الشرح
الكبير على متن المقنع بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الفرائض) وهي
قسمة المواريث روى أبو داود باسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة
وسنة قائمة وفريضة عادلة " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" تعلموا الفرائض وعلموه فانه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شئ ينزع من أمتي
" أخرجه ابن ماجة ويروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف
الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما " وروى سعيد عن جرير بن عبد
الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عمر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم
وعن جرير عن عاصم الأحول عن مورق العجلي قال قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن وقال ثنا أبو الأحوص
ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال من تعلم القرآن فليتعلم
(7/2)
الفرائض وروى جابر بن عبد الله قال جاءت
امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد
فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا
وان عمهما أخذ مالهما
ولا ينكحان إلا ولهما مال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى عمهما قال " أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك "
رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه الترمذي وأبو داود (مسألة) (وأسباب
التوارث ثلاثة رحم ونكاح وولاء لا غير) لأن الشرع ورد بالتوارث بها بقوله
تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقوله سبحانه (يوصيكم
الله في أولادكم) وقوله (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولهن - الربع مما تركتم)
الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وعنه أنها
تثبت بالموالاة والمعاقدة لقول الله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم
نصيبهم) والموالاة كالمعاقدة وبإسلامه على يديه روى ذلك عن عمر رضي الله
عنه لما روى راشد بن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلم
على يديه رجل فهو مولاه ويرثه ويدي عنه " رواه سعيد وروى أبو أمامة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أسلم على يده رجل فهو مولاه يرثه
ويدي عنه " وعن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم
على يدي الرجل من المسلمين؟ فقال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " رواه
سعيد في سننه ورواه الترمذي وقال لا أظنه متصلاً
(7/3)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما
الولاء لمن أعتق " فأما أحاديثهم فحديث راشد مرسل وحديث أبي امامة فيه
معاوية الصدفي وهو ضعيف، وحديث تميم ليس بصريح في الميراث وقيل يثبت
بكونهما من أهل الديوان ولا عمل عليه، وهذا كان في بدء الاسلام ثم نسخ
بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (فصل) إذا مات
الإنسان بدئ بتكفينه وتجهيزه مقدماً على ما سواه كما يقدم المفلس بنفقته
على ما سواه، ثم تقضى ديونه لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين)
قال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الدين قبل
الوصية ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم كمؤنة تجهيزه ثم تنفذ وصيته للآية ثم
ما بقي قسم على الورثة للآيات الثلاث المذكورة في سورة النساء (مسألة)
(والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه وان
علا والأخ من كل جهة وابن الأخ من الأم والعم وابنه كذلك والزوج ومولى
النعمة، ومن النساء
سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة) أكثر
هؤلاء ثبت توريثهم بالكتاب والسنة، فالابن والبنت ثبت ميراثهما بقوله تعالى
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ويدخل في ذلك ولدا لابن
والأبوان بقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس
(7/4)
والجد يحتمل أن يتناوله هذا النص كما دخل
ولد الابن في عموم أولادكم، والأخ والأخت من الأبوين أو الأب ثبت ارثهما
بقوله سبحانه (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) والأخ
والأخت من الأم ثبت ارثهما بقوله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس وأما ابن الأخ للأبوين أو للأب والعم وابنه وعم الأب وابنه فثبت
ميراثهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر "
ولم يدخل فيهم ولد الأم ولا العم للأم ولا ابنه ولا الخال ولا أبو الأم
لأنهم ليسوا من العصبات.
وأما المولى المعتق والمولاة فثبت ارثهما بقوله عليه الصلاة والسلام " إنما
الولاء لمن أعتق " والجدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس،
والزوج ثبت ارثه بقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) والزوج بقوله تعالى
(ولهن الربع مما تركتم) الآية، وجميعهم ذووا فرض وعصبة فالذكور كلهم عصبات
الا الزوج والأخ من الأم والأب والجد مع الابن، والاناث كلهن إذا انفردن عن
اخوتهن ذوات فروض إلا المعتقة وإلا الأخوات مع البنات.
ومن لا يسقط بحال خسمة: الزوجان والأبوان وولد الصلب لأنهم يمتون بأنفسهم
من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم، ومن سواهم من الوارث انما يمت
بواسطة سواه فيسقط بمن هو أولى بالميت منه (مسألة) (والوارث ثلاثة ذوو فرض
وعصبات وذوو رحم.
)
(7/5)
باب ميراث ذوي الفروض وهم عشرة الزوجان
والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة والأخ من الأم
فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن والربع إذا كان معه
أحدهما، وللزوجة الربع مع عدم الولد وولد الابن والثمن مع أحدهما، وهذا
إجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (ولكم نصف
ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من
بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان
لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) وولد الابن
ولد بدليل قوله تعالى يا بني آدم ويابني إسرائيل وإنما جعل لجماعة الزوجات
مثل الواحدة لأنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد
فرضهن على فرض الزوج، ومثل هذا في الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو
أخذت كل واحدة السدس لأخذن النصف إذا كن ثلاثة وزدن على ميراث الجد.
فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المتفرقات كلهن فان
لكل جماعة منهن مثل ما للابنتين على ما يذكر في موضعه وزدن على فرض الواحدة
لأن الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له الا ولد الأم فإن ذكرهم وانثاهم
سواء لأنهم يرثون بالرحم وقرابة الأم المجردة.
(7/6)
(فصل) قال رضي الله عنه (وللأب ثلاثة أحوال
حال يرث فيها بالفرض المجرد وهي مع ذكور الولد أو ولد الابن ويرث السدس
والباقي للابن ومن معه) لا نعلم في هذا خلافاً لقول الله تعالى (ولأبويه
لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) (وحال) يرث فيها بالتعصيب
المجرد وهي مع عدم الولد وولد الابن فيأخذ المال ان انفرد، وإن كان معه ذو
فرض غير الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه وباقي المال له لقول الله
تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث أضاف الميراث اليهما ثم
جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب ثم قال (فإن كان له إخوة فلأمه السدس)
فجعل للأم مع الاخوة السدس ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين ولا ذكر
للاخوة ميراثا فكان الباقي كله للأب (الحال الثالث) يجتمع له الفرض
والتعصيب وهي مع اناث الولد أو ولد الابن فيأخذ السدس لقوله تعالى (ولأبويه
لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ولهذا كان للأم السدس مع
البنت اجماعاً ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق
عليه والأب أولى رجل بعد الابن وابنه وهذا كله مجمع عليه ليس فيه خلاف
نعلمه
(فصل) (قال وللجد ثلاثة أحوال الأب الثلاثة إلا أنه يسقط بالأب لا يدلي به
ويسقط عن رتبة الأب في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فيفرض للأم فيهما ثلث جميع
المال وله حال رابع مع الاخوة
(7/7)
والأخوات من الأبوين والأب فانه يقاسمهم
كأخ إلا أن يكون الثلث خيراً له فيأخذه والباقي لهم، فإن كان معهم ذو فرض
أخذ فرضه ثم للجد الا حظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال
وسوف نذكر الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، فروى أبو داود بإسناده عن عمران
بن حصين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ابن ابني مات فمالي
من ميراثه؟ قال لك السدس فلما أدبر دعاه فقال إن لك سدساً آخر فلما أدبر
دعاه فقال إن لك السدس الآخر طعمة " قال قتادة فلا ندري مع أي شئ ورثه قال
قتادة أقل شئ ورث الجد السدس وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال أيكم يعلم
ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجد؟ فقال معقل بن يسار أنا ورثه
رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس قال مع من؟ قال لا أدري قال لادريت فما
يغني إذا رواه سعيد في سننه.
قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب.
وانزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة
أشياء (أحدها) زوج وأبوان (والثانية) زوجة وأبوان للأم ثلث الباقي فيهما مع
الأب وثلث جميع المال مع الجد (والثالثة) اختلفوا في الجد مع الاخوة
والأخوات للأبوين أو للأب ولا خلاف بينهم في إسقاط بني الاخوة وولد الأم
ذكرهم وأنثاهم، فذهب الصديق رضي الله عنه الى ان الجد يسقط جميع الاخوة
والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب وبه قال ابن عباس وابن الزبير
وروي ذلك عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل وأبي موسى
وأبي هريرة رضي الله عنهم، وحكي أيضاً عن عمران بن حصين وجابر بن عبد الله
وابي
(7/8)
الطفيل وعبادة بن الصامت وعطاء وطاوس وجابر
بن زيد وبه قال قتادة واسحاق وابو ثور ونعيم ابن حماد وأبو حنيفة والمزني
وابن شريح وابن اللبان وداود وابن المنذر وكان علي بن أبي طالب وابن مسعود
وزيد بن ثابت يورثونهم معه ولا يحجبونهم به وبه قال مالك والاوزاعي
والشافعي وأبو
يوسف ومحمد لان الاخ ذك يعصب أخته فلم يسقطه الجد كالابن ولأن ميراثهم ثبت
بالكتاب فلا يحجبون إلا بنص أو إجماع أو قياس وما وجد شئ من ذلك فلا يحجبون
ولأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون فيه، فان الأخ والجد يدليان بالأب
الجد أبوه والأخ ابنه وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة بل ربما كانت
أقوى منها، فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك مثله علي رضي الله عنه بشجرة
انبتت غصناً فانفرق منه غصنان كل منهما أقرب منه إلى أصل الشجرة، ومثله زيد
بواد خرج منه نهر وانفرق منه جد ولأن كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى
الوادي، واحتج من ذهب مذهب أبي بكر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه
وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه والجد
أولى من الاخ بدليل المعنى والحكم، أما المعنى فإن له قرابة إيلاد وبعضية
كالأب وأما الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد إلا
الأب، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة، ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب
وهم ينفردون بواحد منهما، ويسقط ولد الأم،
(7/9)
وولد الأب يسقطون بهم بالاجماع إذا استغرقت
الفروض المال وكانوا عصبة.
وكذلك ولد الأبوين في المشركة عند الأكثرين ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه
ولا يحد بقذفه ولا يقطع بسرقة ماله وتجب عليه نفقته ويمنع من دفع زكاته
إليه كالأب سواء فدل ذلك على قربه، فإن قيل فالحديث حجة في تقديم الأخوات
لأن فروضهن في كتاب الله تعالى فيجب أن تلحق بهن فروضهن ويكون للجد ما بقي،
فالجواب أن هذا الخبر حجة في الذكور المنفردين وفي الذكور مع الإناث أو
نقول هو حجة في الجميع، ولا فرض لولد الأب مع الجد لأنهم كلالة، والكلالة
اسم للوارث مع عدم الولد والوالد فلا يكون لهم معه إذاً فرض.
حجة أخرى قالوا الجد أب فيحجب ولد الأب كالأب الحقيقي، ودليل كونه أبا قوله
تعالى (ملة أبيكم إبراهيم) وقول يوسف (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق)
وقوله (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) وقال النبي صلى الله
عليه وسلم " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " وقال " سام أبو
العرب وحام أبو الحبش " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا
ننتفي من أبينا وقال الشاعر
أنا بني نهشل لا ندعي لأب * * * * عنه ولا هو بالأبناء يشرينا فوجب أن يحجب
الاخوة كالأب الحقيقي يحقق هذا أن ابن الابن وإن سفل يقوم مقام ابنه في
الحجب كذلك أبو الأب يقوم مقام ابنه ولذلك قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد؟
يجعل ابن الابن
(7/10)
ابناً ولا يجعل أبا الأب أبا ولأن بينهما
إيلاداً وبعضية وجزئية وهو يساوي الأب في أكثر أحكامه فيساويه في هذا
الحجب، يحققه أن أبا الأب وان علا يسقط بني الاخوة ولو كانت قرابة الأخ
والجد واحدة لوجب أن يكون أبو الجد مساوياً لبني الأخ لتساوي درجة من أدليا
به ولا تفريع على هذا القول لوضوحه.
(فصل) واختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم، فكان علي رضي الله
عنه يفرض للأخوات فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه
له، فإن كانت أخت لأبوين واخوة لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجد الاخوة فيما
بقي إلا أن تنقصه المقاسمة من السدس فيفرضه له فان كان الأخوة كلهم عصبة
قاسمهم الجد إلا السدس فإن اجتمع ولد الأب وولد الأبوين مع الجد سقط ولد
الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم، وإن انفرد ولد الأب قاموا مقام
ولد الأبوين مع الجد، وصنع ابن مسعود في الجد مع الأخوات كصنع علي وقاسم به
الاخوة إلى الثلث فإن كان أصحاب الفرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع
صنيع زيد في اعطاء الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال،
وعلي يقاسم به بعد أصحاب الفرائض إلا أن يكون أصحاب الفرائض بنتاً أو بنات
فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقسام به، وقال بقول علي الشعبي والنخعي
والمغيرة ابن مقسم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وذهب إلى قول ابن مسعود
مسروق وعلقمة وشريح، فأما مذهب زيد فهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح
وذكره الخرقي وسنشرحه إن
(7/11)
شاء الله تعالى وإليه ذهب أحمد وبه قال أهل
المدينة والشام والثوري والاوزاعي والنخعي والحجاج بن ارطاة ومالك والشافعي
وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو عبيد وأكثر أهل العلم.
فمذهب زيد في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب أنه يقاسمهم كأخ إلا
أن يكون ثلث المال أحظ له، فإن نقصته المقاسمة عن الثلث فله الثلث والباقي
لهم، فعلى هذا إذا كان معه اخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان فالثلث
والمقاسمة سواء، فإن نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له فقاسم به لا غير وإن
زادوا فأعطه الثلث، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه وكان للجد الأحظ من
المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، أما كونه لا ينقص عن سدس
جميع المال فلأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى فمع غيرهم أولى،
وأما إعطاؤه ثلث الباقي إذا كان أحظ فلأن له الثلث مع عدم الفروض فما أخذ
بالفروض كأنه معدوم قد ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال
وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض فكذلك مع وجودها، فعلى هذا متى زاد
الاخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الاناث فلا حظ له في المقاسمة وان نقصوا
عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في
ثلث الباقي، وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف فقط
استوى السدس وثلث الباقي، وإن كان الاخوة اثنين والفرض النصف استوى
المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال
(7/12)
(فصل) ولا ينقص الجد عن سدس المال أو
تسميته إذا زادت السهام، هذا قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن الشعبي أنه
قال إن ابن عباس كتب إلى علي في ستة اخوة وجد فكتب إليه اجعل الجد سابعهم
وامح كتابي هذا وروي عنه في سبعة إخوة وجد أن الجد ثامنهم وحكي عن عمران بن
حصين والشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال ولنا أن الجد لا ينقص عن السدس مع
البنين وهم أقوى ميراثاً من الاخوة فانهم يسقطون بهم فلأن لا ينقص عنه مع
الاخوة أولى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجد السدس فلا ينبغي أن
ينقص منه، وقولنا أو تسميته إذا زادت السهام هو إذا عالت المسألة فإنه يسمى
له السدس وهو ناقص عن السدس فإذا كان زوج وأم وابنتان وجد له السدس ونعطيه
سهمين من خمسة عشر وهما ثلثا الخمس (مسألة) (فإن لم يفضل عن الغرض إلا
السدس فهو له ويسقط من معه من الاخوة والأخوات
كأم وابنتين وجد وأخت أو أخ) فإن للأم السدس وللابنتين الثلثان يبقى السدس
للجد ويسقط الاخوة إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد فإن للزوج النصف
وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس ثم يقسم
(7/13)
سدس الجد ونصف الأخت بينهما على ثلاثة وتصح
من سبعة وعشرين: للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة ولا يعول
من مسائل الجد غيرها، ولا يفرض لأخت مع جد إلا في هذه المسألة وتسمى
الاكدرية سميت بذلك لتكديرها أصول زيد في الجد فإنه أعالها ولا عول عنده في
مسائل الجد وفرض للأخت معه ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها فقسمها
بينهما ولا نظير لذلك، وقيل سميت أكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها
رجلا اسمه الأكدر فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها فنسبت إليه، واختلف
أهل العلم فيها فمذهب أبي بكر الصديق وموافقيه اسقاط الأخت ويجعل للزوج
النصف وللأم الثلث والباقي للجد، وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت
النصف وللجد السدس وللأم السدس وعالت إلى ثمانية وجعلوا للأم السدس لكيلا
يفضلوها على الجد، وقال علي وزيد للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث
وللجد السدس وأعالاها إلى تسعة ولم يحجبا الأم عن الثلث لأن الله تعالى
إنما حجبها بالولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة، ثم أن عمر وعلياً وابن
مسعود ابقوا النصف للأخت والسدس للجد وزيد ضم نصفها إلى سدس الجد فقسمه
بينهما لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة، وإنما حمل زيداً على إعالة
المسألة ههنا أنه لو لم يفرض للأخت لسقطت وليس في الفريصة من يسقطها وقد
روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ما قال ذلك زيد وإنما قاس أصحابه على أصوله
ولم يبين هو شيئاً، فإن قيل فالأخت مع الجد عصبة والعصبة تسقط باستكمال
الفروض قلنا إنما يعصبها الجد وليس بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له ولو كان مكان
الأخت أخ لسقط لأنه عصبة في نفسه ولو كان مع الأخت أخت أخرى أو أخ أو أكثر
من ذلك لانحجبت الأم إلى
(7/14)
السدس وبقي لهما السدس فأخذوه ولم تعل
المسألة، وأصل المسألة في الأكدرية ستة عالت إلى تسعة
وسهام الأخت والجد أربعة بينهما على ثلاثة لا تصح فتضرب ثلاثة في تسعة تكن
سبعة وعشرين ثم كل من له شئ من أصل المسألة مضروب في الثلاثة التي ضربتها
في المسألة للزوج في ثلاثة تسعة وللأم اثنان في ثلاثة ستة يبقى اثنا عشر
بين الجد والأخت على ثلاثة للجد ثمانية وللاخت أربعة، ويعايابها فيقال
أربعة ورثوا مالا فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي
والرابع ما بقي، ويقال امرأة جاءت قوما فقالت إني حامل فإن ولدت ذكراً فلا
شئ له وإن ولدت أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه، وإن ولدت ولدين فلهما السدس
ويقال أيضاً إن ولدت ذكراً فلي ثلث المال وإن ولدت أنثى فلي تسعاه وإن ولدت
ولدين فلي سدسه وأنشد شيخنا في ذلك لنفسه ماذا تقولون في ميراث أربعة * * *
* أصاب أكبرهم جزءاً من المال ونصف ذلك للثاني ونصفهما * * * * لثالث ترب
للخير فعال ونصف ذلك مجموعاً لرابعهم * * * * فخبروني فهذي جملة الحال
أكبرهم الجد له ثمانية ونصفها للأخت أربعة ونصفهما ستة للأم صارت ثمانية
عشر ونصف الجميع للزوج وذلك تسعة
(7/15)
(فصل) زوجة وأم وأخت وجد للزوجة الربع
وللأم الثلث والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة أصلها من اثني عشر للزوجة
ثلاثة وللأم أربعة يبقى خمسة بين الجد والأخت على ثلاثة، وتصح من ستة
وثلاثين، فإن كان مكان الأخت أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة
وعشرين، وان كانا اختين قاسمهما وتصح من ثمانية وأربعين فإن كان أخ وأخت أو
ثلاث أخوات حجبوا الأم إلى السدس وقسموا الباقي بينهم على خمسة وصحت من
ستين، فإن زادوا على ذلك استوى ثلث الباقي والمقاسمة فافرض له ثلث الباقي
واضرب المسألة في ثلاثة تكن ستة وثلاثين ويبقى له ولهم أحد وعشرون يأخذ
ثلثلها سبعة والباقي لهم، فإن لم تصح عليهم ضربتهم ووفقهم في سته وثلاين
فما بلغ فمنه تصح فإن كانوا من جهتين اختص بالباقي ولد الأبوين (فصل) زوجة
وأخت وجد وجدة فهي كالتي قبلها في فروعها إلا في أن للجدة السدس مع الأخت
الواحدة والأخ الواحد، فإن كانوا أكثر من واحد فحكم الجدة والأم واحد، وإن
لم يكن معهم جدة فهي من أربعة للزوجة الربع ويبقى ثلاثة للجد سهمان وللأخت
سهم فان كان معها أخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وتصح من ستة عشر وإن
كان مكانها أخ صحت من ثمانية فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات فالباقي بينهم
على خمسة وتصح من عشرين وإن زادوا على هذه فاعطه ثلث الباقي سهما واقسم
الثاني على الباقين، فإن كانوا من الجهتين فلا شئ لولد الأب لأن الباقي بعد
نصيب الجد لا يزيد على النصف وهو أقل فرض لولد الأبوين
(7/16)
(مسألة) (فإن لم يكن في الأكدرية زوج فهي
أم وأخت) وجد للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة
للأم ثلاثة وللجد أربعة وللأخت سهمان وإنما سميت الخرقا لكثرة اختلاف
الصحابة فيها فكأن الافوال خرقتها قيل فيها سبعة أقوال قول الصديق وموافقيه
للأم الثلث وللجد الباقي، وقول زيد وموافقيه للأم الثلث والباقي بين الجد
والأخت على ثلاثة وقول علي للأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس، وعن عبد
الله للأخت النصف وللأم ثلث ما بقي وللجد الباقي وعن ابن مسعود للأم السدس
والباقي للجد وهو مثل القول الأول في المغني وعن ابن مسعود أيضاً للأخت
النصف والباقي بين الأم والجد نصفين فتكون من أربعة وهي إحدى مربعات ابن
مسعود وقال عثمان المال بينهم أثلاثاً لكل واحد منهم ثلث وهي مثلثة عثمان
وتسمى المسبعة لأن فيها سبعة أقوال ومسدسة لأن معنى الأقوال يرجع إلى ستة
وسأل الحجاج الشعبي عنها فقال قد اختلف خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذكر له عثمان وعلياً وابن مسعود وزيداً وابن عباس رضي الله عنهم
(مسألة) (وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد) إذا انفردوا لأنهم
شاركوهم في بنوة الأب التي ساووا بها الجد فإذا اجتمعوا عاد ولد الأبوين
الجد
(7/17)
بولد الأب ثم أخذوا ما حصل لهم هذا مذهب
زيد وأما علي وابن مسعود فإنهما يقاسمان به ولد الأبوين
ويسقطان ولد الأب ولا يعتدان به لأنه محجوب فلا يعتد به كولد الأم فإذا كان
جد وأخ من أب وأم وأخ لأب قسما المال في هذه المسألة بينهما نصفين وزيد
يجعلها من ثلاثة للجد سهم ولكل أخ سهم ثم يرجع الأخ من الأب والأم على ما
في يد أخيه لأبيه فيأخذه وإن شئت فرضت للجد ثلث المال والباقي للأخ من
الأبوين ومتى زاد الأخوة على اثنين فرضت للجد الثلث والباقي لولد الأبوين
ووجه مذهب زيد أن الجد والد فإذا حجبه إخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث
وأخ غير وارث كالأم ولأن ولد الأب يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم
كالأم ويفارق ولد الأم فإن الجد يحجبهم فلا ينبغي أن يحجبوه بخلاف ولد الأب
فإن الجد لا يحجبهم فجاز أن يحجبوه إذا احجبهم غيره كما يحجبون الأم إن
كانوا محجوبين بالأب وأما الأخ من الأبوين فإنه أقوى تعصيباً من الأخ من
الأب فلا يرث معه شيئاً كما لو انفرد عن الجد فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع
ابن وابن ابن فإنه يحجبه ويأخذ ميراثه فان قبل فالجد يحجب ولد الأم ولا
يأخذ ميراثهم والأخوة يحجبون الأم وإن لم يأخذوا ميراثها قلنا الجد وولد
الأم يختلف سبب استحقاقهم للميراث وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث
المحجوب وههنا سبب استحقاق الأخوة للميراث الأخوة والعصوبة فأيهما قوي حجب
الآخر وأخذ ميراثه وقد مثلت هذه المسألة بمسألة في الوصايا وهي إذا وصى
لرجل يثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة وكان ثلث المال
مائتين فإن الموصى
(7/18)
له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام
في حال الرد فيقاسمه الثلث نصفين ثم يختص صاحب المائة بها ولا يحصل لصاحب
التمام شئ (مسألة) (إلا أن يكون ولد الأبوين أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف
وما فضل فهو لهم ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس لأن أدنى ما
يأخذ الجد الثلث من الباقي والأخت النصف فالباقي بعدهما هو السدس فإذا كان
جد وأخت من أبوين وأخت من أب فالمال بينهم على أربعة للجد سهمان ولكل أخت
سهم ثم رجعت الأخت من الأبوين على أختها لأبيها فأخذت ما في يدها جميعه
لتستكمل النصف لأن المقاسمة ههنا أحظ للجد من ثلث المال فان كان معهم أخ من
أب فللجد الثلث وللأخت النصف يبقى للأخ وأخته السدس بينهما على ثلاثة
وتصح من ثمانية عشر وتستوي ههنا المقاسمة وثلث المال (مسألة) (فإن كان معهم
أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي ولا ثلث له فتضربها في ثلاثة تكن ثمانية
عشر للأم ثلثه وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت للأبوين تسعة يبقى للأخ وأخته
سهم وتصح من اربعة وخسمين وتسمى مختصرة زيد)
(7/19)
لأن ثلث الباقي والمقاسمة في هذه المسألة
سواء فإن أعطيت الجد ثلث الباقي صحت من أربعة وخمسين على ما ذكرنا وإن قاسم
الاخوة أعطيت الأم السدس سهما يبقى خمسة مقسومة على الجد والأخ وأختين على
ستة فتضربها في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين للأم ستة وللجد عشرة وللأخت
للابوبن ثمانية عشر يبقى سهمان على الأخ من الأب وأخته لا يصح فإذا ضرب
ثلاثة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانية ويرجع بالاختصار إلى نصفها أربعة
وخمسين لأنها تتفق بالنصف فلهذا سميت مختصرة زيد ولو كان معهم أخ آخر من أب
صحت من تسعين وتسمى تسعية زيد لأنا ندفع إلى الأم ثلاثة وإلى الجد ثلث
الباقي خمسة وإلى الأخت للأبوين تسعة يبقى سهم لأولاد الأب على خمسة لا تصح
عليهم إذ ضربتها في ثمانية عشر تكن تسعين وهذا التفريع كله على مذهب زيد
لكونه يورث الاخوة مع الجد (فصل) أم أو جدة وأختان وجد المقاسمة خير للجد
ويبقى خمسة على أربعة وتصح من أربعة وعشرين أم وأخ واخت وجد تصح من ستة
للجد سهمان أم وأخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات
(7/20)
وجد المقاسمة وثلث الباقي سواء فإن زادوا
على ذلك فرض للجد ثلث الباقي وصحت من ثمانية عشر للأم ثلاثة وللجد خمسة
يبقى عشرة للاخوة والأخوات فتصح عليهم، بنت وأخت وجد للبنت النصف وما بقي
بين الأخت والجد على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم لأن المقاسمة ههنا
أحظ له وفي قوله رضي الله عنه للبنت النصف وللجد السدس والباقي للأخت وعند
ابن مسعود الباقي بين الجد والأخت نصفين لأن كل واحد منهما إذا انفرد أخذ
المال بالتعصيب فإذا اجتمعا اقتسما كما لو كان مكانها أخ وأما علي فبني على
أصله في أن الأخوات لا يقاسمن الجد وانما يفرض لهن فلم يفرض لها ههنا لأن
الأخت مع البنت عصبة وأعطي الجد السدس كما لو انفرد معها وجعل الباقي لها
ولنا أن لجد يقاسم الأخت فيأخذ مثليها إذا كان معها أخ فكذلك إذا انفردت
وهذه إحدى مربعات ابن مسعود (فصل) بنت وأخ وجد للبنت النصف والباقي بين
الأخ والجد نصفين وإن كان معه أخته فالباقي بينهم على خمسة وإن كان أخوان
أو أخ وأختان أو أربع أخوات استوى ثلث الباقي والسدس والمقاسمة فإن زادوا
فلا حظ له في المقاسمة ويأخذ السدس والباقي لهم فإن كانوا من الجهتين فليس
لولد الاب
(7/21)
شئ والباقي لولد الأبوين بنت وأختان وجد
الباقي بين الجد والأختين على أربعة وتصح من ثمانية فإن كن ثلاث أخوات
فالباقي بينهم على خمسة فإن كن أكثر من أربع فله الثلث أو سدس الباقي
والباقي لهن (فصل) بنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وأخت وجد للبنتين الثلثان
والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي
بينهما نصفين وتصح من ستة وإن كان مكانه أختان صحت من اثني عشر ويستوي في
هاتين المسئلتين السدس والمقاسمة فإن زادوا عن أخ أو عن أختين فرضت للجد
السدس وكان الباقي لهم فإن كان معهم أم أو جدة فللجد السدس ولا شئ للاخوة
والأخوات (فصل) زوج وأخت وجد للزوج النصف والباقي بينهما على ثلاثة وعند
علي وابن مسعود للأخت النصف وللجد السدس وعالت إلى سبعة وإن كان مع الأخت
أخرى فالباقي بينهم على أربعة وعندهما لهما الثلثان وتعول إلى ثمانية وإن
كان مكانهما أخ فالباقي بينهما نصفين وان كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات قاسمهم
الجد وإن كان أخوان أو من يعدلهما استوى السدس والمقاسمة فإن زادوا فرضت له
السدس والباقي لهم فإن كان زوج وبنت وأخت وجد فللزوج الربع وللبنت النصف
والباقي بينهما على
(7/22)
ثلاثة ويستوي السدس ههنا والمقاسمة فإن
زادوا على أخت فرضت للجد السدس والباقي لهم وإن كان مع الزوج بنتان أو بنت
وبنت ابن أو بنت وأم أو جدة سقط الاخوة والاخوات وفرضت للجد السدس
وعالت إلى ثلاثة عشر (فصل) زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الجد والأخت على
ثلاثة وتصح من ثمانية فإن كان مكان الأخت أخ أو أختان فالباقي بينهم نصفين
وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين من اثنين وثلاثين وإن زادوا فرض للجد
السدس وانتقلت المسألة إلى أربعة وعشرين ثم تصح على المنكسر عليهم وإن كان
مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم وجدة فرضت للجد السدس
ويبقى للإخوة والأخوات سهم من أربعة وعشرين (فصل) قال رضي الله عنه وللأم
أربعة أحوال (حال) لها السدس وهي مع وجود الولد وولد الابن أو اثنين من
الأخوة والأخوات (وحال) لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء (وحال) لها ثلث ما بقي
وهي زوج وأبوان وامرأة وأبوان لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين (وحال) رابع
وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو منتفياً بلعان فإنه ينقطع
بعصبته من جهة من نفاه فلا ذ يرثه هو ولا أحد من عصباته،
(7/23)
وجملته أن الأم لها الأربعة الأحوال
المذكورة أما استحقاقها الثلث مع عدم الولد وولد الابن والاثنين من الاخوة
والأخوات من أي الجهات كانوا فلا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم، وقد دل
عليه قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وأما
استحقاقها السدس إذا كان للميت ولد أو ولد ابن أو ابنين من الأخوات فهو قول
الجمهور، وقال ابن عباس لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس من الاخوة
والأخوات إلا ثلاثة، وحكي ذلك عن معاذ لقول الله تعالى (فإن كان له إخوة
فلأمه السدس) وأقل الجمع ثلاثة وروي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنهما
ليس الأخوان إخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الأم؟ فقال لا أستطيع أن أرد
شيئاً كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به ولنا قول عثمان هذا فإنه
يدل على الاجماع ثم هو قبل مخالفة ابن عباس ولأن كل حجب تعلق بعدد كان أوله
اثنين كحجب البنات بنات الابن والأخوات من الابوين الأخوات من الأب والأخوة
يستعمل في الاثنين قال الله تعالى (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل
حظ الأنثيين) وهذا
(7/24)
الحكم ثابت في أخ وأخت ومن أهل اللغة من
يجعل الاثنين جمعاً حقيقة ومنهم من يستعمله مجازاً فيصرف إليه بالدليل ولا
فرق في حجبها بين الذكر والأنثى لقوله تعالى (إخوة) وهذا يقع على الجميع
لقوله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء) ففسرهم بالرجال والنساء، وأما
استحقاقها ثلث الباقي في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فهاتان المسئلتان تسمى
العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك فاتبعه عثمان وزيد بن ثابت وابن
مسعود وروي ذلك عن علي، وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
وجعل ابن عباس ثلث المال كله للأم في المسئلتين لأن الله تعالى فرض لها
الثلث عند عدم الولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة ويروى ذلك عن علي
ويروى عن شريح ذلك في زوج وأبوين، وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوج
وأبوين وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين وبه قال أبو ثور لأننا لو فرضنا
للأم ثلث المال في زوج وأبوين لفضلناها على الأب ولا يجوز ذلك وفي
(7/25)
مسألة الزوجة لا يؤدي إلى ذلك واحتج ابن
عباس بعموم قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وقوله
عليه السلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " والأب ههنا
عصبة فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض كما لو كان مكانة جد قال شيخنا: والحجة
معه لولا انعقاد الاجماع من الصحابة على مخالفته ولأن الفريضة إذا جمعت
أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي كما لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد
لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها، وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع
أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم أنه مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم، كذلك
مع المرأة قياساً عليه، فأما الحال الرابع وهي إذا كان ولدها منفياً بلعان
فإن الرجل إذا لاعن امرأته وانتفى منه ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى
ولدها عنه وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته
وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم وينقطع التوارث بين الزوجين لا نعلم بين
أهل العلم في هذه المسألة خلافاً فأما إن مات أحدهم قبل تمام
(7/26)
اللعان بين الزوجين ورثه الآخر في قول
الجمهور، وقال الشافعي إذا أكمل الزوج لعانه لم يتوارثا
وقال مالك إن مات الزوج بعد لعانه فإن لاعنت المرأة لم ترث ولم تحد، وإن لم
تلاعن ورثت وحدت وإن ماتت هي بعد لعان الزوج ورثها في قول جميعهم إلا
الشافعي فإن تم اللعان بينهما فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم بينهما لم
يتوارثا في إحدى الروايتين، وهو قول مالك وزفر، وروي نحو ذلك عن الزهري
وربيعة والاوزاعي وداود لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر في حصول
الفرقة به التفريق بينهما كالرضاع (والثانية) يتوارثان ما لم يفرق الحاكم
وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لأن النبي النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين
المتلاعنين، ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه وإن فرق الحاكم
بينهما قبل تمام اللعان لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجمهور،
وقال أبو حنيفة وصاحباه أن فرق بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثاً وقعت الفرقة
وانقطع التوارث لأنه وجد منهما معظم اللعان وإن فرق بينهما قبل ذلك لم
ينقطع التوارث ولم تقع الفرقة.
(7/27)
ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان أشبه
التفريق قبل الثلاث وهذا الخلاف في توارث الزوجين، فأما الولد فالصحيح أنه
ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم لأن
انتفاءه بنفيه لا بقول الحاكم فرقت بينكما فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف
عن الملاعن ولم ينقطع التوارث بينهما، وقال أبو بكر ينتفي بزوال الفراش لأن
النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن الملاعن وألحقه بأمه ولم يذكره
الرجل في لعانه، يحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " انظروها فإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة حمش الساقين فلا أراه إلا
قد كذب عليها، وإن جاءت به جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو
للذي رميت به " فأتت به على النعت المكروه.
(مسألة) (وعصبته عصبة أمه وعنه أنها هي عصبته) اختلف أهل العلم في ميراث
الولد المنفي باللعان فروي عن أحمد فيه روايتان.
(إحداهما) : أن عصبته عصبة أمه، نقلها الأثرم، وحنبل يروي ذلك عن علي وابن
عباس وابن عمر، وبه قال الحسن
(7/28)
وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والشعبي
والنخعي والحكم وحماد والثوري والحسن ابن صالح
إلا أن علياً يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له وقدم الرد
على غيره.
(والرواية الثانية) : أن الأم عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته، نقلها أبو
الحارث ومهنا، وهذا قول ابن مسعود، وروي عن علي ومكحول والشعبي لما روى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن
الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ورواه أيضاً مكحول عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسلا وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحوز
المرأة ثلث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " وعن عبد الله
بن عبيد بن عمير قال: كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله
عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني
سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه
رواهن أبو داود ولأنها قامت مقام أمه وأبيه في انتسابه إليها فقامت مقامهما
في حيازة ميراثه ولأن عصبات الأم أدلوا بها
(7/29)
فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه وكان زيد
بن ثابت يورث من ابن الملاعنة كما يورث من غير ابن الملاعنة ولم يجعلها
عصبة ابنها ولا عصبتها عصبته، فإن كانت أمة مولاة لقوم جعل الباقي من
ميراثها لمولاها فإن لم تكن مولاة جعل لبيت المال، وعن ابن عباس نحوه وبه
قال سعيد بن المسيب وعروة وسليمان ابن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري
وربيعة وأبو الزناد ومالك وأهل المدينة والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأهل
البصرة إلا أن أبا حنيفة وأهل البصرة جعلوا الرد وذوي الأرحام أحق من بيت
المال لأن الميراث إنما يثبت بالنص ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ولا
في توريث أخ من أم أكثر من السدس ولا في توريث أبي الأم وأشباهه من عصبات
الأم ولا قياس أيضاً فلا وجه لإثباته ووجه الرواية الأولى قول النبي صلى
الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " وأولى
الرجال به أقارب أمه وعن عمر رضي عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن
علي رضي الله عنه أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال: هذا ابنكم ترثونه
ولا يرثكم وان جنى جناية فعليكم، حكاه الإمام أحمد عنه ولأن الأم لو كانت
عصبة كأبيه لحجبت إخوته ولأن مولاها مولى أولادها فيجب ان يكون عصبتها
عصبته كالأب (مسألة) (فإذا خلف أما وخالا فللأم الثلث بلا خلاف والباقي
للخال)
(7/30)
لأنه عصبة أمه، وعلى الرواية الأخرى الكل
للأم وهذا قول علي وابن مسعود وأبي حنيفة وموافقيه إلا أن ابن مسعود يعطيها
إياه لكونها عصبته والباقون بالرد وعن زيد الباقي لبيت المال فإن كان معها
أخ لأم فله السدس والباقي له إن قلنا إنه العصبة على الرواية الأولى وعلى
الأخرى الكل للام ولا شئ للخال على الروايتين، فإن كان معهما مولى أم فلا
شئ له عندنا وقال زيد ومن وافقه وأبو حنيفة الباقي له وإن لم يكن لأمه عصبة
إلا مولاها فالباقي له إذا قلنا عصبتها عصبته وعلى الرواية الأخرى هو للأم
وهو قول ابن مسعود لأنها عصبة ابنها (فصل) فإن لم يخلف إلا أمه فلها الثلث
فرضاً والباقي بالرد وهو قول علي وسائر من يرى الرد وفي الرواية الأخرى لها
الباقي بالتعصيب فإن كان مع الأم عصبة لها فهل يكون الباقي لها أو له على
روايتين ذكرناهما فان كان لها عصبات فهو لأقربهم منها على الرواية الأولى
فإذا كان معها أبوها وأخوها فهو لأبيها فإن كان مكان الأب جد فهو بين أخيها
وجدها نصفين فإن كان معهم ابنها وهو اخوه لامه فلا شئ لأخيها ويكون لأمه
الثلث ولأخيه السدس ولأخيه الباقي أو ابن أخيه وإن خلف أمه وأخاه وأخته
فلكل واحد منهم السدس والباقي لأخيه دون أخته وإن خلف ابن أخيه وبنت أخيه
أو خاله
(7/31)
وخالته فالباقي للذكر وإن خلف أخته وابن
أخته فلأخته السدس والباقي لابن أخته وعلى الرواية الأخرى الكل للأم في هذا
الموضع (فصل) ابن ملاعنة مات وترك بنتاً وبنت ابن ومولى أمه الباقي لمولى
الأم في قول الجمهور وقال ابن مسعود الرد أولى من المولى فإن كان معهم أم
فلها السدس وفي الباقي روايتان (إحداهما) للمولى وهو قول الأكثرين
(والثانية) للأم وهو قول ابن مسعود فإن لم يكن معهم مولى فالباقي مردود
عليهم في إحدى الروايتين والأخرى هو للأم فإن كان معهم أخ فلا شئ له بالفرض
وله الباقي في رواية والأخرى هو للأم، بنت وأخ أو ابن أخ أو خال أو أبو أم
أو غيرهم من العصبات للبنت النصف والباقي للعصبة في قول العبادلة وإن كان
معها أخ أو أخت أو ابن أخ وأخته أو خال وخالة فالباقي
للذكر وحده في قولهم وقال أبو حنيفة وأصحابه المال للبنت بالفرض والرد
ورووا ذلك عن علي عليه السلام أنه جعل ذا السهم أحق ممن لا سهم له وأنه ورث
ابن ملاعنة ذوي أرحامه كما يرثون من غيره قال ابن اللبان وليس هذا محفوظاً
عن علي إنما المشهور عنه قوله لأولياء المرجومة عن ابنها: هذا ابنكم ترثونه
ولا يرثكم فإن جنى جناية فعليكم وفسر القاضي قول أحمد إن لم يكن أم فعصبتها
عصبته بتقديم الرد على عصبة الأم كقوله في أخت وابن أخ المال كله للأخت قال
شيخنا وهذا تفسير للكلام يضد ما يقتضيه وحمل للفظ على خلاف ظاهره وإنما هذه
الرواية كمذهب ابن مسعود ورواية الشعبي
(7/32)
عن علي وعبد الله أنهما قالا عصبة ابن
الملاعنة أمه ترث ماله أجمع فإن لم يكن أم فعصبتها عصبته: امرأة وجدة
وأختان وابن أخ للمرأة الربع وللجدة السدس وللأختين الثلث والباقي لابن
الأخ في الروايتين جميعاً، وقال أبو حنيفة الباقي يرد على الأختين والجدة
وهو قول القاضي في الرواية الثانية: أبو أم وبنت وابن أخ وبنت أخ الباقي
لابن الأخ وحده ويحتمل يكون لأب الأم سدس باقي المال وخمسة أسداسه لابن
الأخ، وقال أبو حنيفة المال بين أبي الأم والبنت على أربعة بالفرض والرد
(فصل) فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة
وقد روى ذلك عن علي وقال أبو حنيفة وأصحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث
غيره، ورووه عن علي وذلك مثل خال وخالة وابن أخ وأخته المال للذكر وفي قول
أبي حنيفة هو بينهما في المسئلتين نصفين خالة لأب وأم وخال لأب المال للخال
وقال أبو حنيفة هو للخالة: خالة وبنت بنت المال بينهما على أربعة، وإذا لم
يخلف ابن الملاعنة إلا ذا رحم فحكمهم في ميراثه كحكمهم في ميراث غيره على
ما نذكره (فصل) وإذا قسم ميراث ابن الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه
الولد ونقصت القسمة، وقال أبو حنيفة لا يلحقه النسب بعد موته إلا أن يكونا
توأمين مات أحدهما وأكذب نفسه والأخ باق فيلحقه نسب الباقي والميت معا وقد
مضى الكلام معه في غير هذا الموضع (فصل) ولو كان المنفي باللعان توأمين
ولهما أخ آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث توأمه منه كميراث
الآخر في قول الجمهور وقال مالك يرثه توأمه كميراث أخ لأبوين لأنه أخوه
لأبويه بدليل أن
(7/33)
الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر وهذا أحد
الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أنهما توأمان لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه
فأشبها توأمي الزانية ولا خلاف في توأمي الزانية وفارق هذا ما إذا استلحق
أحدهما لأنه ثبت باستلحاقه أنه أبوهما (فصل) قولهم أن الأم عصبة ولدها أو
أن عصبتها عصبته إنما هو في الميراث خاصة كقولنا في الأخوات مع البنات.
فعلى هذا لا يعقلون عنه ولا تثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره هذا قول
الأكثرين وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لأولياء المرجومة في ولدها
هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وإن جنى فعليكم وروى هذا عن عبد الله وإبراهيم
ولنا أنهم إنما ينتسبون إليه بقرابة الأم فلم يعقلوا عنه ولم تثبت لهم
ولاية التزويج كما لو علم أبوه ولا يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في
العقل والتزويج بدليل الأخوات مع البنات، فأما إن أعتق ابن الملاعنة عبداً
ثم مات ثم مات المولى وخلف أم مولاه وأخا مولاه احتمل أن يثبت لهما الارث
بالولاء لأن التعصيب ثابت وحكي ذلك عن أبي يوسف، وهل يكون للأم أو للأخ؟
على الروايتين، ويحتمل أن لا يثبت لهما ميراث لأن النساء لا يرثن من الولاء
إلا ما أعتقن أو أعتق من اعتقن فكذلك من يدلي بهن وما ذكرناه للاحتمال
الأول يبطل بالأخوات مع البنات ومن عصبهن أخوهن من الإناث (مسألة) (واذا
مات ابن الملاعن وخلف أمه وجدته فلأمه الثلث والباقي للجدة على إحدى
(7/34)
الروايتين وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها)
إذا مات ابن ابن الملاعنة وخلف أمه وأم أبيه فلأمه الثلث والباقي لها بالرد
وهذا قول علي وعلى الرواية الأخرى الباقي لأم أبيه لأنها عصبة أبيه وهذا
قول ابن مسعود، ويعايابها فيقال: جدة ورثت مع أم أكثر منها وإن خلف جدتيه
فالمال بينهما بالفرض والرد على قول علي وفي قول ابن مسعود لهما السدس فرضا
بينهما وباقي المال لأم أبيه: أم أم وخال أب، لأم الأم السدس وفي الباقي
قولان (أحدهما) أنه لها بالرد (والثاني) لخال الأب وفي قول علي الكل للجدة:
خال وعم وخال اب وابوام أب المال للعم لأنه ابن
الملاعنة فإن لم يكن عم فلأبي أم الأب لأنه أبوها فإن لم يكن فلخال الأب
فإن لم يكن فللخال لأنه ذو رحمه: بنت وعم للبنت النصف والباقي للعم وفي قول
علي الكل للبنت لأنه يقدم الرد على توريث عصبة أمه: بنت وأم وخال المال بين
البنت والأم على أربعة بالفرض والرد ولا شئ للخال لأنه ليس بعصبة الملاعنة،
ولو كان بدل الخال خال أب كان الباقي له لأنه عصبة الملاعنة، فأما ابن ابن
ابن الملاعنة فإذا خلف عمه وعم أبيه فالمال لعمه لأنه عصبته وهذا ينبغي أن
يكون إجماعا، وقد قال بعض الناس يحتمل أن يكون عم الأب أولى لأنه ابن
الملاعنة وهذا غلط بين لأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من
آبائه، وإن خلف ثلاث جدات متحاذيات فالسدس بينهن والباقي يرد عليهن في إحدى
الروايتين وهو قول علي وفي الثانية لأم أبي أبيه وهو قول ابن مسعود وإن خلف
انه وجدته وجدة أبيه فلأمه الثلث
(7/35)
ولا شئ لجدته وفي الباقي روايتان (إحداهما)
يرد على الأم (والثانية) لجدة أبيه، وإن خلف خاله وخال أبيه وخال جده
فالمال لحال جده فإن لم يكن فلخاله ولا شئ لخال أبيه، فأما ولد بنت
الملاعنة فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع لأن لهم نسباً معروفاً من
جهة أبيهم وهو زوج بنت الملاعنة ولو أعتقت بنت الملاعنة عبداً ثم مات
المولى وخلفت أم مولاته ورثة مال المولى لأنها عصبة لبنتها والبنت عصبة
لمولاها في أحد الوجهين وقد ذكرناهما في ابن الملاعنة (فصل) والحكم في
ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ذكرنا من
الأقوال والاختلاف إلا أن الحسن بن صالح قال عصبة ولد الزنا سائر المسلمين
لأن أمه ليست فراشاً بخلاف ولد الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما
لانقطاع نسب كل واحد منهما من أبيه إلا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا
استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور، وقال الحسن وابن سيرين
يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو
ملك الموطوءة وقال إسحاق يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه وروى علي
بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت
منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد والد له وأجمعوا على أنه إذا
ولد على فراش رجل فادعاه أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير
فراش
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ولأنه لا
يلحق به إذا لم يستلحقه
(7/36)
فلم يلحق به بحال كما لو كانت أمه فراشاً
أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره والله أعلم (فصل) قال رحمه الله
(وللجدات السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين) قال إبن المنذر أجمع أهل
العلم على أن للجدة السدس إذا لم تكن أم للميت وحكى غيره رواية شاذة عن ابن
عباس أنها بمنزلة الأم لأنها تدلي بها فقامت مقامها عند عدمها كالجد يقوم
مقام الأب ولنا ما روى قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب
ميراثها فقال مالك في كتاب الله شئ وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولكن شيئا ارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك؟ فشهد له محمد ابن
مسلمة فامضاه لها ابو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه جاءت
الجدة الأخرى فقال مالك في كتاب الله شئ وما كان القضاء الذي قضى به إلا في
غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو
لكما وأيكما خلت به فهو لها، رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال حديث حسن
صحيح، وأما الجد فلا يقوم مقام الأب في جميع أحواله على ما ذكرناه وأجمع
أهل العلم على أن الأم تحجب الجدات من جميع الجهات، وعن بريدة أن النبي صلى
الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم رواه أبو داود وهذا
يدل على أنها لا ترث معها شيئاً، ولأن الجدة تدلي بالأم فسقطت بها كسقوط
الجد بالأب وابن الابن به فأما أم الأب فإنها إنما ترث ميراث
(7/37)
أم لأنها أم ولذلك ترث وابنها حي ولو كان
ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده (فصل) ولا يزيد ميراثهن على السدس فرضاً
وإن كثرن أجمع على هذا أهل العلم لما روينا من الخبر فإن عمر شرك بينهما
وروي ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه فروي سعيد بإسناده عن القاسم بن محمد قال
جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب
فقال له عبد الرحمن بن سهل بن حارثة وكان شهد بدراً يا خليفة رسول الله
أعطيت التي إن ماتت لم يرثها
ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما، ولأنهن ذوات عدد لا
يشاركهن ذكر فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات وإنما يشتركن في السدس إذا
تحاذين لتساويهن في الدرجة (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم
الأم وأم الأب وكذلك إن علتا وكانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب
وحكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئاً لأنه لا يرثها فلا ترثه ولأنها
غير مذكورة في الخبر ولنا ما روى سعيد عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن
النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل
الأم وأخرجه أبو عبيد والدارقطني ومن ضرورته أن تكون منهن أم أم الأب أو من
هي أعلى منها، وما ذكره داود فهو قياس وهو لا يقول بالقياس ثم هو باطل بأم
الأم فإنها ترثه ولا يرثها وقوله ليست مذكورة في الخبر قلنا وكذلك أم أم
الأم.
واختلفوا
(7/38)
في توريث ما زاد على الجدتين فذهب أبو عبد
الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن روى ذلك عن علي وزيد بن ثابت
وابن مسعود رضي الله عنه وروى نحوه عن مسروق والحسن وقتادة وبه قال
الأوزاعي واسحاق وروي عن سعد بن أبي وقاص ما يدل على أنه لا يورث أكثر من
جدتين وحكي أيضاً عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن
يسار وطلحة بن عبيد الله ابن عوف وربيعة وابن هرمز ومالك وابن أبي ذئب وأبي
ثور وداود وقاله الشافعي في القديم وحكي عن الزهري أنه قال لا نعلم ورث في
الاسلام الا جدتين، وحكي عن سعد بن أبي وقاص أنه أوتر بركعة فعابه ابن
مسعود فقال سعد أتعيبني وأنت تورث ثلاث جدات وروي عن ابن عباس أنه ورث
الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة إلا من أدلت بأب غير وارث كأم أبي
الأم قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذاً وإليه ذهب الحسن وابن
سيرين والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وهو رواية المزني عن الشافعي وهو ظاهر
كلام الخرقي فإنه سمى ثلاث جدات متحاذيات ثم قال وإن كثرن فعلى ذلك ويحتمل
قول الخرقي وأن كثرن لا يرث إلا ثلاث جدات وهن المتحاذيات المذكورات بعد
كما روي عن أحمد رحمه الله.
واحتجوا بأن الزائدة جدة أدلت بوارث فوجب
أن ترث كإحدى الثلاث.
ولنا حديث سعيد الذي ذكرناه وروى سعيد أيضاً عن إبراهيم أنهم كانوا يورثون
من الجدات
(7/39)
ثلاثة ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل
الأم وهذا يدل على التحديد بثلاث وأنه لا يرث أكثر منهن (مسألة) (فإن كان
بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن وعنه أن القربى من جهة الأب لا تحجب
البعدى من جهة الأم) أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فلا خلاف بين أهل
العلم في أن الميراث للقربى وتسقط البعدى بها، وإن كانتا من جهتين والقربى
من جهة الأم فالميراث لها وتحجب البعدى في قول عامتهم إلا ما روي عن ابن
مسعود ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما وعن ابن مسعود أن كاننا من
جهتين فهما سواء وإن كانتا من جهة واحدة فهو للقربى يريد أن الجدتين إذا
كانتا من جهة الأب إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب
وسائر أهل العلم على أن القربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب، فأما
القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم؟ فيه روايتان (إحداهما)
أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام وإحدى
الروايتين عن زيد وبه قول أبو حنيفة وأصحابه وهو قول أهل العراق وهو قول
الشافعي (والرواية الثانية) هو بينهما وهي الرواية الثابتة عن زيد وبه قال
مالك والاوزاعي وهو أحد قولي الشافعي لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب
الجدة من قبل الأم فالتي تدلي به أولى أن لا يحجبها وبهذا فارقتها القربى
من قبل الأم فإنها تدلي بالأم وهي تحجب جميع الجدات ولنا أنها جدة قربى
فتحجب البعدى كالتي من قبل الأم ولأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً واحداً
(7/40)
من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن
كالآباء والأبناء والأخوة وكل قبيل إذا اجتموا فالميراث للأقرب وقولهم أن
الأب لا يسقطها قلنا لأنهن لا يرثن ميراثه وإنما يرثن ميراث الأمهات لكونهن
أمهات ولذلك أسقطتهن الأم والله أعلم (مسائل) (من ذلك أم أم وأم أم أب
فالمال للأولى إلا في قول ابن مسعود هو بينهما، أم أب
وأم أم أم المال للأخرى في إحدى الروايتين وهو قول الخرقي وفي الأخرى هو
بينهما، أم أب وأم أم وأم جد المال للأوليين في قول الجميع إلا شريك ومن
وافقه هو بينهن أم أب وأم أم وأم أم أم وأم أبي أب هو للأوليين في قول
الجميع (مسألة) (ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن
كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن) فلهن السدس إذا تحاذين في الدرجة لما روى
سعيد بإسناده عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين
من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وقال إبراهيم كانوا يورثون ثلاث جدات وهذا
يدل على أنه لا يرث أكثر من ثلاث وفي ذلك اختلاف ذكرناه فأما أم أبي الأم
فلا ترث لأنها تدلي بغير وارث وكذلك كل جدة تدلي بغير وارث وهذا إجماع من
أهل العلم إلا ما حكي عن بن عباس وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين أنهم
قالوا ترث وهو قول شاذ لا نعلم اليوم به قائلاً لأنها تدلي بغير وارث فلم
ترث كالأجانب وأما أم أبي الجد ومن أدلت بأكثر من ثلاثة آباء وهؤلاء الجدات
المختلف فيهن وقد ذكرنا ذلك
(7/41)
(أمثلة ذلك) ذلك أم أم، وأم أب السدس
بينهما إجماعاً) أم أم أم، وأم أم أب وأم أبي أب وأم أبي أم السدس للثلاث
الأول إلا عند مالك وموافقيه فإنه للأوليين، وعند داود هو للأولى وحدها ولا
ترث الرابعة إلا في القول الشاذ عن ابن عباس وموافقيه، أم أم أم أم، وأم أم
أم أب، وأم أم أبي أب، وأم أبي أبي أب، وأم أم أبي أم وأم أبي أم أم، وأم
أبي أبي أم، وأم أبي أم أب، السدس للأولى عند داود، وللأوليين عند مالك
وموافقيه، وللثلاث الأول عند أحمد وموافقيه، وللأربع الأول عند أبي حنيفة
وموافقيه وتسقط الابع الباقيات إلا في الرواية الشاذة، وفي الجملة لا يرث
من قبل الأم إلا واحدة، ولا من قبل الأب إلا اثنتان، وهما اللتان جاء
ذكرهما في الخبر إلا عند أبي حنيفة وموافقيه فإنهما كلما علون درجة ازداد
في عددهن من قبل الأب واحدة.
(مسألة) (والجدات المتحاذيات أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وإن كثرن
فعلى ذلك) يعني بالتحاذيات المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى
من الأخرى ولا أنزل منها
لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة ومتى كان بعضهن أقرب من
بعض فالميراث لأقربهن، وفيه اختلاف ذكرناه فإذا قيل نزل جدتين وارثتين على
أقرب المنازل فهما أم أم، وأم أب، وإن قيل نزل ثلاثاً فهن أم أم أم، وأم أم
أب، وأم أبي أب، واحدة من قبل الأم واثنتان من قبل الأب وفي درجتهما أخرى
من قبل الأم غير وارثة وهي أم أبي أم ولا يرث أبداً من قبل الأم إلا
(7/42)
واحدة وهي التي كل نسبها أمهات لا أب فيهن
فاحفظ ذلك فإن قيل نزل أربعاً فهن أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي
أب، وفي درجتهن أربع غير وارثات، وقد ذكرناهن فيما قبل إلا أن أحمد لا يورث
أكثر من ثلاث جدات وهن الثلاث الأول، ومن قال بتوريث زيادة على الثلاث ورث
في الدرجة الرابعة أربعاً، وفي الخامسة خمساً، وفي السادسة ستاً، وهو قول
أبي حنيفة وموافقيه، فإذا أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن
للميت في الدرجة الأولى جدتين: أم أمه، وأم أبيه، وفي الثانية أربع لأن لكل
واحد من أبويه جدتين فهما أربع بالنسبة إليه.
وفي الثالثة ثمان لأن لكل واحد من أبويه أربعاً على هذا الوجه يكون لولدهما
ثمان وعلى هذا كلما علون تضاعف عددهن ولا يرث منهن عند أحمد إلا ثلاث.
(مسألة) (وترث الجدة وابنها حي وعنه لا ترث) وجملته أن الجدة من قبل الأب
إذا كان ابنها حياً وارثاً فإن عمر وابن مسعود وأبا موسى وعمران ابن حصين
وأبا الطفيل رضي الله عنهم ورثوها مع ابنها، وبه قال شريح والحسن وابن
سيرين وجابر ابن زيد والعنبري وإسحاق وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب أحمد وقال
زيد بن ثابت لا ترث وروي ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، وبه قال مالك
والثوري والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي،
وهو رواية عن احمد رواه عنه جماعة من أصحابه ولا خلاف في توريثها مع ابنها
إذا كان عماً أو عم أب لأنها لا تدلي به واحتج من أسقطها بابنها بأنها تدلي
به ولا ترث معه كالجد مع الأب وأم الأم مع الأم
(7/43)
ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال
أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها وابنها
حي، أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا أن لفظه أطعمت السدس أم أب مع
ابنها وقال ابن سيرين أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس
أم أب مع ابنها ولأن الجدات أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن
به كأمهات الأم (مسائل) (أم أب وأب السدس لها والباقي للأب وعلى القول
الآخر الكل له دونها) أم أم وأم أب السدس بينهما على القول الأول وعلى
الثاني السدس لأم الأم والباقي للأب وقيل لأم الأم نصف السدس والباقي للأب
لأن الأب لو عدم لم يكن لأم الأم إلا نصف السدس فلا يكون لها مع وجوده إلا
ما يكون لها مع عدمه والأول أصح لأن الأخوة مع الأبوين يحجبون الأم عن نصف
ميراثها ولا يأخذون ما حجبوها عنه بل يتوفر ذلك على الأب كذا ههنا ثلاث
جدات متحاذيات وأب السدس بينهن على القول الأول ولأم الأم على القول الثاني
وعلى الثالث لأم الأم ثلث السدس والباقي للأب فإن كان مع المتحاذيات جد لم
يحجب إلا مع أب، وأم أب، وأم أم أم السدس لأم الأب ومن حجب الجدة بابنها
أسقط أم الأب ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لأم أم الأم لأن التي
تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدومة وقيل بل لها نصف السدس على
قول زيد لأنه
(7/44)
يورث البعدى من جهة الأم مع القربى من جهة
الأب فكان لها نصف السدس وقيل لا شئ لها لأنها انحجبت بأم الأب ثم انحجبت
أم الأب بالأب فصار المال كله للأب.
(مسألة) (فان اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول أحمد أن السدس
بينهما أثلاثاً لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه) كذلك قال أبو الحسن
التميمي وابو عبد الله الوني ولعلهما أخذا ذلك من قوله في توريث المجوس
بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم والحسن بن صالح ومحمد ابن الحسن
والحسن بن زياد وزفر وشريك وقال الثوري والشافعي وأبو يوسف السدس بينهما
نصفين وهو قياس قول مالك لأن القرابتين اذا كانا من جهة واحدة لم ترث بهما
جميعاً كالأخ من الأب والأم ولنا أنها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما
منفردة لا ترجح بهما على غيرها فوجب أن
ترث بكل واحد منهما كابن العم اذا كان أخاً لأم أو زوجاً وفارق الأخ من
الأبوين فإنه يرجح بقرابتيه على الأخ من الأب ولا يجمع بالترجيح بين
القرابة الزائدة والتوريث بهما فإذا وجد أحدهما انتفى الآخر ولا ينبغي أن
يخل بهما جميعا بل إذا انتفى احدهما وجد الآخر وههنا قد انتفى الترجيح
فيثبت التوريث وصورة ذلك أن يتزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما ولد
فتكون المرأة أم أم أمه وهي أم أبي أبيه وان يتزوج ابن بنتها بنت بنتها فهي
أم أم أمه أو أم أم أبيه فإن أدلت الجدة بثلاث
(7/45)
جهات ترث بها لم يمكن أن يجمع معها جدة
أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاث.
(فصل) قال رحمه الله (وللبنت الواحدة النصف) لا خلاف في ذلك بين علماء
المسلمين لقول الله تعالى فإن كانت واحدة فلها النصف ولأن النبي صلى الله
عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما
بقي فللأخت وإن كانتا ابنتين فصاعدا فلهما الثلثان، أجمع أهل العلم على أن
فرض البنتين الثلثان إلا رواية شذت عن ابن عباس أن فرضهما النصف لقول الله
تعالى (فان كن نسا فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) فمفهومه أن ما دون الثلث
ليس لهما الثلثان والصحيح قول الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لأخي سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين " وقال الله تعالى في الأخوات
(فإن كانتا ثنتين فلهما الثلثان مما ترك وهذا تنبيه على أن للبنتين الثلثين
لأنهما أقرب ولأن كل من يرث منهم الواحد النصف فللإثنين منهما الثلثان
كالأختين من الأبوين أو من الأب وكل عدد يختلف فرض أحدهم وجماعتهم فللاثنين
منهم مثل فرض الجماعة كولد الأم فأما الثلاث من البنات فما زاد فلا خلاف في
أن فرضهن الثلثان وأنه ثابت بقول الله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن
ثلثا ما ترك) واختلفت فيما ثبت به فرض الاثنتين فقيل بهذه الآية والتقدير
فإن كن اثنتين وفوق صلة كقوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) أي اضربوا
الأعناق وقيل معناه فإن كن نساء اثنتين فما فوق وقد دل عليه قول النبي صلى
الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية لأجل
(7/46)
سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين "
وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تفسير للآية وبيان لمعناها
والفظ إذا فسر كان الحكم ثابتاً بالمفسر لا بالتفسير ويدل على ذلك أيضاً أن
سبب نزول الآية قصة ابنتي سعد بن الربيع وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث
أبيهما وقيل ثبت بهذه السنة الثابتة وقيل بل ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه وقيل
بل ثبت بالإجماع وقيل بالقياس وفي الجملة فهذا حكم قد أجمع عليه وتواترت
عليه الأدلة التي ذكرناها فلا يضرنا أيها أثبته (مسألة) (وبنات الابن
بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات) أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة
البناث عند عدمهن في ارثهن وحجبهن لمن يحجبه البنات وفي جعل الأخوات معهن
عصبات إلا ما روي عن ابن عباس أنه كان لا يورث الاخوت مع البنات وفي أنهن
إذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن من بنات ابن الابن وغير ذلك والأصل
في ذلك قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن
كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) وولد
البنين أولاد لقوله تعالى (يا بني آدم) يخاطب بذلك أمة محمد صلى الله عليه
وسلم وقال (يا بني إسرائيل) يخاطب بذلك من في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
منهم.
وقال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * * * * بنوهن أبناء الرجال
الأجانب
(7/47)
(مسألة) (فإن كانت بنت وبنات ابن فللبنت
النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن
يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين) أما استحقاق البنت
الواحدة النصف فلا خلاف فيه، وقد ذكرناه فإن كان معها بنت ابن أو أكثر فلها
النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين وهذا مجمع عليه أيضاً، وقد دل عليه
قوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها
النصف) ففرض للبنات كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن كلهن نساء من
الأولاد فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب لا يزدن عليه واختصت بنت الصلب
بالنصف لأنه مفروض لها والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن وهو
تمام الثلثين ولهذا قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين قد روى هزيل بن
شرحبيل الأودي قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة
النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال لقد ضللت
إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا
أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني عن شئ مادام هذا الحبر
فيكم متفق عليه بنحو هذا المعنى (فصل) فإذا كان مع بنات الابن ذكر في
درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
(7/48)
في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم
إلا ابن مسعود ومن تابعه فإنه خالف الصحابة فيها وهذه المسألة انفرد بها عن
الصحابة فقال لبنات الابن الا ضربهن من المقاسمة أو السدس فإن كان السدس
أقل مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر، وإن كان الحاصل
لهن بالمقاسمة أقل قاسم بهن وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها
أخوها إذا استكمل البنات الثلثين إلا أنه ناقص في المقاسمة إذا كانت أضر
بهن وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال ولنا قول الله تعالى (يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولأنه يقاسمهما لو لم يكن غيرهما
فقاسمهما مع بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضربهن ولا يصح أصله الذي بنى
عليه كما قدمنا (مسألة) (وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن إلا أن
يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي) أجمع أهل العلم على ذلك لأن
الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين قليلات كن أو
كثيرات وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان لولد
الصلب فلم يبق لهن شئ ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتهن فإن
كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن
أخيهن أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فجعل بينهم
للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا قول عامة العلماء يروي ذلك عن علي وزيد وعائشة
(7/49)
رضي الله عنهم، وبه قال مالك والثوري
والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وبه قال سائر الفقهاء
إلا ابن مسعود ومن تبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه
احداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته وهو قول أبي ثور لأن النساء من
الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن وتوريثهن ههنا يفضي
إلى توريثهن أكثر من ذلك ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين) وهؤلاء يدخلون في عموم هذا اللفظ بدليل تناوله لهم
لو لم يكن بنات وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الاسم ولأن كل ذكر وأنثى
يقتسمان المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقتسما الفاضل عنه كأولاد
الصلب والاخوة مع الأخوات وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض فأما في
مسئلتنا فإنما يستحقون بالتعصيب فكان معتبراً بأولاد الصلب والاخوة
والأخوات ثم يبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات فانهن يأخذن ثلاثة
أرباع المال، وإن كن ثمانياً أخذن أربعة أخماسه وإن كن عشراً أخذت خمسة
أسداسه وكلما زدن في العدد زاد استحقاقهن (فصل) وحكم بنات ابن الابن مع
بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما ذكرنا في هاتين
المسئلتين وفي أنه متى استكمل من فوق السفلى الثلثين سقطت إذا لم يكن لها
من يعصبها سواء كمل الثلثان لمن في درجة واحدة أو للعليا والتي تليها،
وكذلك كل من نزلت درجته مع من هو أعلى منه.
(فصل) وفروض الأخوات من الأبوين كفرض البنات سواء إلا أنه لا يعصبهن إلا
أخوهن
(7/50)
يعني أن للواحدة من الأخوات للأبوين النصف
وللأختين فما زاد الثلثان، فإن كانت الأخت لأبوين وأخت أو أخوات لأب فلهن
باقي الثلثين وذلك السدس تكملة الثلثين كبنات الابن مع البنات فيما ذكرنا،
وإن لم يكن للميت أخوات لأبوين وكان له أخوات لأب فلهن حكمهن للواحدة النصف
وللأختين فما زاد الثلثان وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فإن استكمل
الأخوات للأبوين الثلثين سقط الأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخوهن فيعصبهن
فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف ابن مسعود في ذلك ومن تبعه من سائر
الصحابة والفقهاء فقال إذا استكمل الأخوات للأبوين الثلثين فالباقي للذكور
من
ولد الأب دون الإناث فإن كانت أخت لأبوين واخوة وأخوات لأب جعل للإناث من
ولد الاب الا ضربهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كما فعل في
ولد الابن مع البنات وقد ذكرناه وأما فرض الثلثين للأختين فصاعدا والنصف
للواحدة المفردة فثابت بقول الله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وهو يرثها إن لم
يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) والمراد بهذه الآية
ولد الأبوين وولد الأب بإجماع أهل العلم، وعن جابر قال: قالت يا رسول الله
كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله
يفتيكم) الآية رواه أبو داود وروي أن جابراً اشتكى وعنده سبع أخوات فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " قد أنزل الله عزوجل في أخواتك فبين لهن الثلثين
وما زاد على الاثنتين في حكمهما " لأنه إذا كان للأختين الثلثان فالثلاث
أختان فصاعدا وأما سقوط الأخوات من الأب باستكمال ولد الأبوين الثلثين فلأن
الله تعالى إنما فرض للأخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما
فرضه
(7/51)
الله للاخوات شئ يستحقه ولد الأب فإن كانت
واحدة من أبوين فلها النصف بنص الكتاب وما بقي من الثلثين المفروضة للأخوات
سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات للأب ولذلك قال الفقهاء لهن السدس تكملة
الثلثين فإن كان ولد الأب ذكوراً وإناثاً فالباقي بينهم لقول الله تعالى
(وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا يفارق ولد الأب
مع ولد الأبوين ولد الابن مع ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن
أخيها وهو أنزل منها وابن عمها والأخت من الأب لا يعصبها إلا أخوها فلو
استكمل الأخوات من الابوين اثنتين وثم الأخوات لأب وابن أخ لهن لم يكن
للأخوات للاب شئ وكان الباقي لابن الأخ لأن ابن الابن وإن نزل ابن وابن
الأخ ليس بأخ (مسألة) (والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالأخوة وليست
لهن معهن فريضة مسماة) المراد بالأخوات ههنا الأخوات من الأبوين أو من الأب
لأن ولد الأم يسقطن بالولد وولد الابن وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وهذا
قول عامة أهل العلم يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة رضي
الله عنهم وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه فإنه روي عنه
أنه لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة وقال في بنت وأخت للبنت النصف ولا شئ
للأخت فقيل له ان عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف فقال ابن عباس أنتم
أعلم أم الله؟ يريد قوله سبحانه وتعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك) فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد والحق فيما ذهب
إليه الجمهور فإن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن وأخت لأقضين فيها بقضاء
(7/52)
رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف
ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت رواه البخاري وغيره واحتجاج ابن عباس لا
يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد ونحن
نقول به فان ما يأخذه مع البنت ليس بفرض وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ وقد
وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قوله تعالى (وهو يرثها إن
لم يكن لها ولد) وعلى قياس قوله ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه
منها عدم الولد وهو خلاف الاجماع.
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكلام الله تعالى وقد جعل للأخت
مع البنت وبنت الابن الباقي عن فرضهما وهو الثلث ولو كان ابنتان وبنت ابن
سقطت بنت الابن وكان للأخت الباقي وهو الثلث فإن كان معهم أم فلها السدس
ويبقى للأخت السدس فإن كان بدل الأم زوج فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع
وللبنتين الثلثان وبقي للأخت نصف السدس فإن كان معهم أم عالت إلى ثلاثة عشر
وسقطت الأخت (فصل) وللواحد من ولد الأم السدس ذكراً كان أو أنثى فإن كانا
اثنين فصاعداً فلهم الثلث بينهم بالسوية أما استحقاق الواحد من ولد الأم
السدس فلا خلاف فيه ذكراً كان أو أنثى لقول الله تعالى (وإن كان رجل يورث
كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك
فهم شركاء في الثلث) يعني ولد الأم بإجماع أهل العلم وفي قراءة سعد وعبد
الله (وله أخ أو أخت من أم) وأما التسوية بين ولد الأم فلا نعلم فيه خلافاً
إلا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى لقول الله (فهم شركاء
في الثلث) وقال في آية أخرى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ
الأنثيين) ولنا قول الله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فسوى
بين الذكر والأنثى
(7/53)
وقوله (فهم شركاء في الثلث) من غير تفضيل
يقضي التسوية بينهم كما لو وصى لهم بشئ أو أقر لهم به، وأما الآية الأخرى
فالمراد بها ولد الأبوين وولد الأب بدليل أنه جعل للواحدة النصف وللاثنين
الثلثين وجعل الأخ يرث أخاه الكل وهذا مجمع عليه فلا عبرة بقول شاذ (فصل)
في الحجب قال رحمه الله (يسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه) قال إبن
المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد
أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب وكذلك كل جد يسقط بمن هو أقرب منه
لأنه يدلي به فهو كإسقاط الجد بالأب وتسقط الجدات بالأم.
قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم
ولأنهن أمهات فسقطن بالأم كما يسقط الأب الجد ويسقط ولد الابن بالابن لأنه
إن كان أباه فهو يدلي وإن كان عمه فهو أقرب منه فسقط به كما يسقط الجد
بالأب وإن كان عمه فهو أقرب منه لقوله عليه الصلاة والسلام " ألحقوا
الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " (مسألة) (ويسقط ولد الأبوين
بثلاثة بالابن وابنه والأب) أجمع أهل العلم على ذلك بحمد الله ذكره ابن
المنذر وغيره والأصل في هذا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم
يكن
(7/54)
لها ولد) الآية والمراد بذلك الاخوة
والأخوات من الأبوين أو من الأب بغير خلاف بين أهل العلم وقد دل ذلك على
قوله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وهذا حكم العصبة فاقتضت الآية
أنهم لا يرثون مع الولد والوالد لأن الكلالة من لا ولد له ولا والد خرج من
ذلك البنات والأم لقيام الدليل على ميراثهم معهما بقي فيما عداهما على
ظاهره فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بالثلاثة المذكورين وإن نزل ولد
الابن وهم الأب لأنهم يدلون به والابن لأنهم يأخذون الفاضل عن فرض البنات
والابن لا يفضل عنه شئ، وكذلك ابن الابن وإن نزل لأنه ابن ويسقط ولد الأب
بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين لما روى علي رضي الله عنه إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون
بني الغلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.
أخرجه الترمذي
(مسألة) (ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكراً كان أو أنثى وولد الابن والأب
والجد) أجمع على هذا أهل العلم فلا نعلم احدا خالف فيه إلا رواية واحدة شذت
عن ابن عباس في أبوين وأخوين لأم للأم الثلث وللأخوين الثلث وقيل عنه لهما
ثلث الباقي وهذا بعيد جداً فإنه يسقط الاخوة كلهم بالجد فكيف يورثهم مع
الأب؟ ولا خلاف بين سائر أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون بالجد فكيف
يورثون مع الأب؟ والأصل في هذه الجملة قول الله تعالى (وإن كان رجل يورث
كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك
فهم شركاء في الثلث) والمراد بهذه
(7/55)
الآية الأخ والأخت من الأم بإجماع أهل
العلم.
وفي قراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) والكلالة في قول الجمهور
من ليس له ولد ولا والد فشرط توريثهم عدم الولد والوالد والولد يشتمل على
الذكر والأنثى والوالد يشمل الأب والجد وولد الابن ولد (فصل) واختلف أهل
العلم في الكلالة فقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين نص
عليه أحمد وروي عن أبي بكر رضي الله عنه انه قال الكلالة من عدا الوالد
والولد واحتج من ذهب إلى هذا بقول الفرزدق في بني أمية: ورثتم قناة المجد
لان عن كلالة * * * * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم واشتقاقه من الاكليل الذي
يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكان الورثة ما عدا الولد والوالد وقد أحاطوا
بالميت من حوله لا من طرفيه أعلاه وأسفله كإحاطة الاكليل بالرأس فأما الولد
والوالد فهما طرفا الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة قال الشاعر: فكيف
بأطرافي إذا ما شتمتني؟ * * * * وما بعد شتم الوالدين صلوح وقالت طائفة
الكلالة الميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد يروي ذلك عن عمر وعلي وابن
مسعود وقيل الكلالة قرابة الأم واحتجوا ببيت الفرزدق الذي أنشدناه عنى إنكم
ورثتم الملك عن آبائكم لا عن أمهاتكم ويروى عن الزهري أنه قال الميت الذي
لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثة كلالة
(7/56)
والآيتان في سورة النساء المراد بالكلالة
فيهما الميت ولا خلاف في أن اسم الكلالة يقع على الاخوة من الجهات كلها وقد
دل على صحة ذلك قول جابر يا رسول الله كيف الميراث؟ إنما يرثني كلالة فجعل
الوارث هو الكلالة ولم يكن لجابر يومئذ ولد ولا والد، وممن ذهب إلى أنه
يشترط في الكلالة عدم الولد والوالد زيد وابن عباس وجابر بن زيد والحسن
وقتادة والنخعي وأهل المدينة والبصرة والكوفة ويروى عن ابن عباس أنه قال
الكلالة من لا ولد له، ويروى ذلك عن عمر والصحيح عنهما قول الجماعة (باب
العصبات) العصبة الوارث بغير تقدير وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قل
أو كثر وإن انفرد أخد المال كله وإن استغرقت الفروض المال سقط، وهم كل ذكر
من الأقارب ليس بينه وبين الميت أنثى وهم عشرة: الابن وابنه والاب وأبوه
الاخ وابنه إلا من الأم، والعم وابنه كذلك ومولى النعمة ومولاة النعمة،
وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط من بعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه وأخرجه الترمذي.
وفي رواية " ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر "
(7/57)
وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل لأن الله
سبحانه قال (يوصيكم الله في أولادكم) والعرب تبدأ بالأهم فالأهم، ثم الأب
لأن سائر العصبات يدلون به، ثم الجد أبو الأب وإن علا لأنه أب ما لم يكن
أخوة لأب أو لأبوين فإن اجتمعوا فلهم فصل مفرد قد ذكرناه وذكرنا اختلاف أهل
العلم في ذلك وفي كيفية توريثهم، معه ثم بنو الأب وهم الأخوة، ثم بنوهم وإن
نزلوا، ثم بنو الجد وهم الأعمام وإن نزلوا ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم ثم
أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك أبداً لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم
وإن نزلت درجتهم لما ذكرنا من الحديث، وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن
استووا فأولاهم من كان لأبوين لما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وهذا كله
مجمع عليه.
(مسألة) (فإذا انقرض العصبة من النصب ورث المولى المعتق ثم عصباته الأقرب
فالأقرب) لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وسنذكره في
بابه إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما
ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين والأخ من
الأب ومن عداهم من العصبات) ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم بنو
الأخوة والأعمام وبنوهم وذلك لقول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذه الآية تناولت الأولاد وأولاد الابن وقال تعالى
(فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فتناولت ولد الأبوين
وولد الأب
(7/58)
وإنما اشتركوا لأن الرجال والنساء كلهم
وارث فلو فرض للنساء فرض أفضى الى تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها إياه
أو اسقاط بالكلية فكانت المقاسمة أولى وأعدل، وسائر العصبات ليس أخواتهم من
اهل الميراث فإنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع أخوتهن
شيئاً وهذا لا خلاف فيه بحمد الله ومنه (مسألة) (وابن ابن الابن يعصب من
بازائه من أخواته وبنات عمه وبنات عم أبيه على كل حال إذا لم يكن لهن فرض
ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه وكلما نزلت درجته
زاد فيمن يعصبه قبيل آخر) فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا
ذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي
للعصبة وإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط
سائرهن، وإن كان مع الثانية عصبة كان للعليا النصف والباقي بينه وبين
الثانية على ثلاثة وإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس
والباقي بينه وبين الثالثة وإن كان مع الربعة فللعليا النصف وللثانية السدس
والباقي بينه وبين الثالثة والرابعة على أربعة، وإن كان مع الخامسة فالباقي
بعد فرض الاولى والثانية بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة
وتصح من ثلاثين، وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك قال شيخنا ولا أعلم في هذا
خلافاً بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين
(7/59)
(مسألة) (ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو
أخا لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم)
وجملة ذلك أنه إذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس والباقي
بينهما نصفين هذا قول جمهور الفقهاء.
يروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك ويروى ذلك عن علي وزيد وابن عباس
وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم، وقال ابن مسعود المال للذي هو
أخ من أم، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعي وابو ثور لأنهما
استويا في قرابة الأب وفضله هذا بأم فصارا كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين
والآخر لأب ولأن ابن العم لأبوين يسقط ابن العم للأب كذلك هذا فإذا كان
قربه بكونه من ولد الجدة قدمه فكونه من ولد الأم أولى ولنا أن الإخوة من
الأم يفرض له بها إذا لم يرث بالتعصيب وهو إذا كان معه أخ من أبوين أو من
أب أو عم وما يفرض له به لا يرجح به كما لو كان أحدهما زوجا، ويفارق الأخ
من الأبوين والعم وابن العم اذا كانا من أبوين فإنه لا يفرض له بقرابة أمه
شئ فرجح به ولا يجتمع في إحدى القرابتين ترجيح وفرض (فصل) فإن كان معهما أخ
لأب فللأخ من الأم السدس والباقي للأخ من الأب وكذلك إن كان معهما أخ
لأبوين فإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو اخ لأم فعلى قول الجمهور للأخ
السدس والباقي للآخر وعلى قول ابن مسعود المال كله لابن العم الذي هو أخ
لأم
(7/60)
(فصل) فإن كان ابنا عم أحدهما أخ لأم وبنت
أو بنت ابن فللبنت أو بنت الابن النصف والباقي بينهما نصفين وسقطت الإخوة
من الأم بالبنت ولو كان الذي ليس بأخ ابن عم من أبوين أخذ الباقي كله لذلك
وعلى قول ابن مسعود الباقي للأخ في المسئلتين بدليل أن الأخ من الأبوين
يتقدم على الأخ من الأب بقرابة الأم، وإن كان في الفريضة بنت تحجب قرابة
الأم وحكي عن سعيد بن جبير أن الباقي لابن العم الذي ليس بأخ وإن كان من أب
لأنه يرث بالقرابتين ميراثاً واحداً فإذا كان في الفريضة من يحجب أحدهما
سقط ميراثه كما لو استغرقت الفروض المال سقط الأخ من الأبوين ولم يرث
بقرابة الأم بدليل المسألة المشركة ولنا على ابن مسعود أن الثلث يسقط
الميراث بقرابة الأم فيبقى التعصيب منفرداً فيرث به وفارق
ولد الأبوين فان قرابة لام ثم يرجح بها ولا يفرض لها فلا تؤثر فيها بحجبها
وفي مسئلتنا يفرض له بها فإذا كان في الفريضة من يحجبها سقطت ولأنه لو كان
مع ابن العم الذي هو أخ أخ من أب وبنت لحجبت البنت قرابة الأم ولم ترث بها
شيئاً وكان للبنت النصف والباقي للأخ من الأب ولولا البنت لورث بكونه أخا
من أم السدس وإذا حجبته البنت مع الأخ من الأب وجب أن تحجبه في كل حال لأن
الحجب بها لا بالأخ من الأب وما ذكره سعيد بن جبير ينتقض بالأخ من الأبوين
مع البنت وبابن العم إذا كان زوجا ومعه من يحجب بني العم، ولا نسلم أنه يرث
ميراثاً واحداً بل يرث بقرابتيه ميراثين كشخصين فصار كابن العم الذي هو
زوج، وفارق الأخ من الأبوين فإنه لا يرث إلا ميراثاً واحداً فإن قرابة الأم
لا يرث بها منفردة
(7/61)
(فصل) فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه
الواحدة (والثانية) في بنات وبنات ابن وابن ابن الباقي عنده لابن الابن دون
أخواته (الثالثة) في أخوات لأبوين وأخ وأخوات لأب الباقي عنده للأخ دون
أخواته (الرابعة) بنت وابن ابن وبنات ابن لبنات الابن الأضر بهن من السدس
أو المقاسمة (الخامسة) أخت لأبوين وأخ وأخوات لأب للأخوات عنده الأضر بهن
من ذلك (السادسة) كان يحجب الزوجين والأم بالكفار والعبيد والقاتلين ولا
يورثهم (فصل) ابن ابن عم هو اخ لأم وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي
بينهما وعند ابن مسعود الكل للأخ وسقط الآخر فإن كان أحدهما ابن أخ لأم فلا
شئ له بقرابة الأخوة لأن ابن الأخ للأم من ذوي الأرحام، وإن كان عمان
أحدهما خال لأم لم يرجح بخؤولته، وقيل على قياس قول ابن مسعود وجهان
(أحدهما) لا يرجح بها (والثاني) يرجح بها على العم الذي هو من أب فيأخذ
المال لأنه ابن الجد والجدة والآخر ابن الجد لا غير، وإن كان العم الآخر من
أبوين فالمال بينهما لأن كل واحد منهما يدلي بجده وهما ابنا الجد وهكذا
القول في ابني عم أحدهما خال أو ابني ابني عم أحدهما خال فأما على قول عامة
الصحابة فلا أثر لهذا عندهم (فصل) ابنا عم أحدهما زوج للزوج النصف والباقي
بينهما نصفين عند الجميع فإن كان الآخر
أخا لأم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما أصلها من ستة للزوج أربعة
وللأخ اثنان
(7/62)
وترجع بالاختصار إلى ثلاثة وعند ابن مسعود
الباقي للأخ فتكون من اثنين لكل واحد منهما سهم ثلاثة بني عم أحدهم زوج
والآخر أخ لأم للزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهم على ثلاثة أصلها من
ستة تضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج تسعة وللأخ ثلاثة يبقى ستة
بينهم على ثلاثة فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللاخ خمسة وهي
السدس والتسع وللثالث التسع سهمان، فإن كان الزوج ابن عم من أبوين فالباقي
له، وإن كان هو والثالث من أبوين فالثلث الباقي بينهما، وتصح من ستة للزوج
الثلثان ولكل واحد من الاخوين سدس وعند ابن مسعود أن الباقي بعد فرض الزوج
للذي هو أخ من أم (فصل) أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي
لابن العم وتصح من ستة لابن العم خمسة وللآخر سهم، ولا خلاف في هذه المسألة
فان كانوا ثلاثة إخوة أحدهم ابن عم فالثلث بينهم على ثلاثة والباقي لابن
العم وتصح من تسعة، وإن كان اثنان منهم ابني عم فالباقي بعد الثلث بينهما
وتصح من تسعة (فصل) ثلاثة إخوة لام أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ
لأم فاضمم واحداً من كل عدد إلى العدد الآخر يصر معك أربعة بني عم وأربعة
اخوة فهم ستة في العدد، وفي الأحوال ثمانية ثم اجعل الثلث للاخوة على أربعة
والثلثين لبني العم على أربعة فتصح من اثني عشر لكل أخ مفرد
(7/63)
سهم ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو
أخ ثلاثة فيحصل لهما النصف وللأربعة الباقين النصف، وعلى قول عبد الله
للأخوة الثلث والباقي لابني العم الذين هما أخوان (مسألة) (وإذا اجتمع ذو
فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة) لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر "
(مسألة) (وإن استغرقت الفروض المال فلا شئ للعصبة)
كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة
للأم الثلث وسقط سائرهم وإلى هذا ذهب أحمد رحمه الله فأسقط الأخوة من
الأبوين لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض ويروى هذا القول عن علي وابن
مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي
والعنبري وشريك وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وابو ثور
وابن المنذر ويروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا
بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ
الأنثيين وبه قال مالك والشافعي وإسحاق لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة
التي يرثون بها فيجب أن يساووهم في الميراث فإنهم جميعاً من ولد الأم،
وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قرباً واستحقاقاً فلم تسقطهم، ولهذا قال
بعض ولد الأبوين أو بعض الصحابة لعمر وقد أسقطهم هب أن أباهم كان حماراً
فما زادهم ذلك إلا قرباً فشرك
(7/64)
بينهم، وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا
فقال فريضة جمعت ولد الأب والأم وولد الأم وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد
الأم وجب أن يرث ولد الأب والأم كما لو لم يكن فيها زوج ولنا قول الله
تعالى، وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ولا خلاف في أن المراد
بهذه الآية ولد الأم على الخصوص فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس
وهو مخالفة لظاهر القرآن ويلزم منه مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله (فان
كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) يراد بهذه الآية سائر
الإخوة والأخوات وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم وقوله عليه الصلاة والسلام "
ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " ومن شرك فلم يلحق الفرائض
بأهلها، ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد نم المال
بالفروض فوجب أن يسقطوا كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان وقد انعقد الإجماع
على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ومائة من ولد الأبوين
لاختص الواحد من ولد الأم بالثلث وللمائة السدس الباقي لكل واحد منهم عشر
عشره فإذا جاز أن ينقص ولد أبوين عن ولد الأم هذا النقص كله فلم لا يجوز
اسقاطهم بالاثنين، وقولهم تساووا في
قرابة الأم قلنا فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة وعلى أنا نقول
ان ساووهم في قرابة الأم فقد
(7/65)
فارقوهم بكونهم عصبة من غير ذوي الفروض
وهذا الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الأم وتأخير ولد الأبوين فإن
الشرع ورد بتقديم ذي الفرض وتأخير العصبة ولذلك يقدم ولد الأم على ولد
الأبوين في المسألة المذكورة وشبهها وهلا إذا تساووا في قرابة الأم شاركوا
الأخ من الأم في سدسه فاقتسموه بينهم ولأنه لو كانت قرابة الأم مستقلة
بالميراث مع قرابة الأب لوجب أن يجتمع لهم الفرض والتعصيب كقولنا في أخ من
أم هو ابن عم ولوجب أن يشاركوا ولد الأم في الثلث في كل موضع وينفردوا
بالتعصيب فيما بقي، ولا خلاف في أنهم لا يشاركونهم في غير هذا الموضع،
ويلزمهم أن ايقولوا في زوج وأخت لأبوين وأخت لأب معها أخوها إنه يسقط الأخ
وترث أخته السدس لأن قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه وهو لا يحجبها فهلا
عدوه حماراً وورثوا أخته ما كانت ترث عند عدمه؟ وما ذكروه من القياس طردي
لا معنى تحته، قال العنبري القياس ما قال علي والاستحسان ما قال عمر قال
الخبري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة وهو كمال قال ألا إن الاستحسان
المجرد ليس بحجة فإنه وضع للشرع بالرأي والتحكم من غير دليل ولا يجوز الحكم
به مع عدم المعارض فكيف وهو في مسئلتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟
قال شيخنا ومن العجب ذهاب الشافعي إليه ههنا مع تخطئة الذاهبين إليه في غير
هذا الموضع، وقوله من استحسن فقد شرع ولا أظنه اعتمد في هذا إلا لموافقة
زيد بن ثابت فإنه اتبعه في جميع الفرائض وموافقة كتاب الله تعالى وسنة
رسوله أولى
(7/66)
(فصل) ولو كان مكان ولد الأبوين في هذه
المسألة عصبة من ولد الاب سقطوا ولم يورثهم أحد من أهل العلم فيما علمنا
لأنهم لم يشاركوا ولد الأم في قرابة الأم (فصل) وتسمى هذه المسألة المشركة
والحمارية إذا كان فيها إخوة لأبوين وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو
جدة وابنان فصاعداً من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين وإنما سميت المشركة
لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم
فقسمه بينهم بالسوية
وتسمى الحمارية لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم
يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم
وقيل قال ذلك بعض الصحابة فسميت الحمارية لذلك والله أعلم (فصل) إذا قيل
امرأة خلفت أما وابني عم أحدهما زوج والآخر أخ لأم وثلاثة إخوة مفترقين قيل
هذه المشركة: للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث وسقط الأخوان
من الأبوين أو الأب، ومن شرك جعل للأخ من الأبوين التسع ولكل واحد من
الاخوين للأم تسعا ومن مسائل ذلك زوج وأم وأختان لأم وأخ لأبوين تصح من ستة
ومن شرك فهي من ثمانية عشر: زوج وجدة وأخ وأخت لأم وأخ وأخت لأبوين كالتي
قبلها، ومن شرك فمن اثني عشر زوج وأم وأخوان وأختان لأم وأخوان وثلاث أخوات
لأب وأم من اثني عشر ومن شرك فمن أربعة وخمسين (مسألة) (ولو كان مكانهم
أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وسميت ذات الفروخ)
(7/67)
يعني إذا كان مع الزوج والأم والأخوة من
الأم أخوات أو أختين لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة لأن أصلها من ستة للزوج
النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللأخوة للأم الثلث سهمان وللأخوات الثلثان
أربعة فتصير عشرة وسميت ذات الفروخ لأنها عالت بثلثيها وهي أكثر ما تعول
إليه الفرائض شبهت الأربعة الزائدة بالفروخ والستة بالأم وتسمى الشريحية
لأن رجلاً أتى شريحا وهو قاض بالبصرة فقال له ما نصيب الزوج من زوجته؟ فقال
النصف مع غير الولد والربع مع الولد فقال إن امرأتي ماتت وخلفتني وأمها
وأختيها لأمها وأختيها لأبيها وأمها فقال لك إذا ثلاثة من عشرة فخرج الرجل
من عنده وهو يقول لم أر كقاضيكم قلت له ما يصيب الزوج؟ قال النصف أو الربع
فلما شرحت له قضيتي لم يعطني ذلك ولا هذا فكان شريح يقول إذا لقيه إنك
تراني حاكماً ظالماً وأراك فاسقاً فاجراً لأنك تكتم القصة وتشيع الفاحشة
(فصل) ومعنى العول ازدحام الفرائض بحيث لا يتسع لها المال كهذه المسألة
فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال
المفلس بين غرمائه بالحصص لضيق ماله عن
وفائهم ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يف بها والثلث بين أرباب
الوصايا إذا عجز، وهذا قول عامة الصحابة ومن معهم من العلماء يروي ذلك عن
عمر وعلي والعباس وابن مسعود وزيد وبه قال مالك في أهل المدينة والثوري في
أهل العراق والشافعي وأصحابه ونعيم بن حماد وأبو ثور وسائر أهل العلم إلا
أن ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها فنقل ذلك عن محمد بن الحنفية ومحمد بن
علي
(7/68)
ابن الحسين وعطاء وداود فإنهم قالوا لا
تعول المسائل فروي عن ابن عباس أنه قال في زوج وأخت وأم من شاء باهلته أن
المسائل لا تعول أن الذي أحصى رمل عالج عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفا
ونصفا وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فسميت هذه مسائل
المباهلة لذلك وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع
الصحابة للمشورة فيها فقال العباس رضي الله عنه أرى أن يقسم المال بينهم
على قدر سهامهم فأخذ به عمر واتبعه الناس على ذلك حتى خالفهم ابن عباس فروى
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لقيت زفر بن أوس البصري فقال
قضي إلى عبد الله بن عباس فتحدت عنده فأتيناه فتحدثنا عنده فكان من حديثه
أن قال سبحان الذي أحصى رمل عالج عدداً ثم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا
ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث وثم والله لو قدموا من قدمه الله
وأخروا من أخره الله ما عالت فريضة أبداً، فقال زفر فمن الذي قدمه ومن الذي
أخره الله؟ فقال الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه والذي أهبطه من
فرض الى ما بقي فذلك الذي أخره الله، فقال زفر فمن أول من أعال الفرائض؟
قال عمر بن الخطاب فقلت إلا أشرت عليه فقال هبته وكان امرأ مهيبا.
قوله من أهبطه الله من فريضة إلى فريضة فذلك الذي قدمه الله يريد أن
الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه وأما من
أهبطه من فرض الى ما بقي يريد البنات والأخوات فإنهن يفرض لهن فإذا كان
معهن أخوتهن ورثوا بالتعصيب فكان لهم ما بقي قل أو كثر فكان مذهبه أن
الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات ولنا أن كل واحد من هؤلاء
لو انفرد أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر
(7/69)
الحقوق كأصحاب الديون والوصايا، ولأن الله
تعالى فرض للأخت النصف كما فرض للزوج النصف وفرض للأختين الثلثين كما فرض
للأختين للأم الثلث فلا يجوز اسقاط فرض بعضهم مع نص الله تعالى عليه بالرأي
والتحكم، ولا يمكن الوفاء بها فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق
كالوصايا والديون ويلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج وأم وأخوان من أم
فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الأخوة
وإن نقص الأخوين من الأم رد النقص على من لم يهبطه الله من فرض الى ما بقي
وإن أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه ولا نعلم اليوم قائلاً
بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله
ومنه (فصل) حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل اشتهر قوله فيها
(إحداها) زوج وأبوان (والثانية) امرأة وأبوان للأم ثلث الباقي عندهم وجعل
هو لها ثلث المال منها (الثالثة) لا يحجب الأم إلا بثلاثة إخوة (الرابعة)
لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة (الخامسة) لم يعل المسائل فهذه الخمس صحت
الرواية عنه فيها واشتهر القول عنه بها وشذت عنه رويات سوى هذه ذكرنا بعضها
فيما مضى.
(7/70)
(باب أصول المسائل) معنى أصول المسائل
المخارج التي تخرج منها فروضها (مسألة) (الفروض ستة ذكرها الله تعالى في
كتابه وهي نوعان النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس) ومخارج هذه
الفروض مفردة خمسة لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد وهي تخرج من سبعة أصول
أربعة لا تعول وثلاثة تعول لأن كل مسألة فيها فرض مفرد فأصلها من مخرجه وإن
اجتمع معه فرض من نوعه فأصلها من مخرج أقلهما لأن مخرج الكثير داخل في مخرج
الصغير فالنصف وحده من اثنين والثلث وحده أو مع الثلثين من ثلاثة والربع
وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو
مع النصف من ثمانية فهذه التي لا تعول لأن العول فرع ازدحام الفروض ولا
يوجد ذلك ههنا، وأما التي تعول فهي التي يجتمع فيها فروض أو فرضان من نوعين
فإذا اجتمع مع النصف السدس أو الثلث أو الثلثان فأصلها من ستة لا ن مخرج
النصف من اثنين ومخرج الثلث من ثلاثة إذا ضربت أحدهما في الآخر كانت ستة
وذلك أصل المسألة وهي مخرج السدس، ويدخل العول في هذا الأصل فتعول إلى سبعة
وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة وهو أكثرها عولا.
والعول زيادة في السهام ونقصان في أنصباء الورثة.
(7/71)
وأمثلة ذلك زوج وأم وأخت لأم أصلها من ستة
ومنها تصح: زوج وأم وأخوان من أم: بنت وأم عم، ثلاث أخوات مفترقات وعصبة،
أبوان وابنتان، العول زوج وأختان لأبوين أو لأب أو احداهما من أبوين
والأخرى من أب أو أم أو أخت من أب وأخت من أم، أصلها من ستة وتعول إلى
سبعة: زوج وأخت وجدة أو أخ لأم، ست أخوات مفترقات وأم: عول ثمانية زوج وأخت
وأم للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث تعول إلى ثمانية وهي مسألة
المباهلة فإن كان معهم أخت أخرى من أي جهة كانت أو أخ من أم فهي ثمانية
أيضاً.
عول تسعة زوج وست أخوات مفترقات تعول إلى تسعة وتسمى الغراء، وكذلك زوج وأم
وثلاث أخوات مفترقات.
عول عشرة زوج وأم وست اخوات مفترقات للزوج النصف وللأم السدس وللأختين للأم
الثلث وللأختين للأبوين الثلثان وسقطت الأختان للأب ومتى عالت المسألة إلى
تسعة أو عشرة لم يكن الميت إلا امرأة لانها لابد فيها من زوج ولا يمكن أن
تعول المسالة إلى أكثر من هذا، وطريق العمل في العول أن تأخذ الفروض من أصل
المسألة وتضم بعضها إلى بعض فما بلغت السهام فإليه تنتهي (مسألة) قال (وإن
اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول على الأفراد إلى سبعة
عشر ولا تعول إلى أكثر من ذلك) إنما كان أصل هذه المسألة من اثني عشر لأن
مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة ولا موافقة
(7/72)
بين المخرجين فإذا ضربت أحدهما في الآخر
كان اثني عشر فإن كان مع الربع سدس فبين الستة والأربعة موافقة بالإنصاف
فإذا ضربت وفق أحدهما في الآخر كان اثني عشر ولابد في هذا الأصل من أحد
الزوجين لأنه لا بد فيها من ربع ولا يكون فرضا لغيرهما وأمثلة ذلك زوج
وأبوان وخمس بنين، للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان أربعة يبقى خمسة لكل
ابن سهم، زوج وابنتان وأخت أو عصبة امرأة وأختان لأبوين أو لأب أو أختان
لام وعصبة امرأة وأخوان لأم وسبعة أخوة لأب العول زوج وابنتان وأم تعول إلى
ثلاثة عشر امرأة وثلاث أخوات مفترقات، زوج وأبوان وابنتان تعول إلى خمسة
عشر، امرأة وأختان من أب وأختان من أم، امرأة وأم وأختان لأبوين أو لأب
وأختان لأم تعول إلى سبعة عشر ثلاث نسوة وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان لأب
أو لأبوين تعول إلى سبعة عشر ويحصل لكل واحدة منهن سهم وتسمى أم الأرامل
ويعايابها فيقال سبعة عشر امرأة من جهات مختلفة اقتسمن مال ميت بالسوية لكل
امرأة منهن سهم وهي هذه ولا يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذه ولا يمكن أن
يكمل هذا الأصل بفروض من غير عصبة ولا عول ولا يمكن أن تعول إلا على
الأفراد لأن فيها فرضاً يباين سائر فروضها وهو
(7/73)
الربع فإنه ثلاثة وهو فرد وسائر فروضها
أزواج فالنصف ستة والثلث أربعة والثلثان ثمانية والسدس اثنان ومتى عالت إلى
سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا (مسألة) (وإن اجتمع مع الثمن سدس أو
ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر
منها إنما كان أصلها من أربعة وعشرين لانك تضرب مخرج الثمن في مخرج الثلثين
أو في وفق مخرج السدس فتكون أربعة وعشرين ولم يذكر الثلث مع الثمن لأنه لا
يجتمع معه لأن الثمن لا يكون إلا للزوجة مع الولد ولا يكون الثلث في مسألة
فيها ولد لأنه لا يكون إلا لولد الأم والولد يسقطهم أو للأم بشرط عدم الولد
(مسائل ذلك) (امرأة وأبوان وبنت أو بنون وبنات امرأة وابنتان وأم وعصبة
ثلاث نسوة وأربع جدات وست عشرة بنتا وأخت امرأة وبنت وبنت ابن وجدة وعم
العول امرأة وأبوان وابنتان تعول
إلى سبعة وعشرين وتسمى البخيلة لأنها أقل الأصول عولاً لم تعل إلا بثمنها
وتسمى المنبرية لأن علياً رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثمنها
تسعا ومضى في خطبته يعني أن المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين
صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع ولا يكون الميت في هذا
الأصل إلا رجلاً (فصل) ولا يمكن أن يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا إلا على
قول ابن مسعود فإنه يحجب
(7/74)
الزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق ولا
يورثه فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات مفترقات وولد كافر فللأخوات
الثلث والثلثان وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة فتعول إلى أحد وثلاثين.
(والمسائل) (على ثلاثة أضرب عادلة وعائلة ورد، ذكرنا العادلة وهي التي
يستوي مالها وفروضها والعائلة هي التي تزيد فروضها عن مالها والرد هي التي
يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وهي التي نذكرها في هذا الفصل.
(فصل في الرد) إذا لم تستوعب الفروض المال ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي
الفروض بقدر فروضهم إلا الزوج والزوجة.
وجملة ذلك أن الميت إذا لم يخلف وارثاً إلا ذوي فروض كالبنات والأخوات
والجدات فإن الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوج
والزوجة يروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وحكي ذلك عن الحسن
وابن سيرين وشريح وعطاء ومجاهد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه قال ابن سراقة
وعليه العمل اليوم في الأمصار إلا أنه يروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرد
على بنت ابن مع بنت ولا على أخت من أب مع أخت من أبوين ولا على جدة مع ذي
سهم وروى
(7/75)
ابن منصور عن أحمد أنه كان لا يرد على ولد
الأم مع الأم ولا على الجدة مع ذي سهم والقول الأول أظهر في المذهب وأصح
وبه قال عامة أهل الرد لأنهم تساووا في السهام فيجب أن يتساووا فيما يفرع
عليها ولأن الفريضة لو عالت لدخل النقص على الجميع فالرد ينبغي أن ينالهم
أيضاً وأما الزوجان فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم إلا أنه يروى عن
عثمان رضي الله عنه انه رد على زوج ولعله كان عصبة او ذا رحم فأعطاه لذلك
وأعطاه من بيت المال لا على سبيل الرد وسبب ذلك إن شاء الله تعالى ان أهل
الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض) في كتاب الله والزوجان خارجان من ذلك وذهب زيد بن ثابت إلى أن
الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه وبه قال مالك
والاوزاعي والشافعي لأن الله تعالى قال في الأخت فلها نصف ما ترك ومن رد
عليها جعل لها الكل ولأنها ذات فرض مسمى فلا تزاد عليه كالزوج ولنا قول
الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقد ترجحوا
بالقرب إلى الميت فيكونون أولى من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذوو
الرحم أحق من الأجانب عملا بالنص وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك
مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلي - وفي لفظ - من ترك ديناً فإلي ومن ترك
مالاً فللوارث " متفق عليه وهذا عام في جميع المال وروى واثلة ابن الأسقع
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تحوز المرأة ثلاث مواريث لقيطها وعتيقها
وولدها الذي لاعنت عليه رواه ابن ماجه فجعل لها ميراث ولدها المنفي باللعان
خرج من
(7/76)
ذلك ميراث غيرها من ذوي الفروض بالإجماع
بقي الباقي على مقتضى العموم ولانها من وراثة بالرحم فكانت أحق بالمال من
بيت المال كعصباته فأما قوله تعالى (فلها نصف ما ترك) فلا ينفي أن يكون لها
زيادة عليه بسبب آخر كقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له
ولد) لا ينفي أن يكون للأب السدس وما فضل عن البنت بجهة التعصيب وقوله
(ولكن نصف ما ترك أزواجكم) لم ينف أن يكون للزوج ما فضل إذا كان ابن عم أو
مولى وكذلك الأخ من الأم إذا كان ابن عم والبنت وغيرها من ذوي الفروض إذا
كانت معتقة كذا ههنا تستحق النصف بالقرض والباقي بالرد وأما الزوجان فليسا
من ذوي الأرحام.
(مسألة) (فإن كان المردود عليه واحداً أخذ المال كله بالفرض والرد كأم أو
جده أو بنت أو أخت وإن كانوا جماعة من جنس واحد كبنات أو أخوات أو جدات
اقتسموه كالعصبة من البنين
والإخوة وسائر العصبات فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الرد (مسألة)
(وإن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة فاجعله أصل مسئلتهم إنما
كان كذلك لأن الفروض كلها تخرج من أصل الستة إلا الربع والثمن وليسا لغير
الزوجين وليسا من أهل الرد وينحصر ذلك في أربعة أصول (أحدها) أصل اثنين
كجدة وأخ من أم للجدة السدس وللأخ السدس أصلها اثنان ثم يقسم المال عليهما
فيصير لكل واحد منهما نصف المال أصل ثلاثة أم وأخ من أم، أم وأخوان لأم
للأم السدس وللأخوين الثلث بينهما
(7/77)
(أصل) أربعة أخت لأبوين وأخت لأب أو لأم أو
أخ، لأم أو جدة بنت وأم أو جدة بنت وبنت ابن (أصل) خمسة ثلاث أخوات مفترقات
للأخت للأبوين النصف ولكل واحدة من الآخرتين السدس، أم وأخت لأبوين أو لأب،
أم وأخت لأبوين وأخت لأب أو لأم بنتان وجدة لا تزيد على هذا أبداً لأنها لو
زادت سدساً آخر لكمل المال ولم يبق منه شئ يرد (مسألة) (فإن انكسر على فريق
منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه اصل مسئلتهم وإنما كان عدد سهامهم اصل
مسئلتهم كما صارت السهام في العول هي المسألة التي يضرب فيها العدد بيان
ذلك في أصل اثنين أربع جدات وأخ من أم للجدات سهم لا ينقسم عليهن فتضرب
عددهن في أصل المسألة تكن ثمانية للأخ من الأم أربعة ولكل واحدة من الجدات
سهم (أصل) ثلاثة أم وثلاثة اخوة من أم للأخوة سهمان لا تصح عليهما اضرب
عددهم في أصل المسألة تصر تسعة ومنها تصح (أصل) أربعة أخت لأبوين وأربع
أخوات لأب تضرب عددهن في أصل المسألة وهو أربعة تكن ستة عشر ومنها تصح.
(أصل) خمسة أم وأخت لأبوين وأربع أخوات لأب لهن سهم لا يصح عليهن تضرب
عددهن في خمسة تكن عشرين ومنها تصح وسنذكره في باب تصحيح المسائل مفصلا
(7/78)
(مسألة) (فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته
فرضه من اصل مسئلته وقسمت الباقي على مسألة الرد وهي فريضة أهل الرد وهو
ينقسم إذا كانت زوجة ومسألة الرد من ثلاثة كامرأة وأم وأخ لأم أو أم وأخوين
لأم فللمرأة الربع سهم من أربعة يبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة
وتصح المسئلتان من أربعة، فإن انكسر على عدد منهم كأربع زوجات وأم وأخ لأم،
ضربت أربعة في مسألة الزوجة تكن ستة عشر ومنها تصح فإن لم تنقسم فأصل مسألة
الزوج على مسألة الرد لم يمكن أن يوافقها لأنه إن كانت مسألة الزوج من
اثنين فالباقي بعد نصيبه سهم لا يوافق شيئاً وان كانت من أربعة فالباقي بعد
ميراثه ثلاثة ومن ضرورة كون للزوج الربع أن يكون للميتة ولد، ولا يمكن أن
تكون مسألة الرد مع الولد من ثلاثة وإن كان الزوج امرأة فالباقي بعد الثمن
سبعة ولا توافق السبعة عدداً أقل منها ولا يمكن أن تكون مسألة الرد سبعة
أبداً لأن مسألة الرد لا تزيد على خمسة أبداً، إذا ثبت هذا فاضرب فريضة أهل
الرد في فريضة أحد الزوجين فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة
فلأحد الزوجين فريضة الرد ولكل واحد من أهل الرد سهامه من مسئلته مضروب في
الفاضل عن فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحداً وإن كانوا جماعة قسمته
عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقته فيما انتقلت إليه المسألة وتصحح على ما
نذكره في باب التصحيح وينحصر ذلك في خمسة أصول.
(أحدها) : زوج وجدة وأخ لأم للزوج النصف أصلها من اثنين له سهم يبقى سهم
على مسألة
(7/79)
الرد وهي اثنان أيضاً فاضرب اثنين في اثنين
تكن أربعة ولا يقع الكسر في هذا الأصل إلا على حين واحد وهو الجدات (الأصل
الثاني) : زوجة وجدة وأخ لأم مسألة الزوجة من أربعة ثم تنتقل إلى ثمانية
ولا يكون الكسر إلا على الجدات أيضاً.
(الأصل الثالث) زوج وبنت وبنت ابن، مسألة الزوج من أربعة ثم تنتقل إلى ستة
عشر وكذلك زوجة وأخت لأبوين وأخت لأب، أو أخت لأم، أو جده، أو جدات، ومثلها
زوجة وأخت لأب وأخت لأم أو جدة.
(الأصل الرابع) زوجة وبنت وبنت ابن أو أم أو جدة، مسألة الزوجة من ثمانية
ثم تنتقل إلى اثنين وثلاثين.
(الأصل الخامس) زوجة وبنت وبنت ابن وجدة، أو ابنتان وأم، أصلها من ثمانية
ثم تنتقل إلى أربعين وفي جميع ذلك إذا انكسرت سهام فريق منهم عليهم ضربته
فيما انتقلت إليه المسألة.
ومثال ذلك أربع زوجات وإحدى وعشرون بنتاً واربع عشر جدة، مسألة الزوجات من
ثمانية، فتضرب فيها فريضة الرد وهي خمسة تكن أربعين للزوجات فريضة أهل الرد
خمسة لا تصح عليهن ولا توافق يبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها سبعة على أربع
عشرة توافق بالاسباع فرجعن إلى اثنين ويبقى
(7/80)
للبنات ثمانية وعشرون توافق بالاسباع أيضاً
فيرجعن إلى ثلاث والابنتان يدخلن في عدد الزوجات فتضرب ثلاثة في أربعة تكن
اثني عشر ثم في أربعين تكن أربعمائة وثمانين.
(فصل) ومتى كان مع أحد الزوجين واحد منفرد ممن يرد عليه فإنه يأخذ الفاضل
عن الزوج ولا تنتقل المسألة كزوجة وبنت للزوجة الثمن والباقي للبنت بالفرض
والرد وإن كان معه فريق واحد من أهل الرد كالبنات أو الأخوات قسمت الفاضل
عليهم كالعصبة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الزوج والله أعلم باب
تصحيح المسائل إذا لم ينقسم سهم فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة فاضرب
عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة ثم يصير لكل واحد من الفريق مثل
ما كان لجماعتهم إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من
الأجزاء فيجزيك ضرب وفق عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ
فمنه تصح ثم يصير لكل واحد من الفريق وفق ما كان لجماعتهم، فإذا أردت
القسمة فكل من له شئ من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة
وهو الذي يسمى جزء السهم فما بلغ فهو له إن كان واحداً وإن كانوا جماعة
قسمته عليهم.
مثاله زوج وأم وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم
يبقى للأخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم فاضرب عددهم وهو
(7/81)
ثلاثة في أصل المسألة وهو ستة تكن ثمانية
عشر سهماً للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهم في ثلاثة ثلاثة وللأخوة
سهمان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان وهو ما كان لجماعتهم فإن كان الاخوة
أربعة فان سهامهم توافقهم بالنصف فتضرب نصفهم وهو اثنان في المسألة تكن
اثني عشر فإذا أردت القسمة ضربت سهام كل وارث في وفق عددهم وهو اثنان
(مسألة) (وإن انكسر على فريقين أو أكثر لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن
يكونا متماثلين كثلاثة وثلاثة فيجزيك ضرب أحدهما في المسألة وطريق قسمتها
مثل طريق القسمة فيما إذا كان الكسر على فريق واحد سواء.
مثاله ثلاثة إخوة لأم وثلاثة لأب لولد الأم الثلث والباقي لولد الأب أصلها
من ثلاثة لولد الأم سهم على ثلاثة لا ينقسم ولولد الأب اثنان على ثلاثة لا
ينقسم ولا يوافق فتضرب أحد العددين وهو ثلاثة في أصل المسألة تكن تسعة لولد
الأم سهم في ثلاثة بثلاثة لكل واحد سهم ولولد الأب اثنان في ثلاثة ستة لكل
واحد سهمان مثل ما كان لجماعتهم ولو كان ولد الأب ستة وافقت سهامهم بالنصف
فرجع عددهم إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما ذكرنا سواء (القسم الثاني) أن
يكون العددان متناسبين وهو أن ينتسب إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه أو
ثلثه أو نحو ذلك فيجزيك ضرب الأكثر منها في المسألة وعولها.
(7/82)
مثاله جدتان وأربعة إخوة لأب للجدتين السدس
وللأخوة ما بقي أصلها من ستة وعددهم لا يوافق سهامهم وعدد الجدات نصف عدد
الاخوة فاجتز بالأكثر وهو أربعة واضربه في أصل المسألة تكن أربعة وعشرين
للجدات سهم في أربعة وللأخوة خمسة في أربعة وعشرين لكل واحد خمسة ولو كان
عدد الاخوة عشرين لوافقتهم سهامهم بالأخماس فيرجع عددهم إلى أربعة والعمل
على ما ذكرنا (القسم الثالث) : أن يكون العددان متباينين لا يماثل أحدهما
صاحبه ولا يناسبه ولا يوافقه فتضرب أحدهما في جميع الآخر فما بلغ فهو جزء
السهم فاضربه في المسألة فما بلغ فمنه تصح ثم كل من له شئ من أصل المسألة
مضروب في جزء السهم.
مثاله أم وثلاثة إخوة لأم وأربعة لأب أصلها من ستة لولد الأم سهمان لا
يوافقهم ولولد الأب ثلاثة لا توافقهم والعددان متباينان فاضرب أحدهما في
الآخر تكن اثني عشر ثم في أصل المسألة تكن اثنين وسبعين ومنها تصح للأم سهم
في اثني عشر ولولد الأم سهمان في اثني عشر أربعة وعشرون لكل واحد ثمانية
ولولد الأب ثلاثة في اثني عشر ستة وثلاثون لكل واحد تسعة إن وافق أحد
العددين سهامه دون الآخر أخذت وفق الموافق وضربته فيما لم يوافق وعملت على
ما ذكرنا.
وإن وافقا جميعاً سهامهما رددتهما إلى وفقهما وعملت في الوفقين عملك
بالعددين الأصليين (فصل) فإن أردت أن تعرف ما لأحدهم قبل التصحيح فاضرب
سهام فريقه في الفريق الآخر فما خرج فهو له فإذا أردت أن تعلم ما لكل واحد
من ولد الأم فلفريقه من أصل المسألة سهمان اضربهما في عدد الفريق الآخر وهو
أربعة تكن ثمانية فهي لكل واحد من ولد الأم ولفريق ولد الأب ثلاثة اضربها
في عدد ولد الأم تكن تسعة فهي لكل واحد منهم.
(7/83)
(القسم الرابع) أن يكون العددان متفقين
بنصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك من الأجزاء فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه
ثم تضربه في جميع الأجزاء فما بلغ ضربته في المسألة.
ومثال ذلك زوج وست جدات وتسعة أخوة فيتفقان بالثلث فترد الجدات إلى ثلثهن
اثنين وتضربها في عدد الاخوة تكن ثمانية عشر ثم تضرب ذلك في أصل المسألة
تكن مائة وثمانية ومنها تصح (فصل) فإن كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن
كانت متماثلة كثلاث جدات وثلاث بنات وثلاثة أعمام ضربت أحدها في المسألة
فما بلغ فمنه تصح المسألة ولكل واحد منهم بعد التصحيح مثل ما كان لجماعتهم
وإن كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي العشرة
فضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح، وإن كانت متباينة مثل أن يكون
الأعمام في هذه المسألة ثلاثة ضربت بعضها في بعض تكن ثلاثين ثم ضربتها في
المسألة تكن مائة وثمانين وإن كانت متوافقة كست جدات وتسع بنات وخمسة عشر
عما ضربت وفق عدد منها في جميع الأجزاء فما بلغ وافقت بينه وبين الثالث
وضربت وفقه في جميع الثالث فما بلغ ضربته في أصل المسألة ومنها تصح وإن
تماثل
اثنان منها وباينهما الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في الثالث أو
في وفقه إن وافق فما بلغ ضربته في المسألة وإن تناسب اثنان وباينهما الثالث
ضربت أكثرهما في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقاً
(7/84)
ثم في المسألة وإن توافق اثنان وباينهما
الثالث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث وإن تباين اثنان
ووافقهما الثالث كأربعة أعمام وست جدات وتسع بنات أجزاك ضرب أحد المتبانيين
في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد لأنك إذا رددت وقف
أحدهما لم تقف إلا الستة ولو وقفت غيرها مثل ان تقف التسعة وترد الستة إلى
اثنين لدخلا في الأربعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة ولو وقفت الأربعة
رددت الستة إلى ثلاثة ودخلت في التسعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة فأما
إن كانت الأعداد الثلاثة متوافقة فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها
طريقان (احدهما) ما ذكرنا من قبل وهو طريق الكوفيين (والثاني) طريق
البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق بينه وبين الآخرين وتردهما إلى
وفقهما ثم تنظر في الوقفين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف وإن
كانا متناسبين ضربت أكثرهما وان كانا متبانيين ضربت أحدهما في الآخر ثم في
الموقوف وإن كانا متوافقين ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف
فما بلغ ضربته في المسألة ومثال ذلك عشر جدات واثنا عشر عما وخمس عشرة
بنتاً فقف العشرة توافقها الاثنا عشر بالنصف فتر جع إلى ستة وافقها الخمس
عشرة بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضرب الستة في العشرة
تكن ستين ثم في المسألة تكن ثلاثمائة وستين وإن وقفت الاثني عشر رجعت
العشرة إلى نصفها خمسة والخمس عشرة إلى ثلثها خمسة وهما متماثلان فتضرب
الخمسة في الاثني عشر ستين وإن وقفت الخمس عشرة رجعت العشرة إلى اثنين
والاثنا عشر إلى أربعة ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمس عشرة ثم
في المسألة
(7/85)
(فصل) في معرفة الموافقة والمناسبة
والمباينة الطريق في ذلك إن تلقي أقل العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى فإن
فني به فالعددان متناسبان وإن لم يفن ولكن بقيت منه بقية ألقيتها من العدد
الأقل
فإن بقيت منه بقية ألقيتها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من
التي قبلها حتى تصل إلى عدد يفنى الملقى منه غير الواحد فأي بقية فني بها
غير الواحد فالموافقة بين العدديين بجزء تلك البقية إن كانت اثنين
فبالإنصاف وإن كانت ثلاثة فبالأثلاث وإن كانت أربعة فبالأرباع وإن كانت أحد
عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر فنحو ذلك وإن بقي واحد فالعددان متباينان
ومما يدلك على تناسب العددين أنك إذا زدت على الأقل مثله أبداً ساوى الأكثر
ومتى قسمت الأكثر على الأقل انقسم قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر
انتسب إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك إلا في المنتصف فما دونه باب المناسخات
ومعناها أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته ولها ثلاثة أحوال (أحدها) أن
يكون ورثة الثاني يربونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما
فاقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إلى الميت الأول.
(7/86)
مثال ذلك أربع بنين وثلاث بنات ماتت بنت ثم
ابن ثم بنت أخرى ثم ابن آخر وبقي ابنان وبنت فاقسم المسألة على خمسة ولا
يحتاج إلى عمل مسائل وكذلك نقول في أبوين وزوجة وابنين وبنتين ماتت بنت ثم
ماتت الزوجة ثم مات ابن ثم مات الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين
الابن والبنت الباقيين أثلاثاً واستغنيت عن عمل المسائل وبها اختصرت
المسائل بعد التصحيح بالموافقة بين السهام فإذا صححت المسألة نظرت فيها فإن
كان لجميعها كسر يتفق فيه جميع السهام رددت المسألة إلى ذلك الكسر ورددت
سهام كل وارث إليه ليكون أسهل في العمل مثاله زوجة وابن وبنت ماتت البنت
تصح المسئلتان من اثنين وسبعين للزوجة بحقها ستة عشر وللابن ستة وخمسون
تنفق سهامهما بالأثمان فتردها إلى ثمنها تسعة للزوجة سهمان وللابن سبعة
(الحال الثاني) أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضاً
كاخوة خلف كل واحد منهم بنته فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم وصحح
على ما ذكرنا في باب التصحيح مثال ذلك رجل توفي وترك أربعة بنين فمات أحدهم
عن اثنين والثاني عن ثلاثة والثالث عن
أربعة والرابع عن ستة فالمسألة الأولى من أربعة ومسألة الابن الأول من
اثنين ومسألة الثاني من ثلاثة ومسألة الثالث من أربعة ومسألة الرابع من ستة
فاجعلها كأعداد أربعة فالاثنان تدخل في الأربعة والثلاثة في الستة والأربعة
توافق الستة بالإنصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر
(7/87)
ثم تضربها في المسألة الأولى تكن ثمانية
وأربعين لورثة كل ابن اثنا عشر فلكل واحد من بني الأول ستة ولكل واحد من
بني الثاني أربعة ولكل واحد من بني الثالث ثلاثة ولكل واحد من بني الرابع
سهمان (الحال الثالث) ما عدا ذلك وهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن تقسم سهام
الميت الثاني على مسألة الثاني (الثاني) أن لا ينقسم عليها بل يوافقها
(الثالث) لا ينقسم عليها ولا يوافقها فالطريق في ذلك إن تصحح مسألة الأول
ثم انظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسئلته بعد أن تصححها فإن انقسم صحت
المسئلتان مما صحت منه الأولى كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت
وخلفت زوجاً وبنتاً وعما فإن لها من المسألة الأولى أربعة ومسئلتها من
أربعة فصحت المسئلتان من ثمانية وصار للأخ أربعة من أخيه ثلاثة ومن بنت
أخيه سهم ومن ذلك أم وعم مات العم وخلف بنته وعصبة المسألة الأولى من ثلاثة
والثانية من اثنين فصحت المسئلتان من ثلاثة.
ثلاث أخوات مفترقات ماتت الأخت من الأبوين وخلفت ابنتين ومن خلفت تصح
المسئلتان من خمسة.
بنت وبنت ابن وأخ ماتت البنت وتركت ابنتين وعمها صحت المسئلتان من ستة وصار
للأخ ثلاثة.
زوج وجدة وابنتا ابن من ثلاثة عشر ماتت إحداهما عن أربعة وتركت زوجاً
وبنتاً وأختها صحت المسئلتان من ثلاثة عشر وصار للأخ خمسة.
زوجة وأم وابن ماتت الأم وتركت زوجاً وبنتاً وابن ابن من أربعة وعشرين.
زوجة وأم وعم مات العم وترك ثلاث بنين وبنتاً من اثني عشر تصح المسئلتان
(7/88)
(القسم الثاني) أن توافق سهام الميت الثاني
مسئلتة فالطريق فيها أن تضرب وفق مسئلته في الأولى ثم كل من له شئ من
المسألة الأولى مضروب في وفق الثانية ومن له شئ من المسألة الثانية مضروب
في وفق سهام الميت الثاني كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت
زوجاً وبنتاً وأمها وهي الزوجة وعماً فإن المسألة من ثمانية للبنت النصف
أربعة ومسئلتها من اثني عشر توافق سهامها.
بالربع فتضرب ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون فكل من له شئ من ثمانية مضروب
في ثلاثة وهو وفق المسألة الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في وفق سهام
الميت الثاني وهو سهم ومن ذلك أم وابنان وبنت مات أحد الابنين وخلف من خلف
الأولى من ستة للابن منها سهمان وقد خلف جدته وأخاه وأخته فمسئلته من
ثمانية عشر توافق سهميه بالنصف فاضرب نصف مسئلته تسعة في الأولى وهي ستة
تكن أربعة وخمسين للأم من الأولى سهم في تسعة وفق الثانية ولها من الثانية
ثلاثة في سهم صار لها اثنا عشر وللابن الباقي سهمان في تسعة ثمانية عشر ومن
الثانية عشرة في سهم صار له ثمانية وعشرون ولأخيه أربعة عشر.
(القسم الثالث) أن لا ينقسم سهام الثاني على مسئلته ولا يوافقها فالطريق
فيها أن تضرب المسألة الثانية في الأولى ثم كل من له شئ من المسألة الأولى
مضروب في الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني.
(7/89)
مثاله رجل خلف امرأة وبنتا وأخا فهي من
ثمانية للبنت أربعة ثم ماتت البنت وتركت زوجا وأما وابنتين فان مسئلتها
تعول إلى ثلاثة عشر لا تنقسم عليها سهامها ولا توافقها فإذا ضربت المسألة
الأولى وهي ثمانية في الثانية وهي ثلاثة عشر كانت مائة وأربعة فكل من له شئ
من الأولى مضروب في ثلاثة عشر ومن له شئ من ثلاثة عشر مضروب في أربعة ومثل
ذلك زوج وأم وست أخوات مفترقات ماتت إحدى الأختين من الأم وخلفت من خلفت
فالأولى من عشرة والثانية من ستة لأنها خلفت أماً وأختاً لأبوين وأختين من
أم تضربها في الأولى تكن ستين ومنها تصح (فصل) وربما اختلف الحكم بكون
الميت الأول رجلاً أو امرأة فيحتاج إلى السوأل عن ذلك مثال ذلك إذا قيل
أبوان وابنتان لم تنقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين إن كان الميت الأول
رجلاً فالأب جد وارث في الثانية لانه أبوأب وتصح المسئلتان من أربعة وخمسين
وإن كان الميت
الأول امرأة فالأب أبو الأم في الثانية لا يرث لأنه من ذوي الأرحام وتصح
المسئلتان من اثني عشر وتسمى المأمونية لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم
حين أراد توليته القضاء ليختبر فهمه فقال يا أمير المؤمنين من الميت الأول
فعلم أنه فهمها (مسألة) (فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان
وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأول وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده)
(7/90)
ومثال ذلك زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات.
المسألة الأولى، من خمسة عشر، ماتت الأخت من الأبوين وخلفت زوجا ومن خلفت
فمسئلتها من ثمانية وسهامها ستة يتفقان بالنصف فتضرب نصف مسئلتها في الأولى
تكن ستين ثم ماتت الأم وخلفت زوجاً وأختاً وبنتها وهي الأخت من الأم،
مسئلتها من أربعة ولها من المسئلتين أحد عشر سهماً لا توافق مسئلتها تضرب
مسئلتها في الأوليين تكن مائتين وأربعين ومنها تصح الثلاث.
ومثال الأربعة زوجة وأبوان وابنتان، لم يقسموا حتى مات الأب وخلف أخا لأب
وأم، ومن خلف ثم ماتت الأم وخلفت أماً وعماً ومن خلفت ثم ماتت إحدى البنتين
وخلفت زوجا ومن خلفت تصح الأولى من سبعة وعشرين، والثانية من أربعة وعشرين،
توافق تركة الأب بالأرباع ثم ماتت الأم عن سبعة وعشرين وخلفت أما وبنتي ابن
وعما فمسئلتها من ستة وتركتها توافقها بالاثلاث ثم ماتت إحدى البنتين عن
مائة وثلاثين وتركت زوجا وأما وأختا فمسئلتها من ثمانية وتركتها توافقها
بالإنصاف فتصح المسائل الأربع من ألف ومائتين وستة وتسعين للزوجة من الأولى
والرابعة مائتان وأربعة وسبعون وللبنت الباقية من المسائل الأربع سبعمائة
وخمسة عشر، ولأخي الميت الباقي أربعون، ولأم الثالثة ستة وثلاثون، ولعمها
كذلك، ولزوج الرابعة مائة وخمسة وتسعون، زوج، وأم، وست أخوات
(7/91)
مفترقات، ماتت الأم وتركت أبويها ومن خلفت،
ثم ماتت أخت من أب وأم وتركت زوجاً وجدة ومن خلفت ثم ماتت أخت من أم وخلفت
زوجاً وجدة ومن خلفت الأولى عشرة والثانية من ستة
فتصير الاثنتان من ستين والثالثة من عشرين وماتت عن ثلاثة عشر لا توافق
فتضرب عشرين في ستين تكن ألفاً ومائتين والرابعة من ثمانية وماتت عن مائة
وستة وستين توافقها بالإنصاف فتضرب أربعة في ألف ومائتين تكن أربعة آلاف
وثمان مائة.
(باب قسم التركات) إذا خلف تركة معلومة فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من
المسألة فاعطه مثل تلك النسبة من التركة، مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان
المسألة من خمسة عشر والتركة أربعون ديناراً، فللزوج ثلاثة وهي خمس المسألة
فله خمس التركة ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله
ثلثا الثمانية وذلك خمسة دنانير وثلث دينار ولكل واحدة من البنتين مثل ما
للأبوين كليهما وذلك عشرة وثلثان وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت
الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما بلغ فهو نصيبه فإذا قسمت التركة على
المسألة ههنا كان الخارج بالقسم دينارين وثلثين إذا ضربتها في نصيب الزوج
وهو ثلاثة كان ثمانية دنانير وإذا ضربتها في نصيب كل واحد من الأبوين كانت
خمسة وثلثا
(7/92)
وإذ اضربتها في نصيب كل واحدة من البنتين
كانت عشرة دنانير وثلثين، وإن شئت ضربت نصيب كل وارث في التركة وقسمته على
المسألة فما خرج فهو نصيبه ففي هذه المسألة إذا ضربت نصيب الزوج وهو ثلاثة
في التركة كان مائة وعشرين إذا قسمتها على المسألة وهي خمسة عشر خرج بالقسم
ثمانية وإذا ضربت نصيب أحد الأبوين في التركة كان ثمانين فإذا قسمتها على
المسألة خرج خمسة وثلث وإذا ضربت نصيب كل واحدة من البنتين في التركة كانت
مائة وستين إذا قسمتها على المسألة خرج بالقسم عشرة وثلثان كما ذكرنا (فصل)
فإن كانت المسألة من الأعداد الصم لم يمكن العمل بالطريق الأول لأنه لا
نسبة فيها فاعمل بالطريقين الآخرين.
مثال ذلك زوج وأم وابنتان، والتركة خمسون ديناراً، المسألة من ثلاثة عشر
إذا قسمت عليها التركة خرج بالقسم لكل سهم ثلاثة دنانير وأحد عشر جزءاً من
ثلاثة عشر جزءاً من دينار، تضرب
في ذلك سهام الزوج وهي ثلاثة يجتمع له أحد عشر ديناراً وسبعة أجزاء وتضرب
نصيب الا تكن سبعة وتسعة أجزاء ولكل بنت ضعف ذلك وإن ضربت سهام كل وارث في
الخمسى وقسمتها على على المسألة خرج ما قلنا.
(مسألة) وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى ثم
أخذت نصيب
(7/93)
الثاني فقسمته على مسئلته وكذلك الثالث فإن
كان بين التركة والمسألة موافقة رددتهما إلى وفقهما وقسمت وفق التركة على
وفق المسألة واعمل على ما ذكرنا.
مثال زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات، المسألة من خمسة عشر والتركة عشرون
ديناراً، ماتت الأم وخلفت أبوين ومن خلفت المسألة الأولى من خمسة عشر،
والثانية من ستة للأم من الأولى سهمان لا تنقسم على الثانية وتوافقها
بالنصف فتضرب نصف الستة في المسألة الأولى تكن خمسة وأربعين، فإن شئت نسبت
نصيب كل وارث من المسألة وأعطيته من التركة مثل تلك النسبة فللمرأة تسعة
وهي خمس المسألة، فلها خمس التركة أربعة دنانير وللأخت من الأم ثمانية، وهي
ثمانية أتساع الخمس، فلها من التركة ثمانية أتساع خمسها، وهو ثلاثة دنانير،
وخمسة أتساع دينار وللأخت من الأبوين عشرون وهي أربعة أتساع المسألة، فلها
أربعة أتساع التركة وهي ثمانية دنانير وثمانية أتساع دينار، وللأخت من الأب
ستة وهي تسع المسألة وخمس تسعها فلها من التركة ديناران وثلثان، وإن شئت
قسمت العشرين على خمسة وأربعين وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فيخرج
ما ذكرناه وإن شئت ضربت سهام كل وارث في التركة وقسمت ما بلغ على المسألة
فما خرج فهو نصيبه ان شئت وافقت بين التركة والمسألة وهي توافقها بالأخماس
فترد المسألة إلى تسعة والتركة إلى أربعة وتضرب سهام كل وارث في أربعة
وتقسمه على تسعة يخرج ما ذكرناه.
(مسألة) (وإن أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كالتركة
المعلومة
(7/94)
واعمل على ما قلنا، وقراريط الدينار في عرف
بلدنا أربعة وعشرون قيراطاً فإن كانت السهام كثيرة
وأردت أن تعلم سهم القيراط فانظر ما يتركب منه العدد فإنه لابد أن يتركب من
ضرب عدد في عدد فانسب أحد العددين إلى أربعة وعشرين فإن كان أقل منها فخذ
من العدد الآخر مثل تلك النسبة، فما كان فهو لكل قيراط وإن كان أكثر من
أربعة وعشرين قسمته عليها فما خرج بالقسم فاضربه في العدد الآخر فما بلغ
فهو نصيب القيراط ومثال ذلك ستمائة أردت قسمتها على القراريط فهي متركبة من
ضرب عشرين في ثلاثين وانسب العشرين إلى أربعة وعشرين تكن نصفها وثلثها فخذ
نصف الثلاثين وثلثها خمسة وعشرون فهي سهم القيراط وإن قسمت الثلاثين على
أربعة وعشرين خرج بالقسم سهم وربع فاضربها في العشرين تكن خمسة وعشرين وهي
سهم القيراط فإذا عرفت سهم القيراط فانظر كل من له سهام فأعطه بكل سهم من
سهام القيراط قيراطاً فإن بقي له من السهام ما لا يبلغ قيراطاً فانسبه إلى
سهام القيراط وأعطه منه مثل تلك النسبة فان كان في سهام القيراط كسر بسطتها
من جنس الكسر ثم كل من له سهام بعدد مبلغ السهام فله بعدد مخرج الكسر
قراريط وتضرب بقية سهامه في مخرج الكسر وتنسبها منها مثال ذلك زوج وأبوان
وابنتان ماتت الأم وخلفت أما وزوجاً وأختاً من أبوين وأختين من أب وأختين
من أم فالأولى من خمسة عشر والثانية من عشرين فتضرب وفق إحداهما في الأخرى
تكن
(7/95)
مائة وخمسين وسهم القيراط ربع أبسطها أربعا
تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط فللبنت من الأولى أربعة في عشرة أربعون
فلها بخمسة وعشرين أربعة قراريط يبقى خمسة عشر اضربها في مخرج الكسر تكن
ستين واقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان وللأب
من الأولى والثانية ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة وأبسط السهم الباقي
أرباعاً يكن أربعة أخماس خمس ولزوج الأولى ثلاثون فله بخمسة وعشرين سهماً
أربعة قراريط وأبسط الخمسة الباقية تكن عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولأم
الثانية سهمان أبسطها أرباعاً تكن خمس قيراط وثلاثة أخماس قيراط وكذلك لكل
أخت من أم وللأختين للأب مثل ذلك وللأخت للأبوين ستة أبسطها أرباعاً تكن
أربعة أخماس قيراط
(مسألة) (وإن كانت التركة سهاماً من عقار كثلث وربع ونحو ذلك) فإن شئت أن
تجعلها من قراريط الدينار وتقسمها على ما قلنا وإن شئت وافقت بينها وبين
المسألة وضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقارا وفي وفقها فما كان
فانسبه من المبلغ فما خرج فهو نصيبه إذا كانت التركة ربع دار وثلثها جمعتها
من مخرجها قراريط فكانت أربعة عشر قيراطاً وجعلتها [كأنها دنانير وعملت على
ما سبق وإن شئت أخذتها من مخرجها وقسمتها على المسألة فإن انقسمت بغير ضرب.
مثال ذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات والتركة ربع دار وخمسها المسألة من
تسعة
(7/96)
ومخرج سهام العقار عشرون الموروث منها تسعة
منقسمة على المسألة للزوج منها ثلاثة وهي عشر الدار ونصف عشرها وللأخت من
الأبوين مثل ذلك ولكل واحدة من الباقيات نصف عشر فإن لم تنقسم لكن وافقت
السهام الموروثة المسألة رددت المسألة إلى وفقها ثم ضربته في مخرج سهام
العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في وفق السهام الموروثة من العقار
مثاله زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار وخسمها المسألة من خسمة عشر
توافق السهام الموروثة من العقار بالثلث لأنها تسعة فترد المسألة إلى ثلثها
خمسة ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهي عشرون تكن مائة فللزوج من المسألة
ثلاثة في وفق سهام العقار ثلاثة تسعة من مائة وهو نصف عشر الدار وخمس خمسها
ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة سنة وهي ثلاثة أخماس عشر الدار ولكل
بنت ضعف ذلك وهو عشر وخمس عشر، وإن لم توافق السهام الموروثة المسألة ضربت
المسألة جميعها في مخرج سهام العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في
السهام الموروثة من العقار فما بلغ فانسبه من مبلغ سهام العقار وإن شئت
نسبت سهام كل وارث من المسألة فما بلغ أعطيته منها بقدر نسبة السهام
الموروثة إلى سهام العقار فتقول في هذه المسألة للزوج من المسألة الخمس فله
خمس التركة وكذلك تفعل في بقية الورثة على ما سبق
(7/97)
(فصل) في المجهولات زوج وأم وأختان لأب وأم
أخذ الزوج بميراثه خمسة وأربعين ديناراً كم
جميع التركة؟ فالطريق في ذلك إن تقسم الدنانير التي أخذها على سهامه تخرج
خمسة عشر فاضربها في سهام المسألة وهي ثمانية تكن مائة وعشرين وهي التركة
وإن شئت ضربت ما أخذ في سهام المسألة تكن ثلاثمائة وستين وقسمت ذلك على
سهامه فما خرج فهو التركة وإن شئت قلت سهام من بقي مثل سهامه مرة وثلاثين
فيجب ان يكون الباقي خمسة وسبعين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة ستة
وخمسون ديناراً وثوب أخذ الزوج بميراثه الثوب كم قيمته؟ فالطريق أن تقسم
العين على سهام من بقي من الورثة تخرج ثمانية تضربها في سهام الزوج تكن
أربعة وعشرين وإن شئت قلت سهام الزوج من سهام الباقي ثلاثة أسباعها فخذ
ثلاثة أسباع العين تكن ما ذكرنا وبالجبر تجعل قيمة الثوب شيئاً فإذا أخذه
الزوج بثلاثة أسهم وجب أن يأخذ باقي الورثة سبعة أسهم شيئين وثلثا وذلك
يعدل العين فالشئ ثلاثة أسباعها في ثلاثة أسباع العين تكن أربعة وعشرين وإن
بسطت الشيئين والثلث أثلاثاً كانت سبعة وقسمت عليها العين يخرج الشئ أربعة
وعشرين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة خمسة وثلاثون ديناراً وثوب أخذت
إحدى الأختين للأب والأم الثوب وثلاثة دنانير فألق ما أخذت من العين فاقسم
الباقي على سهام باقي الورثة وهي ثمانية يخرج بالقسم أربعة دناينر وهي نصيب
السهم فلاختين بسهمين ثمانية دنانير فإذا ألقيت منها ثلاثة دنانير بقي خمسة
وهي قيمة الثوب والتركة جميعها أربعون ديناراً أو بالجبر تجعل قيمة الثوب
شيئاً
(7/98)
فتقول إذا أخذت الأخت بسهمين ثوباً وثلاثة
دنانير وجب أن يأخذ بقية الورثة أربعة أشياء واثني عشر ديناراً وذلك يعدل
ما حصل لهم وهو اثنان وثلاثون ديناراً فألق اثني عشر بمثلها يبقى أربعة
أشياء تعدل عشرين ديناراً فقيمة الثوب خمسة دنانير كما قلنا فإن كانت
المسألة بحالها والتركة ثلاثون ديناراً وعبدان متساويا القيمة أخذت إحدى
الأختين للأبوين أحد العبدين فأسقط سهمها من المسألة وأسقط بمثلها العبد
الآخر يبقى ستة تقسم العين عليها يخرج للسهم خمسة فقيمة العبد عشرة وبالجبر
تجعل قيمة كل عبد شيئاً فإذا أخذت بسهمين شيئاً وجب أن يكون لباقي الوثة
أربعة أشياء وذلك يعدل ما معهم وهو شئ وثلاثون ديناراً فألق المشترك يعدل
الشئ عشرة كما قلنا (باب ذوي الأرحام)
وهم كل قرابة ليست بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفاً ولد البنات وولد
الأخوات وبنات الاخوة وبنات الأعمام وبنو الإخوة من الأم والعم من الأم
والعمات والأخوال والخالات وأبوالام وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى
من الجد ومن أدلى بهم فهم يسمون ذوي الأرحام وكان أبو عبد الله يورثهم إذا
لم يكن ذو فرض ولا عصبة إلا الزوج والزوجة روي هذا القول عن عمر وعلي وعبد
الله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه
قال شريح وعمر
(7/99)
ابن عبد العزيز وعطاء وطاوس وعلقمة ومسروق
وأهل الكوفة وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال وبه قال مالك
والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير لأن عطاء بن يسار روي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله في العمة والخالة فأنزل
الله عزوجل أن لا ميراث لهما رواه سعيد في سننه ولأن العمة وبنت الأخ لا
ترثان مع اخوتهما فلا ترثان منفردتين كالأجنبيات وذلك لأن انضمام الأخ
إليهما يؤكدهما ويقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن
أخوهن فيما بقي بعد ميراث البنات والأخوات من الأبوين ولا يرثن منفردات
فإذا لم يرث هاتان مع أخيهما فمع عدمه أولى ولأن المواريث إنما ثبتت نصاً
ولا نص في هؤلاء ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) أي أحق بالتوارث في حكم الله قال أهل العلم كان التوارث في
ابتداء الإسلام بالحلف فكان الرجل يقول للرجل دمي دمك، ومالي مالك، تنصرني
وأنصرك، وترثني وأرثك، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به دون
القرابة وذلك قوله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) ثم نسخ ذلك
وصار التوارث بالإسلام والهجرة فإذا كان له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون
دونه، وذلك قوله عزوجل (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ
حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك بقوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) في
كتاب الله.
(7/100)
وروى الإمام أحمد باسناده عن سهل بن حنيف
ان رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله ولم يترك إلا خالا
فكتب فيه أبو عبيدة الى عمر فكتب إليه عمر: أني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول " الخال وارث من لا وارث له ".
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وروى المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم
إنه قال " الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه " أخرجه أبو داود وفي
لفظ مولى من لا مولى له، يعقل عنه ويفك عانيه، فإن قيل المراد به أن من ليس
له إلا خال فلا وارث له، كما يقال الجوع زاد من لا زاد له، والماء طيب من
لا طيب له، والصبر حيلة من لا حيلة له، أو أنه أراد بالخال السلطان قلنا
هذا فاسد لوجوه ثلاثة.
(أحدها) : أنه قال يرث ماله وفي لفظ يرثه (والثاني) : أن الصحابة فهموا
ذلك، فكتب عمر هذا جواباً لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال وهم أحق
بالفهم والصواب من غيرهم (والثالث) أنه سماه وارثاً، والأصل الحقيقة وقولهم
إن هذا يستعمل للنفي قلنا والإثبات كقولهم يا عماد من لا عماد له، يا سند
من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له.
وروى سعيد بإسناده عن واسع بن حيان قال: توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع
وارثاً ولا عصبة فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر،
(7/101)
ورواه أبو عبيدة في الأموال إلا أنه قال لم
يخلف إلا ابنة أخ له، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه
ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض، وذلك لأنه ساوى الناس في الاسلام، وزاد
عليهم بالقرابة، فكان أولى منهم، ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته،
وبعد الموت بوصيته، فأشبه ذوي الفروض والعصبات المحجوبين إذا لم يكن من
يحجبهم وحديثهم مرسل ثم يحتمل أنه لا ميراث لهما مع ذوي الفروض والعصبات،
ولذلك سمي الحال وارث من لا وارث له، أي لا يرث إلا عند عدم الوارث وقولهم
لا يرثان مع إخوتهما قلنا لأنهما أقوى منهما وقولهم إن الميراث إنما ثبت
نصاً قلنا قد ذكرنا نصوصاً ثم التعليل واجب مهما أمكن وقد أمكن ههنا فلا
يصار إلى التعبد المحض.
(فصل) والرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام فمتى خلف البيت عصبة أو ذا فرض من
أقاربه
أخذ جميع التركة، هذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام قال الخبري لم يختلفوا
أن الرد أولى منهم إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما
ورثا الحال مع البنت فيحتمل أنهما ورثاه لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف
الاجماع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الخال وارث من لا وارث له " ومن
مسائل ذلك أبو أم وجدة، المال للجدة، بنت ابن وبنت بنت ابن ابن أخ وابن أخت
عم وعمة بني اخوة مفترقين لا شئ لذوي الرحم في جميع ذلك (فصل) وكذلك المولى
المعتق وعصباته يقدمون على ذوي الأرحام، وهو قول عامة من ورثهم
(7/102)
من الصحابة وغيرهم وقول من لا يورثهم
أيضاً، وروي عن ابن مسعود تقديمهم على المولى، وبه قال ابنه أبو عبيدة،
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعلقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وجابر
ابن زيد، والشعبي، والنخعي، والقاسم بن عبد الرحمن، وعمر بن عبد العزيز،
وميمون بن مهران، والأول أصح، لقوله عليه الصلاة والسلام " الخال وارث من
لا وارث له " والمولى وارث ولأن المولى يعقل وينصر أشبه العصبة من النسب.
(مسألة) (ويورثون بالتنزيل فيجعل كل وارث بمنزلة من أدلى به) فيجعل ولد
البنات والأخوات كأمهاتهم، وبنات الاخوة، والأعمام، وولد الإخوة من الأم
كآبائهم، والأخوال، والخالات، وأبو الأم كالأم، والعمات، والعم من الأم
كالأب، وعنه كالعم ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به مذهب أبي عبد الله
رحمه الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل واحد منهم
منزلة من يمت به من الورثة فتجعل له نصيبه فإن بعدوا نزلوا درجة درجة حتى
يصلوا إلى من
(7/103)
يمتون به فيأخذون ميراثه فإن كان واحداً
أخذ المال كله وإن كانوا جماعة قسمت المال بين من يمتون به فما حصل لكل
واحد جعل لمن أمت به فإن بقي من سهام المسألة شئ رد عليهم على قدر سهامهم،
هذا قول علقمة ومسروق والشعبي والنخعي وحماد ونعيم وشريك وابن أبي ليلى
والثوري وسائر من من ورثهم غير أهل القرابة، وروي عن علي وعبد الله رضي
الله عنهما أنهما نزلا بنت البنت منزلة
البنت وبنت الأخ منزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب،
والخالة منزلة الأم.
وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في العمة والخالة.
وعن علي انه نزل العمة بمنزلة العم.
وروي ذلك عن علقمة ومسروق، وهي الرواية الثانية عن احمد وعن الثوري وأبي
عبيد، أنهما نزلاها منزلة الجد مع ولد الاخوة والأخوات ونزلها آخرون منزلة
الجدة وإنما صار هذا الاختلاف في العمة لادلائها بأربع جهات وارثات، فالأب
والعم أخواها، والجد والجدة أبواها، ونزل قوم الخالة جدة لأن الجدة أمها.
والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا، والخالة أما، لوجوه ثلاثة.
(أحدها) : ما روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمة
بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما
أم " رواه الإمام أحمد.
(والثاني) : أنه قول عمر وعلي وعبد الله في الصحيح عنهم ولا مخالف لهم في
الصحابة.
(الثالث) : أن الأب أقوى جهات العمة والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما
بهما دون غيرهما
(7/104)
كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان بمنزلة
أبويهما دون إخوتهما ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن توريثهما
بجميعها ورثناهما بأقواها كالمجوس عند من لا يورثهم بجميع قراباتهم وكالأخ
من الأبوين فإنا نورثه بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه، وأما أبو
حنيفة وأصحابه فإنهم ورثوهم على ترتيب العصبات، فجعلوا أولاهم من كان من
ولد الميت وإن سفلوا ثم أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ثم ولد أبوي أبويه وإن
سفلوا كذلك أبداً لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منه وإن نزلت
درجتهم، وعن أبي حنيفة أنه جعل أبا الأم وإن علا أولى من ولد البنات ويسمى
مذهبهم مذهب أهل القرابة ولنا أنهم فرع في الميراث على غيرهم فوجب إلحاقهم
بمن هم فرع له وقد ثبت ان ولد الميت من الإناث لا يسقط ولد أبيه فأولى أن
لا يسقطهم ولده (مسائل ذلك) بنت بنت وبنت بنت ابن، المال بينهما على أربعة
فإن كان معهما بنت أخ فالباقي لها وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت
البنت النصف ولبنت بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللخالة السدس، والباقي
لبنت الأخ، فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ وأخذت الباقي لأن العمة
كالاب فتسقطمن هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عماً جعل الباقي لبنت الأخ وأسقط
بها العمة ومن نزلها جدا قاسم بها ابنة الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن
نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ الباقي
(7/105)
وفي قول أهل القرابة لا ترث بنت الأخ مع
بنت البنت ولا مع بنت بنت الابن شيئاً.
(مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم فنصيبه بينهم بالسوية
ذكرهم وأنثاهم سواء، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين الا ولد الأم وقال الخرقي
يسوي بينهم إلا الخال والخالة) اختلفت الرواية عن أحمد في توريث الذكور
والإناث من ذوي الأرحام إذا كانوا من أب واحد وأم واحدة فنقل الأثرم وحنبل
وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية في جميع ذوي الأرحام
اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي عبيد واسحاق ونعيم بن حماد لأنهم لا يرثون
بالرحم المجرد فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، ونقل يعقوب بن بختان إذا
ترك ولد خالة خالته اجعله بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك
ولد العم والعمة ونقل عنه المروذي فيمن ترك خاله وخالته للخال الثلثان
وللخالة الثلث فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين لأن
ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال
كله ولا على العصبة البعيد لأن ذكرهم ينفرد بالميراث دون الإناث فوجب
اعتبارهم بالقريب من العصاب والإخوة والأخوات ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون
بولد الأم وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد واتفق الجميع على التسوية
بين ولد الأم لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم إلا في قول من أمات السبب فإن
عنده للذكر مثل حظ الأنثيين فأما الذي نقل عنه الخرقي أنه يسوي بين الجميع
إلا الخال والخالة قال شيخنا
(7/106)
فلا أعلم موافقاً على هذا القول ولا علمت
وجهه والخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد فأما إذا اختلف
آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات أو إذا
أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فلذلك
موضع يذكر فيه إن شاء الله تعالى (مسائل ذلك) ابن أخت معه أخته وابن بنت
معه أخته المال بينهما نصفين عند من سوى وعند
أهل القرابة وسائر المنزلين المال بينهما على ثلاثة: ابنان وابنتا أخت
لابوبن وثلاث بني وثلاث بنات أخت لأب وأربع بني وأربع بنات أخت لأم أصل
المسألة من خمسة للأخت من الأبوين ثلاثة بين ولدها على أربعة وللأخت من
الأب سهم بين ولدها على ستة وللأخت من الأم سهم بين ولدها على ثمانية
والأربعة داخلة فيها والستة توافقها بالنصف فتضرب نصفها في ثمانية تكن
أربعة وعشرين ثم في خمسة تكن مائة وعشرين ومن فضل أبقى ولد الأم بحالهم
وجعل ولد الأخت من الأبوين ستة توافقهم سهامهم بالثلث فيرجعون إلى اثنين
فيدخلان في الثمانية وولد الأخت من الأب تسعة تضربها في ثمانية تكن اثنين
وسبعين ثم في خمسة تكن ثلاثمائة وستين، وإن كانوا أولاد عمات أو خالات
مفترقات فكذلك وإن كانوا أولاد بنات أو أولاد أخوات من أبوين أو من أب فهي
من اثنين وسبعين عند من سوى ومن مائة وثمانية عند من فضل وقول أهل العراق
هي من سبعة وعشرين كأولاد البنين (فصل) إذا كان معك أولاد بنات أو أخوات
قسمت المال بين أمهاتهن على عددهن فما أصاب
(7/107)
كل واحدة منهن فهو لولدها بالسوية عند من
سوى وعند من فضل جعله بينهم على حسب ميراثهم واختلف أصحاب أبي حنيفة فذهب
أبو يوسف إلى قسم المال على عددهم دون مراعاة أمهاتهم إذا استووا ممن يدلون
به من الآباء والأمهات إلى بنات الميت للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد
البنين، وجعل محمد بن الحسن من أدلى بابن ابنا وإن كانت أنثى ومن أدلى ببنت
بنتا وإن كان ذكراً وجعل المدلى بهم بعدد المدلين ثم قسم بينهم على عددهم
فما أصاب ولد الابن قسمه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وما أصاب ولد الأنثى
قسمه بينهم كذلك (مسائل) من ذلك بنت ابن بنت وابن بنت بنت قول من سوى المال
بينهما نصفين وقول من فضل إن كانا من ولد بنين فكذلك وإن كانا من ولد بنت
واحدة فالمال بين ابنها وبنتها للابن ثلثاه ولبنتها ثلثه فما أصاب ابنها
فهو لبنته وما أصاب بنتها فهو لابنها فيصير للبنت سهمان وللابن سهم وكذلك
قول محمد وقول أبي يوسف للابن سهمان وللبنت سهم كابن الميت وبنته: ابنا بنت
بنت وابن ابن بنت قول من سوى لابن ابن البنت النصف والباقي بين الباقين على
ثلاثة سواء كانوا من ولد بنت أو من
ولد بنين وقول المفضلين إن كانوا من ولد بنتين فلابن ابن البنت النصف
والنصف الآخر بين الباقين على خمسة وإن كانوا من ولد بنت فلابن ابن البنت
الثلثان والثلث الباقي للباقين على خمسة لأن المال كان للبنت الأولى فقسم
بين ابنها وبنتها أثلاثاً للابن سهمان فهما لابنه وللبنت سهم فهو لولدها
قول محمد يقسم بينهم على
(7/108)
خمسة لابن الابن سهمان لأنه يدلي بابن
وللباقين ثلاثة لأنهم يدلون بأنثى وقول أبي يوسف يقسم بينهم على سبعة لكل
ابن سهمان وللبنت سهم.
ابنا بنت بنت وبنتا ابن بنت قول من سوى المال بينهم على أربعة بكل حال قول
المفضلين إن كانوا من ولد بنتين فكذلك وإن كانوا من ولد واحدة فلابنها
الثلثان بين ابنتيه ولابنتها الثلث بين ابنيها قول أبي يوسف المال بينهم
على ستة لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم قول محمد لكل ذكر سهم ولكل أنثى
سهمان.
ابنا وابنتا ابن أخت وثلاثة بني وثلاث بنات بنت أخت قول من سوى النصف بين
الأولين على أربعة والنصف الثاني بين الآخرين على ستة وتصح من أربعة
وعشرين.
قول من فضل إن كانوا من ولد واحدة فللأولين الثلثان سهم على ستة وللآخرين
الثلث سهم على تسعة وتصح من أربعة وخمسين، وإن كانوا من ولد ابنتين صحت من
ستة وثلاثين، قول أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من خمسة عشر وقول
محمد ولد ابن الأخت بمنزلة أربعة ذكور وولد بنت الأخت كست إناث فيقسم المال
بينهم على أربعة عشر فلولد ابن الاخت منها ثمانية أسهم بينهم على ستة
وللآخرين ستة بينهم على تسعة وتصح من اثنين وأربعين وترجع بالاختصار إلى
أحد وعشرين: ابنتا أخ وابن وابنة أخت لابنتي الأخ الثلثان في قول المنزلين
جميعهم وقول محمد والثلث لولدي الأخت بينهما بالسوية عند من سوى ومن فضل
جعله بينهما أثلاثاً وهو قول محمد وقال أبو يوسف لابن الأخت سهمان ولكل
واحد من الباقين سهم وتصح من خمسة
(7/109)
(فصل) بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة
عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة أيضاً هو لبنت البنت لأنها أقرب فإن
كان معهما بنتا بنت ابن أخرى فكأنهم بنتا ابن وبنت فمسئلتهم من ثمانية وتصح
ستة عشر: ابن بنت ابن وبنت ابن بنت المال للابن لأنه أقرب إلى الوارث وهذا
قول عامة من ورثهم
إلا ما حكي عن ابن سالم أنه ينزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيكون المال
بينهما على أربعة للبنت ثلاثة وللابن سهم كبنت وبنت ابن بنت بنت ابن وبنت
بنت ابن ابن وبنتا بنت ابن ابن آخر للأولى ثلاثة أرباع المال والربع الباقي
بين الباقيات على أربعة فتضربها في أصل المسألة تكن من ستة عشر: ابن وبنت
بنت وثلاث بنات بنت وابنا بنت ابن لا شئ لهذين في قول الجميع لأن أمهما
تسقط باستكمال البنات الثلثين ويكون النصف بين الابن وأخته على اثنين
والنصف الآخر على ثلاث، وتصح من اثني عشر عند من سوى ومن فضل جعلها بينهم
على ستة وهو قول أهل القرابة أيضاً.
بنت بنت بنت وبنت ابن بنت أخرى وبنت بنت ابن ابن المال لهذه إلا في قول أهل
القرابة فإنه للأوليين، وقول من أمات السبب ورث البعيد مع القريب المال بين
بنت ابن بنت وبنت بنت ابن ابن على أربعة وتسقط الأخرى لأن هذه وارثة الابن
في أول درجة: بنت بنت وبنت بنت بنت أخرى وبنت بنت ابن المال بين الأولى
والأخيرة على أربعة عند المنزلين وقال اهل القرابة وهو للأولى قول ابن سالم
هو للأوليين وتسقط الثالثة (مسألة) (وإذا كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى
فلبنت الأخت وحدها النصف وللأخرى وأخيها النصف بينهما)
(7/110)
لا خلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت
ميراثها وهو النصف فمن سوى جعل النصف بين الأخت وأخته نصفين والنصف الآخر
لبنت الأخرى وتصح من أربعة، ومن فضل جعل النصف بينهما على ثلاثة وتصح من
ستة وقال أبو يوسف للابن النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة وقال محمد
لولد الأخت الأولى الثلثان بينهما على ثلاثة وللأخرى الثلث وتصح من تسعة
وإذا انفرد ولد كل أخ أو أخت فالعمل فيه على ما ذكرنا في أولاد البنات،
ومتى كان الأخوات والاخوة من ولد الأم فاتفق الجميع على التسوية بين ذكرهم
وأنثاهم إلا الثوري ومن أمات السبب: ثلاث بنات أخ وثلاثة بني أخت إن كانا
من أم فالمال بينهم على عددهم وإن كانا من أب أو من أبوين فلبنات الأخ
الثلثان ولبني الأخت الثلث وتصح من تسعة عند المنزلين ومحمد وفي قول أبي
يوسف يجعل لبني الأخت الثلثين ولبنات الأخ الثلث: ابن وبنت أخت لأبوين وابن
أخت لأم هي من أربعة عند من فضل وعند من سوى تصح من
ثمانية، قول محمد كأنهما أختان من أبوين وأخت من أم وتصح من خمسة عشر فإن
كان ولد الأم أيضاً ابنا وابنة صحت عند جميعهم من ثمانية إلا الثوري فإنه
يجعل للذكر من ولد الأم مثل حظ الأنثيين فتصح عنده من اثني عشر وعند محمد
هي من ثمانية عشر: ابنا أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا أخت أخرى لأب
من ثمانية في قول عامتهم وتصح من اثنين وثلاثين عند من سوى، وعند من فضل من
ثمانية وأربعين، وقول محمد يسقط ولد الأب ويتفق قوله وقول أبي يوسف في أن
المال لابن
(7/111)
الأخت من الأبوين: ابن أخت لأبوين وابن
وابنة أخت لأم وابنا وابنتا أخت أخرى لأم قول المنزلين من عشرين الثوري من
ثلاثين محمد من ستين (فصل) ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات مذهب أحمد وسائر
المنزلين أن المال يقسم بين الأخوات على قدر سهامهن فما أصاب كل أخت فهو
لولدها والمال في هذه المسألة بين الاخوات على على خمسة فيكون بين اولاد هن
كذلك، والحكم في ثلاث بنات عمات مفترقات كذلك لأنهن أخوات الأب فميراثه
بينهن على خمسة، وكذلك ثلاث خالات مفترقات لأنهن أخوات الأم وقدم أهل
القرابة من كان لأب وأم من جميعهم ثم من كان لأب ثم من كان لأم إلا محمد بن
الحسن فإنه قسم ميراث أولاد الأخوات على أعدادهم وأقامهم مقام أمهاتهم
كأنهم أخوات (مسائل) من ذلك ست بنات ثلاث أخوات مفترقات المال بين الأخوات
على خمسة فما أصاب كل واحدة فهو لبنيها وتصح من عشرة وعند أبي يوسف المال
كله لولد الأبوين وعند محمد لهما الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة: ست
بنات ست أخوات مفترقات لبنتي الأختين من الأبوين الثلثان ولولد الأم الثلث
وتصح من ستة هذا قول محمد.
ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا وابنتا أخت أخرى لأب وثلاثة بني
وثلاث بنات أخت لأم هي من مائة وعشرين عند من سوى ومن ستين عند من فضل ومن
أربعة وخمسين عند محمد، فإن كان معهم أربعة بني وأربع بنات أخت أخرى لأم
(7/112)
صحت من مائة وأربعة وأربعين عند المنزلين
كلهم، قول محمد كأنهم أخت لأبوين وست أخوات لأب
وأربع عشرة أختاً لأم سهم ولد الأب بينهم على تسعة فتصح من ثلثمائة وثمانية
وسبعين، فإن كان ولد الأخت من الأبوين ابناً وبنتاً صحت كذلك عند المنزلين
وعند محمد كأنهما أختان لأبوين فيسقط ولد الأب وتصح من مائة وستة وعشرين
والقول في العمات المفترقات والخالات المفترقات وأولادهن كالقول في ولد
الأخوات المفترقات (فصل) فإن كن ثلاث بنات ثلاث إخوة مفترقين فلبنت الأخ من
الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين هذا قول جميع المنزلين لأن الاخوة
المفترقين يسقط ولد الأب منهم ولد الأبوين وللأخ للأم السدس والباقي كله
للأخ للأبوين، ثم ما صار لكل أخ فهو لولده وكذلك الحكم في الأخوال
المفترقين لأنهم إخوة الأم (مسائل) من ذلك ست بنات ستة إخوة مفترقين لولد
الأم الثلث والباقي لولد الأبوين: ست بنات ثلاثة إخوة مفترقين لولد الأم
السدس والباقي لولد الأبوين قول محمد لولد الأم الثلث: بنت أخ لأبوين وابن
أخ لأم وبنت أخ آخر لام، ابن وبنت بنت أخ لأب وابنا وابنتا ابن أخ لأم
وثلاث بني
(7/113)
وثلاث بنات بنت أخ لأم تصح من اثنين وسبعين
عند المنزلين، فإن كان مكان الأخ من أب أخت كانت من ستين فإن كان معهم ابن
بنت أخت من أبوين عادت إلى اثنين وسبعين (فصل) بنت أخ لأم وبنت ابن أخ لأب
للأولى السدس والباقي للثانية عند المنزلين وفي القرابة هي للأولى لأنها
أقرب إلى الميت.
بنت بنت أخ لأبوين وبنت ابن اخ لابوبن المال لهذه في قول الجميع: بنت ابن
أخ لأم وبنت بنت أخ لأبوين وابن بنت اخ لاب الاولى السدس والباقي للثانية،
وقال أبو يوسف الكل للثانية: بنت أخ لأم وبنت بنت أخ لأب المال للأولى إلا
في قول الثوري وابن سالم وضرار للأولى السدس والباقي للثانية لأنهم يورثون
البعيد مع القريب، وإن كانا من جهة واحدة: ابن وبنت أخت لأبوين وبنتا أخ
لأب وثلاثة بني أخت لاب وخمس بني أخت لأم وعشر بنات أخ لأم أصلها من ثمانية
عشر وتصح من خمسمائة وأربعين في قول المنزلين النصف من ذلك بين ولدي الأخت
للأبوين بالسوية عند من سوى وأثلاثاً عند من فضل ولولد الأم الثلث وهو مائة
وثمانون لولد الأخ تسعون ولولد الأخت
تسعون ولولد الأب تسعون ولولد الأخ ستون ولولد الأخت ثلاثون: ثلاث بنات
إخوة مفترقين وثلاث بنات أخوات مفترقات لولدي الأم الثلث بينهما بالسوية
والباقي لولدي الأبوين لبنت الأخ ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وإن كان معهم ثلاث
بني أخوال مفترقين فلهم السدس لأبن الخال من الأم سدسه
(7/114)
وباقيه لابن الخال من الأبوين ويبقى النصف
لبنت الأخ من الأبوين ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وتصح من ستة وثلاثين.
(مسألة) (وإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم
على ذلك كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على
خمسة والثلثان بين العمات كذلك فاجتز بإحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة
عشر للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم وللخالة التي من قبل الأب
سهم وللتي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم وللتي
من قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان، إنما كان كذلك لأن الخالات
بمنزلة الأم والعمات بمنزلة الأب فكأن الميت خلف أباه وأمه فلأمه الثلث
والباقي للأب فما صار للأم بين أخواتها على خمسة لأنهن أخوات لها، مفترقات
فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة كما يقسم مال الميت بين أخواته
المفترقات، وما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة فصار الكسر في الموضعين
على خمسة وإحداهما تجزئ عن الأخرى لأنهما عددان متماثلان، فتضرب إحداهما في
أصل المسألة وهي ثلاثة تكن خمسة عشر، فللخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن
كما ذكر وللعمات سهمان في خمسة مقسومة بينهن على خمسة كما ذكر وهذا قول
عامة المنزلين وعند أهل القرابة للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة من
الأبوين
(7/115)
الثلث وسقط سائرهن، وقال نعيم واسحاق
الخالا ت كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة وكذلك نصيب العمات بينهن
على ثلاثة يتساوين فيه فتكون هذه المسألة من تسعة، فإن كان مع الخالات خال
من أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة وتصح من
ثمانية عشر عند المنزلين (مسألة) (فإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من
الأم السدس والباقي للخال من الأبوين)
كما لو خلف ثلاثة إخوة مفترقين ويسقط الخال من الأب كما يسقط الأخ من الأب
في الاخوة المفترقين بالأخ من الأبوين، وكذلك ثلاثة أخوال، مفترقين مع ثلاث
خالات مفترقات كثلاث بنات إخوة مفترقين مع ثلاث بنات أخوات مفترقات كما ذكر
(مسألة) (فإن كان معهم أبو أم أسقطهم) كما يسقط الأب الاخوة وأولادهم (فصل)
ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من أم الثلث بين الأخوال
والخالات على ستة للخال والخالة من الأم الثلث بينهما بالسوية وثلثاه للخال
والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فضل وهو قول أكثر المنزلين
وإحدى الروايتين عند أحمد وذكرها الخرقي في الخال والخالة خاصة والرواية
الأخرى هو بينهما على السوية، والثلثان بين العم والعمة بالسوية: ثلاث عمات
وثلاث بنات عم، وثلاث خالات، وثلاثة بني خال، الميراث للعمات والخالا ت
وسقط الباقون ويكون للخالات الثلث والباقي للعمات، فإن كان معهم ثلاث بنات
إخوة فللخالات السدس والباقي للعمات لأنهن بمنزلة الأب
(7/116)
فيسقط منهن بنات الاخوة لأنهن بمنزلة
الاخوة ويحتمل أن يجعل أولاد الاخوة والأخوات من جهة الأبوة فيقدم ولد
الأبوين وولد الأب على العمات لأنهن أولاد بنيه والعمات أخواته، ووجه هذا
الاحتمال أننا إذا جعلنا الاخوة جهة والأبوة جهة أخرى مع ما تقرر من أصلنا
أن البعيد والقريب اذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط
به القريب أو لا لزم منه سقوط بنات الاخوة ببنات العم من الأم لأنهن من جهة
الأب ويلزم من هذا أن يسقطن ببنات العمات وبنات الأعمام كلهم، فأما إن كان
مكان العمات والخالات بناتهن فللخالات السدس بين بناتهن على خمسة والباقي
لبنات الاخوة لبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين، وتصح
المسألة من ثلاثين فإن لم يكن بنات اخوة من أبوين ولا من أب فالباقي لبنت
العم من الأبوين.
(فصل) خالة وابن عمة للخالة الثلث والباقي لابن عمته، وهذا قول الثوري ومن
ورث البعيد مع القريب، وفي قول أكثر المنزلين وأهل القرابة: المال للخالة
لأنها أقرب وكذلك إن كان مكان الخالة خال عمة وابن خال معه أخته الثلث بين
ابن الخال وأخته بالسوية إن كان أبوهما خالا من أم وإن
كان من أب أو من أبوين ففيه روايتان (إحداهما) هو بينهما بالسوية ايضاً
(والثانية) على ثلاثة والباقي للعمة وعند أكثر الفرضيين المال للعمة: بنت
عم وابن عمة وبنت خال وابن خالة الثلث بين بنت الخال وابن الخالة بالسوية
إن كانا من أم وإن كانا من أبوين أو من أب فهل هو بالسوية أو على ثلاثة؟
(7/117)
فيه روايتان.
وإن كان ابن الخالة من أم والخال من أب فلابن الخالة سدس الثالث والباقي
لبنت الخال وإن كانت بنت الخال من أم وابن الخالة من أب فالثلث بينهما على
أربعة والباقي لابن العمة وعند أكثر المنزلين المال كله لبنت العم لانه
أسبق إلى الوارث: خالة وبنت عم ثلث وثلثان وعند أهل القرابة هو للخالة: عمة
وبنت عم من نزل العمة أبا جعل المال لها ومن نزلها عماً جعله بينهما نصفين
وكذلك من أمات السبب: بنت ابن عم لأب وبنت عمة لأبوين المال لبنت ابن العم:
ابن خال من أم وبنت خالة من أب وبنت عم من أم وابن عمة من أب الثلث من
أربعة والثلثان من أربعة أيضاً وتصح من اثني عشر وفي القرابة الثلث لبنت
الخالة والثلثان لابن العمة وتصح من ثلاثة.
(فصل) خالة وخال وابوام المال لأبي الأم فإن كان معهم ابنة عم أو عمة
فالثلث لأبي الأم والباقي لابنة العم أو العمة فإن كان مكان أبي الأم أمه
فلا شئ لها لأن الخالة أسبق إلى الوارث والجهة واحدة: خالة وأبو أم أم،
المال للخالة، لأنها بمنزلة الأم وهي تسقط أم الأم: ابن خال وابن أخ من أم،
المال بينهما على ثلاثة كأنهما أم وأخ من أم وعند المنزلين هو لابن الأخ
فإن كان معهما ابن أخت من أب فالمال بينهم على خمسة لابن الأخت ثلاثة
أخماسه ولكل واحد منهما الخمس، فإن كان معهم بنت أخ من أبوين فلها النصف
ولكل واحد من الباقين السدس.
وعند المنزلين لا شئ لابن الخال، والمال بين الباقين على خمسة: خال، وابن
ابن أخت لأم، المال بينهما على ثلاثة، وعند المنزلين هو للخال
(7/118)
بنت بنت أخت لأبوين، وابن ابن أخ لأم، وبنت
ابن أخ لأب وبنت خالة، لهذه السدس، والباقي لبنت ابن الأخ.
وعند المنزلين المال كله لها (فصل) عمة وابنة أخ، المال للعمة عند من نزلها
أباً ولابنة الأخ عند من نزلها عما، وبينهما عند من
نزلها جداً.
بنت عم وبنت عمة وبنت أخ من أم وبنت أخ من أب، لبنت الأخ من الأم السدس،
والباقي لبنت الأخ من الأب، فإن لم يكن بنت أخ من أب فالباقي لبنت العم،
ويجئ على قول من نزل البعيد حتى يلحق بوارثه وجعل الأبوة جهة والأخوة جهة
أن يسقط أولاد الأخوة فإن جعل الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى أسقط بنت العم
ببنت العمة، وقيل إن هذا قول ابن سالم وهو بعيد.
بنت عم وبنت خال وبنت أخ من أب لبنت الخال الثلث والباقي لبنت الأخ وعند
أكثر المنزلين الكل لبنت الأخ.
ثلاث بنات أخوات مفترقات وثلاث بنات عمات مفترقات السدس الباقي بين بنات
العمات على خمسة وتصح من ثلاثين فإن كان معهم خال أو خالة أو واحد من
أولادهما فله السدس ولا شئ لولد العمات إلا على قول ابن سالم وأصحابه فإنه
يورثهم ويسقط ولد الأخوات ويقتضيه قول أبي الخطاب.
خالة وعمة وست بنات ثلاث أخوات مفترقات، للخالة السدس والباقي للعمة ومن
نزلها عماً فلبنتي الأخت من الأبوين النصف ولبنتي الأخت من الأب السدس
ولبنتي الأخت من الأم السدس فإن كن بنات ست أخوات مفترقات عالت على هذا إلى
سبعة
(7/119)
(مسألة) وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين
فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها) أكثر أهل التنزيل على هذا وهو قول أهل
القرابة، وقال الثوري المال بين بنت العم من الأبوين وبنت العم من الأم على
أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الأم السدس والباقي لبنت العم من الأبوين
كبنات الاخوة.
قال شيخنا ولا يصح شئ من هذا لأنهن بمنزلة آبائهن، ولو كان آباؤهن أحياء
لكان المال للعم من الأبوين، وفارق بنات الاخوة لأن آباءهن يكون المال
بينهم على ستة ويرث الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين بخلاف العمومة، وقيل
على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الأم لأنها بعد درجتين
بمنزلة الأب فيسقط به العم.
قال الخبري وليس بشي، وقد ذكر أبو الخطاب قولا من رأيه يفضي إلى هذا فإنه
ذكر أن الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى، وأن البعيد والقريب من ذوي الأرحام
اذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا،
فيلزم على هذا أن تنزل بنت العم من الأم حتى تلحق بالأب فيسقط بها بنتا
العمين الآخرين.
وأظن أبا الخطاب
لو علم إفضاء هذا القول إلى هذا لم يذهب إليه لما فيه من مخالفة الإجماع
ومقتضى الدليل وإسقاط القوي بالضعيف والقريب بالبعيد.
قال شيخنا ولا يختلف المذهب أن الحكم في هذه المسألة على ما ذكرنا أولاً
(ومن مسائل ذلك) بنت عم لأبوين وبنت عم لأب، المال للأولى.
بنت عم لأب وبنت عم لأم كذلك
(7/120)
بنت عم لأب وبنت ابن عم لأبوين كذلك: بنت
ابن عم لأب وبنت عم لأم المال للأولى عند المنزلين، وللثانية عند أهل
القرابة لأنها أقرب.
بنت عم لأم وبنت بنت عم لأبوين المال للأولى في قولهم جميعاً.
بنت عم وابن عمة المال لبنت العم عند الجمهور.
وحكي عن الثوري أن لبنت العم سهمين ولابن العمة سهم.
بنت بنت عم وبنت ابن عم.
المال لهذه عند الجمهور، وقول ابن سالم هو للاولى.
بنت عمة من أبوين وبنت عم من أم، لبنت العم السدس، ولبنت العمة النصف ويرد
عليهما الباقي فيكون بينهما على أربعة.
ثلاث بنات عمات مفترقات وبنت عم من أم المال بينهن على ستة فإن كان معهن
بنت عم من أبوين أو أب ورثت المال دونهن (مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم
بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء فما صار لكل وارث فهو لمن
أدلى به) إذا لم يسبق بعضهم بعضا فإن سبق بعضهم بعضا فالسابق إلى الوارث
أولى كبنت بنت بنت وبنت أخ لأم المال لبنت بنت البنت لأن جدتها تسقط الأخ
من الأم، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ والقول الاولى أولى، وإن كانوا من
جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيأخذ نصيبه سواء سقط
(7/121)
القريب أو لم يسقط إذا كانوا من جهة واحدة
كخالة وأم أبي أم الميراث للخالة لانها تلقى لام بأولى درجة، وإن أسقط
بعضهم بعضاً كأبي الأم والأخوال فأسقط الأخوال لأن الأب يسقط الاخوة
والأخوات.
ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم للخالة الثلث
ولابنة ابن العم الثلثان ولا تعطى بنت الخالة شيئاً ونقل حنبل عنه أنه قال:
قال سفيان قولا حسناً إذا كانت خالة وبنت ابن عم تعطى الخالة الثلث
وبنت ابن العم الثلثين وظاهر هذا يدل على ما قلناه وهو قول الثوري ومحمد بن
سالم والحسن بن صالح وقال ضرار بن صرد إن كان البعيد إذا نزل أسقط القريب
فالقريب أولى وإن لم يكن يسقطه نزل البعيد حتى نلحقه بالوارث، وقال سائر
المنزلين الأسبق إلى الوارث أولى بكل حال ولم يختلفوا فيما علمت في تقديم
الأسبق اذا كانا من جهة واحدة إلا نعيماً ومحمد بن سالم فإنهما قالا في عمة
وبنت عمة المال بينها نصفين.
(فصل) فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم
فإن كانوا جماعة فأدلوا بشخص واحد كخالة وأم أبي أم وابن خال فالمال للخالة
لأنها تلقى الأم بأول درجة وهذا قول عامة المنزلين إلا أنه حكي عن النخعي
وشريك ويحيى بن آدم في قرابة الأم خاصة أنهم أماتوا الأم وجعلوا نصيبها
لورثتها، ويسمى قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي
(7/122)
الأرحام فعلى قولهم يكون للخالة نصف ميراث
الأم لأنها أخت، لأم أبي الأم السدس لأنها جدة والباقي لابن الخال لأنه ابن
أخ.
ولنا أن الميراث من الميت لا من سببه ولذلك ورثنا أم أم الأم دون ابن عم
الأم بغير خلاف أيضاً في أبي أم أم وابن عم أبي أم إن المال للجد لأنه
أقرب، ولو كانت الأم الميتة كان وارثها ابن عم أمها دون أبي أمها.
خالة وأم أبي أم وعم أم المال للخالة وعندهم للخالة النصف وللجدة السدس
والباقي للعم، فإن لم يكن فيها عم أم فالمال بين الخالة وأم أبي الأم على
أربعة، فإن لم يكن فيها جدة فالمال بين الخالة وعمها نصفين.
ابن خالة وابن عم أم المال لابن الخالة وعندهم لابن عم الأم (مسألة)
(والجهات أربع الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة) قال شيخنا لم أعلم أحداً
من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينها إلا أبا الخطاب فانه عدها خمس
جهات الأبوة والامومة والبنوة الاخوة والعمومة، وهذا يفضيى إلى أن بنت العم
من الأم وبنت العمة تسقط بنت العم من الأبوين.
قال شيخنا ولم أعلم أحداً قال به وقد ذكر شيخنا في المغنى أنه قياس قول
محمد بن سالم لأنها تعد درجتين بمنزلة الأب والأب يسقط العم، وكذلك بنت
العم من جهة الأب وبنت العم من جهة العم، والصواب إذاً
أن تكون الجهات أربعا الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة، إلا أنا إذا جعلنا
الاخوة جهة أفضى إلى إسقاط بنت الأخ وبنات الاخوات وبنوهن ببنات الأعمام
والعمات وهو بعيد أيضاً لأن الأخ يسقط
(7/123)
العم فعلى هذا ينبغي أن تكون الجهات ثلاثة
الأبوة والأمومة والبنوة وهو الذي اختاره شيخنا أخيراً ذكره في كتاب
العمدة، فعلى هذا يرث أسبقهم إلى الوارث وهو أولى إن شاء الله تعالى
(مسائل) من هذا بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ، المال بين الأولى
والثالثة وسقطت الثانية إلا عند محمد بن سالم ونعيم فإنها تشاركهما، ومن
ورث الأقرب جعله لبنت الأخ لأنها أسبق وعند أهل القرابة هو للأولى وحدها
لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية.
ان خال وبنت عم ثلث وثلثان ومن ورث الأسبق جعله لبنت العم فإن كان معهما
بنت عمة فلا شئ لها لأن بنت العم أسبق إلى الوارث منهما وهما من جهة واحدة،
وإن كان معهم عمة سقطت بنت العم لأن العمة بمنزلة الأب وبنت العم بمنزلة
العم.
بنت بنت بنت وبنت بنت ابن المال للثانية عند الجميع إلا ابن سالم ونعيم.
بنت بنت بنت وابن أخ لأم المال للأولى، ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخ وهو
قول ضرار لأن البعيد إذا نزل أسقط القريب.
بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة عند جميع المنزلين وعند أهل
القرابة هو لبنت البنت لأنها أقرب.
ابن بنت بنت وبنت أخ هو بينهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ وعند أهل
القرابة هو لابن بنت البنت.
ابن بنت وابن ابن ابن أخت لأبوين المال بينهما وعند من ورث الأقرب وأهل
القرابة هو للأول.
بنت أخ وبنت عم أو بنت عمة المال لبنت الأخ، وقياس قول أحمد في توريث
القريب مع البعيد إن كانا من جهتين أن يكون لبنت العم والعمة لأنها من جهة
الأب وذلك قول ضرار
(7/124)
أيضاً.
ابن أخت وابن عم لأم الميراث بينهما ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخت وهو
قول أهل القرابة لأنها من ولد أبوي الميت ولأن العم للأم من ولد أبوي
أبويه.
بنت عم وبنت عم أب هو للأولى عند الجميع إلا ابن سالم ونعيم.
بنت بنت بنت وأم أبي أم المال بينهما على أربعة.
بنت بنت بنت وابوام أب مثلها عندنا وعند من ورث الأقرب جعله للثاني.
بنت بنت بنت ابن وعمة أو خالة.
للأولى النصف
في الأولى ومع الخالة لها ثلاثة أرباع المال وعند من ورث الأقرب الكل للعمة
أو للخالة (فصل) في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما، مذهبنا تقديم الأسبق
إلى الوارث إن كانا من جهة واحدة وتنزيل البعيد حتى يلحق بوارثه إن كانا من
جهتين.
ثم يجعل لمن أدلى به ما كان له وأكثر المنزلين يعطون الميراث للأسبق بكل
حال، والمشهور عند أهل العراق أن نصيب الأم بين خالها وخالتها وعمها وعمتها
على ثلاثة ونصيب الأب بين عماته وخالاته كذلك (ومن مسائل ذلك) ثلاث خالات
أم مفترقات وثلاثة أعمام أم مفترقين وثلاث خالات أب مفترقات فخالات الأم
بمنزلة أم الأم وخالات الأب بمنزلة أم الأب فيكون المال بين هاتين الجدتين
نصفين ونصيب كل واحدة منهما بين أخواتها على خمسة ويسقط أعمام الأم لأنهم
بمنزلة أبي الام وهو غير وارث فإن كان معهم عمات أب فلخالات الأب والأم
السدس بينهما والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة الجد.
عمة أب وعمة أم لعمة الأم الثلث والباقي لعمة الأب هذا قياس المذهب وهو قول
أهل العراق
(7/125)
وقال القاضي المال لعمة الأب لأنها أسبق
لكونها أخت الجد وهو وارث وهذا قول أكثر المنزلين لأنهم يورثون الأسبق بكل
حال.
خالة أم وعمة أب للخالة السدس والباقي للعمة لأنها كجد وجدة وكذلك القول في
خالة أب وعمته.
خالة أم وخالة أم أب المال لخالة الأم لأنهما بمنزلة أم أم وأم أم أب.
خال أب وعم أم المال للخال لأنه بمنزلة جدة.
والجدات بمنزلة الأمهات.
بنت خال أم وبنت عم أب لبنت الخال السدس ولبنت العم ما بقي ومن ورث الأسبق
جعل الكل لبنت العم.
ابوابي ام وابوام أب المال لأبي أم الأب فإن كان معهما ابوام أم فهو بينهما
نصفين لأنهما بمنزلة جدتين متحاذيتين ابوام ابي ام وابوابي أم أم المال
للثاني لأنه أسبق فإن كان معهما ابوام أبي أب فالمال له لأنه بأول درجة
يلقى الوارث.
أب وأم أبي أم لأم أبي الأم الثلث والباقي للأب فإن كان معهما ابوام أم
فالمال له لأنه يدلي بوارث فإن كان معهم ابوام أب فالمال بين هذا والذي
قبله نصفين (مسألة) (ومن أمت بقرابتين ورث بهما باجماع من المورثين) إلا
شيئاً يحكى عن أبي يوسف أنهم لا يرثون إلا بقرابة واحدة، ولا يصح عنه ولا
هو صحيح في نفسه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما
فورث بهما كالزوج إذا كان ابن عم وابن العم اذا كان أخاً لأم، وحساب ذلك أن
تجعل ذا القرابتين كشخصين فتقول في ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى وبنت
بنت بنت أخرى للابن الثلثان وللبنت الثلث فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة
أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن فضل جعل له النصف
(7/126)
والثلث ولأخته السدس وهذا قول أكثر
المنزلين وقول أبي حنيفة ومحمد وقياس قول أبي يوسف له أربعة أخماس ولأخته
الخمس.
بنتا أخت من أم إحداهما بنت أخ من أب وبنت أخت من أبوين هي من اثني عشر ستة
لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من جهة أبيها ولها سهم من جهة
أمها وللاخرى سهم.
عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر أيضاً لذات
القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان
معهما عم من أم وهو خال من أب صحت من تسعين.
ابن وبنت ابن عمة من أم البنت هي بنت عم من أم والعم هو خال من أب.
ابن وبنت ابن خال من أب الابن هو ابن بنت خال آخر من أب والخالات عمان من
أم هي من ثمانية عشر (مسألة) (فإن اتفق معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير
محجوب ولا معاول) قال شيخنا لا أعلم خلافا عمن ورثهم أنهم يرثون مع أحد
الزوجين ما فضل ميراثه من غير حجب ولا معاولة لأن الله سبحانه فرض للزوج
والزوجة ونص عليهما فلا يحجبان بذوي الأرحام وهم غير منصوص عليهم وقسمت
المال بينهم كما لو انفردوا وروي ذلك عن إمامنا وبه قال أبو عبيد ومحمد بن
الحسن واللؤلؤي وعامة من ورثهم ويحتمل أن يقسم الباقي عن فرض الزوج كما
يقسم بين من أدلوا به مع أحد الزوجين على الحجب والعول فيفرض
(7/127)
للزوج سهمه كاملاً من غير حجب ولا عول ثم
يقسم الباقي بينهم على قدر سهامهم وهذا قول يحيى بن آدم وضرار: وإنما يقع
الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن بدلي بعصبة فأما إن أدلى جميعهم
بذي فرض أو عصبة فلا خلاف فيه، فنقول في زوج وبنت بنت وبنت أخت لأبوين أو
لأب للزوج النصف
والباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة على القول الأول وعلى الثاني من ستة
للزوج ثلاثة ولبنت البنت سهمان ولبنت الأخت سهم زوجة وابنتا ابنتين وابنتا
أختين للزوجة الربع ولبنتي البنتين ثلثا الباقي وهو النصف ولبنتي الأختين
الباقي وهو الربع وتصح من ثمانية وعلى قول يحيى وضرار تفرض المسألة من
ثمانية للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان وليس لها ثلثان فتضربها في ثلاثة تكن
أربعة وعشرين للزوجة الثمن ولبنتي البنتين الثلثان ستة عشر والباقي لبنتي
الاختين وهو خمسة، ثم تعطي الزوجة الربع وتقسم الباقي على أحد وعشرين
للبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين خمسة، والأحد وعشرون ثلاثة أرباع فكملها
بأن تزيد عليها ثلثها تكن ثمانية وعشرين للزوجة سبعة وللبنتين ستة عشر يبقى
خمسة لا تنقسم على بنتي الأختين فتضربها في اثنين تكن سنة وخمسين ومنها
تصح.
زوج وبنت بنت وخالة وبنت عم للزوج النصف والباقي بين ذوي الأرحام على ستة
لبنت البنت ثلاثة وللخالة سهم ويبقى لبنت العم سهمان وتصح من اثني عشر، وفي
قول يحيى وضرار تفرض المسألة من اثني عشر للزوج ثلاثة وللبنت ستة وللأم
سهمان يبقى للعم سهم ثم يعطى الزوج النصف ويجمع سهام الباقين وهي تسعة لهم
النصف فتصح من ثمانية عشر، فإن كان مكان لزوج امرأة فعلى القول الأول
للمرأة الربع والباقي بين ذوي
(7/128)
الأرحام على ستة وهي توافق باقي مسألة
الزوجة بأثلاث فتردها إلى اثنين وتضربها في أربعة تكن ثمانية للمرأة سهمان
ولبنت البنت نصف الباقي ثلاثة وللخالة سهم ولبنت العم سهمان، وعلى قول يحيى
تفرضها من أربعة وعشرين لذوي الأرحام منها أحد وعشرون ثم تفرض للمرأة الربع
من أربعة لها سهم ولهم ثلاثة توافق سهامهم بالثلث فتضرب ثلثها في أربعة تكن
ثمانية وعشرين ومنها تصح.
امرأة وثلاث بنات ثلاث إخوة مفترقين.
امرأة وبنت بنت وثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات (مسألة) (ولا يعول
من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها) وهي خالة أو غيرها ممن يقوم
مقام الأم أو الجدة وست بنات ست أخوات مفترقات أو من يقوم مقامهن ممن يأخذ
المال بالفرض فإنها من ستة للخالة السدس ولبنتي الأختين من الأم الثلث
ولبنتي الأختين من الأبوين الثلثان أربعة تعول إلى سبعة لأن العول الزائذ
على هذا لا يكون إلا لأحد
الزوجين وليس ذلك في ذوي الأرحام
(7/129)
(باب ميراث الحمل) (إذا مات عن حمل يرثه
وطالب بقية الورثة بالقسمة وقفت له نصيب ذكرين إن كان نصيبهما أكثر وإلا
وقفت له نصيب ابنتين) وجملة ذلك أن الإنسان إذا مات عن حمل يرثه وقف الأمر
حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة لم يعطوا كل المال بغير خلاف بين
العلماء إلا ما حكي عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن يدفع إلى من
لا ينقصه كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ميراثه ولا تدفع إلى من يسقطه
شيئاً، فأما من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا يوقف للحمل شئ ويدفع إلى
شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو
رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى شركائه شئ لأن الحمل
لا حد له ولا نعلم كم يترك له وقد حكى الماوردي قال: أخبرني رجل من أهل
اليمن ورد طالبا للعلم وكان من اهل الدين والفضل أن امرأة ولدت باليمن
شيئاً كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس
وحمي بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعاً وكانوا
خلفا سوياً إلا أنه كان في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير
به فيقال صرعك سبع رجل
(7/130)
قال شيخنا وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان
وستمائة أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال: ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة
في بطن واحد ذكوراً وإناثاً، قال وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها فتزوجت
بعده من كان يقرأ عليها وكانت تلد ثلاثة في كل بطن، وقال غير الشافعي هذا
نادر لا يعول عليه فلا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة
حمل.
(فصل) واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فعن أحمد أنه يوقف نصيب ذكرين إن
كان ميراثهما أكثر أو نصيب أنثيين إن كان أكثر وهذا قول محمد بن الحسن
واللؤلؤي وقال شريك يوقف نصيب
أربعة فإني رأيت بني إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد محمد وعمر وعلي قال
يحيى وأظن الرابع إسماعيل وروى ابن المنذر هذا القول عن أبي حنيفة ورواه
الربيع عن الشافعي، وقال الليث وأبو يوسف يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من
الورثة ولنا أن ولادة التوأمين كثير معتاد فلم يجز قسم نصيبهما كالواحد وما
زاد عليها نادر فلم يوقف له شئ كالخامس والسادس (مسألة) (فإذا وضع الحمل
دفعت إليه نصيبه ورددت الباقي إلى مستحقه، وإن كان يرث الموقوف كله أخذه،
وإن أعوز شيئاً رجع على من هو في بدء)
(7/131)
(مسائل من ذلك) امرأة حامل وبنت للمرأة
الثمن، وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعة وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين،
ولا يدفع إليها شئ في المشهور عن الشافعي، فإن كان مكان البنت ابن دفع إليه
ثلث الباقي أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال، ومتى زادت الفروض على ثلث
المال فميراث الإناث أكثر، فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا فللمرأة ثلاثة من
سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر ويستوي ههنا قول من وقف
نصيب اثنين وقول من وقف بين أربعة وقول أبي يوسف تعطى المرأة ثمناً كاملا
والأبوان ثلثاً كاملاً ويؤخذ منهم ضمين، فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة
عشر من مائة وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر، وفي قول
أبي يوسف ثلاثة عشر من اثنين وسبعين، ويؤخذ من الكل ضمين من البنت لاحتمال
أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال أن تعول المسألة، وعلى قولنا
يوافق بين سبعة وعشرين وبين مائة وعشرين بأثلاث ويضرب ثلث إحداهما في
الأخرى تكن ألفاً وثمانين للبنت ثلاثة عشر في تسعة، مائة وسبعة عشر،
وللأبوين والمرأة أحد عشر في أربعين وما بقي فهو موقوف زوج وأم حامل من
الأب المسألة من ثمانية، للزوج ثلاثة، وللأم سهم ويقف أربعة وقال أبو يوسف
ندفع إلى الأم سهمين ونقف ثلاثة ونأخذ منها ضميناً، هكذا حكى عنه الخبري
وإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين كعصبة أو أحد من ولد الأب لم يعط
شيئاً ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث، وللأم السدس، وللجد السدس،
والباقي موقوف، وقال
(7/132)
أبو حنيفة: للزوج النصف، وللأم السدس،
وللجد السدس، ويقف السدس بين الجد والام ولا شئ للحمل لأن الجد يسقطه، وأبو
يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ويقف أربعة أسهم.
وحكي عن شريك أنه كان يقول تعول على الجد فيقف ههنا نصيب الإناث فتكون عنده
من تسعة تقف منها أربعة ولو لم يكن فيها زوج كان للأم السدس، وللجد ثلث
الباقي، ويقف عشرة من ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد الثلثان، وللأم
السدس، ويوقف السدس بينهما، قول أبي يوسف يقف الثلث ويعطي كل واحد منهما
ثلثاً ويؤخذ منهما ضمين، ومتى خلف ورثة وأما تحت الزوج فينبغي للزوج
الامساك عن وطئها ليعلم أحامل هي أم لا؟ كذا يروي عن علي وعمر بن عبد
العزيز والشعبي والنخعي وقتادة في آخرين فإن وطئها قبل استبرائها فأتت بولد
لأقل من ستة أشهر ورث لأنا نعلم أنها كانت حاملاً به وإن ولدته لأكثر من
ذلك لم يرث إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملاً يوم موت ولدها.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا استهل المولود صارخاً ورث وورث وفي معناه
العطاس والتنفس والارتضاع وما يدل على الحياة، فأما الحركة والاختلاج فلا
يدل على الحياة) وجملة ذلك أن الحمل لا يرث إلا بشرطين (أحدهما) أنه كان
موجوداً حال الموت وبعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به
لأكثر من ذلك وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن يقر الورثة أنه كان
موجوداً حال الموت وإن كانت لا توطأ لعدم الزوج أو السيد أو لغيبتهما
(7/133)
أو اجتنابهما الوطئ عجزاً أو قصداً أو غيره
ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل وهي أربع سنين في إحدى الروايتين، وفي
الأخرى سنتان (الشرط الثاني) أن تضعه حيا فإن وضعته ميتاً لم يرث في قول
الجميع واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة فأتفقوا على أنه إذا استهل
صارخاً ورث وورث، لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال إذا استهل المولود ورث، وروى ابن ماجة عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله واختلفوا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة لا يرث
حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه، ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو؟ فقالت
طائفة لا يرث حتى يستهل
صارخاً، والمشهور عن أحمد أنه لا يرث حتى يستهل، روى ذلك عن ابن عباس
والحسن بن علي وأبي هريرة وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح والحسن وابن
سيرين والنخعي والشعبي وربيعة ويحيى ابن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن
ومالك وأبي عبيد واسحاق لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " إذا استهل
المولود ورث " أنه لا يرث بغير الاستهلال، وفي لفظ ذكره ابن سراقة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصبي المنفوس " إذا وقع صارخاً فاستهل ورث
وتمت ديته وسمي وصلي عليه وإن وقع حياً ولم يستهل صارخا لم تتم دينه وفيه
غرة عبد أو أمة على العاقلة " وإنما سمي الصراخ من الصبي استهلالا تجوزاً،
والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا فأراه بعضهم
بعضا فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من الصبي
المولود استهلالاً
(7/134)
لأنه صوت عند وجود شئ يجتمع له ويفرح به.
وروى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال: يرث السقط ويورث إذا استهل، فقيل له ما
الاستهلال؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى، فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به
حياته فهو استهلال، وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لأنه صوت علمت به
حياته فأشبه الصراخ وعن أحمد رواية ثالثة إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو
رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام الحياة وبهذا قال الثوري والاوزاعي
والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، فأما الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة،
فإن اللحم يختلج إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه ثم خرج إلى مكان فسيح
فإنه يتحرك وإن لم تكن فيه حياة، ثم إن كانت فيه حياة فلا يعلم كونها
مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة
شديدة وهي في حكم الميت.
(مسألة) (وإن خرج بعضه فاستهل ثم انفصل ميتاً لم يرث) وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث، لقوله عليه الصلاة
والسلام " إذا استهل المولود ورث " ولنا أنه لم يخرج جميعه فأشبه ما لو مات
قبل خروج أكثره وعنه يرث الحديث المذكور ولأنه
قد علمت حياته، والأولى ظاهر المذهب لأنه لم نثبت له أحكام الدنيا وهو حي
أشبه ما لو مات في بطن أمه
(7/135)
(مسألة) (وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما
وأشكل، اقرع بينهما، فمن خرج سهمه فهو المستهل) إذا أشكل أحد التوأمين
أيهما المستهل، فإن كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكر وأنثى لا يختلف ميراثهما
فلا فرق بينهما، وإن كان ذكراً وأنثى يختلف ميراثهما فقال القاضي من
أصحابنا من قال يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهو المستهل كما لو طلق
إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات، وكذلك النسوة إذا أراد السفر بإحداهن
أو البداية بالقسم لها فإنه يقرع بينهن، وقال الخبري ليس في هذا عن السلف
نص، وقال الفرضيون تعمل المسألة على الحالتين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف
الباقي حتى يصطلحوا عليه ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال.
ومن مسائل ذلك رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملاً منه فولدت توأمين ذكراً
وأنثى فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فقل إن كان الابن المستهل فللأم السدس
والباقي له ترث أمه ثلثه والباقي لعمه فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر،
لأم الميت ثلاثة، ولأم الولد خمسة، وللعم عشرة، وإن كانت البنت المستهل
فالمسألة من ستة وتموت البنت عن ثلاثة، لأمها سهم، ولعمها سهمان والستة
تدخل في ثمانية عشر، فمن له شئ من ثمانية عشر مضروب في واحد ومن له شئ من
ستة مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير، وللعم من الستة أربعة في ثلاثة
اثنا عشر وله من الثمانية عشر عشرة في واحد، فهذا اليقين فيأخذه، ولأم
الولد خمسة في سهم، وسهم في ثلاثة، فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ
(7/136)
وأم الولد حتى يصطلحا عليهما، ويحتمل أن
يقسم بينهما.
امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ولم يعلم
فالمسئلتان من أربعة وعشرين إذا أعطيت كل واحد أقل نصيبه بقيت ثلاثة موقوفة
فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسئلتين من اثنين وسبعين والموقوف اثنا
عشر امرأة وعم وأم حامل من الأب ولدت المرأة ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما
ولم يعلم فإن كان المستهل الأخ فهي من ستة وثلاثين فإن كانت الأخت فهي من
ثلاثة عشر والمسئلتان متباينتان فاضرب إحداهما في الأخرى
تكن أربعمائة وثمانية وستين وكل من له شئ من احدى المسئلتين مضروب في
الأخرى فيدفع إلى كل واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين
المرأة والعم، وخمسة بين الأم والعم، فإن كانت المرأة والأم حاملين فوضعتا
معا فاستهل أحدهما فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة وثلاثين فيعطى كل وارث أقل
النصيبين ويبقى أحد عشر سهماً، أربعة موقوفة بين الزوجة والأم وسبعة بين
الأم والعم (فصل) إذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما ثم سمع
مرة أخرى فلم يدر أهو من الأول أو من الثاني؟ فيحتمل أن يثبت الميراث لمن
علم استهلاله دون من شككنا فيه، لأن الأصل عدم استهلاله فعلى هذا الاحتمال
أن علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده وإن جهل كان كما لو استهل واحد منهما
لا بعينه، وقال الفرضيون تعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين ويوقف
الباقي
(7/137)
من مسائل ذلك أم حامل وأخت لأب وعم ولدت
الأم بنتين فاستهلت إحداهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر أهل استهلت
الأخرى أو تكرر من واحدة؟ فقل إن كان منهما جميعاً فقد ماتتا عن أربعة من
ستة ولا يعلم أولهما موتاً فحكمهما حكم الغرقي فمن ذهب إلى أنه لا ترث
إحداهما من الأخرى قال قد خلفا أماً وأختاً وعماً فتصح من ثمانية عشر وإن
كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت عن ثلاثة من ستة فتصح من اثني عشر وبينهما
موافقة بالسدس فتصير من ستة وثلاثين للام واثنا عشر وللأخت كذلك وللعم تسعة
وتقف ثلاثة تدعي الأم منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها فيكون
سهمان بينهما وبين الأم وسهم بينها وبين العم زوج وجد وأم حامل ولدت ابناً
وبنتاً فاستهل أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر ممن هو؟ فإن كان
الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية وماتت عن أربعة بين أمها وجدها فتصح
من أحد وثمانين وإن تكرر من الأخ لم يرث شيئاً والمسألة من ستة للجد منها
سهم وإن كان منهما فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس ولهما السدس على
ثلاثة فتصح من ثمانية عشر والثلاثة التي لهما بين الجد والأم على ثلاثة
فصار للأم أربعة وللجد خمسة والثمانية عشر توافق أحدا وثمانين بالاتساع
فتصير مائة واثنين وستين للزوج حقه من الأكدرية أربعة وخمسون وللأم تسعا
المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون وللجد السدس من مسألة استهلال
الأخ وحده
سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون يدعي منها الزوج سبعة وعشرين والأم ثمانية
عشر ويدعي منها
(7/138)
الجد سبعة وثلاثين وتقول الثمانية الفاضلة
للأم فيحتمل أن تدفع إليها لأن الزوج والجد يقران لها بها.
(فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون ذكراً مثل أن يكون من جد الميت
أو عمه أو أخيه مثال ذلك بنت عم وعم وامرأة أخ حامل للبنت النصف والباقي
موقوف في قولهم جميعاً أم وعم وامرأة جد حامل للأم الثلث وللعم تسعان أم
وبنت وامرأة أخ وامرأة عم حاملان للأم السدس وللبنت النصف ويوقف ثلث فإن
ولدت امرأة العم ابناً لم يعط شيئاً لجواز أن تلد الأخرى ابنا وإن ولدت
امرأة الأخ أولا ابنا أخذ الموقوف (فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن
يكون أنثى مثاله زوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف سهم من سبعة فإن ولدت
أنثى أو إناثاً أخذته وإن ولدت ذكراً أو ذكرين أو ذكراً وأنثى اقتسمه الزوج
والأخت وكذلك إن تركت أختاً لأب لم يدفع اليها شئ لجواز أن تلد ذكراً
فيسقطهما زوج وأبوان وبنت وامرأة ابن حامل تقف سهمين من خمسة عشر فإن ولدت
أنثى أو إناثاً أخذتهما وإلا رجعت على الورثة فقسمته بينهم على ثلاثة عشر
ورجعت المسألة إلى ذلك وكذلك إن كان معهم بنت ابن جد وأم حامل من الأب من
ثمانية عشر تأخذ الأم ثلاثة والجد خمسة ويوقف عشرة فإن ولدت ذكرين فالعشرة
لهما وإن ولدت انثيين
(7/139)
فلهما من العشرة سبعة ونصف وللجد اثنان
ونصف وإن ولدت ذكراً وأنثى أخذ الجد من العشرة سهماً وللذكر ستة وللأنثى
ثلاثة وإن ولدت أنثى أخذ الجد من العشرة ثلاثة والأنثى أربعة وللأم ثلاثة
وإن ولدت ذكراً أخذت الأم ثلاثة وأخذ الجد سهماً والاخ ما بقي وإن لم تلد
شيئاً أخذت الأم ثلاثة والجد ما بقي وإن كان معهم زوج فهي من ستة للزوج
ثلاثة وللأم سهم وللجد سهم ويوقف سهم وإن ولدت ذكرين فالسهم لهما وتصح من
اثني عشر وكذا إن ولدت ابنتين وإن ولدت ذكراً
فالسهم للأم وتصح من ستة وإن ولدت أنثى فهي الأكدرية وإن ولدت ذكراً وأنثى
فالسهم الباقي بينهما على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وإن لم تلد شيئاً أخذت
الأم السهم باب ميراث المفقود وهو نوعان أحدهما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها
السلامة كالتاجر والسائح وطالب العلم ولم يعلم خبره ففيه روايتان إحداهما
ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنه يوم فقد وهذا قول عبد الملك ابن الماجشون
لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا والرواية الثانية لا يقسم ماله ولا
تتزوج امرأته حتى يعلم موته أو تمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها وذلك مردود
إلى اجتهاد الحاكم وهذا قول الشافعي ومحمد
(7/140)
ابن الحسن وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة
وأبي يوسف لأن الأصل حياته والتقدير لا يضاف إليه إلا بالتوفيق ولا توفيق
ههنا فوجب التوقف عنه وقال عبد الله بن الحكم لينتظر به تمام سبعين سنة مع
سنه يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتي ما بين
الستين والسبعين " أو كما قال ولأن الغالب أن لا يعيش أكثر من هذا فأشبه
التسعين وقال الحسن ابن زياد ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة وهو قول ابن
عقيل فلو فقد وهو ابن ستين سنة وله مال لم يقسم حتى تمضي عليه ستون سنة
أخرى فيقسم ماله حينئذ بين ورثته إن كانوا أحياء وإن مات بعض ورثته قبل مضي
مائة وعشرين وخلف ورثة لم يكن له شئ من مال المفقود وكان ماله للأحياء من
ورثته ويوقف للمفقود حصة من مال موروثه الذي مات في مدة الانتظار فإن مضت
المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود ولم يكن
لورثة المفقود قال اللؤلؤي وهذا قول أبي يوسف وحكى الخبري عن اللؤلؤي أنه
قال وهو الصحيح عندي والذي ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلوي فقال
لو ماتت امرأة المفقود قبل تمام مائة وعشرين سنة بيوم أو بعد فقده بيوم أو
تمت مائة وعشرون سنة لم يورث منه شئ ولم يورث منها لأنا لا نعلم أيهما مات
أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى أنه لا يرث أحدهم من صاحبه ويرث كل
واحد من الأحياء من ورثته قال القاضي هذا قياس قول أحمد واتفق الفقهاء على
أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك
ولو بيوم، واختلفوا في
(7/141)
من مات وفي ورثته مفقود فمذهب أحمد وأكثر
الفقهاء أنه يعطي كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره أو
تمضي مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب إحداهما
في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا
وبأكثرهما إن تناسبتا وتعطي كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من
إحداهما لا تعطيه شيئاً وتوقف الباقي (النوع الثاني) أن يكون الغالب من
حاله الهلاك كالذي يفقد من بين أهله كمن يخرج الى الصلاة أو في حاجة قريبة
فلا يعود أو في مفازة مهلكة كالحجاز أو بين الصفين حال الحرب أو في البحر
إذا غرقت سفينته ولا يعلم له خبر فهذا ينتظر به أربع سنين لأنها أكثر مدة
الحمل فانه لم يظهر له خبر قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج
نص عليه أحمد وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي انه لا يقسم ماله حتى تمضي
عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأته التزويج فيه
والأول أصح لأن العدة إنما تكون بعد الوفاة فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف
عن قسم ماله وقد روي عن أحمد رحمه الله التوقف عن أمره وقال قد هبت الجواب
فيها وكأني أحب السلامة والمذهب الأول ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه
الصورة وبين سائر صور الفقدان فيما علمنا إلا أن مالكا والشافعي في القديم
وافقا في الزوجة أنها تتزوج خاصة والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين
(7/142)
فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى
تمضي مدة لا يعيش في مثلها وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في النوع الأول لأنه
مفقود لا يتحقق موته أشبه التاجر والسائح ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم
على تزويج امرأته على ما نذكره في العدد إن شاء الله تعالى وإذا ثبت ذلك في
النكاح مع الاحتياط للإبضاع ففي المال أولى ولأن الظاهر هلاكه فأشبه ما لو
مضت مدة لا يعيش في مثلها.
(مسألة) (وإن مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من
ميراثه ودفع إلى كل وارث اليقين فإن كان حياً أخذ ميراثه ورد الفضل إلى
أهله وإن علم أنه مات بعد موت موروثه
دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته وإن علم أنه كان ميتاً حين موت موروثه رد
الموقوف إلى ورثة الأول وإن مضت المدة ولم يعلم خبره رد أيضاً إلى ورثة
الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي
سقط ميتاً هذا الذي ذكره شيخنا في المغني وذكر في هذا الكتاب المشروح وفي
الكافي أنه يقسم على ورثة المفقود لأنه محكوم بحياته فعلى هذا يكون في
المسألة روايتان وإن علمنا أن المفقود مات ولم ندر متى مات رد الموقوف له
إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته فلا نورثه مع الشك واتفق الفقهاء على
أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته وقد مضى ذكره
(7/143)
(مسألة) (ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما
زاد عن نصيبه فيقتسموه) اختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك
الوني وقال لا فائدة في أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة وهي
متيقنة ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل إن جاز ذلك فالأولى أن تقسم
المسألة على تقدير الحياة ويقف نصيب المفقود لا غير قال شيخنا والأول أصح
إن شاء الله تعالى فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه
ويقين الحياة متعارض بظهور الموت فينبغي أن يوقف كالزائد عن اليقين في
مسائل الحمل والاستهلال فعلى هذا يجوز للورثة الموجودين الصلح عليه لأنه
حقهم لا يخرج عنهم وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره
ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه كذلك ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه
وصلحه لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه وظاهر قول الوني هذا أنه يقسم
المسألة على أنه حي ويقف نصيب المفقود لا غير وقال بعض أصحاب الشافعي يقسم
المال على الموجودين لأنهم متحققون والمفقود مشكوك فيه فلا يورث مع الشك
وقال محمد بن الحسن القول قول من المال في يده فلو مات رجل وخلف ابنتيه
وابن ابن أبوه مفقود والمال في أيدي البنتين فاختصموا إلى القاضي: فإنه لا
ينبغي للقاضي أن يحول المال عن موضعه ولا يقف منه شيئاً سواء اعترف البنتان
بفقده أو ادعيا موته وإن كان المال في يد ابن المفقود لم نعط الابنتين إلا
النصف أقل ما يكون لهما فإن كان المال في يد أجنبي فأقر بأن الابن
(7/144)
مفقود وقف له النصف على يديه وإن قال قد
مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين ويوقف الثلث إلا أن يقر ابن
الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول مسائل ذلك زوج
وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها الأكدرية ومسألة
الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالاتساع فتضرب تسع إحداهما في الأخرى
تكن أربعة وخمسين للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى
الثلث وللأم التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس
وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت وتسعة من مسألة الحياة فيأخذ التسعة
وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة فتأخذ ثلاثة ويبقى
خمسة عشر موقوفة إن بان الأخ حيا أخذ ستة وأخذ الزوج تسعة وإن بان ميتاً أو
مضت المدة قبل قدومه أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة هذا على
الرواية التي تقول إن الموقوف للمفقود يرد إلى ورثة الأول واختار الخبري أن
المدة إذا مضت ولم يتبين أمره أنه يقسم نصيبه من الموقوف على ورثته وهو ستة
يبقى تسعة وهي الرواية الثانية لأنه كان محكوماً بحياته لأنها اليقين وإنما
حكمنا بموته بمضي المدة ووجه الأولى أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا نعلم
حاله فإذا لم تتبين حياته لم يكن لورثته كالموقوف للحمل وللورثة أن يصطلحوا
على التسعة قبل مضي المدة، زوج وأبوان وابنتان
(7/145)
مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وفي
حياة إحداهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب ثلث الستة وهي اثنان في
خمسة عشر ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة وتسعين ثم تعطي الزوج والأبوين
حقوقهم من مسألة الحياة مضروباً في اثنين ثم في ثلاثة عشر ويقف الباقي وإن
كان في المسألة ثلاثة مفقودون لهم أربع مسائل فإن كانوا أربعة عملت لهم خمس
مسائل وعلى هذا فإن كان المفقود يحجب ولا يرث كزوج وأخت لأبوين وأخت لأب
وأخ لها مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين وقيل لا
يوقف ههنا شئ وتعطى الأخت من الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك كما لا تورث
بالشك والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك وليس في الوقف حجب يقينا
إنما هو توقف عن صرف المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيهما ويعارض قول هذا
القائل قول من قال إن اليقين حياته فيعمل
على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت والأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى
(فصل) والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته ورث في قول الجمهور
وحكي عن سعيد بن المسيب والنخعي وقتادة أنه لا يرث لأنه عبد والصحيح الأول
لأن الكفار لا يملكون الأحرار والله سبحانه وتعالى أعلم
(7/146)
باب ميراث الخنثى وهو الذي له ذكر وفرج
امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى مشكل وغير مشكل فمن
تثبت فيه علامات الرجال أو النساء فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل وإنما
هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في ارثه وسائر
أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه والذي لا علامة فيه مشكل (مسألة) ويعتبر
بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل
فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة روى ذلك عن علي ومعاوية
وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم وقال بن اللبان
روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
مولود له قبل وذكر من أين يورث قال " من حيث يبول " وروي أنه عليه الصلاة
والسلام أني بخنثى من الأنصار فقال " ورثوه من أول ما يبول منه " ولان خروج
البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما توجد
بعد الكبر مثل نبات اللحية وخروج المني والحيض وتفلك الثدي والحبل (فصل)
فإن بال منهما جميعاً اعتبر بأسبقهما نص عليه أحمد وروي ذلك عن سعيد بن
المسيب وبه
(7/147)
قال الجمهور فإن خرجا معاً اعتبر أكثرهما
قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم يورث من المكان الذي يبول منه أكثر
وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة ووقف في ذلك أبو حنيفة ولم يعتبره
أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال قوم إذا خرجا معاً اعتبر بآخرهما
انقطاعاً فإن انقطعا
معاً اعتبر أكثرهما وقيل الاعتبار بالكثرة ولنا أنها مزية لاحدى العلامتين
فيعتبر بها كالسبق فإن استويا فهو حينئذ مشكل (مسألة) (فإن مات له من يرثه
وكان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن
معه اليقين ووقف الباقي في قول الجمهور حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال
من نبات لحيته وخروج المني من ذكره وكونه مني رجل أو علامات النساء من
الحيض والحمل وتفلك الثديين نص عليه أحمد في رواية الميموني وحكي عن علي
والحسن أنهما قالا تعد أضلاعه فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع
قال ابن اللبان ولو صح هذا لما أشكل حاله ولا احتيج إلى مراعاة البول وقال
جابر بن زيد يوقف إلى جانب الحائط فإن بال عليه فهو رجل وإن شلشل بين فخذيه
فهو امرأة وليس على هذا تعويل والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى أنه
يوقف أمره ما دام صغيرا فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين
ووقف الباقي إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى
وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ويقف الباقي حتى يبلغ فإن مات قبل بلوغه
(7/148)
أو بلغ مشكلا ورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث
أنثى نص عليه أحمد وهو قول ابن عباس والشعبي وابن أبي ليلى وأهل المدينة
ومكة والثوري واللؤلؤ وشريك والحسن بن صالح وأبي يوسف ويحيى بن آدم وضرار
بن صرد ونعيم بن حماد وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته والباقي لسائر الورثة
وأعطاه الشافعي ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين أمره أو يصطلحوا وبه
قال أبو ثور وداود وابن جرير ورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد
اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال وفيه أقوال شاذة سوى هذه.
ولنا قول ابن عباس ولم يعرف له في الصحابة منكر ولأن حالتيه تساويا فوجبت
التسوية بين حكمهما كما لو تداعا نفسان داراً بأيديهما ولا بينة لهما وليس
توريثه بأسوإ أحواله بأولى من توريث من معه بذلك فتخصيصه بهذا الحكم لا
دليل عليه ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع للمال مع
يقين استحقاقهم له
(مسألة) (فإذا كان ابن وبنت وولد خنثى جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان
وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة فيكون معه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهذا
قول الثوري واللؤلؤي في هذه المسألة وفي كل مسألة فيها ولد إذا كان فيهم
خنثى قال شيخنا وهذا قول لا بأس به وذهب أكثر من ورثه نصف ميراث ذكر ونصف
ميراث أنثى فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى
(7/149)
وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في
وفقها إن اتفقتا ويجتزئ باحداهما ان ثماثلتا وبأكثرهما إن تناسبتا وتضربها
في اثنين ثم تجمع ما لكل واحد منهما إن تماثلتا وتضرب ما لكل واحد من
إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا، وهذا اختيار أصحابنا
ويسمى مذهب المنزلين، وقول الثوري يوافق قول أصحابنا في بعض المواضع
ويخالفه في بعضها، وبيان اختلافهما أننا نجعل المسألة المذكورة على قول
الثوري من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة، وعلى قول اصحابنا مسألة الذكورية
من خمسة والأنوثية من أربعة ولا موافقة بينهما تضرب إحداهما في الأخرى تكن
عشرين ثم في اثنين تكن أربعين، للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة تسعة،
وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في خمسة وسهمان في أربعة ثلاثة عشر وهي دون
ثلث الأربعين، وقوله من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد اليقين يوافق قول
المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين
وذلك ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف عشرين وللبنت الخمس بيقين ثمانية
وهي تدعي الربع وللخنثى الربع بيقين وهو يدعي الخمسين ستة عشر، والمختلف
فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها فتعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه
صار له ثلاثة عشر والابن يدعي أربعة فتعطيه نصفها اثنين صار له ثمانية عشر
والبنت تدعي سهمين فيدفع إليها سهما صار لها تسعة ومن ورثه بالدعوى من أصل
المال فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأن المدعى
ههنا
(7/150)
نصف وربع وخمسان ومخرجها عشرون يعطي الابن
عشرة وللبنت خمسة والخنثى ثمانية فتكون ثلاثة وعشرين فإن لم يكن في المسألة
بنت ففي قول الثوري هي من سبعة وكذلك قول من ورثهما بالدعوى
من أصل المال، وفي التنزيل من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة وهو قول من
ورثه بالدعوى فيما عدا اليقين وإن كانت بنت ولد خنثى ولا عصبة معهما فهي من
خمسة في قول الثوري ومن اثني عشر في التنزيل، وإن كان معهما عصبة فهي من
ستة للخنثى ثلاثة وللبنت سهمان وللعصبة سهم في الأقوال الثلاثة فإن كان
معهما أم وعصبة فهي من ستة وثلاثين للأم ستة وللخنثى ستة عشر وللبنت أحد
عشر وللعصبة ثلاثة وقياس قول الثوري أن يكون للخنثى والبنت ثلاثة أرباع
المال بينهما على خمسة وللأم السدس ويبقى نصف السدس للعصبة وتصح من ستين
للام عشرة وللعصبة خمسة وللبنت ثمانية عشر وللخنثى سبعة وعشرون فإن كان ولد
خنثى وعصبة فللخنثى ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة إلا في قول من ورثهما
بالدعوى من أصل المال فإنه يجعل المال بينهم أثلاثاً لأن الخنثى يدعي المال
كله والعصبة تدعي نصفه فتضيف النصف إلى الكل فيكون ثلاثة أنصاف لكل نصف ثلث
بنت وولد ابن خنثى وعم هي في التنزيل من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى ستة
للبنت النصف وللخنثى الثلث وللعم السدس (فصل) فإن كان الخنثى يرث في حال
دون حال كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى فمقتضى
(7/151)
قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في
حال إرثه وهو نصف سهم فضمه إلى سهام الباقين وهي ستة نبسطها أنصافا ليزول
الكسر فتصير ثلاثة عشر له منها سهم والباقي بين الزوج والأخت نصفين وقد عمل
أبو الخطاب هذه المسألة على هذا في كتاب الهداية، وأما التنزيل فيصح من
ثمانية وعشرين للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر
وإن كان زوج وأم وأخوان من أم وولد أب خنثى فله في حال الأنوثية ثلاثة من
تسعة فاجعل له نصفها مضموماً إلى سهام باقي المسألة ثم ابسطها تكن خمسة عشر
له منها ثلاثة وهي الخمس وفي التنزيل له ستة من ستة وثلاثين وهي السدس، وإن
كانت بنت وبنت ابن وولد أخ خنثى وعم فهي من ستة للبنت النصف ولبنت الابن
السدس وللخنثى السدس وللعم ما بقي على القولين جميعاً (فصل) قال الخبري
اعلم أن الذين يكونون خناثى من الورثة ستة.
الولد وولد الابن والأخ
وولده والعم وولده فأما الزوجان والأبوان والجدان فلا يتصور ذلك فيهم.
فالخلاف يقع في ثلاثة لا غير الولد وولد الابن والأخ فأما الثلاثة الأخر
فليس للإناث منهم ميراث فيكون للخنثى منهم نصف ميراث ذكر بلا خلاف (مسألة)
(فإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين فتجعل
للاثنين أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين
وثلاثين حالا ثم تجمع ما لهم في الأحوال كلها
(7/152)
فتقسمه على عدد أحوالهم فما خرج بالقسم فهو
لهم إن كانوا من جهة واحدة وإن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد منهم في
الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو نصيبه.
هذا قول ابن أبي ليلى وضرار ويحيى بن آدم، وقول محمد بن الحسن على قياس قول
الشعبي والوجه الآخر أنهم ينزلون حالين مرة ذكوراً ومرة إناثاً كما يصنع في
الواحد وهو قول أبي يوسف واختاره أبو الخطاب والأول أولى لأنه يعطى كل واحد
يحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم، وفي الوجه الآخر يعطى بعض الاحتمالات
دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه، وبيان ذلك في ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم
إن كانا ذكرين فالمال للولد، وإن كانا أنثيين فللبنت النصف والباقي للعم
فهي من أربعة عند من نزلهم حالين للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه، ومن
نزلهم أحوالاً زاد حالين آخرين، هو أن يكون الولد وحده ذكراً وولد الأخ
وحده ذكراً فتكون المسألة من ثمانية للولد المال في حالين والنصف في حالين
فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حاله فله ربعه
وهو الثمن وللعم مثل ذلك وهذا أعدل، ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين
قال للولد النصف يقينا والنصف الآخر يتداعونه فيكون بينهم أثلاثاً، وتصح من
ستة وكذلك الحكم في أخ خنثى وولد أخ، وفي كل عصبتين يحجب أحدهما الآخر ولا
يرث المحجوب شيئاً إذا كان أنثى ولو خلف بنتا وولد أم خنثى وولد ابن خنثى
وعصبة فمن نزلهما حالين جعلها من ستة الولد الخنثى ثلاثة وللبنت
(7/153)
سهمان والباقي للعم، ومن نزلهما أربعة
أحوال جعلها من اثني عشر وجعل لولد الابن نصف السدس وللعم
مثليه، وهذا أعدل الطريقين لما في الطريق الآخر من إسقاط ولد الابن مع أن
احتمال توريثه كاحتمال توريث العم وهكذا تصنع في الثلاثة وما زاد ويكفي هذا
القدر من هذا الباب فإنه نادر قل ما يحتاج إليه واجتماع خنثيين وأكثر نادر
النادر ولم يسمع بوجوده فلا حاجة الى التطويل فيه (فصل) قال شيخنا (وقد
وجدنا في عصرنا شيئاً شبيها لما يذكره القرضيون ولم يسمعوا به فإنا وجدنا
شخصين ليس لهما في قبلها مخرج ولا ذكر والا فرج أما أحدهما فذكروا أنه ليس
له في قبله إلا لحمة نابته كالربوة ويرشح البول منها رشحا على الدوام وأرسل
إلينا يسألنا عن الصلاة والتحرز من النجاسة في ستة عشر وستمائة، الثاني ليس
له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول وسألت من أخبرني
عنه عن زيه فأخبرني أنه يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ويعد نفسه
امرأة، قال وحدثت أن في بلاد العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر
وإنما يتقايأ ما يأكله ويشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى لكنه لا يمكن
اعتباره بمباله فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكمه
في ميراثه وأحكامه كلها والله أعلم
(7/154)
(باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم) إذا مات
متوارثان كالغرقى والهدمى وجهل أولهما موتا واختلفت وراثهما في السابق
منهما فقد نقل عن أحمد رحمه الله في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت
فورثناها ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت
فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن
لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ذكرها الخرقي، وهذا يدل على أن
ميراث كل ميت يقسم على الأحياء من ورثته دون من مات معه روى ذلك عن أبي بكر
الصديق وزيد وابن عباس والحسن بن علي رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد
العزيز وأبو الزناد والزهري والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه
وروي ذلك عن عمر والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم ابن عمير وعبد الرحمن بن
عوف فيحتمل أن يكون ما روي عن أحمد في المسألة التي ذكرها الخرقي أن يجعل
هذا رواية عنه في جميع مسائل الباب، ويحتمل أن يكون هذا قوله فيما إذا ادعى
وارث كل
ميت أن موروثه كان آخرهما موتا فأما مع الجهل فيورث كل واحد منهما من الآخر
لأن مع التداعي يتوجه اليمين على المدعي عليه فيحلف على إبطال دعوى صاحبه
ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا
يتوجه اليمين لأن اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به،
(7/155)
وظاهر المذهب أن كل واحد منهما يرث صاحبه
من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه فيقدر أحدهما مات أولا ويورث الآخر
منه ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك قال أحمد
أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وابراهيم والشعبي هذا قول من ذكره الإمام أحمد
وهو قول إياس بن عبد الله المزني وعطاء والحسن وحميد الاعرج وعبد الله بن
عتبة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم واسحاق وحكي ذلك عن
ابن مسعود.
قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم
فكتب في ذلك الى عمر رضي الله عنه فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض، ووجه
الرواية الأولى ما روى سعيد قال ثنا اسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد أن
قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض ورثوا عصبتهم الأحياء
وقال ثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي
توفيت هي وابنها زيد ابن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات
قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها، وأن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا، ولأن
شرط التوارث حياة الوارث بعد موت الموروث وليس بمعلوم فلا يثبت التوريث مع
الشك في شرطه ولأنه مشكوك في حياته حين موت مورثه فلم يرثه كالحمل إذا
وضعته ميتا ولأن توريث كل واحد منهما خطأ قطعا لأنه لا يخلو من أن يكون
موتهما معا أو يسبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا
مخالف للإجماع فكيف يعمل به؟ فإن قيل ففي
(7/156)
قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو
خطأ أيضا قلنا هذا غير متيقن لأنه يحتمل موتهما معاً فلا يكون منهما مسبوق،
وقد احتج أصحابنا لتلك الرواية بما روى اياس ابن عبد الله المزني أن النبي
صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم بعضاً، قال
شيخنا والصحيح أن هذا
إنما هو عن إياس نفسه وأنه هو المسؤول وليس برواية عن النبي صلى الله عليه
وسلم هكذا رواه سعيد في سننه وحكاه الإمام أحمد وقال أبو ثور وابن شريح
وطائفة من البصريين يعطى كل وارث اليقين ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر
أو يصطلحوا وقال الخبري هذا هو الحكم فيما إذا علم صوت أحدهما قبل الآخر
ولم يذكر فيه خلافاً (مسألة) قال (فلو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر
مولى عمرو فمن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد لمولاه وهو أحسن)
ومن ورث أحدهما من الآخر جعل ما لكل واحد منهما لمولى الآخر ومن قال بالوقف
وقف مالهما، وإن ادعى كل واحد منهما أن مولاه آخرهما مرتا حلف كل واحد
منهما على إبطال دعوى لآخر وأخذ مال مولاه على ما ذكره الخرقي، وإن كان
لهما أخت فمن ورث كل أحد منهما من صاحبه جعل لهما الثلثين من مال كل واحد
منهما والنصف على القول الثاني، وإن خلف كل واحد منهما بنتا وزوجه فمن لم
يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي
لمولاه ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم
ضربها في الثمانية الأولى فصحت من
(7/157)
أربعة وستين لامرأته ثمانية لابنته اثنان
وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته اثنا عشر ولمولاه الباقي
تسعة: أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ور ث كل واحد منهما من صاحبه
جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها
فهو بين زوجها وأمها وأمها وعمها على ستة فصحت المسئلتان من ثلاثة عشر
لأمرأة لأخ ثلاثة ولزوج لاخت ثلاثة وللأم أربعة بميراثها من الأخ واثنان
بميراثها من الأخت وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة
لأخيها سهم بين امرأته وأمه وعمه على اثني عشر تضربها في الأولى تكن اثنين
وسبعين والضرر في هذا القول على من يرث من أحد الميتين دون الآخر والنفع لم
يرث منهما ثلاثة إخوة لأبوين غرقوا ولهم أم وعصبة فقدر موت أحدهم أولا
فلأمه السدس والباقي لأخويه فتصح من اثني عشر لكل واحد من اخوته خمسة بين
أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى تكن ستة وثلاثين للأم
من ميراث الأول ستة ومما ورثة كل واحد من الأخوين خمسة فصار لها ستة عشر
والباقي للعصبة ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك ذكر هذه المسألة
أبو بكر.
ثلاثة إخوة مفترقين غرقوا وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه فقدر موت الأخ من
الأبوين أولا عن أخته من أبويه وإخوته من أبيه وإخوته من أمه فصحت مسئلته
من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه على
أربعة وأصاب الأخ منها اثنان بين أخيه من أبويه وأخيه من أبيه على أربعة
فتجتزئ بإحداهما وتضربها في الأخرى تكن اثنين وسبعين ثم قدر موت الأخ من
الأم عن أخت لأبوين وأخ
(7/158)
وأخت من أم فمسئلته من خمسة، مات أخوه لأمه
عن ثلاث أخوات مفترقات وهي من خمسة أيضاً تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين
ثم قدر موت الأخ من الأب عن أخته لأبويه وأخ وأخت لأبيه فهي من ستة ثم مات
أخوه لأبيه عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة تضربها في الأولى تكن ثلاثين
فإن خلف بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الأخوان وخلف أحدهما زوجة
وبنتا وعماً وخلف الآخر ابنين وابنتين الأولى من أربعة مات أحدهما عن سهم
ومسئلته من ثمانية لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين
تضربها في ثمانية تكن ستة عشر وفريضة لآخر من ستة يتفقان بالنصف فاضرب نصف
إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين ثم في أربعة تكن مائة واثنين وتسعين
للبنت نصفها ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر اجتمع لهم
ستة وستون ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون (فصل) وإن علم أنهما ماتا
معاً في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد الأحياء من ورثته لأن
توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وإن علم أن أحدهما مات قبل
صاحبه بعينه ثم أشكل أعطى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الأمر أو
يصطلحوا قال القاضي وقياس المذهب أن يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل
حالهم والله أعلم.
(باب ميراث أهل الملل) (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أجمع أهل
العلم على أن الكافر لا يرث المسلم وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث
المسلم الكافر روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن
(7/159)
عبد الله رضي الله عنهم، وبه قال عمرو بن
عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار
والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل وروي
عن عمر ومعاذ ومعاوية رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم
يورثوا الكافر من المسلم فحكي ذلك عن محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسعيد
بن المسيب ومسروق وعبد الله بن معقل والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر واسحاق
وليس بموثوق به عنهم فإن أحمد قال: ليس بين الناس اختلاف في أن المسلم لا
يرث الكافر، وروي أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال: حدثني أبو الأسود أن
معاذاً حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الإسلام يزيد ولا ينقص
" ولأنا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا فكذلك نرثهم ولا يرثونا ولنا ما روى
أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث الكافر المسلم
ولا المسلم الكافر " متفق عليه ولأن الولاية منقطعة بين المسلم والكافر فلم
يرثه كما لا يرث الكافر المسلم، فاما حديثهم فيحتمل أنه أراد أن الإسلام
يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الإسلام ولا ينقص بمن يرتد لقلة من
يرتد وكثرة من يسلم وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا مفسر وحديثنا أصح فيتعين
تقديمه " والصحيح أنه قال لا ترث أهل الملل ولا يرثوننا " وقال في عمة
الأشعث " يرثها أهل دينها " (مسألة) (إلا أن يسلم قبل قسم الميراث فيرثه
وعنه لا يرث) اختلفت الرواية فيمن أسلم قبل قسم ميراث موروثه المسلم فنقل
الاثرم ومحمد بن الحكم أنه يرث وروي نحو هذا عن عمرو وعثمان والحسن بن علي
وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد
(7/160)
والحسن ومكحول وقتادة وحميد وأياس بن
معاوية واسحاق فعلى هذا إن أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي وبه قال
الحسن ونقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت: لا يرث قد وجبت المواريث لأهلها
وهو المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس
والزهري وسليمان ابن يسار والنخعي والحكم وأبو الزناد وابو حنيفة ومالك
والشافعي وأكثر أهل العلم لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم " ولأن الملك قد انتقل
بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا ولأن المانع من
الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقاً فأعتق ولنا قول
النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم على شئ فهو له " رواه سعيد من طريقين
عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أبو داود بإسناده
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل قسم قسم في
الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام "
وروى ابن عبد البر في التمهيد بإسناده عن زيد بن قتادة العنبري أن إنسانا
من أهله مات على غير الإسلام فورثته أختي دوني وكانت على دينه ثم أن جدي
أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفي فلبثت سنة وكان ترك
ميراثا ثم أن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان فحدثه ابن أرقم أن
عمر رضي الله عنهم قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه فقضى
به عثمان فذهبت بذلك لاول وشاركتني في هذا
(7/161)
وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً
ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها في حياته ثبت له
الملك فيه ولو وقع إنسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن
يتجدد حق من أسلم من ورثته ترغيباً في الإسلام وحثا عليه فأما إذا قسمت
التركة وتعين حق كل وارث ثم أسلم فلا شئ له فان كان الوارث واحداً فمتى
تصرف في التركة واحتازها كان كقسمها.
(مسألة) وإن عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجها واحداً) نص
عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وفرق بين الإسلام والعتق وعلى هذا جمهور
الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم، وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك
أباه عبداً فأعتق قبل أن يقسم ميراثه فقال له ميراثه، وحكي عن مكحول وقتادة
أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن المانع من الميراث زال قبل القسمة أشبه
ما لو أسلم وقال أبو الحسن التميمي يخرج على قول من ورث المسلم أن يورث
العبد إذا اعتق وليس بصحيح فإن الإسلام قربة وهو أعظم الطاعات والقرب ورد
الشرع بالاليف عليها فورد الشرع بتوريثه ترغيباً له في الاسلام وحثا عليه
والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه فلم يصح قيامه عليه ولولا ما ورد من
الأثر في توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث
من لم يكن من أهل الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة
فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث شئ وإنما خالفناه في الإسلام للأثر وليس في
العتق أثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر
(7/162)
(فصل) ولو ملك ابن عمه فدبره فعتق بموته لم
يرث لأنه رقيق حين الموت فإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق وورث لأنه حر حين
الموت، ويحتمل أن لا يرث لان عنقه وصية له فيفضي إلى الوصية للوارث:
(مسألة) (ويرث أهل الذمة بعضهم بعضاً إن اتفقت أديانهم) وجملة ذلك أن
الكفار يتوارثون إذا كان دينهم واحداً الا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً،
ولا فرق في ذلك بين أهل الذمة وغيرهم من الكفار لأن قول النبي صلى الله
عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " دليل على أن بعضهم
يرث بعضا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وهل ترك لنا عقيل من دار " دليل
على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر وعلي لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل
على دين أبيه مقيما بمكة فكذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل
غداً؟ قال " وهل ترك لنا عقيل من رباع " وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس
يرثها أهل دينها (مسألة) (وهم ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين سائرهم)
اختلفت الراوية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروى عنه حرب أن الكفر كله ملة
واحدة اختارها الخلال، وبه قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وداود
لأن توريث الآباء من الأبناء والأبناء من الآباء مذكور في كتاب الله تعالى
ذكراً عاماً فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع وما لم يستثنه يبقى على
العموم ولأن قول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) عام في
جميعهم، وروى عن
(7/163)
أحمد أن الكفر ملل مختلفة اختاره أبو بكر
وهو قول كثير من أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث
أهل ملتين شتى " ينفي توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع عن أحمد تصريحاً
بذكر أقسام الملل، وقال القاضي الكفر ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين من
عداهم لأن من عداهم يجمعهم
أنه لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم
والثوري والليث وشريك ومغيرة الضبي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع
وروي ذلك عن مالك وعن النخعي والثوري القولان معاً وما روي عن أحمد أنه قال
الكفر ملل مختلفة ويحتمل ان أن يكون مللا كثيرة تزيد على ثلاث فتكون
المجوسية ملة وعبدة الأوثان ملة وعباد الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضاً يروي
ذلك عن علي وبه قال الزهري وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة
واسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله اختاره شيخنا لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " روه أبو داود ولأن كل فريقين منهم لا
موالاة بينهم ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضاً كالمسلمين والكفار
والعمومات في التوريث مخصوصة فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولأن
مخالفينا قطعوا التوريث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام فمع اختلافهم في
الملة أولى وقول من خص الملة بعدم الكتاب لا يصح لأنه وصف عدمي لا يقتضي
حكما ولا جمعاً ثم لابد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره، وقد افترق
حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية وغيرهم لا يقرون بها وهم مختلفون في
معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم يستحل بعضهم دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا
فكانوا مللا كاليهود والنصارى ولأنه قد روى الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه
جعل الكفر مللا مختلفة ولم نعرف له مخالفاً في الصحابة فيكون إجماعاً
(7/164)
(مسألة) (وإن اختلفت أديانهم لم يتوارثوا)
لما روى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا
يتوارث أهل ملتين شتى " رواه أبو داود، وعنه يتوارثون لأن مفهوم قوله عليه
السلام " لا يرث الكافر المسلم " يدل على أنهم يتوارثون، وهذا يجئ على
قولنا إن الكفر ملة واحدة على ما تقدم وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
(مسألة) (ولا يرث حربي ذمياً، ولا ذمي حربياً) ذكره القاضي لأن الموالاة
منقطعة بينهم ويحتمل أن يتوارثا لأنهم من أهل ملة واحدة.
قال شيخنا قياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم
لأن العمومات من النصوص يقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا
يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها، ومفهوم
قوله عليه السلام " لا يتوارث أهل ملتين شتى " أن أهل الملة الواحدة
يتوارثون وضبطه التوريث بالملة والكفر الاسلام دليل على أن الاعتبار به دون
غيره ولأن مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق
المانع وقد نص أحمد في رواية الأثرم فيمن دخل إلينا بأمان فقتل، أنه يبعث
بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى ورثته، وروي ان عمر وبن أمية الضمري كان مع
أهل بئر معونة فسلم ورجع إلى المدينة فوجد رجلين في طريقه من الحي الذين
قتلوهم وكانا أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في أمانه ولم يعلم عمرو
فقتلهما فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه بعث بديتهما إلى
أهلهما.
(7/165)
(فصل) فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل
دار الاسلام، وبهذا قال الشافعي، قال القاضي ويرث أهل الحرب بعضيم بعضاً
سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت، وقال أبو حنيفة إذا اختلفت ديارهم بحيث كان
لكل طائفة ملك، ويرى بعضهم قتل بعض لم يتوارثا لأنه لا موالاة بينهم فجعلوا
اتفاق الدار واختلافها ضابطاً للتوريث وعدمه ولا يعلم في هذا حجة من كتاب
ولا سنة مع مخالفته لعموم النصوص المقتضي للتوريث ولم يعتبروا الدين في
اتفاقه ولا اختلافه، مع ورود الخبر فيه وصحت العبرة بها فإن المسلمين يرث
بعضهم بعضاً وإن اختلفت الداربهم فكذلك الكفار (مسألة) (والمرتد لا يرث
أحداً إلا أن يسلم قبل قسم الميراث) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم أن
المرتد لا يرث أحداً، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك أنه لا يرث
المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم
الكافر " ولا يرث الكافر لأنه يخالفه في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره
فلم يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه ولهذا ولا تحل ذبيحته ولا نكاح
نسائهم وإن انتقلوا إلى دين أهل الكتاب، ولأن المرتد تزول
(7/166)
أملاكه الثابتة له أو استقرارها فلأن لا
يثبت له ملك أولى ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه الآخر لأن المرتد
لا يرث ولا يورث، فإن أسلم قبل قسم الميراث ورث، لما ذكرنا من الحديث وقد
ذكرناه والخلاف فيه (فصل) (والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا) .
والزنديق الذي يظهر الإسلام ويستسر الكفر وهو الذي كان يسمى منافقاً، في
عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى اليوم زنديقاً، قال أحمد: مال الزنديق
في بيت المال.
(مسألة) (وإن مات على ردته فماله فئ، وعنه انه لورثته من السلمين، وعنه انه
لورثته من أهل الدين الذي اختاره) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مال
المرتد اذا مات أو قتل على ردته فروي عنه أنه يكون فيئا في بيت مال
المسلمين.
قال القاضي وهو الصحيح في المذهب، وبه قال ابن عباس وربيعة ومالك وابن أبي
ليلى والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من
المسلمين يروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه
قال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبى
والحكم والاوزاعي والثوري وابن شبرمة وأهل العراق واسحاق إلا أن الثوري
وأبا حنيفة واللؤلؤي واسحاق
(7/167)
قالوا ما اكتسبه في ردته يكون فيئاً ولم
يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارقه ووجه ذلك أنه قول الخليفتين الراشدين
فإنه يروى عن زيد بن ثابت قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن
اقسم مالهم بين ورثتهم المسلمين، ولأن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل
إلى ورثته من المسلمين كما لو انتقل بالموت.
وروي عنه رواية ثالثة أنه يكون لأهل الدين الذي اختاره إن كان منهم من يرثه
وإلا فهو فئ وبه قال داود.
وروي ذلك عن علقمة وسعيد بن أبي عروبة لأنه كافر فورثه أهل دينه كالحربي
وسائر الكفار والمشهور الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث
المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وقوله " لا يتوارث أهل ملتين شتى "
ولأنه كافر فلا يرثه المسلم، كالكافر الاصلي ولأن ماله مال مرتد فأشبه الذي
كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من
أهل الأديان
ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا تؤكل ذبيحته ولا
يحل نكاحه إن كان امرأة فأشبه الحربي مع الذمي فإن قيل إذا جعلتموه فيئا
فقد ورثتموه للمسلمين قلنا لا يأخذونه ميراثاً بل يأخذونه فيئاً كما يأخذ
مال الذمي الذي لم يخلف وارثاً وكالعشور (فصل) وقد ذكرنا أن الزنديق
كالمرتد لا يرث ولا يورث وقال مالك في الزنديق الذي
(7/168)
يتهم بذمي ورثته عند موته: ماله لورثته من
المسلمين مثل من يرتد إذا حضره الموت، قال: وترثه زوجته سواء انقضت عدتها
أو لم تنقض، كالذي يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار من
ميراث انعقد بسبب ميراثه فورثه كالمطلق في مرض الموت.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " قال شيخنا
وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته ورثه الآخر لأنه فعل ما
يفسخ النكاح في مرض موته أشبه الطلاق، وفعل المرأة ما يفسخ نكاحها لا يسقط
ميراث زوجها ويخرج في ميراث سائر الورثة مثل ما في الزوجين فيكون مثل مذهب
مالك، وقال أبو يوسف إذا ارتدت المريضة فماتت في عدتها أو لحقت بدار الحرب
ورثها زوجها.
وروى اللؤلؤي عن أبي حنيفة إذا ارتد الرجل فقتل على ردته أو لحق بدار الحرب
بانت منه امرأته، فإن كانت مدخولا بها ورثته في عدتها وإن كانت غير مدخول
بها بانت ولم ترثه وإن ارتدت المرأة في غير مرض فماتت لم يرثها زوجها لأنها
عندهم لا تقتل فلم تكن فارة من ميراثه بخلاف الرجل (فصل) (وارتداد الزوجين
معاً كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر سواء لحقا
بدار الحرب أو أقاما بدار الاسلام) .
وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إذا ارتدا معا لم ينفسخ النكاح ولم
يتوارثا.
ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا كما لو كانا في دار الإسلام ولو ارتدا
جميعاً ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم
(7/169)
في ردتهم ولم يرثوا منهم شيئاً ولم يجز
استرقاقهم سواء ألحقوهم بدار الحرب أولا، وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة وأصحابه من ألحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتداً يجوز سبيه
ومن لم يلحقوه بدار الحرب فهو في حكم الإسلام فأما من ولد بعد الردة بستة
أشهر فذكر الخرقي ما يدل على أنه يجوز استرقاقه وهو قول أبي حنيفة، وأحد
قولي الشافعي، والقول الثاني لا يسبون وهو منصوص الشافعي (فصل) قال الشيخ
رضي الله عنه (وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا بجميع قراباتهم إن
أمكن ذلك) .
نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه،
وبه قال الثوري والنخعي وقتادة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن
آدم واسحاق وداود والشافعي في أحد قوليه واختاره بن اللبان.
وعن زيد أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال، وبه قال الحسن
والزهري والاوزاعي ومالك والليث وحماد، وهو الصحيح عن الشافعي وعن عمر بن
عبد العزيز ومكحول والشعبي القولان جميعاً واحتجوا بأنهما قرابتان لا يورث
بهما في الإسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت إحداهما الأخرى.
ولنا أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أختاً وجب
إعطاؤها ما فرض الله تعالى لها في الاثنين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث
بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى ولا يرجح بها فترث بهما
مجتمعتين كزوج هو ابن عم، أو ابن عم هو اخ لأم ولذوي الأرحام
(7/170)
المدلين بقرابتين وقياسهم فاسد لأن
القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين فكذلك إذا كانا
في شخص واحد وقولهم لا يورث بهما في الإسلام ممنوع فانه إذا وجد ذلك من وطئ
شبهة في الإسلام ورث بهما ثم إن امتناع الإرث بهما في الإسلام لعدم وجودهما
فلو تصور وجودهما ورث بهما بدليل أنه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج أو
أخ من أم قال ابن اللبان واعتبارهم عندي فاسد من قبل أن الجدة تكون أختاً
لأب فإن ورثوها بكونها جدة لكون الابن يسقط الأخت دونها لزمهم توريثها
لكونها أختاً لكون الأم تسقط الجدة دونها وخالفوا نص الكتاب في فرض
الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها وهو مختلف فيهم فمنهم من
قال هو طعمة وليس بفرض مسمى ويلزمهم أن الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت أن
لا يؤتوها شيئاً لأن الجدودة محجوبة وهي أقوى القرابتين وجعلوا الاخوة تارة
أقوى وتارة أضعف وإن قالوا أقوى القرابتين الاخوة لأن ميراثها أوفر لزمهم
في أم هي أخت جعل الاخوة أقوى من جهة الأمومة ويلزمهم في إسقاط مع الابن
والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الأم فإن قالوا
توريثها بالقرابتين يفضي إلى حجب الأم بنفسها إذا كانت أختاً وللميت أخت
أخرى قلنا وما المانع من هذا فإن الله تعالى حجب الأم بالأختين بقوله فإن
كان له إخوة فلأمه السدس من غير تقييد بغيرها ثم هم حجبوها عن ميراث الأخت
بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى
حجب الإسقاط فأسقطوا الفرض الذي هو أوكد بالكلية محافظة على بعض الغرض
الأدنى وخالفوا مدلول أربعة نصوص من كتاب الله تعالى لأنهم أعطوا الأم
الثلث وإنما فرض الله تعالى لها مع الأختين السدس والثاني أن الله تعالى
(7/171)
إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا فأعطوا
إحداهما النصف كاملا، والثالث أن الله تعالى فرض للأختين الثلثين وهاتان
أختان فلم يجعلوا لهما الثلثين الرابع أن مقتضى الآية أن يكون لكل واحدة من
الأختين الثلث وهذه أخت فلم يعطوها بكونها اخنا شيئاً هذا كله معنى كلام
ابن اللبان (فصل) والمسائل التي يجتمع فيها قرابتان ويصح الارث بهما ست
إحداهن في الذكور وهو عم هو اخ لأم وخمس في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت
ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم أب هي أخت لأم فمن ورثهم بأقوى
القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الأخوة وبنوة الابن واختلفوا في
الجدة إذا كانت أختاً فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط
بالولد ومنهم من قال الأخوة أقوى لأنها أكثر ميراثاً وقال ابن شريح وغيره
هو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين لم يحجب الأم بأخوة نفسها إلا ما حكاه
سحنون عن مالك أنه حجبها بذلك والصحيح عنه الأول ومن ورث بالقرابتين حجبها
بذلك ومتى كانت البنت أختاً والميت رجل فهي أخت لأم ومتى كان امرأة فهي أخت
لأب فإن قيل أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت لأب فهو
محال
(مسألة) إذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما فمن ورثها بقرابتين جعل لها
الثلث بكونها أما والنصف بكونها أختاً لأب والباقي للعم فان كان معها أخت
أخرى لم ترث بكونها أما إلا السدس لأنها انحجبت بنفسها وبالأخت الأخرى ومن
ورثها بأقوى القرابتين ورثها الثلث بكونها أما ولم يحجبها بنفسها (مسألة)
(ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ولا بنكاح لا يقرون عليه، لو أسلموا) المجوس
ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا.
قال شيخنا لا نعلم خلافاً
(7/172)
في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم فأما
غيره من الأنكحة فكل نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد إسلامهم توارثوا به
سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح المسلمين أولا وما لا يقرون عليه بعد
إسلامهم لا يتوارثون به والمجوس وغيرهم في هذا سواء فلو طلق الكافر امرأته
ثم نكحها ثم أسلما لم يقرا عليه وإن مات أحدهما لم يرثه الآخر وكذلك إن مات
أحدهما قبل إسلامهما لم يتوارثا في قول الجميع وأصل الاختلاف في الميراث
الاختلاف فيما يقران عليه أن أسلما أو تحاكما إلينا ونذكر ذلك في نكاح
الكفار إن شاء الله تعالى (فصل) وإذا مات ذمي لا وارث له كان ماله فيئا
وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد الزوجين لأنه مال
ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي هو كذلك مسائل من هذا
الباب مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما
ابنتان ولا ترث الكبرى بالزوجية في قول الجميع فإن ماتت الكبرى بعده فقد
تركت بنتاً هي أخت لأب فلها النصف بالبنوة والباقي بالاخوة وإن ماتت الصغرى
أولا فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف والثلث بالقرابتين ومن ورث بأقوى
القرابتين لم يورثها بالاخوة شيئاً في المسئلتين وقال بن شريح يحتمل قول
الشافعي توريثها بالقرابتين في المسألة الأولى لأنه لم يمنع توريث الشخص
بفرض وتعصيب لتوريثه ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لأم وإنما منع الارث
بفرضين فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت
بنتين هما أختان لأب وإن لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت
أختاً لأبوين وأما هي أخت لأب فلأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا
لأب
(7/173)
وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت
النصف على القول الآخر لها الثلث بالأمومة ولا شئ لها بالأخوة ولا تنحجب
بها وللأخت النصف فقد استوى الحكم في القولين وإن اختلف طريقهما وعلى ما
حكاه سحنون لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها وإن أولدها المجوسي ابناً
وبنتاً ثم مات وماتت الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب وأخا لأب وأم
فلأمها السدس والباقي للأخ ولا شئ للأم بالاخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها
وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا إذا تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتاً ثم
مات فلأمه السدس ولأبنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية ولا ابنته بكونها
أختاً لأم شيئاً وإن ماتت الكبرى بعده فقد خلفت بنتاً هي بنت ابن فلها
الثلثان بالقرابتين وعلى القول الآخر لها النصف وإن ماتت الصغرى بعده فقد
تركت أما هي أم أب فلها الثلث بالأمومة لا غير على القولين جميعا وإن تزوج
ابنته فأولدها بنتا ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات وماتت الكبرى بعده
فقد تركت أختيها لأبيها إحداهما بنتها والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف
والباقي بينهما وعلى القول الآخر لبنتها النصف والباقي للصغرى وإن ماتت
الوسطى بعده فقد تركت أختيها إحداهما أمها والأخرى بنتها فلأمها السدس
ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر الباقي للعصبة وإن ماتت
الصغرى بعد فقد خلفت أختيها إحداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها السدس
والثلثان بينهما وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن السدس وعلى القول الآخر
من جعل الاخوة أقوى فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة ومن جعل
الجدودة أقوى لم يورث الكبرى شيئاً لأنها لا ترث بالاخوة لكونها ضعيفة ولا
بالجدودة لكونها محجوبة بالأمومة وإن ماتت الصغرى بعد الوسطى فقد خلفت جدة
هي أخت لأب فلها الثلثان
(7/174)
بالقرابتين ومن ورث بإحداهما فلها السدس
عند قوم وعند ابن شريح ومن وافقه لها النصف وهي اختيار الخبري، مجوسي تزوج
أمه فأولدها بنتا ثم تزوج بنته فأولدها ابنا ثم تزوج الابن جدته فأولدها
بنتا ثم مات المجوسي ثم ماتت أمه فقد خلفت بنتاً هي بنت ابن وبنتاً أخرى هي
بنت ابن ابن وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتيها الثلثان والباقي بين الكبرى
وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة
للكبرى أربعة وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول الآخر الباقي للذكر
وحده فإن ماتت بعده بنته فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها
السدسان بالقرابتين وفي الثاني لها سدس بإحداهما (فصل) وإن وطئ مسلم بعض
محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها وولدت له واتفق مثل هذه
لإنسان فالحكم فيها مثل هذا سواء (فصل) في التزويج في المرض والصحة، حكم
النكاح في الصحة، والمرض سواء في صحة العقد وتوريث كل واحد منهما من صاحبه
في قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك أي الزوجين كان
مريضاً مرضاً مخوفاً حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن
يصيبها فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية وعن الزهري ويحيى بن
سعيد مثله واختلف أصحاب مالك في نكاح من لا يرث كالأمة والذمية فقال بعضهم
يصح لأنه لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز أن تكون وارثة وقال
ربيعة وابن أبي ليلى الصداق والميراث من الثلث وقال الأوزاعي النكاح صحيح
ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد والحسن أن قصد الإضرار بورثته فالنكاح
باطل وإلا فهو صحيح
(7/175)
ولنا أنه عقد معاوضة يصح في الصحة فصح في
المرض كالبيع ولأنه نكاح صدر من أهله في في محله بشرطه فصح كحال الصحة وقد
روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة أصدق كل واحدة
ألفاً ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك وإذا ثبت صحة
النكاح ثبت الميراث بعموم الآية (فصل) ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل
الدخول وبعده لعموم الآية ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت
واشق أن لها الميراث وكان زوجها مات عنها قبل الدخول بها ولم يكن فرض لها
صداقا ولأن النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول (فصل) فأما النكاح
الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي ومتى اشتبه من
نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنصوص عن أحمد أنه قال فيمن تزوج أختين لا
يدري أيهما تزوج أول؟ أنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئاً
قال أبو بكر يتوجه
على قوله أن يقرع بينهما فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات
عنهما وعن النخعي والشعبي ما يدل على أن الميراث يقسم بينهن على حسب
الدعاوى والتنزيل كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي
يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الأمر فلو تزوج امرأة في
عقد وأربعاً في عقد ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق ففي قول أبي
حنيفة كل واحدة تدعي مهراً كاملاً ينكره الأخ فيعطي كل واحدة نصف مهر ويؤخذ
ربع الباقي تدعيه الواحدة والأربع فيقسم نصفه للواحدة ونصفه للأربع وعند
الشافعي أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ
(7/176)
ذلك يوقف منها مهر بين النساء الخمس ويبقى
ثلاثة تدعي الواحدة ربعها ميراثاً ويدعي الأخ ثلاثة أرباعها فيوقف منها
ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع والأخ
ثم يؤخذ ربع ما بقي فيوقف بين النساء الخمس والباقي للأخ (فصل) فإن تزوج
امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثاً في عقد ولم يعلم السابق فالواحدة
نكاحها صحيح فلها مهرها ويبقى الشك في الخمس، فعلى قول أهل العراق لهن
مهران بيقين والثالث لهن في حال دون حال فيكون لهن نصفه ثم يقسم ذلك بينهن
لكل واحدة نصف مهر ثم يؤخذ ربع الباقي لهن ميراثاً فللواحدة ربعه يقيناً
وتدعي نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع سدسه وثمنه وذلك سبعة من
أربعة وعشرين والاثنتان يدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما فيعطين نصفه وهو
ثمانية أسهم والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعه
وهذا قول محمد بن الحسن، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف تقسم السبعة بين
الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع من ثمانية وأربعين ثم تضرب الاثنين في
الثلاث ثم في ثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانية وثمانين فهذا ربع المال،
وعند الشافعي تعطى الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور مهران منها بين الخمس
ومهر تدعي الواحدة والاثنتان ربعه ميراثا وتدعيه الثلاث مهراً وثلاثة
أرباعه يدعيه الأخ ميراثا وتدعيه الثلاث مهراً ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه
إلى الواحدة ونصف سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث
والاثنتين موقوف فإن طلبت واحدة من الخمس شيئاً من الميراث الموقوف لم يدفع
اليها شئ وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لا يدفع
اليه شئ وإن طلب واحدة من الثلاث وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع
الميراث وإن طلبه واحدة
(7/177)
من الاثنتين واثنتان من الثلاث أو الثلاث
كلهن دفع اليهن ثلاثه وإن عين الزوج المنكوحات أولا قبل تعيينه وثبت، وإن
وطئ واحدة منهن لم يكن ذلك تعييناً لها وهذا قول الشافعي، وللموطوءة الأقل
من المسمى أو مهر المثل ويكون الفضل بينهما موقوفاً وعلى قول أهل العراق
يكون تعييناً، فإذا كانت الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث،
وان كانت من الثلاث بطل نكاح الاثنتين وإن وطئ واحدة من الاثنتين وواحدة من
الثلاث صح نكاح الفريق المبدوء بوطئ واحدة منه وللموطوءة التي لم يصح
نكاحها مهر مثلها، فإن أشكل أيضاً أخذ منه اليقين وهو مهران مسميان ومهر
مثل ويبقى مهر مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة
مهر مثل ومسميان ونصف منها مهر مسمى ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين
ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات لكل واحدة نصف مسمى والميراث على ما
تقدم، وعند الشافعي لا حكم للوطئ في التعيين وهل يقوم تعيين الوارث مقام
تعيين الزوج فيه قولان فعلى قوله يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل
الأقل من المسمى أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما ويبقى مسميان ونصف يقف
أحدهما بين الثلاث اللاتي لم يوطأن وآخر بين الثلاث والاثنتين، والميراث
على ما تقدم، وحكي عن الشعبي والنخعي فيمن له أربع نسوة أبت طلاق إحداهن ثم
نكح خامسة ومات ولم يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة
أرباعه بينهن وهذا مذهب أبي حنيفة إذا كان نكاح الخامسة بعد انقضاء عدة
المطلقة، ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة إحدى نسائي طالق ثم نكح سادسة ثم
مات قبل أن يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة الأرباع
(7/178)
الباقية وما بقي بين الأربع الأول أرباعاً
وفي قول الشافعي ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم (باب ميراث المطلقة)
(إذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف طلاقا بائناً قطع التوارث بينهما)
وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته في صحته طلاقا بائناً أو رجعياً فبانت
بانقضاء عدتها
لم يتوارثا إجماعا لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث وكذلك إن طلقها في
مرض غير مخوف لأن حكم الطلاق فيه حكم الطلاق في الصحة، فإن طلقها في المرض
المخوف فصح من مرضه ذلك ومات بعده لم ترثه في قول الجمهور وروي عن النخعي
والشعبي والثوري وزفر أنها ترثه لأنه طلاق في مرض مخوف قصد به الفرار من
الميراث فلم يمنعه كما لو لم يصح ولنا أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت
فلم ترثه كالمطلقة في الصحة ولأن حكم هذا المرض حكم الصحة في العطايا
والعتاق والاقرار فكذلك في الطلاق وما ذكروه يبطل بما إذا قصد الفرار في
الصحة (مسألة) (وإن كان الطلاق رجعياً لم يقطعه مادامت في العدة) سواء كان
في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره
وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد
(7/179)
(مسألة) (وإن طلقها في مرض الموت المخوف
طلاقاً لا يتهم فيه بأن سألته الطلاق أو علق طلاقها على فعل لها منه بد
ففعلته أو علقه على شرط في الصحة فوجد في المرض أو طلق من لا يرث كالأمة
والذمية فعتقت وأسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين) إذا سألته الطلاق
في مرضه فأجابها فقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) لا ترثه لأنه ليس بفار
(والثانية) ترثه لأنه طلقها في مرضه وهو قول مالك، وكذلك الحكم اذا خالعها
أو علق الطلاق على مشيئتها فشاءت أو على فعل من جهتها لها منه بد ففعلته أو
خيرها فاختارت نفسها، والصحيح في هذا كله أنها لا ترثه لأنه لا فرار منه
وهذا قول أبي حنيفة والشافعي فان لم تعلم بتعليق طلاقها ففعلت ما علق عليه
ورثته لأنها معذورة فيه، ولو سألته طلقة فطلقها ثلاثاً ورثته لأنه أبانها
بما لم تطلبه منه فإن علق طلاقها على شرط في الصحة فوجد في المرض كقدوم زيد
ومجئ زيد وصلاتها الفرض بانت ولم ترثه وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو
قول مالك لأن الطلاق وقع في المرض والأول أصح (مسألة) (فإن طلق الزوج
المسلم امرأته الذمية أو الأمة في المرض طلاقاً بائناً ثم أسلمت الذمية
وعتقت الأمة ثم مات في عدتهما لم يرثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فاراً) وفيه
رواية أخرى أنها ترث لأنه طلاق في مرض الموت فورثته كغيرها هكذا ذكره شيخنا
في الكتاب المشروح ولم يذكر في المغني والكافي هذه الرواية الأخيرة (فصل)
فإن قال لهما أنتما طالقتان غداً فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم يرثاه لأنه
غير فار (مسألة) (وإن قال سيد الأمة أنت حرة غداً فطلقها اليوم وهو يعلم
بقول السيد ورثته) لأنه فار وإن لم يعلم لم ترثه لعدم الفرار وبه قال أبو
حنيفة والشافعي ولم أعلم فيه مخالفاً
(7/180)
(فصل) إذا قال لامرأته في صحته إذا مرضت
فأنت طالق فحكمه حكم طلاق المريض سواء وإن أقر في مرضه أنه كان طلقها في
صحته ثلاثا لم يقبل إقراره عليها وكان حكمه حكم طلاقه في مرضه وبه قال مالك
وابو حنيفة ويقبل عند الشافعي ولنا أنه أقر بما يبطل به حق غيره فلم يقبل
كما لو أقر بمالها (مسألة) (وإن كان متهماً بقصد حرمانها الميراث مثل أن
طلقها ابتداء أو علقه على فعل لابد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته أو قال
للأمة أو ذمية إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق أو علم أن سيد الأمة قال لها
أنت حرة غداً فطلقها اليوم ورثته مادامت في العدة ولم يرثها) وجملته أنه
إذا طلقها في المرض المخوف طلاقاً بائناً ثم مات من مرضه ذلك في عدتها
ورثته ولم يرثها إن ماتت يروى هذا عن علي وعمر وعثمان، وبه قال شريح وعروة
والحسن والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة في أهل العراق ومالك في أهل
المدينة وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي القديم، وروي عن عبد الله بن الزبير
لا ترث مبتوتة ويروى ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف وهو قول الشافعي الجديد
لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة أو كما لو كان الطلاق باختيارها ولأن
أسباب الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء وليس لها شئ من هذه الأسباب ولنا
أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف
وكان طلقها في مرضه فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعاً ولم
يثبت عن علي وعبد الرحمن خلاف هذا بل قد روى عروة أن عمر قال لعبد الرحمن
ان مت فلاورثتها منك قال قد علمت ذلك، وما روي عن ابن
(7/181)
الزبير ان صح فهو مسبوق بالاجماع ولانه قصد
قصد فاسداً في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث
يعاقب بحرمانه (مسألة) (وإن علق طلاقها على فعل لابد لها منه كالصلاة
المكتوبة والصيام الواجب ففعلته فحكمه حكم طلاقه ابتداء) في قول الجميع
وكذلك لو علقه على كلامها لأبويها ولأحدهما (مسألة) (وهل ترثه بعد العدة أو
ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين) المشهور عن أحمد رحمه الله أنها
ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج قال أبو بكر لا يختلف قول أبي عبد الله
في المدخول بها أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج روى ذلك عن الحسن
وهو قول البتي وحميد وابن أبي ليلى وبعض البصريين وأصحاب الحسن ومالك في
أهل المدينة، وذكر عن ابي ابن كعب لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أباه
طلق أمه وهو مريض فمات فورثته بعد انقضاء العدة ولأن سبب توريثها فراره من
ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة، وفيه رواية أخرى أنها لا ترث
بعد العدة وهذا قول عروة وأبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي القديم لأنها
تباح لزوج آخر فلم ترثه كما لو كان في الصحة ولأن توريثها بعد العدة يفضي
إلى توريث أكثر من أربع نسوة فلم يجز كما لو تزوجت، والمطلقة قبل الدخول في
مرضه المخوف فيها روايتان كالتي انقضت عدتها إذا كانت كل واحدة منهما لا
عدة لها (مسألة) (وإن تزوجت في عدتها لم ترثه سواء كانت في الزوجية أو بانت
من الزوج الثاني
(7/182)
هذا قول أكثر أهل العلم، وقال مالك في أهل
المدينة ترثه لما ذكرنا للرواية الأولى في المسألة قبلها ولأنها شخص يرث مع
انتفاء الزوجية فورث معها كسائر الوارثين ولنا أن هذه وارثة من زوج فلا ترث
زوجا سواء كسائر الزوجات ولأن التوريث في حكم النكاح فلا يجوز اجتماعه مع
نكاح آخر كالعدة ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فأشبه ما لو
كان فسخ النكاح من قبلها وهكذا لو ارتدت في عدتها ولم تسلم أو فعلت ما
ينافي نكاح الأول
(فصل) اذا طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول في المرض فقال أبو بكر فيها أربع
روايات (إحداهن) لها الصداق كاملاً والميراث وعليها العدة اختارها أبو بكر
وهو قول الحسن وعطاء وأبي عبيد لأن الميراث ثبت للمدخول بها لفراره منه
وهذا فار، وإذا ثبت الميراث ثبت وجوب تكميل الصداق، قال شيخنا وينبغي أن
تكون العدة عدة الوفاة لأنا جعلناها في حكم من توفي عنها وهي زوجة ولأن
الطلاق لا يوجب عدة على غير المدخول بها (الثانية) لها الميراث والصداق ولا
عدة عليها وهو قول عطاء لأن العدة حق عليها فلا تجب بفراره (والثالثة) لها
الميراث ونصف الصداق وعليها العدة وهذا قول مالك في رواية أبي عبيد عنه لأن
من ترث يجب أن تعتد ولا يكمل الصداق لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فلا يجوز مخالفة ذلك
(والرابعة) لا ترث ولا عدة عليها ولها نصف الصداق وهو قول جابر بن زيد
والنخعي وأبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم قال أحمد قال جابر بن زيد لا
ميراث لها ولا عدة عليها، وقال الحسن ترث قال أحمد أذهب إلى قول جابر لأن
الله سبحانه نص على تنصيف الصداق ونفي العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله
سبحانه
(7/183)
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم
لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولا
يجوز مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم، وأما الميراث فإنها ليست بزوجته ولا
معتدة من نكاح أشبهت المطلقة في الصحة فإن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته
فلها الميراث وعليها العدة للوفاة ويكمل لها الصداق لأن الخلوة تكفي في
ثبوت هذه الأحكام وهذا قول أبي حنيفة (فصل) ولو طلق المدخول بها طلاقا
رجعيا ثم مرض في عدتها ومات بعد انقضائها لم ترثه لأنه طلاق صحة فإن طلقها
واحدة في صحته وأبانها في مرضه ثم مات بعد انقضاء عدتها فحكمها حكم ما لو
ابتدأ طلاقها في مرضه لأنه فر من ميراثها وإن طلقها واحدة في صحته وأخرى في
مرضه ولم يبنها حتى بانت بانقضاء عدتها لم ترث لأن طلاق المرض لم يقطع
ميراثها ولم يؤثر في بينونتها (فصل) وإذا طلقها ثلاثاً في مرضه فارتدت ثم
أسلمت ثم مات في عدتها ففيه وجهان (أحدهما) ترثه
وهو قول مالك لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد (والثاني) لا ترثه
وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت،
ولو كان هو المرتد ثم اسلم ومات ورثته وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال
الشافعي لا ترثه ولنا أنها مطلقة في المرض لم تفعل ما ينافي نكاحها مات
زوجها في عدتها أشبه ما لو لم ترتد ولو ارتد أحد الزوجين بعد الدخول ثم عاد
إلى الإسلام قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لأن النكاح باق، وإن
(7/184)
انقضت العدة قبل رجوعه انفسخ النكاح ولم
يرث أحدهما الآخر، وإن قلنا أن الفرقة تتعجل عند اختلاف الدين لم يرث
أحدهما الآخر ويتخرج أن يرثه الآخر إذا كان ذلك في مرض موته لأنه تحصل به
البينونة أشبه الطلاق وهو قول مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ارتدت
المرأة ثم ماتت في عدتها ورثها الزوج (فصل) فإن علق طلاقها على فعل نفسه
وفعله في المرض ورثته لأنه أوقع الطلاق بها في المرض أشبه ما لو كان
التعليق في المرض وإن قال في الصحة أنت طالق إن لم أضرب غلامي فلم يضربه
حتى مات ورثته ولا يرثها إن ماتت وإن مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان
كتعليقه على مجئ زيد على ما ذكرنا وكذلك إن قال إن لم أوفك مهرك فأنت طالق
فإن ادعى أنه وفاها مهرها فأنكرته صدق الزوج في ثوريثه منها لأن الأصل بقاء
النكاح ولم يصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته ولو قال لهافي
الصحة أنت طالق إن لم أتزوج عليك فكذلك نص عليه أحمد وهو قول الحسن ولو قذف
المريض امرأته ثم لاعنها في مرضه فبانت منه ثم مات في مرضه ورثته وإن ماتت
لم يرثها وإن قذفها في صحته ثم لاعنها في مرضه ثم مات فيه لم ترثه نص عليه
أحمد وهو قول الشافعي واللؤلؤي وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول
أبي يوسف وإن آلى منها ثم صح ثم نكس في مرضه فبانت منه بالإيلاء لم ترثه
(مسألة) (وإن أكره الابن امرأة أبيه في مرض أبيه على ما يفسخ نكاحها لم
يقطع ميراثها
(7/185)
إلا أن يكون له امرأة سواها إذا استكره
الابن امرأة أبيه على ما يفسخ نكاحها من وطئ أو غيره في مرض أبيه فمات أبوه
من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها إن ماتت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن طاوعته
على ذلك لم ترث لأنها مشاركة له فيما يفسخ نكاحها أشبه ما لو خالعته وسواء
كان للميت بنون سوى هذا الابن أو لم يكن فإن انتفت التهمة عنه بأن لا يكون
وارثا كالكافر والقاتل والرقيق أو كان ابنا من الرضاعة أو ابن ابن محجوب
بابن الميت أو بأبوين وابنتين أو كان للميت امرأة أخرى تحوز ميراث الزوجات
لم ترث لانتفاء التهمة ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم ترث لانتفاء
التهمة حال الوطئ ولو كان وارثا حين الوطئ فعاد محجوباً عن الميراث ورثت
لوجود التهمة حين الوطئ ولو كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه إحداهما لم
ترث لانتفاء التهمة لكون ميراثها لا يرجع إليه وإن استكره الثانية بعدها
ورثت الثانية لأنه متهم في حقها ولو استكرههما معادفعة واحدة ورثتا معاً
وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه وأما الشافعي فلا يرى فسخ النكاح بالوطئ
الحرام وكذا الحكم فيما إذا وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته
فإن امرأته تبين منه وترثه إذا مات في مرضه وسواء طاوعته الموطوءة أو لا
لأن مطاوعتها ليس للمرأة فيه فعل يسقط به ميراثها فإن كان زائل العقل حين
الوطئ لم ترث امرأته منه شيئاً لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فاراً من
ميراثها وكذلك لو وطئ بنت امرأته كرها لها وهو زائل العقل فإن كان صبياً
عاقلا ورثت لأن له قصداً صحيحاً وقال أبو حنيفة هو كالمجنون لأن قوله لا
عبرة به وللشافعي فيما إذا وطئ الصبي بنت امرأته وأمها قولان أحدهما لا
ينفسخ به نكاح امرأته لأنه لا يحرم والثاني تبين امرأته فلا ترثه ولا يرثها
وفي القبلة والمباشرة دون
(7/186)
الفرج روايتان إحداهما تنشر الحرمة وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه لأنها مباشرة تحرم في غير النكاح والملك أشبهت الوط
والثانية لا تنشره لأنه ليس بسبب للبعضية فلا ينشر الحرمة كالنظرة والخلوة
وخرج أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها أنه ينشر الحرمة
والصحيح أنها لا تنشر (مسألة) (وإن فعلت المرأة في مرض موتها ما يفسخ
نكاحها لم يسقط ميراث زوجها وذلك بأن ترضع امرأة زوجها الصغيرة أو زوجها
الصغير أو ارتدت فإن زوجها يرثها ولا ترثه وبهذا قال أبو
حنيفة، وقال الشافعي لا يرثها ولنا أنها أحد الزوجين فرمن ميراث الآخر
فأشبه الرجل (فصل) وإن أعتقت فاختارت نفسها أو كان الزوج عنينا فأجل سنة
فلم يصبها حتى مرضت في آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا في
قولهم أجمعين ذكره ابن اللبان في كتابه وذكر القاضي في المعتقة إذا اختارت
نفسها في مرضها لم يرثها لأن فسخ النكاح في هذين الموضعين لدفع الضرر لا
للفرارمن الميراث وإن قبلت ابن زوجها بالشهوة خرج فيه وجهان أحدهما ينفسخ
نكاحها ويرثها إذا كانت مريضة وماتت في عدتها وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه
والثاني لا ينفسخ النكاح به وهو قول الشافعي ولو أن رجلاً زوج ابنة أخيه
صغيرة ثم بلغت ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير خلاف علمناه لأن
النكاح من أصله فاسد في صحيح المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد ما يدل
على صحته ولها الخيار وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأن الفسخ لإزالة الضرر
لا من أجل الفرار كما لو فسخت المعتقة نكاحها (مسألة) (وإن خلف زوجات نكاح
بعضهن فاسد أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها)
(7/187)
قد ذكرنا أن النكاح الفاسد لا يثبت به
التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي فإذا اشتبه من نكاحها فاسد بمن
نكاحها صحيح فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يقرع بينهما في الميراث إذا
مات عنهما ذكره أبو بكر فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها وكذلك لو طلق
واحدة من نسائه وأنسيها لأنه اشتبه المستحق بغيره فوجب المصير إلى القرعة
كما لو اعتق في مرضه عبيداً فلم يخرج من الثلث إلا أحدهم يروي ذلك عن علي
رضي الله عنه وقد ذكرنا ذلك فيما قبل هذا الباب والاختلاف فيه والتفريع
عليه (مسألة) (إذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن ثم تزوج أربعا سواهن
فالميراث للزوجات وعنه أنه بين الثمان) وجملة ذلك أن المريض إذا طلق امرأته
ثم نكح أخرى ثم مات لم يخل من حالين أحدهما أن يموت في عدة المطلقة فترثاه
جميعاً وهذا قول أبي حنيفة وأهل العراق وأحد قولي الشافعي والقول الآخر
لا ترث المبتوتة فيكون الميراث كله للثانية وقال مالك الميراث كله للمطلقة
لأن نكاح المريض عنده غير صحيح وذكره بعض أصحابنا وجها في المذهب لأنها ترث
منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع الميراث فكذلك بعده وليس هذا صحيحاً
فإنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو تزوج عليها ولم يطلقها لم ترث
إلا نصف ميراث الزوجات فكذلك إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه
فليس للمطلقه الاربع ميراث لزوجات ولكل واحدة من الزوجات ربعه (الحال
الثاني) أن يموت بعد انقضاء عدة المطلقة فيكون الميراث كله للزوجات في إحدى
الروايتين وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وفي الرواية الأخرى الميراث
للأربع كما لو مات في عدة المطلقة
(7/188)
وعند مالك الميراث كله للمطلقة فإن كان له
أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا في مرضه ثم نكح أخرى في عدة المطلقة أو طلق
امرأة واحدة ونكح أختها في عدتها ومات في عدتها فالنكاح باطل والميراث بين
المطلقة وباقي الزوجات الأوائل وهذا قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي
النكاح صحيح والميراث للجديدة مع باقي المنكوحات دون المطلقة ويجئ على قوله
القديم وجهان (أحدهما) أن يكون الميراث بين المطلقة وباقي الزوجات كقول
الجمهور ولا شئ للمنكوحة (والثاني) أن يكون بينهن على خمسة لكل واحدة خمسة
فان مات بعد انقضاء عدة المطلقة ففي ميراثها روايتان أحديهما لا ميراث لها
فيكون الميراث لباقي الزوجات وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق والثانية ترث
معهن ولا شئ للمنكوحة وعند الشافعي الميراث للمنكوحات ولا شئ للمطلقة فإن
تزوج الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل ترث المطلقة؟ على
روايتين (أحديهما) لا ترث وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال يلزم من قال يصح
النكاح في العدة أن يرث ثمان نسوة وأن ترثه أختان فيكون مسلم يرثه ثمان أو
اختان وتوريث المطلقات بعد العدة يلزم من هذا أو حرمان الزوجات المنصوص على
ميراثهن فيكون منكراً له غير قائل به فعلى هذا يكون الميراث للزوجات دون
المطلقة والرواية الثانية ترث المطلقة فيخرج فيه وجهان (أحدهما) يكون
الميراث بين الخمس، و (الثاني) يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل دون
الجديدة لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن بالطلاق فكذلك يمنع من
تنقيصهن منه.
قال شيخنا وكلا الوجهين بعيد، أما أحدهما فيرده نص الكتاب على توريث
الزوجات فلا تجوز مخالفته بغير نص ولا إجماع ولا قياس على صورة مخصوصة من
النص في معناه، وأما الآخر
(7/189)
فلان الله لم يبح نكاح أكثر من أربع ولا
الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في ميراثه بالزوجية وعلى هذا لو طلق
أربعاً في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعاً سواهن ثم مات من مرضه فعلى القول
الأول وهو المختار يرثه المنكوحات خاصة، وعلى الثاني يكون فيه وجهان.
(أحدهما) : أنه بين الثماني.
و (الثاني) .
أن الميراث كله للمطلقات، وهو قول مالك لأن نكاح المتجددات غير صحيح عنده،
وإن صح من مرضه ثم تزوج أربعاً في صحته ثم مات فالميراث لهن في قول الجمهور
ولا شئ للمطلقات إلا في قول مالك ومن وافقه وكذلك إن تزوجت المطلقات لم
يرثن إلا في قول مالك ومن وافقه.
(فصل) ولو طلق أربعاً بعد دخوله بهن في مرضه وقال قد أخبرني بانقضاء عدتهن
وكذبنه فله أن ينكح أربعاً سواهن إذا كان ذلك في مدة يمكن انقضاء العدة
فيها ولا يقبل قوله عليهن في حرمان الميراث.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي إذا كان بعد أربعة أشهر وقال زفر لا
يجوز له التزويج أيضاً، والأول أصح لأن هذا الحكم فيما بينه وبين الله
تعالى لا حق لهن فيه فقبل قوله فيه فعلى هذا إن تزوج أربعاً في عقد واحد ثم
مات ورثه المطلقات دون المنكوحات إلا أن يمتن قبله فيكون الميراث للمنكوحات
وإن أقررن بانقضاء عدتهن وقلنا لا ميراث لهن بعد انقضاء العدة فالميراث
للمنكوحات أيضاً، وإن مات منهن ثلاث فالميراث للباقية، وإن ماتت منهن واحدة
ومن المنكوحات واحدة أو اثنتان أو مات من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات
واحدة فالميراث لباقي المطلقات وإن مات من المطلقات واحدة ومن المنكوحات
ثلاثة أو من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات اثنتان أو
(7/190)
من المطلقات ثلاث ومن المنكوحات واحدة
فالميراث بين البواقي من المطلقات والنمكوحات معاً لأنه لو استأنف العقد
على الباقيات من الجميع جاز وكان صحيحاً فإن تزوج المنكوحات في أربع عقود
فمات من المطلقات واحدة ورث مكانها الأولى من المنكوحات وإن مات اثنتان
ورثت الأولى والثانية وإن مات ثلاث ورثت الأولى والثانية والثالثة من
المنكوحات مع من بقي من المطلقات وهذا على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف
واللؤلؤي فأما زفر فلا يرى صحة نكاح المنكوحات حتى يصدقه المطلقات، وأما
الشافعي فيباح عنده التزويج في عدة المطلقات فعلى قوله إذا طلق أربعا ونكح
أربعاً في عقد أو عقود ثم مات من مرضه فالميراث للمنكوحات وعلى قوله القديم
يخرج فيه وجهان: (أحدهما) أن الميراث بين الثمان.
وعلى الثاني هو للمطلقات خاصة، وإن مات بعض المطلقات أو انقضت عدتهن
فللمنكوحات ميراث الميتات وإن ماتت واحدة فللزوجات ربع ميراث النساء وإن
مات اثنتان فللزوجات نصف الميراث، وإن مات ثلاث فلهن ثلاثة أرباعه إن كان
نكاحهن في عقد واحد وإن كان في عقود متفرقة فإذا ماتت من المطلقات واحدة
فميراثها للأولى من المنكوحات، وميراث الثانية للثانية وميراث الثالثة
للثالثة (فصل) إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق يعني واحدة بعينها طلقت
وحدها ويرجع إلى تعيينه ويؤخذ بنفقهن كلهن إلى أن يعين، وإن كان الطلاق
بائناً منع منهن إلى أن يعين فإن قال أردت هذه طلقت وحدها وإن قال لم أرد
هؤلاء الثلاث طلقت الرابعة فان عاد فقال أخطأت إنما أردت هذه طلقت الأخرى،
وإن متن، أو إحداهن، قبل أن يبين رجع إلى قوله فمن أقر بطلاقها حرمناه
(7/191)
ميراثها وأحلفناه لورثة من لم يعينها، وهذا
قول الشافعي وإن لم يعين بذلك واحدة بعينها أو مات قبل التعيين أخرجت
بالقرعة وكذلك إن طلق واحدة من نسائه بعينها وأنسيها فماتت أخرجت بالقرعة
فمن تقع عليها القرعة فلا ميراث لها.
روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول أبي ثور، وروي عطاء عن ابن عباس أن
رجلاً سأله فقال إن لي ثلاث نسوة وإني طلقت إحداهن فبتت طلاقها فقال ابن
عباس أن كنت نويت واحدة بعينها ثم أنسيتها فقد اشتركن في الطلاق وإن لم تكن
واحدة بعينها طلق أيتهن شئت.
وقال الشافعي وأهل العراق يرجع إلى تعيينه في المسائل كلها فإن وطئ إحداهن
كان تعييناً لها
بالنكاح في قول أهل العراق وبعض أصحاب الشافعي، وقول الشافعي لا يكون
تعييناً فإن مات قبل أن تتبين فالميراث بينهن كلهن في قول أهل العراق، وقال
مالك يطلقن كلهن ولا ميراث لهن، وقال الشافعي يوقف ميراثهن وإن كان الطلاق
قبل الدخول دفع إلى كل واحدة نصف مهر ووقف الباقي من مهورهن، وقال داود
يبطل حكم طلاقهن لموضع الجهالة ولكل واحدة مهر كامل والميراث بينهن وإن متن
قبله طلقت الأخيرة في قول أهل العراق وقال الشافعي يرجع إلى تعيينه على ما
ذكرنا.
ولنا قول عمر رضي الله عنه ولا يعارضه قول ابن عباس لأن ابن عباس يعتر ف
لعلي بتقديم قوله فإنه قال إذا ثبت لنا عن علي قول لم نعده إلى غيره وقال
ما علمي إلى علم علي إلا كالقرارة إلى المتعنخر ولأنه إزالة ملك عن الآدمي
فتستعمل فيه القرعة عند الاشتباه كالعتق وقد ثبت هذا في العتق بخبر عمر ان
بن حصين ولأن الحقوق تساوت على وجه تعذر تعيين المستحق فيه من غير قرعة
فينبغي أن تستعمل
(7/192)
فيه القرعة كالسفر والقسمة بين النساء،
فأما قسم الميراث بين الجميع ففيه دفع إلى إحداهن مالا تستحقه وتنقيص بعضهن
حقاً يقينا والوقف الى غير غاية تضييع لحقوقهن وحرمان الجميع منع الحق عن
صاحبه يقيناً.
(فصل) ولو كان له امرأتان فطلق إحداهما ثم ماتت إحداهما ثم مات اقرع بينهما
فمن وقعت عليها قرعة الطلاق لم يرثها إن كانت الميتة ولم ترثه إن كانت
الأخرى، وفي قول أهل العراق يرث الأولى ولا ترثه الاخرى، وللشافعي قولان
أحدهما يرجع إلى تعيين الوارث فإن قال طلق الميتة لم يرثها، وورثته الحية
وإن قال طلق الحية حلف على ذلك وأخذ ميراث الميتة ولم تورث الحية، والقول
الثاني يوقف من مال الميتة ميراث الزوج ومن مال الزوج ميراث الحية، وإن كان
له امرأتان قد دخل بإحداهما دون الأخرى فطلق إحداهما لا بعينها فمن خرجت
لها القرعة فلها حكم الطلاق وللأخرى حكم الزوجية.
وقال أهل العراق للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث إن مات في عدتها وللأخرى
ربعه لأن للمدخول بها نصفه بيقين والنصف الآخر يتداعيانه فيكون بينهما وفي
قول الشافعي النصف للمدخول بها والباقي موقوف.
وإن كانتا مدخولا بهما فقال في مرضه أردت هذه ثم مات في عدتها لم يقبل قوله
لأن الاقرار بالطلاق في المرض كالطلاق فيه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف،
وقال زفر يقبل قوله والميراث للاخرى، وهو قياس قول الشافعي، ولو كان للمريض
امرأة أخرى سوى هاتين فلها نصف الميراث وللاثنتين نصفه، وعند الشافعي يوقف
نصفه.
(7/193)
(فصل) ولو كان له أربع نسوة فطلق إحداهن
غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها ثم مات ولم يبين فللخامسة ربع
الميراث والمهر ويقرع بين الأربع، وقال أهل العراق لهن ثلاثة أرباع الميراث
بينهن، وإن كن غير مدخول بهن فلهن ثلاثة مهور ونصف، وفي قول الشافعي يوقف
ثلاثة أرباع الميراث ومهر ونصف بين الأربع فإن جاءت واحدة تطلب ميراثها لم
تعط شيئاً، وإن طلبه اثنتان دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه ثلاث دفع
إليهن نصفه وإن طلبه الأربع دفع إليهن، ولو قال بعد نكاح الخامسة إحداكن
طالق فعلى قولهم للخامسة ربع الميراث لأنها شريكة ثلاث وباقيه بين الأربع
كالأولى وللخامسة سبعة أثمان مهر لأن الطلاق نقصها وثلثا معها نصف مهر
ويبقى للأربع ثلاثة مهور وثمن بينهن في قول أهل العراق، فإن تزوج بعد ذلك
سادسة فلها ربع الميراث ومهر كامل وللخامسة ربع ما بقي وسبعة أثمان مهر
وللأربع ربع ما بقي وثلاثة مهور وثمن ويكون الربع مقسوما على أربعة وستين،
فإن قال بعد ذلك إحداكن طالق لم يختلف الميراث ولكن تختلف المهور فللسادسة
سبعة أثمان مهر وللخامسة خمسة وعشرون جزءاً من اثنين وثلاثين جزءاً من مهر
ويبقى للأربع مهران وسبعة وعشرون جزءاً من مهر وعند الشافعي يوقف ربع
الميراث بين الست وربع آخر بين الخمس وباقيه بين الأربع ويوقف نصف مهر بين
الست ونصف بين الخمس ونصف بين الأربع ويدفع إلى كل واحدة نصيب (فصل) في
الاشتراك في الطهر إذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب من مثله
فأتت بولد يمكن أن يكون منهما كأن يطأ الشريكان جاريتهما المشتركة أو يطأ
الانسان جاريته ثم
(7/194)
يبيعها قبل أن يستبرئها فيطؤها المشتري قبل
استبرائها، أو يطؤها رجلان بشبهة، أو يطلق رجل امرأته
فيتزوجها رجل في عدتها ويطؤها، أو يطأ إنسان جارية آخر أو امرأته بشبهة في
الطهر الذي وطئها سيدها أو زوجها فيه ثم تأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه
يرى القافة معهما وهذا قول عطاء ومالك والليث والاوزاعي والشافعي، فإن
ألحقته بأحدهما لحق به وإن نفته عن أحدهما لحق الآخر، وسواء ادعياه أو لم
يدعياه أو ادعاه أحدهما وأنكره الآخر، وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما
وكان ابنهما وهذا قول الأوزاعي والثوري وأبي ثور ورواه بعض أصحاب مالك عنه
وعن مالك لا يرى ولد الحرة للقافة بل يكون لصاحب الفراش الصحيح دون الواطئ
بشبهة، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد وإن ألحقته القافة بأكثر من
واحد كان بمنزلة ما لم يوجد قافة، ومتى لم يوجد قافة أو أشكل عليها أو
اختلف القائفان في نسبه فقال أبو بكر يضيع نسبه ولا حكم لاختياره ويبقى على
الجهالة أبداً وهو قول مالك وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما
وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم يترك حتى يميز وذلك لسبع او ثمان
فينتسب إلى أحدهما ونفقته عليهما إلى أن ينتسب إلى أحدهما فيرجع الآخر عليه
بما أنفق، وإذا ادعى اللقيط اثنان أري القافة معهما وإن مات الولد المدعى
في هذه المواضع قبل أن يرى القافة وله ولد أري ولده القافة مع المدعين ولو
مات الرجلان أري القافة مع عصبتهما، فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته
القافة بهم لحق ونص أحمد على أنه يلحق بثلاثة ومقتضى هذا أنه يلحق بهم وإن
كثروا وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي عن
أبي ثور وأبي يوسف وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وروي أيضاً عن أبي
يوسف
(7/195)
وقال أبو حنيفة وأصحابه وشريك ويحيى بن آدم
لا حكم للقافة بل إذا سبق أحدهما بالدعوى فهو ابنه فإن ادعياه معاً فهو
ابنهما وكذلك إن كثر الواطئون وادعوه معا فإنه يكون لهم جميعاً وروي أيضاً
عن علي رضي الله عنه أنه قضى في ذلك بالقرعة مع اليمين وبه قال ابن أبي
ليلى واسحاق وعن أحمد نحوه إذا عدمت القافة وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل
مشروحة مدلولا عليها في باب اللقيط والغرض ههنا ذكر ميراث المدعي والتوريث
منه وبيان مسائله (مسألة) (إذا ألحق باثنين فمات وترك أما حرة فلها الثلث
والباقي لهما وإن كان لكل
واحد منهما ابن سواه أو لأحدهما ابنان فلأمه السدس وإن مات أحد الأبوين وله
ابن آخر فماله بينهما نصفين فإن مات الغلام بعد ذلك فلأمه السدس والباقي
للباقي من أبويه ولا شئ لاخوته لأنهما محجوبان بالأب الباقي، فإن مات
الغلام وترك ابنا فللباقي من الأبوين السدس والباقي لابنه وإن مات قبل
أبويه وترك ابناً فلهما جميعاً السدس والباقي لابنه، فإن كان لكل واحد
منهما أبوان ثم ماتا ثم مات الغلام وله جدة أم أم وابن فلأم أمه نصف السدس
ولأمي المدعيين نصفه كأنهما جدة واحدة وللجدين السدس والباقي للابن فإن لم
يكن ابن فللجدين الثلث لأنهما بمنزلة جد واحد والباقي للأخوين وعند أبي
حنيفة الباقي كله للجدين لأن الجد يسقط الاخوة، وإن كان المدعيان أخوين
والمدعى جارية فماتا وخلفا أباها فلها من مال كل واحد نصفه والباقي للأب
فإن مات الأب بعد ذلك فلها النصف لأنها بنت ابن وحكى الخبري عن أحمد وزفر
وابن أبي زائدة أن لها الثلثين لأنها بنت ابنته فلها ميراث بنتي ابن، وإن
كان المدعي ابنا فمات أبواه ولأحدهما بنت ثم مات أبوهما فميراثه بين الغلام
(7/196)
والبنت على ثلاثة وعلى القول الآخر على
خمسة لأن الغلام يضرب بنصيب ابني ابن، فإن كان لكل واحد منهما بنت فللغلام
من مال كل واحد منهما ثلثاه وله من مال جده نصفه وعلى القول الآخر له ثلثاه
ولهما سدساه، وإن كان المدعيان رجلا وعمة والمدعى جارية فماتا وخلفا
أبويهما ثم مات أبو الأصغر فلها النصف والباقي لأبي العم لأنه أبوه، وإذا
مات أبو العم فلها النصف من ماله أيضاً وعلى القول الآخر لها الثلثان لأنها
بنت ابن وبنت ابن ابن، وإن كان المدعي رجلا وابنة فمات الابن فلها نصف ماله
وإذا مات الأب فلها النصف أيضاً وعلى القول الآخر لها الثلثان، وقال أبو
حنيفة إذا تداعى الأب وابنه قدم الأب ولم يكن للابن شئ وإن مات الأب أولا
فماله بين أبيه وبينهما على ثلاثة وتأخذ نصف مال الأصغر لكونها بنته
والباقي لكونها أخته وفي كل ذلك إذا لم يثبت نسب المدعى وقف نصيبه ودفع إلى
كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يثبت نسبه أو يصطلحوا.
(فصل) وإذا كان المدعون ثلاثة فمات أحدهم وترك ابنا والفا ثم مات الثاني
وترك ابنا وألفين ثم مات الثالث وترك ابنا وعشرين ألفا ثم مات الغلام وترك
أربعة آلاف وأماً حرة وقد ألحقته القافة
بهم فقد ترك خمسة عشر ألفاً وخمسمائة فلأمه سدسها والباقي بين إخوته
الثلاثة أثلاثاً، وإن كان موتهم قبل ثبوت نسبه دفع إلى الأم ثلث تركته وهو
ألف وخمسمائة لأن أدنى الأحوال أن يكون ابن صاحب الألف فيرث منه خمسمائة
وقد كان وقف له من مال كل واحد من المدعيين نصف ماله فيرد إلى ابن صاحب
الألف وابن صاحب الألفين ما وقف من مال أبويهما لأنه إن لم يكن أخا لهما
فذلك لهما من مال أبويهما وإن كان أخا أحدهما فهو يستحق ذلك وأكثر منه
بإرثه منه ويرد على ابن الثالث تسعة
(7/197)
آلاف وثلث ألف ويبقى ثلثا ألف موقوفة بينه
وبين الأم لأنه يحتمل أن يكون أخا فيكون قد مات عن أربعة عشر ألفاً لأمه
ثلثها ويبقى من مال الابن ألفان وخمسمائة موقوفة يدعيها ابن صاحب الألف
كلها ويدعي منها ابن صاحب الألفين ألفين وثلثا فيكون ذلك موقوفا بينهما
وبين الأم وسدس الألف بين الأم وابن صاحب الألف، فإن ادعى أخوان ابنا ولهما
أب فمات أحدهما وخلف بنتا ثم مات الآخر قبل ثبوت نسب المدعى وقف من مال
الأول خمسة أتساعه منها تسعان بين الغلام والبنت وثلاثة أتساع بينه وبين
الأب ويوقف من مال الثاني خمسة أسداس بينه وبين الأب، فإن مات الأب بعدهما
وخلف بنتا فلها نصف ماله ونصف ما ورثه عن ابنته والباقي بين الغلام وبنت
الابن لأنه ابن ابنه بيقين ويدفع إلى كل واحد منهم من الموقوف اليقين
فنقدره مرة ابن صاحب البنت ومرة ابن الآخر وينظر ماله من كل واحد منهم في
الحلين فيعطيه أقلهما، فللغلام في حال كل الموقوف من مال الثاني وخمس
الموقوف من مال الأول وفي حال كل الموقوف من مال الأول وثلث الموقوف من مال
الثاني فله أقلهما، ولبنت الميت الأول في حال النصف من مال أبيها وفي حال
السدس من مال عمها.
ولبنت الأب في حال نصف الموقوف من مال الثاني وفي حال ثلاثة أعشار من مال
الأول فيدفع إليها أقلهما ويبقى باقي التركة موقوفا بينهم حتى يصطلحوا
عليه، ومن الناس من يقسمه بينهم على حسب الدعاوى.
فإن اختلفت أجناس التركة ولم يصر بعضها قصاصاً عن بعض قومت وعمل في قيمتها
ما بينا في الدراهم ان تراضوا بذلك أو يبيع الحاكم عليهم ليصير الحق كله من
جنس واحد لما فيه من الصلاح لهم ويوقف الفضل المشكوك فيه على الصلح
(7/198)
(فصل) ولو ادعى اثنان غلاما فألحقته القافة
بهما، ثم مات أحدهما وترك ألفاً وعماً وبنتاً ثم مات الآخر وترك ألفين وابن
ابن ثم مات الغلام وترك ثلاثة آلاف وأما كان للبنت من تركة أبيها ثلثها
وللغلام ثلثاها وتركة الثاني كلها له لأنه ابنه فهو أحق من ابن الابن، ثم
مات الغلام عن خمسة آلاف وثلثي ألف فلأمه ثلث ذلك ولأخته نصفه وباقيه لابن
الابن لأنه ابن أخيه ولا شئ للعم، وإن لم يثبت نسبه فلابنه الأول ثلث الألف
ويوقف ثلثاها وجميع تركة الثاني، فإذا مات الغلام فلأمه من تركته ألف وتسعا
ألف لأن أقل أحواله أن يكون ابن الأول فيكون قد مات عن ثلاثة آلاف وثلثي
ألف ويرد الموقوف من مال أبي البنت على البنت والعم فيصطلحان عليه لأنه
لهما إما عن صاحبهما أو الغلام ويرد الموقوف من مال الثاني إلى ابن ابنه
لأنه له إما عن جده وإما عن عمه وتعطى الأم من تركة الغلام ألفاً وتسعي ألف
لأنها أقل مالها ويبقى ألف وسبعة أتساع ألف تدعي منها الأم أربعة أتساع ألف
تمام ثلث خمسة آلاف ويدعي منها ابن الابن ألفاً وثلثا تمام ثلثي خمسة آلاف
وتدعي البنت والعم جميع الباقي فيكون ذلك موقوفا بينهم حتى يصطلحوا، ولو
كان المولود في يدي امرأتين وادعتاه معاً أري القافة معهما فإن ألحقته
بإحداهما لحق بها وورثها وورثته في إحدى الروايات وإن ألحقته بهما أو نفته
عنهما لم يلحق بواحدة منهما وإن قامت لكل واحدة منهما بينة تعارضتا ولم
نسمع بينتيهما وبه قال أبو يوسف واللؤلؤي وقال أبوحينفة يثبت نسبه منهما
ويرثاه ميراث أم واحدة كما يلحق برجلين ولنا أن إحدى البينتين كاذبة يقينا
فلم تسمع كما لو علمت ومن ضرورة ردها ردهما لعدم العلم بعينها ولأن هذا
محال فلم يثبت بينة ولا غيرها كما لو كان الولد أكبر منهما، ولو أن امرأة
معها صبي ادعاه رجلان
(7/199)
كل واحد يزعم أنه ابنه منها وهي زوجته
فكذبتهما لم يلحقهما وإن صدقت أحدهما لحقه كما لو كان بالغاً فادعياه فصدق
أحدهما، ولو أن صبياً مع امرأة فقال زوجها هو ابني من غيرك فقالت بل هو
ابني منك لحقهما جميعاً وقد ذكرنا لحاق النسب في هذه المسائل والاختلاف فيه
وإنما ذكرناه ههنا لأجل الميراث لأنه مبني عليه والله سبحانه وتعالى أعلم
(باب الاقرار بمشارك في الميراث) إذا أقر الورثة كلهم بوارث فصدقهم أو كان
صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه سواء كان الورثة جماعة أو واحداً ذكرا أو
انثى وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لأن الوارث يقوم مقام
الميت في ميراثه وديونه والديون التي عليه وبيناته ودعاويه والأيمان التي
له وعليه كذلك في النسب وقد روت عائشة أن سعد بن أبي وقاص اختصم هو وعبد بن
زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد أصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى
ابن زمعة واقبضه فإنه ابنه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على
فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد بن زمعة، الولد
للفراش وللعاهر الحجر " فقضى به لعبد بن زمعة وقال " احتجي منه يا سودة "
والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال
مالك لا يثبت إلا بإقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد
كالشهادة، والمشهور عن أبي يوسف أنه لا يثبت النسب إلا بإثنين ذكرين كانا
أو أنثيين عدلين أو غير عدلين.
ولنا أنه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا تعتبر
فيه العدالة فلا يعتبر فيه العدد كإقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح
لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالاقرار بالدين
(7/200)
(فصل) في شروط الاقرار بالنسب لا يخلو إما
أن يقر على نفسه خاصة أو عليه، على غيره فإن أقر على نفسه مثل أن يقر بولد
اعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب فإن
كان معروف النسب لم يصح لأنه يقطع نسبه الثابت من غيره، وقد لعن النبي صلى
الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه (والثاني) أن لا ينازعه فيه منازع
لأنه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر
(الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل أن يولد لمثله (الرابع) أن
يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو
المكلف فإن كان غير مكلف لم يعتبر تصديقه فإن كبر وعقل فأنكر لم يسمع
إنكاره لأن نسبه ثبت وجرى مجرى من ادعى ملك عبد صغير في يدهه وثبت بذلك
ملكه فلما كبر جحد ذلك، ولو طلب إحلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو
عاد فجحد النسب لم يقبل منه، وإن اعترف إنسان بأن هذا أبوه فهو كاعترافه
بأنه ابنه.
فأما إن كان اقرار عليه وعلى غيره كإقراره بأخ اعتبر مع الشروط الأربعة شرط
خامس وهو كون المقر جميع الورثة، فإن كان المقر زوجاً أو زوجة ولا وارث
معهما لم يثبت النسب بإقرارهما لأن المقر لا يرث المال كله فإن اعترف به
الإمام معه ثبت النسب لأنه قائم مقام المسلمين في مشاركة الوارث وإن كان
الوارث أما أو بنتاً أو أختاً أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد ثبت
النسب بقوله كالابن لأنه يرث المال كله وعند الشافعي لا يثبت بقوله نسب
لأنه لا يرى الرد ويجعل الباقي لبيت المال، ولهم فيما إذا وافق الإمام في
الاقرار وجهان وهذا من فروع الرد وقد ذكرناه، فإن كانت بنت وأخت أو أخت
وزوج ثبت النسب بقولهما لأنهما يأخذان المال كله وإذا أقر بابن ابنه وابنه
ميت اعتبرت فيه الشروط التي
(7/201)
تعتبر في الاقرار بالأخ وكذلك إن أقر بعم
وهو ابن جده فعلى ما ذكرناه (فصل) وان كان أحد الولدين غير وارث لكونه
رقيقاً أو مخالفاً لدين موروثه أو قاتلاً فلا عبرة به ويثبت النسب بقول
الآخر وحده لأنه يجوز جميع الميراث ثم إن كان المقر به ير ث شارك المقر في
الميراث وإن لم يكن وارثاً لوجود مانع فيه ثبت نسبه ولم يرث وسواء كان
المقر مسلماً أو كافراً (مسألة) (وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا
يحجبه كأخ يقر بابن للميت أو ابن ابن يقر بابن للميت أو أخ من أب يقر بأخ
من أبوين فإنه يثبت نسبه بذلك ويرث ويسقط المقر) هذا اختيار ابن حامد
والقاضي وابن شريح وقال أكثر أصحاب الشافعي يثبت نسب المقر به ولا يرث لأن
توريثه يفضي الى اسقاط توريثه فسقطلانه لو ورث لخرج المقر عن كونه وارثاً
فيبطل إقراره ويسقط نسب المقر به وتوريثه فيؤدي توريثه إلى إسقاط توريثه
فأثبتنا النسب دون الميراث ولنا أنه ابن ثابت النسب لم يوجد في حقه مانع من
الإرث فيدخل في عموم قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين) أو فيرث كما لو ثبت نسبه ببينة ولأن ثبوت النسب سبب للميراث فلا
يجوز قطع حكمه عنه ولا توريث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع، وما
احتجوا به لا يصح لأنا انما نعتبر كون المقر وارثاً على تقدير عدم المقر به
وخروجه عن الميراث
بالاقرار لا يمنع صحته بدليل أن الابن إذا أقر بأخ فإنه يرث مع كونه يخرج
باقرار عن أن يكون جميع الورثة.
فإن قيل إنما يقبل إقراره إذا صدقه المقر به فصار إقراراً من جميع الورثة
وإن كان المقر به طفلاً أو مجنوناً لم يعتبر قوله فقد أقر كل من يعتبر
قوله، قلنا ومثله ههنا
(7/202)
فإنه إن كان المقر به كبيراً فلابد من
تصديقه فقد أقر به كل من يعتبر إقراره وان كان صغيرا غير معتبر القول لم
يثبت النسب بقول الآخر كما لو كان اثنين أحدهما صغبر فأقر البالغ بأخ آخر
لم يقبل ولم يقولوا به ولا يعتبر موافقته كذا ههنا، ولأنه لو كان في يد
إنسان عبد محكوم له بملكه فأقر به لغيره ثبت للمقر له، وإن كان المقر يخرج
بالاقرار عن كونه مالكا كذا ههنا (مسألة) (وإن أقر بعضهم لم يثبت نسبه إلا
أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به) وجملته أنه إذا
أقر أحد الوارثين بوارث مشارك لهم في الميراث لم يثبت النسب بالاجماع لأن
النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر ولا إثباته في
حقهما لأن أحدهما منكر فلا يقبل إقرار غيره عليه ولم توجد شهادة يثبت بها
النسب، ولو كان المقر عدلان لأنه إقرار من بعض الورثة، وقال أبو حنيفة يثبت
إذا كانا عدلين لأنهما بينة فهو كما لو شهدا به ولنا أنه إقرار من بعض
الورثة فلم يثبت به النسب كالواحد، وفارق الشهادة لأنه يعتبر فيها العدالة
والذكورية والاقرار يخلافه.
فأما إن شهد به عدلان أو شهدا أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به ثبت
النسب وشاركهم في الإرث لأنهما لو شهدا على غير موروثهما قبل فكذلك إذا
شهدا عليه (مسألة) (وعلى المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه) إذا
أقر بعض الورثة ولم يثبت نسبه لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده كمن
خلف ولدين فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده وإن أقر بأخت دفع إليها خمس
ما في يده عن ميراثه هذا قول مالك
(7/203)
والاوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن
صالح وشريك ويحيى بن آدم ووكيع واسحاق وأبي
عبيد وأبي ثور وأهل البصرة، وقال النخعي وحماد وأبو حنيفة وأصحابه يقاسمه
ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وكأن ما أخذه المنكر تلف
أو غصب فيستوي فيما بقي وقال الشافعي وداود لا يلزمه في الظاهر دفع شئ
إليه، وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى؟ على قولين أصحهما لا يلزمه
لأنه لا يرث من لا يثبت نسبه وإذا قلنا يلزمه ففي قدره وجهان ولنا على
الشافعي أنه أقر بحق لمدعيه يمكن صدقه فيه ويد المقر عليه وهو متمكن من
دفعه إليه فلزمه ذلك كما لو أقر له بمعين ولأنه إذا علم أن هذا أخوه وله
ثلث التركة وتيقن استحقاقه لها وفي يده بعضه وصاحبه يطلبه لزمه دفعه إليه
وحرم عليه منعه مه كما في سائر المواضع، وعدم ثبوت نسبه في الظاهر لا يمنع
وجوب دفعه إليه كما لو غصبه شيئاً ولم يقم بينة بغصبه ولنا على أبي حنيفة
أنه أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقر به كما لو أقر له بشئ
معين ولأنه حق تعلق بمحل مشترك بإقرار أحد الشريكين فلم يلزمه أكثر من قسطه
كما لو أقر أحد الشريكين بجناية على العبد ولأن التركة بينهم أثلاثاً فلا
يستحق مما في يده إلا الثلث كما لو ثبت نسبه ببينة، ولأنه إقرار يتعلق
بحصته وحصة أخيه فلا يلزمه أكثر مما يخصه كالإقرار بالوصية وكإقرار أحد
الشريكين على مال الشركة بدين ولأنه لو شهد معه أجنبي بالنسب ثبت ولو لزمه
أكثر من حصته لم تقبل شهادته لأنه يجربها نفعاً إلى نفسه لكونه يسقط بعض ما
يستحق عليه.
فعلى هذا إذا خلف اثنين فأقر أحدهما بأخ فللمقر له ثلث ما في يد المقر وهو
سدس المال لأنه يقول نحن ثلاثة لكل واحد منا
(7/204)
الثلث وفي يدي النصف ففضل في يدي لك السدس
فيدفعه إليه وهو ثلث ما في يده وفي قول أبي حنيفة يدفع إليه نصف ما في يده
وهو الربع، وإن أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده لأنه يقول نحن أخوان وأخت
فلك الخمس من جميع المال وهو خمس ما في يدي وخمس ما في يد أخي فيدفع إليها
خمس ما في يده وفي قولهم يدفع إليها ثلث ما في يده، وفارق ما إذا غصب بعض
التركة وهما اثنان لأن كل واحد منهما يستحق النصف من كل جزء من التركة
وههنا يستحق الثلث فافترقا (فصل) إذا خلف ابناً واحداً فأقر بأخ من أبيه
دفع إليه نصف ما في يده في قول الجميع فإن أقر
بعده بآخر فاتفقا عليه دفعا إليه ثلث ما في أيدهما في قولهم جميعاً، فإن
أنكر المقر به ثانياً المقر به أولا لم يثبت نسبه قال القاضي هذا مثل
للعامة ادخلني أخرجك، وليس له أن يأخذ أكثر من ثلث ما في أيديهما لأنه لم
يقر بأكثر منه.
وقال الشافعي يلزم المقر أن يغرم له نصف التركة لأنه أتلفه عليه بإقراره
الأول.
قال شيخنا ويحتمل أن لا يبطل نسب الأول لأنه ثبت بقول من هو كل الورثة حال
الاقرار وإن لم يصدق المقر به الأول بالثاني لم يثبت نسبه ويدفع إليه المقر
ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل الذي في يده، ويحتمل أن يلزمه ثلث جميع المال
لأنه فوته عليه بدفع النصف إلى الأول وهو يقر أنه لا يستحق إلا الثلث،
وسواء دفعه إليه بحكم حاكم أو بغير حكمه لأن إقراره علة حكم الحال وسواء
علم بالحال عند إقراره بالأول أو لم يعلم لأن العمد والخطأ واحد في ضمان ما
يتلف، وحكي نحو هذا من شريك ويحتمل أنه إن علم بالثاني حين أقر بالأول وعلم
أنه إذا أقر به بعد الأول لا يقبل ضمن لأنه فوت حق غيره بتفريطه وإن لم
يعلم لم يضمن لأنه لا يجب عليه الإقرار بالأول إذا علمه ولا يحوجه إلى
(7/205)
حاكم ومن فعل الواجب فقد أحسن وليس بخائن
فلا يضمن وقيل هذا قياس قول الشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان الدفع بحكم
حاكم دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده لأن حكم الحاكم كالأخذ منه كرها وإن
دفعه بغير حاكم دفع إلى الثاني ثلث جميع المال لأنه دفع إلى الأول ما ليس
له تبرعا ولنا على الأول أنه أقر بما يجب عليه الإقرار به فلم يضمن ما تلف
به كما لو قطع الإمام يد السارق فسرى إلى نفسه وإن أقر بعدهما بثالث فصدقاه
ثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد كل واحد منهم إذا كان مع كل واحد ثلث المال وإن
كذباه لم يثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد المقر به وفي ضمانه له ما زاد
التفصيل في التي قبلها وعلى مثل قولنا قال ابن أبي ليلى وأهل المدينة وبعض
أهل البصرة (مسألة) (فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شئ للمقر به) لأنه لم
يقر له بشئ فإذا خلف أخا من أب وأخا من أم فأقرا بأخ من أبوين ثبت نسبه لأن
كل الورثة أقروا به وبأخذ جميع ما في يد الأخ من الأب لانه يسقطه في
الميراث، وإن أقر به الأخ من الأب وحده أخذ ما في يده لما ذكرنا ولم يثبت
نسبه لأن الذي أقر به لا يرث المال كله، وإن أقر به الأخ من الأم
وحده فلا شئ له لأنه ليس في يده فضل يقر له به وكذا إن أقر بأخ آخر من أمه
لذلك فأما إن أقر بأخوين من أم فإنه يدفع إليهما ثلث ما في يده لأن في يده
السدس فبإقراره اعترف أنه لا يستحق من الميراث إلا التسع فيبقى في يده نصف
التسع وهو ثلث ما في يده، وقال أبو حنيفة في ثلاثة إخوة مفترقين إذا أقر
الأخ من الأم بأخ من أم فله نصف ما في يده وإن أقر بأخ من أبوين فللمقر به
خمسة أسباع ما في يده وعلى قولنا لا يأخذ منه شيئاً لأنه لا فضل في يده
(7/206)
(مسألة) (وطريق العمل فيها أن تضرب مسألة
الاقرار في مسألة الإنكار وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار مضروباً
في مسألة الإنكار) وللمنكر سهمه من مسألة الإنكار مضروب في مسألة الإقرار
وما فضل فهو للمقر به فلو خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في
أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة ثم تضرب مسألة الاقرار في مسألة
الإنكار تكن اثني عشر للمنكر سهم من الإنكار في الإقرار أربعة وللمقر سهم
من الإقرار في الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن صدق المقر مثل سهمه وإن أنكر
مثل سهم المنكر وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال
الإنكار، وقال أبو الخطاب لا يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق
الأربع ما في يده وصححها من ثمانية للمنكر ثلاثة وللمختلف فيه سهم ولكل
واحد من الأخوين سهمان.
إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه الأصغر في أحدهما ثبت نسب المتفق
عليه فصاروا ثلاثة، فمسألة الإنكار إذاً من ثلاثة ومسألة الإقرار من أربعة
فتضرب إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر للأصغر سهم من مسألة الإنكار في
مسألة الإقرار أربعة وللأكبر سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار ثلاثة
وللمتفق عليه إن أقر بصاحبه مثل سهم الأكبر، وإن أنكر مثل سهم الأصغر، وذكر
أبو الخطاب إن المتفق عليه إن صدق بصحابة لم يأخذ من المنكر الأربع ما في
يده لأنه لا يدعي أكثر منه ويأخذ هو والمختلف فيه من الأكبر نصف ما في يده
فتصح من ثمانية للمنكر ثلاثة أثمان وللمقر سهمان وللمتفق عليه سهمان وللآخر
سهم وذكر ابن اللبان أن هذا قياس قول مالك والشافعي، وفي هذا نظر لأن
المنكر يقر أنه لا يستحق إلآ الثلث وقد حضر
(7/207)
من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظير هذا
ما لو ادعى إنسان داراً في يد رجل فأقر بها لغيره فقال المقر له إنما هي
لهذا المدعي فإنها تدفع إليه وقد رد الخبري على ابن اللبان هذا القول وقال
على هذا يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي إلآ الثلث وقد حضر من يدعي
هذه الزيادة ولا منازع له فيها فيجب دفعها إليه، قال والصحيح أن يضم المتفق
عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي هو بيد المقر بهما
فيقتسمانه أثلاثاً فتصح من تسعة، للمنكر ثلاثة، ولكل واحد من الأخوين
سهمان، وهذا قول أبي يوسف إذا تصادقا.
قال شيخنا ولا يستقيم هذا على قول من لا يلزم المقر أكثر من الفضل عن
ميراثه لأن المقر بهما والمتفق عليه لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له
على هذا القول إلا التسعان وقيل يدفع الأكبر إليهما نصف ما في يده ويأخذ
المتفق عليه من الأصغر ثلث ما في يده فيحصل للأصغر الثلث وللأكبر الربع،
وللمتفق عليه السدس والثمن، وللمختلف فيه الثمن، وتصح من أربعة وعشرين:
للأصغر ثمانية، وللمتفق عليه سبعة، وللاكبر ستة، وللمختلف فيه ثلاثة وفيها
أقوال كثيرة سوى هذه والأول أصح إن شاء الله تعالى.
(مسألة) (وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل فتصادقا ثبت نسبهما فإن
تجاحدا فكذلك في أقوى الوجهين لأن نسبهما ثبت بإقرار من هو كل الورثة
قبلهما وفي الآخر لا يثبت لأن الاقرار بكل واحد منهما لم يصدر من كل الورثة
ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، فإن صدق
(7/208)
صدق أحدهما بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب
المتفق عليه وفي الآخر وجهان ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، وإن
كانا توأمين ثبت نسبهما ولم يلتفت إلى إنكار المنكر منهما سواء تجاحدا معاً
أو جحد أحدهما صاحبه لأنا نعلم كذبهما فإنهما لا يفترقان، ومتى أقر الوارث
بأحدهما ثبت نسب الآخر وإن أقر بنسب صغيرين دفعة واحدة ثبت نسبهما على
الوجه الذي يثبت به نسب
الكبيرين المتجاحدين، وهل يثبت على الوجه الآخر؟ فيه احتمالان (أحدهما)
يثبت لأنه أقر به كل الورثة حين الاقرار ولم يجحده أحد فهو كالمنفرد
(والثاني) لا يثبت لأن أحدهما وارث ولم يقر بالآخر فلم يتفق كل الورثة على
الإقرار به فلم تعتبر موافقة الآخر كما لو كان صغيرين.
(مسألة) (فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطى الأول نصف ما في يده) بغير خلاف
وثبت نسبه لأنه أقر به كل الورثة ويقف ثبوت نسب الباقي على تصديقه لأنه صار
من الورثة، ويعطى الثاني ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل فإنه يقول نحن ثلاثة
(مسألة) (وإن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه من إرثها بقدر حصته) يعني
يلزمه ما يفضل في يده لها عن حقه كما ذكرنا في الاقرار.
(مسائل) من هذا الباب إذا خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحد
أخويه في الأخ والآخر في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بالأخ إليه ربع
ما في يده ويدفع المقر بهما
(7/209)
إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخت
إليها سبع ما في يده، فأصل المسألة ثلاثة أسهم، سهم المقر يقسم بينهما
وبينه على تسعة، له ستة ولهما ثلاثة، وسهم المقر بالاخ بينهما على أربعة له
ثلاثة ولاخيه سهم، وسهم المقر بالاخت بينه وبينها على سبعة، له ستة ولها
سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة في تسعة ثم في أصل المسألة تكن
سبعمائة وستة وخمسون، للمقر بهما ستة في أربعة في سبعة مائة وثمانية وستون،
وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة مائتان وستة عشر، وللمقر بالأخ ثلاثة
في سبعة في تسعة مائة تسعة وثمانون، وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة
ستة وخمسون وسهم في سبعة في تسعة ثلاثة وستون فيجتمع له مائة وتسعة عشر،
وللأخت سهم في أربعة في سبعة ثمانية وعشرون، وسهم في أربعة في تسعة ستة
وثلاثون، يجتمع لها أربعة وستون، ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا
فضل في يد أحدهما على ميراثه، ولو كان في هذه المسألة ابن رابع لم يصدقه في
واحد منهما كان أصل المسألة من أربعة أسهم: سهم على احد عشر وسهم على تسعة
وسهم على خمسة وسهم ينفرد به الجاحد فتصح المسألة من ألف وتسعمائة وثمانين
سهماً وطريق العمل فيها كالتي قبلها.
(فصل) إذا خلف بنتاً وأختاً فأقرتا بصغيرة فقالت البنت هي أخت وقالت الأخت
هي بنت فلها ثلث ما في يد الأخت لا غير.
وهذا قول ابن أبي ليلى ولمحمد بن الحسن واللؤلؤي ويحيى بن آدم تخبيط كثير
يطول ذكره وإن خلف امرأة وبنتاً وأختاً فأقررن بصغيرة فقالت المرأة هي
امرأة وقالت البنت هي بنت وقالت الأخت هي أخت فقال الخبري تعطى ثلث المال
لأنه أكثر ما يمكن أن يكون لها ويؤخذ من المقرات
(7/210)
على حسب إقرارهن وقد أقرت لها البنت بأربعة
أسهم من أربعة وعشرين وأقرت لها الأخت بأربعة ونصف، وأقرت لها المرأة بسهم
ونصف وذلك عشرة أسهم لها منها ثمانية وهي أربعة أخماسها فخذ لها من كل
واحدة أربعة أخماس ما أقرت لها به واضرب المسألة في خمسة تكن مائة وعشرين
ومنها تصح، فإذا بلغت الصغيرة فصدقت إحداهن أخذت منها تمام ما أقرت لها به
وردت على الباقيتين ما أخذته مما لا تستحقه، وهذا قول أبي حنيفة.
وقال ابن ليلى يؤخذ لها من كل واحدة ما أقرت لها به فإذا بلغت فصدقت احداهن
أمكست ما أخذ لها منها وردت على الباقيتين الفضل الذي لا تستحقه عليها،
وهذا القول أصوب إن شاء الله لأن فيه احتياطاً على حقها.
ثلاثة اخوة لأب ادعت امرأة أنها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها الأكبر وقال
الأوسط هي أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب فإن الاكبر يدفع إليهما نصف ما
في يده ويدفع إليها الأوسط سدس ما في يده ويدفع إليها الأصغر سبع ما في يده
وتصح من مائة وستة وعشرين لان أصل مسئلتهم ثلاثة، فمسألة الأكبر من اثنين
ومسألة الثاني من ستة والثالث من سبعة والاثنان تدخل في الستة فتضرب ستة في
سبعة تكن اثنين وأربعين فهذا ما في يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر نصفه
أحداً وعشرين ومن الأوسط سدسه سبعة ومن الأصغر سبعه ستة صار لها أربعة
وثلاثون وهذا قياس قول ابن أبي ليلى، وفي قول أبي حنيفة تأخذ سبع ما في يد
الأصغر فيضم إلى نصف ما بيد أحدهما وتضيفه إلى ما بيد الآخر وتقاسم الأوسط
على ثلاثة عشر له عشرة ولها ثلاثة فتضم الثلاثة إلى ما بيد
(7/211)
الأكبر وتقاسمه على ما بيده على أربعة لها
ثلاثة وله سهم فاجعل ما في يد الأصغر أربعة عشر ليكون لسبعه نصف صحيح
واضربها في ثلاثة عشر تكن مائة واثنين وثمانين فهذا ما بيد كل واحد منهم
تأخذ من الأصغر سبعه وهو ستة وعشرون تضم إلى ما بيد كل واحد من اخوته ثلاثة
عشر فيصير معه مائة وخمسة وتسعون وتأخذ من الأوسط منها ثلاثة من ثلاثة عشر
وهي خمسة تضمها إلى ما بيده الاكبر يصر معه مائتان وأربعون فتأخذ ثلاثة
أرباعها وهي مائة وثمانون ويبقى له ستون ويبقى للأوسط مائة وخمسون وللأصغر
مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى سدسها وهو أحد وتسعون (فصل) إذا خلف
ابناً فأقر بأخ ثم جحده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده، فإن
أقر بعد جحده بآخر احتمل أن لا يلزمه له شئ لأنه لا فضل في يده عن ميراثه
وهذا قول ابن أبي ليلى وإن كان لم يدفع الى الأول شيئاً لزمه أن يدفع إليه
نصف ما بيده ولا يلزمه للآخر شئ لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه دفع النصف
الباقي كله إلى الثاني لأنه فوته عليه وهو قول زفر وبعض البصريين ويحتمل أن
يلزمه ثلث ما في يده للثاني لأنه الفضل الذي في يده على تقدير كونهم ثلاثة
فيصير كما لو أقر بالثاني من غير جحد الأول، وهذا احد الوجود لأصحاب
الشافعي، وقال أهل العراق إن كان دفع إلى الأول بقضاء دفع إلى الثاني نصف
ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء دفع إلى الثاني ثلث جميع المال، وإن
خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم جحده ثم أقر بآخر لم يلزمه للثاني شئ لانه
لافضل في يده وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف ما بقي في يده وعلى
الاحتمال الثالث يلزمه دفع ما بقي في يده ولا يثبت نسب واحد منهما في هذه
الصورة ويثبت نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني
(7/212)
(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما
وترك بنتا فأقر الباقي باخ له من أبيه ففي يده ثلاثة أرباع المال وهو يزعم
أن له ربعاً وسدساً فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به فإن أقرت به البنت
وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السدس تدفعه
إلى المقر له وهذا قول ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة إن أقر الأخ دفع إليه
نصف ما في يده وإن أقرت البنت دفعت إليه خمسة أسباع ما في يدها لانها تزعم
أن له ربعاً وسدساً وذلك خمسة من اثني عشر ولها السدس وهو سهمان
فيصير الجميع سبعة لها منها سهمان وله خمسة.
بنتان وعم ماتت إحداهما وخلفت ابنا وبنتا فأقرت البنت بخالة ففريضة الانكار
من تسعة وفريضة الإقرار من سبعة وعشرين لها منها سهمان وفي يدها ثلاثة
فيدفع إليها سهما، وإن أقر بها الابن دفع إليها سهمين، وإن أقرت بها البنت
الباقية دفعت إليها التسع وإن أقر بها العم لم يدفع اليها شيئاً، وإن أقر
الابن بخال له فمسألة الاقرار من اثني عشر له منها سهمان وهما السدس يفضل
في يده نصف تسع، وإن أقرت به أخته دفعت إليه ربع تسع، وإن أقرت به البنت
الباقية فلها الربع وفي يدها الثلث فتدفع إليه نصف السدس، وإن أقر به العم
دفع إليه جميع ما في يده.
ابنان مات أحدهما عن بنت ثم أقر الباقي منهما بأم لأبيه ففريضة الإنكار من
أربعة للمقر منها ثلاثة أرباعها وفريضة الإقرار من اثنين وسبعين للمقر
منهما أربعون يفضل في يده أربعة عشر سهما يدفعها إلى المرأة التي اقر بها
وترجع بالاختصار إلى ستة وثلاثين للمقر منها عشرون وللبنت تسعة وللمقر لها
سبعة، وإن أقرت بها البنت فلها من فريضة الإقرار خمسة عشر سهماً وفي يدها
الربع وهو ثمانية عشر يفضل في يدها ثلاثة تدفعها إلى المقر لها، وإن أقر
الابن بزوجة لأبيه وهي أم الميت الثاني فمسألة الاقرار من ستة وتسعين لها
منها
(7/213)
ستة وخمسون وفي يده ثلاثة أرباع ففضل معه
ستة عشر سهما يدفعها إلى المقر لها ويكون له ستة وخمسون ولها ستة عشر
وللبنت أربعة وعشرون وترجع بالاختار إلى اثني عشر لأن سهامهم كلها تتفق
بالاثمان فيكون للمقر سبعة وللمقر لها سهمان وللبنت ثلاثة، وما جاء من هذا
الباب فهذا طريقه.
أبوان وابنتان اقتسموا التركة ثم أقروا ببنت للميت فقالت قد استوفيت نصيبي
من تركة أبي فالفريضة في الاقرار من ثمانية عشر للأبوين ستة ولكل بنت أربعة
فأسقط منها نصيب البنت المقر بها يبقى أربعة عشر للأبوين منها ستة وإنما
أخذا ثلث الأربعة عشر وذلك أربعة أسهم وثلثا سهم فيبقى لهما في يد البنتين
سهم وثلث يأخذانها منهما فاضرب ثلاثة في أربعة عشر تكن اثنين وأربعين فقد
أخذ الأبوان أربعة عشر وهما يستحقان ثمانية عشر يبقى لهما أربعة، يأخذانها
منهما ويبقى للابنتين أربعة وعشرون، وإن قالت قد استوفيت نصف نصيبي فاسقط
سهمين من ثمانية عشر يبقى ستة عشر قد أخذا ثلثها خمسة وثلثا وبقي لهما ثلثا
سهم فإذا ضربتها في ثلاثة كانت ثمانية وأربعين قد أخذا منها ستة عشر يبقى
لهما سهمان
(مسألة) (إذا قال مات أبي وأنت أخي فقال هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره
لأنه نسب الميت إليه بأنه أبوه وأقر بمشاركة المقر له في ميراثه بطريق
الاخوة فلما أنكر اخوته لم يثبت إقراره به وبقيت دعواه أنه أبوه دونه غير
مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الاقرار.
فأما إن قال مات أبوك وأنا أخوك فقال لست بأخي فالمال للمقر له وذلك لأنه
بدأ بالاقرار بأن هذا الميت أبوه فثبت ذلك له ثم ادعى مشاركته بعد ثبوت
الأبوة للأول فإذا أنكر الأول اخوته لم تقبل دعوى هذا المقر (مسألة) (فإن
قال ماتت زوجتي وأنت أخوها فقال لست بزوجها فهل يقبل إنكاره؟ على وجهين)
(7/214)
وهذه المسألة تشبه الأولى من حيث أنه نسب
الميتة إليه بالزوجية في ابتداء إقراره كما نسب الأبوة إليه في قوله مات
ابي وتفارقها في أن الزوجية من شرطها الاشهاد، ويستحب الإعلان بها وإشهارها
فلا تكاد تخفى ويمكن إقامة البينة عليها بخلاف النسب فإنه إنما يشهد عليه
بالاستفاضة غالباً (فصل) إذا أقر من اعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج
وأختين أقرت إحداهما بأخ لها فاضرب مسألة الاقرار وهي ثمانية في مسألة
الإنكار وهي سبعة تكن ستة وخمسين للمنكرة من مسألة الإنكار سهمان في مسألة
الإقرار ستة عشر وللمقرة سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار سبعة يبقى
في يدها تسعة، فإن أنكر الزوج دفعتها إلى أخيها المقر به وتعطي الزوج ثلاثة
من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار أربعة وعشرون، فإن أقر الزوج به فهو
يدعي تمام النصف أربعة والأخ يدعي أربعة عشر تكن ثمانية عشر والسهام المقر
بها تسعة فإذا قسمتها على الثمانية عشر فللزوج منها سهمان وللأخ سبعة فان
اقرت الاختات به وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة وإلى الأخ أربعة عشر يبقى
أربعة يقران بها للزوج وهو ينكرها، ففي ذلك ثلاثة أوجه (أحدها) أن تقر في
يد من هي في يده لأن إقراره بطل لعدم تصديق المقر له (والثاني) يصطلح عليها
الزوج والأختان له نصفها ولهما نصفها لأنها لا تخرج عنهم ولا شئ فيها للأخ
لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شئ بحال (الثالث) يؤخذ الى بيت المال لأنه
مال لم يثبت له مالك، ومذهب أبي حنيفة في الصورة الأولى إن أنكر الزوج أخذت
المقرة سهميها من سبعة فقسمتها بين أخيها وبنتها على ثلاثة فتضرب ثلاثة في
سبعة تكن إحدى وعشرين لهما منها ستة لها سهمان ولأخيها أربعة
وإن أقر الزوج ضم سهامه إلى سهمها تكن خمسة واقتسماها بينهم على سبعة للزوج
أربعة وللأخ سهمان
(7/215)
وللأخت سهم واضرب سبعة في سبعة تكن تسعة
وأربعين ومنها تصح للمنكرة سهمان في سبعة أربعة عشر وللزوج أربعة في خمسة
وللأخ سهمان في خمسة وللمقرة سهم في خمسة (مسألة) (فإن كان معهم أختان من
أم فمسألة الإنكار من تسعة ومسألة الإقرار من أربعة وعشرين وهما يتفقان
بالإثلاث إذا ضربت وفق إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للزوج من مسألة
الإنكار ثلاثة في وفق مسألة الإقرار أربعة وعشرون وللأختين من الأم سهمان
في ثمانية ستة عشر وللمنكرة كذلك وللمقرة سهم من مسألة الإقرار في وفق
مسألة الإنكار ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة ضعف سهمها يبقى
سبعة أسهم لا يدعيها أحد ففيها الأوجه الثلاثة التي ذكرناها) (أحدها) تقر
في يد المقرة (والثاني) تؤخذ الى بيت المال (والثالث) يقسم بين الزوج
والمقرة والأختين من الأم على حسب ما يحتمل أنه لهم لأن هذا المال لا يخرج
عنهم فإن المقرة إن كانت صادقة فهو للزوج والأختين من الأم وإن كذبت فهو
لها وإن كان لهم لا يخرج عنهم قسم بينهم على قدر الاحتمال كما قسمنا
الميراث بين الخنثى ومن معه على ذلك.
فعلى هذا يكون للمقرة النصف وللزوج والأختين النصف بينهم على خمسة لأن هذا
في حال للمقرة وفي حال لهما فقسم بينهم نصفين ثم جعل نصف الزوج والأختين
بينهم على خمسة لأن له النصف ولهما الثلث وذلك خمسة من ستة فتقسم السبعة
الأسهم بينهم على عشرة للمقرة خمسة وللزوج ثلاثة وللأختين سهمان، فإذا أردت
تصحيح المسألة فاضرب المسألة وهي اثنان وسبعون في عشرة، ثم كل من له شئ من
اثنين وسبعين مضروب في عشرة
(7/216)
ومن له شئ من عشرة مضروب في سبعة وإن صدقها
الزوج فهو يدعي اثني عشر تمام النصف والأخ يدعي ستة تكن ثمانية عشر
والثلاثة عشر لا تنقسم عليها ولا توافقها فاضرب المسألة في ثمانية عشر تكن
ألفاً ومائتين وستة وتسعين ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية
عشر ومن له
شئ من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر فللزوج أربعة وعشرون في ثمانية عشر
أربعمائة واثنان وثلاثون وللأختين من الام مائتان ثمانية وثمانون وللمنكر
كذلك وللمقرة ثلاثة في ثمانية عشر أربعة وخمسون وللأخ ستة في ثلاثة عشر
ثمانية وسبعون وللزوج اثنا عشر في ثلاثة عشر مائة وستة وخمسون وترجع
بالاختصار إلى مائتين وستة عشر لأن السهام كلها تتفق بالأسداس وعلى هذا
تعمل ما ورد عليك من هذه المسائل إذا فهمتها إن شاء الله تعالى (فصل) امرأة
وعم ووصى لرجل بثلث ماله فأقرت المرأة والعم أنه أخو الميت فصدقهما ثبت
نسبه وأخذ ميراثه وإن أقرت المرأة وحدها فلم يصدقها المقر به لم يؤثر
إقرارها شيئاً وإن صدقها الأخ وحده فللمرأة الربع بكماله إلا أن تجيز
الوصية وللعم النصف ويبقى الربع يدفع إلى الوصي وإن صدقها العم ولم يصدقها
الوصي فله الثلث وللمرأة الربع والباقي يقر به العم لمن لا يدعيه ففيه
الأوجه الثلاثة التي ذكرناها وإن أقربه العم وحده فصدقه الموصى له أخذ
ميراثه وهو ثلاثة أرباع وللمرأة السدس ويبقى نصف السدس فيحتمل أن يكون لها
لأن الموصى له يعترف ببطلان الوصية أو وقوفها على إجازة
(7/217)
المرأة ولم تجزها ويحتمل الأوجه الثلاثة
وإن لم يصدقه أخذ الثلث بالوصية وأخذت المرأة السدس بالميراث ويبقى النصف
في الأوجه الثلاثة والله سبحانه وتعالى أعلم
باب ميراث القاتل (كل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة يمنع القاتل
ميراث المقتول سواء كان القتل عمداً أو خطأ بمباشرة أو سبب صغيراً كان
القاتل أو كبيراً أو مجنوناً) لا يرث قاتل العمد وقد أجمع عليه أهل العلم
إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورثاه وهو رأي الخوارج لأن
آية الميراث تتناوله بعمومها فيجب العمل بها ولا تعويل على هذا القول
لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة
المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف فقتله واشتهرت هذه القصة بين
الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعاً وقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " ليس لقاتل شئ " رواه مالك في موطئه والإمام أحمد بسنده وروى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه رواه ابن اللبان بإسناده ورواهما ابن عبد البر في
كتابه وروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلاً
فانه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل
ميراث " رواه الإمام أحمد بإسناده ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل
لأن الوارث ربما استعجل موت موروثه ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلي الذي قتل
عمه فانزل الله تعالى فيه قصة البقرة ويقال ما ورث قاتل بعد عاميل وهو اسم
القتيل فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أن القاتل لا يرث أيضاً
نص
(7/218)
عليه أحمد يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن
مسعود وابن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم وبه قال شريح وعروة
وطاوس وجابر بن زيد والنخعي والثوري والشعبي وشريك والحسن ابن صالح ووكيع
ويحيى بن آدم والشافعي وأصحاب الرأي وذهب قوم إلى أنه يرث من المال دون
الدية روى ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد
والزهري ومكحول والاوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر وداود وروي
نحوه عن علي لان ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع فوجب
البقاء على الظاهر فيما سواه ولنا الأحاديث المذكورة ولأن من لا يرث من
الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف في الدين، والعمومات مخصصة بما
ذكرناه فعلى هذا القتل المانع من الميراث هو القتل بغير حق كالعمد وشبه
العمد والخطأ وما أجري مجراه كالقتل بالسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم
وكل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة.
(مسألة) (فأما ما لا يضمن بشئ من هذا القتل قصاصاً أو حداً أو دفعاً عن
نفسه وقتل العادل الباغي والباغي العادل فلا يمنع وعنه لا يرث العادل
الباغي ولا الباغي العادل فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث) وجملة ذلك أن القتل
المانع من الإرث ما كان مضموناً على ما ذكرنا فأما ما ليس بمضمون فلا يمنع
الميراث كالقتل قصاصاً وحدا ودفعاً عن نفسه وقتل العادل الباغي أو من قصد
مصلحة موليه بماله فعله من سقي دواء أو بط خراج فمات أو من أمره إنسان عاقل
كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فمات بذلك ورثه في ظاهر المذهب قال أحمد
إذا قتل الباغي العادل في الحرب يرثه وعن أحمد أن العادل
(7/219)
إذا قتله الباغي في الحرب لا يرثه ونقل
محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهود شهدوا على أختهم بالزنا فرجمت فرجموا
مع الناس يرثونها هم غير قتله وعن أحمد رواية أخرى تدل على أن القتل يمنع
الميراث بكل حال فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله لا يرث الباغي
العادل ولا العادل الباغي وهذا يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال وهو
ظاهر مذهب الشافعي أخذاً بظاهر الحديث ولأنه قاتل فأشبه الصبي والمجنون
وقال أبو حنيفة وصاحباه كل قتل لا يأثم فيه لا يمنع الميراث كقتل الصبي
والمجنون والنائم والساقط على إنسان من غير اختيار منه وسائق الدابة
وقائدها وراكبها إذا قتلت بيدها أو فيها فإنه يرثه لأنه قتل غير متهم فيه
ولا إثم فيه أشبه القتل في الحد ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الأخبار
خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففي ما عداه تبقى على مقتضاها ولأنه قتل
مضمون فيمنع الميراث كالخطأ ولنا على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع
الميراث كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فافصى إلى تلفه ولأنه حرم الميراث
في محل الوفاق كيلا يفضي إلى اتحاد القتل المحرم وزجراً عن إعدام النفس
المعصومة وفي مسئلتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة واستيفاء
الحقوق المشروعة ولا يفضي إلى إيجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا
يصح القياس على قتل الصبي والمجنون لأنه قتل محرم وتفويت نفس معصومة
والتوريث يفضي إليه بخلاف مسئلتنا إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في
الميراث كالمنفرد لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة
ظلما فقتل لم يرثه وان شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون
(7/220)
(فصل) أربعة أخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل
الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني صار للثالث والأصغر
نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه وورثه الأكبر فرجع إليه نصف دم نفسه
وميراث الأصغر جميعه فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على
الثالث ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه وورث إخوته الثلاثة ولو أن
اثنين قتل أحدهما أحد أبويهما وهما زوجان ثم قتل الآخر أبا الآخر
سقط القصاص عن الأول ووجب على القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث
ماله ودمه أخوه وأمه فلما قتل الثاني أمه ورثها قاتل الأب فصار له من دم
نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك وله القصاص على الآخر فإن قتله ورثه في
ظاهر المذهب وإن جرح أحدهما اباه والآخر أمه وما نافي حال واحدة ولا وارث
لهما سواهما فلكل واحد منهما مال الذي لم يقتله ولكل واحد منهما القصاص على
صاحبه ولذلك لو قتل كل واحد منهما أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد
منهما القصاص على أخيه إلا أنه لا يمكن أحدهما الاستيفاء إلا بإبطال حق
الآخر فيسقطان وإن عفي أحدهما عن الآخر فللآخر قتل العافي ويرثه في الظاهر
إن بادر أحدهما فقتل أخاه سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر ويحتمل أن لا
يرثه ويجب القصاص عليه لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما
سقط فلم يبق لهما حكم فيكون المستوفي منهما متعديا باستيفائه فلا يرث أخاه
ويجب القصاص عليه بقتله وإن أشكل كيفية موت الأبوين وادعى كل واحد منهما أن
قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما ما ذكرنا في الغرقى من توريث كل واحد من
الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه فيسقط القصاص عنهما ومن
لا يرى ذلك
(7/221)
فالجواب فيها كالتي قبلها ويحتمل أن يسقط
القصاص بكل حال للشبهة والله أعلم ويكون لكل واحد منهما دية الآخر وماله
باب ميراث المعتق بعضه لا يرث العبد ولا
يورث سواء كان قنا أو مدبراً أو مكاتباً أو أم ولد.
قال شيخنا لا أعلم خلافاً في أن العبد لا يرث إلا ما روي عن ابن مسعود في
رجل مات وترك أبا مملوكاً يشتري من ماله ويعتق ويرث وقاله الحسن وحكي عن
طاوس أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه وكما لو وصى له ولأنه تصح
الوصية له فيرث كالحمل ولنا أن فيه نقصا منع كونه موروثا فمنع كونه وارثا
كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه ولا ميراث له وقياسهم ينتقض
بمختلفي الدين، وقول ابن مسعود لا يصح لأن الأب رقيق حين موت ابنه فلم يرثه
كسائر الأقارب وذلك لأن الميراث صار لأهله بالموت فلم ينتقل عنهم إلى غيرهم
وأجمعوا على
ان المملوك لا يورث لأنه لا مال له فإنه لا يملك، ومن قال إنه يملك
بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته بدليل
قوله عليه الصلاة والسلام " من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن
يشترط المبتاع " ولأن السيد أحق بمنافعه واكتسابه في حياته فكذلك بعد مماته
وممن روي عنه أن العبد لا يرث ولا يورث ولا يحجب علي وزيد والثوري ومالك
والشافعي وأصحاب الرأي، والأسير الذي عند الكفار يرث إذا علمت حياته في قول
عامة الفقهاء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال لا يرث لأنه عبد ولا يصح لأن
الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر وهو باق على حريته فيرث كالمطلق
(7/222)
(فصل) والمدبر وأم الولد كلفن لأنه رقيق
بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبراً، وأم الولد مملوكة يجوز
لسيدها وطؤها بحكم الملك وإجارتها وحكمها حكم الأمة في جميع أحكامها إلا
فيما ينقل الملك فيها أو يراد له كالرهن فأما المكاتب فإن لم يملك قدر ما
عليه فهو عبد لا يرث ولا يورث، وإن ملك قدر ما يؤدي ففيه روايتان (إحداهما)
أنه عبد ما بقي عليه درهم لا يرث ولا يورث روى ذلك عن عمر وزيد بن ثابت
وابن عمر وعائشة وأم سلمة وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأبي ثور وعن ابن
المسيب وشريح والزهري نحوه لما روى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المكاتب عبد ما بقي عليه
درهم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما عبد كاتب على مائة
أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها
إلا عشرة دنانير فهو عبد " وعن محمد بن المنكدر وعبد الله مولى عفرة وعبد
الله بن عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد " من كاتب
مكاتباً فهو أحق به حتى يقضي كتابته " وقال القاضي وابو الخطاب إذا أدى
المكاتب ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأن ذلك يجب إيتاؤه للمكاتب
فلا يجوز إبقاؤه على الرق لعجزه عما يجب ورده إليه (والرواية الثانية) أنه
إذا ملك ما يؤدي صار حراً يرث ويورث فإذا مات له من يرثه ورث، وإن مات
فلسيده بقية كتابته والباقي لورثته لما روى أبو داود بإسناده عن أم سلمة
قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان لإحداكن مكاتب وكان
عنده ما يؤدي فلتحتجب منه " وروى الحكم عن علي وابن مسعود وشريح يعطى سيده
من تركته ما بقي من كتابته فإن فضل شئ كالورثة
المكاتب وروي نحوه عن الزهري وبه قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد
الرحمن والنخعي
(7/223)
والشعبي والحسن ومنصور ومالك وابو حنيفة
إلا أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن لم يكن معه فإنه قال في
مكاتب هلك وله أخ معه في الكتابة وله ابن قال ما فضل من كتابته لأخيه دون
ابنه وجعله أبو حنيفة عبداً مادام حياً وإن مات أدى من تركته باقي كتابته
والباقي لورثته، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر إنكم مكاتبون
مكاتبين فأيهم أدى النصف فلا رق عليه وعن علي إذا أدى النصف فهو حر وعن
عروة نحوه وعن الحسن إذا أدى الشطر فهو غريم، وعن ابن مسعود وشريح مثله وعن
ابن مسعود إذا أدى ثلثاً أو ربعاً فهو غريم وعن ابن عباس إذا كتب الصحيفة
فهو غريم وعن علي قال: تجري العتاقة في المكاتب في أول نجم يعني يعتق منه
بقدر ما أدى وعنه أنه قال يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى، وروى حماد بن
سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذا
أصحاب المكاتب حداً أو ميراثاً ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب
ما عتق منه، وفي رواية يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وقدر مارق
منه دية العبد.
قال يحيى بن أبي كثير وكان علي رضي الله عنه ومروان بن الحكم يقولان ذلك
وقد روي حديث ابن عباس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والحديث
الذي روياه لقولنا أصح ولا نعلم احدا من الفقهاء قال بهذا وما ذكرناه أولى
إن شاء الله (مسألة) (فأما المعتق بعضه فما كسبه يجزئه الحر فهو لورثته
ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية) وجملة ذلك أن المعتق بعضه إذا اكتسب
مالا ثم مات وخلفه فإن كان قد كسبه يجزئه الحر مثل أن يكون قد هايأ سيده
على منفعته فاكتسب في أيامه أو ورث شيئاً فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه
(7/224)
الحر أو كان قد قاسم سيده في حياته فتركته
كلها لورثته لا حق لمالك باقيه فيها، وقال قوم جميع ما خلفه بينه وبين سيده
قال ابن اللبان هذا غلط لأن الشريك إذا أخذ حقه من كسبه لم يبق له حق في
الباقي ولا سبيل له على ما كسبه بنصف الحر كما لو كان بين الشريكين فاقتسما
كسبه لم يكن لأحدهما حق في
حصة الآخر، والعبد يخلف أحد الشريكين فيما عتق منه فأما إن لم يكن كسبه
بجزئه الحر خاصة ولا اقتسما كسبه فلمالك باقيه من تركته بقدر ملكه فيه
والباقي لورثته فإن مات له من يرثه فإنه يرث ويورث ويحجب على قدر ما فيه من
الحرية هذا قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال عثمان التيمي وحمزة
الزيات وابن المبارك والمزني وأهل الظاهر، وقال زيد بن ثابت لا يرث ولا
يورث وأحكامه أحكام العبد وبه قال مالك والشافعي في القديم وجعلا ماله
لمالك باقيه قال ابن اللبان هذا غلط لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه
ملك ولاولاء ولا هو ذو رحم قال ابن شريح يحتمل على قول الشافعي القديم أن
يجعل في بيت المال لأنه لا حق له فيما كسبه يجزئه الحر، وقال الشافعي في
الجديد ما كسبه يجزئه الحر لورثته ولا يرث هو ممن مات شيئاً وبه قال طاوس
وعمرو بن دينار وأبو ثور وقال ابن عباس هو كالحر في جميع أحكامه في توريثه
والإرث منه وغيرهما وبه قال الحسن وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والحكم
وحماد وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد واللؤلؤي ويحيى بن آدم وداود
وقال أبو حنيفة إن كان الذي لم يعتق استسعى العبد فله من تركته سعاية وله
نصف ولاية وإن كان غرم الشريك فولاؤه كله للذي أعتق بعضه
(7/225)
ولنا ما روى عبد الله بن احمد ثنا الرملي
عن يزيد بن هارون عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
العتيق بعتق بعضه " يرث ويورث على قدر ما عتق منه " ولأنه يجب أن يثبت لكل
بعض حكمه كما لو كان الآخر مثله وقياساً لأحدهما على الآخر إذا ثبت هذا
فالتفريع على قولنا لأن العمل على غيره واضح وكيفية توريثه أن يعطى من له
فرض بقدر ما فيه من الحرية من فرضه وإن كان عصبة نظر ماله مع الحرية
الكاملة فأعطي بقدر ما فيه منها فإذا خلف أماً وبنتاً نصفهما حر وأبا حرا
فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث
والسدس مع حرية البنت فقد حجبتها بحريتها عن السدس فبنصف حريتها تحجبها عن
نصفه يبقى لها الربع لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن والباقي
للأب وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل الخناثى فنقول إن كانتا حرتين فالمسألة
من ستة للبنت ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي للأب، وإن
كانا رقيقين فالمال للأب، وإن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف والمسألة من
اثنين وإن كانت الأم وحدها حرة فلها الثلث وهي من ثلاثة وكلها تدخل في
الستة فتضربها في الأربعة الأحوال تكن أربعة وعشرين للبنت ستة وهي الربع
لأن لها النصف في حالين وللأم الثمن وهو ثلاثة لأن لها السدس في حال والثلث
في حال والباقي للأب ويرجع بالاختصار إلى ثمانية.
(مسألة) (وإن كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية
فيما؟ يحتمل وجهين، وإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن فالصحيح انها
لا تكمل) إذا كان عصبتان لا يحجب أحدهما الآخر كابنين نصفهما حر ففيه وجهان
(أحدهما) تكمل الحرية فيهما بأن تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر
منهما فإن كمل منهما
(7/226)
واحد ورثا جميعاً ميراث ابن حر لان نصفي
شئ، شئ كامل، ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر ما في كل واحد منهما فإذا
كان ثلثا أحدهما وثلث الآخر كان ما ورثاه بينهما أثلاثاً فإن نقص ما فيهما
من الحرية عن حر كامل ورثا بقدر ما فيهما وإن زاد على حر واحد وكان الحران
فيهما سواء قسم ما يرثانه بينهما بالسوية، وإن اختلفا أعطي كل واحد منهما
بقدر ما فيه قال الخبري قال الأكثرون هذا قياس قول علي رضي الله عنه
(والوجه الثاني) لا تكمل الحرية فيهما لأنها لو كملت لم يظهر للرق أثر
وكانا في ميراثهما كالحرين وإن كان أحدهما يحجب الآخر فقيل فيهما وجهان
والصحيح أن الحرية لا تكمل ههنا لان الشئ لا يكمل بما يسقطه ولا يجمع بينه
وبين ما ينافيه وورثهم بعضهم بالخطاب وتنزيل الأحوال وحجب بعضهم لبعض على
مثال تنزيل الخناثى وهو قول أبي يوسف وقد ذكرناه.
(مسائل) ذلك (ابن نصفه حر له نصف المال فإن كان معه ابن آخر نصفه حر فلهما
المال في أحد الوجهين وفي الآخر لهما نصفه والباقي للعصبة أو لبيت المال إن
لم يكن عصبة ويحتمل أن يكون لكل منهما ثلاثة أثمان المال لأنهما لو كانا
حرين لكان لكل واحد منهما النصف ولو كانا رقيقين لم يكن لهما شئ ولو كان
الاكبر وحده حراً كان له المال ولا شئ للأصغر، ولو كان الاصغر وحده حراً
فكذلك، فلكل واحد منهما في الأحوال الأربعة مال ونصف فله ربع ذلك وهو ثلاثة
أثمان فإن كان معهما ابن آخر ثلثه حر فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهم
على ثمانية كما تقسم مسألة المباهلة وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على
ثمانية، وفيه وجه آخر يقسم الثلث بينهم أثلاثاً ثم يقسم السدس بين
(7/227)
صاحبي النصفين نصفين وعلى تنزيل الأحوال
يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال وثمنه، ولمن ثلثه حر ثلثا
ذلك وهو تسع المال ونصف سدسه لأن لكل واحد المال في حال ونصفه في حالين
وثلثه في حال فيكون له مالان وثلث في ثمانية أحوال فيعطيه ثمن ذلك وهو سدس
وثمن ويعطى من ثلثيه، وهو تسع المال ونصف سدسه ابن حر وابن نصفه حر المال
بينهما على ثلاثة على الوجه الأول وعلى الثاني النصف بينهما نصفان والباقي
للحر فيكون للحر ثلاثة أرباع وللآخر الربع ولو نزلتهما بالأحوال أفضى إلى
هذا لأن للحر المال في حال والنصف في حال فلهما نصفهما وهو ثلاثة أرباع
وللآخر نصفه في حال فله نصف ذلك وهو الربع ولو خاطبتهما لقلت للحر: لك
المال، لو كان أخوك رقيقاً ونصفه لو كان حراً فقد حجبك بحريته عن النصف
فبنصفها يحجبك عن الربع يبقى لك ثلاثة أرباع، ويقال للآخر لك النصف لو كنت
حراً فإذا كان نصفك حراً فلك نصفه وهو الربع ابن ثلثاه حر وابن ثلثه حر على
الأول المال بينهما أثلاثاً وعلى الثاني الثلث بينهما وللآخر ثلث فيكون له
النصف وللآخر السدس وقيل الثلثان بينهما أثلاثاً فأنا بالخطاب نقول لمن
ثلثاه حر لو كنت وحدك حراً كان لك المال، ولو كنتما حرين كان لك النصف فقد
حجبك بحريته عن النصف فبثلثها يحجبك عن السدس يبقى لك خمسة أسداس لو كنت
حراً فلك بثلثي حرية خمسة أتساع، ويقال للآخر يحجبك أخوك بثلثي حرية عن
ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك الثلثان فله بثلث حريته ثلث ذلك وهو التسعان
ويبقى التسعان لعصبته إن كان أو ذي رحم وإلا لبيت المال ابن حر وبنت نصفها
حر للابن خمسة أسداس المال وللبنت سدسه في الخطاب والتنزيل جميعاً ومن جمع
الحرية أفضى قوله إلى أن له
(7/228)
أربعة أخماس المال ولها الخمس فإن كانت
البنت حر والابن نصفه حر وعصبة فللابن الثلث ولها ربع
وسدس ومن جمع الحرية فيهما جعل المال بينهما نصفين، ابن وبنت نصفهما حر
وعصبة فمن جمع الحرية فثلاثة أرباع المال بينهما على ثلاثة وقال بعض
البصريين النصف بينهما على ثلاثة ومن ورث بالتنزيل والأحوال قال للابن
المال في حال وثلثاه في حال فله ربع ذلك ربع وسدس وللبنت نصف ذلك ثمن ونصف
سدس والباقي للعصبة، وإن شئت قلت إن قدرناهما حرين فهي من ثلاثة وإن قدرنا
البنت وحدها حرة فهي من اثنين وإن قدرنا الابن وحده حراً فالمال له وإن
قدرناهما رقيقين فالمال للعصبة فتضرب الاثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في أربعة
أحوال تكن أربعة وعشرين فللابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة صار
له عشرة وللبنت النصف في حال خمسة وللعصبة المال في حال ونصفه في حال تسعة
فإن لم تكن عصبة جعلت للبنت في حال حريتها المال كله بالفرض والرد فيكون
لها مال وثلث فيجعل لها ربع ذلك وهو الثلث وإن كان معهما امرأة وأم حرتان
كملت الحرية فيهما فحجبا الأم إلى السدس والمرأة إلى الثمن لأن كل واحد
منهما لو انفرد لحجب نصف الحجب فإذا اجتمعا اجتمع الحجب ومن ورث بالأحوال
والتنزيل قال للأم السدس في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع ذلك وهو
سدس وثلث ثمن وللمرأة الثمن في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع ذلك وهو
الثمن وربع الثمن وللابن الباقي في حال وثلثاه في حال فله ربعه وللبنت ثلث
الباقي في حال والنصف في حال فلها ربعه وإن لم يكن في المسألة عصبة فللبنت
بالفرض والرد أحد وعشرون من اثنين وثلاثين مكان النصف وللأم سبعة مكان سدس
وتصح المسألة إذا لم يكن فيها رد بالبسط من مائتين
(7/229)
وثمانية وثمانين سهماً للأم منها ستون
وللمرأة خمسة وأربعون وللابن خمسة وثلاثون وللبنت ثلاثة وخمسون والباقي
للعصبة وقياس قول من جمع الحرية في الحجب أن يجمع الحرية في التوريث فيكون
لهما ثلاثة أرباع الباقي وقال ابن اللبان لهما سبعة عشر من ثمانية وأربعين
لأنهما لو كانا حرين لكان لهما سبعة عشر من أربعة وعشرين فيكون لهما بنصف
حريتهما نصف ذلك وهذا غلط لأنه جعل حجب كل واحد منهما لصحابه بنصف حريته
كحجبه إياه بجميعها ولو ضاع ذلك لكان لهما حال انفرادهما النصف بينهما من
غير زيادة، ابن وأبوان نصف كل واحد منهما حر إن قدرناهم أحراراً فللابن
الثلثان وإن
قدرناه حراً وحده فله المال وإن قدرنا معه أحد الأبوين حراً فله خمسة أسداس
فبجمع ذلك تجده ثلاثة أموال وثلثا فله ثمنها وهو ربع وسدس وللأب المال في
حال وثلثاه في حال وسدساه في حالين فله ثمن ذلك ربع وللأم الثلث في حالين
والسدس في حالين فلها الثمن والباقي للعصبة وإن عملتها بالبسط قلت إن
قدرناهم أحراراً فهي من ستة وإن قدرنا الابن وحده حراً فهي من سهم وكذلك
الأب وإن قدرنا الأم وحدها حرة وقدرناها مع حرية الأب فهي من ثلاثة وإن
قدرنا الابن مع الأب أو مع الأم فهي من ستة وإن قدرناهم رقيقاً فالمال
للعصبة وجميع المسائل تدخل في ستة فتضربها في الأحوال وهي ثمانية تكن
ثمانية وأربعين للابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة وخمسة أسداسه
في حالين عشرة فذلك عشرون سهما من ثمانية وأربعين وللأب المال في حال ستة
وثلثاه في حال أربعة وسدساه في حالين
(7/230)
وذلك اثنا عشر وللأم الثلث في حالين والسدس
في حالين وذلك ستة وهي الثمن وإن كان ثلث كل واحد منهما حرا زدت على الست
نصفها تصر تسعة وتضربها في الثمانية تكن اثنين وسبعين فللابن عشرون من
اثنين وسبعين وهي السدس والتسع وللأب اثنا عشر وهي السدس وللأم ستة وهي نصف
السدس ولم تتغير سهامهم وإنما صارت منسوبة إلى اثنين وسبعين وإن كان ربع كل
واحد منهم حرا زدت على الستة مثلها وقيل فيما إذا كان نصف كل واحد منهم
حراً للأم الثمن وللأب الربع وللابن النصف ابن نصفه حر وأم حرة للأم الربع
وللابن النصف وقيل له ثلاثة أثمان وهو نصف ما يبقى فإن كان بدل الأم أختاً
حرة فلها النصف وقيل لها نصف الباقي لأن الابن يحجبها بنصفه عن نصف فرضها
فإن كان نصفها حراً فلها الثمن على هذا القول وعلى الأول لها الربع فإن كان
مع الابن أخت من أم أو أخ من أم فلكل واحد منهما نصف السدس وإن كان معه
عصبة حر فله الباقي كله (فصل) ابن نصفه حر وابن ابن حر المال بينهما نصفين
في قول الجميع إلا الثوري قال لابن الابن الربع لأنه محجوب بنصف الابن عن
الربع فإن كان نصف الثاني حراً فله الربع وإن كان معهما ابن ابن ابن نصفه
حر فله الثمن وقيل للأعلى النصف وللثاني النصف لأن فيهما حرية ابن وهذا قول
أبي بكر وقال سفيان لا شئ للثاني والثالث لأن ما فيهما من الحرية محجوب
بحرية الابن فإن كان معهم أخ
(7/231)
حر أو غيره من العصبات فله الباقي وإن كان
نصفه حراً فله نصف ما بقي إلا على الوجهين الآخرين ابن نصفه حر وابن ابن
ثلثه حر وأخ ثلاثة أرباعه حر للابن النصف وللثاني ثلث الباقي وهو السدس
وللأخ ثلاثة أرباع الباقي وهو الربع وعلى القول الآخر للابن النصف ولابن
الابن الثلث والباقي للأخ ثلاثة إخوة مفترقين نصف كل واحد حر للأخ من الأم
نصف السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب نصف الباقي وتصح من
ثمانية وأربعين للأخ من الأم أربعة وللأخ من الأبوين اثنان وعشرون وللأخ من
الأب أحد عشر وعلى القول الآخر للأخ من الأم نصف سدس وللأخ من الأبوين
النصف وللأخ من الأب ما بقي فإن كان معهم بنت حرة فلها النصف ولا شئ للأخ
من الأم وللأخ من الأبوين الربع وللأخ من الأب الثمن والباقي للعصبة وعلى
القول الآخر الباقي للأخ من الأبوين وحده فإن كان نصف البنت حراً فلها
الربع وللأخ من الأم ربع السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب
الباقي (فصل) بنت نصفها حر لها الربع والباقي للعصبة فإن لم يكن عصبة فلها
النصف بالفرض والرد والباقي لذي الرحم فإن لم يكن فلبيت المال فإن كان معها
أم حرة فلها الربع لأن البنت الحرة تحجبها عن السدس فنصفها يحجبها عن نصفه
وإن كان معها امرأة فلها الثمن ونصف الثمن وإن كان معها أخ من أم فله نصف
السدس فان كان معها بنت ابن فلها الثلث لأنها لو كانت كلها رقيقة لكان لبنت
(7/232)
الابن النصف ولو كانت حرة لكان لها السدس
فقد حجبتها حريتها عن الثلث فنصفها يحجبها عن السدس وكل من ذكرنا إذا كان
نصفه حرا فله نصف ماله في الحرية فإن كان ثلثه حراً فله ثلثه فان كان معها
بنت أخرى حرة فلهما ربع المال وثلثه بينهما على ثلاثة عند من جمع الحرية
فيهما لأن لهما بحرية نصفاً وبنصف حرية نصف كمال الثلثين وفي الخطاب
والتنزيل للحرة ربع وسدس وللأخرى سدس لأن نصف إحداهما يحجب الأخرى الحرة عن
نصف السدس فيبقى لها ربع وسدس والحرة تحجبها عن سدس كامل فيبقى لها سدس فإن
كان نصفهما رقيقاً ومعهما عصبة فلهما ربع المال وسدسه بينهما
(7/233)
لأنهما لو كانتا حرتين لكان لهما الثلثان
ولو كانت الكبرى وحدها حرة كان لها النصف وكذلك الصغرى ولو كانتا أمتين كان
المال للعصبة فقد كان لهما مال وثلثان فلهما ربع ذلك وهو ربع وسدس.
وطريقهما بالبسط أن تقول لو كانتا حرتين فالمسألة من ثلاثة ولو كانت الكبرى
وحدها حرة فهي من اثنين وكذلك إذا كانت الصغرى وحدها حرة وإن كانتا أمتين
فهي من سهم فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في الأحوال الأربعة تكن أربعة
وعشرين للكبرى نصف المال في حال ثلاثة وثلثه في حال سهمان صار لها خمسة من
أربعة وعشرين وللأخرى مثل ذلك وللعبصة
(7/234)
المال في حال والنصف في حالين والثلث في
حال وذلك أربعة عشر سهماً من أربعة وعشرين سهما ومن جمع الحرية فيهما جعل
لهما النصف والباقي للعصبة فإذا لم تكن عصبة نزلتهما على تقدير الرد فيكون
حكمهما حكم اثنين نصف كل واحد منهما حر على ما بيناه ثلاث بنات ابن
متنازلات نصف كل واحدة حر وعصبة للأولى الربع وللثانية السدس لأنها لو كانت
حرة كان لها الثلث وللثالثة نصف السدس في قول البصريين لأنك تقول للسفلى لو
كانتا أمتين كان لك النصف ولو كانت إحداهما حرة كان لك
(7/235)
السدس فنصفهما ثلث فتحجبك العليا عن ربع
والثانية عن نصف سدس فيبقى لك سدس لو كنت حرة فإذا كان نصفك حرا كان لك
نصفه، وفي التنزيل للثالثة نصف الثمن وثلثه وذلك لأننا لو نزلنا كل واحدة
حرة وحدها كان لها النصف، فهذه ثلاثة أحوال من اثنين اثنين، ولو كن إماء
كان المال للعصبة ولو كن أحراراً كان للأولى النصف وللثانية السدس والثلث
للعصبة، ولو كانت الأولى والثانية حرتين فكذلك ولو كانت الثانية والثالثة
حرتين فللثانية النصف وللثالثة السدس والثلث للعصبة فهذه أربعة أحوال من
ستة ستة، والمسائل كلها تدخل فيها فتضربها في ثمانية أحوال تكن ثمانية
وأربعين للعليا النصف في أربعة
(7/236)
أحوال اثنا عشر وهي الربع وللثانية النصف
في حالين والسدس في حالين وهي ثمانية وذلك هو السدس
وللثالثة النصف في حال والسدس في حالين وهي خمسة وهي نصف الثمن وثلثه، وقال
قوم تجمع الحرية فيهن فيكون منهن حرية ونصف لهن بها ثلث وربع للأولى
والثانية ربعان وللثالثة نصف سدس فإن كان معهن رابعة كان لها نصف سدس آخر.
ثلاث أخوات مفترقات نصف كل واحدة حر وأم حرة وعم للتي من قبل الأبوين الربع
وللتي من قبل الأب السدس وللتي من قبل الأم نصف السدس وللأم الثلث لأنها لا
تنحجب إلا باثنين من الاخوة والأخوات ولم تكمل الحرية اثنتين وللعم ما بقي،
وهكذا لو كانت أخت حرة وأخرى نصفها حر وأم حرة فللأم الثلث لما ذكرناه قال
الخبري للأم
(7/237)
الربع وحجبها بالحر كما يحجب بنصف البنت،
والفرق بينهما أن الحجب بالولد غير مقدر بل هو مطلق في الولد والجزء منه
وفي الاخوة مقدر باثنين فلا يثبت بأقل منهما ولذلك لم يحجب بالواحد عن شئ
أصلا وهذا قول ابن اللبان وحكى القول الأول عن الشعبي وقال هذا غلط، وفي
الباب اختلاف كثير وفروع قلما تتفق وقل مسألة تجئ إلا ويمكن عملها بقياس ما
ذكرنا (باب الولاء) الأصل فيه قوله
تعالى (فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانهم في الدين ومواليكم) يعني الأدعياء
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " متفق عليه وعن ابن
عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته وقال عليه
السلام " لعن الله من تولى غير مواليه " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وقال صلى الله عليه وسلم " مولى القوم منهم " حديث صحيح، وروى الخلال
بإسناده عن ابن أبي أوفى قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء
لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب (مسألة) (كل من أعتق عبداً أو عتق عليه
برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاد أو وصية
(7/238)
بعقته فله عليه الولاء وعلى أولاده من زوجة
معتقه أو من أمه وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقهم أبدا ما
تناسلوا) أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبداً أو عتق عليه ولم يعتقه سائبة
ولا من زكاته أو نذره أو كفارته
أن له عليه الولاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " متفق
عليه (فصل) وإن أعتق حربي حربياً فله عليه الولاء لأن الولاء مشبه بالنسب
والنسب ثابت بين أهل الحرب فكذلك الولاء وهذا قول عامة أهل العلم إلا أهل
العراق فإنهم قالوا: العتق في دار الحرب والكتابة والتدبير لا يصح ولنا أن
ملكهم ثابت بدليل قول الله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) فنسبها
إليهم فصح عتقهم كأهل الإسلام وإذا صح عتقهم ثبت الولاء لهم لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " فإن جاءنا المعتق مسلماً فالولاء بحاله
وإن سبي مولى النعمة لم يرث مادام عبداً فإن أعتق فعليه الولاء لمعتقه وله
الولاء على عتيقه، وهل يثبت لمعتق السيد ولاء على معتقه؟ يحتمل أن يثبت
لأنه مولى مولاه ويحتمل أن لا يثبت لأنه ما حصل منه إنعام عليه ولا سبب
لذلك، فإن كان الذي اشتراه مولاه فأعتقه فكل واحد منهما مولى صاحبه يرثه
بالولاء، وإن أسره مولاه فأعتقه فكذلك فإن أسره مولاه وأجنبي فأعتقاه
فولاؤه بينهما نصفين فإذا مات بعده المعتق الأول فلشريكه نصف ماله لأنه
مولى النصف مولاه على أحد الاحتمالين والآخر لا شئ له لأنه لم ينعم عليه،
وإن سبي المعتق فاشتراه رجل فأعتقه بطل
(7/239)
ولاء الأول وصار الولاء للثاني وهو قول
مالك والشافعي وقيل الولاء بينهما واختاره ابن المنذر لأنه ليس أحدهما أولى
من الآخر وقيل الولاء للأول لأنه أسبق ولنا أن السبي يبطل ملك الحربي الأول
فالولاء التابع له أولى ولأن الولاء بطل باسترقاقه فلم يعد بإعتاقه وإن
أعتق ذمي عبداً كافراً فهرب إلى دار الحرب فاسترق فالحكم فيه كالحكم فيما
إذا أعتقه الحربي سواء.
وإن أعتق مسلم كافراً فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون فذكر أبو بكر
والقاضي أنه لا يجوز استرقاقه وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء
المسلم المعصوم قال ابن اللبان ولأن له أمانا بعتق المسلم إياه.
قال شيخنا والصحيح إن شاء الله جواز استرقاقه لأنه كافر أصلي كتابي فجاز
استرقاقه كمعتق الحربي وكغير المعتق، وقولهم في استرقاقه إبطال ولاء المسلم
قلنا لا نسلم بل متى أعتق عاد الولاء للأول
وإنما امتنع عمله في حال رقه لمانع وإن سلمنا أن فيه إبطال ولائه ولكن ذلك
غير ممتنع كما لو قتل بكفره فإنه يبطل ولاؤه به فكذلك بالاسترقاق ولأن
القرابة يبطل عملها بالاسترقاق فكذلك وقول ابن اللبان له أمان لا يصح فإنه
لو كان له أمان لم يجز قتله ولا سبيه، فعلى هذا إن استرق احتمل أن يكون
الولاء للثاني لأن الحكمين إذا تنافيا كان الثابت هو الآخر منهما كالناسخ
والمنسوخ واحتمل أن
(7/240)
يكون للأول لأن ولاءه ثبت وهو معصوم فلا
يزول بالاستيلاء كحقيقة الملك ويحتمل أنه بينهما وأيهما مات كان للثاني وإن
أعتق مسلم مسلماً أو أعتقه ذمي فارتد ولحق بدار الحرب فسبي لم يجز استرقاقه
وإن اشتري فالشراء باطل ولا يقبل منه إلا التوبة أو القتل (مسألة) (أو عتق
عليه برحم) يعني إذا ملكه فعتق عليه بالملك كان له ولاؤه لأنه يعتق من ماله
بسبب فعله فكان ولاؤه له كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو إرث
أو غنيمة أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً (أو كتابة أو تدبير)
يعني إذا كاتبه فأدى إلى مكاتبه وعتق أو عتق بالتدبير فولاؤه لسيده في قول
عامة الفقهاء وبه يقول الشافعي وأهل العراق.
وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لأنه
اشترى نفسه من سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فأعتقه، وكان
قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب فللمكاتب أن يوالي من يشاء وقال مكحول
أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز ولنا أن السيد هو المعتق
للمكاتب لأنه يبيعه بماله وماله وكسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به حتى
عتق فكان هو المعتق وهو المعتق للمدبر أيضاً بلا إشكال وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " ويدل على ذلك أن المكاتبين يدعون موالي
مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى أبي أسيد وسيرين مولى أنس
(7/241)
وسليمان بن يسار مولى ميمونة وكانوا
مكاتبين، ويدل على ذلك حديث بريرة أنها جاءت إلى عائشة فقالت يا أم
المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة إن شاء واعددت
لهم عدة
واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت، فأبوا أن يبيعوها إلا أن يكون الولاء لهم فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء " وهذا يدل على أن
الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة.
(فصل) وإن اشتري العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده لأنه يبيع
ماله بماله فهو مثل المكاتب سواء والسيد هو المعتق لهما فكان الولاء له
عليهما.
(مسألة) (أو استيلاد أو وصية بعتقه) يعني إذا عتقت أم الولد بموت سيدها
فولاؤها له يرثها اقرب عصبته وهذا قول عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال
عامة الفقهاء.
وقال ابن مسعود تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له، ونحوه عن ابن عباس وعن
علي لا تعتعق ما لم يعتقها وله بيعها، وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر،
وعن ابن عباس نحوه ولذكر الدليل على ذلك موضع يذكر إن شاء الله تعالى في
بابه، ولا خلاف بين القائلين بعتقها أن ولاءها لمن عتقت عليه.
ومذهب الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون ولاؤها له لأنها
عتقت بفعلها من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله ويختص ولاؤها الذكور
من عصبة السيد كالمدبر والمكاتب
(7/242)
(فصل) ومن أوصى أن يعتق عنه بعد موته فأعتق
فالولاء له وكذلك إن أوصى به ولم يقل عني فأعتق كان الولاء له لأن الاعتاق
عنه من ماله فإن أعتق عنه ما يجب عتقه ككفارة ونحوها ففيه اختلاف نذكره إن
شاء الله تعالى.
(فصل) ويثبت الولاء للمعتق على المعتق لما ذكرنا وعلى أولاده من زوجة معتقه
أو من أمته لأنه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه ولأنهم فرع والفرع يتبع أصله بشرط
أن يكونوا من زوجة معتقه أو من أمته فإن كانت أمهم حرة الأصل فلا ولاء على
ولدها لأنهم يتبعونها في الحرية والرق فيتبعونها في عدم الولاء إذ ليس
عليها ولاء وكذلك إن كان أبوهم حر الأصل إذا لم يمسسهم رق، فإن كان قد ثبت
ملك فأعتقوا فولاؤهم لمعتقهم للحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام " الولاء
لمن اعتق " ويثبت الولاء للمعتق على معتقي معتقته، ومعتقي أولاده، ومعتقهم
أبدا ما تناسلوا، لأنه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا
فأشبه ما لو باشرهم بالعتق.
(مسألة) (ويرث به عند عدم العصبة من النسب، فمتى كان للمعتق عصبة أو ذوي
فروض تستحق فروضهم المال فلا شئ للمولى) لا نعلم في هذا خلافاً فإن لم يكن
له عصبة ولا ذو فرض يرث المال كله فهو للمولى وإن كان ذو الفرض لا يرث جميع
المال فالباقي للمولى لما روى الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(7/243)
" الميراث للعصبة فإن لم يكن عصبة فللمولى
"، وعنه أن رجلاً أعتق عبداً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما ترى في
ماله؟ قال " إن مات ولم يدع وارثاً فهو لك " ولأن النسب أقوى من الولاء
بدليل أنه يتعلق به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة ولا يتعلق
ذلك بالولاء.
(مسألة) (ثم يرث به عصباته الأقرب فالأقرب) وجملة ذلك أن العتيق إذا لم
يخلف من نسبه من يرثه كان ماله لمولاه، فإن كان مولاه ميتاً فهو لأقرب
عصبته سواء كان ولداً أو أخاً أو عماً أو أباً أو غيره من العصاب، وسواء
كان المعتق ذكرا أو انثى فإن لم يكن له عصبة من أقاربه كان الميراث لمولاه
ثم لعصباته الأقرب فالأقرب ثم لمولاه وكذلك أبداً.
روي هذا عن عمر رضي الله عنه وبه قال الشعبي والزهري وقتادة ومالك والثوري
والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه، وروي عن علي رضي الله عنه ما يدل
على أن مذهبه في امرأة ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها أن ميراث
مواليها لأخيها وابن أخيها دون ابنها، وروي عنه الرجوع إلى مثل قول
الجماعة، فوري عن إبراهيم أنه قال اختصم علي والزبير في موالي صفية بنت عبد
المطلب فقال علي: أنا أحق بهم أنا أرثهم وأعقل عنهم، وقال الزبير: هم موالي
أمي وأنا أرثهم، فقضى عمر للزبير بالميراث والعقل على علي رواه سعيد ورواه
أبو معاوية بن عبيدة الضبي عن ابراهيم وقال ثنا هشيم حدثنا الشيباني عن
الشعبي قال قضى بولاء موالي صفية للزبير دون العباس وقضى في أم هاني بنت
أبي
(7/244)
طالب لابنها جعدة بن هبيرة دون علي: وروى
الإمام بإسناده عن زياد بن أبي مريم أن
امرأة أعتقت عبداً لها ثم توفيت وتركت ابناً لها وأخاها ثم توفي مولاها من
بعهدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه
فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال أخوها يا رسول الله لو جر
جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وروى بإسناده عن سعيد بن
المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المولى أخ في الدين ومولى نعمة
يرثه أولى الناس بالمعتق.
إذا ثبت هذا فإن المعتقة لو خلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها ثم مات مولاها
فميراثه لابنها، وإن مات ابنها بعدها وقبل مولاها وترك عصبة كأعمامه وبني
أعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة ابنها فميراثه لأخي مولاته لأنه
أقرب عصبة المعتق فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها، فإن
انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها يروى هذا عن علي وبه قال
أبان بن عثمان وقبيصة بن عثمان وعطاء وطاوس والزهري وقتادة ومالك والشافعي
وأهل العراق، وروي عن علي رواية أخرى أنه لعصبة الابن وروي ذلك عن عمرو ابن
عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح، وهذا مبني على أن الولاء يورث كما يورث
المال وقد روي عن أحمد نحو هذا، واحتجوا بأن عمرو بن شعيب روي عن أبيه عن
جده أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فماتت أمهم فورثوا
عنها ولاء مواليها وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فاخرجهم إلى الشام فماتوا
فقدم عمرو بن العاص ومات مولاها وترك
(7/245)
مالا فخاصمه إخوتها الى عمر فقال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ما أحرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان " قال
وكتب له كتاباً فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل آخر فنحن
فيه إلى الساعة رواه أبو داود وابن ماجة، والصحيح الأول فإن الولاء لا يورث
على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإنما يورث به وهو باق للمعتق يرثه به
أقرب عصباته ومن لم يكن من عصبة أمه لم يرث شيئاً وعصبة الابن غير عصبة أمه
فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها، وحديث عمرو بن شعيب غلط قال
أحمد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث.
فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من أقارب معتقه إلا عصباته الاقرب منهم
فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات، ولا يرث ذو فرض بفرضه ولا ذو رحم
إلا أن يكون الأب والجد مع البنين والجد مع الإخوة على ما نذكره، فإن اجتمع
لرجل منهم فرض
وتعصيب كالأب والجد والزوج والأخ من الأم إذا كانا ابني عم ورث بما فيه من
التعصيب دون الفرض فان كانا عصبات في درجة واحدة كالبنين وبنوهم والاخوة
وبنيهم والأعمام وبنيهم اقتسموا الميراث بالسوية وهذا كله لا خلاف فيه سوى
ما ذكرنا من الأقوال الشاذة (فصل) ويقدم المولى في الميراث على الرد وذوي
الأرحام في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فإذا مات رجل
فخلف بنته ومولاه فلبنته النصف والباقي لمولاه وإن خلف ذا رحم
(7/246)
ومولاه فالمال لمولاه خاصة، وعن عمر وعلي
يقدم الرد على المولى ولعلهم يحتجون بقول الله تعالى (واولوا الأرحام بعضهم
أولى بعض في كتاب الله) ولنا حديث عبد الله بن شداد وحديث الحسن ولأنه عصبة
يعقل عن مولاه فيقدم على الرد وذوي الرحم كابن العم (مسألة) (وعنه في
المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم) لأنه انتقل إليهم أشبه ما لو
اشتروه وإن أدى إليهما فولاؤه بينهما لأنهما اشتركا في أدائه إليهما
فاشتركا في استحقاق ولائه كالشريكين والرواية الأخرى ولاؤه للمكاتب لأن
عتقه بكتابته وهي من سيده (مسألة) (ومن كان أحد أبويه الحرين حر الأصل فلا
ولاء عليه) وجملته أنه إذا كان أحد الزوجين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما
سواء كان الآخر عربياً أو مولى لأن الأم إن كانت حرة الأصل فالولد يتبعها
فيما إذا كان الأب رقيقاً في انتفاء الرق والولاء فلأن يتبعها في نفي
الولاء وحده أولى وإن كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه
ولاء بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه فلأن يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى
وهذا قول أكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة إن كان الأب أعجمياً والأم مولاة
ثبت الولاء على ولده وليس بصحيح لأنه حر الأصل فلم يثبت الولاء على ولده
كما لو كان عربياً
(7/247)
وسواء كان مسلماً أو ذمياً أو حربياً مجهول
النسب أو معلومه وهذا قول أبي يوسف ومالك وابن شريح وقال القاضي إن كان
مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الأم إن كانت مولاة قال ابن اللبان
هذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال الخبري هذا قول أبي حنيفة ومحمد واحمد لأن
مقتضى ثبوته لمولى
الأم موجود، وإنما امتنع في محل الوفاق لحرية الأب فإذا لم تكن معلومة فقد
وقع الشك في المانع فيبقى على الأصل ولا يزول اليقين بالشك ولا يترك العمل
بالمقتضي مع الشك في المانع ولنا أن الأب حر محكوم بحريته أشبه معروف النسب
ولأن الأصل في الآدميين الحرية وعدم الولاء فلا يترك هذا الأصل بالوهم في
حق الولد كما لم يترك في حق الأب، وقولهم مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود
ممنوع فإنه إنما يثبت لمولى الأم بشرط رق الأب وهذا الشرط منتف حكماً
وظاهراً وإن سلمنا وجود المقتضى فقد ثبت المانع حكما فإن حرية الأب ثابتة
حكماً فلا تعويل على ما قالوه، فأما إن كان الأب مولى والأم مجهولة النسب
فلا ولاء عليه في قولنا، وقياس قول القاضي والشافعي ثبوت الولاء عليه لمولى
أبيه لأنا شككنا في المانع من ثبوته ولنا ما ذكرناه في التي قبلها ولأن
الأم لا تخلوا من أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها أو أمة فيكون ولدها
عبداً أو مولاة فيكون على ولدها الولاء لمولى أبيه، والاحتمال الأول راجح
لوجهين أحدهما أنه محكوم به في الأم فيجب الحكم به في ولدها الثاني أنه
معتضد بالأصل فإن الأصل الحرية ثم لو لم يترجح هذا الاحتمال لكان
(7/248)
الاحتمال الذي صاروا إليه معارض باحتمالين
كل واحد منهما مساو له فنرجحه عليهما بحكم لا يجوز المصير إليه بغير دليل
وهذا وارد عليهم في المسألة الأولى أيضاً (مسألة) (ومن أعتق سائبة في نذره
أو زكاته أو كفارته ففيه روايتان (إحداهما) له عليه الولاء والثانية لا
ولاء له عليه وما رجع من ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم) قال
أحمد في رواية عبد الله الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد
أعتقتك سائبة كأنه يجعله لله لا يكون ولاؤه له قد جعله لله وسلمه وعن أبي
عمروا الشيباني عن ابن مسعود والسائبة يضع ماله حيث شاء وقال أحمد قال عمر
قال الصدقة والسائبة ليومهما ومتى قال الرجل لعبده أعتقتك سائبة أو أعتقتك
ولا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء فإن مات وخلف مالا ولم يدع ورثة
اشتري بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد وأعتق ابن عمر عبداً سائبة
فمات فاشترى ابن عمر بماله رقاباً فأعتقهم والراية الثانية الولاء للمعتق
وهو قول الشعبي والنخعي وابن سيرين وراشد بن سعد وضمرة
ابن حبيب والشافعي وأهل العراق لقوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن
اعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " ولعل أحمد ذهب إلى شراء الرقاب
استحباباً لفعل ابن عمرو قال عمر بن عبد العزيز والزهري وأبو العالية
ومكحول ومالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وعن عطاء قال إذا قال أنت حر
سائبة يوالي من شاء، والقول بثبوت الولاء للمعتق أظهر للأحاديث ولان الولاء
لحملة كلحمة النسب،
(7/249)
وكما لا يزول نسب إنسان ولا ولد عن فراش
بشرطه لا يزول ولاء عن معتق ولذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على
عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما
الولاء لمن أعتق " يريد أن اشتراط تحويل الولاء عن المعتق لا يفيد شيئاً
ولا يزيل الولاء.
وروى مسلم بإسناده عن هزيل ابن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني
أعتقت عبداً لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثاً فقال عبد اله
إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون وأنت ولي نعمته
فإن تأثمت وتخرجت عن شئ فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وقال سعيد ثنا هشيم
عن بسر عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله
عنه فكتب عمر أن ادفع مال الرجل إلى مولاه فإن قبله ولاء فاشتر به رقاباً
فأعتقهم عنه وثنا هشيم عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة
هو للذي أعتقه قال شيخنا وهذا القول أصح في الأثر والنظر لما ذكرنا وفي
المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال أو في مثله كان لتبرع المعتق
وتورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث عتيقه وفعل ابن عمر وابن مسعود في
الميراث الذي تورع سيده عن أخذ ماله وقد روي أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقه
لبني بنت يعار سائبة فقتل وترك ابنة فأعطاها عمر نصف ماله وجعل النصف في
بيت المال وعلى القول المنصوص عن أحمد الذي ذكره الخرقي إذا خلف السائبة
مالاً اشتري به رقاب فأعتقوا فإن رجع من ميراثه شئ اشتري به أيضاً رقاب
(7/250)
فأعتقوا وإن خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق
ماله أخد فرضه واشتري بباقيه رقاب فأعتقوا ولا يرد على أهل الفرض.
(فصل) فإن أعتق من زكاته وعن كفارته أو نذره فقال أحمد في الذي يعتق من
زكاته إن ورث منه شيئاً جعله في مثله وقال هذا قول الحسن وبه قال إسحاق
وعلى قياس ذلك العتق من الكفارة والنذر لأنه واجب عليه وقد روي عن أحمد أنه
قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه للذي جرى عتقه على يديه وقال العنبري
ومالك ولاؤه لسائر المسلمين يجعل في بيت المال وقال أبو عبيد ولاؤه لصحاحب
الصدقة وهو قول الجمهور في العتق في النذر والكفارة لقول النبي صلى عليه
وسلم " إنما الولاء لمن اعتق " ولأن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة بشرط
العتق فأعتقتها فكان ولاؤها لها وشرط العتق يوجبه ولأنه معتق عن نفسه فكان
الولاء له لمن شرط عليه العتق فأعتق ولنا أن الذي أعتق من الزكاة أعتق من
غير ماله فلم يكن الولاء له كما لو دفعها لى الساعي فاشترى بها وأعتق وكما
لو دفع إلى المكاتب مالاً فأداه في كتابته وفارق الذي اشترط عليه العتق
فإنه إنما أعتق ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه فأشبه العتق من
الزكاة (مسألة) (ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق)
هذا قول الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف وداود وروي عن ابن
عباس
(7/251)
أن ولاءه للمعتق عنه وبه قال الحسن ومالك
وأبو عبيد لأنه أعتقه عن غيره فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أذن له.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " ولأنه أعتق عبده من
غير إذن غيره له فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئاً (مسألة) (وإن أعتقه
عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه) وهذا قول جميع من حكينا قوله في المسألة
الأولى إلا أبا حنيفة ووافقه محمد بن الحسن وداود فقالوا الولاء للمعتق إلا
أن يعتقه عنه بعوص فيكون له الولاء ويلزمه العوض ويصير كأنه اشتراه ثم وكله
في اعتاقه أما إذا كان عن غير عوض فلا يصح تقدير البيع فيكون الولاء للمعتق
لما ذكرنا من الحديث وعن أحمد مثل ذلك.
ولنا أنه وكيل في الاعتاق فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أخذ عوضا فإنه كما
يجوز تقدير البيع فيما إذا أخذ عوضا يجوز تقدير الهبة إذا لم يأخذ عوضا فإن
الهبة تجوز في العبد كما يجوز البيع والخبر مخصوص بما إذا أخذ عوضا وسائر
الوكلاء فنقيس عليه محل النزاع (مسألة) (وإذا قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه
ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه)
(7/252)
قال شيخنا لا نعلم خلافاً في هذه المسألة
وإن الولاء للمعتق عنه لكونه أعتقه عنه بعوض ويلزمه الثمن لأنه أعتقه عنه
بشرط العوض فنقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح عتقه عنه فيكون الثمن
عليه والولاء له كما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه (مسألة) (ولو قال أعتقه
والثمن علي ففعل فالثمن عليه) والولاء للمعتق إنما كان الثمن عليه لأنه جعل
له جعلا على أعتاقه عبده فلزمه ذلك بالعمل كما لو قال من بنى لي هذا الحائط
فله دينار فبناه إنسان استحق الدينار وإنما كان الولاء للمعتق لأنه لم
يأمره بإعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه
فيبقى للمعتق عملاً بقوله عليه السلام " إنما الولاء لمن أعتق " (مسألة)
(وإن قال الكافر لرجل أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل فهل يصح على
وجهين) (أحدهما) لا يصح لأنه يلزم منه أن يتملك الكافر ولذلك لا يجوز لأنه
إضرار بالمسلم (والثاني) يصح ويعتق لأنه إنما يتملكه زمناً يسيراً ولا
يتسلمه فيتحمل هذا الضرر اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد (مسألة) (وإن اعتق
عبداً يباينه في دينه فله ولاؤه وهل يرث به؟ على روايتين) (إحداهما) لا يرث
لكن إن كان له عصبة على دين المعتق ورث فإن أسلم الكافر منهما ورث المعتق
رواية واحدة إذا اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت لا نعلم فيه خلافا
لعموم قوله عليه السلام
(7/253)
الولاء لمن اعتتى " وقوله " الولاء لحمة
كلحمة النسب " والنسب يثبت مع اختلاف الدين فكذلك الولاء ولأن الولاء إنما
ثبت له عليه لإنعامه بإعتاقه وذلك ثابت مع اختلاف دينهما ويثبت الولاء
للأنثى
على الذكر وللذكر على الأنثى وكل معتق لعموم الخبر والمعنى ولحديث عبد الله
بن شداد في بنت حمزة وقد ذكرناه وهل يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين؟ على
روايتين (إحداهما) يرثه يروي ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز وبه قال أهل
الظاهر واحتج أحمد بقول علي الولاء شعبة من الرق وقال مالك يرث المسلم
مولاه النصراني لأنه يصلح له ملكه ولا يرث النصراني مولاه المسلم لأنه لا
يصلح له تملكه وجمهور الفقهاء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " ولأنه
ميراث فمنعه اختلاف الدين كميراث النسب ولأن اختلاف الدين مانع من الميراث
بالنسب فمنع الميراث بالولاء كالقتل والرق يحققه أن الميراث بالنسب أقوى
فإذا منع الأقوى فالأضعف أولى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولاء
بالنسب بقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " فكما يمنع اختلاف الدين التوارث
مع صحة النسب وثبوته فكذلك يمنع مع صحة الولاء وثبوته.
(مسألة) (فإن كان السيد عصبة على دين المعتق ورثه دون سيده وقال داود لا
يرث عصبته في حياته) ولنا أنه بمنزلة ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفاً
لدين الميت والأبعد على دينه ورث البعيد
(7/254)
دون القريب فإن اجتمعا على الإسلام توارثا
كالمتناسبين لزوال المانع (فصل) (قال الشيخ رحمه الله ولا يرث النساء من
الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من اعتقن وكاتبن أو كاتب من كاتبن) وعنه في
بنت المعتق ترث خاصة والأول أصح معنى قوله من الولاء أي بالولاء لأن الولاء
لا يورث على ما نذكره ظاهر المذهب أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أعتقن
أو أعتق من أعتقن أوجر الولاء إليهن من أعتقن والكتابة كذلك فإنها إعتاق
قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد والرواية التي ذكرها الخرقي في بنت المعتق
ما وجدتها منصوصة عن أحمد وقد قال في رواية بن القاسم وقد سأله هل كان
لحمزة أو لابنته؟ فقال لابنته فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها
لأنها هي المعتقة وهذا قول الجمهور وإليه ذهب مالك والشافعي وأهل العراق
وداود والصحيح الأول لإجماع الصحابة ومن
بعدهم عليه ولأن الولاء لحمة كلحمة النسب والمولى كالنسيب من الأخ والعم
ونحوهما فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه ولا يرث منهم إلا الذكور
خاصة فأما الرواية المذكورة في ميراث بنت المعتق التي ذكرها الخرقي فوجهها
ما روى إبراهيم النخعي أن مولى لحمزة مات وخلف بنتاً فورث النبي صلى الله
عليه وسلم بنته النصف وجعل لبنت حمزة النصف والصحيح أن المولى كان لبنت
حمزة قال عبد الله بن شداد كان لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته
ومولاته
(7/255)
بنت حمزة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأعطى ابنه النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف قال عبد الله بن
شداد أنا أعلم بها لأنها أختي من أمي أمنا سلمى رواه ابن اللبان بإسناده
وقال هذا أصح ما روي إبراهيم ولأن البنت من النساء فلا ترث بالولاء كسائر
النساء فأما توريث المرأة من معتقها فليس فيه اختلاف بين أهل العلم وقد دل
عليه حديث عائشة حين أرادت شراء بريرة لتعتقها ويكون ولاؤها لها فأراد
أهلها اشتراط ولائها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم
الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " تحوز
المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه " قال الترمذي
هذا حديث حسن ولأن المعتقة منعمة بالاعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في
الميراث وفي حديث بنت حمزة الذي ذكرناه تنصيص على توريث المعتقة وأما معتق
أبيها فهو بمنزلة عمها أو عم أبيها فلا ترثه ويرثه أخوها كالنسب ومن مسائل
ذلك رجل مات وخلف ابن معتقه الميراث لابن معتقه خاصة وعلى الرواية الأخرى
يكون الملك بينهما أثلاثا فإن لم يخلف إلا بنت معتقه فلا شئ لها وماله لبيت
المال وعلى الرواية الأخرى يكون الملك لها وإن خلف أخت معتقه فلا شئ لها
رواية واحدة وكذلك إن خلف أم معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما وإن خلف أخا
معتقه وأخت معتقه فالميراث للأخ ولو خلف بنت معتقه وابن عم معتقه أو معتق
معتقه أو ابن المعتق معتقه فالميراث له دون البنت إلا على الرواية الأخرى
(7/256)
فإن لها النصف والباقي للعصبة وإن خلف بنته
ومعتقه فلبنته النصف والباقي لمعتقه كما في قضية مولى بنت
حمزة حين مات وخلف بنته وبنت حمزة التي أعتقته فأعطى النبي صلى الله عليه
وسلم بنته النصف والباقي لبنت حمزة فإن خلف ذا فرض سوى البنت كالأم والجدة
أو الأخت أو الأخ من الأم أو الزوج أو الزوجة أو من لا يستغرق فرضه المال
أو مولاه أو مولاته فلذي الفرض فرضه والباقي لمولاه أو مولاته في قول جمهور
العلماء رجل وابنته اعتقو عبداً ثم مات الأب وخلف ابنيه وبنته فماله بينهما
أثلاثاً ثم مات العتيق فللبنت النصف لأنها مولاة نصفه والباقي لابن المعتق
خاصة إلا على الرواية الضعيفة فإن الباقي يكون بينهما أثلاثاً فيصير للبنت
الثلثان ولأخيها الثلث وإن ماتت البنت قبل العتيق وخلفت ابنا ثم مات العتيق
فلإبنها النصف والباقي لأخيها ولو لم تخلف البنت إلا بنتاً كان الولاء كله
لأخيها دون بنتها إلا على الرواية الأخرى فإن لبنتها النصف والباقي لأخيها
وإن مات الابن قبل العتيق وخلف بنتا ثم مات العتيق وخلف معتقة نصفه وبنت
أخيها فللمعتقة نصف ماله وباقيه لبيت المال وعلى الرواية الأخرى لها لنصف
بإعتاقها ونصف الباقي بأنها بينت معتق النصف والباقي لعصبة أبيها ولو كانت
البنت ماتت أيضاً قبل العتيق وخلفت ابنها ثم مات العتيق فلإبنها النصف ولا
شئ لبنت أخيها، امرأة اعتقت أباها ثم أعتق أبوها عبداً ثم مات الأب ثم
العبد فما لهما لها فإن كان أبوها خلف بنتاً أخرى معها فلهما ثلثا مال الأب
بالنسب والباقي للمعتقة
(7/257)
بالولاء ومال العبد جميعه للمعتقة دون
أختها ويتخرج على الرواية الأخرى أن يكون لهما ثلثا مال العبد أيضاً وباقيه
للمعتقة ولو كان الأب خلف مع المعتقة ابناً فمال الأب بينها أثلاثاً
بالبنوة ومال العبد كله للابن دون أخته المعتقة لأنه يرث بالنسب والنسب
مقدم على الولاء، ولو خلف الأب أخاً أو عماً أو ابن عم مع البنت فللبنت نصف
ميراث أبيها وباقيه لعصبته ومال العبد لعصبته ولا شئ لبنته فيه لأن العصبة
من النسب مقدم على المعتق في الميراث إلا على رواية الخرقي فان ئللبنت نصف
ميراث العبد لكونها بنت المعتق وباقيه لعصبته (مسألة) (ولا يرث من الولاء
ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن) نص أحمد على هذا في رواية
جماعة من أصحابه وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال ليس الجد والأخ والابن
من الكبر في شئ يجر بهم على الميراث وهذا قول شريح والنخعي والاوزاعي
والعنبري اسحاق
وأبي يوسف وروي عن زيد أن المال للابن وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء
والشعبي والحسن والحكم وقتادة وحماد والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة
ومحمد والشافعي وأكثر الفقهاء لأن الابن أقرب العصبة والأب والجد يرثان معه
بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض بحال ولنا أنه عصبة وارث فاستحق من الولاء
كالأخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب بل هما في القرب سواء وكلاهما
عصبة لا يسقط أحدهما صاحبه وإنما ينفاضلان في الميراث فكذلك في الإرث
بالولاء
(7/258)
ولذلك يقدم الأب على الابن في الولاية
والصلاة على الميت وغيرهما وحكم الأب مع ابن الابن وإن سفل وحكم الجد وإن
علا مع الابن وابنه سواء (مسألة) والجد يرث الثلث مع الإخوة إن كان أحظ له
إذا خلف المعتق أخاه وجده فالولاء بينهما نصفين وبه قال عطاء والليث ويحيى
الأنصاري وهو قول للشافعي وقول الثوري وأبي يوسف ومحمد والذين جعلوا الجد
أبا جعلوه أولى من الأخ وورثوه وجده وروي عن زيد أن المال للأخ وهو قول
مالك والشافعي لأن الأخ ابن الأب والجد أبوه والابن أحق من الأب ولنا أنهما
عصبتان يرثان المال نصفين فكان الولاء بينهما نصفين كالآخرين وإن ترك جد
مولاه وابن أخي مولاه فالمال للجد في قول الجميع إلا مالكاً جعل الميراث
لابن الأخ وإن سفل وقاله الشافعي أيضاً لأن ابن الابن يقدم على الأب وإن
سفل وليس هذا صواباً فإن الجد يقدم على ابن الأخ في الميراث فكيف يقدم عليه
ههنا؟ ولأن الجد أولى بالمعتق من ابن الأخ فيرث مولاه لقول النبي صلى الله
عليه وسلم " المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق "
والدليل على ان الجد أولى أنه يرث ابن ابنه دون ابن اللاخ فيكون أولى لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى
رجل ذكر " وفي لفظ " فلأولى عصبة ذكر " ولأن الجد أب فيقدم على ابن الأخ
(7/259)
كالأب الحقيقي فإن اجتمع اخوة وجد فميراث
المولى بينهم كمال سيده إن زادوا على اثنين فللجد ثلث
ماله لأنه أحظ له وإن اجتمع اخوة من أبوين وإخوة من أب عاد الأخوة من
الأبوين الجد بالإخوة من الأب ثم يأخذ ولد الأبوين ما حصل لولد الأب
كالميراث وقال ابن شريح يحتمل أنه بينهم على عددهم ولا يعاد ولد الأبوين
الجد بولد الأب.
ولنا أنه ميراث بين الجد والاخوة أشبه الميراث بالنسب فإن كان مع الاخوة
أخوات لم يعتد بهن لأنهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهن كالاخوة من الأم وإن
انفرد ولد الأب مع الجد فهم كولد الأبوين (فصل) فإن ترك جد مولاه وعم مولاه
فهو للجد وكذلك إن ترك جد أبي مولاه أو جد جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وبه
يقول الثوري والاوزاعي وأهل العراق وقال الشافعي هو للعم وبنيه وإن سفلوا
دون الأب وهو قياس قول مالك قال الشافعي ومن جعل الجد والأخ سواء فجد الأب
والعم سواء وهو أولى من ابن العم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يرثه
أولى الناس بالمعتق " فالجد أولى بالمعتق بدليل أنه أولى الناس بماله
وولايته ويقدم في تزويجه والصلاة عليه وغير ذلك والعجب أن الشافعي رحمه
الله تعالى ترك الجد أباً في ولاية المال والإجبار على النكاح ووافق غيره
في وجوب الإنفاق عليه وله وعتقه على ابن ابنه وعتق ابن ابنه عليه وانتفاء
القصاص عنه بقتل ابن ابنه والحد بقذفه وغير ذلك من أحكام الأب ثم جعل أبعد
العصبات أولى منه بالولاء
(7/260)
(مسألة) (والولاء لا يورث وإنما يورث به)
وهذا قول الجمهور روي نحو ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر
وأسامة بن زيد وأبي مسعود البدري وأبي ابن كعب وبه قال عطاء وطاوس وسالم
والزهري والحسن وابن سيرين وقتادة والشعبي وابراهيم ومالك والشافعي وأهل
العراق وداود وشذ شريح فجعله موروثاً كالمال لأنه روي عن عمر رضي الله عنه
أنه قال ما أحرزه الولد والوالد فهو لعصبته من كان ولنا قول النبي صلى الله
عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب "
والنسب يورث به ولا يورث فكذلك الولاء ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام السيد
على عبده بالعتق وهذا المعنى
لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء ورواه حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد
وغلطهما أبو بكر وهو كما قال فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل ما ذكرنا من قو
الجمهور وقد روى سعيد بإسناده عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " المولى أخ في الدين ومولى نعمة " وأولى الناس بميراثه أقربهم من
المعتق " ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافه ولا يصح قياسه
على المال لأن الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث منه ذوو الفروض بخلاف المال
فعلى هذا ينظر أقرب العصبات إلى المعتق يوم موت العتيق فيكون هو الوارث
للمولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده
(7/261)
(مسألة) (ولا يباع ولا يوهب) لا يصح بيع
الولاء ولا هبته ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء روى ذلك عن عمر وعلي
وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس وأياس بن
معاوية والزهري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وكره جابر بن عبد الله
بيع الولاء وروى سعيد بإسناده عن عبيد الله أنه قال انما الولاء كالنسب
فيبيع الرجل نسبه وقد روى سعيد بإسناده عن سفيان عن عمرو ابن دينار أن
ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا وروي أن ميمونة
وهبت مواليها للعباس وولاؤهم اليوم لهم وإن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة
مصعب بن الزبير وقال ابن جريح قلت لعطاء أذنت لمولاي أن يوالي من شاء
فيجوز؟ قال نعم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن
هبته وقال " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقال لعن الله من تولى غير مواليه
ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة وفعل هؤلاء شاذ يخالف قول الجمهور
وترده السنة فلا يعول عليه فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق لموته ولا
يرثه ورثته إنما يرثون المال به مع بقائه للمعتق وهذا قول الجمهور على ما
ذكرنا (مسألة) (وهو للكبر فإذا مات المعتق وخلف عتيقه وابنين فمات أحد
الابنين عن ابن ثم مات المولى فالميراث لابن معتقه
(7/262)
لأن الولاء للكبر ولو مات الابنان بعده
وقبل العتيق وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة كان الولاء بينهم على عددهم لكل
واحد عشرة وهذا قول أكثر أهل العلم قال أحمد روي هذا عن عمر وعثمان وعلي
وزيد وابن مسعود وروى سعيد ثنا هشيم ثنا أشعث بن سوار عن الشعبي أن عمر
وعلياً وابن مسعود وزيداً كانوا يجعلون الولاء للكبر وروي ذلك عن ابن عمر
وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن
عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والزهري وقتادة ومالك والثوري
والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود كلهم قالوا الولاء للكبر
وتفسيره أنه يرث المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت
العبد قال ابن سيرين إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه
فيجعل ميراثه له وإذا مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن
الولاء كالنسب لا ينتقل ولا يورث وإنما يورث به فهو باق للمعتق أبداً لا
يزول عنه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام الولاء لمن اعتق وقوله الولاء
لحمة كلحمة النسب وإنما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه لا نفس
الولاء ويتضح ذلك بالمسئلتين اللتين ذكرناهما ههنا وهما إذا مات رجل عن
ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات المولى ورثه ابن معتقه
دون ابن ابن معتقه لأن ابن المعتق أقرب عصبة سيده فلو مات السيد وخلف ابنه
وابن ابنه ورثه ابنه دون ابن ابنه فكذلك إذا مات المولي والمسألة الأخرى
إذا مات الابنان
(7/263)
بعد السيد وقبل مولاه وخلف أحدهما ابنا
والآخر تسعة ثم مات المولى كان ميراثه بينهم على عددهم لأن السيد لو مات
كان ميراثه بينهم كذلك ولو كان الولاء موروثاً لاختلف الحكم في المسئلتين
وكان الميراث في المسألة الأولى بين الابن وابن الابن نصفين لأن الابنين
ورثوا الولاء عن أبيهما ثم ما صار إلى الابن الذي مات انتقل إلى ابنه وفي
المسألة الثانية يصير لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه ذلك عن أبيه
ولبني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم وذهب شريح إلى أن الولاء موروث
كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئاً في حياته فهو لورثته وحكي ذلك عن عمر
وعلي وابن عباس وابن المسيب وروى عن أحمد نحوه والمشهور عنه مثل قول
الجمهور قال أبو الحارث سألت أبا عبد الله
عن الولاء للكبر قال كذي روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وقد ذكرنا
ذلك عن شريح واجبنا عنه ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وإن لم
يخلف عصبة من نسب مولاه فماله لمولى مولاه ثم لأقرب عصباته ثم لمولى مولى
مولاه فإذا انقرض العصبات والموالي وعصباتهم فماله لبيت المال.
(مسألة) (وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما عتق عليهما بالملك ثم
اشترى عبداً فأعتقه ثم مات العتيق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته) إذا
اشترى رجل وأخته أباهما وأخاهما عتقا عليهما بالملك ثم اشترى عبداً فأعتقه
ثم مات الاب أو
(7/264)
فميراثه بينهما أثلاثاً بالنسب فإذا مات
العبد ورثه الرجل دون أخته لأنه ابن المعتق أو أخوه فورثه بالنسب وهي مولاة
المعتق، وعصبة المعتق مقدم على مولاه، وعلى الرواية التي تقول إن بنت
المعتق ترث إذا اشتريا أباهما يكون ميراث العبد بينهما أثلاثاً، فإن اشتريا
أخاهما فعتق عليها ثم اشترى عبداً فأعتقه ومات الأخ المعتق قبل موت العبد
وخلف ابنه ثم مات العبد فميراثه لابن أخيها دونها لأنه ابن أخي المعتق فإن
لم يخلف الأخ إلا بنته فنصف مال العبد للأخت لأنها معتقة نصف معتقه ولا شئ
لبنت الأخ رواية واحدة والباقي لبيت المال (فصل) إذا خلف الميت بنت مولاه
ومولى أبيه فماله لبيت المال لأنه ثبت عليه الولاء من أجل مباشرته بالعتق
ولم يثبت عليه بإعتاق أبيه، وإذا لم يكن لمولاه إلا بنت لم ترث لأنها ليست
عصبة وإنما يرث عصبات المولى فإذا لم يكن له عصبة لم يرجع إلى معتق أبيه
وكذلك إن كان له معتق أب ومعتق جد ولم يكن هو معتقاً فميراثه لمعتق أبيه إن
كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه ثم لمعتق معتق أبيه فإن لم يكن له أحد
منهم فالبيت المال ولا يرجع إلى معتق جده، وإن كانت أمة حرة الأصل فلا ولاء
عليه وليس لمعتق أبيه شئ (فصل) امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان
أعتق إنسان أباها ويتصور هذا في موضعين أحدهما أن يكونوا كفاراً فتسلم هي
ويسبى أبواها فيسترقا والثاني أن يكون أبوها عبداً تزوج أمة على
(7/265)
أنها حرة فولدتها ثم ماتت وخلفت معتق أبيها
لم يرثها لأنه إنما يرث بالولاء وهذه لا ولاء عليها وهكذا الحكم فيما إذا
تزوج عبد حرة الأصل فأولدها ولداً ثم أعتق العبد ومات ثم مات الولد فلا
ميراث لمعتق أبيه لأنه لا ولاء عليه، ولو كان ابنتان على هذه الصفة اشترت
إحداهما أباها فعتق عليها فلها ولاؤه وليس لها ولاء على أختها فإذا مات
أبوها فلهما الثلثان بالنسب ولها الباقي بالولاء فإذا ماتت أختها فلها نصف
ميراثها بالنسب وباقيه لعصبتها فإن لم يكن لها عصبة فالباقي لأختها بالرد
ولا ميراث لها منها بالولاء لأنها لا ولاء عليها (فصل) في جر الولاء: قال
الشيخ رضي الله عنه (كل من باشر العتق أو عتق عليه لا ينتقل عنه الولاء
بحال لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " فأما ان تزوج
العبد معتقة فأولدها فولدها منه أحرار وعليهم الولاء لمولى أمهم يعقل عنهم
ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الإنعام عليهم بعتق أمهم فصاروا لذلك أحراراً
فإن أعتق العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده عن مولى أمهم
لأن الأب لو كان مملوكاً لم يكن يصلح وارثاً ولا ولياً في نكاح فكان ابنه
كولد الملاعنة ينقطع نسبه عن أبيه فيثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها
فإذا أعتق العبد صلح للانتساب إليه وعاد وارثاً عاقلاً ولياً فعادت النسبة
إليه وإلى مواليه بمنزلة ما لو استحق الملاعن ولده هذا قول جمهور الصحابة
والعلماء يروى هذا عن عمر وعثمان وعلي والزبير وعبد الله وزيدبن ثابت
ومروان وسعيد بن المسيب
(7/266)
والحسن وابن سيرين وعمر ابن عبد العزيز
والنخعي وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والليث وأبو حنيفة وأصحابه
والشافعي واسحاق وأبو ثور ويروى عن رافع بن خديج أن الولاء لا ينجر من
موالي الأم وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان والزهري وميمون بن مهران وحميد
بن عبد الرحمن وداود لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول عمن ثبت
له فكذلك الولاء وقد روي عن عثمان وزيد نحو هذا وأنكرهما ابن اللبان وقال
مشهور عن عثمان أنه قضى بجر الولاء للزبير عن رافع بن خديج.
ولنا أن الانتساب إلى الأب فكذلك الولاء ولذلك لو كانا حرين كان ولاء
ولدهما لمولى أبيه
فلما كان مملوكا كان الولاء لمولى الأم ضرورة فإذا أعتق الأب زالت الضرورة
فعادت النسبة إليه والولاء إلى مواليه وروى عبد الرحمن عن الزبير أنه لما
قدم خيبر رأى فتية لعساً فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل موالي رافع
بن خديج وابوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فأعتقه وقال لأولاده
انتسبوا إلي فإن ولاءكم لي فقال رافع بن خديج الولاء لي فإنهم عتقوا بعتقي
أمهم فاحتكموا الى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه، اللعس
سواد في الشفتين تستحسنه العرب ومثله اللمى قال ذو الرمة لمياء في شفتيها
حوة لعس * * * * وفي اللثات وفي أنيابها شنب
(7/267)
(فصل) وحكم المكاتب يتزوج في كتابته ثم
يعتق حكم العبد القن في جر الولاء وكذلك المدبر والمعلق عتقه بصفة لأنهم
عبيد فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (فصل) وإذا انجر الولاء إلى موالي
الأب ثم انقرضوا عاد الولاء الى بيت المال ولم يعد الى موالي الأم بحال في
قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الأم والأول أصح
لابن الولاء جرى مجرى الانتساب ولو انقرض الأب وآباؤه لم تعد النسبة إلى
الأم كذلك الولاء إذا ثبت هذا فولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي
أبيه بلا خلاف فإن نفاه باللعان عاد ولاؤه إلى موالي الأم لأنا تبينا أنه
لم يكن له أب ينتسب إليه فإن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب.
(فصل) ولا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة.
(أحدها) أن يكون الأب عبداً حين الولادة فإن كان حراً وزوجته مولاة لم يخل
إما أن يكون حر الأصل فلا ولاء على ولده بحال وإن كان مولى ثبت الولاء على
ولده لمواليه أبداً ولا جر فيه (الثاني) أن تكون الأم مولاة فإن لم تكن
كذلك لم يخل إما أن يكون حر الأصل فلا ولاء على ولدها بحال وهم أحرار
بحريتها أو تكون أمة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر عنه
بحال سواء أعتقهم بعد ولادتهم أو أعتق أمهم حاملا بهم فعتقوا بعتقها لأن
الولاء ثبت بالعتق مباشرة فلا ينجر عن المعتق لقوله عليه الصلاة والسلام "
إنما الولاء لمن أعتق " وإن أعتقها المولى
(7/268)
فأتت بولد لدون ستة أشهر فقد مسه الرق وعتق
بالمباشرة فلا ينجر ولاؤه وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر مع بقاء الزوجية لم
يحكم بمس الرق له وانجر ولاؤه لأنه يحتمل أن يكون حادثاً بعد العتق فلم
يمسه الرق ولم يحكم برقه بالشك وإن كانت المرأة بائناً وأتت بولد لأربع
سنين من حين الفرقة لم يلحق بالأب كان من نكاح أو سفاح عربياً كان الزوج أو
أعجمياً وهذا قول عامة الفقهاء.
وعن عمر إن كان زوجها عربياً فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه.
وعن أحمد مثله وبه قال ابن المسيب والثوري والاوزاعي وأبو ثور والشافعي في
القديم ثم رجع عنه والأول أولى لأن أمهم أمة فكانوا عبيداً كما لو كان
أبوهم أعجمياً.
(الثالث) أن يعتق العبد سيده فإن مات على الرق لم ينجر الولاء بحال وهذا لا
خلاف فيه فإن اختلف سيد العبد ومولى الأم في العبد بعد موته فقال سيده مات
حراً بعد جر الولاء وأنكر ذلك مولى الأم فالقول قول مولى الأم ذكره أبو بكر
لأن الأصل بقاء الرق وهذا مذهب الشافعي.
(مسألة) (وإن أعتق الجد لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين وعنه يجره) قال
أحمد رحمه الله الجد لا يجر الولاء ليس هو كالأب وبهذا قال أبو حنيفة
وصاحباه وعن أحمد أنه يجره وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وأهل المدينة
وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المبارك وأبو ثور وضرار بن صرد والشافعي
في أحد قوليه فإن أعتق الأب بعد ذلك جره عن
(7/269)
موالي الجد إليه لأن الجد يقوم مقام الأب
في التعصيب وأحكام النسب كذلك في جر الولاء وقال زفر إن كان الأب حياً لم
يجر الجد الولاء وإن كان ميتاً جره وهو القول الثاني للشافعي ولنا أن الأصل
بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الأصل للاتفاق على أنه ينجر بعتق الأب
والجد لا يساويه بدليل أنه لو عتق الأب بعد الجد جره عن مولى الجد إليه
ولأنه لو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ولأن الجد يدلي بغيره ولا يستقر
الولاء عليه فلم يجر الولاء كالأخ وكونه يقوم مقام الأب لا يلزم أن ينجر
إليه الولاء كالأخ، وإن قلنا إنه ينجر فلا فرق بين القريب والبعيد لأن
البعيد
يقوم مقام القريب ويقتضي هذا أنه متى عتق البعيد فجر الولاء ثم عتق من هو
أقرب منه جر الولاء اليه ثم إن عتق الأب جر الولاء لأن كل واحد يحجب من
فوقه ويسقط تعصيبه وإرثه وولايته، ولو لم يعتق الجد لكن كان حراً وولده
مملوك فتزوج مولاة قوم فاولدها أولاداً فولاؤهم لمولى أمهم وعند من يقول
بجر الجد الولاء يكون لمولى الجد فإن لم يكن الجد مولى بل كان حرا الأصل
فلا ولاء على ولد ابنه فإن أعتق أبوه بعد ذلك لم يعد على ولده ولاء لأن
الحرية ثبتت له من غير ولاء فلم يتجدد عليه ولاء كالحر الأصلي (فصل) إذا
تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لمولى أبيهما فإن نفاهما باللعان
عاد ولاؤهما إلى مولى أمهما فإن مات أحدهما فميراثه لأمه ومواليها فإن أكذب
أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع الميراث من مولى الأم، ولو كان أبوهما
عبداً أو لم ينفهما وورث موالي الأم الميت منهما ثم أعتق الأب
(7/270)
لم يجر الولاء إلى موالي الأب ولم يكن لهم
ولا للأب استرجاع الميراث لأن الولاء إنما ثبت لهم عند إعتاق الأب ويفارق
الأب إذا أكذب نفسه لأن النسب يثبت من حين خلف الولد.
(مسألة) (وإن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إخوته ويبقى ولاؤه
لمولى أمه لأنه لا يجر ولاء نفسه) وهذا قول جمهور الفقهاء مالك في أهل
المدينة، وابو حنيفة في أهل العراق والشافعي وشذ عمرو ابن دينار المدني
فقال يجر ولاء نفسه فيصير حراً لا ولاء عليه، قال ابن شريح ويحتمله قول
الشافعي ولا تعويل على هذا القول لشذوذه ولأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء
ثابتاً على أبويه دونه مع كونه مولوداً لهما في حال رقهما أو في حال ثبوت
الولاء عليهما وليس لنا مثل هذا في الأصول ولا يمكن أن يكون مولى نفسه يعقل
عنها ويرثها ويزوجها (مسألة) (وإن اشترى هذا الولد عبداً فأعتقه ثم اشترى
العبد أبا معتقه فأعتقه فإنه يجر ولاء سيده) فيكون لهذا الولد على معتقه
الولاء بإعتاقه إياه وللعتيق ولاء معتقه بولائه على أبيه فصار كل واحد
منهما مولى الآخر، مثل ذلك لو أعتق الحربي عبداً فأسلم ثم أسر سيده فأعتقه
صار كل واحد منهما مولى الآخر من فوق ومن أسفل ويرث كل واحد منهما الآخر
بالولاء فإنه كما جاز أن يشتركا في
النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه كذلك الولاء (فصل) وإن تزوج ولد المعتقة
معتقة وأولدها ولداً فاشترى جده عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه
(7/271)
ولاء أبيه وسائر أولاد جده وهم عمومته
وعماته وولاء جميع معتقهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أم أبيه وعلى قول عمرو
بن دينار يبقى حراً لا ولاء عليه (فصل) وإن تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولداً
فتزوج الولد بمعتقة رجل فأولدها ولداً فولاء هذا الولد الآخر لمولى أم أبيه
في أحد الوجهين لأن له الولاء على أبيه فكان له عليه كما لو كان مولى جده،
ولأن الولاء الثابت على الأب يمنع ثبوت الولاء لمولى الأم (والوجه الثاني)
ولاؤه لمولى أمه لأن الولاء الثابت على أبيه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في
حق نفسه وما ثبت في حقه أولى مما ثبت في حق أبيه ألا ترى أنه لو كان له
مولى ولأبيه مولى كان مولاه أحق به من موالي أبيه فإن كان له مولى أم ومولى
أم أب ومولى أم جد وجد أبيه مملوك فعلى الوجه الأول يكون لمولى أم الجد
وعلى الثاني يكون لمولى الأم.
(فصل) ولو تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا
فتزوج هذا الابن بنت المعتقين فأولدها ولداً فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه
لأن له الولاء على أبيه وإن تزوجت بنت المعتقين بمملوك فولاء ولدها لمولى
أبيها لأن ولاءها له، فان كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى أم أبي
الأم على الوجه الأول لأن مولى أم أبي الأم يثبت له الولاء على أبي الأم
فكان مقدماً على أمها وثبت له الولاء عليها
(7/272)
(مسألة) (وإذا ماتت امرأة وخلفت ابنها
وعصبتها ومولاها فولاؤها لابنها وعقله على عصبتها لما روى إبراهيم قال
اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى عمتي وأنا اعتقل عنه وقال
الزبير مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر للزبير بالميراث وقضى على علي بالعقل
ذكره الإمام أحمد ورواه سعيد في سننه وهي قصة مشهورة وعن الشعبي قال قضى
بولاء صفية للزبير دون العباس وقضى بولاء أم هانئ
لجعدة بن هبيرة دون علي، ولا يمتنع كون العقل على العصبة والميراث لغيرهم
كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في ميراث التي قتلت هي وجنينها لابنها
وعقلها على العصبة وقد روى زياد بن أبي مريم أن امرأة اعتقت عبداً ثم توفيت
وتركت ابناً لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن
المرأة " فقال أخوها لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم "
وإنما ذكرنا هذا الحكم فيما إذا كانت المعتقة امرأة لأن المرأة لا تعقل
وابنها ليس من عشيرتها فلا يعقل عن معتقها ويعقل عنها عصباتها من عشيرتها
ولأن الأخبار التي رويناها إنما وردت في المرأة.
أما الرجل المعتق فإنه يعقل عنه معتقه لأنه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه
وأبوه لأنهما من عصباته فلا يلحق ابنه في نفي العقل عنه بابن المرأة (فصل)
فإن كان المولى حياً وهو رجل عاقل موسر فعليه من العقل وله الميراث لأنه
عصبة معتقه
(7/273)
وإن كان صبياً أو معتوهاً فالعقل على
عصباته والميراث له لأنه ليس من أهل العقل فأشبه ما لو جنوا جناية خطأ كان
العقل على عصباتهم ولو جنبي عليهم كان الارش لهم (فصل) ولا يرث المولى من
أسفل معتقه في قول عامة أهل العلم وحكي عن شريح وطاوس أنهما ورثاه لما روى
سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له وارث إلا غلام له هو أعتقه فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي عن
عمر مثل هذا ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن
أعتق " ولأنه لم ينعم عليه فلم يرثه كالأجنبي وإعطاء النبي صلى الله عليه
وسلم له ميراثه قضية في عين تحتمل أنه كان وارثاً بغير جهة الإعتاق، ويكون
فائدة الحديث أن اعتاقه إياه لم يمنعه ميراثه ويحتمل أنه أعطاه صلة وتفضلا
وإذا ثبت أنه لا يرثه فلا يعقل عنه وقال الشافعي في القديم يعقل عنه لأن
سيده أنعم عليه فجاز أن يغرم عنه ولنا أن العقل على العصبات وليس هو منهم
وما ذكروه لا أصل له وينعكس بسائر العاقلة فإنه لم ينعم عليهم ويعقلون عنه
وينتقض بما إذا قضى إنسان دين آخر فقد غرم عنه وأنعم عليه ولا يعقل عنه
(7/274)
(فصل في دور الولاء) قال الشيخ رضي الله
عنه (إذا اشترى ابن وبنت أباهما عتق عليهما وصار ولاؤه بينهما نصفين وجر كل
واحد نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لمولى أمه) فإن مات الأب ورثاه أثلاثاً فإن
ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب ثم إذا مات أخوها فميراثه لمواليه وهم
أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالي الأخت وهم أخوها
وموالي أمها فلموالي الأم نصف ذلك وهو الربع ويبقى الربع وهو الجزء الدائر
لأنه خرج من الأخ وعاد إليه ففيه وجهان (أحدهما) أنه لموالي الأم لأن مقتضى
كونه دائراً أن يدور أبداً وفي كل دورة يصير لمولى الأم نصفه، ولا يزال
كذلك حتى ينفد وهو قول الجمهور (والثاني) يجعل في بيت المال قال القاضي
لانه مال لا مستحق له نعلمه وهذا قول محمد بن الحسن وقياس قول مالك
والشافعي والأول أولى إن شاء الله تعالى.
(7/275)
(فصل) فإن كانت المسألة بحالها إلا أن
مكاتب الابن بنت فاشترت أباها عتق عليها وجر إليها ولاء أختها فإذا مات
الأب فلابنتيه الثلثان بالنسب والباقي لمعتقه بالولاء فإن ماتت التي لم
تشتره بعد ذلك فمالها لأختها نصفه بالنسب ونصفه بأنها مولاة أبيها، ولو
ماتت التي اشترته فلأختها النصف والباقي لموالي أمها فإن اشترت البنتان
أباهما نصفين عتق عليهما وجر إلى كل واحدة نصف ولاء أختها فإذا مات الأب
فماله بين بنتيه بالنسب والولاء فإن ماتت إحداهما بعد ذلك فلأختها النصف
بالنسب ونصف الباقي بما جر الأب إليها من ولاء نصفها فصار لها ثلاثة أرباع
مالها والربع الباقي لمولى أمها، فإن كانت إحداهما
(7/276)
ماتت قبل أبيها فمالها له ثم إذا مات الأب
فللباقية نصف ميراث أبيها لكونها بنته ونصف الباقي وهو الربع لكونها مولاة
نصفه يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فنصفه لهذه البنت لأنها مولاة
نصف أختها صار لها سبعة أثمان ميراثه ولمولى الأم الميتة الثمن فإن ماتت
البنت الباقية بعد هما فمالها لمواليها نصفه لموالي أمها ونصفه لموالي
أختها الميتة وهم أختها ومولى أمها فنصفه لمولى أمها وهو الربع والربع
الباقي
يرجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء دائر لأنه خرج من هذه الميتة ثم دار إليها
ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما وهاتان المسئلتان أصل في دور الولاء وفيها
أقوال شاذة سواهما وهذا أصح ما قيل فيها إن شاء الله تعالى
(7/277)
فإن اشترت الابنتان أباهما ثم اشترى أبوهما
هو والكبرى جدهما ثم مات الأب فماله بينهم أثلاثاً ثم إذا مات الجد وخلف
ابنتي ابنه فلهما الثلثان وللكبرى نصف الباقي لكونها مولاة نصفه يبقى السدس
لموالي الأب لأنه مولى نصف الجد وهما ابنتاه فيحصل للكبرى ثلث المال وربعه
وللصغرى ربعه وسدسه فإن كانت بحالها فاشترت الكبرى وأبوها أخاهما لأبيهما
فالجواب فيها كالتي قبلها (فصل) فإن اشترى ثلاث بنات أمهاتهن معتقات أباهن
أثلاثا عتق عليهن وجر إلى كل واحدة ثلث ولاء أختها فإن مات الأب كان ماله
بينهن أثلاثاً بالنسب والولاء، فإن ماتت إحداهن بعده كان لأختيها الثلثان
بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء والباقي لموالي أمها وتصح من تسعة، ولو ماتت
إحداهن ثم مات
(7/278)
الأب قسم ماله على سبعة وعشرين لهما
الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء ويبقى التسع وهو حصة الميتة فلهما
ثلثاه لأن لهما ثلثي ولائها ولموالي أمها السدس والسدس الباقي للميتة قبلها
لأن لها ثلث ولائها أيضاً فيكون هذا السدس بين مولى أم الميتة الأولى
والأختين على ثلاثة فاضرب ستة في ثلاثة تكن ثمانية عشر لموالي أم الميتة
الأولى ثلاثة سهم للحية وسهم لموالي أمها وسهم يعود إلى الميتة الثانية لأن
لها ثلث ولائها فهذا هو السهم الدائر لأنه خرج من الثانية إلى الأولى ثم
رجع إليها
(7/279)
(باب الوديعة)
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)
وقوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته) وأما السنة فقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك
" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه
كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة
أودعها عند أم أيمن وأمر علياً أن يردها على أهلها، وأما الإجماع فأجمع
علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع والعبرة تقتضيها لحاجة الناس
إليها فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم
(7/280)
ويحتاجون إلى من يحفظها لهم والوديعة فعيلة
من ودع الشئ إذا تركه أي هي متروكة عند المودع واشتقاقها من السكون يقال
ودع يدع فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة وقيل في مشتقة من الحفظ والدعة
فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة لأن فيه
قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته وهي عقد جائز من الطرفين متى أراد المودع
أخذ وديعته لزم المستودع ردها للآية وإن ردها المستودع على صاحبها لزمه
القبول لأن المستودع متبرع بإمساكها فلا يلزمه التبرع في المستقبل (مسألة)
(وهي أمانة لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى وإن تلفت من بين ماله لم يضمن
في أصح الروايتين) وجملة ذلك أن الوديعة أمانة إذا تلفت من غير تعد ولا
تفريط من المودع فليس عليه
(7/281)
ضمان سواء ذهب معها شئ من مال المودع أو لم
يذهب هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي بكر وعلي وابن مسعود رضي الله
عنهم وبه قال شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري والشافعي وأصحاب
الرأي وعن أحمد رواية إن ذهبت الوديعة من بين ماله ضمنها لما روي عن عمر
رضي الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله قال القاضي
والأول أصح لأن الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة وروى
الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ليس على المودع ضمان " ولأن المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير
نفع يرجع إليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من الاستيداع وذلك مضر لما
بيناه من الحاجة إليها وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها
فلا ينافي ما ذكرناه فإن تعدى المودع فيها
(7/282)
أو فرط في حفظها ضمنها بغير خلاف علمناه
لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع (فصل) فإن شرط
المودع على المستودع ضمان الوديعة فقبله قال أنا ضامن لها لم يضمن قال
أحمد في المودع إذا قال أنا ضامن فسرقت فلا شئ عليه وكذلك كل ما أصله
الأمانة كالمضاربة ومال الشركة والرهن والوكالة وبه قال الثوري وإسحاق وابن
المنذر وذلك لأنه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان
ما يتلف في يد مالكه (مسألة) (ويلزمه حفظها في حرز مثلها) إذا أودع وديعة
ولم يعين المودع له موضعا لها فإن المودع يلزمه حفظها في حرز مثلها كما
يحفظ ماله وحرز مثلها يذكر في باب القطع في السرقة فإن لم يحفظها في حرز
مثلها ضمنها لأنه فرط فيها فإن وضعها
(7/283)
في حرز مثلها ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها
لم يضمنها سواء نقلها إلى مثل الأول أو دونه لأن صاحبها رد حفظها إلى رأيه
واجتهاده وأذن له في إحرازها بما شاء من إحراز مثلها ولهذا لو تركها في
الثاني أو لا لم يضمنها فكذلك إذا نقلها إليه ولو كانت العين في بيت صاحبها
فقال لرجل احفظها في موضعها فنقلها عنه من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع
إنما هو وكيل في حفظها وليس له إخراجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره
لها إلا أن يخاف عليها فعليه إخراجها لأنه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في
إخراجها ويعلم إن صاحبها لو حضر في هذه المال أخرجها ولأنه مأمور بحفظها
على صفة فإذا تعذرت الصفة لزمه حفظها بدونها كالمستودع إذا خاف عليها
(7/284)
(مسألة) (وإن عين صاحبها حرزاً فجعلها في
دونه ضمن) وجملة ذلك أن المودع إذا أمر المستودع يحفظها في مكان عينه
فحفظها فيه ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف لأنه ممتثل غير مفرط وإن
أحرزها في دونه ضمن لأنه مخالف ولأن صاحبها لم يرضه (مسألة) (وإن أحرزها في
مثله أو فوقه لم يضمن) وكذلك إن نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير حاجة هذا قول
القاضي وهو مذهب الشافعي لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكترى
أرضا لزرع الحنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر ولأن من رضي حرزاً رضي
مثله أو فوقه وقيل يضمن ويحتمله كلام الخرقي لأن الامر بشئ يقتضي تعينه فلا
يعدل عنه إلا بدليل وإن نقلها إلى أحرز منه
فهو كما لو نقلها إلى مثله وإن فعله لحاجة لم يضمن لما نذكره
(7/285)
(مسألة) وإن نهاه المالك عن إخراجها
فاخرجها لغشيان شئ الغالب منه التوى لم يضمن وإن تركها فتلفت ضمنها وإن
أخرجها لغير خوف ضمن) إذا نهاه المالك عن إخراجها من ذلك المكان فالحكم فيه
حكم ما لو لم ينهه على ما ذكرنا من الخلاف فيه فإن اخرجها لشئ الغالب منه
التوى مثل إن خاف عليها نهبا أو هلاكاً لم يضمنها لأنه غير مفرط في حفظها
لأن حفظها نقلها وتركها تضييع لها وإن نقلها في هذه الحال إلى دون الحرز
فإن أمكنه إحرازها في مثله أو أعلى منه ضمنها لتفريطه وإن لم يمكنه لم يضمن
لأن إحرازها بذلك أحفظ لها وليس في وسعه سواه وإن تركها فتلفت ضمن سواء
تلفت بالأمر المخوف أو بغيره لأنه مفرط في حفظها لأن حفظها في نقلها وتركها
تضييع لها وفيه وجه آخر أنه لا يضمن لأنه امتثل أمر صاحبها أشبه ما لو قال
لا يخرجها وإن خفت عليها فإن أخرجها لغير خوف ضمن سواء أخرجها
(7/286)
إلى مثل الحرز أو دونه أو فوقه لأنه خالف
نص صاحبها لغير فائدة وهذا ظاهر كلام الشافعي وفيه قول آخر إنه لا يضمن كما
لو لم يعين له حرزاً وقد ذكرناه وهو قول القاضي وقال أبو حنيفة إن نهاه عن
نقلها من بيت فنقلها إلى بيت آخر من الدار لم يضمن لأن البيتين من دار
واحدة حرز واحد وطريق أحدهما طريق الآخر فأشبه ما لو نقلها من زواية إلى
زواية وإن نقلها من دار إلى دار أخرى ضمن ولنا أنه خالف أمر صاحبها بما لا
مصلحة فيه فيضمن كما لو نقلها من دار إلى دار ولا يصح هذا الفرق لأن بيوت
الدار تختلف فمنها ما هو أقرب إلى الطريق أو إلى الانهدام أو إلى موضع
الوقود أو أسهل فتحاً أو أضعف حائطاً أو أسهل نقباً أو يكون المالك يسكن به
أو غيره وأشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه فلا يجوز تفويت غرض رب
الوديعة من تعيينه من غير ضرورة
(7/287)
(مسألة) (فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها
فاخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن) إذا أخرجها في هذه الحال من غير خوف
ضمنها لأنه مخالف شرط صاحبها لغير حاجة وإن أخرجها عند خوفه
عليها أو تركها لم يضمن إذا تلفت مع خوف الهلاك نص فيه وتصريح به فيكون
مأذوناً في تركها في تلك الحال فلم يضمنها لامتثاله أمر صاحبها أشبه ما لو
أذن له في إتلافها ولا يضمن إذا أخرجها لأنه زاده خيراً وحفظاً فلم يضمن
كما لو أذن له في إتلافها فلم يفعل حتى تلفت (فصل) إذا أخرج الوديعة المنهي
عن إخراجها فتلفت فادعى أنه أخرجها لغشيان نار أو سيل أو أمر ظاهر وأنكر
صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة أنه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لأنه
مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لظهوره فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في
التلف مع يمينه ولا يحتاح إلى بينة لأنه تتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها
(7/288)
كما لو ادعى تلفها بأمر خفي وهذا قول
الشافعي والحكم في إخراجها من الخريطة والصندوق حكم اخراجها من البيت على
ما ذكرنا من التفصيل (فصل) ولو أمره أن يجعلها في منزله فتركها في ثيابه
وخرج بها ضمها لأن البيت أحرز لها وإن جاءه بها في السوق فقال احفظها في
بيتك فقام بها في الحال فتلفت لم يضمن وإن تركها في دكانه أو ثيابه ولم
يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها لأن بيته أحرز لها هكذا قال أصحابنا
قال شيخنا ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيه إلى منزله فيصطحبه معه
لم يضمن لأن المودع عالم بهذه العادة راض بها ولو لم يرض بها لشرط عليه
خلافها وأمره بتعجيل حملها فأما إن يقبلها بهذا الشرط أو يردها
(7/289)
(مسألة) (وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى
ماتت ضمنها إلا أن ينهاه المالك عن علفها) إذا أودعه بهيمة ولم يأمره
بعلفها لزمه ذلك وبه قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه وبه قال أبو حنيفة
لأنه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان
هو المفرط
(7/290)
ولنا أنه لا يجوز إتلافها ولا التفريط فيها
فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها فإن ترك علفها حتى تلفت ضمنها لأنه
مفرط فيها فإن أمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لحرمة صاحبها لأنه
أخذها منه على ذلك ولحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب إحياؤه بالعلف والسقي
ويحتمل أن لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع به فلا يلزمه بمجرد
أمر صاحبها كغير الوديعة والأول أولى ثم ينظر فإن قدر المستودع على صاحبها
أو وكيله طالبه بالإنفاق عليها أو يردها عليه أو يأذن وله في الإنفاق عليها
ليرجع به فإن عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها
مالا أنفق عليها منه وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها
أو بيع بعضها أو إنفاقه عليها أو إجارتها أو الاستدانة على صاحبها ويدفع
إلى المودع لينفقه عليها أو إلى غيره فينفق عليها إن رأى
(7/291)
ذلك ويجوز أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من
ماله ويكون قابضاً من نفسه لنفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق
ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة قبل قول المودع إذا ادعى
النفقة بالمعروف وإن ادعى زيادة لم يقبل وإن اختلفا في قدر المدة فالقول
قول صاحبها لأن الأصل عدم ذلك وإن لم يقدر على الحاكم فأنفق عليها محتسباً
بالرجوع على صاحبها وأشهد على الرجوع رجع بما أنفق لأنه مأذون فيه عرفاً
ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكماً وان فعل ذلك مع إمكان استئذان الحاكم من
غير إذنه ففيه روايتان نص عليهما فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من
غير إذن الراهن (إحداهما) يرجع لأنه مأذون فيه عرفاً (والثانية) لا يرجع
لأنه مفرط بترك استئذان الحاكم وإن أنفق من غير إشهاد مع العجز عن استئذان
الحاكم أو مع إمكانه ففي الرجوع أيضاً وجهان وجههما ما ذكرنا ومتى
(7/292)
علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها
بنفسه أو أمر غلامه أو صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه على ما جرت به
العادة فلا ضمان فيه لأن هذا مأذون فيه عرفاً لجريان العادة به فأشبه
المصرح به (فصل) فإن نهاه المالك عن علفها وسقيها لم يجز له ترك علفها لأن
للحيوان حرمة في نفسه يجب إحياؤه لحق الله تعالى فإن علفها وسقاها فهو كما
لو لم ينهه وإن تركها حتى تلفت لم يضمنها وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وقال
بعضهم يضمن لأنه تعدى بترك علفها أشبه ما إذا لم ينهه وهو قول ابن المنذر
لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيصير أمر مالكها وسكوته
سواء
ولنا أنه ممتثل قول صاحبها فلم يضمنها كما لو أمره بقتلها ففعل وكما لو قال
لا تخرج الوديعة وإن خفت عليها فخاف عليها ولم يخرجها أو أمره بإلقائها في
نار وبهذا ينتقض ما ذكروه ومنع ابن المنذر الحكم فيما إذا
(7/293)
أمره بإتلافها فأتلفها ولا يصح لأنه نائب
صاحبها فلم يغرم كما لو استنابه في مباح والتحريم أثره في بقاء حق الله
تعالى وهو الاثم أما حق الآدمي فلا يبقى مع إذنه في تفويته ولأنها لم تتلف
بفعله وإنما تلفت بترك العلف المأذون فيه أشبه ما إذا نهاه عن إخراجها مع
الخوف فلم يخرجها (مسألة) (وإن قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه
ضمن) لأنه ربما نسي فسقط الشئ من كمه وكذلك إن تركها في يده لأن الجيب أحرز
وإن قال اتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن لأن الجيب أحرز على ما ذكرنا
وإن قال اتركها في كمك فتركها في يده احتمل وجهين احداهما يضمن لأن سقوط
الشئ من اليد مع النسيان أكثر من سقوطه من الكم (والثاني) لا يضمن لأن اليد
لا ينبسط عليها الطرار بالبط بخلاف الكم ولأن كل واحد منهما أحرز من وجه
فتساويا ولمن نصر الأول أن يقول متى كان كل واحد منهما أحرز من
(7/294)
وجه وجب أن يضمن لأنه فوت الوجه المأمور
بالحفظ به وأتى بما لم يؤمر به فضمن لمخالفته وعلى هذا لو أمره بتركها في
يده فجعلها في كمه ضمن كذلك وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز
عند عدم المغالبة فعلى هذا إن أمره بتركها في يده فشدها في كمه من غير حال
المغالبة فلا ضمان عليه وان فعل ذلك عند المغالبة ضمن وإن أمره بحفظها
مطلقاً فتركها في جيبه أو شدها في كمه لم يضمنها وإن تركها في كمه غير
مشدودة وكانت خفيفة لا يشعر بها إذا سقطت ضمنها لأنه مفرط وإن كانت ثقيلة
يشعر بها لم يضمنها لأن هذا عادة الناس في حفظ أموالهم وإن شدها على عضده
لم يضمن لأن ذلك أحفظ لها وقال القاضي إن شدها من جانب الجيب لم يضمنها وإن
شدها من الجانب الآخر ضمن لأن الطرار يقدر على بطها بخلاف ما إذا شدها مما
يلي الجيب وهذا يبطل بما إذا تركها في جيبه أو ربطها في كمه فإن الطرار
(7/295)
يقدر على بطها ولا يضمن وليس امكان حرزها
بأحفظ الحرزين مانعاً من إحرازها بما دونه إذا كان حرزاً لمثلها وشدها على
العضد حرز لها كيفما كان لأن الناس يحرزون به أموالهم فأشبه شدها في الكم
وتركها في الجيب لكن لو أمره بشدها مما يلي الجيب فشدها من الجانب الآخر
ضمن وإن أمره بشدها مما يلي الجانب الآخر فشدها مما يلي الجيب لم يضمن لأنه
أحرز وإن أمره بشدها على عضده مطلقاً أو أمره بحفظها معه فشدها من أي
الجانبين كان لم يضمن لأنه ممتثل أمر مالكها محرز لها بحرز مثلها وإن شدها
على وسطه فهو أحرز لها وكذلك إن تركها في بيته في حرزها (مسألة) وإن أمره
أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه أو قال لا
تقفل
(7/296)
عليها إلا قفلاً واحد فجعل عليها قفلين فلا
ضمان عليه ذكره القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عن مالك أنه يضمن لأنه
خالف ربها في شئ له فيه غرض يتعلق بحفظها أشبه ما لو نهاه عن إخراجها عن
منزله فأخرجها لغير حاجة وذلك لأن النوم عليها وترك قفلين وزيادة الاحتفاظ
ينبه اللص عليها ويحثه على الجد في سرقتها والاحتيال لأخذها ولنا أن ذلك
أحرز لها فلم يضمن بفعله كما لو أمره بتركها في صحن الدار فتركها في البيت
وبهذا ينتقض ما ذكروه (فصل) وإن قال اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحداً
فأدخل إليه قوماً فسرقها أحدهم ضمنها لأنها ذهبت بتعديه ومخالفته وسواء
سرقها حال إدخالهم أو بعده لأنه ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم
موضعها وطريق الوصول إليها وإن سرقها من لم يدخل البيت فقال القاضي لا يضمن
لأن فعله لم يكن
(7/297)
سبباً لإتلافها ويحتمل أن يضمن لأن الداخل
ربما دل عليها من لم يدخلها ولأنها مخالفة توجب الضمان إذا كان سبباً
لإتلافها فأوجبته وإن لم يكن سبباً كما لو نهاه عن اخراجها فأخرجها لغير
حاجة، وإن قال ضع هذا الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمن لأنها أغلظ
وأحفظ له إلا أن لا يدخل فيها فيضعه في انملتها العليا أو ينكسر لغلظها
عليه فيضمنه في الموضعين لأن مخالفته سبب لتلفه
(مسألة) (وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ما له كزوجته أو عبده لم يضمن) نص
على هذا أحمد وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يضمن لأنه سلم الوديعة إلى من
لم يرض به صاحبها فضمنها كما لو دفعها إلى أجنبي
(7/298)
ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله أشبه ما
إذا حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو البهيمة إلى غلامه
ليسقيها، ويفارق الأجنبي فإن دفعها إليه لا يعد حفظاً منه (مسألة) (وإن
دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي وقال القاضي له
ذلك) إذا دفع الوديعة إلى غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب
إلا أن يدفعها إلى من جرت عادته بحفظ ماله وقد ذكرناه في المسألة قبلها
وذكرنا الخلاف فيه، وقال شريح ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه واسحاق
متى دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن، وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه لأن عليه
خفظها وإحرازها وقد أحرزها عند غيره وحفظها به ولأنه يحفظ ماله بإيداعه
فإذا أودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها كما حفظها في حرزه
(7/299)
ولنا أنه خالف المودع فضمنها كما لو نهاه
عن إيداعها فإنه أمره بحفظها بنفسه فلم يرض لها غيره فإن فعل فتلفت عند
الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لأنهما متعديان، ويستقر ضمانها
على الثاني لأن التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم الحال فله
تضمين الأول، وليس للأول الرجوع على الثاني لأنه دخل معه في العقد على أنه
أمين لا ضمان عليه، وإن أحب المالك تضمين الثاني فليس له تضمينه في ظاهر
كلام أحمد قاله القاضي لأن أحمد ذكر الضمان على الاول فقط وهذا مذهب أبي
حنيفة لأنه قبض قبضاً موجباً للضمان على الأول فلم يوجب ضماناً آخر، ويفارق
القبض من الغاصب فإنه لم يوجب الضمان على الغاصب إنما لزمه الضمان بالغصب.
قال شيخنا ويحتمل أن له تضمين الثاني أيضاً وهو قول القاضي ومذهب الشافعي
لأنه قبض مال غيره على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكه فيضمنه
(7/300)
كالقابض من الغاصب، وذكر أحمد الضمان على
الأول لا ينفي الضمان عن الثاني كما أن الضمان يلزم الغاصب ولا ينفي وجوبه
على القابض منه، فعلى هذا يستقر الضمان على الأول فإن ضمنه لم يرجع على أحد
وإن ضمن الثاني رجع على الأول وهذا القول أقرب الى الصواب وما ذكرنا للقول
الأول لا أصل له ثم هو منتقض بما إذا دفع الوديعة إلى إنسان عارية أو هبة
(مسألة) (وإن أراد سفراً أو خاف عليها عند ردها إلى مالكها أو وكيله في
قبضها إن قدر على ذلك) ولم يجز له دفعها إلى الحاكم ولا الى غيره لأنه ليس
للحاكم ولاية على الحاضر فإن فعل ضمنها لانه دفعها إلى غير مالكها بغير
إذنه من غير عذر فضمنها كالصورة الأولى
(7/301)
(مسألة) (فإن لم يجده حملها معه إن كان
أحفظ لها) إذا أراد السفر بها وقد نهاه صاحبها عنه ضمنها لمخالفته وإن لم
ينهه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في
حفظها، وإن لم يكن كذلك فله السفر بها نص عليه أحمد سواء كان به ضرورة إلى
السفر أو لم يكن وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي إن سافر بها مع القدرة
على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لأنه سافر بها من غير ضرورة
أشبه ما لو كان السفر مخوفاً ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمها كما
لو نقلها إلى البلد ولأنه سافر بها سفراً غير مخوف أشبه ما لو لم يجد أحداً
يدعها عنده.
قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو وكيله فيها
بغير إذنه فهو مفرط عليه الضمان لأنه يفوت على صاحبها إمكان استرجاعها
ويخاطر بها فإن النبي صلى
(7/302)
الله عليه وسلم قال " المسافر وماله على
قلت ألا ما وقى الله " أي على هلاك ولا يلزم من الإذن في إمساكها على وجه
لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت إمكان ردها على صاحبها الإذن فيما يتضمن ذلك
فأما مع غيبة المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لأنه موضع حاجة
فيختار ما فيه الحظ وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح.
(مسألة) (فإن لم يجد صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به
ضرورة إلى السفر أو لم يكن)
لأنه متبرع بإمساكها فلا يلزمه استدامته والحاكم يقوم مقام صاحبها عند
غيبته فإن أودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها لأن غير الحاكم لا ولاية له،
ويحتمل أن يجوز له إيداعها لأنه قد يكون أحفظ لها وأحب إلى صاحبها وإن لم
يقدر على الحاكم فأودعها ثقة لم يضمنها لأنه موضع حاجة، وذكر القاضي أن
ظاهر كلام أحمد أنه
(7/303)
يضمنها ثم تأول كلامه على أنه أودعها من
غير حاجة أو مع قدرته على الحاكم (مسألة) (فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو
دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فإن دفنها ولم يعلم بها أحداً أو أعلم
بها من لا يسكن الدار ضمنها) إذا دفنها في موضع وأعلم بها ثقة يده على
الموضع وكانت مما لا يضرها الدفن فهو كإيداعها عنده، وإن لم يعلم بها أحداً
ضمنها لأنه فرط في حفظها فإنه لا يأمن أن يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها
وربما نسي مكانها أو أصابها آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع، وإن أعلم بها
غير ثقة ضمنها لأنه ربما أخذها وكذلك إن أعلم بها ثقة لا يدله على المكان
لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر على الاحتفاظ بها.
(فصل) وإن حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه إلا في أخذها
معه لأن كل واحد منهما سبب لخروجها عن يده
(7/304)
(مسألة) (وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير
نفعها ولبس الثوب أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها إلى
موضعها بنية الأمانة ضمن لتعديه ولم يزل عنه الضمان بردها) وهو قول الشافعي
وقال أبو حنيفة يبرأ لأنه ممسك لها بإذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي ولنا
أنه ضمنها بعدوان فبطل الاستئمان كما لو جحدها ثم أقر بها وبهذا يبطل ما
ذكره (مسألة) (فإن جحدها ثم أقر بها فتلفت ضمنها) لانه بجحدها خرج عن
الاستئمان عليها فلم يزل عنه الضمان بالاقرار بها لأن يده صارت يد عدوان
(مسألة) (فإن كسر ختم كيسها أو كانت مشدودة فحل الشد ضمن) سواء أخرج منها
شيئاً أو لم يخرج لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به فإن خرق الكيس فوق
(7/305)
الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لأنه ما هتك
الحرز وقال أبو حنيفة إذا كسر ختم الكيس لم يلزمه ضمان الوديعة لأنه لم
يتعد في غيره ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت كما لو أودعه إياها في
صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحاً ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم (مسألة)
(وإن خلطها بما لا تتميز منه ضمنها) إذا خلطها بما لا تتميز منه من ماله أو
من مال غيره ضمنها سواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود من جنسها أو من غير
جنسها مثل إن يخلط الدراهم بدراهم أو دهنا بدهن كالزيت بالزيت أو السمن أو
بغيره
(7/306)
وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن
القاسم إن خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم يضمن وحكي عن مالك لا يضمن
إلا أن تكون دونها لأنه لا يمكنه ردها إلا ناقصة ولنا أنه خلطها بماله
خلطاً لا يتميز فوجب أن يضمنها كما لو خلطها بدونها ولأنه إذا خلطها بما لا
يتميز فقد فوت على نفسه إمكان ردها فلزمه ضمانها كما لو ألقاها في لجة بحر
فإن أمره صاحبها بخلطها بماله أو بغيره ففعل ذلك فلا ضمان عليه لأنه فعل ما
أمر به فكان نائباً عن المالك فيه وقد نقل مهنا عن أحمد في رجل استودع عشرة
دراهم واستودعه آخر عشرة وأمره أن يخلطها فخلطها فضاعت الدراهم فلا شئ
عليه، فإن أمره أحدهما بخلط دراهمه ولم يأمره الآخر فعليه ضمان دراهم من لم
يأمره دون الاخرى، وإن اختلطت هي بغير تفريط منه فلا ضمان عليه كما لو تلفت
بغير تفريطه وإن خلطها عيره
(7/307)
فالضمان على من خلطها لأن العدوان منه أشبه
ما لو أتلفها (مسألة) (وإن خلطها بتمييز أو ركب الدابة ليسقيها لم يضمن أما
إذا خلطها بما تتميز منه مثل أن خلط دراهم بدنانير لم يضمن) لأنها تتميز
منها فلا يعجز بذلك عن ردها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق فيه أكياس له
وبهذا قال الشافعي ومالك ولا نعلم فيه خلافاً وكذلك الحكم اذا خلط بيضاً
بسود وقد حكي عن أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك
لكونها تكتسب منها سواداً ويتغير لونها فتنقص قيمتها فإن لم يكن فيه ضرر
فلا ضمان عليه وإن ركب الدابة ليسقيها أو يعلفها لم يضمن لأن ركوبها لذلك
مأذون فيه عرفاً وشرعاً لأنه مأذون له في سقيها كما لو أذن له في علفها
والعادة أن
(7/308)
من يسقيها يركيها فالاذن في السقي إذن في
الركوب المعتاد ولهذا لو قال لوكيله اسق الدابة فإنه يفهم منه اركبها له)
(مسألة) (وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده اختاره الخرقي وعنه
يضمن الجميع وجملة ذلك أن من أودع شيئاً فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ لتعديه
فإن رده أو مثله لم يزل عنه وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه إذا
رده أو مثله وقال أصحاب الرأي إن لم ينفق ما أخذه ورده لم يضمن وإن أنفقه
ثم رده أو مثله ضمن ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ بدليل أنه لو تلف في
يده قبل رده ضمنه فلا يزول إلا برده إلى صاحبه كالغصوب، فأما سائر الوديعة
فينظر فيه فإن لم تكن الدراهم في كيس أو كانت في كيس غير مشدود أو كانت
ثياباً فأخذ منها واحداً ثم رده بعينه لم يضمن غيره لأنه لم يتعد في غيره
وكذلك
(7/309)
إن رد بدله متميزاً لما ذكرنا وإن لم يكن
متميزاً فظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره لأن التعدي اختص به فاختص
الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقضي ضمان الجميع لأنه يجب رده معها فلم
يفوت على نفسه إمكان ردها بخلاف ما إذا خلطه بغيره، ولو أذن له صاحب
الوديعة في الأخذ منها ولم يأمره برد بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد
بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي يضمن الكل وهو قول الشافعي لأنه خلط
الوديعة بما لا تتميز منه فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل، وقد ذكرنا
فرقا بين البدل وغيره فلا يصح القياس، وإن كانت الدراهم في كيس مختوم أو
مشدود فكسر الختم أو حل الشد ضمنها وقد ذكرناه (فصل) وإذا ضمن الوديعة
بالاستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان فإن ردها
(7/310)
صاحبها إليه فهو ابتداء استئمان وإن لم
يردها إليه ولكن جدد له الاستئمان أو أبرأه من الضمان برئ في ظاهر المذهب
لأن الضمان حقه فإذا أبرأه منه برئ كما لو أبرأه من دين في ذمته وإذا جدد
له استئمانا فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان وقد قال أصحابنا إذا
رهن المغصوب عند الغاصب أو أودعه عنده زال عنه ضمان الغصب فههنا أولى
(مسألة) (وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه) وجملة
ذلك أنه لا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف فإن أودع طفل أو معتوه إنساناً
وديعة ضمنها بقبضها لأنه أخذ ما له بغير إذن شرعي أشبه ما لو غصبه، ولا
يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما يزول بدفها إلى وليه الناظر في ماله، فإن
كان الصبي مميزاً صح إيداعه لما أذن له في التصرف فيه لأنه كالبائع بالنسبة
إلى ذلك فإن خاف أنه إذا لم يأخذه منه أتلفه لم يضمنه بأخذه لأنه قصد
تخليصه من الهلاك فلم يضمنه كما لو وجده في سيل فأخرجه منه
(7/311)
(مسألة) (وإن أودع الصبي أو المعتوه وديعة
فتلفت بتفريطه لم يضمن فإن أتلفها أو أكلها ضمنها في قول القاضي) وظاهر
مذهب الشافعي، ومن أصحابنا من قال لا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة لأنه
سلطه على إتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه، ألا ترى أنه إذا دفع إلى صغير
سكيناً فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته ولنا أن ما ضمن بإتلافه قبل
الإيداع ضمنه بعد الإيداع كالبالغ ولا يصح قولهم إنه سلطه على إتلافها
وإنما استحفظه إياها، وفارق دفع السكين فإنه سبب للإتلاف ودفع الوديعة
بخلافه (مسألة) (وإن أودع عبداً وديعة فأتلفها خرج على الوجهين في الصغير)
إذا تلفت الوديعة فإن قلنا لا يضمن الصبي كانت في ذمته وإن قلنا يضمن كانت
في رقبته
(7/312)
(فصل) وإذا أودعه شيئاً ثم سأله دفعه إليه
في وقت أمكنه ذلك فلم يفعل حتى تلف ضمنه ولا نعلم
خلافاً في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير
ضرورة وقد أمر الله تعالى بذلك فقال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى
من ائتمنك ولا تخن من خانك " يعني عند طلبها ولأنها حق لمالكها لم يتعلق
بها حق غيره فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال فإن امتنع من دفعها في
هذه الحال فتلفت ضمنها لأنه صار غاصباً لأنه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل
محرم أشبه الغاصب فأما إن طلبها في وقت لم يمكن دفعها لبعدها أو لمخافة في
طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعدياً بترك تسليمها لأن الله
تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها فإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وإن قال
أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو آكل فإني جائع أو أنام فإني ناعس أو ينهضم عني
الطعام فإني ممتلئ أمهل بقدر ذلك
(7/313)
(فصل) وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها
إلى ربها إذا كانت مما لحملها مؤنة قلت المؤنة أو كثرت لأنه قبض العين
لمنفعة مالكها على الخصوص فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في
ملك صاحبها وإنما عليه التمكين من أخذها، فإن سافر بها بغير إذن ربها ردها
إلى بلدها لأنه بعدها بغير إذن ربها فلزمه ردها كالغاصب (فصل) إذا مات
الرجل وثبت إن عنده وديعة لم توجد بعينها فهي دين عليه تغرم من تركته فإن
كان عليه دين سواها فهما سواء إن وفت تركته بهما وإلا اقتسماها بالحصص وبه
قال الشعبي والنخعي وداود وابن ابي هند ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه
واسحاق وروي ذلك عن شريح ومسروق وعطاء وطاوس والزهري وابي جعفر محمد بن علي
وروي عن النخعي الأمانة قبل الدين وقال الحارث العكلي الدين قبل الأمانة
(7/314)
ولنا أنهما حقان وجبا في ذمته فتساويا
كالدينين وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم يوجد وهذا إذا أقر
المودع أن عندي وديعة أو علي وديعة لفلان أم ثبتت بينة أنه مات وعنده وديعة
فأما إن كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية
عنده أو تلفت؟ ففيه وجهان (أحدهما)
وجوب ضمانها لأن الوديعة يجب ردها إلا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد
ولم يثبت ذلك ولأن الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد (والثاني) لا
ضمان عليه لأن الوديعة أمانة والأصل عدم إتلافها والتعدي فيها فلم يجب
ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي والأول ظاهر
المذهب لأن الأصل وجود الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله (فصل) قال
الشيخ رحمه الله والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من رد أو تلف أو إذن
في
(7/315)
دفعها إلى إنسان إذا ادعى المستودع تلف
الوديعة فالقول قوله بغير خلاف قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل
العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت أن القول قوله وقال
أكثرهم مع يمينه وإن ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه وبه قال
الثوري والشافعي واصحاب الرأي واسحاق وبه قال مالك إن كان دفعها إليه بغير
بينة وإن كان أودعه إياها ببينة لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة وحكاه
القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد ولنا أنه أمين لا منفعة له في قبضها فقبل
قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وإن قال دفعتها إلى فلان
بأمرك فأنكر مالكها الاذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه أحمد في
رواية ابن منصور وهو قول ابن أبي ليلى وقال مالك والثوري والعنبري وأصحاب
الرأي القول قول المالك لأن الأصل عدم الإذن وله تضمينه
(7/316)
ولنا أنه ادعى دفعاً يبرأ به من الوديعة
فكان القول قوله كما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف المالك بالاذن ولكن
قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضاً ثم ينظر في المدفوع إليه فإن أقر
بالقبض وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه وقد
ذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على
صاحب الوديعة لأن المودع مفرط لكونه أذن له في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ
بدفعه فكان ضامنا سواء صدقه أو كذبه وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة
لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في الإشهاد عليه فعلى هذا
يحلف المودع ويبرأ
ويحلف الآخر ويبرأ أيضاً ويكون ذهابها من مالكها وإن ادعى عليه خيانة أو
تفريطاً فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم ذلك اشبه الوكيل
(7/317)
(مسألة) (وإن قال لم تودعني ثم أقر بها أو
ثبتت ببينة ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله وإن أقام بينة ويحتمل أن
تقبل بينته) إذا ادعى على رجل وديعة فأنكر ثم ثبت أنه أودعه فقال أودعتني
وهلكت من حرزي لم يقبل قوله وعليه ضمانها وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق
وأصحاب الرأي لأنه مكذب لإنكاره الأول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي
للأمانة وإن أقر صاحبها له بتلفها من حرزه قبل جحدها فلا ضمان عليه وإن أقر
أنها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه الضمان لأنه خرج بجحوده عن الأمانة فصار
ضامنا كمن طولب بالوديعة فامتنع من ردها وكذلك إن أقام بينة بتلفها بعد
الجحود لذلك وإن شهدت بتلفها قبل الجحود من الحرز فهل تسمع بينته؟ فيه
وجهان (أحدهما) لا تسمع لأنه مكذب لها بإنكاره الإيداع (والثاني) تسمع
(7/318)
لأن صاحبها لو أقر بذلك سقط عنه فتسمع
البينة به فإن شهدت بالتلف من الحوز ولم تعين الجحود ولا بعده واحتمل
الأمرين لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينتفي بأمر متردد (مسألة) (وإن
قال مالك عندي شئ قبل قوله في الرد والتلف) إذا قامت بينة بالابداع أو أقر
به المودع بعد قوله مالك عندي شئ اولا حق لك علي ثم قال ضاعت من حرزي كان
القول قوله مع يمينه ولا ضمان عليه لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البينة
ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه لا شئ لمالكها عنده
ولا يستحق عليه شيئاً (فصل) فإن نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو
الاستعمال ولم يفعل ذلك لم يصر ضامناً لأنه لم
(7/319)
يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن
كما لو لم ينو وقال ابن شريح يضمن لأنه أمسكها بنية الخيانة فضمنها كاللقطة
بقصد التمليك
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت
به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به " ولأنه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم
يضمنها كالذي لم ينو وفارق الملتقط بقصد التمليك فإنه عمل بها بأخذها
ناوياً للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي لا بمجرد النية ولو التقطها
قاصداً لتعريفها ثم نوى بعد ذلك إمساكها لنفسه كانت كمسئلتنا وإن أخرجها
بنية الاستعمال فلم يستعملها ضمنها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا
يضمنها إلا بالاستعمال لأنه لو أخرجها لنقلها لم يضمنها ولنا أنه تعدى
بإخراجها أشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها
(7/320)
(مسألة) (وإن مات المودع فادعى وارثه
التسليم لم يقبل إلا ببينة) لأن صاحبها لم يأتمنه عليها فلا يقبل قوله عليه
بخلاف المودع فإنه ائتمنه فقبل قوله بغير بينة (مسألة) (فإن تلفت عنده قبل
إمكان ردها لم يضمنها)
(7/321)
لأنه لا تفريط منه ولا تعد وإن كان بعد
الإمكان فتلفت ففيه وجهان (أحدهما) يضمنها لتأخر ردها مع إمكانه والآخر لا
يضمنها لأنه غير متعد في إثبات يده عليها إنما حصلت في يده بغير فعله (فصل)
إذا مات المودع وعنده وديعة معلومة بعينها فعلى وارثه تمكين صاحبها من
أخذها فان لم
(7/322)
يفعل ضمن كالمودع فإن لم يعلم صاحبها بموت
المودع فعلى الورثة إعلامه وليس لهم إمساكها قبل أن يعلم بها ربها لأنه لا
يأتمنهم عليها وإنما حصل مال غيرهم بأيديهم بمنزلة من أطارت الريح إلى داره
ثوباً وعلم به فعليه إعلام صاحبه به فإن أحرز ذلك مع الإمكان ضمن كذا هاهنا
(7/323)
(فصل) ولا تثبت الوديعة إلا بإقرار من
الميت أو ورثته أو بينة وإن وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة عليهم لجواز
أن يكون الوعاء كانت فيه وديعة قبل هذه أو كان وديعة لموروثهم عند غيره أو
كانت وديعة فابتاعه اوكذلك لو وجد في رزمانج أبيه أن لفلان عندي وديعة كذا
لم يلزمه بذلك
لجواز أن يكون قد ردها ونسي الضرب على ما كتب أو غير ذلك وهذا قول أصحاب
الشافعي وحكى القاضي
(7/324)
أبو الحسين أن المذهب وجوب الدفع إلى من هو
مكتوب باسمه أومأ إليه أحمد كما لو وجد في رزمانج أبيه ديناً على غيره يخط
أبيه كان له أن يعمل على خطه ويحلف على استحقاقه بالخط فإذا وجد ديناً عليه
كان الوى وأحوط (مسألة) (وإن ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له
مع يمينه) لأن يده دليل على ملكه بدليل
(7/325)
أنه لو ادعاها لنفسه كان القول قوله فكذلك
إذا أقر بها لغيره ويلزمه أن يحلف للآخر لأنه منكر لحقه فإن حلف برئ وإن
نكل لزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوقتها عليه وكذلك لو أقر لها بها بعد إن
أقر بها للأول فإنها تسلم إلى الأول ويغرم قيمتها للثاني نص عليه أحمد
(مسألة) (وإن أقر بها لهما جميعاً فهي بينهما) ويلزمه اليمين لكل واحد
منهما في نصفها وإن قال لا أعرف
(7/326)
صاحبها فاعترفا له بجهله بعين المستحق لها
فلا يمين عليه وإن ادعيا معرفته لزمته يمين واحدة أنه لا يعلم ذلك وقال أبو
حنيفة يحلف يمينين كما لو انكرها ولنا أن الذي يدعي عليه أمر واحد وهو
العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها فأقر بها لأحدهما
ويفارق ما إذا أنكرهما لأن كل واحد منهما يدعي عليه أنها له فهما دعويان
فإن حلف
(7/327)
اقرع ب ينهما وسلمت إلى من تقع له القرعة
وقال الشافعي يتحالفان ويوقف الشئ بينهما حتى يصطلحا وهذا قول ابن أبي ليلى
لأنه لا يعلم المالك منهما وللشافعي قول آخر أنها تقسم بينهما كما لو أقر
بها لهما وهذا الذي حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى وهو قول أبي حنيفة
وصاحببه فيما حكي عنهم قالوا ويضمن المودع نصفها لكل واحد منهما لأنه فوت
ما استودع بجهله
(7/328)
ولنا أنهما تساويا في الحق فيما ليس
بأيديهما فوجب أن يقرع بينهما كالعبدين إذا أعتقهما في مرضه فلم يخرج من
الثلث إلا أحدهما أو كما لو أراد السفر بإحدى نسائه، وقول أبي حنيفة لا يصح
فإن
(7/329)
العين لم تتلف ولو تلف بغير تفريط منه فلا
ضمان عليه وليس في جهله تفريط إذ ليس في وسعه أن لا ينسى ولا يجهل
(7/330)
(مسألة) (ون اودعه الثنان مكيلا أو موزونا
فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه) لأن قسمته ممكنة بغير غبن ولا ضرار واختاره
أبو الخطاب وفيه وجه آخر أنه لا يجوز في غيبة الشريك الا أن يحكم بها حاكم
قاله القاضي (مسألة) (وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها؟ على
وجهين) (أحدهما) له المطالبة بها لأنه
(7/331)
مأمور بحفظها وذلك من حفظها (والثاني) ليس
له ذلك لأنه لم يؤمر به ولا ضمان على المودع سواء أخذت من يده قهراً أو
أكره على تسليمها فسلمها بنفسه لأن الإكراه عذر له يبيح دفعها فلم يضمنها
كما لو أخذت من يده قهراً والله سبحانه وتعالى أعلم
(7/332)
|