * (ولهم ولاية تزويجها لأنهم يملكون رقبتها) وليس لهم ذلك إلا
بإذن صاحب المنفعة وليس لواحد منهما تزويجها منفرداً لأن مالك المنفعة لا
يملك رقبتها وصاحب المنفعة يتضرر به فان انفقا على ذلك جاز لأن الحق لهما
وكذلك لو طت
(6/513)
التزويج وجب ترويجها عند طلبها لأنه لحقها
وحقها في ذلك مقدم عليهما لأنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها
ومنفعتها لزمه ذلك وقدم حقها على حقه ووليها في الموضعين مالك الرقبة لأنه
مالكها.
* (مسألة) * (ومهرها ههنا وفي كل موضع واجب للورثة) في اختار شيخنا لأن
منافع البضع لا تصح الوصية بها مفردة ولا مع غيرها، ولا يجوز نقلها مفردة
عن الرقبة بعد التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها وعند أصحابنا
المهر للموصى له بالمنفعة لأنه من منافعها.
* (مسألة) * (وإن وطئت بشبهة فالولد حر لأن وطئ الشبهة يكون الولد حرا
لاعتقاد الواطئ أنه يطأ في ملك فهو كوطئ المغرور بأمة وتجب قيمته يوم وضعه
لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ويجب على
الواطئ لأنه الذي فوت رقه وإنما اعتبرت قيمته يوم الوضع لأن مقتضى الدليل
أن تجب قيمته حين العلوق لأنه وقت نفويت الحرية فلما يكن ذلك قومناه في أول
حال الامكان وذلك حالة وضعه وهي للورثة ولا شئ للوصي فيها لأنه إنما وصى له
بنفع الام وليس الولد من المنافع ولا وصى له بمنفعته فلا يستحقه.
* (مسألة) * وإن قتلت فللورثة قيمتها في أحد الوجهين) لأنهم مالكوها لأن
القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل الإجارة
وفي الوجه الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها لأن كل حق تعلق بالعين تعلق
ببدلها إذا لم يبطل استحاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن الاستحقاق
يبطل بتلفهما
(6/514)
* (مسألة) * (وللوصي استخدامها وإجارتها
وإعارتها) لأن الوصية له بنفعها وهذا منه * (مسألة) * (وليس لواحد منهما
وطؤها) لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوجها ولا يباح وطئ بغيرهما
لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وصاحب الرقبة لا
يملكها ملكاً تاماً ولا يأمن أن تحمل منه فربما أفضى إلى هلاكها وأيهما
وطئها فلا حد عليه لانه وطئ بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما وولده حر
لأنه من وطئ شبهة فإن كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا
يملكها وعليه قيمة ولدها يوم
وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة وإن كان الواطئ مالك
الرقبة صارت ام ولدله لأنها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه
الوجهان، وأما المهر فإن كان الواطئ ملك الرقبة فلا مهر عليه في اختيار
شيخنا وله المهر على صاحب المنفعة إن كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب
الشافعي ينعكس الحال وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل أن يجب الحد على صاحب
المنفعة إذا وطئ لأنه لا يملك إلا المنفعة فوجب عليه الحد كالمستأجر وعلى
هذا يكون ولده مملوكاً * (مسألة) * (وإن ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها)
لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك
الرقبة لأن ذلك ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها
(6/515)
* (مسألة) * (وفي نفقتها ثلاثة أوجه)
(أحدها) تجب على مالك الرقبة وهو الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهباً لأحمد
وبه قال أبو ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على
صاحبها كنفقة العبد المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف ولأن
الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على إنسان دليل على وجوب
المتبوع عليه (والثاني) تجب على صاحب المنفعة وهو قول الاصطخري وأصحاب
الراي وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يملك نفعها على التأبيد فكانت النفقة
عليه كالزوج ولأن نفعه له فكان عليه ضرره وكالمالك لهما جميعاً يحققه أن
إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى الوصية أوصيت لك بنفع
أمتي وأبقيت على ورثتي ضررها والشرع ينفي هذا بقوله " لا ضرر ولا اضرار "
ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضرره على من له نفعه وفارق المستأجر فإن
نفعه في الحقيقة للمؤجر لأنه يأخذ الأجر عوضا عن المنافع (والثالث) أنها
تجب في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبه من منافعه
فإذا صرفت في نفقته فقد صرفت المنفعة الموصى بها بها إلى النفقة فصار كما
لو صرف إليه شيئاً من ماله سواء فإن لم يكن لها كسب فقيل تجب نفقتها في بيت
المال لأن مالك الرقبة لا ينتفع بها وصاحب المنفعة لا يملك الرقبة فلا
يلزمه إجبارها وكذلك سائر الحيوانات الموصى
بمنفعتها قياساً على الأمة.
(6/516)
* (مسألة) * (وفي اعتبارها من الثلث وجهان)
(أحدهما) يعتبر جميعها من الثلث يعني تقوم بمنفعتها ويعتبر خروج ثمنها من
الثلث لأن أمة لا منفعة فيها لا قيمة لها غالباً (والثاني) تقوم بمنفعتها
ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما فإذا كان قيمتها بمنفعتها مائة
وقيمتها مسلوبة المنفعة عشر علمنا أن قيمة المنفعة تسعون.
* (مسألة) * (وإن وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح) وصاحب الرقبة
كالوارث فيما ذكرنا (فصل) وإذا وصى بثمرة شجرة مدة أو بماء تثمر أبداً صح
ولا يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر
على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره فإن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه
لم يملك الأخر منعه فإن يبست الشجرة فحطبها للوارث وإن وصى له بثمرتها مدة
بعينها فلم تحمل في تلك المدة فلا شئ للموصى له وان قال لك ثمرتها أول عام
تثمر صح وله ثمرتها في ذلك العام وكذلك إذا وصى له بما تحمل أمته أو شاته
وإن وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وقام صاحب الرقبة مقام الوراث فيما له
وإن وصى له بلبن شاته وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وإن أوصى
بلبنها أو صوفها صح ويقوم الموصى به دون العين (فصل) وإذا وصى لرجل بحب
زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن
امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين أصل الزرع إذا امتنع أحدهما
من
(6/517)
سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان
(أحدهما) يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضرراً
عليهما وإضاعة للمال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا إضرار
" ونهى عن إضاعة المال (والثاني) لا يجبر على الإنفاق على ما نصيبه ولا على
مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفرداً فكذلك إذا اجتمعها واصل الوجهين
إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع
وينبغي أن تكون النفقة عليهما على قدر قيمة كل واحد منهما
كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع (فصل) وإن أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح
وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن الآخر وأيهما طلب قلع الفص من
الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وان انفقا على بيعه واصطلحا على لبسه
جاز لأن الحق لهما (فصل) فإن وصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران
صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لا
يجوز أن ينقص أجره عن الدنيا وإن كانت الدار لا يخرج من الثلث فلهم بيع ما
زاد عليه خاصة وترك الباقي فإن كان عليه دينار أو أقل فهو للموصى له وإن
زادت فله دينار والباقي للورثة.
* (مسألة) * تصح الوصية بالمكاتب إذا قلنا يصح بيعه)
(6/518)
لأنه مملوك يصح بيعه فصحت الوصية به كالقن
ويقوم من انتقل إليه مقام السيد في الأداء إليه وإن عجز عاد رقيقاً له وان
عتق فالولاء له كالمشتري فإن عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لأن رقه لا
ينافيها وإن أدى بطلت فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتي فعجز في حياة
الموصي صحت الوصية وإن عجز بعد موته بطلت كما لو قال لعبده إن دخلت الدار
فأنت حر بعد موتي فلم يدخلها حتى مات سيده وإن قال إن عجز بعد موتي فهو لك
ففيه وجهان نذكرهما في العتق فيما إذا قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر
* (مسألة) * وإن وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح لأنها تصح بما ليس
بمستقر كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية وللموصى له أن يستوفي
المال عند حلوله وله ان يبرئ منه ويعتق بأحدهما والولاء لسيده لأنه المنعم
عليه فإن عجز وأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي أنظاره فالقول قول الوارث
لأن حق الوصي في المال إذا كان العقد قائماً وحق الوارث متعلق به إذا عجز
يوده في الرق وليس للوصي إبطال حق الوارث من تعجيزه وكذلك إن أراد الوارث
أنظاره وأراد الوصي تعجيزه فالحكم للوارث ولا حق للوصي في ذلك ولا نفع
له لأن حقه يسقط به ومتى عجز عاد عبدا للوارث وإن وصى بما يعجله المكاتب صح
فإن عجل شيئاً فهو للوصي وإن لم يعجل شيئاً حتى حلت نجومه بطلت الوصية
(6/519)
* (مسألة) * (وإن وصى لرجل برقبته ولآخر
بما عليه صح فإن أدى إلى صاحب المال أو إبرأه منه عتق وبطلت وصيته صاحب
الرقبة) قاله أصحابنا ويحتمل أن لا تبطل ويكون الولاء له لأنه أقامه مقام
نفسه ولو لم يوص بها كان الولاء له فإذا أوصى بها كان الولاء للموصى له
وكما لو وصى له بالمكاتب مطلقاً لأن الولاء يستفاد من الوصية بالرقبة دون
الوصية بالمال وإن عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقاً له وبطلت وصية
صاحب المال وان كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئاً فهو له فإن اختلفا
في فسخ الكتابة بعد العجز قد قول صاحب الرقبة لأنه يقوم مقام الورثة على ما
ذكرنا (فصل) فإن كانت الكتابة فاسدة فوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح
لأنه لا شئ في ذمته فإن قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح لأن
الكتابة الفاسدة يؤدي منها المال كما يؤدى في الصحيحة وإن وصى برقبة
المكاتب فيها صح لأنها تصح في المكاتبة الصحيحة ففي الفاسدة أولى والله
أعلم (فصل) وإذا قال اشتروا بثلثي رقاباً فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى
المكاتبين لأنه أوصى بالشراء لا بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لم يجز أن
يشتري أقل منها لأنها أقل الجمع فإن قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة
غالية كان أولى وأفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق امرأ
مسلماً أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار " ولأنه يفرج عن نفس
زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وإن أمكن
(6/520)
شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن
ثلاثة غالية فالثلاثة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل
الرقاب قال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " والقصد من العتق تكميل
الأحكام من الولاية والجمعة والحج والجهاد وسائر الأحكام التي تختلف بالرق
والحرية ولا يحصل ذلك إلا بإعتاق جميعه، وهذا التفصيل والله أعلم من النبي
صلى الله عليه وسلم إنما يكون مع التساوي في المصلحة، فأما إن ترجح بعضهم
بدين
وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضروراً بالرق وله صلاح في العتق
وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة في العتق بل ربما تضرر به من فوات نفقته
وكفايته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن
إعتاق من كثرت المصحلة في إعتاقه أفضل وأولى وإن قلت قيمته ولا يسوغ إعتاق
من في إعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والأجر ولا أجر في إعتاق
هذا، ولا يجوز أن يعتق إلا رقبة مسلمة فإن الله تعالى لما قال (فتحرير
رقبة) فلم يتناول إلا المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله
تعالى ولا يجوز إعتاق معيبة عيباً يمنع من الاجزاء في الكفارة والله أعلم *
(فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومن أوصى له بشئ بعينه فتلف قبل موت
الموصي أو بعده بطلت الوصية) كذلك حكاه ابن المنذر فقال أجمع كل من أحفظ
عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى له بشئ فهلك الشئ ان لا شئ له في
سائر مال الميت وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير وقد تعلقت
بمعين فإذا ذهب ذهب حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غير مضمونة
عليهم لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلا يضمنوا شيئاً *
(مسألة) * (ولو تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصي له)
(6/521)
لأن حقوق الورثة لم تتعلق به لتعينه للموصى
له ولذلك يملك أخذه بغير رضاهم وأذنهم فكان حقه فيه دون سائر المال فحقوقهم
في سائر المال دونه فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه كما لو كان التلف
بعد أن أخذه الموصى له وكالورثة إذا اقتسموا ثم تلف نصيب أحدهم قال أحمد
فيمن خلف مائتي دينار وعبداً قيمته مائة ووصي لرجل بالعبد فسرقت الدنانير
بعد الموت فالعبد للموصى له به * (مسألة) * (وإن لم يأخذه زماناً قوم وقت
الموت لا وقت الأخذ) وذلك لأن الاعتبار في قيمة الوصية وخروجها من الثلث
وعدم خروجها بحالة الموت لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها
وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا فينظر كم كان الموصى به
وقت الموت فإن كان ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله
فإن زادت
قيمته حتى صار معادلاً لسائر الاموال أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه
فهو للموصي له ولا شئ للورثة فيه فإن كان حين الموت زائداً عن الثلث
فللموصى له منه قدر ثلث المال فان كان نصف المال فللموصى له ثلثاه وإن كان
ثلثيه فللموصى له نصفه وإن كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه فإن نقص
بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان حين
الموت فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار
يساوي مائتين فهو للموصى له كله وإن كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى
له ثلثاه لأنهما ثلث المال فإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم
يزد حق الموصى له عن ثلثيه شيئا إلا أن يجيز الورثة وإن كانت قيمته
أربعمائة فللموصى له نصفه لا يزداد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد *
(مسألة) * (فإن لم يكن له سوى المعين إلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو
معسر فللموصى له ثلث الموصى به وكلما اقتضي من الدين شئ أو حضر من الغائب
ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يكمله كله)
(6/522)
وجملة ذلك أن من أوصى بمعين حاضر وسائر
ماله دين أو غائب فليس للوصي أخذ المعين قبل قدوم الغائب وقبض الدين لأنه
ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله ويأخذ الوصي من المعين ثلثه وهو
ظاهر كلام الخرقي ذكره في المدبر وقيل لا يدفع اليه شئ لأن الورثة شركاؤه
في التركة فلا يحصل له شئ ما لم يحصل الورثة مثلاه ولم يحصل لهم شئ وهذا
وجه لأصحاب الشافعي، والصحيح الأول لأن حقه في الثلث مستقر فوجب تسليمه
إليه لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولأنه لو تلف سائر
المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي وليس تلف المال سبباً لاستحقاق
الوصية وتسليمها ولا يمتنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وإن لم ينتفع
الورثة بشئ كما لو أبرأ معسراً من دين عليه وقال مالك يخير الورثة بين دفع
العين الموصى بها وبين جعل وصيته ثلث المال لأن الموصي كان له أن يوصي بثلث
ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لأنه بؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين
فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة أن
رضيتم بذلك وإلا فعودوا إلى
ما كان له أن يوصي به وهو الثلث ولنا أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث
لأجنبي فوقع لازماً كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح لأن جعل حقه في
قدر الثلث إشاعة وإبطال لما عينه فلا يجوز إسقاط ما عينه الموصي للموصى له
ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين، وكما
لو كان المال كله
(6/523)
حاضراً أو غائباً.
إذا ثبت هذا فإن للموصى له ثلث العين الحاضرة وكلما اقتضى من دينه شئ أو
حضر من الغائب شئ فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به كذلك حتى يكمل للموصى
له الثلث أو يأخذ المعين كله، فلو خلف تسعة عيناً وعشرين ديناراً وابناً
ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضي من الدين شئ فللوصي ثلثه
فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمنانية عشر فتكمل له التسعة
فإن جحد الغريم أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية
من العين ولو كان الدين تسعة فإن الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها
ويبقى ثلثها موقوفاً كلما استوفي من الدين شئ فللوصي من العين قدر ثلثه
فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة وهي ثلث الجميع، وإن كانت الوصية
بنصف العين أخذ الوصي ثلثها، وأخذ الابن نصفها وبقي سدسها موقوفاً، فمتى
اقتضي من الدين مثليه كملت وصيته.
* (مسألة) * (وكذلك الحكم في المدبر) في أنه يعتق في الحال ثلثه وكلما
اقتضي من الدين شئ أو حضر من الغائب شئ عتق منه بقدر ثلثه حتى يعتق جميعا
أن خرج من الثلث.
(فصل) فإن كان الدين مثل العين فوصى لرجل بثلثه فلا شئ له قبل استيفائه
فكلما اقتضي منه شئ فله ثلثه وللابن ثلثاه وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في
الآخر هو أحق بما يخرج من الدين حتى يستوفي وصيته، وهذا قول أهل العراق لأن
ذلك يخرج من ثلث المال الحاضر.
(6/524)
ولنا أن الورثة شركاؤه في الدين وليس له
معهم شركة في العين فلا يختص بما يخرج منه دونهم، كما لو كان شريكه في
الدين وصياً أخر، وكما لو وصى لرجل بالعين ولآخر بالدين فالمنفرد بوصية
الدين
لا يختص بما خرج منه دون صاحبه كذا ههنا.
(فصل) ولو وصى لرجل بثلث ماله وله مائتان ديناً وعبد يساوي مائة ووصى لآخر
بثلث العبد اقتسما ثلث العبد نصفين وكلما اقتضي من الدين شئ فللموصى له
بثلث المال ربعه، وله وللآخر من العبد بقدر ربع ما استوفى بينهما نصفين
فإذا استوفي الدين كله كمل للوصيين نصف العبد ولصاحب الثلث ربع المائتين
وذلك هو ثلث المال، وإن استوفي الدين قبل القسمة قسما بينهما كذلك للموصى
له ثلث العبد ربعه، لأن للوصيين أربعة أتساع المال والجائز منهما ثلث المال
وهو ثلاثة أتساع وذلك ثلاثة أرباع وصيتهما، فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة
أرباع وصيته وهي ربع المال كله لصاحب ثلثه وربع العبد لصاحب ثلثه، وفي
المسألة أقوال سوى ما قلناه تركناها لطولها، وهذا أسدها إن شاء الله لأننا
أدخلنا النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية وكملنا لهما الثلث فإن
أجيز لهما أخذ كل واحد منهما ما بقي من وصيته وهو ربعها فيكمل ثلث المال
لصاحبه وثلث العبد للآخر.
(فصل) وإن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة ديناً على أحد ابنيه وهو معسر
ووصى لأجنبي بثلث ماله فإن الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان العشرة
العين نصفين ويسقط عن المدين ثلثا
(6/525)
دينه ويبقى لهما عليه ثلثه، فإن كانت
الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماساً للوصي خمساها أربعة وللابن
ستة وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه وبقي عليه ربعه فإذا استوفى قسم
بينهما أخماساً كما قسمت العين لأن الوصية بالربع وهو ثمنان ويبقى ستة
أثمان لكل ابن ثلاثة أثمان فصار نصيب الوصي والابن الذي لا دين عليه خمسة
أثمان للابن ثلاثة وللوصي سهمان فلذلك قسمنا العين وما حصل لهما من الدين
أخماساً وسقط عن المدين ثلاثة أرباع ما عليه لأن له ثلاثة أثمان وهي ثلاثة
أرباع النصف الذي عليه.
(فصل) ونماء العين الموصى بها إن كان متصلاً تبعها وهو للموصى له، وإن كان
منفصلاً في حياة الموصي فهو له يكون ميراثاً وإن حدث بعد الموت قبل القبول
فهو للورثة في ظاهر المذهب وقيل للوصي وقد ذكرناه.
* (مسألة) * (وإن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وإن وصى
له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي) إذا وصى له
بمعين فاستحق بعضه فله ما بقي منه إن حمله الثلث فإذا وصى له بثلث عبد أو
دار فاستحق الثلثان منه فالثلث الباقي للموصى له وهو قول الشافعي وأصحاب
الرأي لأن الباقي كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه الموصى له كما لو
كان شيئاً معيناً وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقا فليس له
إلا ثلث الباقي
(6/526)
وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه لم يوص
له من الباقي بأكثر من ثلثه وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه.
* (مسألة) * (وإن وصى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله
وملكه غير العبد مائتان فأجاز الورثة فاللموصى له بالثلث ثلث المائتين وربع
العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه وإن ردوا فقال الخرقي للموصى له
بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه قال شيخنا وعندي
أنه يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في حال الإجازة لصاحب الثلث خمس
المائتين وعشر العبد ونصف عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه) وجملة ذلك أنه إذا
أوصى لرجل من ماله ولآخر بجز؟ مشاع منه كثلثه فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع
بوصيته من غير المعين ثم شارك صاحب المعين فيه فيقسم بينهما على قدر حقيهما
ما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية كمسائل العول
وكما لو وصى لرجل بماله ولآخر بجزء منه فأما في حال الرد فإن كانت وصيتهما
لا تجاوز الثلث مثل أن يوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال
فهي كحالة الإجازة سواء إذ لا أثر للرد وإن جاوزت الثلث رددنا وصيتهما إلى
الثلث وقسمناه بينهما على قدر وصيتيهما إلا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من
المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا قول الخرقي وسائر الأصحاب ويقوى
عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث على حسب مالهما في حال الإجازة وهذا
(6/527)
قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومالك في
الرد يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ويضم الآخر سهامه
إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقي لأن له
السدس وللورثة أربعة أسداس وهو مثل قول الخرقي إلا أن الخرقي يعطيه السدس
من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد واتفقوا على أن كل
واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته لأن كل واحد منهما قد أوصى له بثلث
المال وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد إلى نصف
وصيته ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية، وفي قول الخرقي
يأخذ سدس الجميع لأنه وصى له بثلث الجميع، وأما في قول شيخنا فإن وصية صاحب
العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وصى له بشئ شرك معه غيره فيه وصاحب السدس
أفرد بشئ لم يشاركه فيه غيره فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب
مالهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا ففي هذه المسألة لصاحب الثلث
ثلث المائتين ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الاخر فيها ويشتركان في العبد
لهذا ثلثه وللآخر جميعه فابسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصر العبد ثلاثة
واضمم إليها الثلث الذي للآخر يصر أربعة ثم اقسم العبد على أربعة أسهم يصر
الثلث ربعاً كما في مسائل العول وفي حالة الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال
وهو نصف وصيتيهما فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث إلى سدس
الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه، وفي قول شيخنا تضرب مخرج الثلث في مخرج
الربع
(6/528)
يكن اثني عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين
فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية وربع العبد وهو ثلاثة أسهم صار له
أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة فبضمها إلى صاحب الثلث تصير
عشرين سهماً ففي حال الرد يجعل الثلث عشرين سهماً والمال كله ستون فلصاحب
العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية من المائتين وهي
خمسها وثلثه من العبد وذلك عشرة ونصف عشرة * (مسألة) * (وإن كانت الوصية
بالنصف مكان الثلث فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه.
وفي الرد لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه هذا قول
أبي الخطاب
وهو قياس قول الخرقي وعلى اختيار شيخنا لصاحب النصف ربع المائتين وسدس
العبد ولصاحب العبد ثلثه والطريق فيها أن ينسب الثلث إلى ما حصل لهما في
حال الإجازة ثم يعطى كل واحد مما حصل له في الإجازة مثل نسبة الثلث إليه
وعلى قول الخرقي ينسب الثلث إلى وصيتيهما جميعاً ثم يعطي كل واحد في الرد
مثل الخارج بالنسبة وبيانه في هذه المسألة أن نسبة الثلث إلى وصيتيهما
بالخمسين لأن النصف والثلث خمسة من ستة فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمسا
العبد لأنه وصيته ولصاحب النصف الخمس لأنه خمسا وصيته وعلى اختيار شيخنا قد
حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف
(6/529)
فلكل واحد منهما مما حصل في الإجازة نصفه
وقد كان لصاحب النصف من المائتين نصفها فله ربعها وكان له من العبد ثلثه
فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه فصار له ثلثه (فصل) فإن كانت المسألة
بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة ففي الاجازة لصاحب النصف مائة وخمسون وثلث
العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب النصف تسعا المال كله ولصاحب
العبد أربعة أتساعه على الوجه الأول وعلى اختيار شيخنا لصاحب العبد ثلثه
وخمس تسعه وللآخر تسعه وثلث خمسه ومن المال ثمانون وهو ربعها وسدس عشرها
وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالعبد ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه
والباقي كله للآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه
وهو ربع العبد وسدس عشره وللآخر أربعة أخماسه فله من العبد مثل ما حصل
لصاحبه ومن كل مائة مثل وهو ثمانون.
(فصل) فلو خلف عبداً قيمته مائة ومائتين ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله ووصى
بالعبد لآخر ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين وينفرد صاحب المائة
بنصف الباقي وفي الرد للمولى له بالعبد ثلثه وللآخر ثلث وثلث المائة وعلى
الوجه الآخر لصاحب العبد ربعه وللآخر ربعه ونصف المائة يرجع كل واحد منهما
إلى نصف نصيبه فإن لم تزد الوصيتان على الثلث كرجل خلف خمسمائة وعبداً
قيمته مائة ووصى بسدس ماله لرجل ولآخر بالعبد فلا أثر للرد ههنا ويأخذ صاحب
المشاع سدس
(6/530)
المال وسبع العبد وللآخر ستة أسباعه فإن
وصى لصاحب المشاع بخمس المال فله مائة وسدس العبد ولساحب العبد خمسة أسداسه
ولا اثر للرد أيضاً لأن الوصيتين لا تزيد على ثلث المال.
* (مسألة) * وإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على
المائة فلم يزد الثلث على المائة وذلك إذا كان المال ثلاثمائة بطلت وصية
صاحب التمام) لأنه لم يوص له بشئ أشبه ما لو أوصى له بداره وليس له دار
ويقسم الثلث في حال الرد بين الوصيين على قدر وصيتهما، وإن زاد الثلث على
المائة بأن يكون المال ستمائة فأجاز وانفذت الوصية على ما قال الموصي فيأخذ
صاحب الثلث مائتين وكل واحد من الوصيين مائة، وإن ردوا ففيه وجهان (أحدهما)
يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فيدخل النقص
على كل واحد بقدر ماله في الوصية كسائر الوصايا، وهذا اختيار شيخنا.
(والثاني) لا شئ لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون الثلث بين
الوصيين الآخرين نصفين فلا يحصل لصاحب التمام إذا كان المال ستماثة شئ،
اختاره القاضي لأنه إنما يستحق بعد تمام المائة لصاحبها، ولم يفضل ههنا له
شئ قال ويجوز أن يزاحم به ولا يعطى شيئا كولد الأب مع ولد الأبوين في
مزاحمة الجد يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئاً، فإن كان المال
تسعمائة ورد الورثة فعلى الوجه الأول لصاحب الثلث مائة وخمسون ولصاحب
المائة خمسون ولصاحب التمام مائة لأن الوصية كانت بالثلثين فرجعت إلى الثلث
فرددنا كل واحد منهم إلى نصف وصيته، وعلى الوجه
(6/531)
الثاني لصاحب المائة مائة لا ينقص منها شئ
ولصاحب التمام خمسون وهذا اختيار القاضي.
(فصل) فإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما
مائة، وإن رد الأول وصيته فللآخر مائة، وإن وصى للأول بثمانين وللآخر باقي
الثلث فلا شئ للثاني، سواء رد الأول وصيته أو أجازها، وهذا قياس قول
الشافعي وأهل البصرة، وقال أهل العراق إن رد الأول فللثاني مائتان في
المسئلتين.
ولنا أن المائة ليست باقي الثلث ولا تتمته فلا يكون موصى بها للثاني كما لو
قتل الأول ولو وصى لوارث بثلثه ولآخر بتمام الثلث، فلا شئ للثاني، وعلى قول
أهل العراق له الثلث كاملاً.
باب الوصية بالانصباء والأجزاء إذا وصى لرجل بمثل نصيب وارث معين فله مثل
نصيبه مضموماً إلى المسألة ومزاداً عليها، هذا قول الجمهور، وبه قال أبو
حنيفة والشافعي، وقال مالك وابن أبي ليلى وزفر وداود: يعطى مثل نصيب
المعين، أو مثل نصيب أحدهم إن كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم
الباقي بين الورثة لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو أوصى بمثل
نصيب ابنه وله ابن واحد فالوصية بجميع المال، وإن كان له ابنان فالوصية
بالنصف، وإن كانوا ثلاثة فله الثلث، وقال مالك إن كانوا يتفاضلون نظر إلى
عدد رؤوسهم فأعطي سهماً من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم
فاعتبر عدد رؤوسهم.
(6/532)
ولنا أنه جعل وارثه أصلاً وقاعدة حمل عليه
نصيب الموصى له وجعل مثلاً له، وهذا يفضي إلى أن لا يزاد أحدهما على صاحبه،
ومتى أعطي من أصل المال فما أعطي مثل نصيبه ولا حصلت التسوية به والعبارة
تقتضي التسوية.
* (مسألة) * (فإذا وصى له بمثل نصيب ابنه، وله ابنان، فله الثلث وإن كانوا
ثلاثة فله الربع وإن كان معهم بنت فله التسعان لأن المسألة من سبعة لكل ابن
سهمان ويزاد عليها مثل نصيب ابن، سهمان، فتصير تسعة فالاثنان منها تسعاها.
* (مسألة) * (وإن وصى بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين) تصح الوصية وتكون
كما لو وصى بمثل نصيب ابن، وهذا قول مالك وأهل المدينة واللؤلؤي وأهل
البصرة وابن أبي ليلى وزفر وداود، والوجه الثاني: لا تصح الوصية، وهو الذي
ذكره القاضي، وهو قول أصحاب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه، لأنه أوصى بما هو
حق للابن فلم يصح كما لو قال بدار ابني، وبما يأخذه ابني، ووجه الأول أنه
أمكن تصحيح وصيته بحمل لفظه على مجازه فصح كما لو طلق بلفظ الكناية أو أعتق
وبيان إمكان التصحيح أنه أمكن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي
بمثل نصيب ابني ولأنه لو أوصى بجميع ماله صح وإن تضمن ذلك الوصية بنصيب
ورثته كلهم
* (مسألة) * (وإن وصى بضعف نصيب ابنه أو ضعفيه فله مثله مرتين وإن وصى
بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله) .
(6/533)
قال شيخنا هذا الصحيح عندي، وقال أصحابنا
ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، كلما زاد ضعفاً زاد مرة
واحدة) إذا وصى بضعف نصيب ابنه فله مثلا نصيبه، وبه قال الشافعي، وقال أبو
عبيد القاسم بن سلام الضعف المثل لقول الله تعالى (يضاعف لها العذاب ضعفين)
أي مثلين، وقوله (فآتت أكلها ضعفين) أي مثلين، وإذا كان الضعفان مثلين
فالضعف مثل.
ولنا على أن الضعف مثلان قوله تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات)
وقال (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) ، وقال (وما آتيتم من زكاة تريدون
وجه الله فأولئك هم المضعفون) ويروى عن عمر أنه أضعف الزكاة على نصارى بني
تغلب فكان يأخذ من الثمانين عشرة، وقال لحذيفة وعثمان بن حنيفة لعلكما
حملتما الأرض ما لا تطيق، فقال عثمان لو أضعفت عليها لاحتملت، قال الأزهري
الضعف المثل فما فوقه، فأما قوله إن الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري
عن هشام ابن معاوية النحوي قال العرب تتكلم بالضعف مثنى فتقول إن أعطيتني
درهماً فلك ضعفاه، أي مثلاه، وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن يعني
أن المفرد والمثنى في هذا بمعنى واحد وكلاهما يراد به المثلان وإذا
استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم وإن خالفنا القياس.
(فصل) وإن وصى له بضعفيه فله مثله مرتين وإن قال ثلاثة أضعافه فله ثلاثة
أمثاله، هذا الصحيح عندي، وهو قول أبي عبيد، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة
أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله وعلى هذا كلما زاد ضعفاً زاد مرة واحدة،
وهو قول الشافعي، واحتجوا بقول أبي عبيدة مسعر بن المثنى ضعف الشئ هو ومثله
وضعفاه: هو ومثلاه وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، وقال أبو ثور ضعفاه
(6/534)
أربعة أمثاله وثلاثة أضعافه ستة أمثاله
لأنه قد ثبت أن ضعف الشئ مثلاه فتثنيته مثلا مفرده.
ولنا قول الله (فآتت أكلها ضعفين) قال عكرمة: تحمل في كل عام مرتين، قال
عطاء أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين، ولا خلاف بين المفسرين فيما علمنا
في تفسير قوله تعالى: (يضاعف لها العذاب ضعفين) إن المراد به مرتين، وقد دل
عليه قوله تعالى (نؤتها أجرها مرتين ومحال أن يجعل أجرها على العمل الصالح
مرتين وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف
الحسنات على السيئات هذا المعهود من كره وفضله، وأما قول أبي عبيدة فقد
خالفه فيه غيره وأنكر قوله قال ابن عرفة لا أحب قول أبي عبيدة في (يضاعف
لها العذاب ضعفين) لأن الله تعالى قال في آية أخرى (نؤتها أجرها مرتين)
فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين وقد نقل هشام بن معاوية النحوي عن
العرب أنهم ينطقون بالضعف مثنى ومفرداً بمعنى واحد وموافقة العرب على
لسانهم مع ما دل عليه كلام الله تعالى العزيز وأقوال المفسرين من التابعين
وغيرهم أولى من قول أبي عبيدة المخالف لذلك كله مع مخالفة القياس ونسبة
الخطأ إليه أولى من تخطئه ما ذكرناه وأما قول أبي ثور فظاهر الفساد، لما
فيه من مخالفة الكتاب والعرب وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم، وأهل
العربية، فلا يجوز التمسك بمجرد القياس المخالف للنقل، فقد شذ من العربية
كلمات تؤخذ نقلاً بغير قياس.
(6/535)
(فصل) ولو وصى بمثل نصيب له كمن يوصي بمثل
نصيب ابنه وهو لا يرث لرقه أو كونه مخالفاً لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب
عن ميراثه فلا شئ للوصي لأنه لا نصيب له فمثله لا شئ * (مسألة) * (وإذا وصى
له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيباً) فلو كانوا
ابناً وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين سهماً لكل امرأة سهم وللموصى له
سهم يزاد عليها فتصح من ثلاثة وثلاثين سهماً للموصي سهم ولكل امرأة سهم
والباقي للابن.
وجملة ذلك أنه إذا وصى بمثل نصيب أحدهم غير مسمى فإن كان الورثة يتساوون في
الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم مزاداً على الفريضة ويجعل كواحد منهم
زاد فيهم وإن كانوا يتفاضلون كهذه، المسألة فله مثل اقلهم ميرانا يزاد على
فريضتهم هذا قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك إن كانو
يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم
فأعطي سهماً من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد
رؤوسهم ولنا أن اليقين أن يعطي الوصي مثل أقلهم نصيباً وما زاد مشكوك فيه
فلا يثبت مع الشك وقوله يعطى سهماً من عددهم مخالف لما يقتضيه لفظ الموصي
لأنه ليس بنصيب أحد ورثته ولفظه إنما اقتضى نصيب أحدهم وتفاضلهم لا يمنع
كون نصيب الأقل نصيب أحدهم فيصرفه إلى الوصي عملاً بمقتضى وصيته وذلك أولى
من اختراع شئ لا يقتضيه قول الموصي أصلاً وقوله تعذر العمل بقول الموصي
ممنوع فقد أمكن العمل به بما قلناه ثم لو تعذر العلم به لم يجز أن يجب في
ماله حق لم يأذن فيه ولم يأمر به ولو قال أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثاً
كان كما لو أطلق وكان ذلك تأكيداً وإن قال أوصيت بمثل
(6/536)
نصيب أكثرهم ميراثاً فله ذلك مضافاً إلى
المسألة ثماينة وعشرون تضم إلى المسألة فتكون ستين سهماً.
* (مسألة) * (ولو وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت
الوصية وهو موجود فقدر الوارث موجوداً وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له
مع عدمه) فإن خلف ابنين ووصى بمثل نصيب ثالث لو كان فللموصى له الربع وإن
خلف ثلاثة بنين فله الخمس وإن وصى بمثل نصيب خامس لو كان فللموصى له السدس
وعلى هذا أبداً، فلو خلفت امرأة زوجاً وأختاً وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت
فللموصى له الخمس لان للام الربع لو كانت فيجعل له سهم مضاف إلى أربعة يكن
خمساً فقس على ذلك.
* (مسألة) * (فإن خلف أربعة بنين فأوصى بمثل نصيب خاسم لو كان إلا مثل نصيب
سادس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية فله سهم يزاد على
ثلاثين وتصح من اثنين وستين له سهمان ولكل ابن خمسة عشر) لأنه استثنى السدس
من الخمس.
فطريقها أن تضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر تكن ثلاثين خمسها ستة وسدسها
خمسة فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم للموصى له فزده على الثلاثين
تصر واحداً وثلاثين فأعط الموصى له سهماً يبقى ثلاثون على أربعة لا تنقسم
وتوافق بالنصف فزدها إلى خمسة عشر واضربها في أربعة تكن ستين زد عليها
سهمين للموصى له ولكل
ابن خمسة عشر.
وطريقها بالجبر أن تجعل المال أربعة وشيئاً تدفع الشئ إلى الموصى له يبقى
أربعة
(6/537)
تقسمها على خمسة يخرج أربعة أخماس وتقسمها
على ستة يخرج ثلثان فتسقط الثلثين من أربعة الأخماس يبقى سهمان من خمسة عشر
ثم تضر ب الأربعة الأسهم في الخمسة عشر لأنها مخرج الثلث تكن ستين تزيد
عليها السهمين فهي للموصى له ولكل ابن خمسة عشر فقد حصل له خمس الستين إلا
سدسها الخمس اثنا عشر والسدس عشرة (فصل) وإذا خلف بنتاً وحدها ووصى بمثل
نصيبها فهو كما لو وصى بنصيب ابن عند من يرى الرد لأنه يأخذ المال كله
بالفرض والرد، ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون له الثلث ولها نصف
الباقي وما بقي لبيت المال، وعلى قول مالك ومن وافقه للموصى له النصف في
حال الإجازة ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال، فإن خلف ابنتين ووصى بمثل
نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا ويقتضي قول من لا يرى الرد أنها من أربعة
لبيت المال الربع ولكل واحد منهم الربع وعلى قول مالك الثلث للموصى له
وللبنتين ثلثا ما بقي والباقي لبيت المال وتصح من تسعة.
فإن خلف جدة وحدها وأوصى بمثل نصيبها فقياس قولنا أن المال بينهما نصفين
وعلى قول من لا يرى الرد هي من سبعة لكل واحد منهما السبع والباقي لبيت
المال وقياس قول مالك للموصى له السدس وللجدة سدس ما بقي والباقي لبيت
المال.
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة
إن أجازوا وإن
(6/538)
ردوا فمن تسعة للموصى لهم الثلث ثلاثة
والباقي بين البنين على ثلاثة فإن أجازوا لواحد وردوا على اتنين فللمردود
عليهما التسعان اللذان كانا لهما في حال الرد عليهم، وفي المجاز له وجهان
أحدهما له السدس الذي كان له في حال الإجازة للجميع وهذا قول أبي يوسف وابن
شريح فتأخذ السدس والتسعين من مخرجهما وهي ثمانية عشر بين البنين على ثلاثة
لا تصح فتضرب عددهم في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين للمجاز له السدس تسعة
ولكل واحد من صاحبيه ستة ولكل ابن أحد عشر (والوجه الثاني)
أن تضم المجاز له إلى البنين وتقسم الباقي بعد التسعين عليهم وهم أربعة لا
تنقسم فتضرب في تسعة تكن ستة وثلاثين فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين
أتموا لكل واحد منهم تمام سدس المال فيصير المال بينهم أسداساً على الوجه
الأول، وعلى الوجه الآخر يضمون ما حصل لهم وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين
إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ثم يقتسمونه بينهم على خمسة لا تصح فتضرب خمسة
في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانين ومنها تصح، فإن أجاز أحد البنين لهم ورد
الآخر ان عليهم فللمجيز السدس وهو ثلاثة من ثمانية عشر وللذين لم يجيزا
أربعة اتساعه ثمانية يبقى سبعة بين الموصى لهم على ثلاثة نضربها في ثمنانية
عشر تكن أربعة وخمسين فإن أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل
وهو ثلث سهم من ثمانية عشر فاضربها في ثلاثة تكن أربعة وخسمين والله أعلم
(6/539)
(فصل) في الوصية بالأجزاء إذا وصى له بجزء
وحظ أو نصيب أو شئ فللورثة أن يعطوه ما شاءوا لا نعلم فيه خلافاً وهو قول
الشافعي وأبي حنيفة وابن المنذر وغيرهم لأن كل ما يعطونه جزء وشئ وحظ ونصيب
وكذلك إن قال أعطوا فلاناً من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لاحد له في الشرع ولا
في اللغة فكان على إطلاقه * (مسألة) * (وإن وصى له بسهم ففيه ثلاث روايات
(إحداها) له له السدس بمنزلة سدس المفروض إن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا
عصبة أعطي سدساً كاملاً وإن كملت فروضها أعيلت به وإن عالت أعيل معها
(والثانية) له سهم مما تصح منه المسألة ما لم تزد على السدس (والثالثة) له
مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله
فيمن أوصى بسهم من ماله فروي عنه أن للموصى له السدس روى ذلك علي وابن
مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن وأياس بن معاوية والثوري (والرواية
الثانية) أنه يعطى سهماً مما تصح منه الفريضة فينظركم سهماً صحت منه
الفريضة فيزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له وهذا قول شريح، قال ترفع
السهام فيكون للموصى له سهم قال القاضي هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد
السهم على السدس فله السدس لأنه متحقق، ووجه ذلك أن قوله سهماً ينصرف إلى
سهام فريضته لأن وصيته منها فينصرف السهم إليها فكان واحداً من سهامها كما
لو قال فريضتي كذا وكذا سهماً لك منها سهم (والثالثة) له سهم من سهام أقل
الورثة اختارها الخلال وصاحبه قال أحمد في
رواية أبي طالب والاثرم إذا أوصى له بسهم من ماله يعطى سهماً من الفريضة
قيل أنصيب رجل أو نصيب امرأة؟ فقال أقل ما يكون من السهام قال القاضي ما لم
يزد على السدس وهذا قول أبي حنيفة وقال صاحباه إلا أن يزيد على الثلث فيعطى
الثلث، ووجه هذا القول إن سهام الورثة أنصباؤهم فيكون له
(6/540)
أقلها لأنه اليقين، فإذا زاد على السدس دفع
إليه السدس لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة وقال أبو ثور يعطى سهماً من أربعة
وعشرين لأنها أكثر أصول الفرائض فالسهم منها أقل السهام، وقال الشافعي وابن
المنذر يعطيه الورثة ما شاؤا لأن ذلك يقع عليه اسم السهم فأشبه ما لو وصى
له بجزء أو حظ وقال عطاء وعكرمة لا شئ له ولنا ما روى ابن مسعود أن رجلاً
أوصى لرجل بسهم من المال فأ عطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس ولأن
السهم في كلام العرب السدس قاله إياس بن معاوية فتنصرف الوصية إليه كما لو
لفظ به ولأنه قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة.
إذا ثبت هذا فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة سدس مفروض فإن
كانت المسألة كاملة الفروض أعيلت به وإن كانت عائلة زاد عولها به وإن كانت
فيها رد أو كانوا عصبة أعطي سدساً كاملاً قال أحمد في رواية ابن منصور وحرب
إذا أوصى لرجل بسهم من ماله يعطى السدس إلا أن تعول الفريضة فيعطى سهماً مع
العول فكأن معنى الوصية أوصيت لك بسهم من يرث السدس فإن وصى له بسهم في
مسألة فيها زوج وأخت كان له السبع كما لو كان معها جدة على الروايات الثلاث
وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات فإن كان معهم زوج فالمسألة
من تسعة وللموصى له العشر
(6/541)
وإن كان الورثة ثلاث أخوات مفترقات فللموصى
له السدس على الروايات الثلاث وإن كانوا زوجاً وأبوين وابنتين فالمسألة من
خمسة عشر وتعول بسدس آخر إلى سبعة عشر وكذلك على قول الخلال لأن أقل سهام
الورثة سدس وعلى الرواية الأخرى يكون للوصي سهم واحد يزاد على المسألة
فتصير ستة عشر، وإن كانوا زوجة وأبوين وابناً فالفريضة من أربعة وعشرين
وتعول بالسدس الموصى به إلى ثمانية وعشرين، وعلى الرواية الثانية يزاد
عليها سهم واحد للموصى له فتكون من خمسة وعشرين وعلى الرواية الثالثة التي
اختارها الخلال يزاد عليها مثل سهم الزوجة ثلاثة فتكون من سبعة وعشرين وإن
كانوا خمسة بنين فللموصى السدس
كاملاً وتصح من ستة على الروايات الثلاث فإن كان معهم زوجة صحت الفريضة من
أربعين فتزيد عليها سهماً للوصي على إحدى الروايات فتصير أحداً وأربعين
وعلى قول الخلال تزيد مثل نصيب الزوجة فتصير خمسة وأربعين وعلى الرواية
الأولى تزيد عليها مثل سدسها ولا سدس لها صحيحاً فتضربها في ستة ثم تزيد
عليها سدسها تكون مائتين وثمانين للوصي أربعون وللزوجة ثلاثون ولكل ابن
اثنان وأربعون وترجع بالاختصار إلى مائة وأربعين.
والذي يقتصيه القياس فيما إذا وصى بسهم من ماله أنه ان صح أن السهم في لسان
العرب السدس أو صح الحديث المذكور فهو كما لو وصى له بسدس ماله وإلا فهو
كما لو وصى له بجزء من ماله على ما اختاره الشافعي وابن المنذر أن الورثة
يعطونه ما شاؤا.
والأولى أنه إن ثبت أن السهم في كلام العرب يراد به السدس فالحكم في ذلك
كما لو وصى له بالسدس سواء وإن لم يثبت ذلك أعطي مثل سهم أقل الورثة وهو
اختيار الخلال وإحدى الروايات عن أحمد رحمه الله (فصل) فلو خلف أبوين
وابنتين ووصى لرجل بسدس ماله ولآخر بسهم منه جعلت ذا السهم كأحد الابوين
وأعطبت صاحب السدس سدساً كاملاً وقسمت الباقي بين الورثة والوصي على سبعة
(6/542)
فتصح من اثنين وأربعين لصاحب السدس سبعة
ولصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث ويحتمل أن يعطى الموصى له بالسهم
السبع كاملاً كما لو أوصى له به من غير وصية أخرى فيكون له ستة ويبقى تسعة
وعشرون على ستة لا تنقسم فتضربها في اثنين وأربعين تكن ماثتين واثنين
وخمسين * (مسألة) * (وإن وصى بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته
إليه وقسمت الباقي على مسألة ما لورثة إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له
فنفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها) فإن لم تنقسم ضربت المسألة أو وفقها
في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح * (مسألة) * وإن وصى بجزأين أو أكثر
أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة فإن زادث على الثلث وردوا جعلت
السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال وقسمت الثلثين على الورثة فإذا وصى لرجل
بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من
اثني عشر يبقى للابنين خمسة ان اجاز أو ان ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون
المسألة من أحد وعشرين
للوصيين الثلث سبعة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولكل واحد من
الابنين سبعة فإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر
أو أجاز كل واحد من الابنين لو احد فاضرب وفق مسألة الإجازة وهي ثمانية في
مسألة الرد تكن مائة وثمانية وستين الذي أجيز له سهمه من مسألة مضروب في
وفق مسألة الرد وللمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروب في وفق مسألة
الإجازة والباقي للورثة وللذي أجاز لهما سهم من مسألة الإجازة في
(6/543)
وفق مسألة الرد وللآخر سهم من مسألة الرد
في وفق مسألة الإجازة والباقي بين الوصيين على سبعة وبيان ذلك أن مسألة
الإجازة من اثني عشر لأنها مخرج الثلث والربع لصاحب الثلث أربعة ولصاحب
الربع ثلاثة يبقى خمسة للابنين لا تصح عليهما تضرب اثنين في أصله تكن أربعة
وعشرين للموصى لهما سبعة في اثنين أربعة عشر لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب
الربع ستة يبقى عشرة للابنين لكل واحد خمسة، ومسألة الرد من أحد وعشرين لأن
ثلثها سبعة للموصى لهما ويبقى أربعة عشر للابنين بينهما نصفين، فإن أجازا
لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد
لواحد فوافق بين مسألة الإجازة ومسألة الرد وهما متفقان بالاثلاث فاضرب ثلث
إحداهما في جميع الأخرى تكن مائة وثمانية وستين كما ذكر، فإن كانت الإجازة
لصاحب الثلث وحده فسهمه من مسألة الإجازة ثمانية مضروب في وفق مسألة الرد
وهي سبعة ستة وخمسون لصاحب الربع نصيبه من مسألة الرد ثلاثة في وفق مسألة
الإجازة ثمانية تكن أربعة وعشرين صار المجموع للوصيين ثمانين سهماً والباقي
بين الابنين وهو ثمانية وثمانون لكل ابن أربعة وأربعون سهماً، وإن أجازا
لصاحب الربع وحده أخذت سهمه من مسألة الإجازة ستة من أربعة وعشرين فتضربها
في وفق مسألة الرد وهو سبعة تكن اثنين وأربعين تدفعها إليه ولصاحب الثلث
سهمه من مسألة الرد أربعة تضربها في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية تكن
اثنين وثلاثين فصار المجموع أربعة وسبعين يبفى أربعة وتسعون للابنين، فإن
أجاز أحد الابنين لهما ورد الآخر فللذي أجاز سهمه من مسألة الإجازة خمسة
مضروب في وفق مسألة الرد سبعة تكن خمسة وثلاثين وللذي رد سهمه من مسألة
الرد سبعة مضروب في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية ستة وخمسون تضمها إلى
خمسة وثلاثين تكن إحدى وتسعين يبقى للوصيين سبعة وسبعون
(6/544)
بينهما على سبعة لصاحب الثلث أربعة أربعون
ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون فإن أجاز كل واحد منهما لواحد فإن صاحب الثلث
إذا أجاز له الابنان كان له ستة وحمسون وإذا ردا عليه كان له اثنان وثلاثون
فقد نقصه ردهما أربعة وعشرين فينقصه رد أحدهما نصف ذلك أثني عشر يبقى له
أربعة وأربعون وصاحب الربع إذا أجازا له كان له اثنان وأربعون وإن ردا عليه
كان له أربعة وعشرون فقد نقصه ردهما ثمانية عشر فينقصه رد أحدهما نصفها
يبقى له ثلاثة وثلاثون وأما الاثنان فالذي أجاز لصاحب الثلث إذا أجاز لهما
كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فتنقصه الإجازة لهما
أحداً وعشرين لصاحب الثلث منها اثنا عشر يبقى له أربعة وأربعون والذي أجاز
لصاحب الربع إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة
وخمسون فقد نقصته الا جازة أحداً وعشرين منها تسعة لصاحب الربع بقي له سبعة
وأربعون وللوصيين سبعة وسبعون لصاحب الثلث أربعة وأربعون ولصاحب الربع ثلثة
وثلاثون فصار المجموع لهما وللابنين مائة وثمانية وستين (فصل) إذا وصى لرجل
بنصف ماله ولآخر بربعه فأجاز الورثة فلصاحب النصف نصف المال والربع للآخر
وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على قدر سهامهما لصاحب النصف ثلثاه وللآخر
ثلثه وقسمت الثلثين على الورثة هذا قول الجمهور منهم الحسن والنخعي ومالك
وابن أبي ليلى والثوري
(6/545)
والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد وقال أبو
حنيفة وأبو ثور وابن المنذر لا يضرب الموصى له بزيادة على الثلث في حال
الرد بأكثر من الثلث لأن ما زاد على الثلث باطل فكيف يضرب به؟ ولنا أنه
فاضل بينهما في الوصية فوجبت المفاضلة بينهما في حال الرد كما لو وصى
بالثلث والربع أو بمائة ومائتين وماله أربعمائة وبهذا يبطل ما ذكروه ولأنها
وصية صحيحة ضاق عنها الثلث فقسم بينهم على قدر الوصايا كالثلث والربع ودعوى
بطلان الوصية فيما زاد على الثلث ممنوع وقد ذكرنا ما يدل على صحتها فيما
مضى فعلى قولنا في هذه المسألة فللموصى لهما ثلاثة أرباع إن أجاز الورثة
ويبقى للورثة الربع، وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والمسألة كلها
من تسعة وإن أجازوا لأحدهما دون
صاحبه ضربت مسألة الرد في مسألة الاجازة واعطيت المجاز له سهمه من مسألة
الإجازة في مسألة الرد والمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروباً في مسألة
الإجازة فإن أجاز بعض الورثة لهما ورد الباقون عليهما أعطيت للمجيز سهمه من
مسألة الإجازة في مسألة الرد ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد في مسألة
الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيين على ثلاثة فان اتفقت المسئلتان ضربت وفق
إحداهما في الأخرى ومن له سهم من احدى المسئلتين مضروب في وفق الأخرى، وإن
دخلت احدى المسئلتين في الأخرى اجتزأت بأكثرهما فتقول في هذه المسألة إذا
كان أماً وثلاث أخوات متفرقات فأجازوا فالمسألة من أربعة للوصيين ثلاثة
ويبقى سهم على ستة تضربها في أربعة تكن أربعة
(6/546)
وعشرين وإن ردوا فللوصيين الثلث ثلاثة من
تسعة يبقى ستة على المسألة وهي ستة فتصح من تسعة، وإن أجازوا لصاحب النصف
وحده ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين لصاحب النصف اثنا
عشر في ثلاثة ستة وثلاثون وللآخر سهم في ثمانية يبقى ثمانية وعشرون للورثة
وإن أجازت الأم لهما ورد الباقون عليهما أعطيت الأم سهماً في ثلاثة
وللباقين خمسة أسهم في ثمانية فالجميع ثلاثة وأربعون يبقى تسعة وعشرون بين
الوصيين على ثلاثة وإن أجازت الأخت من الأبوين وحدها فلها تسعة ولباقي
الورثة أربعة وعشرون يبقى تسعة وثلاثون لهما على ثلاثة لصاحب النصف ستة
وعشرون ولصاحب الربع ثلاثة عشر * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (فإن زادت
الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول فتجعل وصاياهم كالفروض
التي فرض الله تعالى للورثة) إذا زادت على المال وإن ردوا قسمت الثلث بينهم
على تلك السهام فإذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من مخرجها اثني عشر
وعالت إلى خمسة عشر وقسمت المال بينهم كذلك إن أجيز لهم والثلث إن رد عليهم
فتصح في حال الإجازة من خمسة عشر وفي الرد من خمسة وأربعين هذا قول النخعي
ومالك والشافعي، قال سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا أبو عاصم الثقفي
قال: قال لي إبراهيم النخعي ما تقول في رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله وربع
ماله؟ قلت لا يجوز قال فإنهم قد أجازوا قلت لاأدري؟ قال امسك
(6/547)
اثني عشر فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة
وربعها ثلاثة فاقسم المال على ثلاثة عشر لصاحب النصف ستة ولصاحب الثلث
أربعة ولصاحب الربع ثلاثة وكان أبو حنيفة يقول يأخذ أكثرهم وصية ما يفضل به
على من دونه ثم يقسمون الباقي إن أجازوا وفي الرد لا يضرب لأحد بأكثر
بالثلث وإن نقص بعضهم عن عن الثلث أخذ أكثر ما يفضل به على من دونه ومثال
ذلك رجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه فالمال بينهم على تسعة في الإجازة
والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة فيها زوج وأختان لأب وأختان لأم وقال أبو
حنيفة صاحب الثلثين يفضلهما بسدس فيأخذه وهو وصاحب النصف يفضلان صاحب الثلث
بسدس فيأخذانه بينهما نصفين ويقتسمون الباقي بينهم أثلاثاً وتصح من ستة
وثلاثين لصاحب الثلثين سبعة عشر ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب الثلث ثمانية
وإن ردوا قسم بينهم على ثلاثة ولو أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه فالمال
بينهما على أربعة إن أجازوا والثلث بينهما كذلك في حال الرد وعند أبي حنيفة
إن أجازوا فلصاحب المال الثلثان ينفرد بهما ويقاسم صاحب الثلث فيحصل له
خمسة أسداس ولصاحب الثلث السدس وإن ردوا اقتسما الثلث نصفين فلا يحصل لصاحب
الثلث إلا السدس في حال الإجازة والرد جميعاً ولو جعل مكان الثلث سدساً
لكان لصاحب المال خمسة أسداسه في الإجازة ويقاسم صاحب السدس فيأخذ نصفه
ويبقى لصاحب السدس سهم من اثني عشر وفي الرد يقتسمان الثلث بينهما أثلاثاً
فيحصل لصاحب السدس التسع سهم من تسعة وذلك أكثر مما حصل له
(6/548)
في حال الإجازة وهذا دليل على فساد هذا
القول لزيادة سهم الموصى له في الرد على حال الإجازة ومتى كان للوصي حق في
حال الرد لا ينبغي أن يتمكن الوارث من تغييره ولا تنقيصه ولا أخذه منه ولا
صرفه إلى غيره مع أن ما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض
والديون وما ذكره لا نظير له مع أن فرص الله تعالى للوارث آكد من فرض
الموصي ووصيته ثم أن صاحب الفضل المفروض لا ينفرد بفضله فكذا في الوصايا *
(مسألة) * (وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهما
على ثلاثة
إن أجيز لهما والثلث على ثلاثة إن رد عليهما) إنما كان كذلك لأنك إذا بسطت
المال من جنس الكسر كان نصفين فإذا ضممت إليهما النصف الآخر صارت ثلاثة
فيقسم المال على ثلاثة ويصير النصف ثلثا كمسألة فيها زوج وأم وثلاث أخوات
متفرقات وإن ردوا فالثلث بينهما على ثلاثة * (مسألة) * (فإن أجازوا لصاحب
النصف وحده فلصاحب المال التسعان ولصاحب النصف النصف في أحد الوجهين) لأنه
موصى له به وإنما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه فإذا زالت
مزاحمته أخذ جميع وصيته (والثاني) ليس له إلا الثلث الذي كان له في حال
الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقاً لصاحب المال أخذه الورثة
منه بالرد فيأخذه الابنان، وإن أجازا لصاحب الكل وحده فله ثمانية أتساع
(6/549)
على الوجه الأول والتسع للآخر وعلى الوجه
الثاني ليس إلا الثلثان اللذان كانا له في حال الإجازة لهما ويبقى التسعان
للورثة * (مسألة) * (فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فسهمه بينهما على
ثلاثة ولا شئ للمجيز وللابن الآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة
فإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع وللابن الآخر الثلث والباقي
لصاحب المال في أحد الوجهين) وفي الآخر له أربعة أتساع والتسع الباقي
للمجيز وإن أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه نصف ما يتم به النصف وهو تسع
ونصف سدس في أحد الوجهين وهو ثلث ما في يده وربعه وفي الآخر يدفع التسع وهو
ثلث ما في يده فيصير له تسعان ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث
للذي لم يجز وتصح من تسعة وعلى الوجه الأول تصح من ستة وثلاثين للذي لم يجز
اثنا عشر وللمجيز خمسة ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن
مسألة الرد من تسعة ولصاحب النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان كان له تمام
النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك وهو سهم ونصف وربع
فتضرب مخرج الربع في تسعه تكن ستة وثلاثين
(فصل) في الجمع بين الوصية بالانصياء والأجزاء، إذا خلف ابنين ووصى لرجل
بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابن ففيها وجهان (أحدهما) لصاحب النصيب ثلث
المال في حال الإجازة كما لو لم يكن معه
(6/550)
وصي آخر وهذا قول يحيى بن آدم وعند الرد
يقسم الثلث بين الوصيين نصفين لأنه وصى لهما بثلثي ماله وقد رجعت وصيتهما
بالرد إلى نصفها وتصح من ستة (والوجه الثاني) يحصل لصاحب النصيب مثل ما
يحصل للابن وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الإجازة لأن للموصى له بالثلث
ثلث المال ويبقى سهمان بين الموصى له بالنصيب وبين الابنين على ثلاثة لا
تصح تضربها في ثلاثة لكن تسعة لصاحب الثلث ثلاثة ويبقى ستة لكل ابن سهمان
وللموصى له بالنصيب سهمان وهي التسعان وفي الرد يقسم الثلث بينهما على
الخمسة التي كانت لهما في حال الإجازة لصاحب الثلث ثلاثة ولصاحب النصيب
سهمان: * (مسألة) * (وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث) وهو
أن يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين وفي الرد يقسم الثلث
بينهما على ثلاثة عشر سهماً لصاحب النصف تسعة ولصاحب النصيب أربعة وإنما
كان كذلك لأن الورثة لا يلزمهم إجازة أكثر من ثلث المال فإذا جازوا أكثر من
ذلك حسب من نصيبهم لأنهم تبرعوا به ويبقى نصيب الموصى له بالنصيب على حاله
كأنه لم يخرج من المال إلا الثلث فيبقى الثلثان بينه وبين الابنين على
ثلاثة لأن له مثل نصيب ابن فتجعل المسألة من ثمانية عشر لأنها أقل عدد له
نصف ولثلثه ثلث لصاحب النصف تسعة لأنه مجاز له ويعطى الموصى له بالنصيب ثلث
الثلثين أربعة صار الجميع ثلاثة عشر يبقى
(6/551)
خمسة للابنين لا تصح عليهما فتضرب عددها في
ثمانية عشر تكن ستة وثلاثين للموصى لهما ستة وعشرون لصاحب النصف ثمانية عشر
وللآخر ثمانية يبقى عشرة للابنين بينهما نصفين وإن ردوا قسم الثلث بينهما
على ثلاثة عشر فتصح من تسعة وثلاثين ثلاثة عشر للوصيين وللابنين ستة وعشرون
(فصل) فإن كان الجزء الموصى به الثلثين فعلى الوجه الأول للموصى له بالنصيب
الثلث في حال الإجازة وتصح من ثلاثة وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة
وتصح من تسعة وعلى الوجه الثاني للموصى له بالنصيب التسع وللآخر الثلثان في
حال الإجازة وتصح من تسعة أيضاً وفي الرد يقسم
الثلث بينهما على سبعة وتصح من أحد وعشرين، وفي الوجه الثالث لصاحب النصيب
ثلث الثلثين وللآخر الثلثان وأصلها من تسعة وتصح من ثمانية عشر في الإجازة
لصاحب الثلثين اثنا عشر وللآخر أربعة يبقى سهمان للابنين وفي الرد يقسم
الثلث بينهما على ستة عشر وتصح من ثمانية وأربعين (فصل) فإن كان الموصى به
جميع المال فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهما على أربعة في حال الاجازة
لصصاحب المال ثلاثة ولصاحب النصيب سهم كما لو وصى بماله كله وبثلثه، وفي
الرد يقسم الثلث بينهما على أربعة، وعلى الوجه الثاني لا يحصل لصاحب النصيب
شئ لأنه إنما يحصل له مثل ابن والابن لا يحصل له شئ وهذا ما يوهن هذا الوجه
لأنه لا يطرد ويكون الكل لصاحب المال في حال الإجازة وفي الرد يأخذ صاحب
المال الثلث ويبقى الثلثان بين صاحب النصيب وبين الابنين على ثلاثة وتصح من
تسعة، وعلى الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين اثنان من تسعة ولصاحب
المال
(6/552)
تسعة فتصح من أحد عشر في حال الإجازة وفي
الرد من ثلاثة وثلاثين لصاحب المال تسعة ولصاحب النصيب اثنان ولكل ابن أحد
عشر * (مسألة) * (إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه ولآخر بثلث باقي المال
فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث باقي المال تسعان
والباقي للابنين وتصح من تسعة) وعلى الوجه الثاني يدخلها الدور لكونه إنما
يحصل لصاحب النصيب مثل ما يحصل للابن وهو لا يعلم ثلث الباقي حتى يعلم نصيب
الابن ولا يعلم نصيب الابن حتى يعلم ثلث الباقي فيخرجه ويقسم الباقي على
الابنين وصاحب النصيب والتفريع على هذا الوجه.
ولعملها طرق (أحدها) أن تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيباً وإنما جعلته ثلاثة
أسهم ليكون للباقي بعد النصيب ثلث فيدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى
الآخر ثلث الباقي سهما يبقى سهمان لكل ابن سهم وذلك هو النصيب فصحت من
أربعة (والطريق الثاني) طريق الجبر فتأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً ويبقى مال
إلا نصيباً تدفع إلى الوصي الآخر ثلثه وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب يبقى ثلثا
مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين أجبر ثلثي المال بثلثي نصيب ورد على
النصيبين مثل ذلك يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل
أثلاثاً من جنس الكسر واقلب وحول فاجعل النصيب اثنين والمال ثمانية ويرجع
بالا ختصار إلى أربعة (والطريق الثالث) الطريق المنكوس وهي أن تقول للابنين
سهمان وهو مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل
(6/553)
نصفه سهماً يصر ثلاثة ثم زد عليه مثل نصيب
ابن تصر أربعة وإن شئت ضربت ثلاثة مخرج الثلث في ثلاثة وهي عدد البنين مع
الوصي تكن تسعة أنقص منها واحداً يبقى ثمانية تصح ومنها تصح وتسمى طريق
الباب وتعمل بها ما يرد عليك من هذه المسائل * (مسألة) * (وإن كانت وصية
الثاني بثلث ما يبقى من النصف فعلى الوجه الأول تصح من ثمانية عشر لصاحب
النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما يبقى من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين)
وتصح من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر وللآخر سهمان ولكل ابن أحد عشر
سهماً في حال الإجازة وفي الرد، وتصح من أحد وعشرين للأول ستة أسهم وللآخر
سهم ولكل ابن سبعة وعلى الوجه الثاني يجعل المال ستة أسهم ونصيبين يدفع
النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر ثلث باقي النصف سهماً وإلى أحد الابنين
نصيباً يبقى خمسة للابن الآخر فالنصيب خمسة والمال ستة عشر للموصى له بثلث
باقي النصف سهم يبقى خمسة عشر للموصى له بالنصيب خمسة ولكل ابن خمسة
وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً تلقي منه ثلث
باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين أجبرها بثلثي
نصيب وزد على النصيين مثلها يبقى خمسة أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط
الكل أسداساً واقلب وحول واجعل أجزاء المال النصيب وأجزاء النصيب المال يصر
النصيب خمسة والمال ستة عشر وإن شئت
(6/554)
أخذت نصف مال ألقيت منه نصيباً يبقى نصف
مال إلا نصيبا ألق ثلثه يبقى ثلث مال إلا ثلثي نصيب ضمه إلى نصف المال يصر
خمسة أسداس إلا ثلثي نصيب تعدل نصيين اجبر وقابل يصر خمسة أسداس مال تعدل
نصيبين وثلثين أبسط الكل أسداساً من جنس الكسر واقلب يكن المال ستة عشر
والنصيب خمسة كما سبق
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال
ففيها ثلاثة أوجه (أحدها) أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم يكن
ثم وصية أخرى (والثاني) أن يعطى نصيبه من ثلث المال (والثالث) أن يعطى مثل
نصيب ابن بعد أخذ صاحب النصف وصيته وعلى هذا الوجه يدخلها الدور والتفريح
عليه ولعملها طرق: (أحدها) أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهماً يبقى سهم
فهو النصيب ثم تزيد على عدد البنين واحداً يصر أربعة فتضربها في المخرج تكن
ثمانية تنقصها سهماً يبقى سبعة فهي المال للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف
الباقي وهو ثلاثة ولكل ابن سهم.
* (طريق آخر) * أن تزيد سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج تكن سبعة *
(طريق ثالث) * يسمى المنكوس أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فتقول هذا بقية
مال ذهب نصفه فإذا أردت تكميله زدت عليه مثله ثم زد عليه مثل نصيب ابن تكن
سبعة
(6/555)
* (طريق رابع) وهو أن تجعل المال سهمين
ونصيباً وتدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهماً يبقى سهم للبنين يعدل
ثلاثة أنصباء فالمال كله سبعة، وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً يبقى
مال إلا نصيباً وتدفع نصف الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال الانصف نصيب
تعدل ثلاثة أنصباء فأجبره بنصف نصيب وزده على الثلاثة يبقى نصف كامل يعدل
ثلاثة ونصفاً فالمال كله سبعة (فصل) فإن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى
من الثلث أخذت مخرج النصف والثلث من ستة نقصت منها واحداً يبقى خمسة فهي
النصيب ثم تزيد واحداً على سهام البنين وتضربها في المخرج تكن أربعة وعشرين
تنقصها ثلاثة يبقى أحد وعشرون فهو المال تدفع إلى صاحب النصيب خمسة يبقى من
الثلث سهمان تدفع منها سهماً إلى الوصي الآخر يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة
وبالطريق الثاني تزيد على سهام البنين نصفا وتضربها في المخرج يكن أحداً
وعشرين.
وبالثالث تعمل كما عملت في الأولى فإذا بلغت سبعة ضربتها في ثلاثة من أجل
الوصية الثانية بنصف الثلث وبالرابع تجعل الثلث سهمين ونصيباً تدفع النصيب
إلى الموصى له به وإلى الآخر سهماً يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع
النصيبين إلى اثنين يبقى خمسة للثالث فهي النصيب فإذا بسطتها كانت إحدى
وعشرين وبالجبر تأخذ مالاً تلقي من ثلثه نصيباً وتدفع إلى الأخ نصف باقي
الثلث يبقى من المال خمسة أسداسه إلا نصف
(6/556)
نصيب أجبره بنصف نصيب وزده على سهام البنين
تصر ثلاثة ونصفاً تعدل خمسة أسداس اقلب وحول يكن النصيب خمسة وكل ستة
والمال أحداً عشرين (فصل) فإن أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان
ثلاثة وأربعة واضرب بعضها في بعض تكن أربعة وعشرين وزد على عدد البنين
واحداً واضربها في أربعة وعشرين تكن ستة وتسعين انقص منها ضرب نصف سهم في
أربعة وعشرون وذلك اثنا عشر يبقى أربعة وثمانون وهي المال ثم انظر الأربعة
والعشرين فانقص منها سدسها لأجل الوصية الثانية وربعها لأجل الوصية الثالثة
يبقى أربعة عشر وهي النصيب فادفعها إلى الموصى له بالنصيب ثم ادفع إلى
الثاني نصف ما يبقى من الثلث وهو سبعة وإلى الثالث ربع المال أحداً وعشرين
يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر.
وبالطريق الثاني تزيد على عدد البنين نصف سهم وتضرب ثلاثة ونصفاً في أربعة
وعشرين تكن أربعة وثمانين وبالطريق الثالث تعمل في هذه كما عملت في التي
قبلها فإذا بلغت أحداً وعشرين ضربتها في أربعة من أجل الربع تكن أربعة
وثمانين.
وبطريق النصيب تفرض المال ستة أسهم وثلاثة أنصبا تدفع نصيباً إلى صاحب
النصيب وإلى الآخر سهماً وإلى صاحب الربع سهماً ونصفاً وثلاثة أرباع نصيب
يبقى من المال نصيب وربع وثلاثة أسهم ونصف للورثة تعدل ثلاثة أنصباء فأسقط
نصيباً وربعاً بمثلها يبقى ثلاثة أسهم ونصف تعدل نصيباً وثلاثة أرباع
فالنصيب إذاً سهمان فأبسط الثلاثة الأنصباء تكن ستة فصار المال اثنا عشر
ومنها تصح لصاحب النصيب سهمان وللآخر نصف باقي الثلث سهم ولصاحب الربع
(6/557)
ثلاثة يبقى ستة للبنين لكل ابن سهمان وهذا
أخصر وأحسن.
وبالجبر تأخذ مالاً تدفع منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً تدفع نصف باقي
ثلثه وهو سدس إلا نصف نصيب يبقى من المال خمسة أسداس إلا نصف نصيب تدفع
منها ربع المال يبقى ثلث المال وربعه إلا نصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء
اجبر وقابل واقلب وحول يكن النصيب سبعة والمال اثنين وأربعين فتضربها في
اثنين ليزول الكسر تصر أربعة وثمانين.
(فصل) فإن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال بعد الوصيتين الأوليين
فاعملها بطريق النصيب كما ذكرنا يبقى معك ثلاثة أسهم وثلاثة أرباع سهم تعدل
نصيباً ونصفاً ابسطها أرباعاً تكن السهام خمسة عشر والأنصباء ستة توافقهما
وتردهما إلى وفقهما تصر خمسة أسهم تعدل نصيبين اقلب واجعل النصيب خمسة
والسهم اثنين وابسط ما معك يصر سبعة وعشرين فادفع خمسة إلى صاحب النصيب
وإلى الآخر
(6/558)
نصف باقي الثلث سهمين وإلى الثالث ربع
الباقي خمسة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وهذه الطريق أخصر.
وإن عملت بالطريق الثاني أخذت أربعة وعشرين فنقصت سدسها وربع الباقي يبقى
خمسة عشر فهي النصيب ثم زدت على عدد البنين سهماً ونقصت نصفه وربع ما بقي
منه يبقى ثلاثة أثمان زدها على سهام البنين تكن ثلاثة أثمان تضربها في
أربعة وعشرين تكن أحداً وثمانين ومنها تصح وبالجبر يفضي إلى ذلك أيضا *
(مسألة) * (وإن خلف أماً وبنتاً وأختاً وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي
ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي
فاعملها بالمنكوس فقل مسألة الورثة من ستة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه
نصفه ثلاثة يكن تسعة ومثل نصيب البنت ثلاثة تكن اثني عشر وهي بقية مال ذهب
ربعه فزد عليه ثلثه أربعة صار ستة عشر ومثل نصيب الأخت اثنين تكن ثمانية
عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه سدسه ثلاثة يكن أحداً وعشرين ومثل نصيب
الأم سهماً يكن
(6/559)
اثنين وعشرين ومنها تصح تدفع إلى الموصى له
بمثل نصيب الأم سهماً وسبع الباقي ثلاثة يبقى ثمانية عشر تدفع إلى الموصى
بمثل الأخت سهمين وربع الباقي فيحصل له ستة ويبقى اثنا عشر، تدفع إلى
الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة يبقى تسعة تدفع إليه ثلثها ثلاثة يصر له
ستة ويبقى ستة للورثة، هذا في حال الإجازة، وفي الرد تجعل الثلث ستة عشر
فتصح من ثمانية وأربعين للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة
ولكل واحد من الوصيين الآخرين ستة وللورثة اثنان وثلاثون لا تنقسم على
مسئلتهم وتوافقها بالإنصاف فتضرب وفق أحدهما في الأخرى تكن مائة وأربعة
وأربعين (فصل) فإن خلفت امرأة زوجاً وأماً وأختاً لأب وأوصت بمثل نصيب الأم
وثلث ما بقي ولآخر بمثل نصيب الزوج ونصف ما بقي فمسألة الورثة من ثمانية
وهي مال ذهب نصفه فزد عليه مثله يكن ستة عشر ومثل نصيب الزوج ثلاثة تصر
تسعة عشر وهو بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه
(6/560)
نصفه صار ثمانية وعشرين نصفا فرد عليه مثل
نصيب الأخت سهمين يكن ثلاثين ونصفاً ابسطها من جنس الكسر تكن أحداً وستين
للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة بقي سبعة وخمسون ادفع إليه ثلثها تسعة عشر
بقي ثمانية وثلاثون ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب الزوج ستة يبقى اثنان
وثلاثون ادفع إليه نصفها ستة عشر يبقى ستة عشر للورثة، للزوج ستة وللأم
أربعة وللأخت ستة هذا في حال الإجازة وفي الرد تجعل السهام الحاصلة
للأوصياء وهي خمسة وأربعون ثلث المال فتكون المسألة جميعها من خمسة
وثلاثين.
* (مسألة) * (إذا خلف ثلاث بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم الاربع المال فخذ
مخرج الكسر أربعة وزد عليها تكن خمسة فهو النصيب وزد على عدد البنين واحداً
واضربه في مخرج الكسر يكن ستة عشر تدفع إلى الموصى له بالنصيب خمسة ويستثنى
من ربع المال أربعة أقسام يبقى له سهم ولكل ابن خمسة)
(6/561)
وإن شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع
الباقي بينهم وبينه على أربعة فإن قال الأربع الباقي بعد النصيب فزد على
سهام البنين سهماً وربعاً واضربه في أربعة يكن سبعة عشر للوصي سهمان ولكل
ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالاً وتدفع منه نصيباً إلى الوصي ويستثنى منه ربع
الباقي وهو ربع مالا إلا ربع نصيب صار معك ما وربع إلا نصيباً وربعاً يعدل
انصباء البنين وهو ثلاثة أجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر *
(مسألة) * (فإن قال إلا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه
واحداً صار
أربعة فهو النصيب وتزيد على عدد البنين سهماً وتضربه في ثلاثة يكن ثلاثة
عشر فهو المال) وإن شئت قلت المال كله ثلاثة أنصباء ووصية الوصية هي نصيب
الأربع الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب فبقي
(6/562)
ربع نصيب فهو الوصية وبين أن المال كله
ثلاثة وربع أبسطها تكن ثلاثة عشر ولهذه المسائل طرق سوى ما ذكرنا.
(فصل) فإن قال أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني إلا ثلث ما يبقى من الثلث فخذ
مخرج ثلث الثلث وهو تسعة زد عليها سهماً تكن عشرة فهي النصيب وزد على
أنصباء البنين سهماً وثلثاً واضرب ذلك في تسعة يكن تسعة وثلاثين ادفع عشرة
إلى الوصي واستثن منه ثلث بقية الثلث سهماً يبقى له تسعة ولكل ابن عشرة وإن
قال إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية جعلت المال ستة وزدت عليه سهماً
صار سبعة فهذا هو النصيب وزدت على انصياء البنين سهماً ونصفاً وضربته في
ستة يصر سبعة وعشرين ودفعت إلى الوصي سبعة وأخذت منه نصف بقية الثلث سهماً
بقي معه ستة وبقي أحد وعشرون لكل ابن سبعة وإنما كان كذلك لان الثالث بعد
الوصية هو النصف بعد النصيب ومتى أطلق الاستثناء
(6/563)
فلم يقبل بعد النصيب ولا الوصية فعند
الجمهور يحمل على ما بعد النصيب وعند محمد بن الحسن والبصريين يكون بعد
الوصية (فصل) فان قالا إلا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب ولآخر بثلث ما
يبقى من المال بعد وصية الأول فخذ المخرج خمسة وزد عليها خمسها تكن ستة
أنقص ثلثها من أجل الوصية بالثلث يبقى أربعة فهي النصيب ثم خذ سهماً وزد
عليه خمسها وانقص من ذلك ثلثه يبقى أربعة أخماس زدها على أنصباء البنين
واضربها في خمسة تصر تسعة عشر فهي المال ادفع إلى الأول أربعة واستثن منه
خمس الباقي ثلاثة يبقى معه سهم وادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستة يبقى اثنا
عشر لكل ابن أربعة وبالجبر خذ مالا وألق منه نصيباً واسترجع منه خمس الباقي
يصر مال وخمس إلا نصيباً وخمساً ألق ثلث ذلك بقي أربعة أخماس مال إلا أربعة
أخماس نصيب يعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل وأبسط
(6/564)
يكن المال تسعة عشر والنصيب أربعة، وإن شئت
قلت أنصباء البنين ثلاثة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه يصر أربعة
أنصباء ونصفاً ووصية والوصية هي نصيب إلا خمس الباقي وهو نصف نصيب وخمس
نصيب وخمس وصيته يبقى خمس نصيب وعشر نصيب إلا خمس وصية أجبر وقابل وأبسط
تصر ثلاثة من النصيب تعدل اثني عشر سهما من الوصية وهي لا تنفق بالأثلاث
فردها إلى وقفها تصر سهماً تعدل أربعة والوصية سهم والنصيب أربعة فابسطها
تكن تسعة عشر فإن كان الاستثناء بعد الوصية قلت المال أربعة أسهم ونصف
ووصية وهي نصيب إلا خمس الباقي وهي تسعة أعشار نصيب يبقى عشر نصيب فهو
الوصية فابسط الكل أعشاراً تكن الأنصباء خمسة وأربعين والوصية سهم وإن كان
استثنى خمس المال كله فالوصية عشر نصيب إلا خمس وصية أجبر يصر العشر يعدل
وصية وخمساً أبسط يصر النصيب ستين والوصية خمسة والمال كله مائتان وخمسة
وسبعون ألق منها ستين واسترجع منه خمس المال وهي خمسة وخمسون يبقى له خمسة
وللآخر ثلث الباقي تسعون ويبقى مائة وثمانون لكل
(6/565)
ابن ستون ويرجع بالاختصار إلى خمسها وذلك
خمسة وخمسون للوصي الأول سهم وللثاني ثمانية عشر ولكل ابن اثنا عشر وبالجبر
تأخذ ما لا تلقي منه نصيباً وتزيد على المال خمسة يصر مالا وخمساً إلا
نصيبا ألق ثلث ذلك يبقى أربعة أخماس مال إلا ثلثي نصيب تعدل ثلاثة أجبر
وقابل وأبسط يكن المال ثمانية عشر وثلثا اضربها في ثلاثة ليزول الكسر تصير
خمسة وخمسين وإن كان استثنى الخمس كله وأوصى بالثلث كله فخذ مخرج الكسرين
خمسة عشر وزد عليها خمسها ثم انقص ثلث المال كله يبقى ثلاثة عشر فهي النصيب
وزد على أنصباء البنين سهماً واضربه في المال يكن ستين وهي المال وان كان
استثنى خمس الباقي وأوصى بثلث المال كله فالعمل كذلك إلا أنك تزيد على سهام
البنين سهماً وخمساً وتضربها تكن ثلاثة وستين فإن كان استثنى خمس ما بقي من
الثلث زدت على الخمسة عشر سهماً واحداً فصار ستة عشر ثم نقصت ثلث المال كله
بقي أحد عشر فهي النصيب ثم زدت على سهام البنين سهماً وخمساً وضربتها في
خمسة عشر تكن ثلاثة وستين تدفع إلى الوصي الأول أحد عشر وتستثني منه خمس
بقية الثلث سهمين يبقى
(6/566)
معه تسعة وتدفع إلى صاحب الثلث أحداً
وعشرين يبقى ثلاثة وثلاثون لكل ابن أحد عشر فإن كانت الوصية الثانية بثلث
باقي المال زدت على الخمسة عشر واحداً نقصت ثلث الستة عشر ولا ثلث لها
فاضربها في ثلاثة تكن ثمانية وأربعين انقص منها ثلثها يبقى اثنان وثلاثون
فهي النصيب وخذ سهماً وزد عليه خمسه ثم انقص ثلث ذلك من أجل الوصية بثلث
الباقي يبقى أربعة أخماس زدها على سهام الورثة واضربها في خمسة وأربعين تكن
مائة وأحداً وسبعين ومنها تصح (فصل) إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم
ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم
وثلاثة أنصباء فادفع إلى الوصي الأول نصيباً وإلى الثاني والثالث درهمين
بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى ابنين يبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب
سبعة والمال ثلاثون فإن كانت الوصية الثالثة بدرهمين فالنصيب ستة والمال
سبعة وعشرون (فصل) إذا وصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما
فتحاصا الثلث وأصاب الخال
(6/567)
ستة فاضربها في وصيته وذلك عشرة تكن ستين
واقسمه على الفاضل بينهما يخرج بالقسم خمسة عشر فهي الثلث وإن شئت قلت قد
أصاب الخال ثلاثة أخماس وصيته يجب أن يصيب العم كذلك فيبقى من الثلث خمساه
وهي تعدل ما أصاب الخال فزد على ما أصاب الخال مثل نصفه وهو ثلاثة يصر تسعة
وهو الذي أصاب العم، وإن قال أصاب العم الربع فقد أصابه ثلاثة أرباع وصيته
وبقي من الثلث نصف سدس يعدل ثلاثة أرباع وصية الخال وذلك سبعة ونصف وللعم
ثلاثة أمثالها اثنان وعشرون ونصف والمال كله تسعون وإن قال أصاب الخال خمس
المال فقد بقي من الثلث خمساه للعم فيكون الحاصل للخال خمسا وصيته أيضاً
وذلك أربعة دنانير ووصية وللعم مثل ثلثيها ديناران وثلثان والثلث كله ستة
وثلثان والمال عشرون فإن كان معهما وصية بسدس المال فأصاب الخال ستة فهي
ثلاثة أخماس وصيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة أخماس وصيته وذلك تسعة أعشار
الثلث يبقى منه عشر
(6/568)
يعدل ما حصل للعم وهو ستة فالثلث ستون، وإن
أصاب صاحب السدس عشر المال فقد أصاب صاحب الثلث خمسة يبقى من الثلث أيضاً
عشره فهو نصيب الخال وذلك ثلاثة أخماس وصيته ستة فيكون الثلث ستين كما
ذكرنا (فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لعمه بمثل أحدهم إلا ثلث وصية خاله
ولخاله بمثل نصيب أحدهم الاربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع
تكن اثني عشر أنقصها سهماً يبقى أحد عشر فهي نصيب ابن أنقصها سهمين يبقى
تسعة فهي وصية الخال، وإن نقصتها ثلاثة فهي ثمانية فهي وصية العم، وبالجبر
تجعل مع العم أربعة دراهم ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم
ديناراً وعلى الدنانير درهماً يبلغ كل واحد منهما نصيباً أجبر وقابل وأسقط
المشترك يبقى معك ديناران تعدل ثلاثة دراهم فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية
والدنانير تسعة كما قلنا، وإن وصى لعمه بعشرة إلا
(6/569)
وصية ربع خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية
عمه فاضرب مخرج الربع في مخرج الخمس تكن عشرين أنقصها سهماً تكن تسعة عشر
فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع الخال أربعة وانقصها سهماً يبقى ثلاثة أضربها
في العشرة ثم فيما مع العم وهو خمسة تكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر
تخرج سبعة وسبعة عشر جزءاً من تسعة عشر فهي وصية عمه واجعل مع العم خمسة
وانقصها سهماً واضربها في عشرة ثم في أربعة تكن مائة وستين واقسمها تكن
ثمانية وثمانية أجزاء فهي وصية خاله (طريق آخر) تنقص من العشرة ربعها وتضرب
الباقي في العشرين ثم تقسهما على تسعة عشر وتنقص منها خمسها وتضرب الباقي
في عشرين وتقسمها وبالجبر تجعل وصية الخال شيئاً ووصية العم عشرة إلا ربع
شئ فخذ خمسها فزده على الشئ وهي سهمان إلا نصف عشر شئ تعدل عشرة فأسقط
المشترك من الجانبين تصر ثمانية وثمانية أجزاء من تسعة عشر إذا أسقطت ربعها
من العشرة بقيت سبعة وسبعة عشر جزءاً، وإن وصى لعمه بعشرة إلا نصف وصية
خاله ولخاله بعشرة إلا ثلث
(6/570)
وصية جده ولجده بعشرة إلا ربع وصية عمه
فوصية عمه ستة وخمسان وصية خاله سبعة وخمس
ووصية جده ثمانية وخمسان، وبابها أن تضرب المخارج بعضها في بعض فتضرب اثنين
في أربعة في ثلاثة تكن أربعة وعشرين تزيدها واحداً تكن خمسة وعشرين فهذا هو
المقسوم عليه ثم تنقص من الاثنين واحداً وتضرب واحداً في ثلاثة ثم تزيدها
واحداً وتضربها في أربعة تكن ستة عشر ثم اضربها في عشرة تكن مائة وستين
واقسمها على خمسة وعشرين يخرج بالقسم ستة وخمسان فهي وصية العم وانقص
الثلاثة واحدا يبق اثنان اضربها في الأربعة تكن ثمانية زدها واحداً واضربها
في اثنين في عشرة تكن مائة وثمانين اقسمها على خمسة وعشرين تخرج بالقسم
سبعة وخمس وهي وصية الخال ثم انقص من الأربعة واحداً واضرب ثلاثة في اثنين
ثم زدها واحداً تكن سبعة اضربها في ثلاثة ثم في عشرة تكن مائتين وعشرة
مقسومة على خمسة وعشرين تخرج بالقسم ثمانية وخمسان وهي وصية الجد.
(6/571)
(طريق آخر) تجعل مع العم أربعة أشياء ومع
الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم ثم تضم إلى ما مع العم ديناراً وإلى ما
مع الخال درهماً وتقابل ما مع أحدهما بما مع الآخر وتسقط المشترك فيصير
أربعة أشياء تعدل ديناراً ودرهماً فأسقط لفظة الأشياء واجعل مكانها ديناراً
ودرهماً ثم قابل ما مع الخال بما مع الجد بعد الزيادة وهو ديناران ودرهم مع
الخال لثلاثة دراهم وربع درهم وربع دينار مع الجد فإذا أسقطت المشترك بقي
درهمان وربع معادلة لدينار وثلاثة أرباع فأبسط الكل أرباعاً يصر سبعة أرباع
من الدينار تعدل تسعة من الدراهم فاقلب واجعل الدرهم سبعة والدينار تسعة ثم
ارجع إلى ما فرضت فتجد مع العم درهماً وديناراً ستة عشر ومع الخال ثمانية
عشر ومع الجد أحد وعشرون والعشرة الكاملة خمس وعشرون والستة عشر منها ستة
وخمسان والثمانية عشر سبعة وخمس والأحد وعشرون ثمانية وخمسان، فإن كان معهم
أخ ووصية الجد عشرة إلا ربع ما مع الأخ ووصية الأخ عشرة إلا خمس ما مع العم
فهذه الطريق تجعل مع العم خمسة أشياء ومع الخال دينارين
(6/572)
ومع الجد ثلاثة دراهم ومع الآخر أربعة أفلس
ثم تقابل ما مع العم بما مع الخال كما ذكرنا وتجعل
الأشياء ديناراً ودرهماً ثم تقابل ما مع الخال بما مع الجد فتجعل الدينارين
درهمين وفلساً ثم تقابل ما مع الجد بما مع الأخ فتخرج الفلس ستة وعشرين
والدرهم أحداً وثلاثين الدينار أربعة وأربعين فتبين مع العم خمسة وسبعين
ومع الخال ثمانية وثمانين وثمانين ومع الجد ثلاثة وتسعين ومع الأخ مائة
وأربعة إذا زدت على ما مع كل واحد ما استثنيته منه صار معه مائة وتسعة عشر
وهي العشرة الكاملة فصارت وصية العم ستة وستة وثلاثين جزءاً ووصية الخال
سبعة وسبعة وأربعين جزءاً ووصية الجد سبعة وسبعة وتسعين جزءاً ووصية الأخ
ثمانية وثمانين جزءاً وبطريق الباب تضرب المخارج بعضها في بعض تكن مائة
وعشرين تنقصها واحداً يبقى مائة وتسعة عشر فهو المقسوم عليه وتنقص الاثنين
واحداً وتضربه في ثلاثة تزيدها واحداً وتضربها في أربعة تكن ستة عشر تنقصها
واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة وسبعين فهذه وصية العم تضربها في عشرة ثم
(6/573)
تقسمها على تسعة عشر تكن ستة وستة وثلاثين
جزءاً ثم تنقص الثلاثة واحداً وتضربها في أربعة وتزيدها واحداً وتضربها في
خمسة تكن خمسة وأربعين تنقصها واحد وتضربها في اثنين تكن ثمانية وثمانين
فهذه وصية الخال ثم تنقص الأربعة واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة عشر
تزيدها واحداً وتضربها في اثنين تكن اثنين وثلاثين تنقصها واحداً وتضربها
في ثلاثة تكن ثلاثة وتسعين فهذه وصية الجد، ثم تنقص الخمسة واحداً وتضربها
في اثنين تكن ثمانية تزيدها واحداً وتضربها في ثلاثة تكن سبعة وعشرين
تنقصها واحداً وتضربها في أربعة تكن مائة وأربعة وهي وصية الأخ، وفي كل ذلك
تضرب العدد الذي مع كل واحد منهم في عشرة وتقسمه على تسعة عشر فالخارج
بالقسم هو وصيته.
(فصل) فإن وصى لعمه بعشرة ونصف وصية خاله ولخاله بعشرة وثلث وصية عمه كانت
وصية العم ثمانية عشر ووصية الخال ستة عشر، وبابها أن تضرب أحد المخرجين في
الآخر وتنقصه واحداً فهو المقسوم عليه وتزيد مخرج النصف واحداً وتضربه في
مخرج الثلث وتضربه في عشرة يكن تسعين مقسومة
(6/574)
على خمسة تكن ثمانية عشر ثم تزيد مخرج
الثلث واحداً وتضربه في مخرج النصف ثم في عشرة تكن
ثمانين مقسومة على خمسة فإن كان معهما آخر ووصى للخال بعشرة وثلث وصيته
ووصى له بعشرة وربع وصية العم ضربت المخارج ونقصتها واحداً تكن ثلاثة
وعشرين فهي المقسوم عليه ثم تزيد الاثنين واحداً وتضربها في ثلاثة تكن تسعة
فزدها واحداً واضربها في أربعة تكن أربعين ثم في عشرة ثم اقسمها تخرج سبعة
عشر وتسعة أجزاء فهي وصية العم ثم تصنع في الباقين كما ذكرنا فتكون وصية
الخال أربعة عشر وثمانية عشر جزءاً وصية الثالث أربعة عشر وثمانية أجزاء،
وإن شئت بعد ما عملت وصية العم فاضرب الزائد من وصيته في اثنين فهي وصية
الخال واضرب الزائد عن العشرة من وصية الخال في ثلاثة فهي وصية العم، ومتى
عرفت ما مع الواحد منهم أمكنك معرفة ما مع الآخرين والله أعلم.
وهذا القدر من هذا الفن يكفي فإن الحاجة إليه قليلة وفروعه كثيرة طويلة
وغيرها أهم منها والله تعالى المسئول أن يوفقنا لما يرضيه وهو حسبنا ونعم
الوكيل.
(6/575)
باب الموصى إليه * (تصح وصية المسلم إلى كل
مسمل عاقل عدل، وإن كان عبداً أو مراهقاً أو امرأة أو أم ولد) * تصح الوصية
إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعاً فأما العبد فتصح الوصية إليه
قال ابن حامد سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك، وقال النخعي
والاوزاعي وابن شبرمة تصح الوصية إلى عبده ولا تصح إلى عبد غيره، وقال أبو
حنيفة تصح الوصية إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد وقال أبو يوسف
ومحمد والشافعي لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون ولياً على ابنه
بالنسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون ولنا أنه تصح استنابته في الحياة
فصح أن يوصي إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في المكاتب والمدبر
والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن، وأما الصبي المميز فقال القاضي قياس
المذهب
(6/576)
صحة الوصية لأن أحمد قد نص على صحة وكالته
وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر، وقال شيخنا لا أعلم فيه نصاً عن
أحمد فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ولا
يصح
تصرفه إلا بإذن هو مولى عليه فلم يكن من أهل الولاية كالطفل وهذا مذهب
الشافعي، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) وتصح الوصية الى المرأة في
قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن شريح وبه قال.
مالك والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح واسحاق والشافعي وأبو ثور وأصحاب
الرأي ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون ولنا ما
روى عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة أشبهت
الرجل ويخالف القضاء فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف
الوصية وتصح الوصية إلى أم الولد، ذكره الحرقي ونص عليه أحمد لأنها تكون
حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية.
(6/577)
* (مسألة) * (ولا تصح إلى غيرهم كالطفل
والمجنون ولا وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف تعلمه) لأن المجنون والطفل
ليسا أهلاً للتصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل
الولاية على المسلم ولأنه ليس من أهل الشهادة والعدالة أشبه المجنون، وأما
الفاسق فقد روي عن أحمد أن الوصية إليه لا تصح، وهو قول مالك والشافعي، وعن
أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه فإنه قال في رواية ابن منصور إذا كان
متهماً لم تخرج عن يده، وقال الخرقي إذا كان خائنا ضمن إليه أمين، وهذا يدل
على صحة الوصية إليه ويضم الحاكم إليه أميناً، وقال أبو حنيفة تصح الوصية
إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل فصحت الوصية إليه كالعدل
ولنا أنه لا يجوز إفراده بالوصية فلم تجز الوصية إليه كالمجنون، وعلى أبي
حنيفة أنه لا يجوز إقراره على الوصية فأشبه ما ذكرنا * (مسألة) * (وان
كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح؟ على وجهين)
(6/578)
يعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد
والموت في أحد الوجهين، وفي الآخر تعتبر حالة الموت حسب كالوصية له ولأن
شروط الشهادة تعتبر عند أدائها لا عند تحملها كذلك ههنا، وهو قول
بعض أصحاب الشافعي.
ولنا أنها شروط العقد فتعتبر حال وجوده كسائر العقود فأما الوصية له فهي
صحيحة، وإن كان وارثاً وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ
واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسئلتنا فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت
حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده (فصل) وتصح الوصية إلى الاعمى، قال أصحاب
الشافعي فيه وجه أن الوصية لا تصح إليه بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا
شراؤه فلا يوجد فيه معنى الولاية، وهذا لا يسلم له مع أنه يمكنه التوكيل في
ذلك وهو من أهل الشهادة، والولاية في النكاح، والولاية على أولاده الصغار،
فصحت لوصية إليه كالبصير.
(6/579)
* (مسألة) * (وإذا أوصى إلى رجل وبعده إلا
آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول) ونظير ذلك ما إذا أوصى لرجل
بمعين من ماله ثم وصى به لآخر، أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فإنه
يكون بينهما وقد ذكرنا ذلك، فكذلك إذا أوصى إلى رجل ثم وصى إلى آخر فإنهما
يصيران وصيين، وكما لو وصى إليهما جميعاً في حال واحدة وإن قال قد أخرجت
الأول بطلت وصيته لأنه صرح بعزله فانعزل كما لو وكله ثم عزله.
* (مسألة) * (وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه) وجملة
ذلك أن يجوز أن يوصي إلى رجلين معاً في شئ واحد ويجعل لكل واحد منهما
التصرف منفرداً فيقول أوصيت إلى كل واحد منكما وجعلت له أن ينفرد بالتصرف
فإن هذا يقتضي تصرف كل واحد منهما على الانفراد، وله أن يوصي إليهما
ليتصرفا مجتمعين فلا يجوز لأحدهما الانفراد بالتصرف لأنه لم يجعل ذلك إليه
ولم يرض بنظره وحده ولا نعلم خلافاً في هانين الصورتين، فإن أطلق فقال
(6/580)
أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد
بالتصرف وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو يوسف له ذلك لأن الصوية والولاية
لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما
وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما
بسبعة أشياء: كفن الميت، وقضاء دينه، وإنفاذ وصيته، ورد الوديعة بعينها،
وشراء ما لابد للصغير منه من الكسوة، والطعام، وقبول الهبة له، والخصومة عن
الميت فيما يدعى له وعليه، لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز
الانفراد بها.
ولنا أنه شرك بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله
أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما فليست ستبعضه كما لو
وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين وببطل ما قاله بهاتين
الصورتين وبهما يبطل ما قاله أبو حنيفة أيضاً ومتى تعذر اجتماعهما قام
الحاكم أميناً مقام الغائب
(6/581)
(فصل) إذا قال أوصيت إلى زيد فإن مات فقد
اوصيت إلى عمر وصح ذلك رواية واحدة ويكون كل واحد منهما وصياً إلى ان عمراً
وصي بعد زيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جيش مؤتة " أميركم زيد
فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة " والوصية في معنى
التأمير وكذلك إن قال أوصيت إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك وإذا كبر
ابنه صار وصيه ومثله لو قال أوصيت إليك فإذا ناب ابني من فسقه أو قدم من
غيبته أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصيي صحت
الوصية إليه ويصير وصياً عند وجود هذه الشروط * (مسألة) * (وإن مات أحدهما
أقام الحاكم مقامه أميناً) قد ذكرنا أن الوصية تجوز إلى اثنين وأنه متى
أوصى إليهما مطلقاً فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف فإن مات أحدهما أو جن أو
وجد منه ما يوجب عزله أقام الحاكم مقامه أميناً لأن الموصي لم يرض بنظر هذا
الباقي وحده، وإن أراد الحاكم أن يكتفي بالباقي منهما لم يجز له ذلك، وذكر
أصحاب الشافعي
(6/582)
وجها في جوازه لأن النظر لو كان للحاكم
بموت الموصي من غير وصية كان له رده إلى واحد كذلك ههنا فيكون ناظراً
بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم
ولنا أن الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة
على نظر الحاكم واجتهاده فإن تغيرت حالهما جميعاً بموت أو غيره فللحاكم أن
ينصب مكانهما، وهل له نصب واحد؟ فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأنه لما عدم
الوصيان صار الأمر إلى الحاكم بمنزلة من لم يوص ولو لم يوص لاكتفى بواحد
كذا ههنا، ويفارق ما إذا كان أحدهما حياً لأن الموصي بين أنه لا يرضى بهذا
وحده بخلاف ما إذا ماتا معاً (والثاني) لا يجوز لأن الموصي لم يرض بواحد
فلم يكتف به كما لو كان أحدهما حياً فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف
منفرداً فمات أحدهما أو خرج من الوصية لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه أميناً
لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة الى غيره وإن ماتا معاً أو
خرجا عن الوصية
(6/583)
فللحاكم ان يقيم واحداً فإن تغيرت حال أحد
الوصيين تغيراً لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة أو نحو ذلك أو
كانا ممن لكل واحد منها التصرف منفرداً فليس للحاكم أن يضم اليهما أميناً
لأن الباقي منهما يكفي، إلا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده
لكثرة العمل ونحوه فله أن يقيم أميناً، وإن كانا ممن ليس لأحدهما التصرف
منفرداً فعلى الحاكم أن يقيم مقام من ضعف منهما أميناً يتصرف معه على كل
حال فيصيرون ثلاثة الوصيان والأمين * (مسألة) * (وكذلك إن فسق وعنه يضم
اليه أمين) قد ذكرنا الاختلاف في صحة الوصية إلى الفاسق وإن كلام الخرقي
يدل على صحة الوصية إليه ويضم إليه أمين وكذلك إن كان عدلاً ففسق ونقل ابن
منصور عن أحمد نحو ذلك فقال إذا كان الوصي متهماً لم يخرج عن يده ونقل
المروذي عن أحمد فيمن وصى إلى رجلين ليس أحدهما بموضع الوصية فقال للآخر
أعطني لا يعطيه شيئاً ليس هذا بموضع للوصية فقيل له أليس المريض قد رضي به؟
فقال وإن
(6/584)
رضي به فظاهر هذا إبطال الوصية إليه وحمل
القاضي كلام الخرقي وكلام أحمد على إبقائه في الوصية على أن جنايته طرأت
بعد الموت.
فأما إن كانت جنايته موجودة حال الوصية إليه لم يصح لأنه لا يجوز تولية
الخائن على يتيم في حياته فكذلك بعد موته ولأن الوصية ولاية وأمانة والفاسق
ليس من أهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقاً فحكمه حكم
من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وإن طرأ فسقه بعد الوصية زالت ولايته
وأقام الحاكم مقام أميناً هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري والشافعي
واسحاق وعلى قول الخرقي لا تزول ولايته ويضم اليه أمين ينظر معه روى ذلك عن
الحسن وابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الموصي بإبقائه
في الوصية فيكون جمعاً بين الحقين فأما إن لم يمكن حفظ المال بالأمين تعين
إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية
قول الموصي الفاسد وأما التفريق بين الفسق الطارئ والمقارن فإن الشروط
تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء سيما إذا كانت لمعنى
(6/585)
يحتاج إليه في الدوام وإذا لم يكن بد من
التفريق فاعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل أن الفسق إذا كان موجوداً
حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله وأوصى إليه راضياً بتصرفه مع
فسقه فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط
فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ الفسق فإنه لم يرض به على تلك الحال
والاعتبار برضائه ألا ترى أنه إذا وصى إلى واحد جاز له التصرف وحده ولو وصى
إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف (فصل) إذا تغيرت حال الموصى إليه بموت أو
فسق أو جنون أو سفه فقد ذكرنا حكمه، فإن تغيرت حاله قبل الموت وبعد الوصية
ثم عاد فكان عند الموت جامعاً لشروط الوصية صحت الوصية إليه لأن الشروط
موجودة حال العقد والموت صحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل أن تبطل
لأن كل حالة منها حالة للقبول والرد فاعتبرت الشروط فيها فأما إن زالت بعد
الموت فانعزل ثم عاد فكمل الشروط لم تعد وصية لأنها زالت فلا تعود إلا بعقد
جديد
(6/586)
(فصل) فأما العدل الذي يعجز عن النظر لعلة
أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم الحاكم إليه أميناً ولا يزيل يده عن المال
ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان
قوياً فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يداً أخرى ويكون الاول الوصي دون
الثاني وهذا معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الموصى إليه وهذا
قول الشافعي وأبي يوسف وما نعلم فيه مخالفاً
* (مسألة) * (ويصح قبوله للوصية ورده في حياة الموصي) لأنه أذن في التصرف
فصح قبوله بعد العقد كالتوكيل بخلاف الوصية له فإنها تمليك في وقت فلم صح
القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح
قبولها بعد الموت كالوصية له ومتى قتل صار وصياً * (مسألة) * (وله عزل نفسه
متى شاء) مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته في حضوره وغيبته وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك بعد الموت ولا يجوز في حياته
إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الايصاء إلى غيره وعن أحمد
أنه لا يجوز له عزل نفسه بعد الموت ذكره
(6/587)
ابن أبي موسى في الإرشاد لما ذكرنا: ولنا
أنه متصرف بالآن فكان له عزل نفسه كالوكيل * (مسألة) * (وللموصي عزله متى
شاء) لأنه متصرف بإذنه فكان له عزله كالموكل له عزل وكيله متى شاء *
(مسألة) * (وليس للوصي أن يوصي إلا أن يجعل ذلك إليه وعنه له ذلك) وجملة
ذلك أنه إذ أوصى إلى رجل وأذن له في الايصاء لمن شاء نحو أن يقول أذنت لك
إلى أن توصي إلى من شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصيي صح
وبه قال أكثر أهل العلم وحكي عن الشافعي في أحد قوليه أنه قال ليس له أن
يوصي لأنه يلي بتوليه فلا يصح أن يوصي كالوكيل ولنا أنه مأذون له في الاذن
في التصرف فجاز له أن يأذن لغيره كالوكيل إذا أمر بالتوكيل فالوكيل حجة
عليه من الوجه الذي ذكرناه فإن وصى إليه وأطلق فلم يأذن له ولم ينهه عنه
ففيه روايتان (إحداهما) له أن يوصي إلى غيره وهو قول مالك وابى حنيفة وابي
يوصف لأن الأب أقامه مقام نفسه فكان له الوصية كالأب والثاني ليس له ذلك
اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي واسحاق وهو الظاهر من قول الخرقي
(6/588)
لقوله ذلك في التوكيل لأنه تصرف بتوليه فلم
يكن له ذلك التفويض كالوكيل ويخالف الأب لانه يلي بغير تولية (فصل) ويجوز
أن يجعل للوصي جعلاً لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك
الوصية، ونقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهما
مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم
ومقاسمته للورثة على اللموصى له لا تجوز لأنه ليس نائباً عنه
(فصل) إذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما
ولم يقسم بينهما وجعل في مكان تحت أيديهما جميعاً لأن الموصي لم يأمن
أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال مالك يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب
الرأي يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه اختلفوا في مراده
بكلامه فقال بعضهم إنما أراد إذا كان كل واحد موصى إليه منفرداً وقال بعضهم
بل هو عام فيهما.
ولنا أن حفظ المال من جملة الموصى به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف
ولأنه لو جاز لكل
(6/589)
واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه لجاز له أن
ينفرد بالتصرف في بعضه * (مسألة) * (ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك
الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر الأطفال) لأن الوصي
يتصرف بالإذن فلم يجز إلا في معلوم يملك الموضي فعله كالوكالة فيجوز أن
يوصي إليه بقضاء ديونه واقتضائها ورد الودائع واستردادها لأنه يملك ذلك
فملكه وصية فأما النظر لورثته في أموالهم فإن كان ذا ولاية عليهم كأولاده
الصغار والمجانين ومن لم يؤنس رشده فله أن يوصي إلى من ينظر لهم في أموالهم
بحفظها ويتصرف لهم فيها بما لهم الحظ فيه، فأما من لا ولاية له عليهم
كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الأخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد
فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصي عليهم في الحياة فلا يكون ذلك
لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافاً وبه يقول أبو حنيفة والشافعي
ومالك إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن
له ولادة وتعصيباً فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد
وجهان (أحدهما) لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الاب
(6/590)
ولنا أن الجد يدلي بواسطة أشبه الأخ والعم
بخلاف الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد ويخالفه في منزلته وحجبه فلا يصح
إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح
بحال ولا تلي مال غيرها كالعبد
* (مسألة) * (وإذا وصى إليه في شئ لم يصر وصياً في غيره) يجوز أن يوصي إلى
رجل بشئ دون شئ مثل أن يوصي إليه بتفريق ثلثه دون غيره أو بقضاء ديونه أو
بالنظر في امر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى
إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه وإلى آخر بالنظر في امر أطفاله
فيكون لكل واحد ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشئ لم يصر وصياً في
غيره، بهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون وصياً في كل ما يملكه الموصي
لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته فلا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد
التصرف بالاذن من جهة الآدمي فكان مقصوراً على ما أذن فيه كالوكيل وولاية
الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته وهي لا تتبعض والاذن يتبعض
فافترقا
(6/591)
(فصل) ولا بأس بالدخول في الوصية فإن
الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يوصي إلى بعض فيقبلون الوصية فروي عن أبي
عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وابن مسعود والمقداد وعبد الرحمن بن عوف
ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن بن عمر أنه كان وصياً لرجل وفي وصية ابن
مسعود: أن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا أن مرجع وصيتي إلى الله عزوجل ثم
إلى الزبير بن العوام وابن عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة
والوكالة في الحياة وقياس مذهب احمد ان ترك الدخول ففيها أولى لما فيها من
الخطر وهو لا يعدل بالسلامة شيئاً ولذلك يرى ترك الالتقاط وترك الإحرام قبل
الميقات أفضل طلباً للسلامة واجتناباً للخطر وقد روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لأبي ذر " إني أراك ضعيفا واني أحب لك ما أحب لنفسي فلا
تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " أخرجه مسلم (فصل) فإن مات رجل لا وصي
له ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه يجوز لرجل
(6/592)
من المسلمين أن يتولى أمره ويبيع ما دعت
الحاجة إلى بيعه فإن صالحاً نقل عنه في رجل بأرض عرية لا قاضي بها مات وخلف
جواري ومالاً أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك؟ فقال أما المنافع والحيوان
فإن اضطروا إلى بيعه ولم يكن قاض فلا باس وأما الجواري فأحب أن يتولى بيعهن
حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطاً لأن
بيعهن يتضمن إباحة فرج وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة * (مسألة) * (وإذا
أوصى إليه بتفرقة ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم ففيه روايتان)
(إحداهما) يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له
متعلق بإجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة
(والأخرى) يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئاً مما في يده حتى يخرجوا
ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان في يده مال لم
يملك استيفاءه مما في يده كذا ههنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين
فالرواية
(6/593)
الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنساً
واحداً فللوصي أن يخرج الثلث كله مما في يده لأنه لا فائدة في انتظار
إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس (والرواية الثانية) محمولة على ما
إذا كان المال أجناساً فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس فليس له أن يخرج عوضاً
عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنه معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم
* (مسألة) * (وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ذلك قضاه بغير علمهم)
لأنه واجب سواء رضوا به أو أبوه فإذا أبوه قضاه كما لو وصى لرجل بمعين يخرج
من الثلث فلم يقبلوا الوصية فإنه يدفع إليه وصيته بغير رضاهم ولا يعتبر
علمهم كذا ههنا وعن أحمد فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين
الميت إن لم يخف بيعه يعني إذا خاف أن يطلبه الورثة بما عليه وينكروا الدين
الذي على موروثهم فلا يقضيه لأنه لا يأمن رجوعهم عليه وإن لم يخف ذلك قضى
دين الميت الذي عليه بدين الميت الذي له لما فيه من تبرئة ذمته وذمة الميت
(6/594)
(فصل) إذا علم الموصى إليه أن على الميت
ديناً إما بوصية الميت أو غيرها فقال أحمد لا يقضيه إلا ببيته قيل له فإن
كان ابن الميت يصدقه قال يكون ذلك في حصة من أقر بدر حصته، وقال في من
استودع رجلاً ألف درهم فقال إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان
أو قال ادفعها إلى أجنبي فقال إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته
وإن دفعها إلى الآخر ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي
ولم يقروا فلم يقبل قوله عليهم وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي
وأذن لي إثبات ولائه فلا يقبل قوله فيه ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه
بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان على كذا فينبغي للوصي أن
ينفذه ولا يحل له لا إن لم ينفذه فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون
الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعاً بيئن الروايتين وموافقة الدليل قيل
لأحمد فإن علم الموصى إليه لرجل حقاً على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي
وقدمه إلى القاضي ليستحلفه أن مالي في يديك حق فقال لا يحلف ويعلم القاضي
بالقضية فإن أعطاه القاضي
(6/595)
فهو أعلم فإن ادعى رجلاً ديناً على الميت
وأقام بينة فهل يجوز للوصي قبولها وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم؟ فكلام
أحمد يدل على روايتين (إحداهما) لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم
بينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة حجة له
وقال في موضع آخر إلا أن تثبت بينة عند الحاكم بذلك فإما أن صدقهم الورثة
قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم * (مسألة) * (وتصح وصية الكافر إلى المسلم
إذا لم تكن تركته خمراً أو خنزيراً لان المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى
غيره فأما وصية الكافر إلى الكافر العدل في دينه ففيها وجهان (أحدهما) تصح
الوصية إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب فيلي بالوصية كالمسلم
والثاني لا يصح وهو قول أبي ثور لأنه فاسق فلم تصح الوصية إليه كفاسق
المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فإن لم يكن الكافر عدلاً في دينه لم
تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم تمنع صحة الوصية إليه فالكافر
أولى * (مسألة) * (إذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه من شئت لم يجز له اخذه
ولا دفعه إلى ولده ولا والده) قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب
البر وهو محاتج إليه فلا يأكل منه شيئاً إنما أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك
والشافعي، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك
ولده ولا والده) قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو
محاتج إليه فلا يأكل منه شيئاً إنما أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك والشافعي،
وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت أو
حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا أيضاً لأن لفظ
الموصي يتناوله ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد
أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته
الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا،
(6/596)
ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا
كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق فيمن يستحق فأشبه
الدفع إلى الأجنبي.
ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلاً كما لو وكله في بيع
سلعة لم يجز بيعها من نفسه * (مسألة) * (وإن دعت الحاجة الى بيع بعض العقار
لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار وفي بيع بعضه نقص فله البيع على الكبار
والصغار) وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى يجوز البيع على الصغار والكبار فيما
لابد منه وكذلك إن كان جميعهم كباراً وهناك دين أو وصية وقيل لا يملك أن
يبيع إلا ما يخص الصغار ويقدر الدين والوصية ولنا أنه وصي يملك بيع بعض
التركة فملك بيع جميعها كما لو كان جميع الورثة صغاراً وكان الدين يستغرق
التركة ولأن الوصي قائم مقام الأب وللأب أن يبيع الجميع ولأنه لما جاز
بيعها في الدين المستغرق جاز بيعها فيما لا يستغرق كالعين المرهونة ولأن في
بيع البعض نقصاً على الصغار قيتعين بيع الجميع دفعاً للضرر عنهم ويحتمل أن
لا يجوز البيع على الكبار، وبه قال الشافعي، وهو أقيس إن شاء الله تعالى
لأنه لا يجب على الإنسان بيع ملكه ليزداد ثمن ملك غيره كما لو كان شريكهم
غير وارث، وهذا اختيار شيخنا، وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم.
* (تم بحمد الله وعونه الجزء السادس من كتابي المغني والشرح الكبير) * *
(ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء السابع منهما وأوله (كتاب الفرائض)) *
(6/597)
|