الشرح
الكبير على متن المقنع (كتاب النكاح)
النكاح في الشرع عقد التزويج فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه
دليل وقال القاضي الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطئ جميعاً لقولنا
بتحريم موطوأة الأب من غير تزويج استدلالاً بقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء) وقيل بل هو حقيقة في الوطئ مجاز في العقد تقول العرب
أنكحنا الفرى فسترى أي اضربنا فحل حمر الوحش أمه فسترى ما يتولد منهما يضرب
مثلا للأمر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه قال الشاعر: ومن أيم قد أنكحتنا
رماحها * * * * وأخرى على خال وعم تلهف قال شيخنا والصحيح ما قلنا لأن
الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان
أهل العرف وقد قيل ليس في الكتاب لفظة نكاح بمعنى الوطئ إلا قوله (حتى تنكح
زوجا غيره) ولأنه
(7/333)
يصح نفيه عن الوطئ لأنه يقال هذا سفاح وليس
بنكاح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولدت من نكاح لا من سفاح
" ويقال عن السرية ليست بزوجة ولا منكوحة ولأن النكاح أحد اللفظين اللذين
ينعقد بهما عقد النكاح فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر وما ذكره القاضي يفضي
إلى كون اللفظ مشتركا وهو على خلاف الأصل وما ذكره الآخرون يدل على
الاستعمال في الجملة والاستعمال فيما قلنا أكثر وأشهر ثم لو قدر كونه
مجازاً في العقد لكان اسماً عرفياً يجب صرف اللفظ إليه عند الإطلاق لشهرته
كسائر الأسماء العرفية (فصل) والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وقوله (وأنكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه
وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن
للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه وقال عليه
السلام " إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال سعد رد رسول
الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا
متفق عليه والتبتل ترك النكاح.
وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع
(7/334)
(مسألة) (والنكاح سنة لما ذكرنا من أدلة
الكتاب والسنة وأدناها الاستحباب) (مسألة) (والاشتغال به أفضل من التخلي
لنوافل العبادة إلا أن يخاف على نفسه مواقعة المحظور بتركه فيجب) الناس في
النكاح على ثلاثة أضرب (أحدها) من يخاف على نفسه مواقعة المحظور إن ترك
النكاح فهذا يجب عليه في قول عامة الفقهاء لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصرفها عن
الحرام وطريقه النكاح (الثاني) من يستحب له وهو من له شهوة يأمن معها
الوقوع في محظور فهذا الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة وهو قول
أصحاب الرأي وظاهر أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم قال ابن مسعود لو لم
يبق من أجلي
إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما لي فيهن طول النكاح لتزوجت
مخافة الفتنة، قال ابن عباس لسعيد بن جبير تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها
نساء، وقال إبراهيم بن ميسرة قال لي طاوس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر
لأبي الزوائد ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور قال أحمد في رواية
المروذي ليست العزبة من أمر الاسلام في شئ ومن دعا إلى غير التزويج فقد دعا
إلى غير الإسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره.
وقال الشافعي التخلي لعبادة الله أفضل لأن الله تعالى مدح
(7/335)
يحيى عليه السلام بقوله تعالى (وسيدا
وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء فلو كان النكاح أفضل لما مدح بتركه
وقال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وهذا في معرض الذم
ولأنه عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع ولنا ما تقدم من
أمر الله ورسوله به وحثهما عليه وقوله عليه الصلاة والسلام " لكني أصوم
وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقول سعد: لقد رد النبي
صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا متفق
عليهما وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى
عن التبتل نهياً شديداً ويقول " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم
يوم القيامة " رواه سعيد وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركه يقربه إلى
الوجوب والتخلي منه إلى التحريم، ولو كان التخلي أفضل لانعكست الأحكام ولأن
النبي صلى الله وعليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا يجتمع الصحابة على ترك
الأفضل والاشتغال بالأدنى، ومن العجب أن من يفضل التخلي لم يفعله فكيف
أجمعوا على النكاح في فعله وخالفوا في فضله فما كان فيهم من يتبع الأفضل
عنده ويعمل
(7/336)
بالأولى ولأن مصالح النكاح أكثر فإنه يشتمل
على تحصين الدين وإحرازه وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها وايجاد النسل
وتكثير الأمة وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح
الراجح أحدها على نقل العبادة فمجموعها أولى وقد روينا في أخبار المتقدمين
أن قوماً ذكروا لنبي لهم
فضل عابد لهم فقال أما أنه لتارك لشئ من السنة فبلغ العابد فأتى فسأله عن
ذلك فقال إنك تركت التزويج فقال يا نبي الله وما هو إلا هذا؟ فلما رأى
النبي احتقاره لذلك قال أرأيت لو ترك الناس كلهم التزويج من كان يقوم
بالجهاد وينفي العدو أو يقوم بفرائض الله وحدوده وأما ما ذكر عن يحيى فهو
شرعه وشرعنا بخلافه فهو أولى والبيع لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاربها
(القسم الثالث) من لا شهوة له أما لأنه لا شهوة له كالعنين أو ذهبت شهوته
لمرض أو كبر ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) يستحب له النكاح لما ذكرنا
(والثاني) التخلي له أفضل فإنه لا يحصل مصالح النكاح ويمنع زوجته من
التحصين بغيره ويضربها بحبسها عن نفسه ويعرض نفسه لواجبات وحقوق ولعله لا
يقوم بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه والإخبار تحمل على من
له شهوة لما فيها من القرائن الدالة عليها (فصل) وظاهر كلام أحمد أنه لا
فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه فإنه قال ينبغي للرجل
(7/337)
ان يتزوج فان كان عنده ما ينفق أنفق وإن لم
يكن عنده صبر ولو تزوج بشر كان قدتم أمره واحتج بأن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصبح وما عندهم شئ ويمسي وما عندهم شئ ولأن النبي صلى الله عليه
وسلم زوج رجلاً لم يقدر إلا على خاتم حديد ولا وجد إلا إزاره ولم يكن له
رداء أخرجه البخاري قال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قبله عن العيال الله
يرزقهم، التزويج أحصن له ربما أتى عليه وقت لا يمكن قلبه الصبر وهذا في حق
من يمكنه التزويج فأما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى (وليستعفف الذين لا
يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) (مسألة) (وعن أحمد أن النكاح واجب
على الإطلاق) اختاره أبو بكر عبد العزيز وحكاه عن أحمد وحكي عن أحمد أنه
يجب في العمر مرة للآية والخبر والمشهور في المذهب أنه ليس بواجب إلا أن
يخاف على نفسه الوقوع في محضور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه وهو قول أكثر
الفقهاء لأن الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابة بقوله (فانكحوا ما
طاب لكم من النساء) والواجب لا يقف على الاستطابة (وقال مثنى وثلاث ورباع)
ولا يجب ذلك بالاتفاق فدل على أن المراد بالأمر الندب وكذلك الخبر يحمل على
الندب أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحظور بترك النكاح قال القاضي
وعلى هذا يحمل كلام
أحمد وابي بكر في إيجاب النكاح والله أعلم
(7/338)
(مسألة) (ويستحب تخير ذات الدين الولود
البكر الحسيبة الأجنبية) لقول النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لما
لها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظهر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه
والأولى ان لا يزيد على امرأة واحدة ذكره في المحرر لقول الله تعالى (فإن
خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ولقوله سبحانه (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء
ولو حرصتم) ويختار الولود لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه
سعيد وروي معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني
أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه
الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال " تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم
" رواه النسائي وعن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا
بني هاشم عليكم بنساء الأعاجم فالتمسوا أولادهن فإن في ارحامنهن البركة "
قال ويختار البكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتزوجت يا جابر؟ " قال
قلت نعم قال " بكراً أم ثيباً " قال قلت بل ثيباً قال " فهلا بكراً تلاعبها
وتلاعبك " متفق عليه وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عليكم
بالإبكار فإنهن أعذب أفواها وأنقى أرحاماً وأرضى باليسير "
(7/339)
وفي رواية " وأفتح أرحاما " رواه الإمام
أحمد ويختار الحسيبة ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه اهلها ونزع البهم
وكان يقال إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها وعن عائشة قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا
إليهم " ويختار الأجنبية فإن ولدها أنجب ولهذا يقال أغربوا لا تضووا يعني
انكحوا الغراب كي لا تضعف أولادكم وقيل الغراب أنجب وبنات العم أصبر ولأنه
لا يؤمن العداوة في النكاح وإفضاءه إلى الطلاق وإذا كان في قرابة أفضى إلى
قطيعة الرحم المأمور بصلتها ويختار الجميلة لأنه أسكن لنفسه وأغض لبصره
وأكمل لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح وروي عن محمد بن أبي بكر بن عمرو
بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنما النساء لعب فإذا
اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها " وعن أبي هريرة قال قييا رسول الله أي النساء
خير؟ قال " التي
تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره "
رواه الإمام أحمد والنسائي وعن يحيى بن جعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر
إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها " رواه سعيد ويختار
ذات العقل ويجتنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع
الحمقاء ولا يطيب العيش معها وربما تعدى معها ذلك إلى ولدها وقد قيل
اجتنبوا الحمقاء فان ولدها صياع وصحبتها بلاء
(7/340)
(مسألة) (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر
إلى وجهها من غير خلوه بها) وعنه له النظر إلى ما يظهر غالباً كالرقبة
واليدين والقدمين قال شيخنا لا نعلم بين أهل العلم في إباحة النظر إلى
المرأة لمن أراد نكاحها خلافاً لما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى
نكاحها فليفعل " فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى
نكاحها فتزوجتها رواه أبو داود وفيه أحاديث كثيرة سوى هذا ولأن النكاح عقد
يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالأمة المستامة ولا بأس
بالنظر إليها بإذنها وغير إذنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنظر
وأطلق ومن حديث جابر فكنت أتخبأ لها وفي حديث المغيرة ابن شعبة أنه استأذن
أبوبها في النظر إليها فكرهاه فأذنت له المرأة رواه سعيد ولا تجوز الخلوة
بها لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ولاته لا يؤمن
مع الخلوة مواقعة المحظو فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون رجل
بامرأة فإن ثالثهما الشيطان " ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ولا لربية قال
أحمد في رواية صالح ينظر إلى الوجه ولا تكون على طريق لذة وله تكرار النظر
إليها وتأمل محاسنها لأن المقصود إنما يحصل بذلك
(7/341)
(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة
النظر إلى وجهها لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ولا يباح له
النظر إلى ما يظهر عادة وحكي عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم وعن
داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام " انظر إليها " ولنا قوله
تعالى (ولا يبدين زينتهن
إلا ما ظهر منها) روي عن ابن عباس أنه قال هو الوجه وباطن الكف ولأن النظر
أبيح للحاجة فيختص بما تدعوا الحاجة إليه والحديث مطلق ومن نظر إلى وجه
إنسان سمي ناظراً إليه ومن رآه وعليه ثيابه سمي رائياً له قال الله تعالى
(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) فأما ما يظهر غالباً سوى الوجه والكفين
والقدمين ونحو ذاك مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان إحداهما لا
يباح النظر إليه لأنه عورة فلم يبح النظر إليه كالذي لا يظهر فإن عبد الله
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المرأة عورة " حديث حسن ولأن الحاجة
تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم والثانية له النظر الى
ذلك قال أحمد في رواية حنبل لا بأس ان ينظر إليها عند الخطبة حاسرة وقال
الشافعي ينظر إلى الوجه والكفين ووجه جواز النظر إلى ما يظهر غالباً أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن
في النظر إلى جميع ما يظهر غالباً إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة
غيره له في الظهور ولأنه يظهر غالباً
(7/342)
فأبيح النظر إليه كالوحه ولأنها امرأة أبيح
له النظر إليها من الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم وقد روى
سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة
علي فذكر منها صغراً فقالوا له إثما ردك فعاوده فقال أرسل بها إليك تنظر
إليها فرضيها فكشف عن ساقها فقالت أرسل لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك
(مسألة) (وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ومن
ذوات محارمه وعنه لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين) يجوز له
النظر إلى ذلك من الأمة المستامة كما يجوز إلى من يريد خطبتها قياساً عليها
بل الأمة المستامة أولى لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة فيها وحسنها
يزيد في ثمنها فأما ذوات المحارم فيجوز النظر منهن إلى ما يظهر غالباً
كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى مالا يظهر
غالباً كالصدر والظهر ونحوهما قال الا ثرم سألت أبا عبد الله عن الرجل ينظر
إلى شعر امرأة أبيه وصدرها قال لا ما يعجبني ثم قال أنا أكره أن ينظر من
أمه وأخته إلى مثل هذا وإلى كل شئ لشهوة وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات
محارمه حكم الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد
النظر إلى ساق أمه وصدرها
(7/343)
على التوقي لأنه يدعو إلى الشهوة يعني أنه
يكره ولا يحرم ومنع الحسن والشعبي والضحاك النظر إلى شعر ذوات المحارم وهو
إحدى الروايتين عن أحمد، بنت المهلب قالت قلت للحسن ينظر الرجل إلى قرط
أخته أو إلى عنقها قال لا ولا كرامة وقال لو دخلت على أمي لقلت أيتها
العجوز غطي شعرك والصحيح إباحة النظر إلى ما يظهر غالباً لقول الله تعالى
(ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) الآية وقالت سهلة بن سهيل يا رسول الله
إنا كنا نرى سالماً ولداً فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني
فضلاً وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " أرضعيه " فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها رواه مسلم
بمعناه وأبو داود وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالباً
فإنها قالت يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافهما قال
امرؤ القيس فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل ومثل هذا
يظهر منه الأطراف والشعر وكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولداً ثم دلهم النبي
صلى الله عليه وسلم على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه وروى
الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي مسلمة أنها ارتضعت من أسماء امرأة قالت
فكنت أراه أباً وكان يدخل علي وأنا امشط رأسي فيأخذ ببعض قرون رأسي ويقول
أقبلي علي ولأن النحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالباً
(7/344)
لا يباح لأن الحاجة لا تدعو إليه ولا تؤمن
معه الشهوة ومواقعة المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة (فصل) وذوات
محارمه كل من حرم نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب
مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب وعن عائشة أن أفلح أخا أبي القيس استأذن
عليها بعد ما أنزل الحجاب فأبت أن تأذن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم "
ايذني له فإنه عمك تربت يمينك " وقد ذكر الله آباء بعولتهن كما ذكر آباء هن
وأبناءهن في إبداء الزينة لهم، وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم المرأة
وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي إنما حكى قول سعيد بن جبير
ولم يأخذ به وقد صرح في رواية المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال
في رواية أبي طالب ساعة يعقد عقدة النكاح
تحرم عليه أم امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي سرى بها لا
يحل له أبداً أن ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ من جسدها وهي حرام عليه (فصل)
فأما أم المزني بها وابنتها فلا يحل له النظر إليهن وإن حرم نكاحهن لأن
تحريمهن بسبب
(7/345)
محرم فلم يفد اباحة النظر كالحرمة باللعان
وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وأمها ليست من ذوات محارمه وكذلك الكافر ليس
بمحرم لقرابته المسلمة، وقال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته لا يسافر
بها ليس هو محرماً لها في السفر أما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه لأن
أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت فراش رسول
الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه ولم تحتجب منه ولا أمرها به رسول
الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) (وللعبد النظر إليهما من مولاته) يعني إلى
الوجه والكفين لقول الله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) ولما روت ام سلمة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي
فلتحتجب منه " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن أنس أن النبي صلى الله
عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم
يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما بلغ رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما تلقى قال " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك ورواه أبو داود
وأما النظر إلى شعرها فكرهه أبو غلامك "
(7/346)
عبد الله وسعيد بن المسيب وطاوس ومجاهد
والحسن، وأباحه ابن عباس لما ذكرنا من الآية والخبرين ولأن الله تعالى قال
(ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات -
الى قوله - ليس عليكم لا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض)
ولأنه يشق التحرز منه فأبيح له ذلك كذوي المحارم وجعله بعض أصحابنا
كالأجنبي، والصحيح ما قلنا إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولغير أولي الأربة
من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك وعنه لا يباح) من لا شهوة
له من الرجال كالمخنث ومن ذهبت شهوته لكبر وعنة أو مرض لا يرجى
برؤه والشيخ الخصي فحكمه حكم ذي المحرم في النظر لقول الله تعالى
(والتابعين غير أولي الإربة من الرجال) أي غير أولي الحاجة إلى النساء قاله
ابن عباس وعنه هو المخنث الذي لا يقوم أربه وعن مجاهد وقتادة الذي لا أرب
له في النساء، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره،
لأن عائشة قالت دخل علي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه
من غير أولي الأربة فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة
أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال " لا أرى هذا يعلم
ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا " فحجبوه رواه أبو داود
(7/347)
وغيره قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي
تعرف فيه الفاحشة خاصة وإنما التخنيث شدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه
المرأة في اللين والكلام والنغمة والنظر والعقل، فإذا كان كذلك لم يكن له
في النساء أرب وكان لا يفطن لأمور النساء فهو من غير أولي الإربة الذين لم
يبح لهم الدخول على النساء الا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع
ذاك المخنث من الدخول على النساء فلما سمعه يصف ابنه غيلان وفهم أمر النساء
أمر بحجبه، وعنه لا يباح لأنه ذكر بالغ أجنبي فلم يبح له ذلك كالذي له أرب
(مسألة) (وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها) لتكون الشهادة واقعة على
عينها قال أحمد لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها وكذلك من
يقابل المرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها لعيرفها بعينها فيرجع
عليها بالدرك وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله
كرهه من يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهودة
فلا بأس (مسألة) (وللطيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها
من العورة وغيرها فإنه موضع حاجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
حكم سعداً في بني قريظة كان يكشف عن
(7/348)
مؤتزرهم وعن عثمان أنه أتى بغلام قد سرق
فقال " انظروا إلى مؤتزره " فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه (مسألة)
(وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت
الركبة في
إحدى الروايتين) لأن الله تعالى قال (ليس علكيم ولا عليهم جناح بعدهن
طوافون عليكم بعضكم على بعض) وقال (إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا
كما استأذن الذين من قبلهم) فدل على التفريق بين البالغ وغيره قال أبو عبد
الله.
حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، والرواية الأخرى
حكمه حكم ذي المحرم في النظر إذا كان ذا شهوة لقول الله تعالى (أو الطفل
الذين لم يظهروا على عورات النساء) قيل لأبي عبد الله متى تغطي المرأة
رأسها من الغلام قال: إذا بلغ عشر سنين (مسألة) (فإن كان ذا شهوة فهو كذي
المحرم) لقوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) الآية وعنه أنه
كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم
النظر ولقوله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) فأما
الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شئ
(7/349)
(مسألة) (وللمرأة مع المرأة والرجل مع
الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة وعنه أن الكافرة مع المسلمة
كالأجنبي) يجوز للرجل مع الرجل النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفيها
روايتان (إحداهما) ما بين السرة والركبة والأخرى الفرجان وقد ذكرناهما في
باب ستر العورة ولا فرق بين الأمرد ذي اللحية إلا أن الأمرد إذا كان جميلاً
يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه، فقد روي عن الشعبي قال
قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر
الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره رواه أبو حفص، قال
المروذي سمعت أبا بكر الأعين يقول قدم علينا إنسان من خراسان صديق لأبي عبد
الله ومعه غلام ابن أخت له وكان جيملا فمضى إلى أبي عبد الله فحدثه فلما
قمنا جاء إلى الرجل وقال له من هذا الغلام منك؟ قال ابن أختي قال: إذا
جئتني لا يكون معك والذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق.
فأما الغلام قبل السبع فلا عورة له يحرم النظر إليها وقد روي عن ابن أبي
ليلى قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الحسن " فجعل
يتمرغ
عليه فرفع مقدم قميصه أراه قال فقبل استه " رواه أبو حفص
(7/350)
(فصل) وحكم المرأة مع المرأة والرجل مع
الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين بين والمسلمة والكافرة كما لا فرق بين
الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر، وقال أحمد ذهب بعض الناس
إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية وأما أنا فأذهب إلى أنها
لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد وعن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا
تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول مكحول وسليمان بن أبي
موسى لقوله تعالى (أو نسائهن) والأول أولى لأن النساء من اليهوديات وغيرهن
قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحجبن ولا أمرن
بحجاب وقد قالت عائشة جاءت يهودية تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر
فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، وقالت أسماء قدمت
على أمي وهي راغبة يعني عن الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفأصلها؟ قال " نعم " ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين
المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ولأن
الحجاب إما أن يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما وأما قوله ((أو نسائهن)
فيحتمل أن يكون أراد جملة النساء (مسألة) (ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى
غير العورة وعنه لا يباح)
(7/351)
وهذه أحدى الروايتين والأخرى لا يباح لها
النظر من الرجل إلا إلى مثله ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر وهو أحد
قولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي
صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " احتجبن منه " فقلت يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر قال " أفعميا
وان أنتما لا تبصرانه؟ " رواه أبو داود وغيره ولأن الله تعالى أمر النساء
بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ولأنهن أحد نوعي الآدمين فحرم عليهن النظر
إلى النوع الآخر قياساً على الرجال يحققه أن المعنى المرحم على الرجال خوف
الفتنة وهذا في المرأة أبلغ لأنها أشد شهوة وأقل عقلاً فتسارع الفتنة إليها
أكثر
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " اعتدي في بيت ابن أم
مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك " وقالت عائشة كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر الى الحبشة يلعبون في المسجد متفق
عليهما، ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضى إلى النساء
فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال
الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرون إليهم فأما حديث نبهان فقال أحمد
نبهان روى حديثين عجبيين هذا
(7/352)
الحديث والآخر " إذا كان لإحداكن مكاتب
فلتحتجب منه " كأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم يرو الاهذين الحديثين
المخالفين للأصول وقال ابن عبد البر.
نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث وحديث فاطمة صحيح
فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج رسول الله صلى الله
عليه وسلم كذلك قال أحمد وأبو داود قال الأثرم قلت لأبي عبد الله كان حديث
نبهان لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟
قال نعم وإن قدر التعارض فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد
في إسناده مقال (مسألة) (ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة) فأما النظر
إليه لشهوة فلا يباح لانها تدعوا إلى الفتنة وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (ولا
يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة لما ذكرنا من خوف الفتنة) ومعنى الشهوة
أنه يتلذذ بالنظر إليه والله أعلم (مسألة) (ولكل واحد من الزوجين النظر إلى
جميع بدن الآخر ولمسه وكذلك السيد مع أمته) لما روى بهز بن حكيم قال قلت
يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما ندع؟ قال " احفظ عورتك الامن
(7/353)
زوجتك أو ما ملكت يمينك " رواه الترمذي
وقال حديث حسن ولا فرق بين الفرج وغيره لعموم الحديث ولأن الفرج يباح
الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن وقيل يكره النظر إلى الفرج
لقول عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رواه ابن ماجه وفي
لفظ قالت ما رأيته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه مني قال أحمد في رواية جعفر بن محمد
في المرأة تقعد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق.
فلا بأس به قلت تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار إلا هي
وزوجها مرخص في ذلك (فصل) وحكم السيد حكم الزوج فيما ذكرنا وسواء في ذلك
سريته وغيرها لأنه يباح له الاستمتاع بجيمع بدنها فأبيح له النظر إليه فأما
ان زوج امته حرم عليه الاستمتاع بها والنظر منها إلى ما بين السرة والركبة
لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق
الركبة فإنه عورة " رواه أبو داود ومفهومه إباحة النظر إلى ما عداه وأما
تحريم الاستمتاع بها فلا خلاف فيه فإنها قد صارت مباحة للزوج ولا تحل امرأة
لرجلين فإن وطئها إثم وعليه التعزير لأنه فعل محرماً فإن أولدها فقال أحمد
لا يلحقه
(7/354)
نسبه لانها فراش لغيره فلم يلحقه ولدها
كالأجنبية قلت وقد ذكر في باب حكم أمهات الأولاد أنه يلحقه النسب لأنه وطئ
سقط فيه الحد لشبهة الملك أشبه وطئ الجارية المرهونة (فصل) وأما نظر الرجل
إلى الأجنبية من غير سبب فيحرم عليه النظر إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد
فإنه قال لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها كيف يأكل
معها ينظر إلى كفها؟ لا يحل له ذلك وقال القاضي يحرم عليه النظر إلى ما عدا
الوجه والكفين لأنه عورة ويباح له النظر إليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة
ونظر بغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا
ما ظهر منها) قال ابن عباس الوجه والكفان وروت عائشة ان أسماء بنت أبي بكر
دخلت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباب رقاق فأعرض عنها وقال يا
أسماء " أن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا "
وأشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو بكر وغيره ولأنه ليس بعورة فلم يحرم النظر
إليه من غير ريبة كوجه الرجل ولنا قول الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا
فاسئلوهن من وراء حجاب) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان لاحدا كن
مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " وكان الفضل ابن عباس رديف رسول الله
(7/355)
صلى الله عليه وسلم فجاءته الخثعمية
تستفتيه وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنها، وعن جرير
بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني
أن أصرف بصري حديث صحيح وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليس لك الآخرة) رواهما
أبو داود وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجها دليل على التحريم
عند عدم ذلك إذ لو كان مباحاً على الإطلاق فما وجه التخصيص لهذه الحال وأما
حديث أسماء إن صح فيحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب فيحمل عليه (فصل) فأما
العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بالنظر إلى ما يظهر منها غالباً لقول الله
تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية قال ابن عباس في
قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقال للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)
نسخ واستثني من ذلك (القوعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية وفي
معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى (فصل) والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر
غالباً كالوجه والرأس واليدين والساقين لأن عمر رضي الله عنه رأى أمة
متكممة فضربها بالدرة وقال يالكاع تشتبهين بالحرائر وروي أبو حفص اسناده أن
(7/356)
عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال
إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرماً لم يمنع من ستره بل أمر
به وقد روي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية قال الناس أجعلها
أم المؤمنين أم أم ولد؟ فقالوا إن حجبها فهي أم المؤمنين وإن لم يحجبها فهي
أم ولد فلما ركب وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس متفق عليه وهذا
دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضاً بينهم مشهور اوا ن الحجب لغيرهن
كان معلوماً وقال أصحاب الشافعي يباح النظر منها إلى ما ليس بعورة وهو ما
فوق السرة وتحت الركبة وسوى بعض أصحاب الشافعي بين الحرة والأمة لقول الله
تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) الآية ولأن العلة في تحريم النظر
الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة يستوي فيها الحرة والأمة فإن الحرية لا
تؤثر في الأمر الطبيعي وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق
بينهما وإن لم يفترقا فيما ذكروه افتراقا في الحرمة ومشقة السير لكن إن
كانت المرأة جميلة يخاف الفتنة بها حرم النظر إليها كما يحرم إلى الغلام
الذي لم تخش الفتنة بالنظر إليه قال أحمد في الأمة إذا كانت جميلة تنقب ولا
ينظر إلى المملوكة كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل (فصل) والطفلة
التي لا تصلح للنكاح لا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الأثرم في
الرجل
(7/357)
يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها فإن
كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس وقد روى أبو بكر بإسناده عن
عمر بن حفص المديني أن الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى عمر بن الخطاب
مع مولاة له فأخذها عمر بيده وقال ابنة أبي عبد الله فتحركت الأجراس من
رجلها فأخذها عمر فقطعها وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مع كل
جرس شيطان " فأما إذا بلغت حداً يصلح للنكاح فإن عورتها مخالفة لعورة
البالغة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " لا يقبل الله صلاة حائض إلا
بخمار " يدل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات
المحارم كقولنا في الغلام المراهق مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج
قال قالت عائشة دخلت علي ابنة أخي فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض
فقلت يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية فقال " إذا عركت المرأة لم يجز لها
أن تظهر إلا وجهها وما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضتيه وبين
الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها احتج أحمد بهذا الحديث وتخصيص الحائض بهذا
التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها (مسألة) (ولا يجوز التصريح
بخطبة المعتدة ولا التعريض بخطبة الرجعية)
(7/358)
أما التصريح بخطبة المعتدة فلا يجوز لأن
قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) دليل على
تحريم التصريح لأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص
عليه على الأخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه (مسألة)
(فأما الرجعية فلا يجوز لأحد التعريض لخطبتها ولا التصريح لأنها في حكم
الزوجات فهي كالتي في صلب نكاحه)
(مسألة) (ويجوز في عدة الوفاة وفي البائن بطلاق ثلاث) المعتدات على ثلاثة
أضرب وحكمها حكم من هي في صلب النكاح وقد ذكرناها (الثاني) المعتدة من وفاة
أو طلاق ثلاث أو فسح لتحريمها على زوجها كالفسخ برضاع أو لعان ونحوه مما لا
يحل بعده لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها للآية ولما روت فاطمة بنت قيس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طقلها زوجها ثلاثاً " إذا حللت
فآذنيني " وفي لفظ " لا تسبقين بنفسك " وهذا تعريض لخطبتها في عدتها
(مسألة) (وهل يجوز في عدة البائن بغير الثالث؟ على وجهين) هذا الضرب الثالث
كالمختلفة والبائن بفسخ لعيب أو إعسار أو نحوه فلزوجها التصريح بخطبتها
(7/359)
والتعريض لأنه مباح له نكاحها في عدتها فهو
كغير المعتدة وهل يجوز لغيره التعريض بخطبتها؟ فيه وجهان وللشافعي فيه
قولان (أحدهما) يجوز لعموم الآية ولأنها بائن أشبهت المطلقة ثلاثاً
(والثاني) لا يجوز لأن الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في
الجواب كالرجل في الخطبة مما يحل ويحرم لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في
حله وحرمته (مسألة) (والتعريض قوله إني في مثلك لراغب ولا تفوتيني بنفسك
وما أحوجني إلى مثلك) وقال الزهري أنت مرغوب فيك وأنت جميلة وإذا حللت
فآذنيني ونحو ذلك قال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تشيع الجنازة فقال لها
رجل لا تسبقينا بنفسك فقالت سبقك غيرك (مسألة) (وتجيبه المرأة ما يرغب عنك
وإن قضى شئ كان وما أشبهه) (فصل) فأما التصريح فهو اللفظ الذي لا يحتمل غير
النكاح نحو قوله زوجيني نفسك فإذا انقضت عدتك تزوجتك ويحتمل أن هذا معنى
قوله تعالى (لا تواعدوهن سرا) فإن النكاح يسمى سراً قال الشاعر: فلم تطلبوا
سرها للغنى * * ولن تسلموها لازهادها
(7/360)
وقال الشافعي السر الجماع وأنشد لامرئ
القيس
ألا زعمت بسباسة القوم أنني * * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي ومواعدة السر
أن يقول عندي جماع يرضيك فنهى عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف
(فصل) فإن صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح
نكاحه وقال مالك يطلقها تطليقة ثم يتزوجا ولا يصح هذا لأن هذا المحرم لم
يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح الثاني أو كما لو رآها متجردة ثم
تزجها (مسألة) (ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إن أجيب وإن رد حل
وإن لم يعلم الحال فعلى وجهين) الخطبة بالكسر خطبة الرجل للمرأة ليتزوجها
وبالضم حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام (أحدها) أن
تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في إجابته فهذه يحرم على غيره
خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم
على خطبة أخيه " وعن أبي
(7/361)
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك " متفق عليهما ولأن في ذلك
إفساداً على الخاطب الأول وإيقاع العداوة بين الناس ولا نعلم في هذا خلافاً
بين أهل العلم إلا أن قوماً حملوا النهي على الكراهة، والأول أولى (القسم
الثاني) أن ترده لا تركن إليه فتجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه
عن عاتقه، انكحي أسامة بن زيد " متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم
بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها ولأن تحريم خطبتها على هذا
الوجه إضرار بها فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة إلا منعها بخطبة إياها
وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك وأشباه هذا لم
تحرم خطبتها لأن في قصة فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا
تفوتينا بنفسك " ولم يذكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها وذكر ابن عبد البر أن
ابن وهب روي بإسناده عن الحارث بن سعيد عن أبي رئاب أن عمر بن الخطاب خطب
امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم وعلى عبد اللبن عمر فدخل
على المرأة
وهي جالسة في بيتها فقال عمر: إن جرير بن عبد الله خطب وهو سيد أهل المشرق
ومروان يخطب وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم وعمر بن
الخطاب فكشفت المرأة الستر
(7/362)
فقالت أجاد أمير المؤمنين؟ فقال نعم فقالت
قد أنكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد قبل أن
يعلم ما تقول المرأة في الأول (القسم الثالث) أن يوجد من المرأة ما يدل على
الرضى والسكون تعريضاً لا تصريحاً كقولها ما أنت الارضى وما عنك رغبة فهذه
في حكم الأول لا تحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد
فإنه قال إذا ركن بعضهم إلى بعض فلا يحل لأحد أن يخطب والركون يستدل عليه
بالتعريض تارة وبالتصريح أخرى قال القاضي ظاهر كلام أحمد إباحة خطبتها وهو
مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى الله عليه وسلم
وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما، واستدل القاضي بخطبته لها
قبل سؤالها هل وجد منها ما يدل على الرضى أو لا ولنا عموم قوله عليه الصلاة
والسلام " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " ولأنه وجد منها ما دل على الرضى
فحرمت خطبتها كما لو صرحت، بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فإن فيه
ما يدل على أنها لم تركن إلى واحد منهما من وجهين (أحدهما) أن النبي صلى
الله عليه وسلم قد كان قال لها " لا تسبقيني بنفسك " وفي رواية " إذا حللت
فآذنيني " فلم تكن لتصاب بالإجابة قبل إذنه (الثاني)
(7/363)
أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما وليس في الاستشارة دليل على
أحد الأمرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك لرسول الله صلى
الله عليه وسلم لترجع إلى قوله ورأيه وقد أشار عليها بتركهما لما ذكر من
عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما وتصريحها بمنعهما، ومن وجه آخر وهو أن
النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهما بخطبتها تعريضاً بقوله لها ما ذكرنا
فكانت خطبته لها مبنية على الخطبة السابقة بخلاف ما نحن فيه، فإن لم يعلم
الحال فعلى وجهين (أحدهما) لا يجوز لعموم النهي (والثاني) يجوز لأن الأصل
عدم الا جبة المحرمة
(مسألة) (والتعويل في الإجابة والرد عليها إن لم تكن مجبرة وإن كانت مجبرة
فعلى الولي) أما إذا لم تكن مجبرة فلأنها أحق بنفسها من وليها فإن أجاب هو
ورغبت عن النكاح كان الأمر أمرها فإن أجاب وليها فرضيت فهو كإجابتها وإن
سخطت فلا حكم لإجابته لأن الحق لها ولو أجاب الولي في حق المجبرة فكرهت
المجاب واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدماً على اختياره
وإن كرهته ولم تختر سواه فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضاً لأنه قد أمر
باستئمارها فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه، وإن أجابت ثم رجعت على
الإجابة وسخطته زال حكم الإجابة لأن
(7/364)
لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن
الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد، وإن لم
ترجع هي ولا وليها لكن ترك الخاطب الخطبة وأذن فيها جازت خطبتها لما روي في
حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة
أخيه حتى يأذن أو يترك رواه البخاري (فصل) وخطبة الرجل على خطبة غيره في
موضع النهي محرمة قال أحمد: لا يحل لأحد أن يخطب في هذه الحال وقال أبو حفص
العكبري هي مكروهة غير محرمة وهذا نهي تأديب ولنا ظاهر النهي فإن مقتضاه
التحريم ولأنه نهي عن الإضرار بالآدمي المعصوم فكان على التحريم كالنهي عن
أكل ماله فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال لا نفرق بينهما وهذا مذهب
الشافعي وروي عن مالك وداود أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في
البيع على بيع أخيه هو باطل وهذا في معناه لأنه نكاح منهي عنه فكان باطلا
كنكاح الشغار ولنا أن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر كما لو صرح بالخطبة
في العدة (فصل) ولا يكره للولي الرجوع إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق
لها وهو نائب عنها
(7/365)
في النظر لها فلم يكره له الرجوع إذا رأى
المصلحة كما لو ساوم في بيع دارها ثم رأى المصلحة في تركها ولا يكره لها
أيضاً الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها
الاحتياط
لنفسها والنظر في خطبتها وإن رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من إخلاف
الوعد والرجوع عن القول ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمها كمن ساوم بسلعته
ثم بدا له أن لا يبيعها (فصل) فإن كان الخاطب الأول ذمياً لم تحرم الخطبة
على خطبته نص عليه أحمد فقال لا يخطب على خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه
إنما هو للمسلمين، ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو ساوم على سومهم لم
يكن داخلاً في ذلك لأنهم ليسوا بإخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر لا يجوز
أيضاً لأن هذا أخرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به ولنا ان لفظ النهي خاص
في المسلمين وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم ولا
حرمته كحرمته ولذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها، وقوله خرج مخرج
الغالب قلنا متى كان في المخصوص معنى يصلح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه
ولا تعدية الحكم بدونه والإخوة الإسلامية لها تأثير في وجوب الاحترام
وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه وحفظ قلبه واستيفاء مودته فلا يجوز حذف ذلك
(7/366)
(مسألة) (ويتسحب عقد النكاح مساء يوم
الجمعة) لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم ضمرة بن حبيب وراشد بن سعيد
وحبيب بن عنية ولأنه يوم شريف ويوم عيد وفيه خلق آدم عليه السلام، والمساء
أولى فإن أبا حفص روي بإسناده عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " مسوا بالأملاك فإنه أعظم للبركة " ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل
لانتظاره (مسألة) (ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود) خطبة العاقد
أو غيره قبل الإيجاب والقبول مستحبة ثم يكون العقد بعد ذلك لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " وقال "
كل خطبة ليس فيها شهادة فيها شهادة فهي كاليد الجذماء " رواهما ابن المنذر،
ويجزئ من ذلك ان يحمد الله تعالى ويتشهد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
ويستحب أن يخطب بخطبة ابن مسعود التى قال علمنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال التشهد الحمد لله نحمده
ونستعينه ونعوذ بالله من شرور انفسنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل
فلا هادي له وأشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ويقرأ
ثلاث آيات (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واتقوا الله
الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا * اتقوا
(7/367)
الله وقولوا قولا سديدا يصلح) الآية رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، قال الخلال ثنا أبو سليمان أمام طرسوس
قال كان أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود قام
وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله على طريق المبالغة باستحبابها لا على
الإيجاب لها فإن حرب بن اسماعيل قال قلت لأحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح
مثل قول ابن مسعود فوسع في ذلك وقد روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعى لتزويج
قال لا تغصوا علينا الناس الحمد لله وصلى الله على محمد إن فلانا يخطب
إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله وإن رددتموه فسبحان الله، والمستحب خطبة
يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما فقال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي
ذكرناها في أوله وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي صلى الله عليه
وسلم وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع (فصل) وليست الخطبة واجبة عند
أحد من أهل العلم إلا داود فإنه أوجبها لما ذكرناه ولنا أن رجلاً قال للنبي
صلى الله عليه وسلم زوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه زوجتكها بما معك
من القرآن متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى ابن عمر مولاة له فما زاد على
أن قال قد
(7/368)
أنكحتك على ما أمر الله على إمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان وقال جعفر بن محمد عن أبيه أن كان الحسين ليزوج بعض بنات
الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروى أبو داود باسناده عن رجل من
بني سليم قال خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامة بنت عبدا لمطلب
فأنكحني من غير أن يتشهد ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع وما
استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون الخطبة لا على الوجوب (مسألة) (يستحب
أن يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية) وقد
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن ابن عوف صفرة فقال "
ماهذا؟ " قال إني
تزوجت على وزن نواة قال " بارك الله لك أو لم ولو يشاة " متفق عليه قال بعض
أهل العلم وزن نواة خمسة دراهم وذلك ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب وقال
المبرد الصواب عند أهل العربية أن يقال نواة فحسب فإن النواة
(7/369)
عندهم اسم خمسة دراهم كما أن الأوقية
أربعون درهما والنش عشرون (مسألة) (ويقول إذا زفت إليه اللهم إني أسألك
خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) لما روى
صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه ثنا داود عن أبي نضرة عن أبي أسعد مولى أبي
أسيد قال تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وابوذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا
له إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ رأس أهلك فقل اللهم بارك لي في أهلي
وبارك لأهلي في وارزقهم مني وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود
بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه
قال " إذ تزوج امرأة واشترى خادماً فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما
جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيراً فليأخذ
بذروة سنامه وليقل مثل ذلك (باب أركان النكاح
وشروطه) أركانه الإيجاب والقبول فلا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج
بالعربية لمن يحسنها وبمعناهما الخاص بكل لسان لم لا يحسنهما
(7/370)
وجملته أن النكاح ينعقد بلفظ النكاح
والتزويج والجواب عنهما إجماعاً وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله
سبحانه (زوجناكها) وقوله (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وسواء اتفقا
من الجانبين أو اختلفا مثل أن يقول زوجتك ابنتي فيقول قبلت هذا النكاح أو
هذا التزويج ولا ينعقد بغير هذين اللفظين وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب
والزهري وربيعة والشافعي وقال الثوري والحسن ابن صالح وأبو حنيفة وأصحابه
وأبو ثور وأبو عبيد ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك وفي لفظ
الإجارة عن أبي حنيفة روايتان وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر واحتجوا
بأن النبي صلى الله
عليه وسلم زوج رجلاً امرأة فقال " ملكتكها بما معك من القرآن " رواه
البخاري ولأنه لفظ ينعقد به تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فانعقد به نكاح
أمته كلفظ الإنكاح والتزويج ولأنه أمكن تصحيحه بمجازه فوجب تصحيحه كإيقاع
الطلاق بالكنايات ولنا قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي - إلى
قوله - خالصة لك من دون المؤمنين) فذكر ذلك خالصاً لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة
والإباحة والاحلال ولانه لبس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا
وهذا لأن الشهادة شرط في النكاح والكتاية انما
(7/371)
تعمل بالنية ولا يمكن الشهادة على النية
لعدم إطلاعهم عليها فيجب ان لا ينعقد وبهذا فارق بقية العقود والطلاق وأما
الخبر فقد روي " زوجتكها وأنكحتكها وزوجناكها " من طرق صحيحة والقصة واحدة
فالظاهر أن الراوي روى بالمعنى ظنا منه أن معناهما واحد فلا يكون حجة وإن
كان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الالفا ظفلا حجة لهم فيه لأن النكاح
انعقد بأحدها والباقي فضلة (فصل) ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح
عقده بغيرها وهذا أحد أقوال الشافعي وعند أبي حنيفة ينعقد لأنه أتى بلفظه
الخاص فانعقد به كما ينعقد بالعربية ولنا أنه عدل عن لفظ الإنكاح والتزويج
مع القدرة عليه فلم يصح كلفظ الإحلال ولأن الشهادة شرط في النكاح وهي واقعة
على اللفظ وغير هذا اللفظ ليس بموضوع للنكاح وإنما يصرف إليه بالنية ولا
شهادة عليها فيخلو النكاح عن الشهادة وما قاله أبو حنيفة أقيس قياساً على
سائر العقود وما ذكروه من تعذر الشهادة على غير العربية ملغي بما إذا لم
يحسن العربية (فصل) فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه
لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه
(7/372)
كالأخرس ويحتاج إلى أن يأتي بمعناهما الخاص
بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي (مسألة) (فإن قدر على تعلمها بالعربية لم
يلزمه ذلك) وفيه وجه ذكره أبو الخطاب أنه يلزمه لأن ما كانت العربية شرطاً
فيه لزمه أن يتعلمها
مع القدرة كالتكبير ولنا أن النكاح غير واجب فلم يجب تعلم أركانه بالعربية
كالبيع بخلاف التكبير (مسألة) (والقبول أن يقول قبلت هذا النكاح أو ما يقوم
مقامه في حق من لا يحسن) فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر
أتى الذي يحسن العربية بها والآخر يأتي بلسانه فإن كان أحدهما لا يحسن لسان
الآخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتي بها صاحبه لفظة الإنكاح بأن يخبره
بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعاً (فصل) وأما الأخرس فإن فهمت إشارته صح نكاحه
بها لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهته فصح بإشارته كبيعه وطلاقه ولعانه وفي
إشارة القادر على النطق وجهان ذكرهما في المجرد أولهما عدم الصحة للاستغناء
عنها ان لم تفهم إشارته لم يصح منه كما لا يصح غيره من التصرفات القولية
ولأن النكاح عقد
(7/373)
بين شخصين فلابد من فهم كل واحد منهما ما
يصدر عن صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضاً
لأن الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم قال أحمد لا يزوجه وليه يعني إذا
كان بالغاً لأن الخرس لا يوجب الحجر كالصمم (مسألة) (فان اقتصر على قوله
قبلت بأن يقول الولي زوجتك ابنتي فيقول قبلت صح وانعقد النكاح) وقال
الشافعي في أحد قوليه لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج
لأنه كناية في النكاح يفتقر إلى النية والاضمار فلم ينعقد به كلفظ الهبة
والبيع ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع وسائر
العقود وقولهم يفتقر إلى النية ممنوع فإنه جواب لا ينصرف إلا إلى الذكور
وكذلك إن قال الخاطب للولي أزوجت؟ قال نعم وللمتزوج أقبلت؟ قال نعم صح.
ذكره الخرقي ويحتمل أن لا يصح لأن النكاح إنما يصح بلفظ الإنكاح والتزويج
ولا نطق الولي بواحد منهما ولا نطق المتزوج بالقبول وقال الشافعي لا ينعقد
حتى يقول معه زوجتك
(7/374)
بنتي ويقول الزوج قبلت هذا التزويج لأن
هذين ركنا العقد فلا ينعقد بدونهما
ولنا أن نعم جواب لقوله زوجتك وقبلت والسؤال مضمر في الجواب معاد فيه فيكون
معنى نعم من الولي زوجته ابنتي ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج ولا
احتمال فيه فيجب أن ينعقد به ولذلك لما قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد
ربكم حقا؟ قالوا نعم) كان إقراراً منهم بوجدان ذلك أنهم وجدوا ما وعدهم
ربهم حقا، ولو قيل لرجل لي عليك الف درهم قال نعم كان إقراراً صريحاً لا
يفتقر إلى نية ولا يرجع في ذلك إلى تفسيره وبمثله تقطع اليد في السرقة وهو
حد يدرأ بالشبهات فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك (مسألة) (فإن
تقدم القبول الإيجاب لم يصح) سواء كان بلفظ الماضي مثل أن يقول تزوجت البنت
فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني ابنتك فيقول زوجتكها وقال أبو حنيفة
ومالك والشافعي يصح فيهما جميعاً لأنه قد وجد الإيجاب والقبول فصح كما لو
تقدم الإيجاب ولنا أن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن
قبولاً لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم
(7/375)
بلفظ الاستفهام ولأنه لو تأخر عن الإيجاب
بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى لصيغة الاستفهام ولأنه لو أتى
بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم
يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى فإن قالوا يصح كالبيع والخلع قلنا
البيع لا يشترط فيه صيغة الإيجاب بل يصح بالمعاطاة ولا يتعين فيه لفظ بل
يصح بأي لفظ كان إذا أدى المعنى ولا يلزم الخلع لأنه يصح تعليقه على الشروط
ويحتمل أن يصح إذا تقدم بلفظ الطلب لأن في حديث المرأة التي وهبت نفسها
للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت طويلا فقال رجل يارسول الله زوجنيها إن لم
يكن لك بها حاجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من
القرآن " وهو حديث صحيح رواه البخاري ولم ينقل أنه قال قبلت ولا ما يؤدي
معناه والظاهر أنه لو وجد منه لفظ لنقل وعلى قياس ذلك إذا تقدم بلفظ الماضي
(فصل) إذا عقد النكاح هزلاً أو تلجئة صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ثلاث هزلهن جد وجدهن جد الطلاق والنكاح والرجعة " رواه الترمذي، وعن
الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نكح لاعبا
أو طلق لاعباً أو أعتق لاعباً جاز " وقال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن
الطلاق والعتاق والنكاح والنذر، وقال علي أربع لا لعب فيهن الطلاق والعتاق
والنكاح والنذر
(7/376)
(مسألة) (وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح
ماداما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره) لأن حكم المجلس حكم حالة العقد
بدليل صحة القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات
(مسألة) (فإن تفرقا قبله بطل الإيجاب) لأنه لا يوجد معناه فإن الإعراض قد
وجد من جهته بالتفرق فلا يكون قبولا وكذلك إذا تشاغلا بما قطعه لأنه معرض
عن العقد بالاشتغال عن قبوله، وعنه لا يبطل فإن أبا طالب نقل عن أحمد في
رجل مشى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى
الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا؟ قال نعم.
قال القاضي: هذا محمول على أنه وكل من قبل التزويج في المجلس، وقال أبو بكر
مسألة أبي طالب تتوجه على قولين، واختار أنه لابد من القبول في المجلس وهو
الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) فإن أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو
إغماء بطل حكم الإيجاب ولم ينعقد
(7/377)
بالقبول بعده لأنه ما لم يضامه القبول لم
يكن عقداً فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وهذا مذهب
الشافعي وإن نام لم يبطل حكم الإيجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك
هذا (فصل) ولا يثبت الخيار في النكاح وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط
ولا نعلم احدا خالف في هذا لأن الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في
الغالب إلا بعد روية وفكرة ومسألة كل واحد من الزوجين عن صاحبه والمعرفة
بحاله بخلاف البيع الواقع في الأسواق من غير فكر ولا روية ولأن النكاح ليس
بمعارضة محضا ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح
من غير تسمية العوض
ومع فساده ولأن ثبوت الخيار فيه يفضي الى فسخه بعد ابتذال المرأة وفي فسخه
بعد العقد ضرر بالمرأة ولذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق (فصل) قال
رضي الله عنه (وشروطه خمسة (أحدها) تعيين لزوجين) لأن كل عاقد ومعقود عليه
يجب تعيينهما كالمشتري والمبيع فإن كانت المرأة حاضرة فقال زوجتك هذه صح
فإن الإشارة تكفي في التعيين فإن زاد على ذلك بنتي هذه أو هذه فلانة كان
تأكيداً (مسألة) (فإن قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إليها أو
يسميها أو يصفها بما تتميز
(7/378)
به، وإن لم يكن له إلا ابنة واحدة صح) إذا
كانت المعقود عليها غائبة فقال زوجتك ابنتي وليس له سواها جاز فإن سماها
كان تأكيداً فإن كان له أكثر من بنت واحدة فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم
إلى ذلك ما تتميز به من اسم أو صفة فيقول زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو
الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيداً، وإن قال زوجتك ابنتي عائشة أو فاطمة
صح فإن كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال زوجتك فاطمة لم يصح ولأن هذا
الاسم مشترك بينها وبين سائر الفواطم حتى يقول مع ذلك بنتي، وقال بعض
الشافعية يصح إذا نوياها جميعا، ولا يصح هذا لأن النكاح يعتبر فيه الشهادة
على وجه يمكن أداؤها أداء يثبت به العقد وهذا متعذر في النية، ولذلك لو قال
زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه ولو قال زوجتك فاطمة ابنة
فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء (فصل) فإن
كانت له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي عائشة
وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص، وقال القاضي يصح
في التي نوياها وهذا غير صحيح لوجهين (أحدهما) أنهما لم يتلفظا بما يصح
العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو
(7/379)
قال زوجتك عائشة فقط أو ما لو قال زوجتك
ابنتي ولم يسمها وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما إذا سماها بغير اسمها
أولى أن لا يصح (الثاني) أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به
ولم يوجد
ذلك فإن اسم أختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها، وإن كان الولي يريد
الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح كما إذا خطب امرأة وتزوج غيرها لأن
القبول انصرف الى غير من وجد الإيجاب فيه ويحتمل أن يصح إذا لم يتقدم ذلك
ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة ونحوها فإن العقد بلفظه متناول للكبرى
ولم يوجد ما يصرفه عنها فصح كما لو نوياها، ولو نوى الولي الصغرى والزوج
الكبرى أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول لا يصح
التزويج لعدم النية منهما في التي تناولها لفظهما وعلى الاحتمال الذي
ذكرناه يصح في المعينة باللفظ لما ذكرنا (فصل) فإن كان له ابنة واحدة فقال
الرجل زوجتك ابنتي وسماها بغير اسمها فقال القاضي يصح وهو قول أصحاب
الشافعي لأن قوله بنتي آكد من التسمية لأنها لا مشاركة فيها والاسم مشترك
ولو قال زوجتك هذه وأشار إليها وسماها بغير اسمها صح على هذا التعليل
(مسألة) (وإن قال إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح لأنه تعليق للنكاح
على
(7/380)
شرط والنكاح لا يتعلق على شرط ولأن هذا
مجرد وعد لا ينعقد به عقد وكذلك لو قال زوجتك حمل هذه المرأة لم يصح لأنها
لم يثبت لها حكم البنات قبل الظهور في غير الإرث والوصية ولأنه لا يتحقق أن
في البطن بنتاً فأشبه ما لو قال زوجتك من في هذه الدار وهما لا يعلمان ما
فيها (فصل) فإن خطب امرأة فزوج بغيرها مثل أن يخطب الرجل امرأة بعينها
فيجاب إلى ذلك ثم يوجب له النكاح في غيرها وهو يعتقد أنها التي خطبها فيقبل
ولا ينعقد النكاح لأن القبول انصرف الى غير من وجد الإيجاب فيه فلم يصح كما
لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري فلو علم الحال بعد ذلك
فرضي لم يصح قال أحمد رجل خطب جارية فزوجوه أختها ثم علم بعد يفرق بينهما
وبكون الصداق على وليها لأنه غره ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق
الأول فإن كانت تلك قد ولدت منه لحق به الولد قال شيخنا وقوله يجهز إليه
أختها يعني والله أعلم بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه إن كان أصابها لأن
العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما لأن الإيجاب صدر في إحداهما أيهما
كان جاز، وقال
أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها لها المهر بما أصاب منها ولأختها
المهر قيل يلزمه مهران
(7/381)
قال نعم ويرجع على وليها، هذه مثل التي بها
برص أو جذام علي بقول ليس عليه غرم، وهذا ينبغي أن يكون في امرأة جاهلة
بالحال أو بالتحريم اما إذا علمت أنها ليست زوجة وأنها محرمة عليه وأمكنته
من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لأنها زانية مطاوعة فأما إن جهل الحال
فلها المهر ويرجع به على من غره وروي عن علي رضي الله عنه في رجلين تزوجا
امرأتين فزفت كل امرأة الى زوج الأخرى لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما
امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال النخعي والشافعي وأصحاب الرأي (فصل) قال
رضي الله عنه (الثاني رضا الزوجين فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح) رضا
الزوجين أو من يقوم مقامهما شرط في صحة العقد لأن العقد لهما فاعتبر
تراضيهما به كالبيع فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح العقد لفوات شرطه
(مسألة) (إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير
إذنهم) وأما الغلام العاقل فلا نعلم من أهل العلم في أن لأبيه تزويجه كذلك
قال إبن المنذر وهذا قول الحسن والزهري وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي
واسحاق والشافعي وأصحاب الرأي ولما روي أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير
فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعاً رواه الأثرم وأما الغلام المعتوه فلأبيه
تزويجه وقال
(7/382)
الشافعي لا يجوز لأنه يلزمه بالتزويج حقوق
من المهر والنفقة مع عدم حاجته فلم يجزله كغيره من الأولياء ولنا أنه غير
بالغ فملك الأب تزويجه كالعاقل ولأنه إذا جاز تزويج العاقل مع أن له عند
احتياجه إلى التزويج رأيا ونظراً لنفسه فلأن يجوز تزويج من لا يتوقع فيه
ذلك أولى، ووصي الأب يقوم مقامه في ذلك كوكيله إذا قلنا بصحة الوصية في
النكاح وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (فصل) وليس لغير الأب أو وصيه
تزويج الغلام قبل بلوغه وقال القاضي في المجرد للحاكم تزويجه لأنه يلي ماله
وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه وليس بسديد
فإن غير الأب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى، وفارق لاب ووصيه
فإن لهما تزويج
الصغيرة وولاية الإجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن لأنه لا آذن
له (فصل) وللأب تزويج البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد والخرقي مع ظهور
إمارات الشهوة وعدمها، وقال القاضي إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات
الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب الشافعي لأن في تزويجه مع عدم حاجته
اضراراً به بإلزامه حقوقاً لا مصلحة له في إلزامها وقال أبو بكر
(7/383)
ليس للأب بحال لأنه رجل فلم يجز إجباره على
النكاح كالعاقل وقال زفر إن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم يجز وإن كان
مستداما جاز ولنا أنه غير مكلف فجاز لأبيه تزويجه كالصغير فإنه إذا جاز
تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال وتوقع نظره فعند الحاجة أولى ولنا على
التسوية بين الطارئ والمستدام أنه معنى يثبت الولاية فاستوى طارئه ومستدامه
كالرق ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في نكاحه كالمستدام،
فأما اعتبار الحاجة فلابد منها فإنه لا يجوز لوليه تزويجه إلا إذا رأى
مصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة بل قد تكون حاجه إلى
الإيواء والحفظ وربما كان دواء له يترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء
الشهوة (فصل) ومن يجن في الأحيان لا يجوز تزويجه إلا بإذنه لأن ذلك ممكن
ومن أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام
أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فإن ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى
نفسه أولى وإن لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه (فصل) وليس لغير الأب
ووصيه تزويج المعتوه البالغ وبه قال مالك وقال أبو عبد الله بن حامد للحاكم
تزويجه إذا ظهر منه شهوة للنساء بأن يتبعهن وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك من
مصالحه وليس
(7/384)
له حال ينتظر فيها إذنه وسنذكر ذلك في
تزويج المجنون وينبغي أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب أن في ذلك ذهاب علته
لأنه من أعظم مصالحه (فصل) وإذا زوج الصغير والمجنون فإنه يقبل لهما النكاح
ولا يأذن لهما في قبوله لأنهما ليسا من
أهل التصرفات فإن كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض
القبول إليه حتى يتولاه بنفسه كما يفوض أمر المبيع إليه وإن تزوج له الولي
جاز كما يجوز أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول بصحة بيعه ووقوع
طلاقه فإن قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى (فصل) وذكر القاضي أنه لا يجوز أن
يتزوج لهما بأكثر من مهر المثل لأنه معاوضة في حق الغير فلم تجز الزيادة
فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي وإذا قلنا إن للأب تزويج
أمته بدون صداق مثلها فهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل
المال فيه كما يجوز في مداواته بل الجواز هاهنا أولى فإن الغالب أن المرأة
لا ترضى بتزويج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول
بدون ذلك بخلاف المرأة وذكر القاضي في المجردان قياس المذهب أنه لا يتزوج
(7/385)
بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة
عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه وذكر في الجامع أنه له تزويج
ابنه الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه معيبة عيباً يرد
به النكاح فإن فيه ضرراً به وتفويت ماله فيما لا مصلحة له فيه فإن فعل خرج
في صحة النكاح وجهان فإن قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال؟ على وجهين
يذكر توجيههما في تزويج الصغيرة بمعيب فإن لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل
المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بأمة لأن إباحتها مشروطة بخوف العنت
وهو معدوم في حق الصبي غير معلوم في حق المجنون (فصل) فأما الإناث فللأب
تزويج ابنته البكر الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف إذا وضعها في
كفاءة قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته
الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء يجوز له ذلك مع كراهتها وامتناعاه وقد دل
على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى (واللائي ييئسن من المحيض من نسائكم
إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة
ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك
على تزويج وتطلق ولا إذن لها يعتبر وقالت عائشة تزوجني النبي صلى الله عليه
وسلم وأنا ابنة ست وبنابي وأنا ابنة تسع متفق عليه ومعلوم أنها لم تكن في
تلك الحال ممن يعتبر إذنها وروى الأثرم
أن قدامة ابن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له ابنة الزبير فقال إن
مت ورثتني وإن
(7/386)
عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم
وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (فصل) وفي البكر البالغة العاقلة
روايتان (إحداهما) له إجبارها على النكاح وهو مذهب مالك وابن أبي ليلى
والشافعي وإسحاق (والثانية) ليس له ذلك اختارها أبو بكر وهو مذهب الأوزاعي
والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح
البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " متفق
عليه وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى
الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه
وسلم ولأنها جائزة التصرف في مالها فلم يجز إجبارها كالثيب والرجل ووجه
الأولى ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأيم أحق
بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها " رواه أبو داود فلما قسم
النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهو البكر فيكون
وليها أحق منها بها ودل الحديث على أن الاستئمار ههنا والاستئذان في حديثهم
مستحب غير واجب كما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أمروا النساء في بناتهن " رواه أبو داود وحديث التي خيرها رسول الله صلى
الله عليه وسلم مرسل ويحتمل
(7/387)
أنها التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع
بها خسيسه فتخييرها لذلك ولأنه مما لا يشترط في نكاح الكبيرة كالنطق، وعن
أحمد لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين بغير إذنها اختلفت الرواية عن أحمد في
الجارية إذا بلغت تسع سنين فالمشهور عنه أنها كمن لم يبلغ تسعاً نص عليه في
رواية الأثرم وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء قالوا حكم
بنت تسع حكم بنت ثمان لأنها غير بالغة ولأن إذنها لا يعتبر في سائر
التصرفات فكذلك في النكاح (والرواية الثانية) حكمها حكم البالغة نص عليه في
رواية ابن منصور لمفهوم الآية ولدلالة الخبرين بعمومهما على أن اليتيمة
تنكح بإذنها، وإن أبت
فلا جواز عليها، وقد انتفى الإذن فيما دونها فيجب حمله على من بلغت تسعاً
فعلى هذه الرواية يجوز لغير الأب تزويجها بإذنها وحكمها حكم البالغة في
جواز إجبارها للأب فيه الروايتان، وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن عائشة
رضي الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ورواه
القاضي بإسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه والله أعلم
في حكم المرأة ولأنها بلغت سناً يمكن فيه حيضها وتحدث لها حاجة إلى النكاح
فيباح تزويجها كالبالغة إذا زوجت وقد خطب عمر أم كلثوم
(7/388)
بنت أبي بكر بعد موته إلى عائشة فأجابته
وهي لدون عشر ولأنها إنما ولدت بعد موت أبيها وإنما كانت ولاية عمر عشر
فكرهته الجارية فزوجها طلحة بن عبيد الله ولم ينكره منكر فدل ذلك على
اتفاقهم على صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية غير أبيها (مسألة) (وهل له
تزويج الثيب الصغيرة؟ على وجهين) أما الثيب الكبيرة فلا يجوز للأب ولا
لغيره تزويجها إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فإنه قال له
تزويجها وإن كرهت، والنخعي قال يزوج بنته إذا كانت في عياله فإن كانت بائنة
في بيتها مع عيالها استأمرها قال اسماعيل بن إسحاق لا أعلم أحداً قال في
الثيب بقول الحسن وهو قول شاذ خالف فيه أهل العلم والسنة الثابتة فإن
الخنساء ابنة حذام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه رواه البخاري وغيره.
قال ابن عبد البر هذا الحديث
(7/389)
مجمع على صحته والقول به ولا نعلم مخالفا
له إلا الحسن وكانت الخنساء من أهل قباء تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم
أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته فشكت ذلك إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر، ووروى أبو
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر "
متفق عليه وقال الأيم أحق بنفسها من وليها " وروى ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " ليس للولي مع الثيب أمر " رواهما النسائي وابو داود
ولأنها رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة فلم يجز إجبارها عليه كالرجل
(فصل) فأما الثيب الصغيرة ففيها وجهان (أحدهما) لا يجوز تزويجها وهو ظاهر
قول الخرقي واختيار ابن حامد وابن بطة والقاضي ومذهب الشافعي لعموم الأخبار
ولأن الإجبار يختلف بالبكارة والثيوبة لا بالصغر والكبر كما اختلف في صفة
الاذن ولأن في تأخيرها فائدة وهي أن تبلغ فتختار لنفسها ويعتبر إذنها بخلاف
البكر (الوجه الثاني) أن لأبيها تزويجها ولا يستأمرها اختاره أبو بكر عبد
العزيز وهو قول مالك وأبي حنيفة لأنها صغيرة فجاز إجبارها كالبكر والغلام
يحقق ذلك أنها لا تزيد بالثيوبة على ما حصل للغلام بالذكورية.
ثم الغلام يجبر إذا كان صغيراً فكذلك هذه،
(7/390)
والأخبار محمولة على الكبيرة فإنه جعلها
أحق من وليها، والصغيرة لا حق لها ويتخرج وجه ثالث وهو ان ابنة تسع يزوجها
وليها بإذنها، ومن دون ذلك على ما ذكرنا من الخلاف لما ذكرناه في البكر
والله أعلم (مسألة) (وللسيد تزويج إمائه الثيبات والابكار وعبيده الصغار
بغير إذنهم) لا نعلم خلافاً في السيد إذا زوج أمته بغير إذنها أنه يصح
ثيباً كانت أو بكراً صغيرة او كبيرة وذلك لأن منافعها مملوكة له والنكاح
عقد على منفعة فأشبه عقد الإجارة ولذلك ملك الاستماع بها ولهذا فارقت العبد
ولأنه ينتفع بذلك لما يحصل له من مهرها وولدها وتسقط عنه نفقتها وكسوتها
بخلاف العبد والمدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد كالأمة في إجبارها على
النكاح وقال مالك في آخر أمره ليس له تزويج أم ولده بغير إذنها وكرهه ربيعة
وللشافعي قولان وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولنا أنها مملوكته يملك الاستماع
بها واجازتها فملك تزويجها كالقن إذا ملك أخته من الرضاع أو مجوسية فله
تزويجها وإن كانتا محرمتين عليه لأن منافعهما ملكه وإنما حرمتا عليه لعارض
فأما التي بعضها حر فلا يملك إجبارها لأنه لا يملك إجبار المكاتبة لأنها
بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يملك إجبارها ولا تلزمه نفقتها ولا يصل
إليه مهرها (فصل) إذا اشترى عبده المأذون له وركبته ديون ملك سيده تزويجها
وبيعها وإعتاقها نص عليه
(7/391)
أحمد وذكره أبو بكر وقال وللسيد وطؤها وقال
الشافعي ليس له شئ من ذلك لما فيه من الإضرار
بالغرماء وأصل الخلاف ينبني على دين المأذون له في التجارة فعندنا يلزم
العبيد فلا يلحق الغرماء ضرر ويتصرف السيد في الأمة فإن الدين ما تعلق بها
وعنده أن الدين تعلق بالعبد وبما في يده فيلحقهم الضرر والكلام على هذا
مذكور في موضعه (فصل) وليس للسيد إكراه أمته على التزويج بمعيب عيباً يرد
به في النكاح لأنه يؤثر في الاستمتاع وذلك حق لها ولذلك ملكت الفسخ بالجب
والعنة والامتناع من الفيئة دون السيد وفارق بيعها لمعيب لأنه لا يراد
للاستمتاع ولهذا ملك شراء الأمة المحرمة عليه ولم تملك الفسخ لعيبه ولعنته
ولا إيلائه فإن زوجها من معيب فهل يصح؟ على وجهين فإن قلنا يصح فلها الفسخ
فإن كانت صغيرة فهل لها الفسخ في الحال أو ينتظر بلوغها؟ على وجهين ومذهب
الشافعي هكذا في هذا الفصل كله (فصل) وللسيد تزويج عبده الصغير بغير إذنه
في قول أكثر أهل العلم إلا أن بعض الشافعية قال فيه قولان وقال أبو الخطاب
يحتمل أن لا يملك تزويجه ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه
إياه وتمام ولايته عليه أولى وكذلك الحكم في عبده الصغير المجنون
(7/392)
(مسألة) (ولا يملك إجبار عبده الكبير إذا
كان عاقلا) وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة له ذلك
لقول الله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) ولأنه
يملك رقبته فملك إجباره على النكاح كالأمة ولأنه يملك إجارته فأشبه الأمة
ولنا أنه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولأن النكاح خالص حقه
ونفعه له فأشبه الحر والأمر بإنكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى
وإنما يزوجن عند الطلب ولأن مقتضى الأمر الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه
وأما الأمة فإنه يملك منافع بضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد، ويفارق
النكاح الإجارة لأنها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها ويحتمل مثل
ذلك في الصغير أيضاً قياساً على الكبير ويقوى الاحتمال في حق المميز إذا
قلنا بصحة طلاقه لأنه عاقل مميز يملك الطلاق أشبه البالغ
(فصل) والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنهما اولا وسواء باشر العقد بنفسه
أو أذن لعبده فعقده مأذوناً له في التجارة أو محجوراً عليه نص عليه أحمد
وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال
(7/393)
نفقته من ضريبته وقيل إن كان بقيمة ضريبته
أنفق عليها ولا يعطي المولى وإن لم يكن عنده ما ينفق سفرق بينهما وهذا قول
الشافعي، وفائدة الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وإن
لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه
الاكتساب ومن علقه بكسبه فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من
التكسب ولنا أنه حق تعلق بالعقد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما
لو رهنه بدين، فعلى هذا لو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص
عليه، لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش جنايته فأما النفقة
فإنها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو على العبد إذا عتق
(فصل) ويجوز أن يتزوج السيد لعبده بإذنه وأن يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لأنه
مكلف يصح طلاقه فكان من أهل مباشرة العقد كالحر ويجوز أن يأذن له مطلقاً
ومعيناً فإن عين له امرأة أو نساء بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فيتزوج غيرها
لم يصح لأنه متصرف بالإذن فينفذ تصرفه فيما أذن له فيه كالوكيل، وإن أذن له
مطلقاً فله أن يتزوج من شاء لكن إن تزوج امرأة من بلدة أخرى فلسيده منعه من
الخروج إليها، وإن كانت في البلد فعلى سيده إرساله ليلا للاستمتاع وإن أحب
سيده أن يسكنها في مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه
إرساله نهاراً لأنه يحتاج إلى استخدامه وليس
(7/394)
النهار محلا للاستمتاع غالباً ولسيده السفر
به فإن حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر والحر يملك السفر
وإن كرهت امرأته كذا ههنا (فصل) وللسيد أن يعين له المهر وله أن يطلق فإن
تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الإطلاق أو دونه لزم المسمى وإن
تزوج أكثر من ذلك لم تلزم الزيادة وهل يتعلق برقبة العبد أو ذمته يتبع بها
بعد العتق؟ على روايتين على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكرنا ذلك في
كتاب الحجر
(فصل) وإذا تزوج أمة ثم اشتراها بإذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وإن
اشتراها لنفسه وقلنا أنه لا يملك بالتمليك انفسخ النكاح كما لو اشترى الحر
امرأة وله وطؤها يملك اليمين بإذن سيده فإن كان بعضه حراً فاشتراها في ذمته
أو بما يختص بملكه انفسخ نكاحه لأنه ملكها وحلت له بملك يمينه وإن ملك
بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لأنه لا يملك جميعها وإن اشتراها بعين مال
مشتركة بينه وبين سيده بغير إذنه وقلنا إنه لا تفرق الصفقة لم يصح البيع
والنكاح بحاله وإن قلنا بتفريقها صح في قدر ماله وانفسخ النكاح لملكه بعضها
(7/395)
(فصل) وليس لسائر الأولياء تزويج كبيرة إلا
بإذنها إلا المجنونة لهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال وليس
لسائر الأولياء غير الأب تزويج كبيرة بغير إذنها جداً كان أو غيره وبه قال
مالك وأبو عبيد والثوري وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي إلا في الجد فإنه
جعله كالأب فإن ولايته ولاية إيلاد فملك الإجبار كالأب ولنا ما روى أبو
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا
تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يارسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت "
متفق عليه ولأن الجد قاصر عن الأب فلم يملك الإجبار كالعم ولأنه يدلي بغيره
فأشبه سائر العصبات، وفارق الأب فإنه يدلي بغير واسطة ويسقط الجد ويحجب
الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو امرأة وأبوين فأما
المجنونة فلهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال ذكره أبو الخطاب
وقال القاضي لا يزوجها إلا الحاكم لأنه الناظر لها في مالها دونهم فيجب أن
يختص بالولاية ووجه الأول أن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم لو كانت عاقلة
فكذلك إذا كانت مجنونة وقال الشافعي لا يجوز تزويجها إلا أن يقول أهل الطلب
إن علتها تزول بذلك
(7/396)
ولنا أنها محتاجة إليه لدفع ضرر الشهوة
عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل النفقة والمهر فجاز تزويجها تحصيلا لهذه
المصالح كغيرها
(فصل) في تزويج المجنونة إن كانت ممن يجبر أو كانت عاقلة جاز تزويجها لمن
يملك إجبارها لأنه إذا ملك إجبارها مع عقلها وامتناعها فمع عدمه أولى، وإن
كانت ممن لا يجبر فهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون وليها الأب أو وصيه
كالبنت الكبيرة فهذه يجوز لوليها تزويجها ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي
ولأنه جعل للأب تزويج المعتوه فالمرأة أولى وهذا قول الشافعي وابي حنيفة
ومنع منه أبو بكر لأنها ولاية إجبار وليس على البنت ولاية إجبار والأول أصح
فإن ولاية الإجبار إنما انتفت عن العاقلة بحصول المباشرة منها والخيرة وهذه
بخلاف ذلك، وكذلك الحكم في البنت الصغيرة إذا قلنا بعدم الإجبار في حقها
إذا كانت عاقلة (القسم الثاني) أن يكون وليها الحاكم وفيها وجهان أحدهما
ليس له بحال لأن هذه ولاية إجبار فلا يثبت لغير الأب بحال عضلها والثاني له
تزويجها إذا ظهر منها شهوة الرجال كبيرة كانت أو صغيرة وهو اختيار ابن حامد
وأبي الخطاب وقول أبي حنيفة لأن لها حاجة إليه لدفع
(7/397)
ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل
المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض ولا سبيل إلى إذنها فأبيح تزويجها
كالثيب مع أبيها وكذلك يبنغي أن يملك تزويجها إن قال أهل الطب علتها تزول
بتزويجها لأن ذلك من أعظم مصالحها وقال الشافعي لا يملك تزويج صغيرة بحال
ويملك تزويج الكبيرة إذا قال أهل الطب أن علتها تزول بتزويجها ولنا أن
المعنى المبيح للتزويج وجد في حق الصغيرة فأبيح تزويجها كالكبيرة إذا أظهرت
شهوة الرجال ففي تزويجها مصلحتها ودفع حاجتها، وتعرف شهوتها من كلامها من
قرائن أحوالها كتتبعها الرجال وميلها إليهم وأشباه ذلك (القسم الثالث) من
وليها غير الأب والحاكم فقال القاضي لا يزوجها إلا الحاكم فيكون حكمها حكم
القسم الثاني على ما بينا وقال أبو الخطاب لهم تزويجها في الحال التي يملك
الحاكم تزويج موليته فيها وهذا قول أبي حنيفة لأن ولايتهم مقدمة على ولاية
الحاكم فقدموا عليه في التزويج كما لو كانت عاقلة، ووجه قول القاضي أن
الحاكم هو الناظر في مالها دونهم فكان ولياً دونهم كتزويج أمتها ولأن هذا
دفع حاجة ظاهرة فكانت إلى الحاكم كدفع حاجة الجوع والعري فإن كان وصياً في
مالها لم يملك تزويجها لأنه لا ولاية له والحكم في تزويجها حكم من وليها
غير الأب
والحاكم كما ذكرناه
(7/398)
(مسألة) (وليس لهم تزويج صغيرة بحال) لما
روي أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها " لا إذن
لهؤلاء وعن أحمد أن لهم ذلك ولها الخيار إذا بلغت وهو قول الحسن وعمر بن
عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والاوزاعي وأبي حنيفة وقال هؤلاء
عن أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا لقول الله
تعالى (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء)
مفهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة، واليتيمة التي لم تبلغ لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " لايتم بعد احتلام " قال عروة سألت عائشة عن قول
الله تعالى (وإن خفتم الا تقسطوا في اليتامى) قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة
تكون في حجر وليها يعجبه مالها وجمالها يريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في
صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره نهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا فيهن
ويبلغوا أعلى سنتهن في الصداق.
متفق عليه وروت عائشة أن جارية بكرا زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي
صلى الله عليه وسلم الحديث مرسل (والثالثة) لهم تزويجها إذا بلغت تسع سنين
(7/399)
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "
تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها " رواه
أبو داود وقد انتفى الإذن فيمن لم تبلغ تسع سنين فيجب حمله على من بلغت
تسعاً.
(فصل) ويستحب للأب استئذان ابنته البكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
به ونهى عن الإنكاح بدونه، وأقل أحوال ذلك الاستحباب ولأن فيه تطييب قلبها
وخروجاً من الخلاف وقالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الجارية ينكحها أهلها تستأمر أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
نعم تستأمر " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استأمروا النساء في
أبضاعهن فإن البكر تستحيي فتسكت فهو إذنها " متفق عليهما وروي عن عطاء قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر
بناته إذا انكحهن قال كان يجلس عند خدر المخطوبة فيقول " إن فلاناً يذكر
فلانة " فإن حركت الخدر لم يزوجها وإن سكتت زوجها.
ويستحب استئدان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
أمروا النساء في بناتهن " ولأنها تشاركه في النظر لبنتها وتحصيل المصلحة
لها لشفقتها عليها وفي استئذانها تطييب قلبها وإرضاؤها فيكون أولى
(7/400)
(مسألة) (وإذن الثيب الكلام وإذن البكر
الصمات) أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن إذنها الكلام للخبر
وإن اللسان هو المعبر عما في القلب وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الإذن
غير أشياء يسيرة أقيم الصمت فيها مقامه لعارض، وأما البكر فاذنها صماتها في
قول عامة أهل العلم منهم شريح والشعبي والنخعي والثوري والاوزاعي وابن
شبرمة وابو حنيفة، ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره وقال أصحاب الشافعي
في صمتها في حق غير الأب وجهان (أحدهما) لا يكون إذناً لأن الصمات عدم
الاذن فلا يكون إذناً ولأنه محتمل للرضا وغيره فلا يكون إذناً كما في حق
الثيب وإنما اكتفي به في حق الأب لأن رضاها غير معتبر، وهذا شذوذ عن أهل
العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن إضافته إليه وجعله
مذهباً له مع كونه من اتبع الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
يعرج منصف على هذا القول وقد تقدمت روايتنا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن "
فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " وفي رواية عن عائشة أنها
قالت يارسول الله إن
(7/401)
البكر تستحي قال " رضاؤها صمتها " متفق
عليه، وفي رواية " تستأمر اليتيمة في نفهسا فإن سكتت فهو إذنها " وهذا صريح
في غير ذات الأب والأخبار في هذا كثيرة ولأن الحياء عقلة على لسانها يمنعها
النطق بالاذن ولا تستحي من آبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن أنه
كرضاها فاكتفي به وما ذكروه يفضي إلى أن لا يكون صمتها إذناً في حق الأب
أيضاً لأنهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا رداً على النبي صلى الله عليه
وسلم بالكلية وإطراحاً للأخبار الصريحة الجلية وخرقاً لإجماع الأمة
(فصل) فإن اذنت بالنطق فهو وابلغ وأتم، وإن ضحكت أو بكت فهو بمنزلة سكوتها،
وقال أبو يوسف ومحمد إن بكت فليس بإذن لأنه يدل على الكراهة وليس بصمت
فيدخل في عموم الحديث.
ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " تستأمر
(7/402)
اليتيمة فإن بكت أو سكتت فهو رضاها وإن أبت
فلا جواز عليها " ولأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان فكان
إذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو
كرهت لامتنعت فإنها لا تستحي من الامتناع والحديث يدل بصريحه على أن الصمت
إذن وبمعناه على ما في معناه من الضحك والبكاء ولذلك أقمنا الضحك مقامه
(مسألة) (ولا فرق بين الثيوبة بوطئ مباح أو محرم) وجملته أن الثيب المعتبر
نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطئ مباحاً أو محرماً وهذا مذهب
الشافعي وقال مالك وابو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها
وتزويجها لأن علة الاكتفاء بصمات البكر الحياء من الشئ ولا يزول إلا
مباشرته وهذه لم تباشر الاذن في النكاح فبقي حياؤها منه بحاله.
ولنا قوله عليه السلام " البكر تعرب عن نفسها " ولأن قوله عليه السلام " لا
تنكح الأيم حتى تستأمر
(7/403)
ولا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها أن تسكت
" يدل على أنه لابد من نطق الثيب لانه قسم النساء قسمين فجعل السكوت إذناً
لأحدهما فوجب أن يكون الآخر بخلافه وهذه ثيب فإن الثيب الموطوءة في القبل
وهذه كذلك ولأنه لو وصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو وصى للأبكار لم
تدخل ولو شرطها في التزويج أو الشراء فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ،
ولأنها موطوءة في القبل اشبهت الموطوءة بشبهة والتعليل بالحياء لا يصح فإنه
أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وإنما يعتبر بمظنته وهي البكارة ثم هذا
التعليل يفضي إلى ابطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه، ولا فرق بين
المكرهة والمطاوعة، وعلى هذا ليس لأبيها إجبارها إذا كانت بالغة، وفي
تزويجها إن كانت صغيرة وجهان قولهم إنها لم تباشر الإذن قلنا يبطل
بالموطوءة بشبهة وبملك يمين والمزوجة وهي صغيرة.
(مسألة) (فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الاذن)
(7/404)
إذا ذهبت بكارتها بغير الوطئ كالوثبة أو
شدة حيضة أو أصبع أو عود فحكمها حكم الإبكار ذكره ابن حامد لأنها لم يجر
المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فاشبهت من لم تزل عذرتها وكذلك لو وطئت في
الدبر لأنها غير موطوءة في القبل.
(فصل) إذا اختلف الزوج والمرأة في إذنها قبل الدخول فالقول قولها في قول
أكثر الفقهاء وقال زفر في الثيب كقول الجماعة وفي البكر القول قول الزوج
لأن الأصل السكوت والكلام حادث والزوج يدعي الأصل والقول قوله.
ولنا أنها منكرة للاذن والقول قول المنكر ولأنه يدعي أنها استؤذنت وسمعت
فصمتت والأصل عدم ذلك وهذا جواب عن قوله، وإن اختلفا بعد الدخول فقال
القاضي قول الزوج لأن التمكين من الوطئ دليل على الإذن وصحة البكارة فكان
الظاهر معه، وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها؟ قال القاضي: قياس
المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فأنكرته وبه قال أبو حنيفة
والشافعي وأبو يوسف ومحمد تستحلف فإن نكلت فقال أبو يوسف ومحمد ثبت النكاح
وقال الشافعي يستحلف الزوج ويثبت النكاح.
(7/405)
ولنا أنه اختلاف في زوجيته فلا يثبت
بالنكول كما لو ادعى الزوج أصل التز ويج فأنكرته، فإن كانت المرأة ادعت
أنها أذنت وأنكرته ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف في أمر مختص بها
صادر من جهتها فكان القول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر
فيه نيتها ولأنها تدعي صحة العقد وهم يدعون فساده فالظاهر معها (فصل) في
المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال: (أحدها) أن لوليه
تزويجه إذا علم حاجته إلى النكاح لأنه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه
لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه.
فإنه ربما تعرض بترك التزويج للاثم بالزنا الموجب الحد وهتك العرض، وسواء
علم بحاجته بقوله أو بغير قوله وسواء كانت حاجته إلى الاستمتاع أو إلى
الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لأنه يحتاج إلى الخلوة بها وإن لم يكن به حاجة
إليه لم يجز تزويجه لأنه يلزمه بالنكاح حقوق من المهر والنفقة والعشرة
والمبيت والسكنى فيكون تضييعاً لماله ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير
ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه فإن زوجه بغير إذنه فقال أصحابنا
يصح لأنه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولي عليه كالبيع ولأنه محجور
عليه أشبه
(7/406)
الصغير والمجنون، ويحتمل أن لا يملك تزويجه
بغير اذنه لأنه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد والعبد الكبير
وذلك لأن إجباره على النكاح مع ملك الطلاق مجرد اضرار فإنه يطلق فيلزمه
الصداق مع فوات النكاح ولأنه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى
فإذا أجبر على من يكرهها لم يحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الأخرى
فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه وإنما جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم إمكان
الوصول إلى ذلك من قولهما ولا يتعذر ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه
كالرشيد (الحال الثاني) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي
للولي تزويجه فيها وهي حالة الحاجة لأنه من أهل النكاح فإنه عاقل مكلف
وكذلك يملك الطلاق والخلع فجاز أن يفوض إليه ذلك وهو مخير بين أن يعين له
امرأة أو يأذن له مطلقاً أو قال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين له لئلا
يتزوج شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك ولنا أنه أذن في النكاح فجاز
من غير تعيين كالإذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه، ولا يتزوج إلا بمهر المثل
فإن زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لأنها محاباة بماله وهو لا يملكها وإن
نقص عن مهر المثل جاز لأنه تزوج من غير خسران (الحال الثالث) إذا تزوج بغير
إذن فقال أبو بكر يصح النكاح
(7/407)
أومأ إليه أحمد قال القاضي يعني إذا كان
محتاجاً فإن عدمت الحاجة لم يجز لأنه إتلاف لماله في غير فائدة وقال أصحاب
الشافعي إن أمكنه استئذان وليه لم يصح إلا بإذنه لأنه محجور عليه فلم يصح
منه التصرف
بغير إذنه كالعبد وإن طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان ولنا أنه
إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى
دينه الحال عند امتناع وليه من استيفائه، فأما ان تزوج من غير حاجة لم يصح
وإن وطئ فعليه مهر المثل للزوجة لأنه أتلف بضعها بشبهة فلزم عوض ما أتلف
كإتلاف مالها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الثالث الولي فلا نكاح إلا
بولي) فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح ولا تملك توكيل غير وليها فإن
فعلت لم يصح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة
رضي الله عنهم وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر
بن زيد الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري
واسحاق وأبو عبيد، وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي
يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفاً على إجازته وقال
أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في الإنكاح لأن الله تعالى قال
(ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) أضاف
(7/408)
النكاح إليهن ونهى عن منعهن ولأنه خالص
حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولأنها إذا ملكت بيع أمتها
وهو تصرف في رتبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض نفعها
أولى.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نكاح إلا بولي " روته عائشة
وأبو موسى وابن عباس قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث " لا نكاح إلا
بولي " فقالا صحيح وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "
أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها
فله المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له " رواه
الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره قال ابن
جريح سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية
كذلك قال الامام أحمد ويحيى ولو لم يثبت هذا لم يكن فيه حجة لأنه قد نقله
ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه إنسان قال النبي
صلى الله عليه وسلم " نسي آدم فنسيت ذريته " ولأنها مولى عليها في النكاح
فلا تليه كالصغيرة فأما
(7/409)
الآية فإن عضلها الامتناع من زواجها وهذا
يدل على أن نكاحها إلى الولي وهذا يدل على أنها نزلت في شأن معقل بن يسار
حين امتنع من التزويج فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها وأضافه إليها
لأنها تحل له إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز لها تزويج (مسألة) (وعن أحمد أن لها
تزويج أمتها ومعتقتها) وهذا يدل على أنه يصح اعتبارها في النكاح فيخرج منه
أن لها تزويج نفسها بإذن وليها وغيرها بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن
وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم
" أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " يدل بمفهومه على
صحته بإذنه ولأنها إنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن
انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها
والمذهب الأول لعموم قوله " لا نكاح إلا بولي " وهذا يقدم على دليل الخطاب
والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن
وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها
إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة
(7/410)
(فصل) فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان
المتولي لعقده حاكماً لم يجز نقضه وكذلك سائر الانكحة الفاسدة وخرج القاضي
وجها في هذا خاصة أنه ينقض وهو قول الاصطخري من أصحاب الشافعي لأنه خالف
نصاً والأول أولى لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الإجتهاد فلم يجز نقض
الحكم به كما لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد
عارضته ظواهر (مسألة) (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها) إنما قيد
المرأة بالحرة لأن الأمة لا ولاية لأبيها عليها بغير خلاف علمناه وأولى
الناس بتزويجها أبوها لأنه لا ولاية لأحد معه وبهذا قال الشافعي وهو
المشهور عن أبي حنيفة وقال مالك والعنبري وأبو
يوسف وإسحاق وابن المنذر الابن أولى وهي رواية عن أبي حنيفة لأنه أولى منه
بالميراث وأقوى تعصيباً لأنه يسقط تعصيب جده ولنا أن الولد موهوب لأبيه قال
الله تعالى (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) وقال
إبراهيم (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) وقال النبي صلى
الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة
أولى من العكس ولأن الأب
(7/411)
أكمل نظراً وأشد شفقة فوجب تقديمه في
الولاية كتقديمه على الجد ولأن الأب يقوم على ولده في صغره وسفهه وجنونه
فيليه في سائر ما تثبت الولاية عليه فيه بخلاف الابن ولذلك اختص بولاية
المال وجاز له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف
غيره ولأن الولاية احتكام وأحكام الأصل على فرعه أولى من العكس وفارق
الميراث فإنه لا يعتبر له النظر ولهذا يرث الصبي والمجنون وليس فيه احتكام
ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه (مسألة) (ثم أبوه وإن علا) يعني أن
الجد أبا الأب وإن علت درجته أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء وهو قول
الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن
وافقه لما تقدم وعن أحمد رواية ثالثة أن الأخ يقدم على الجد لأن الجد يدلي
بأبوة الأب والأخ يدلي بالبنوة والبنوة مقدمة وعنه رواية رابعة أن الأخ
والجد سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب واستواؤهما في القرابة يوجب
استواءهما في الولاية كالأخوين ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما الآخر
فاستويا
(7/412)
في الولاية كالآخرين ولنا أن الجد له إيلاد
وتعصيب فيقدم عليهما كالأب ولأن الابن والأخ يقادان بها والأخ يقطع بسرقة
مالها بخلاف الجد والجد لا يسقط في الميراث إلا بالأب والأخ يسقط به
وبالابن وابنه، وإذا ضاق المال وفي المسألة جد وأخ سقط الأخ وحده فوجب
تقديمه عليهما كالأب وكتقديمه على العم وسائر
العصبات إذا ثبت هذا فالجد وإن علا أولى من جميع العصبات غير الأب وأولى
الأجداد أقربهم كالجد مع الأب (مسألة) (ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل متى عدم
الأب وآباؤه) وأولى الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وإن نزلت درجته
الأقرب فالأقرب منهم وبه قال أصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا
أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكماً فيلي بذلك لا بالنبوة لأنه ليس بمناسب
لها ولا يلي نكاحها لحالها ولأن طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها ولنا ما
روت ام سلمة أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخطبها فقالت يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهداً قال " ليس من أوليائك
شاهد ولا غائب يكره " ذلك فقالت قم يا عمر فزوج
(7/413)
فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه
رواه النسائي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج
النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيراً؟ قال ومن يقول كان
صغير اليس فيه بيان عدل من عصباتها فيثبت له ولاية تزويجها كأخيها وقولهم
ليس بمناسب لها ممنوع وإن سلم فهو يبطل بالحاكم والمولى قولهم إن طبعه ينفر
من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل ثم يبطل بما إذا كان ابن عم
أو مولى أو حاكما إذا ثبت هذا فإنه يقدم على الأخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه
عند من يقول بولايته لأنه أقوى منه تعصبا وقد استويا في عدم الإيلاد
(مسألة) (ثم أخويها لأبيها) لا خلاف في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه
أقرب العصبات بعدهم فإن ابن الأب أقواهم تعصيباً وأحقهم بالميراث واختلفت
الرواية عن أحمد في الأخ للأب إذا اجتمعا فعنه إنهما سواء اختارها الخرقي
وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم لأنهما استويا في الادلاء بالجهة التي
تستفاد بها العصوبة وهي جهة الأب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب
وإنما رجح في المثيراث جهة الأم ولا مدخل لها في الولاية لم يرجح بها
كالعمين أحدهما خال وابني عم أحدهما أخ من أم (والرواية الثانية) الأخ من
(7/414)
الأبوين أولى اختارها أبو بكر وهذا قول أبي
حنيفة ومالك والشافعي وهو صحيح إنشاء الله تعالى لأنه حق يستفاد بالتعصيب
فيقدم فيه الأخ من الأبوين كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء فإنه لا
مدخل للنساء فيه وقد قدم الأخ للأبوين فيه وبهذا يبطل ما ذكر في الرواية
الأولى وهكذا الخلاف في بني الاخوة والاعمام وبنينهم وأما إذا كان ابنا عم
لأب أحدهما أخ لأم فهما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به وقال
القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن عم من الأبوين وابن عم من اب لأنه
يرجح من جهة أمه وليس كذلك لأن جهة أمه يرث بها منفردة وما ورث بها منفرداً
لم يرجح به وكذلك لم يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره فعلى هذا إذا
اجتمع ابن عم من أبوين وابن عم من اب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من
الأبوين عند من يرى تقديم ولد الأبوين (مسألة) (وعنه تقديم الابن على الجد
والتسوية بين الجد والاخوة وبين الأخ للأبوين والأخ للأب وقد ذكرناه)
(مسألة) (ثم بنوا الاخوة وإن سفلوا ثم العم ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من
العصبات على ترتيب الميراث)
(7/415)
وجملة ذلك أن الولاية بعد الاخوة تترتب على
ترتيب الميراث بالتعصيب فأحقم بالميراث أحقهم بالولاية فبعد الاخوة بنوهم
وإن سفلوا ثم بنوا الجد وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الجد
ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم
وأولى ولد كل أب أقربهم إليه لأن مبنى الولاية على النظر والشفقة وذلك
معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم أشفقهم ولا نعلم في هذا خلافاً بين أهل
العلم (فصل) ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الام والحال وعم
الأم وأبي الأم ونحوهم نص عليه الامام أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى
الروايتين عن أبي حنيفة والثانية أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه
يرثها فوليها كعصباتها ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه إذا بلغ النساء
نص الحقائق فالعصبة أولى يعني إذا أدركن
رواه أبو عبيد في القريب ولأنه ليس من عصباتها أشبه الأجنبي (مسألة) (ثم
المولى المنعم ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب) ثم السلطان إذا لم يكن
للمرأة عصبة من نسبها فوليها موليها يزوجها ولا نعلم خلافاً في أن العصبة
(7/416)
المناسبة أولى منه وذلك لأنه عصبة مولاته
يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فكذلك يزوجها وقدم عليه المناسبون كما
قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية
كالمرأة والطفل والكافر فعصباته الاقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم
مولى المولى ثم عصباته من بعده كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه
فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى بالتعصيب وإنما قدم الأب المناسب على
الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أب المعتق فيرجع
فيه إلى الأصل ثم السلطان لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن للسلطان
ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه يقول مالك والشافعي
واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "
فالسلطان ولي من لا ولي له " وروى أبو داود بإسناده عن أم حبيبة أن النجاشي
زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عنده ولأن للسلطان ولاية عامة
بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالأب (فصل)
والسلطان ههنا هو الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن
أحمد في
(7/417)
والي البلد فقال في موضع يزوج والي البلد
وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض قال يزوج إذا احتاط لها في
المهر والكفء أرجو أن لا يكون به بأس لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث
وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على القاضي
يقضي في الفروج والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب
والجناية وقال ما للوالي وذا؟ إنما هو إلى القاضي وتأول القاضي الرواية
الأولى على أن الوالي أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له ذلك إذا لم يكن
في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته
وهذا منها
(فصل) إذا استولى أهل البغي على بلد جر حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى
الإمام وقاضيه لأنه أجري مجراه في قبض الصدقات في الجزية والخراج فكذلك في
هذا (فصل) واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون
ولياً لها ولا يزوج حتى يأتي السلطان لأنه ليس من عصبتها ولا يعقل عنها ولا
يرثها فأشبه الأجنبي وقال في رواية حرب في امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها
هو وهو قول إسحاق وروي عن ابن سيرين أنه
(7/418)
لا يفعل ذلك حتى يأتي السلطان وعن الحسن
أنه كان لا يرى بأساً في أن يزوجها نفسه وذلك لما روى أبو داود بإسناده عن
تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من
المسلمين؟ قال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " إلا أن هذا الحديث ضعفه
أحمد وقال رواية ابن عبد العزيز يعني ابن عمر بن عبد العزيز وليس هو من أهل
الحفظ والإتقان.
(فصل) وإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها
رجل عدل بإذنها فإنه قال في دهقان قرية يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها
في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض قال ابن عقيل أحد قوم من
أصحابنا من هذه الرواية إن النكاح لا يقف على ولي قال وقال القاضي نصوص
أحمد تمنع من ذلك قال شيخنا، والصحيح أن هذا من القول حال عدم الولي
والسلطان لأنه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض، وجهه أن اشتراط الولي ههنا
يمنع النكاح بالكلية فلم يجز كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها وروي
عنه أنه لا يجوز النكاح إلا بولي لعموم الأخبار فيه
(7/419)
(مسألة) (وولي الأمة سيدها إذا كان من أهل
ولاية التزويج) لا نعلم فيه خلافاً لأنه مالكها وله التصرف في رقبتها
بالبيع ففي التزويج أولى ولا يزوجها إلا بإذنها (مسألة) (فإن كانت لامرأة
فوليها ولي سيدتها وقد ذكرنا ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد فيمن يزوج أمة
المرأة فروي عنه أنه يلي نكاحها ولي سيدتها قال القاضي هذا هو الصحيح
اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لأن مقتضى الدليل كون
الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها فثبتت لأوليائها كولاية نفسها ولأنهم
يلونها لو عتقت ففي حال رقها أولى فإن كانت سيدتها رشيدة لم يجز تزويج
أمتها إلا بإذنها لأنها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد بغير إذنه وبغير
نطقها بذلك وإن كانت بكراً لأن صماتها إنما اكتفي به في تزويج نفسها
لحيائها ولا تستحي من تزويج غيرها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة
ولوليها ولاية على مالها فله تزويج أمتها إن كان الحظ في تزويجها وإلا لم
يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية ليس له
تزويجها بحال لانه فيه الحظ لأن الكلام فيه فجاز كسائر التصرفات الجائزة
وإهمال الحظر مرجوح بما فيه من تحصيل مهرها وولدها وكفاية مؤنتها وصيانتها
عن الزنا الموجب للحد في حقها ونقص قيمتها
(7/420)
والمرجوح كالمعدوم فإن كان وليها في مالها
غير ولي تزويجها فولاية تزويجها للولي في المال دون ولي التزويج لأنه
المتصرف في المال وهي مال وروى عن أحمد رواية ثانية أن للمرأة أن تولي أمر
أمتها رجلا لتزويجها نقلها عن أحمد جماعة لأن سبب الولاية الملك وقد تحقق
في المرأة وامتنعت المباشرة لنقص الأنوثية فملكت التوكيل كالرجل والمريض
والغائب ونقل عن أحمد كلام يحتمل رواية ثالثة وهو أن سيدها يزوجها فإنه قيل
له تزوج أمتها؟ قال قد قيل ذلك هي مالها وهذا يحتمل أنه ذهب إليه وهو قول
أبي حنيفة لأنها تملكها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها كالسيد ولأنها
تملك بيعها وإجارتها فملكت تزويجها كسيدها ولأن الولاية إنما ثبتت على
المرأة لتحصيل الكفاءة صيانة لحظ الأولياء في تحصيلها فلا تثبت عليها
الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاءة وعدم الحق للأولياء فيها ويحتمل أن
أحمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فإنه قال في سياقها أحب إلي أن تأمر زوجها
لأن النساء لا يعقدن وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " لا تنكح المرأة المرأة " وقالت عائشة
(7/421)
زوجوا فإن النساء لا يزوجن واعقدوا فإن
النساء لا يعقدن ولأن المرأة لا تملك تزويج نفسها فغيرها أولى.
(فصل) ويزوج عتيقتها من يزوج أمتها ذكره الخرقي وفيها روايتان (إحداهما)
لمولاتها أن توكل
رجلا في تزويجها لأنها عصبتها وترثها فأشبهت المعتق (والثانية) يزوجها ولي
سيدتها وهي أصح لأن هذه ولاية لنكاح والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى
عصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها ويرثونها بالتعصيب عند عدم سيدتها فكانوا
أولياءها كما لو تعذر على المعتق تزويج عتيقته، وقد ذكرنا أنه إذا انقرض
العصبة من النسب ولي المولى المعتق ثم عصباته الأقرب فالأقرب كذا ههنا إلا
أن الظاهر من كلام الخرقي ههنا تقديم أبي المعتقة على ابنها لأنه أولى
بتزويجها وقد يزوج معتقتها من يزوج أمتها ويزوج أمتها من يزوجها، وقد ذكرنا
أن ابن المعتقة أولى بتزويج عتيقتها من أبيها ويعتبر في ولايتها شرطان
(أحدهما) عدم العصبة من النسب لأن المناسب أقرب من المعتق وأولى منه
(الثاني) إذن المزوجة
(7/422)
لأنها حرة وليست له ولاية إجبار فإنه أبعد
العصبات ولا يعتبر إذن مولاتها لأنه لا ولاية لها ولا ملك فاشبهت القريب
الطفل إذا زوج البعيد (فصل) فإن كان للأمة مولى فهو وليها وإن كان لها
موليان اشتركا في الولاية وليس الواحد منهما الاستقلال بها بغير إذن صاحبه
لأنه لا يملك إلا بعضها وإن اشتجرا لم يكن للسلطان ولاية لأن تزويجها تصرف
في المال بخلاف الحرة فإن نكاحها حق لها ونفعه عائد إليها ونكاح الأمة حق
لسيدها نفعه عائد إليه فلم ينب السلطان عنه فيه فإن أعتقاها ولها عصبة
مناسب فهو أولى منهما وإن لم يكن لها عصبة ولياها ولا يستقل أحدهما
بالتزويج لأن ولايته على بعضها فإن اشتجرا أقام الحاكم مقام الممتنع منهما
لأنها صارت حرة وصار نكاحها حقاً لها وإن كان المعتق أو المعتقة واحدا وله
عصبتان كالابنين والأخوين
(7/423)
فلأحدهما الاستقلال بتزويجها كما يملك
تزويج سيدتها.
(مسألة) (ويشترط في الولي الحرية والذكورية واتفاق الدين والعقل) وجملته
أنه يعتبر لثبوت الولاية ستة شروط العقل والحرية والإسلام إذا كانت المرأة
مسلمة والذكورية والبلوغ، والعدالة على اختلاف نذكره فأما العقل فهو شرط
بغير خلاف لأن الولاية إنما ثبتت نظراً للمولى عليه عند عجزه عن النظر
لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره
أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره أو من ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ
إذا أفند قال
(7/424)
القاضي والشيخ الذي قد كبير فلا يعرف موضع
الحظ لها لا ولاية له، فأما الإغماء فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قريب
فهو كالنوم، وكذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء ومن كان يجن في
الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يدوم زوال عقله فهو كالإغماء (الشرط الثاني)
الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فإن العبد لاو لاية له على
نفسه فعلى غيره أولى، وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد بإذنها بناء
منهم على أن المرأة تزوج نفسها وقد مضى الكلام في هذه المسألة.
(الشرط الثالث) الإسلام فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة، وهو قول عامة أهل
العلم قال ابن المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وفيه
وجه أن الكافر يزوج أم ولده المسلمة وسوف نذكره إن شاء الله تعالى، قال
أحمد بلغنا أن علياً أجاز نكاح أخ ورد نكاح الأب وكان نصرانياً (الشرط
الرابع) الذكورية وهو شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال
والمرأة ناقصة قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلأن لا
يثبت لها ولاية على غيرها أولى، وعن أحمد أنها تلي نكاح أمتها ومعتقتها وقد
ذكرناه.
(7/425)
(الشرط الخامس) البلوغ وهو شرط في ظاهر
المذهب قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر هذا قول الثوري
والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبى ثور وروى عن أحمد أنه إذا بلغ عشرا زوج
وتزوج وطلق وأجهزت وكالته في الطلاق ويحتمله كلام الخرقي لتخصيصه المسلوب
الولاية بكونه طفلا، ووجه ذلك أنه يصح بيعه وطلاقه ووصيته فثبتت له الولاية
كالبالغ، والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأن الولاية يعتبر لها كمال
الحال لأنها تفيد التصرف في حق غيره واعتبرت نظراً له والصبي مولى عليه
لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة والأصول المقيس عليها ممنوعة.
(السادس) العدالة وفي كونها شرطا روايتان (إحداهما) هي شرط قال أحمد إذا
كان القاضي مثل ابن الحلبي وابن الجعد استقبل النكاح، فظاهر هذا أنه أفسد
النكاح لانتفاء عدالة المتولي له وهذا قول الشافعي لما روى عن ابن عباس أنه
قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد.
قال أحمد أصح شئ في هذا قول ابن عباس يعني وقد روى ابن عباس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة
أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وروى البرقاني باسناده عن جابر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل "
ولأنها ولاية نظر فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال
(7/426)
(والرواية الأخرى) ليست شرطا، نقل مثنى ابن
جامع أنه سأل أحمد إذا تزوج بولي وشهود غير عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح
شئ وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق
وهو قول مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فثبتت له
الولاية على غيره كالعدل ولأنه يثبت الولاية للقرابة وشرطها النظر وهذا
قريب ناظر فيلي كالعدل (فصل) ولا يشترط أن يكون بصيراً لأن شعيباً زوج
ابنته وهو أعمى ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر
إلى النظر ولا يشترط النطق بل يجوز أن يلي الأخرس إذا فهمت اشارته لأنها
تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام فكذلك النكاح (مسألة) (فإن كان
الأقرب طفلا أو كافراً أو عبداً زوج الأبعد) لأن الولاية لا تثبت لطفل ولا
عبد ولا كافر على مسلمة فعند ذلك يكون وجودهم كعدمهم فتثبت الولاية لمن
أبعد منهم إذا كملت فيه الشروط كما لو ماتوا.
(مسألة) (وإن عضل الأقرب زوج الأبعد وعنه يزوج الحاكم) العضل منع المرأة من
التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه،
(7/427)
فمتى وجد ذلك انتقلت الولاية إلى الأبعد نص
عليه أحمد وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو
اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان وشريح وبه قال الشافعي لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " ولأن
ذلك حق عليه امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع
من قضائه ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الأبعد كما لو جن
ولأنه يفسق بالعضل فنتنقل الولاية عنه كما لو شرب الخمر، فإن عضل الأولياء
كلهم زوج الحاكم، والحديث حجة لنا لقوله " السلطان ولي من لاولي له " وهذه
لها ولي ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل فانه قوله " فإن اشتجروا " ضمير
جمع يتناول الكل والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة (أحدها) أنها حق للولي
والدين عليه.
(الثاني) أن الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل عنه لعارض من جنون الولي
وفسقه (الثالث) أن الدين لا تعتبر في بقائه العدالة والولاية يعتبر لها ذلك
وقد زالت العدالة بما ذكرنا، فإن قيل لو زالت ولايته لما صح منه التزويج
إذا أجاب إليه قلنا فسقه بامتناعه فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق
(7/428)
فزال فسقه فكذلك صح تزويجه، وقد روي عن
معقل بن يسار قال: زوجت أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء
يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا
تعود إليك أبداً وكان رجلا لا بأس به فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل
الله هذه الآية (فلا تعظلوهن) فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال " فزوجها
إياه " رواه البخاري (فصل) وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبه قال
الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة له منعها من التزويج بدون مهر
مثلها لأن عليهم في ذلك عاراً وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن ولنا أن
المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها
وأجر دارها، ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى ولأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لرجل أراد أن يزوجه " التمس ولو خاتما من حديد " وقال
لامرأة زوجت بنعلين " أرضيت من نفسك بنعلين؟ " قالت نعم: فأجازه النبي صلى
الله عليه وسلم وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك فإن عمر قال لو كان مكرمة في
الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني
غلو الصداق فإن رغبت في رجل بعينه وهو كفء
فأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان
عاضلا لها فإن طلبت التزويج بغير كفء، فله منعها منه ولا يكون عاضلاً بذلك
لأنها لو زوجت بغير كفئها كان له فسخ، النكاح فلأن يمنع منه ابتداء أولى
(7/429)
(مسألة) (وإن غاب غيبة منقطعة زوج الا بعد
وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي ما لا يصل
إليه الكتاب أو يصل فلا يجب عنه وقال القاضي ما لا تقطعه القافلة في السنة
إلا مرة، وقد قال أحمد إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد.
قال أبو الخطاب فيحتمل أنه أراد بالسفر البعيد ما تقصر فيه الصلاة) الكلام
في هذه المسألة من أمرين (أحدهما) أن الأقرب إذا غاب غيبة منقطعة زوج
الأبعد دون الحاكم وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يزوجها الحاكم لأنه
تعذر الوصول إلى النكاح من الأقرب مع بقاء ولايته فيقوم الحاكم مقامه كما
لو عضلها ولأن الأبعد محجوب بولاية الأقرب فلا يجوز له التزويج كما لو كان
حاضراً، ودليل بقاء ولايته أنه لو زوج من حديث هو أو كل صح ولنا قوله عليه
الصلاة والسلام " السلطان ولي من لاولي لها " وهذه لها ولي فلا يكون
السلطان ولياً لها ولأن الأقرب تعذر حصول التزويج منه فتثبت الولاية لم
يليه من العصبات كما لو جن أو مات ولأنها حالة يجوز فيها التزويج لغير
الأقرب فكان ذلك للأبعد كالاصل وإذا عظلها فهي كمسئلتنا (الفصل الثاني) في
الغيبة المنقطعة التي يجوز للأبعد التزويج في مثلها ففي قول الخرقي هي مالا
(7/430)
يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه لأن
مثل هذا يتعذر مراجعته بالكلية فتكون منقطعة أي تنقطع عن إمكان تزويجها،
وقال القاضي يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة إلا
مرة لان الكفء ينتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها،
وقد قال أحمد في موضع إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأخ.
يحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة لأن ذلك هو السفر البعيد الذي علقت عليه
الأحكام وذكر أبو بكر وجوهاً (أحدها) ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة لأن أحمد
قال
إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها كتب إليهم حتى يأذنوا إلا أن تكون غيبة
منقطعة لا تدرك إلا بكلفة ومشقة فالسلطان ولي من لا ولي له، قال شيخنا وهذا
القول إن شاء الله أقربها إلى الصواب فإن التحديدات بابها التوقيف ولا
توقيف في هذه المسألة فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم مما لم تجر العادة
بالانتظار فيه ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله فإنه يتعذر في
ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الأقرب فيكون كالمعدوم والتحديد بالعام كثير
فإن الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك ويذهب الخاطب، ومن لا يصل منه كتاب
أبعد ومن هو على مسافة لا تلحق المشقة بمكاتبته فكان التوسط أولى، واختلف
(7/431)
أصحاب أبي حنيفة في الغيبة المنقطة فقال
بعضهم كقول القاضي وبعضهم قال من الري إلى بغداد وقال بعضهم من الرقة إلى
البصرة، وهذا القولان يشبهان قول أبي بكر، واختلاف أصحاب الشافعي في الغيبة
التي بزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر، وقال بعضهم الحاكم، وإن كان
الولي قريباً وهو منصوص الشافعي، وظاهر كلام أحمد أنه إذا كانت الغيبة غير
منقطعة أنه ينتظر ويراسل حتى يقدم أو يوكل (فصل) فإن كان القريب أسيراً أو
محبوساً في مسافة قريبة لا يمكن مراجعته فهو كالبعيد فان البعدلم يعتبر
لعينه بل لتعدر الوصول إلى التزويج بنظره وهذا موجود ههنا وكذلك إن كان
غائباً لا يعلم أقريب هو أم بعيد أو علم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو
كالبعيد (مسألة) (ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال إلا إذا أسلمت أم ولده في
وجه) أما الكافر فليس له ولاية على مسلمة بحال وهو قول مالك والشافعي وأبي
عبيد وأصحاب الرأي قال ابن المندر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل
العلم، وذكر شيخنا ههنا أن فيه وجها أن الكافر يلي نكاح أم ولده إذا أسلمت
وذكره أبو الخطاب لأنها مملوكته فيلي نكاحها كالمسلم، ولأنه عقد
(7/432)
عليها فيليه كإجارتها (والثاني) لا يليه
لقول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولأنها مسلمة فلا يلي
نكاحها كابنته فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا الوجه أولى لما ذكرنا من
الإجماع
(مسألة) (ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا سيد الأمة وولي سيدها أو السلطان
لقول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولأن مختلفي الدين لا يرث
أحدهما الآخر ولا يعقل عنه فلم يل عليه كما لو كان أحدهما رقيقاً فأما سيد
الأمة الكافرة فله تزويجها الكافر لكونها لا تحل للمسلمين وكذلك سيد الأمة
الكافرة يلي تزويجها لكافر لأنها ولاية بالملك فلم يمنعها كون سيد الأمة
الكافرة مسلماً كسائر الولايات ولأن هذه تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير
سيدها.
فأما السلطان فله الولاية على من لاولي لها من أهل الذمة لأن ولايته عامة
على أهل دار الاسلام وهذه من أهل الدار فثبتت له الولاية عليها كالمسلمة
وتثبت الولاية للكافر على أهل دينه على حسب ما ذكرنا في المسلمين وتعتبر
فهم الشروط المعتبرة في المسلمين (مسألة) (ويلي الذمي نكاح موليته الذمية
من الذمي لقوله تعالى (والذين كفروا بعضهم
(7/433)
أولياء بعض (وهل يليه من مسلم؟ على وجهين)
(أحدهما) يليه ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لأنه وليها فصح تزويجه
لها كما لو زوجها كافرا ولأنها امرأة لها ولي مناسب فلم يجز أن يليها غيره
كما لو تزوجها ذمي (والثاني) لا يزوجها إلا الحاكم قاله القاضي لأن أحمد
قال: لا يعقد يهودي ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا مسلمة ووجهه أنه عقد
يفتقر إلى شهادة مسلمين فلم يصح بولاية كافر كنكاح المسلمين والأول أصح
والشاهدان يرادان لإثبات النكاح عند الحاكم بخلاف الولاية (مسألة) (وإذا
زوج الأبعد من غير عذر للأقرب أو زوج الأجنبي لم يصح وعنه يصح ويقف على
إجازة الولي) الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أنه إذا زوج الا بعد
مع حضور الأقرب وإجابته إلى تزويجها من غير إذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي
وقال مالك يصح لأن هذا ولي فصح أن يزوجها بإذنها كالأقرب ولنا أن هذا مستحق
بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث وبهذا فارق القريب
البعيد
(7/434)
(الفصل الثاني) إن هذا العقد يقع فاسدا على
الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحاً وكذلك الحكم اذا زوج الأجنبي أو زوجت
المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح في
هذا كله باطل في أصح الروايتين نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وأبي
عبيد وأبى ثور وعن أحمد رواية أخرى انه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز وإن
لم يجزه فسد قال أحمد في صغير زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز
وإن لم يرض فسخ وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت وقال إذا تزوج
العبد إذن سيده ثم علم السيد فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد السيد فإن
أذن في التزويج فالطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر
فيها الإذن وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وعن القاسم بن محمد والحسن بن صالح واسحاق وأبي يوسف ومحمد لما روي أن
جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة
فحيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وابن ماجة وروي أن فتاة
جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع
بي خسيسة قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم
أن للنساء من الأمر شيئاً ولأنه عقد يقف على الفسخ
(7/435)
فوقف على الإجازة كالوصية ووجه الأولى قول
النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها
باطل - وقال - إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل) رواه أبو داود
وابن ماجة إلا أن أبا داود قال هو موقوف على ابن عمر ولأنه عقد لا تثبت فيه
أحكامه من الطلاق والخلع واللعان والتوارث فلم ينعقد كنكاح المعتدة فأما
حديث المرأة التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل عن عكرمة
رواه الناس كذلك ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود ثم يحتمل أن هذه المرأة
هي التي قالت زوجني أبي من ابن أخيه ليرفع به خسيسته فتخييرها لتزويجها من
غير كفئها وهذ ايثبت الخيار ولا يبطل النكاح والوصية يتراخى فيها القبول
وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا تفريع عليه هذه
الرواية لوضوحها فأما عليا لرواية الأخرى فإن الشهادة تعتر في العقد لأنها
شرط له
فيعتبر وجودها معه كالقبول ولا تعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد ولأنها
إذا وجدت أسند الملك إلى حالة العقد حتى لو كان في الصداق بما ملك من حين
العقد لا من حين الإجازة وإن مات أحدهما قبل الإجازة لم يرثه الآخر لأنه
عقد تلزمه إجازته فهو كالصحيح وإن كان مما لا يجزه لم يرثه (فصل) ومتى
تزوجت المرأة بغير إذن وليها والأمة بغير إذن سيدها فقد ذكره أصحابنا من
(7/436)
الروايتين قال شيخنا والصحيح عندي أنه لا
يدخل فيها لتصريح النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالبطلان ولأن الإجازة إنما
تكون العقد صدر من أهله في محله فأما ما لا يصدر من الأهل كالذي عقده
المجنون أو الطفل فلم يقف على الإجازة وهذا عقد لم يصدر من أهله فإن المرأة
ليست أهلا له بديل أنه لو أذن لها فيه لم يصح مع الاذن القارن فأن لا يصح
بالإجازة المتأخرة أولى ولا تفريع على هذا القول وأما على القول الآخر فمتى
توجت بغير إذن الولي فيرفع إلى الحاكم لم يملك إجازته والأمر فيه إلى الولي
فمتى رده بطل لأن من وقف بالحكم على إجازته بطل برده كالرأة إذا زوجت بغير
إذنها وفيه وجه آخر أنه إذا كان الزوج كفؤاً أمر الحاكم الولي بإجازته فان
لم يفعل أجازه الحاكم لأنه لو امتنع صار عاضلا فانتقلت الولاية عنه إلى
الحاكم في ابتداء العقد ومتى حصلت الإصابة قبل الإجازة ثم أجيز فالمهر
واحداما المسمى وأما مهر المثل إن لم يكن مسمى فإن الإجازة مسندة إلى حالة
العقد فيثبت الحل والملك من حين العقد كما ذكرنا في البيع ولذلك لم يجب
الحد ومتى تزوجت الأمة بغير إذن سيدها ثم خرجت من ملكه قبل الإجازة إلى من
تحل له انفسخ النكاح ولأنه قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها
لأنها أقوى فأزالت الأضعف كما لو طرأ ملك اليمين
(7/437)
على الملك النكاح وإن خرجت إلى من تحل له
كالمرأة أو اثنتين فكذلك أيضاً لأن العقد إذا وقف على إجازة شخص لم يجز
بإجازة غيره كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك فأجازها المشتري الثاني
مع الأجنبي وفيه وجه آخر أنه يجوز بإجازة المالك الثاني لأنه يملك ابتداء
العقد فملك إجازته كالأول ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو هبة أو إرث أو غيره
فأما إن أعتقها السيد احتمل أن يجوز النكاح
لأنه إنما وقف لحق المولى فإذا أعتق سقط حقه فصح واحتمل أن لا يجوز لأن
إبطال حق الولي ليس بإجازة ولأن حق المولى إن بطل من الملك لم يبطل من
ولاية التزويج فإنه يليها بالولاء (فصل) وإذا تزوجت التي يعتبر إذنها بغير
إذنها وقلنا يقف على إجازتها فإجازتها بالنطق أو ما يدل على الرضا من
التميكن من الوطئ والمطالبة بالمهر أو النفقة ولا فرق في ذلك بين البكر
والثيب لأن أدلة الرضا تقوم مقام النطق به ولذلك قال النبي صلى الله عليه
وسلم لبريرة (إن وطئك زوجك فلا خيار لك) جعل تمكينها دليلا على إسقاط حقها
والمطالبة بامهر أو النفقة والتمكين من الوطئ دليل على الرضا لأن ذلك من
خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها به (مسألة) (ووكيل كل واحد
من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضراً ووصيه في النكاح بمنزلته)
(7/438)
يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي
حاضراً أو غائباً مجبراً أو غير مجبر لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عمرو بن أمية الضمري في تزويجه أم
حبيبة ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب
والجد وجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه يلي بالاذن فلم يجز له التوكيل كالوكيل
ولنا أنه بلي شرعاً فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم إن يلي بالاذن فإن
ولايته ثابتة قبل إذنها وإنما إذنه شرط لصحة تصرفه فأشبه ولاية الحاكم
عليها ولا خلاف في أن للحاكم أن يستنيب في التزويج من غير إذن المرأة ولأن
المرأة لا ولاية لها على نفسها فكيف ثبتت الإنابة من قبها؟ (فصل) ويجوز
التوكيل مطلقاً ومقيداً فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق
التوكيل في تزويج من يرضاه أو من شاء قال أحمد في رواية عبد الله في الرجل
يولى على أخته وابنته تقول إذا وجدت من أرضاه فزوجه فتزوجيه جائز ومنع بعض
الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روي أن رجلا من العرب ترك ابنته عند
عمر وقال إذا وجدت لها كفؤاً فزوجه ولو بشراك نعله فزوجها عمر عثمان بن
عفان فهي أم عمر بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه أذن في النكاح فجاز
مطلقاً
(7/439)
كإذن المرأة أو عقد فجاز التوكيل فيه
مطلقاً كالمبيع (فصل) ولا يعتبر في الوكالة إذن المرأة في التوكيل سواء كان
الموكل أبا أو غيره ولا يفتقر إلى حضور شاهدين وقال بعض الشافعية لا يجوز
لغير المجبر التوكيل إلا بإذن المرأة وخرجه القاضي على الروايتين في توكيل
الوكيل من غير إذن الموكل وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يصح إلا بحضرة
شاهدين لأنه يراد بحل الوطئ فافتقر إلى الشهادة كالنكاح ولنا أنه أذن من
الولي في التزويج فلم يفتقر إلى إذن المرأة ولا إشهاد كإذن الحاكم وقد بينا
أن الولي ليس بوكيل المرأة ولو كان وكيلها لتمكنت من عزله وهذا التوكيل لا
يملك به البضع فلم يفتقر إلى إشهاد بخلاف النكاح ويبطل ما ذكره الحسن بن
صالح بالتوكيل في شراء الإماء للتسري (فصل) ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل
فإن كان للمولى الإجبار ثبت ذلك لوكيله إن كانت ولايته ولاية مراجعة احتاج
الوكيل إلى ما رجعة المرأة لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبتت للمنون عنه
وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له
قائماً مقامه (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد هل تستفاد ولاية النكاح
بالوصية؟ فروي أنها تستفاد بها اختارها الخرقي وهذا قول الحسن وحماد بن أبي
سليمان ومالك وروي عنه لا تستفاد بالوصية وبه قال الثوري والشعبي والنخعي
والحارث العكلي وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر ولأنها ولاية تنتقل إلى
(7/440)
غيره شرعاً فلم يجز أن يوصى بها كالحضانة
ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكافئها فلا تثبت له
الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز الوصية بها كولاية الحاكم وقال
أبو عبد الله بن حامد إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط
حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة جاز لعدم ذلك ولنا أنها ولاية للأب فجازت
وصيته بها كولاية المال وما ذكروه يبطل بولاية المال ولأنه يجوز أن يستنيب
فيها في حياته فيكون نائبه قائماً مقامه فجاز أن يستنيب فيها بعد موته
كولاية المال فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية سواء كان مجبرا
بالاب أو غير مجبر كالأخ ووصي كل ولي
يقوم مقامه فإن كان الوي له الإجبار فكذلك لوصيه وإن كان يحتاج إلى إذنها
فوصيه كذلك لأنه قائم مقامه فهو كالوكيل وقال مالك إن عين الأب الزوج ملك
إجبارها صغيرة كانت أو كبيرة وإن لم يعين الزوج وكانت بنته كبيرة صحت
الوصية فاعتبر إذنها وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها فإذا أذنت جاز أن
يزوجها بإذنها ولنا أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملك مع الإطلاق
كالوكيل ومتى زوج وصي الأب الصغيرة فبلغت فلا خيار لها لأن الوصي قائم مقام
الموصي فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل
(7/441)
(فصل) ومن لم نثبت له الولاية لا يصح
توكيله لأن وكيله قائم مقامه فإن وكله الولي في تزويج موليته لم يصح لأنها
ولاية ليس هو من أهلها ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبة بولاية النسب فلأن
لا يملك مناسبة غيره بالتوكيل أولى ويحتمل أن يصح توكيل العبد والفاسق
والصبي المميز في العقد لأنهم من أهل اللفظ به وعباراتهم فيه صحيحة ولذلك
صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا الولاية لأنه يعتبر لها الكمال ولا
حاجة إليه في اللفظ وإن وكله الزوج في قبول النكاح صح وكذلك انه وكله الأب
في قبول النكاح لابنه الصغير لأنه يصح قبولهم لأنفسهم فجاز أن ينوبوا فيه
عن غيرهم كالبيع وقال بعض أصحابنا لا يصح لأنه أحد طرفي العقد أشبه الإيجاب
والأول أولى (مسألة) (وإذا استوى الأولياء في الدرجة كالإخوة والأعمام
وبنيهم صح التزويج من كل واحد منهم لأن سبب الولاية موجود في واحد منهم)
(مسألة) (والأولى تقديم أكبرهم وافضلهم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما
تقدم محيصة وحويصة وعبد الرحمن بن سهل فتكم عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كبر كبر) أي قدم الاكبر فتكم حويصة ولأنه
أحوط للعقد في اجتماع شروطه والنظر في الحظ فإن تشاحوا أقرع بينهم لأنهم
تساووا في الحق وتعذر الجمع فيقرع
(7/442)
بينهم كالمرأس وقد كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه لتساوي
حقوقهن كذا هذا (مسألة) (فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج صح تزويجه في
أقوى الوجهين إذا زوج كفؤاً بإذن المرأة) لأنه تزويج صدر من ولي كامل
الولاية بإذن موليته فصح كما لو انفرد وإنما القرعة لإزالة المشاحنة وفيه
وجه آخر أنه لا يصح ذكره أبو الخطاب فلم يصح تزويجه كالأبعد مع الأقرب
(مسألة) (وإذا زوج الوليان اثنين ولم يعلم السابق منهما فسخ النكاحان)
وجملة ذلك أن المرأة إذا كان لها وليان فأذنت لكل واحد منهما في تزويجها
جاز سواء أذنت في رجل معين أو مطلقاً فإذا زوجها الوليان لرجلين وعلم
السابق منهما فالنكاح له سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل وهذا قول الحسن
والزهري وقتادة وابن سيرين والاوزاعي والثوري والشافعي وأبى عبيد وأصحاب
الرأي وبه قال عطاء ومالك ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار
أولى لقول عمر رضي الله عنه إذا أنكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل بها
الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى ولأن الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق
ولنا ما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرأة
زوجها وليان فهي للأول
(7/443)
أخرج حديث سمرة أبو داود والترمذي وأخرجه
النسائي عنه وعن عقبة وروي نحو ذلك عن علي وشريح ولأن الثاني تزوج امرأة في
عصمة زوج فكان باطلاً كما لو علم الحال ولأنه نكاح باطل لو عري عن الدخول
فكان باطلا وإن دخل كنكاح المعتدة وأما حديث عمر فلم يصححه أصحاب الحديث
وقد خالفه قول علي وجاء على خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه
من القبض لا معنى له فإن النكاح يصح بغير قبض مع أنه لا أصل له فيقاس عليه
ثم يبطل كسائر الانكحة الفاسدة (فصل) فإن دخل بها الثاني وهو يعلم أنها ذات
زوج فرق بينهما وكان لها عليه مهر مثلها ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض
بعد وطئها من الثاني فأما إن علم الحال قبل وطئ الثاني لها فانها تدفع إلى
الأول ولا شئ عليا لثاني لأن عقده عقد باطل لا يوجب شيئاً فإن وطئها الثاني
وهو لا يعلم فهو
وطئ بشبهة يجب لها به المهر وترد إلى الأول ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي
عدتها وهو قول قتادة والشافعي وابن المنذر قال أحمد لها صداق بالمسيس وصداق
من هذا ولا ترد الصداق الذي يوجد من الداخل بها على من دفعت إليه إلى فسخ
لأنه باطل ولا يجب لها المهر إلا بالوطئ دون مجرد الدخول والوطئ دون الفرج
لأنه نكاح باطل لا حكم له ويجب مهر المثل لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية
وذكر أبو بكر أن الواجب المسمى قال القاضي هو قياس المذهب والأول هو الصحيح
لما قلنا
(7/444)
(مسألة) (فإن جهل الأول منهما فسخ
النكاحان) ولا فرق بين أن لا يعلم كيفية وقوعها أو يعلم أن أحدهما قبل
الآخر لا بعينه أو يعلمه بعينه ثم يشكل والحكم في جميعها واحد وهو أن يفسح
الحاكم النكاحين جميع انص عليه أحمد في رواية الجماعة ثم يتزوج من شاه
منهما أو من غيرهما وعن أحمد رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن وقعت له
القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه لأنه إن كانت زوجته لم يضره
تجديد النكاح وإن كانت زوجة الآخر بانت بالطلاق وصارت زوجة هذا بعقده
الثاني لأن القرعة تدخل لتمييز الحقوق عند التساوي كالسفر بإحدى نسائه
والبداية بالمبيت عند إحداهن وتعتبر الأنصباء في القسمة وقال الثوري وأبو
ثور يخيرهما السلطان على أن يطلق كل واحد منهما طلقة فإن أبيا فرق بينهما
وهو قريب من القول الأول لأنه تعذر إمضاء العقد الصحيح فوجب إزالة الضرر
بالتفريق، وقال الشافعي وابن المنذر النكاح مفسوخ لأنه تعذر إمضاؤه ولا يصح
هذا فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد إشكاله كما لو اختلف المتبايعان في قدر
الثمن إمضاؤه ولا يصح هذا فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد إشكاله كما لو
اختلف المتبايعان في قدر الثمن فإن العقد لا يزول إلا بفسخ كذاههنا، وروي
عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سليمان أنها تخير فأيهما اختارته
فهو وجها وهذا فاسد فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما كما لو لم
يعقد إلا أحدهما أو كما لو أشكل على الرجل امرأته في النساء أو على المرأة
زوجها إلا أن يريدوا بقولهم إنها إذا اختارت أحدهما فرق بينهما وبين الآخر
ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن فإنه
(7/445)
فإنه يستغنى بالتفريق بينهما وبين أحدهما
عن التفريق بينها وبينهما جميعاً ويفسخ أحد النكاحين عن فسخهما فإن أبت أن
تختار لم تجبر وكذلك ينبغي إذا قرع بينهما فوقعت القرعة لأحدهما لم تجبر
على نكاحه لأنه لا يعلم فتيعين إذا فسخ النكاحين ولها أن تتزوج من شاءت
منهما أو من غيرهما في الحال إن كان قبل الدخول وبعد انقضاء العدة إن كان
دخل بها أحدهما.
(فصل) فإن ادعى كل واحد منهما إنه السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل
قولهما فإن أقرت المرأة لأحدهما لم يقبل إقرارها نص عليه أحمد، وقال أصحاب
الشافعي يقبل كما لو أقرت ابتداء ولنا أن الخصم الزوج الآخر في ذلك فلم
يقبل في إبطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق فإن ادعى الزوجان على المرأة
أنها تعلم السابق منهما فانكرت لم تستحلف لذلك وقال أصحاب الشافعي تستحلف
بناء منهم على أن إقرارها مقبول فإن فرق بينهما وبين أحدهما لاختيارها
لصاحبه أو لوقوع القرعة له وأقرت لفه أن عقده سابق فينبغي أن يقبل اقرارهما
لانهما على ذلك من غير خصم منازع فأشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر (فصل)
وإن علم أن العقدين وقعا لم يسبق أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى
فسخهما لأنهما باطلان من أصلهما ولا مهر لها على واحد منهما ولا ميراث لها
منهما ولا يرثها واحد منهما لذلك وإن لم يعلم
(7/446)
ذلك فسخ نكاحهما فروي عن أحمد أنه يجب لها
نصف المهر ويقترعان عليه لأن عقد أحدهما صحيح وقد انفسخ بنكاحه قبل الدخول
فوجب عليه نصف مهرها كما لو خالفها وقال أبو بكر لا مهر لها لأنهما مجبران
على الصداق فلم يزلمهما مهر كما لو فسخ الحاكم نكاح رجل لعسرته أو غيبته
وإن ماتت قبل الفسخ أو الطلاق فلأحدهما نصف ميراثها فيوقف الأمر حتى يصطلحا
عليه وقيل يقر بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنه المستحق وورث وإن مات
الزوجان فلها ربع ميراث أحدهما فإن كانت قد أقرت أن أحدهما سابق بالعقد فلا
ميراث لها من الآخر وهي تدعي ميراث من أقرت له فإن كان أحدهما قد ادعى ذلك
أيضاً دفع إليها ربع ميراثه وإن لم يكن ادعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم
مع إيمانهم
فإن نكلوا قضى عليهم وإن لم تكن المرأة أقرت بسبق أحدهما احتمل ان يحلف
ورثة كل واحد منهما واحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت فلها ربع ميراثه وقد
روى حنبل عن أحمد أنه سئل عن رجل له ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات
الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع بينهم فأيتهن أصابتها القرعة فهي زوجته وإن
مات الزوج فهي التي ترثه (فصل) فإن ادعى كل واحد منهما إنه السابق فأقرت
لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب المهر وجب على المقر له دون صاحبه
لاقراره لها به وإقرارها ببراءة صاحبه وإن ماتا ورثت المقر له دون صاحبه
لذلك وإن ماتت هي قبلها احتمل أن يرثها المقر له كما ترثه واحتمل أن لا
يقبل إقرارها له كما لم يقبله في نفسها وإن لم تقر لاحدهما الابعد موته فهو
كما لو أقرت في حياته وليس لورثة
(7/447)
واحد منهما الاننكار لاستحقاقها لأن موروثه
قد أقر لها بدعوى صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها وإن لم تقر لواحد منهما
أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع القرعة عليه وإن كان أحدهما قد أصلبها
وكان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها فلها المسمى لأنه مقر
لها به وهي لا تدعي سواه، وإن كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو يقر
له بالمسمى فإن استويا أو اصطلحا فلا كلام، وإن كان مهر المثل أكثر حلف على
الزائد وسقط وإن كان المسمى لها أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا
تستحقها (مسألة) (وإذا زوج السيد عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي
العقد لانه ملك بحكم الملك لا بحكم الإذن في قولهم جميعاً.
فإن كان مالكاً لأحد طرفي العقد فوكله ملك الطرف الآخر فيه أو وكله المولي
في الإيجاب والزوج في القبول خرج فيه وجهان بناء على الروايتين اللتين
نذكرهما في المسألة التي تليها لأنه ملك ذلك بالاذن وإن زوج ابنته الكبيرة
عبده الصغير لم يجز ذلك إلا برضاها لأنه يكافئها ويخرج فيه أيضاً وجهان وإن
زوجه ابنته الصغيرة لم يجز لأنه لا يجوز له تزويجها ممن لا يكافئها وعنه
يجوز
(7/448)
(مسألة) (وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم
والمولى والحاكم إذا أذنت له في تزوجها وعنه لا يجوز حتى توكل في أحد
الطرفين) وجملة ذلك أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها إذا أذنت له أن
يتزوجها فله ذلك وهل له أن يلي طرفي العقد بنفسه؟ فيه روايتان (إحداهما) له
ذلك وهو قول الحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري وأبي حنيفة واسحاق وأبي
ثور وابن المنذر لما روى البخاري قال: قال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم
امرأة قارض أتجعلين أمرك إلي؟ قالت نعم قال قد تزوجتك لأنه يملك الإيجاب
والقبول فجاز أن يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير ولأنه عقد وجد فيه
الإيجاب من ولي ثابت الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول فصح كما لو وجدا
من رجلين، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها
صداقها، فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل نكاح لا
يحضره أربعة فهو سفاح: زوج وولي وشاهدان) قلنا هذا لا تعرف صحته ولو صح كان
مخصوصا بما إذا زوج السيد عبده الصغير أمته فيتعدى التخصيص إلى مح النزاع
وهو يفتقر إلى ذكر الإيجاب والقول، وهل يكتفى بمجرد
(7/449)
الإيجاب؟ فيه وجهان (أحدهما) يحتاج أن يقول
زوجت نفسي فلانة وقبلت هذا النكاح لأن ما افتقر إلى الإيجاب افتقر إلى
القبول كسائر العقود (والثاني) يكفيه أن يقول زوجت نفسي فلانة أو تزوجت
فلانة وهو قول مالك وأبي حنيفة لحديث عبد الرحمن بن عوف، ولأن إيجابه يتضمن
القبول فأشبه إذا تقدم الاستدعاء ولهذه قلنا إذا قال لأمته أعتفتك وجعلت
عتقك صداقك انعقد النكاح بمجرد هذا القول (والرواية الثانية) لا يجوز أن
يتولى طرفي العقد ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها ذكرها الخرقي قال أحمد
في رواية ابن منصور لا يزوج نفسه حتى يولي رجلا على حديث المغيرة بن شعبة
وهو ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الملك بن عميران المغيرة بن شعبة أمر
رجلا يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ولأنه عقد ملكه بالاذن فلم يجز أن
يتولى طرفيه كالبيع ولهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير وعلى هذه
الرواية لو وكل من يقبل النكاح له وتولى هو الإيجاب جاز وقال الشافعي في
ابن العم والمولى لا يزوجهما إلا الحاكم ولا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولا
أن يوكل من يزوجه لأن وكيله بمنزلته وهذا عقد ملكه بالإذن فلا يتولى طرفيه
كالبيع ولا يجوز أن يزوجه
من هو أبعد منه من أوليائهما لأنه لا ولاية لهم مع وجوده ولنا ما ذكرنا من
فعل الصحابة ولم يظهر خلافه ولأن وكيله يجوز أن يلي العقد عليها لغيره
(7/450)
فصح أن يليه عليها له إذا كانت نحل له
كالإمام إذا أراد أن يتزوج موليته ولأن هذه امرأة لها ولي حاضر غير عاضل
فلم يليه الحاكم كما لو أراد أن يزوجها غيره، ومفهوم قوله عليه الصلاة
والسلام (السلطان ولي من لا ولي له) أنه لا ولاية له على هذه والبيع ممنوع
فإن الوكيل يجوز أن يشتري ما وكل في بيعه بإذن الموكل (فصل) فما إن أذنت له
في تزويجها ولم تعين الزوج لم يجز أن يزوجها نفسه لأن إطلاق الإذن يقتضي
تزويجها غيره ويجوز تزويجها لولده لأنه غيره فإن زوجها لابنه الكبير قبل
لنفسه وإن زوجها لابنه الصغير فقيه الروايتان في تولي طرفي العقد فإن قلنا
لا يتولاه فوكل رجل يزوجها لولده وقبل هو النكاح له افتقر إلى إذنها للوكيل
على ما قدمنا في أن الوكيل لا يزوجها إلا بإذنها وإن وكل رجلا يقبل النكاح
لولده وأوجب هو النكاح لم يحتج إلى إذنها لأنها قد أذنت له (مسألة) (وإن
قال السيد لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح فإن طلقها قبل الدخول رجع
عليها بنصف قيمتها وكذلك إن قال جعلت عتق أمتي صداقها) ظاهر المذهب أن
الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد في
رواية جماعة روى ذلك عن علي رضي الله عنه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد
بن المسيب وأبو
(7/451)
سنة بن عبد الرحمن والحسن والزهري واسحاق
(فصل) وعنه لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها فإن أبت فعليها قيمتها قال
الأوزاعي يلزمها أن تتزوجه وروى المروذي عن أحمد إذا أعتق أمته وجعل عتقها
صداقها يوكل رجلا يزوجه، فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النكاح قال أبو الخطاب
هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك
لأنه لم يوجد إيجاب وقبول فلم يصح لعدم أركانه كما لو قال أعتقتك وسكت
ولأنها بالعتق تملك نفسها فيجب أن يعتبر رضهاها كما لو فصل بينهما ولأن
العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع
بحكم الملك فلا يجوز أن يستبيح الوطئ بنفس المسمى فإنه لو قال بعتك هذه
الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح ولنا ما روى أنس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها متفق عليه وفي لفظ أعتقها
وتزوجها فقلت يا أبا حمزة وما أصدقها؟ قال نفسها عتقها وروى الأثرم باسناده
عن صفية قالت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي
وبإسناده عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا أعتق الرجل أم ولده فجعل
عتقها صداقها فلا بأس بذلك.
ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق لا يتقدم النكاح ولو تأخر
العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأنف عقداً ولو استأنفه لظهر ونقل كما نقل
غيره ولأن من جاز له تزويج امرأة
(7/452)
لغيره من غير قرابة جاز له أن يتزوجها
كالإمام وقولهم لم يوجد إيجاب ولا قبول عديم الأثر فإنه لو وجد لم يحكموا
بصحته وعلي أنه إذا لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه
ما لو تزج امرأة هو وليها ولو قال الخاطب للولي أزوجت قال نعم صح عند
أصحابنا وكما لو أتى بالكنايات عند أبي حنيفة ومن وافقه (فصل) ولا فرق بين
أن يقول أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك أولا يقول وتزوجتك وكذلك قوله
وجعلت عتقك صداقك وجعلت صداقك عتقك كذلك ذكره الخرقي ونص أحمد في رواية
صالح إذا قال جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كان ذلك جائزاً، ويشترط لصحة
النكاح أن لا يكون بينهما فصل فلو قال أعتقتك وسكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه
أو تكلم بكلام أجنبي لم يصح الناح لأنها صارت بالعتق حرة فتحتاج إلى أن
يتزوجها برضاها بعقد وصداق جديد ولابد من حضور شاهدين إذا قلنا باشتراطا
الشهادة في النكاح نص على ذلك في رواية الجماعة لقوله لا نكاح إلا بولي
وشاهدين.
(فصل) وإذا قلنا بصحة النكاح فطلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن
الطلاق قبل
(7/453)
الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها وقد
فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق
بعد زواله فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن والحاكم وقال الأوزاعي
يرجع بقيمتها ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع بالنصف كسائر الطلاق
وتعتبر القيمة حالة الإعتاق لأنها حالة الإتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف
القيمة فهل تستسعى فيها أو يكون ديناً تنظر به إلى حالة القدرة؟ على
روايتين، وإن قلنا أن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه
أزال ملكه بعوض لم يسلم له فرجع إلى قمية المفوت كالبيع الفاسد وكذلك إن
قلنا إن النكاح العقد به فارتدت قبله أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن
أرضعت زوجة له صغيرة ونحو ذلك انفسخ نكاحها وعليها قيمة نفسها.
(مسألة) (وإن قال لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أو لم
يقل ويكون عتقك فقبلت عتقك ولم يلزمها أن تزوجه نفسها) لأنه سلف في نكاح
فلم يلزمها كما لو أسلف حرة ألفاً على أن يتزوجها ولانه اسقط حقه من الخيار
قبل وجود سببه فلم يسقط كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها
أومأ إليه أحمد
(7/454)
في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه
أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم فاستحق الرجوع بقيمته كالبيع الفاسد إذا
تلفت السلعة في يد المشتري والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ويحتمل أن لا
يلزمها شئ بناء على ما إذا قال لعبده أعتقتك على أن تعطيني الفاً وهذا قول
مالك وزفر لأن هذا ليس بلفظ شرط فأشبه ما لو قال أعتقتك وزوجيني نفسك.
وتعتبر القيمة حال العتق ويطالبها في الحال إن كانت قادرة عليها وإن كانت
معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب؟ على وجهين أصلهما في المفلس
هل يجبر على الكسب؟ على روايتين (فصل) وإن اتفق السيد والأمة على أن يعتقها
وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك صح ولا مهر لها غير ما شرط من العتق وبه قال
أبو يوسف وقال أبو حنيفة والشافعي لا يكون العتق صداقاً لكن إن تزوجها على
القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق ولنا أن العتق
صداقاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم فيجز وفي حق أمته كالدراهم ولأنه
يصلح
عوضاً في البيع فإنه لو قال أعتق عبدك على ألف جاز فلأن يكون عوضاً في
النكاح أولى فإن النكاح لا يقصد فيه العوض، وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق
أباها صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله
(7/455)
إذا ثبت هذا فإن العتق يصير صداقاً كما لو
دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم يجبر
وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها
وحكم المدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد حكم الأمة القن في جميع ما
ذكرنا (فصل) ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله
تعالى أو أعتقها ليتزوجها وكره أنس تزويج من أعتقها لوجه الله تعالى قال
الأثرم قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن أنس أنه كره أن يعتق الأمة
ثم يتزوجها قال نعم ذاك إذا أعقها لله كره أن يرجع لي في شئ ولنا ما روى
أوبو موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت عنده جارية
فعلمها وأحسن إليها ثم اعتقها وتزوجها فذلك له أجران) متفق عليه ولأنه إذا
تزوجها فقد أحسن إليها بإعفافها وصيانتها فلم يكره ما لو زوجها غيره وليس
في هذا رجوع فيما جعل الله فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من اشترى
منها شيئاً (فصل) وإذا قال أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه
أن يزوجه ابنته لأنه سلف في نكاح وعليه قيمة عبد وقال الشافعي في احد
القولين لا يلزمه شئ لأنه لا فائدة له في العتق
(7/456)
ولنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه
فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه وكما لو قال طلق زجتك على
ألف فطلقها أو ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه وبهذه الأصول يبطل قولهم أنه
لا فائدة له في العتق (فصل) قال رضي الله عنه (الرابع الشهادة فلا ينعقد
إلا بشاهدين عدلين بالغين عاقلين وإن كانا ضريرين) المشهور عن أحمد أن
الشهادة شرط لصحة النكاح روى ذلك عن عمر وعلي وهو قول ابن عباس وسعيد بن
المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي
وأصحاب
الرأي وعن أحمد أنه يصح بغير شهود فعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير
وسالم وحمزة ابنا ابن عمر وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي
ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور وابن المنذر وهو قول الزهري ومالك إذا
أعلنوه قال إبن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر وقال ابن عبد
البر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح إلا بولي
وشاهدين عدلين) من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر ألا إن في نقلة ذلك
ضعيفاً فلم أذكره قال إبن المنذر وقد
(7/457)
أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت
حيي وتزوجها بغير شهود قال أنس بن مالك اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم
جارية بسبعة أرؤس قال الناس ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أم جعلها أم ولد فلما أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها متفق عليه قال
فاستدلوا على تزويجها بالحجاب وقال يزيد بن هارون أمر الله بالإشهاد في
البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة في النكاح ولم يشترطوها في
البيع، ووجه الأولى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا
نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) رواه الخلال باسناده وروى الدارقطني عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لابد في النكاح من أربعة الولي
والزوج والشاهدين) ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو لولد فاشترطت
الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي صلى
الله عليه وسلم بغير ولي وشهود فمن خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره
(فصل) ويشترط في الشهود الذكورية والعدالة والعقل والبلوغ والإسلام، فأما
الذكورية فقال أحمد إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز ذلك لما روى أبو عبيد في
الأموال عن الزهري قال مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا
تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق ولأنه عقد ليس
بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يثبت
بشهادتهن
(7/458)
كالحدود (والثاني العدالة) ففي انعقاد
النكاح بشهادة الفاسقين روايتان (إحداهما) لا ينعقد وهو مذهب الشافعي للخبر
ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين (والثانية)
ينعقد بشهادتهما وهو
قول أبي حنيفة لأنه تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات، وعلى كلتا
الروايتين لا تعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لأن النكاح
يكون في القرى والبوادي وبين عامة الناس مما لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار
ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستوراً لم يظهر فسقه فإن تبين بعد
العقد أنه كان فاسقاً لم يؤثر في العقد لأن الشرط العدالة ظاهر وهو أن لا
يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك وقيل تبين أن النكاح كان فاسداً لعدم الشرط
ولا يصح لأنه لو كانت العدالة الباطنة شرطاً لوجب الكشف عنها لأنه مع الشك
فيها يكون الشرط مشكوكاً فيه فلا ينعقد النكاح ولا تحل المرأة مع الشك في
صحة نكاحها، وإن حدث الفسق فيهما لم يؤثر في صحة النكاح لأن الشرط إنما
يعتبر حالة العقد ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل منهما
وثبت النكاح بشهادتهما (الثالث العقل) فلا ينعقد بشهادة مجنونين ولا طفلين
لأنهما ليسا من أهلا الشهادة ولا لهما قول يعتبر (الرابع البلوغ) فلا ينعقد
بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة أشبها الطفل وعنه أنه ينعقد
(7/459)
بشهادة مراهقين عاقلين بناء على أنهما من
أهل الشهادة (الخامس الإسلام) فلا ينعقد النكاح بشهادة كافرين سواء كان
الزوجان مسلمين أن الزوج مسلماً وحده نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وقال
أبو حنيفة إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين ويتخرج لنا مثل ذلك بناء
على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض والأول أصح لما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)
ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين (فصل) وينعقد
بشهادة ضريرين وللشافعية في ذلك وجهان ولنا انها شهادة على قول فقبلت من
الضرير كالشهادة بالاستفاضة، ويعتبر أن يتيقن الصوت على وجه لا يشك فيهما
كما يعلم ذلك من رآهما وينعقد بشهادة عبدين وقال أبو حنيفة والشافعي لا
ينعقد والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في قبول شهادتهما في سائر الحقوق
وسنذكر ذلك في موضعهه إن شاء الله، (وعنه ينعقد بحضور فاسقين) وقد ذكرنا
ذلك (ورجل وامرأتين) ظاهر المذهب أن النكح لا ينعقد برجل وامرأتين وهو قول
النخعي والاوزاعي والشافعي وعن أحمد أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة
لم يجز فإن كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده
بذلك وهو قول أصحاب
(7/460)
الرأي وروي عن الشعبي لأنه عقد معاوضة
فانعقد بشهادتهن بالرجال كالبيع ولنا الخبر المذكور ولأنه عقد ليس المقصود
منه المال ويحضره الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالحدود ولهذا فارق
البيع (مسألة) (وعنه ينعقد بحضور مراهقين عاقلين) وقد ذكرناه (مسألة) (ولا
ينعقد نكاح المسلم بشهادة ذميين ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية وقد
ذكرنا ذلك) (مسألة) (ولا ينعقد بحضور أصمين ولا أخرسين) لأن الأصمين لا
يسمعان والأخرسين يتعذر الأداء منهما، وفي انعقاده بشهادة أهل الصنائع
الرديئة كالحجام ونحو وجهان بناء على قبول شهادتهم (مسألة) (وهل ينعقد
بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما؟ على وجهين) أحدهما ينعقد اختاره
أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله (وشاهدي عدل) ولأنه ينعقد بهما نكاح غير
هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول (والثاني) لا ينعقد لأن العدو لا
تقبل شهادته على عدوه والابن لا تقبل
(7/461)
شهادته لوالده وعنه أن الشهادة ليست من
شروط النكاح وقد ذكرنا الخلاف في ذلك والله أعلم (فصل) قال رحمه الله
(الخامس) كون الرجل كفؤاً لها في إحدى الروايتين فلو رضيت المرأة والاولياء
بغيره لم يصح) اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكاح فروي
عنه أنها شراط فإنه قال إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما وهذا قول سفيان
قال أحمد في الرجل يشرب الشراب ما هو بكفء لها يفرق بينهما وقال لو كان
المتزوج حائكاً فرقت بينهما لقول عمر رضي الله عنه لأمنعن تزويج ذوات
الاحساب الامن الأكفاء رواه الخلال باسناده وعن أبي إسحاق الهمداني قال خرج
سلمان وجرير في سفر فأقيمت الصلاة فقال جرير لسلمان تقدم فقال سلمان بل أنت
تقدم فإنكم معشر العرب
لا نتقدم في صلاتكم ولا تنكح نساءكم إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله
عليه وسلم وجعله فيكم ولأن التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث في
الأولياء بغير إذنه فلم يصح كما لو زوجها بغير إذنها وقد روى الدارقطني عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكحوهن إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا
الأولياء) إلا أن ابن عبد البر قال: هذا ضعيف لا أصل له ولا يحتج بمثله،
ولو رضيت المرأة والأولياء بغير كف لم يصح النكاح لفوات شرط وهذا اختيار
الخرقي وإذا اقلنا باشتراطها فإنما يعتبر
(7/462)
وجودها حال العقد فإن عدمت بعده يبطل
النكاح فإن كانت معدومة حال العقد فهو فاسد حكمه حكم العقود الفاسدة على ما
نذكره إن شاء الله تعالى (والثانية) ليست شرطاً في النكاح وهي أصح، وهو قول
أكثر أهل العلم روي نحوه عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن
عمير وحماد بن أبي سليمان وابى سبرين وابن عون ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
لقول الله تعالى (أن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقالت عائشة أن أبا حذيفة ابن
عتبة بن ربيعة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد بن عتبة وهو
مولى لامرأة من الأنصار، أخرجه البخاري وأمر النبي صلى الله عليه وسلم
فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره متفق عليه وزوج زيد
بن حارثة ابنة عمه زينب بنت جحش الأسدية، وقال ابن مسعود لأخيه أنشدك الله
أن لا تزوج إلا مسلماً وإن كان أحمر رومياً أو أسود حبشياً ولأن الكفاءة لا
تخرج عن كونها حقاً للمرأة أو للاولياء أولهما فلم يشترط وجودها كالسلامة
من العيوب وروي أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه) رواه
أبو داود إلا أن أحمد ضعفه وأنكره إنكاراً شديداً.
(7/463)
قال شيخنا والصحيح أنها غير مشروطة، وما
روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ولا يلزم منه اشتراطها (مسألة) (لكن
إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ) لأن للزوجة ولكل
واحد من الأولياء فيها حقاً ومن لم يرض منهم فله الفسخ ولذلك لما زوج
رجل ابنته من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه جعل لها النبي صلى الله عليه وسلم
الخيار فاختارت ما صنع أبوها ولو فقد الشرط لم يكن لها خيار.
(فصل) وإذا قلنا ليست شرطا فرضيت المرأة والأولياء جميعهم صح النكاح، وإن
لم يرض بعضهم فقد روي عن أحمد أن العقد يقع باطلا من أصله لأن الكفاءة حق
الجميعهم والعاقد متصرف فيها بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي وهذا أحد
قولي الشافعي وظاهر المذهب أن العقد يقع صحيحاً ويثبت لمن لم يرض الفسخ لما
ذكرنا من حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أبها
زوجها بغير كف خيرها ولم يبطل النكاح من أصله ولأن العقد وقع بالاذن والنقص
الموجود فيه لا يمنع صحته وانما يثت الخيار كالعيب من العنة وغيرها فعلى
هذه الرواية يثبت الفسخ لمن لم يرض، وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو
حنيفة إذا رضيت المرأة وبعض الأولياء
(7/464)
لم يكن لباقي الأولياء فسخ لأن هذا الحق لا
يتجزأ وقد أسقط بعض الشركاء بعضه فسقط جميعه كالقصاص.
ولنا أن كل واحد من الأولياء يعتبر رضاه فلم يسقط برضا غيره كالمرأة مع
الولي.
فأما القصاص فلا يثبت بكل واحد كاملا فإذا سقط بعضه تعذر استيفاؤه وههنا
بخلافه ولأنه لو زوجها بدون مهر مثلها ملك الباقون عند غيرهم الاعتراض مع
أنه خالص حقها فههنا مع أنه حق لهم أولى.
(مسألة) (فلو زوج الاب بغير كفء برضاها فللاخوة الفسخ) نص عليه أحمد وقال
مالك والشافعي ليس لهم فسخ إذا زوج الأقرب لأنه لا حق للأبعد معه فرضاها لا
يعتبر كالأجنبي ولنا أنه ولي في حال يلحقه العار بعدم الكفاءة فملك الفسخ
كالمتساويين (مسألة) (والكفاءة الدين والمنصب يعني بالمنصب النسب) اختلف
الرواية عن أحمد في شرط الكفاءة فعنه أنها شرطان الدين والمنصب لا غير وعنه
خمسة هذان والحرية والصناعة واليسار، وذكر القاضي في المجرد أن فقد هذه
الثلاثة لا يبطل النكاح رواية
واحدة إنما الروايتان في الشرطين الأولين قال ويتوجه أن المبطل عدم الكفاءة
في النسب لا غير لأنه
(7/465)
نقص لازم وما عداه غير لازم ولا يتعدى نقصه
إلى الولد وذكر في الجامع الروايتين في جميع الشروط وذكره أبو الخطاب أيضا
وقال مالك الكفاءة في الدين لا غير قال ابن عبد البر هذا جملة مذهب مالك
وأصحابه وعن الشافعي كقول مالك، وقول آخر أنها الخمسة التي ذكرناها
والسلامة من العيوب الاربعة فتكون سنة وكذلك قول أبي حنيفة والثوري والحسن
بن صالح إلا في الصنعة والسلامة من العيوب ولم يعتبر محمد بن الحسن الدين
إلا أن يكون ممن يسكر ويخرج ويسخر منه الصبيان فلا يكون كفؤاً لأن الغالب
على الحنث الفسق ولا يعد ذلك نقصاً، والدليل على اعتبار الدين قول الله
تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ولأن الفاسق مرذول مردود
الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولايات ناقص عند الله
وعند خلقه قليل الحظ في الدنيا والآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤاً لعفيفة ولا
مساوياً لها لكن يكون كفؤا لمثله.
فأما الفاسق من الحنث فهو ناقص عند أهل الدين والمروءات والدليل على اعتبار
النسب في الكفاءة قول عمر لأمنعن تزويج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء قال
قلت وما الاكتفاء؟ قال في الحسب رواه أبو بكر عبد العزيز بإسناده ولأن
العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصاً
وعاراً فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف ولأن في فقد ذلك نقصاً
وعاراً فوجب أن تعتبر في الكفاءة
(7/466)
كالدين، فعلى هذا لاتزوج العفيفة بفاجر لما
ذكرنا ولا عربية بعجمي فلا يكون المولى ولا العجمي كفؤاً لعربية لما ذكرنا
من قول عمر رضي الله عنه وقال سلمان لجرير معشر العرب لا تقدم في صلاتكم
ولا تنكح نساءكم إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم
(مسألة) (والعرب بعضهم لبعض أكفاء وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء وعنه لا
تزوج قرشية لغير قرشي ولا هاشمية لغير هاشمي) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه
الله في ذلك فروي عنه أن غير قريش لا يكافئها وغير بني هاشم
لا يكافئهم، وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى
من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) ولأن العرب فضلت الأمم برسول الله
صلى الله عليه وسلم وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم أخص به من قريش
ولذلك قال عثمان وجبير بن مطعم أن إخواننا من بني هاشم لا تنكر فضلهم علينا
لمكانك الذي وضعك الله به منهم، وقال أبو حنيفة لا يكافي العجم العرب ولا
العرب قريشاً وقريش كلهم أكفاء لأن ابن عباس قال قريش بعضهم لبعض أكفاء
(والرواية الثانية) أن العرب بعضهم لبعض أكفاء والعجم بعضهم لبعض أكفاء لأن
النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته عثمان وزوج أبا العاص بن الربيع زينب
وهما من بني عبد شمس وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمرو
بن عثمان فاطمة ابنة الحسين
(7/467)
ابن علي وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة
وتزوجها أيضاً عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام وتزوج المقداد بن الأسود
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وزوج ابو بكر رضي الله عنه أخته أم فروة
الأشعث بن قيس وهما كنديان وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس الفهرية
القرشية، ولأن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء وإن تفاضلوا وشرف بعضهم على
بعض فكذلك العرب وهذه الرواية الصحيحة إن شاء الله تعالى (مسألة) (وعنه أن
الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة فلا تزوج حرة بعبد ولا بنت بزاز
بحجام ولا بنت بان بحائك ولا موسرة بمعسرة) أما الحرية فالصحيح أنها من
شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا الحرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير
بريرة حين عتقت تحت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة فبالحرية المقارنة
أولى ولأن نقص الرق كبير وضرره بين فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ولا
ينفق نفقة الموسرين ولا ينفق على ولده وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه ولا
يمنع صحة النكاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة (لو راجعتيه)
قالت يا رسول الله أتأمرني؟ قال (إنما أنا شفيع) قالت: فلا حاجة لي فيه
رواه البخاري ومراجعتها إياه ابتداء نكاح فإن نكاحها قد انفسخ باختيارها
ولا يشفع إليها النبي
(7/468)
صلى الله عليه وسلم في أن تنكح عبداً إلا
والنكاح صحيح فأما اليسار ففيه روايتان (إحداهما) هو شرط لقول النبي صلى
الله عليه وسلم (الحسب المال) وقال (إن أحساب الناس بينهم هذا المال) وقال
لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها (أما معاوية فصعلوك لا مال له)
ولأن على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ومؤونة أولاده
ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا ولأن ذلك معدود
نقصاً في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ قال نبيه بن
الحجاج السهمي * سألتاني الطلاق ان وأتاني * قال مالي قد جئتماني بنكر * *
ويكأن من له نسب يحبب * ومن يفتقر يعيش عيش ضر * فكان من شروط الكفاءة
كالنسب (والثانية) ليس بشرط لأن الفقر شرف في الدين، وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً) وليس هو لازماً فأشبه
العافية من من الرمض، واليسار المعتبر ما يقدر به على الأنفاق عليها حسب ما
يجب لها ويمكنه أداء مهرها وأما الصناعة ففيها أيضاً روايتان (إحداهما)
أنها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة كالحائك والحجام والحارس والكساح
والدباغ والقيم والحمامي والزبال فليس بكفء لبنات ذوي المرؤات كأصحاب
(7/469)
الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية لأن ذلك
نقص في عرف الناس فأشبه نقص النسب وقد جاء في حديث (العرب بعضهم لبعض أكفاء
إلا حائكاً أو حجاما.
) قيل لاحمد وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال العمل عليه يعني أنه ورد موافقاً
لأهل العرف.
وروي أن ذلك ليس بنقص ويروى نحو ذلك عن أبي حنيفة لأن ذلك ليس بنقص في
الدين ولا هو لازماً فأشبه الضعف والمرض.
قال بعضهم: * ألا إنما التقوى هي العزو الكرم * وحدبك للدنيا هو الذل
والسقم * وليس على عبد تقي نقيصة * إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم *
وأما السلامة من العيوب فليست من شروط الكفاءة فإنه لا خلاف أنه لا يبطل
النكاح بها، ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء لأن ضرره يختص بها
ولوليها معها من نكاح المجنون والأبرص والمجذوم وما عدا هذا فليس بمعتبر في
الكفاءة (فصل) ومن أسلم أو أعتق من العبيد فهو كفء لمن له أبوان في الإسلام
والحرية وقال أبو حنيفة ليس بكفء، ولا يصح ذلك لأن الصحابة أكثرهم أسلموا
وكانوا أفضل الأمة فلا يجوز أن يقال أنهم غير أكفاء للتابعين
(7/470)
(فصل) وولد الزنا قد قيل انه كفء لذات نسب
وعن أحمد أنه ذكر له أنه ينكح وينكح إليه فكأنه لم يجب ذلك لأن المرأة تعير
به وهي وأولياؤها ويتعدى ذلك إلى ولدها وليس هو كفؤ للعربية بغير إشكال فيه
لأنه أدنى حالا من المولى.
(فصل) والموالي أكفاء بعضهم لبعض وكذلك العجم قال أحمد في رجل من بني هاشم
له مولاة يتزوجها الخراساني وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((مولى القوم
منهم) هو في الصدقة فأما في النكاح فلا وذكر القاضي رواية عن أحمد أن مولى
القوم يكافئهم لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيداً وأسامة
عربيتين ولأن موالي بني هاشم ساووهم في حرمان الصدقة فساووهم في الكفاءة،
وهذا لا يصح فانه يوجب أن يكون الموالي أكفاءً للعرب فإن المولى إذا كان
كفوأ لسيده كان كفؤا لمن يكافئه سيده فيبطل اعتبار المنصب ولهذا لا يساووهم
في استحقاق الخمس ولا في الإمامة ولا في اشرف، وأما زيد وأسامة فقد استدل
بنكاحهما عربيتين على أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح واعتذر أحمد عن
تزويجهما بأنهما من كلب فهما عربيان وإنما طرأ عليهما رق فعلى هذا يكون حكم
كل عربي الأصل كذلك.
(فصل) فأما أهل البدع فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما وكذلك
إذا زوج الواقفي إذا كان يخاصم ويدعو وإذا زوج أخته من هؤلاء اللفظية وقد
كتب الحديث فهذا شر من جهمي يفرق بينهما وقال لا يزوج بنته من حروري مرق من
الدين ولامن الرافضي ولا من القدري فإذا
(7/471)
كان لا يدعو فلا بأس وقال من لم يربع بعلي
في الخلافة فلاتنا كحوه ولا تكلموه قال القاضي المقلد منهم يصح تزويجه ومن
كان داعية منهم فلا يصح تزويجه (فصل) وإنما تعتبر الكفاءة في الرجل دون
المرأة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له وقد تزوج من أحياء العرب
وتزوج صفية بنت حى وتسرى بالإماء، وقال (من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن
تعليمها وأحسن إليها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران) متفق عليه ولأن الولد
يشرف بشرف أبيه لا بأمه فلم يعتبر ذلك في الأم (باب
المحرمات في النكاح) وهن ضرابان محرمات على الأبد وهن أربعة اقسام:
(أحدها) المحرمات بالنسب وهن سبع ذكرهن سبحانه في قوله (حرمت عليك أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) فأما الأمهات
فهن كل من انتسبت إليها بولادة سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهي التي
ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدتك وإن علت ومن ذلك جدتا أم أمك وأم
أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدات جداتك وجدات أجدادك وإن علون وارثات كن أو
غير وارثات كلهن أمهات محرمات ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل فقال تلك أمكم
يا بني ماء السماء
(7/472)
وفي الدعاء المأثور اللهم صل على أبينا آدم
وأمنا حواء والبنات وهن كل انثى انتسب إليك بولادتك كابنة الصلب.
وبنات البنين والبنات وإن نزلت درجتهن وارثات أو غير وارثات كلهن بنات
محرمات لقوله تعالى (وبناتكم) فإن كل امرأة بنت آدم كما أن كل رجل ابن آدم
قال الله تعالى (يا بني آدم) والأخوات من الجهات الثلاث من الأبوين أو من
الأب أو من الأم لقول الله تعالى (وأخواتكم) ولا تفريع عليهن.
والعمات أخوات الأب من الجهات الثلاث وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن قبل
الأم قريباً كان الجد أو بعيداً وارثاً أو غير وارث لقول الله تعالى
(وعماتكم) والخالات أخوات الأم من الجهات الثلاث وأخوات الجدات وإن علون
وقد ذكرنا أن كل جدة أم فكذلك كل أخت
لجدة خالة محرمة لقول الله تعلاى (وخالاتكم) وبنات الأخ كل امرأة انتسبت
إلى أخ بولادته فهي بنت أخ محرمة من أي جهة كان الأخ لقول الله تعالى
(وبنات الأخ) وبنات الأخت كذلك أيضاً محرمات لقوله تعالى (وبنات الأخت)
فهؤلاء المحرمات بالنسب (فصل) ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين
أو وطئ شبهة أو حرام فتحرم عليه ابنته من الزنا لدخولها في عموم اللفظ
ولأنها مخلوقة من مائه فحرمت كتحريم الزانية على ولدها وتحريم المنفية
باللعان لأنها منفية ولاحتمال أن تكون ابنته وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله
تعالى
(7/473)
(القسم الثاني) المحرمات بالرضاع فيحرم به
ما يحرم من النسب سواء والذي ذكره الله تعالى اثنتان بقوله الله تعالى
(وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فالأمهات اللاتي أرضعنك
وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب ما ذكرناه في النسب محرمات
بالآية، وأما الأخوات فهي كل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك
وإياها امرأة واحدة أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد كرجل له امرأتان لها
منه لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى فهي أختك محرمة عليك بالآية وكذلك
كل امرأة حرمت عليك حرم مثلها من الرضاع كالعمة والخالة والبنت وبنت الأخ
وبنت الأخت على ما ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب) متفق عليه وفي رواية لمسلم (الرضاع يحرم ما تحرم الولادة)
ولأن المهات والأخوات منصوص عليهن والباقيات يقسن عليهن ولا نعلم في هذا
خلافا (القسم الثالث) تحريم المصاهرة وهن أربع: أمهات النساء فمن تزوج
امرأة حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص
عليه أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن
حصين وكثير من التابعين وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكى عن علي
رضي الله عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا
بالدخول بها ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) والمعقود عليها من نسائه
فتدخل أمها في عموم الآية قال
(7/474)
ابن عباس أبهموا ما ابنهم القرآن يعني
عمموا حكها في كال حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها وروى عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تزوج امرأة
فطلقها قبل أن يدخل بها لا بأس ان يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها)
رواه أبو حفص بإسناده وقال زيد تحرم بالدخول أو بالموت لأنه يقوم مقام
الدخول وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقاً سواء وجد الدخول أو الموت أو لم
يوجد ولأنها حرمت بالمصاهرة بقول مبهم فحرمت بنفس العقد كحليلة الابن والأب
(الثانية) حلائل الآباء يعني أزواجهم سميت امرأة الرجل حليلة لأنها محل
إزار زوجها وهي محللة له فتحرم على الرجل امرأة أبيه وقريبا كان أو بعيداً
وراثا أو غير وارث من نسب أو رضاع لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آبأوكم
من النساء) وقال البراء بن عازب لقيت خالي ومعه الراية قال أرسلني رسول
الله صلى الله عليه وسلم الى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضر عنقه أو
أقتله رواه النسائي وفي رواية لقيت عمي الحارث بن عمرو ومعه الراية وذكر
الخبر رواه كذلك سعيد وغيره وسواء في هذا امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه
وجده لأمه قرب أم بعد وليس في هذا بين أهل العلم اختلاف فيما علمنا وتحرم
من وطئها أبوه بملك يمين أو شبهة كما يحرم عليه من وطئها في عقد نكاح قال
إبن المنذر الملك في هذا والرضاع بمنزلة النسب وممن حفظنا ذلك عنه عطاء
وطاوس والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة
(7/475)
والثوري والاوزاعي وابو عبيد وأصحاب الرأي
ولا تحفظ عن أحد خلافهم (الثالثة) حلائل الأبناء فتحرم على الرجل زوجة ابنه
وابن ابنته من نسب أو رضاع قريباً كان أو بعيداً بمجردا العقد لقوله تعالى
(وحلائل أبنائكم) ولا نعلم في هذه خلافاً، ولا تحرم بناتهن فيحل له نكاح
ربيبة ابنه وأبيه لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (الرباعة) بنات
النساء اللاتي دخل بهن وهن الربائب فلا يحرمن إلا بالدخول بأمهاتهن وهن كل
بنت للزوجة من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة وارثة أو غير وارثة على حسب ما
ذكرنا في البنات فإذ دخل بالأم حرمت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن في
حجره وهو قول داود لقوله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم) قال إبن المنذر
وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول وذكرنا حديث عمرو بن شعيب في
هذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)
ولأن التربية لا تأثير هلا في التحريم كسائر المحرمات، فأما لآية فلم تخرج
مخرج الشرط وإنما وصفها بذلك تعريفاً لها بغالب حالها وما خرج مخرج الغالب
لا يصح التمسك بمفهومه، وإن لم يدخل بالمرأة لم تحرم عليه بناتها في قول
عامة علماء الأمصار إذا بانت من نكاحه (مسألة) (فإن متن قبل الدخول فهل
تحرم بناتهن على روايتين) (إحداهما) تحرم ابنتها وبه قال زيد بن ثابت وهي
اختيار أبي بكر ولأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل العدة والصداق فيقوم
مقامه في تحريم الربيبة
(7/476)
(والثانية) لا تحرم وهو قول علي وعامة
العلماء قال إبن المنذر اجمع عوام علماء الأمصار ان الرجل اذا تزوج المرأة
ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حدل له أن يتزوج ابنتها كذلك قال مالك
والثوري والاوزاعي والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور ومن تبعهم لأن الله
تعالى قال (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فئز جناح عليكم) وهذا نص لا يترك بقياس
ضعيف وقد ذكرنا حديث عمرو بن شعيب ولأنها فرقة قبل الدخول فلم تحرم الربيبة
كفرقة الطلاق والموت لا يجري مجرى الدخول في الإحصان والإحلال وقيامه مقامه
من وجه ليس بأولى من مفارقته إياه من وجه آخر ولو قام مقامه من كل وجه فلا
يترك نص الله تعالى ولا نص رسوله لقاس ولا غيره، ذا ثبت هذا فإن الدخول بها
وطوها كنى عنه بالدخول فإن خلا بها ولم يطأها لم تحرم ابنتها لأنها غير
مدخول بها (مسألة) (ويثبت تحريم المصاهرة بالوطئ الحلال والحرام) فإذا زنى
بامرأة حرمت على ابيه وانبه وحرمت عليه أمها وابنتها كما لو وطئها بشبهة أو
حلالا ولو وطئ أم امرأته أو ابنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا في
رواية جماعة وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين وبه قال الحسن وطاوس ومجاهد
والشعبي والنخعي والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وروي عن ابن عباس ان وطئ
الحرام لا يحرم وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وعروة والزهري ومالك
والشافعي وابو ثور وابن المنذر لما روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(لا يحرم الحرام
(7/477)
الحلال) ولانه وطئ لا تصير به الموطوءة
فراشا كوطئ الصغيرة ولنا قوله سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)
والوطئ يسمى نكاحا قال الشاعر إذا زينت فأجد نكاحا فيدخل في عموم الآية وفي
الآية قرينة تصرفه إلى الوطئ وهو قوله سبحانه (إنه كان فاحشة ومقنا وساء
سبيلا) وهذا التغليظ إنما يكون في الوطئ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال (لا ينظر الله عزوجل إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) وروي
الجوز جاني بإسناده عن وهب بن منبه قال ملعون من نظر امرأة وابنتها فذكرته
لسعيد بن المسيب فأعجبه، ولأن ما تعلق من التحريم بالوطئ تعلق بالمحظور
كوطئ الحائض ولأن النكاح عقد يفسده الوطئ بالشبهة فأفسهد الوطئ الحرام
كالإحرام وحديثهم لا تعرف صحته وإنما هو من كلام ابن أشوع بعض قضاة العراق
كذلك قال أحمد وقيل أنه من قول ابن عباس ووطئ الصغيرة ممنوع لم يبطل بوطئ
الشبهة (فصل) والوطئ على ثلاثة أضرب: مباح وهو الوطئ من نكاح صحيح أو ملك
ليمين فيتعلق به تحريم المصاهرة بالإجماع ويصير محرماً لمن حرمت عليه لأنها
حرمت عليه على التأييد بسبب مباح أشبه النسب (الثاني) الوطئ بالشبهة وهو
الوطئ في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطئ امرأة ظنها امرأته أو أمته أو وطئ
الأمة التي فيها شرك وأشباه ذلك فيتعلق به التحريم كتعلقه بالوطئ المباح
إجماعاً قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا
وطئ امرأة بنكاح فاسد
(7/478)
أو شراء فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه
وأجداده وولد ولده وهذا مذهب مالك والاوزاعي والشافعي واحمد واسحاق وأبي
ثور وأصحاب الرأي لانه وطئ يلحق بها لنسب فأثبت التحريم كالوطئ المباح ولا
يصير به الرجل محرماً لمن حرمت عليه ولا يباح له النظر الها بذلك والوطئ
ليس بمباح والمحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطئ لأنها إباحة ولأن الموطوءة لم
يستبح النظر الهيا فلأن لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى (الثالث) الحرام
المحض وهو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور ولا تثبت به المحرمية
ولا إباحة النظر لأنها إذا لم تثبت بوطئ الشبهة فبا لحرام المحض أولى ولا
يثبت به النسب ولا يجب به المهر بالمطاوعة إذا كانت حرة
(فصل) ويستوي في ذلك الوطئ في القبل والدبر لأنه يتعلق به التحريم إذا وجد
في الزوجة والأمة فكذلك في الزنا (مسألة) (فإن كانت الموطؤة ميتة أو صغيرة
لا يوطأ مثلها فعلى وجهين) أحدهما أن وطئ الميتة ينشر الحرمة لأنه معنى
ينشر الحرمة المؤبدة فلم يختص بالحياة كالرضاع والثاني لا ينشرها وهو وقول
أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بسبب للبضعية ولأن التحريم معلق باستيفاء
منفعة الوطئ والموت يبطل المنافع وأما الرضاع فيحرم ما يصحل به من إنبات
اللحم وإنشاز العظم وهذا يحصل من لبن الميتة، وفي وطئ الصغيرة أيضاً، وجهان
(أحدهما) ينشروه وقول أبي يوسف
(7/479)
لانه وطئ لآدمية حية في القبل اشبه وطئ
الكبير (والثاني) لا ينشرها وهو قول أبي حنيفة لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه
وطئ الميتة.
(مسألة) (وإن باشرا امرأة أو نظر إلى فرجها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين)
إذا باشر فيما دون الفرج لغير شهوة لم ينشر الحرمة بغير خلاف نعلمه وإن كان
لشهوة وكان في أجنبية لينشر الحرمة أيضاً قال الجوزجاني سألت أحمد عن رجل
نظر إلى أم امرأته من شهوة أو قبلها أو باشرها فقال أنا أقول لا يحرم شئ من
ذلك إلا الجماع وكذلك نقل أحمد القاسم وإسحاق بن منصور وإن كانت المباشرة
لامرأة محللة له كامرأته ومملوكته لم تحرم عليه ابنتها قال ابن عباس لا
يحرم الربيبة إلا الجماع وبه قال طاوس وعمرو بن دينار لأن الله تعالى قال
(فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وهذا ليس بدخلو فلا يترك النص
الصريح من أجله.
وأما تحريم أمها وتحريمها على أبي الرجل المباشر لها وابنه فإنها في النكاح
تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة ولا يظهر للمباشرة أثر، وأما الأمة فمتى
باشرها دون الفرج لشهوة فهل يثبت تحريم المصاهرة؟ فيه روايتان (إحداهما)
ينشرها روى ذلك عن ابن عمر وابن عمرو ومسروق وبه قال القاسم والحسن ومكحول
والنخعي والشعبي ومالك والاوزاعي وابو حنيفة وعلي بن المديني وهو أحد قولي
الشافعي لأنه نوع استمتاع فيتعلق به تحريم المصاهرة كالوطئ (والثانية) لا
يثبت بها التحريم لأنها ملامسة ولا توجب الغسل فلم يثبت بها التحريم كما
لو لم تكن شهوة ولأن ثبوت التحريم إما أن يكون بنص أو قياس على المنصوص ولا
نص في هذا ولا
(7/480)
هو في معنى المنصوص عليه ولا المجمع عليه
فإن الوطئ يتعلق به من الأحكام استقرار المهر والإحصان والاغتسال والعدة
وإفساد الإحرام والصيام بخلاف اللمس وذكر أصحابنا الروايتين في جميع الصور
من غير تفصيل قال شيخنا وهذا الذي ذكرنا أقرب للصواب إن شاء الله تعالى
(فصل) ومن نظر إلى فرج امرأة لشهوة فهو كلمسها لشهوة فيه أيضاً روايتان
(إحداهما) ينشر الحرمة في موضع ينشرها المس روي عن عمر وابن عمر وعامر بن
زمعة وكان بدرياً وعبد الله بن عمرو فيمن يشتري الخادم ثم يجردها أو يقبلها
لا يحل لأبيه وطؤها وهو قول القاسم والحسن ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي
سليمان وأبي حنيفة لما روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال (من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها وبنتها - وفي رواية - لا
ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) والثانية لا يتعلق به
التحريم وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) ولأنه نظر من غير مباشرة فلم يوجب التحريم كالنظر إلى الوجه والخبر
ضعيف قال الدارقطني: وقيل هو موقوف على ابن مسعود ثم يحتمل أنه كنى بذلك عن
الوطئ وأما النظر إلى سائر البدن فلا ينشر حرمة وقال بعض أصحابنا لا فرق
بين النظر إلى الفرج وسائر البدن لشهوة والصحيح خلاف هذا فإن غير الفرج لا
يقاس عليه لما بينهما من الفرق ولا خلاف نعلمه في أن النظر إلى الوجه لا
يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضاً
(7/481)
في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة
فكذلك غيره ولا خلاف أيضاً أن النظر إذا وقع من غير شهوة لا ينشر الحرمة
لأن اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر إذا لم يكن لشهوة فالنظر أولى وموضع
الخلاف في اللمس والنظر فيمن بلغت تسع سنين فما زاد فأما الطفلة فلا يثبت
فيها ذلك وقد روي عن أحمد في بنت سبع إذا قبلها حرمت أمها قال القاضي هذا
عندي محمول على السن الذي توجد معه الشهوة (فصل) فإن نظرت المرأة إلى فرج
رجل لشهوة فحكمه في التحريم حكم نظره إليها نص عليه أحمد لأنه معنى يوجب
التحريم فاستوى فيه الرجل والمرأة كالجماع وكذلك ينبغي أن يكون حكم لمسها
له
وقبلتها إياه لشهوة لما ذكرنا (فصل) والصحيح أن الخلوة بالمرأة لا تنشر
الحرمة وقد روي عن أحمد: إذا خلا بالمرأة وجب الصداق والعدة ولا يحل له أن
يتزوج أمها وابنتها قال القاضي هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة مباشرة
فيخرج كلامه على إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما فأما مع خلوه من ذلك فلا
يؤثر في تحريم الربيببة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى (فإن لم تكونوا
دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وأما الخلوة بأجنبية أو أمته فلا ينشر تحريماً
لا نعلم في ذلك خلافاً (مسألة) (ومن يلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم
الآخر وابنته) قاله بعض أصحابنا قال ونص عليه أحدم وهو قول الأوزاعي لأنه
وطئ في الفرج فنشر الحرمة
(7/482)
كوطئ المرأة ولأنها بنت من وطئه أو أمه
فحرمتا عليه كما لو كانت الموطوءة أنثى وقال أبو الخطاب يكون كالمباشرة
فيما دون الفرج فيكون فيه الرايتان والصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة فإن
هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم فيدخل في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما
وراء ذلكم) ولأنهن غير منصوص عليهن ولا هو في مععنى المنصوص عليه فوجب أن
لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن
نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن ولان
الوطئ في المرأة يكون سبباً للبضعية ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير به
المرأة فراشاً وتثبت أحكاماً لا يثبتها اللواط فلا يجوز إلحاقه بهن لعدم
العلة وانقطاع الشبه ولذلك لو أرضع الرجل طفلا لم يثبت به حكم التحريم
فههنا أولى وإن قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا يجوز تخصيص عموم الكتاب به
واطراح النص بمثله (فصل) ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا واخته وبنت
انبه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته من الزنا في قول عامة الفقهاء وقال مالك
والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز له لأنها أجنبية منه ولا تنسب إليه
شرعاً ولا يجري التوارث بينهما ولا تعتق عليه إذا ملكها ولا يلزمه نفقتها
فلم تحرم عليه كسائر الأجانب
(7/483)
ولنا قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم) وهذه بنته فإنها مخلوقة من مائه وهذه حقيقة لا تختلف بالحل
والحرمة ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال بن
أمية انظروه (يعني ولدها - فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء)
يعني الزاني ولأنها مخلوقة من مائه فأشبهت المخلوقة من وطئ الشبهة ولأنها
بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح وتخلف بعض الأحكام لا ينفي كونها
بنتاً كما لو تخلف لرق أو اختلاف دين إذا ثبت هذا فلا فرق بين علمه بكونها
منه مثل أن يطأ امرأة في طهر لم يصبها فيه غيره ثم يحفظها حتى تضع أو يشترك
جماعته في وطئ امرأة فتأتي بولد لا يعلم هل هو منه أو من غيره؟ فإنه يحرم
على جميعهم لوجهين أحدهما أنها بنت موطوءتهم الثاني أنا نعلم أنها بنت
بعضهم فتحرم على الجميع كما لو زوج الوليان ولم يعلم السابق منهما وتحرم
على أولادهم لأنها ابنة بعضهم غير معلوم فإن ألحقتها القافة بأحدهم حلت
لأولاد الباقين (القسم الرابع) الملاعنة تحرم على الملا عن على التأبيد أما
إذ لم يكذب نفسه فلا نعلم أحداً قال بخلاف ذلك إلا قولاً شاذاً فإن كذب
نفسه فالمشهور في المذهب أنها باقية على التحريم المؤبد وعن أحمد رواية
شاذة أنها تحل له وتعود فراشاً له إذا لم يكن وجد منه ما يثبتها لانه رجع
عن المعنى المحرم فزال التحريم ولذلك يحد ويلحقه نسب الولد وهذه الرواية
شذبها حنبل عن أصحابه وتفرد بها
(7/484)
والعمل على الرواية الأولى وهذا يذكر في
باب اللعان مبسوطاً إن شاء الله تعالى.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني المحرمات إلى آمد وهن نوعان)
(أحدهما) المحرمات لاجل المع فيحرم الجمع بين الأختين سواء كانتا من نسب أو
رضاع حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة من أبوين كانتا أو من أب أو أم
وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم قوله تعالى (وأن تجمعوا بين
الأختين) (مسألة) (ويحرم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها) قال إبن
المنذر أجمع أهل العلم على القول به وليس بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل
البدع
ممن لا تعد مخالفته خلافاً وهم الرافضة، والخوارج لم يحرموا ذلك ولم يقولوا
بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ما روى أبو هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين
المرأة وخالتها) متفق عليه، وفي رواية أبي داود (لا تنكح المرأة على عمتها
ولا العمة على بنت أختها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها،
لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى) ولأن العلة في تحريم
المع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم
المحرم، فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه (وأحل لكم ما وراء ذلكم) خصصناه بما
رويناه وبلغنا أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز فكان مما أنكر
عليه رجم الزانينن والجمع
(7/485)
بين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها،
وقالا ليس هذا في كتاب الله تعالى، فقال لهما: كم فرض الله عليكم من
الصلاة؟ قالا: خمس صلوات في اليوم والليلة.
وسألهما عن عدد ركعاتها فأخبراه بذلك.
وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها فأخبراه.
فقال وأين تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا لا نجده في كتاب الله.
قال فمن أين صرتما؟ فقالا فعله رسوله الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون
بعده قال فكذلك هذا ولا فرق بين الحالة والعمة حقيقة أو مجازاً كعمات
آبائها وخالاتهم، وعمات أمهاتها وخالاتهن وإن علت درجتهن من نسب كان ذلك أو
رضاع وكل شخصين لا يجوز لأحدهما أن يتزوج الآخر لو كان أحدهما ذكراً والآخر
أنثى لأجل القرابة لا يجوز الجمع بينهما لتأدية ذلك إلى قطع الرحم القريبة
لما في الطباع من التنافس والغيرة من الضرائر، ولا يجوز الجمع بين المرأة
وأمها في العقد لما ذكرناه ولأن الأم إلى بنتها أقرب من الأختين فإذا لم
يجمع بنى الأختين فالمرأة وبنتها أولى (فصل) ولا يحرم الجمع بين ابنتي
الخال في قول عامة أهل العم لعدم النص فيهما بالتحريم ودخولهما في عموم
قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأن إحداهما تحل لها الأخرى لو كانت
ذكراً وفي كراهة ذلك روايتان (إحداهما) يكره روى ذلك عن ابن مسعود وبه قال
جابر ابن زيد وعطا والحسن وسعيد بن عبد العزيز، وروي أبو حفص بإسناده عن
عيسى بن طلحة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على ذي
قرابتها مخافة القطيعة ولأنه مفض إلى قطيعة
(7/486)
الرحم المأمور بصلتها فأقل أحواله الكراهة
(والأخرى) لا يكره وهو قول سليمان بن يسار والشعبي وحسن بن حسن والاوزاعي
والشافعي واسحاق وأبي عبيد لأنهما ليست بينهما قرابة تحرم الجمع فلا يقتضي
كراهة كسائر الأقارب (مسألة) (فإن جمع بينهما في عقد واحد لم يصح) إذا جمع
بين الأختين في عقد واحد أو جمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في عقد عليهما
معاً لم يصح العقد في واحدة منهما لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما ولا مزية
لأحدهما على الأخرى فيبطل فيهما كما لو زوجت المرأة لرجلين وكذا لو تزوج
خمساً في عقد واحد بطل في الجميع لذلك (مسألة) (وإن تزوجهما في عقدين أو
تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء كانت باثنا أو رجعية فنكاح الثانية باطل.
أما إذا تزجهما في عقدين وعلم الأولى فنكاحه صحيح لأنه لا جمع فيه ونكاح
الثانية باطل لأن الجمع يحصل به وبالعقد على الأولى تحرم الثانية فلا يصح
عقده عليها حتى تبين الأولى وتنقضي عدتها (فصل) (فإن لم يعلم أولاهما فعليه
فرقتهما معاً) قال أحمد في رجل تزوج أختين لا يدري أيتهما تزوج أولا؟ يفرق
بينه وبينهما لأن إحداهما محرمة عليه ونكاحها باطل ولا يعرف المحللة له فقد
اشتبها عليه ونكاح إحداهما صحيح ولا يتيقن بينونتها منه
(7/487)
لا بطلاقهما جميعاً أو فسخ نكاحهما فوجب
ذلك كما لو زوج الوليان ولم يعرف الأول منهما وإن أحب أن يفارق إحداهما ثم
يجدد عقد الأخرى ويمسكها فلا بأس وسواء فعل ذلك بقرعة أو بغيرها ولا بخلو
من ثلاثة أقسام: (أحدها) أن لا يكون دخل بواحدة منهما فله أن يعقد على
إحداهما في الحال بعد فراق الأخرى (الثاني) إذا دخل بإحداهما فإن أراد
نكاحها فارق التي لم يصبها بطلقة ثم ترك المصابة حتى تنقضي عدتها ثم نكحها
لأنا لا نأمن ان تكون هي الثانية فيكون قد أصابها في نكاح فاسد فلهذا
اعتبرنا انقضاء
عدتها ويحتمل جواز العقد علهيا في الحال لأن النسب لاحق به فلا يصان ذلك عن
مائه فإن أحب نكاح الأخرى فارق المصابة بطلقة ثم انتظرها حتى تقضي عدتها ثم
تزوج أختها (القسم الثالث) إذا دخل بهما فليس له نكاح واحدة منهما حتى
يفارق الأخرى وتنقضي عدتها من حين فارقها وتنقضي عدة الأخرى من حين أصابها،
وإن ولدت إحداهما أو هما جميعاً فالنسب لإخوته لأنه إما من نكاح صحيح أو
نكاح فاسد وكلاهما يلحق النسب فيه وإن لم يرد نكاح واحدة منهما فارقهما
بطلقة طلقة (فصل) فأما المهر فإن لم يدخل بواحدة منهما فلإحداهما نصف المهر
ولا نعلم من يستحقه منهما فيصطلحان عليه فإن لم يفعلا أقرع بينهما فكان لمن
خرجت قرعتها مع يمينها وقال أبو بكر اختياري
(7/488)
أن يسقط المهر إذا كان مجبراً على الطلاق
قبل الدخول فإن دخل بواحدة منهما أقرع بينهما فإن وقعت لغير المصابة فلها
نصف المهر وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها وإن وقعت على المصابة فلا
شئ للأخرى وللمصابة المسمى جميعه وإن أصابهما فلا حداهما المسمى وللأخرى
مهر المثل يقرع بينهما فيه إن قلنا الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل وإن
قلنا بوجوب المسمى فيه وجب ههنا لكل واحد منهما.
(فصل) قال أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها اعتزل زوجته حتى
تنقضي عدة الثانية إنما كان كذلك لأنه لو أراد العقد على أختها في الحال لم
يجز له حتى تنقضي عدة الموطؤة فلذلك لا يجوز له وطئ امرأته حتى تنقضي عدة
أختها التي اصلبها (مسألة) (وإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح)
لأن الشراء يراد للاستمتاع ولغيره وكذلك صح شراء من لا تحل له كالمجوسية
وأخته من الرضاع ولا يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها لئلا يكون
جامعاً بينهما في الفراش أو جامعاً ماءه في رحم أختين وذلك لا يحل لما روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يجمع ماءه في رحم أختين
(7/489)
(مسألة) (وإن اشتراهن في عقد واحد صح لما
ذكرنا) ولا نعلم حلافا في ذلك ولو اشترى جارية ووطئها حل له شراء أختها
وعمتها وخالتها وقد ذكرناه كما لا يحل له شراء المعتدة والمزوجة مع أنها لا
تحل له (مسألة) (وله وطئ إحداهما لأن الأخرى لم تصر فراشاً) وهذا قول أكثر
أهل العلم وقال الحكم وحماد لا يقرب واحدة منهما وروي ذلك عن النخعي وذكره
أبو الخطاب مذهبا لاحمد ولنا أنه لم يجمع بينهما في الفراش فلم يجز كما لو
كان في ملكه إحداهما وحدها (فصل) وليس له الجمع بين الأختين من إمائه في
الوطئ نص عليه أحمد في راية الجماعة وكرهه عمر وعثمان وعلي وعمار وابن عمرو
ابن مسعود وممن قال بتحريمه عبد الله بن عتبة وجابر بن يزد وطاوس ومالك
والازواعي وأبو حنيفة والشافعي وروي عن ابن عباس أنه قال أحلتهما آية
وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وروي ذلك عن علي أيضاً يريد بالمحرمة قوله
تعالى (وإن تجمعوا بين الأختين) وبالمحللة قوله تعالى (إلا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم) وروى ابن منصور عن احمد وأسأله عن الجمع بين الأختين
المملوكتين أحرام هو؟ قال لا أقول حرام ولكن ينهى عنه وظاهر هذا أنه مكروه
غير محرم وقال داود وأهل الظاهر لا يحرم استدلالا بالآية المحللة لأن حكم
الحرائر في الوطئ مخالف لحكم الإماء ولهذا تحرم الزيادة على أربع في
الحرائر وتباح في الإماء بغير حصر والمذهب تحريمه للآية
(7/490)
المحرمة فإنه يريد بها الوطئ والعقد جميعاً
بدليل أن سائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد عليهن وآية الحل
مخصوصة بالمحرمات جميعهن وهذا منهن ولأنها امرأة صارت فراشاً فحرمت أختها
كالزوجة.
(مسألة) (وإن وطئ إحداهما فليس له وطئ الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه
بإخراج عن ملكه أو تزويج) هذا قول علي وابن عمر والحسن والاوزاعي واسحاق
والشافعي فإن رهنها لم تحل له أختها لان منعه من وطئها لحق المرتهن لا
لتحريهما ولهذا يحل له بإذن المرتهن فيه ولأنه يقدر على فكها متى شاء
وسترجاعها إليه، وقال قتادة انا ستبرأها حلت له أختها لأنه قد زال فراشه
ولهذا لو أتت بولد فنفاه بدعوى الاستبراء انتفى فأشبه ما لو زوجها.
ولنا قول علي وابن عمر ولأنه لم يزل ملكه عنها ولا أحلها له فأشبه ما لو
وطئت بشبهة فاستبرأها من ذلك الوطئ ولأن ذلك لا يمنعه وطأها فلا بأس من
عوده إليها فيكون ذريعة إلى الجمع بينهما وإن حرم إحداهما فظاهر كلام
الخرقي أنه لا تحل له الأخرى وهو مقتضى كلام شيخنا في الكتاب المشروح وقال
أصحاب الشافعي تحل له الأخرى لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه فأشبه
التزويج ولنا أنه نشأ من إباحتها بما لا يقف على غيرهما (فصل) وإذا أخرجها
من ملكه لم تحل له أختها حتى يستبرئ المخرجة وتعلم براءتها من الحمل
(7/491)
فإن كانت حاملاً منه لم تحل لم أختها حتى
تضع حملها لأنه يكون جامعاً في رحم أختين فهو بمنزلة نكاح الأخت في عدة
أختها (مسألة) (فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى) متى
زال ملكه عن المؤطوة زوالا أحل له أختها فوطئها ثم عادت الأولى إلى ملكه
فليس له وطئ إحداهما حتى يحرم الأخرى بإخراج عن ملكه أو تزويج نص عليه أحمد
وقال أصحاب الشافعي لا ترحم عليه واحدة منهما لأن الأولى لم تبق فراشاً
فأشبه ما لو وطي أمة ثم اشترى أختها ولنا أن هذه صارت فراشاً وقد رجعت إليه
التي كانت فراشاً فحرمت كل واحدة منهما بكون أختها فراشاً كما لو انفردت به
فأما إذا وطئ أمة ثم اشترى أختها فإن المشتراه لم تكن فراشاً له لكن هي
محرمة عليه باستفراش أختها ولو اخرج الموطؤة عن ملكه ثم عادت إليه قبل وطئ
أختها فهي حلال وأختها محرمة عليه لأن أختها فراشه وقد روي عن أحمد أن
الجمع بين الأختين في الوطئ بملك اليمين لا يحرم بل ينهى عنه فيكون مكروهاً
وقد ذكرناه والمذهب أن ذلك حرام والله أعلم (فصل) فإن وطئ أمتيه الاثنتين
معا فوطئ الثانية محرم ولاحد فيه لأنها ملكه ولأن في حلها
(7/492)
حلها اختلافا وله سبيل إلى استباحتها بخلاف
أخته من الرضاع المملوكة له ولا يحل له وطئ واحدة حتى يحرم الأخرى
ويستبرئها وقال القاضي وأصحاب الشافعي الأولى باقية على الحل لان الوطئ
الحرام لا يحرم الحلال إلا أن القاضي قال لا يطؤها حتى يستبرئ الثانية ولنا
أن الثانية قد صارت فراشاً له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو
وطئها ابتداء وقولهم أن الحرام لا يحرم الحلال ليس بخبر صحيح وهو متروك بما
لو وطئ الأولى في حيض أو نفاس أو حرام فان أختها تحرم عليه ويحرم عليه أمها
وابنتها على التأبيد وكذلك لو وطئ بشبهة في هذه الحال ولو وطئ امرأته حرمت
عليه ابنتها سواء وطئها حراماً أو حلالا (فصل) وحكم المباشرة من الإماء
فيما دون الفرج والنظر إلى الفرج لشهوة فيما يرجع إلى تحريم الأخت كحكمه في
تحريم الربيبة والصحيح أنها لا تحرم ولأن الحل ثابت بقوله تعالى (أو ما
ملكت أيمانكم) ومخالفة ذلك إنما تثبت بقوله (وأن تجمعوا بين الأختين)
والمراد به الجمع في العقد أو الوطئ ولم يوجد واحد منهما ولا في معناهما.
(مسألة) (وإن وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر) وقد سئل أحمد عن
هذا فقال لا يجمع بين الأختين الأمتين فيحتمل أنه أراد أن النكاح لا يصح
وهو إحدى الروايات عن مالك قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد لأن النكاح تصير
به المرأة فراشا
(7/493)
فلم يجز أن ترد على فراش الاخت كالوطئ
ولأنه فعل في الأخت ما ينافي إباحة أختها فلم يجز كالوطئ وظاهر كلام أحمد
أنه يصح ذكره أبو الخطاب ولا يطؤها حتى يحرم الموطؤة وهو مذهب أبي حنيفة
لأنه سبب يستباح به الوطئ فجاز أن يرد على وطئ ولا يبيح كالشراء، وقال
الشافعي يصح النكاح وتحل له المنكوحة وتحرم أختها لأن النكاح أقوى من الوطئ
بملك اليمين فاذا اجتمعا وجب تقديم الأقوى ووجه الأولى ما ذكرناه ولأن وطئ
مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة النكاح كالزوجة ويفارق الشراء
فإنه لا ينحصر في الوطئ ولهذا صح شراء الأختين ومن لا تحل له وقولهم النكاح
أقوى من الوطئ ممنوع وإن سلم فالوطئ أسبق فيقدم ويمنع صحة ما طرأ عليه مما
ينافيه كالعدة تمنع ابتداء
نكاح الأخت وكذلك وطئ الأمة يحرم نكاح ابنتها وأمها ولأن هذا بممنزلة نكاح
الأخت في عدة أختها لكونه لم يشتر الموطؤة فإن عادت إلى مكله لم يطأ واحدة
منهما حتى يحرم الأخرى إذا قلنا بصحة النكاح لأن الأولى عادت إلى الفراش
فاجتمعا فيه فلم يستبح واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش (فصل) فإن
زوج الامة الموطؤة أو أخرجها عن ملكه فله نكاح أختها فإن عادت الأمة إلى
ملكه فالزوجية بحالها وحلها باق لأن النكاح صحيح وه وأقوي ولا تحل الأمة
وعنه أنه يبنغي أن يجرم إحداهما لأن أمته التي كانت فراشاً قد عادت إليه
والمنكوحة مستفرشة فأشبه أمتيه اللتين وطئ إحداهما
(7/494)
بعد تزويج الأخرى ثم يطلقا لزوج أختها فإن
تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له لأن النكاح كالوطئ فأشبه
ما لو وطئ أمته ثم اشترى أختها فإن وطئ أمتيه حرمتا عليه حتى يستبرئ الأمة
ثم تحل له زوجته دون امته لأن النكاح أقوى وأسبق وإنما وجب الاستبراء لئلا
يكون جامعا جاه في رحم أختين ويحتمل أن تحرما عليه جمعيا حتى يحرم إحداها
كالأمتين وحكم عمة المرأة وخالتها كأختها في تحريم الجمع بينهما في الوطئ
والتفصيل فيها كالتفصيل في الأختين على ما ذكر (مسألة) (ولا بأس أن يجمع
بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها) هذا قول أكثر أهل العلم يرون الجمع
بين المرأة وبينها في النكاح فعله عبد الله بن جعفر وعبد الله ابن صفوان بن
أمية وهو قول سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى فإنهم كرهوه لأن
إحداهما لو كانت ذكراً حرمت عليه الأخرى فأشبه المرأة وعمتها ولنا قول الله
تعالى (وأحل لكم) ما وراء ذلكم ولانها لا قرابة بينهما فاشبها الأجنبيتين
ولأن الجمع حرم خوفا من قطيعة الرحم القريبة بين المتناسبين ولا قرابة بين
هاتين، وبهذا يفارق ما ذكروه (فصل) ولو كان لرجل ابن من غير زوجته ولها بنت
من غيره أو كان له بنت ولها ان جاز تزويج
(7/495)
أحدهما من الآخر في قول عامة الفقهاء وحكي
عن طاوس كراهيته إذا كان ما ولدته المرأة بعد وط
الزوج لها والأول أولى لعموم الآية والمعنى الذي ذكرناه فإنه ليس بينهما
قرابة ولا سبب يقتضي التحريم وكونه أخا لأختها لم يرد الشرع بأنه سبب
للتحريم فيبقى على الإباحة لعموم الآية ومتى ولدت المرأة من ذلك الرجل
ولداً صار عماً لولديهما وخالا (فصل) إذا تزوج امرأة لم ترحم أمها ولا
ابنتها على أبيه ولا ابنه فمتى تزوج امرأة وزوج أباه أمها جاز لعدم أسباب
التحريم فإذا ولد لكل واحد ولد كان ولد الأب عم ولد الأم وولد الابن خال
ولد الأب ويروى أن رجلا أنى عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين إني
تزوجت امرأة وزوجت أبني امها فأخبرنا فقال عبد الملك إن أخبرتني بقرابة
ولدك من ولد أبيك أخبرتك فقال الرجل: يا أمير المؤمنين هذا العريان ابن
الهيثم الطي وليته قائم سيفك ان علم ذلك فلا تخبرني فقال العريان أحدهما عم
الآخر والآخر خاله.
(فصل) إذا تزوج رجل امرأة وزوج ابنه بنتها أو أمها فزفت امرأة كل واحد
منهما إلى صاحبه فوطئها فان وطئ الأول يوجب عليه مهر مثلها لأنه وطئ شبهة
ويفسخ به نكاحها من زوجها لانها صارت بالوطئ حليلة أبيه أو ابنه ويسقط به
مهر الموطؤة عن زوجها لأن الفسخ من قبلها بتمكينها من وطئها ومطاوعتها عليه
ولا شئ لزوجها على الواطي لأنه لا يلزمه شئ يرجع به ولأن المرأة مشاركة
(7/496)
في إفساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على
زوجها شئ كما لو انفردت به ويحتمل أن يجب عليه لزوجها نصف مهر مثلها لأنه
أفسد نكاحها قبل الدخول أشبه المرأة تفسد نكاحه بالرضاع وينفسخ نكاح الواطئ
أيضاً لأن امرأته صارت أما للموطؤة ان بنتا لها ولها نصف المسمى فأما وطئ
الثاني فيوجب مهر المثل للموطؤة خاصة فإن أشكل الأول انفسخ النكاحان ولكل
واحدة مهر مثلها على واطئها ولا يثبت رجوع أحدهما على الآخر ويجب لامرأة كل
واحد منهما على الآخر نصف المسمى ولا يسقط بالشك (مسألة) (ولا يحل للحران
أن يجمع بين أكثر من أربع ولا للعبدان أن يتزوج أكثر من اثنتين فإن طلق
إحداهن لم يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها) أجمع أهل العم على أن الحر لا يحل
له أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات لا نعلم أحدا منهم
خالف في ذلك إلا شيئاً يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً لقول الله
تعالى (مثنى وثلاث ورباع) والواو للجمع ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مات
عن تسع وهذا خرق للاجماع وترك للسنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) وقال
نوفل بن معاوية أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم
(فارق واحدة منهن) رواهما الشافعي في مسنده وإذا
(7/497)
منع من استدامة زيادة على أربع فالابتداء
أولى والآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع كما قال (أولي أجنحة
مثنى وثلاث ورباع) ولم يردان لكل ملك تسعة أجنحة ولو أراد ذلك لقال تسعة
ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير ذلك فقد جهل اللغة العربية وأما النبي
صلى الله عليه وسلم فمخوص بذلك ألا ترى أنه جمع بين أكثر من تسع (فصل) وليس
للعبد أن يزيد على اثنتين ولا خلاف في جواز الجمع بين اثنتين له واختلفوا
في إباحة الأربع له فمذهب أحمد أنه لا يباح له الاثنتان وهذا قول عمر بن
الخطاب وعلي وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم وبه قال عطاء والحسن
والشعبي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وسالم
بن عبد الله وطاوس ومجاهد ومالك وأبو ثور وداود له نكاح أربع لعموم الآية
ولأن هذا طريقه اللذة والشهوة فساوى العبد فيه الحر كالمأكول ولنا أنه قول
من سمينا من الصحابة ولم يرعف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً وقد روى ليث
ابن أبي سليم عن الحكم بن عتبية قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ويقوي هذا ما روي الإمام أحمد
بإسناده عن محمد بن سيرين أن عمر سأل الناس كم يتزوج العبدء فقال عبد
الرحمن بن عوف ثنتين وطلاقه ثنتين فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة
وغيرهم فلم ينكر وهذا محض عموم الآية على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار
وهو قوله تعالى أو ما)
(7/498)
ملكت أيمانكم ويفارق النكاح المأكول فإنه
مبني على التفضيل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمته ولأن فيه
ملكاً والعبد ينقص في الملك عن الحر
(فصل) إذا تزوج الرجل امرأة حرمت عليه أختها وعمتها وخالتها وبنت أختها
وكذلك إذا تزوج الحر أربعاً حرمت الخامسة تحريم جمع وإن تزوج العبد اثنتين
حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا طلق زوجته طلاقا رجعياً فالتحريم باق بحاله في
قولهم جميعاً وإن كان الطلاق بائناً أو فسخا فكذلك حتى تنقضي عدتها يروي
ذلك عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي
والثوري وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى ومالك
والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر له نكاح جميع من سمينا في تحريم وروي ذلك
عن ثابت لأن المحرم الجمع بينهما في النكاح بدليل قوله تعالى (حرمت عليكم
أمهاتكم) أي نكاحهن وقال (وأن تجمعوا بين الأختين) معطوفا عليه والبائن
ليست في نكاحه ولأنها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول بها ولنا قول علي
وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه ما أجمعت الصحابة على شئ كإجماعهم
على أربع قبل الظهر وأن لا تنكح المرأة في عدة أختها وروي عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في
رحم أختين) وروي عن أبي الزناد قال كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة فطلق
واحدة البتة وتزوج قبل أن تحل فعاب ذلك كثير من الفقهاء وليس كلهم عابه
(7/499)
قال سعيد بن منصور إذا عاب عليه سعيد بن
المسيب فأي شئ يبقى؟ ولأنها محبوسة عن النكاح لحقه أشبه ما لو كان الطلاق
رجعياً وفارق المطلقة قبل الدخول بها (فصل) ولو أسلم زوج المجوسية أو
الوثنية أو انفسخ النكاح بين الزوجين يخلع أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار أو
غيره لم يكره له أن يتزوج أحداً ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي
عدتها سواء قلنا تتعجل الفرقة اولم نقل فإن أسلمت زوجته فتزوج أختها في
عدتها ثم أسلما اختار منهما واحدة كما لو تزوجهما معا وإن أسلم بعد انقضاء
عدت الأولى بانت وثبت نكاح الثانية (فصل) إذا أعتق أم ولده أو أمة كان
يصيبها فليس له أن يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها نص عليه أحمد في أم
الولد وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز لأنها ليست بزوجة ولا في عدة من
نكاح ولنا أنها معتدة منه فلم يجز له نكاح أختها كالمعتدة من نكاح أو وطئ
بشبهة ولأنه لا يأمن أن
يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم أختين ولا يمنع
من نكاح أربع سواها ومنعه زفر وهو غلط لأن ذلك جائز قبل إعتاقها فبعده أولى
(فصل) ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه
أن يتزوجها في صلب نكاحها.
ولنا أنه عادم للطول خائف للعنت فأبيح له نكاحها لقول سبحانه (ومن لم يستطع
منكم طولا أن
(7/500)
ينكح المحصنات المؤمنات) الآية ولا يسلم
أنه لا يجوز في طلب نكاح الحرة بل يجوز إذا تحقق الشرطان (فصل) وإن زنى
بامرأة فليس له أن يتزج أختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا والعدة
من وطئ الشبهة حكم العدة من النكاح على ما نذكره إن شاء الله تعالى فإن زنى
بأخت امرأته فقال أحمد يمسك عن وطئ امرأته حتى تحيض ثلاث حيضات وعنه حيضة
ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها ولا أربع سواها لأنها ليست منكوحة ومجرد
الوطئ لا يمنع بدليل الوطئ في ملك اليمين فإنه لا يمنع أربعاً سواها (فصل)
إذا ادعى رجل أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها مدة يجوز انقضاؤها فيها
وكذبته أبيح له نكاح أختها وأربع سواها في الظاهر وأما في الباطن فيبنى على
صدقه في ذلك لأنه حق فيما بينه وبين الله تعالى فيقبل قوله فيه ولا يصدق في
نفي نفقتها وسكناها وتعين النسب لأنه حق لها ولودها فلا يقبل قوله فيه وبه
قال الشافعي وغيره وقال زفر لا يصدق في شئ لأنه قول واحد لا يصدق في بعض
حكمه فلا يصدق في البعض الآخر قياساً للبعض على البعض وذلك لأنه لا يمكن أن
يكون القول الواحد صدقا كذبا ولنا أنه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا
ضرر على غيره فيه فوجب أن يصدق في إحداهما دون الآخر كما لو اشتدي عبدا ثم
أقران البائع كان أعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع
(7/501)
بثمنه وكذلك لو أقر أن امرأته أخته من
الرضاع قبل الدخول صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم يسقط مهرها إذا كذبته
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (النوع الثاني) محرمات لعارض بزول فيحرم عليه
نكاح زوجة غيره بغير خلاف لقول الله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى
يبلغ الكتاب أجله) وتحرم المستبرئة منه لذلك ولأن تزويجها يفضي الى اختلاط
المياه واشتباه الأنساب وسواء في ذلك المعتدة من وطئ مباح أو محرم أو من
غير وطئ لأنه لا يؤمن أن تكون حاملاً فلو أبحنا تزويجها لاختلط نسب المتزوج
بنسب الواطئ الأول ولا يجز نكاح المرتابة بعد العدة بالحل لذلك (مسألة)
(وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها) إذا زنت المرأة لا يحل نكاحها لمن
لم يعلم ذلك ألا بشرطين (أحدهما) انقضاء عدتها بوضع الحمل من الزنا ولا يحل
نكاحها قبل الوضع وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو إحدى الروايتين عن أبي
حنيفة وقال في الأخرى يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لانه وطئ لا يلحق
به النسب فلم يحرم النكاح كما لو لم تحمل ولنا قول النبي صلى الله عليه
وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماء زرع غيره يعني وطئ
الحامل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضغ) حديث صحيح
وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب ان رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى
فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وجعل لها الصداق
(7/502)
وجلدها مائة رواه سعيد ورأى النبي صلى الله
عليه وسلم امرأة على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها قالوا نعم قال
(لقد همت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف
يورثه وهو لا يحل له؟) أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها
كسائر الحوامل وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم النكاح فيها لأنها في الأصل
لمعرفة براءة الرحم ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملاً فلم يصح نكاحها
كالموطؤة بشبهة وقال أبو حنيفة والشافعي لا عدة عليها لانه وطئ لا تصير به
فراشا اشبه وطئ الصغير ولنا ما ذكرناه وإذا لم يصح نكاح الحامل فغيرها
الولى ولان وطئ الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب وغيرها يحتمل أن يكون
ولدها من الأول ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الأنساب فكان
التحريم أولى ولأنه وطئ في القبل فأوجب العدة كوطئ الشبهة ولا يسلم وطئ
الصغير الذي يمكنه الوطئ (والشرط الثاني) أن تتوب من الزنا وبه قال قتادة
واسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة
ومالك والشافعي لا يشترط ذلك لا روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنا وحرص
أن يجمع بينهما فأبى الرجل وروي ان رجلاً سأل ابن عباس عن نكاح الزانية
فقال يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه أكان يجوز ولنا قول الله عزوجل
وحرم ذلك على المؤمنين وهي قبل التوبة في حكم الزنا فإذا ثابت زال
(7/503)
ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (التائب
من الذنب كمن لا ذنب له - وقوله - التوبة تمحوا الحوبة) وروي أن مرثد
الغنوي دخل مكة فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته الين نفسها فلم يجبها
فلما قدم المدينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انكح عناق؟ فلم
يجبه فنزل قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا
ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلي عليه
الآية وقال لا تنكحها ولأنها لو كانت مقيمة على الزنا لا يأمن أن تلحق به
ولداً من غيره وتفسد فراشه وأما حديث عمر فالظاهر انه استتا بهما وحديث ابن
عباس ليس فيه بياين ولا تعرض له بمحل النزاع إذا ثبت هذا فعدة الزانية كعدة
المطلقة لانه استبراء لحرة اشبه عدة المرطوة بشبهة وحكى ابن أبي موسى عن
أحمد أنها تستبرأ بحيضة لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح فأشبه استبراء أم
الولد إذا عتقت وأما التوبة فهي الاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب
كالتوبة من سائر الذنوب وروي عن ابن عمر أنه قيل له كيف تعرف توبتها؟ قال
يريدها على ذلك فإن طاوعته فلم تتب وإن أبت فقد تابت فصار أحمد إلى قول ابن
عمر اتباعا له قال شيخنا والصحيح الأول فإنه لا ينبغي لمسلم ان يدعوا امرأة
إلى الزنا ويطلبه منها فإن طلبه منها إنما يكون في خلوة ولا تحل الخلوة
بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن فكيف في مراردتها على الزنا؟ ثم لا يأمن
أن أجابته إلى ذلك إن يعود إلى المعصية فلا يحل التعريض لمثل هذا ولأن
التوبة من سائر الذنوب في حق سائر الناس إلى سائر الأحكام على غير هذا
الوجه فكذلك هذا
(7/504)
(فصل) واذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني
وغيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر وعمر وابنه ابن عباس وجابر وسعيد
بن المسيب وعطاء والحسن والزهري والثوري والشافعي وابن
المنذر وأصحاب الرأي وقد روي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة أنها لا
تحل للزاني بحال قالوا لا يزالا زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر
فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها فيكون كقولنا،
فأما تحريمها على الإطلاق فلا يصح لقول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم)
ولأنها محللة لغير الزاني فحلت له كغيرها (فصل) فإن زنت امرأة رجل أو زنى
زوجها لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم
منهم عطاء والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعن جابر بن عبد
الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شئ وكذلك روى عن الحسن وروي
عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل أن يدخل بها واحتج
لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت منه لتحققه الزنا عليها فدل على أن الزنا
يبينها ولنا أن دعوى الزنا عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لا
نفسخ بمجرد دعواه كالرضاع ولأنها
(7/505)
معصية لا تخرج عن الإسلام فأشبهت السرقة،
فأما اللعان فان يقضتي الفسخ بدون الزني بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته
فلم يثبت زناها ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحد على من قذفها
والفسخ واقع ولكن أحمد استحب للزوج مفارقة امرأته إذا زنت وقال لا أرى أن
يمسك مثل هذه لأنه لا يؤمن أن تفسد فراشه وتلحق به ولداً ليس منه، قال إبن
المنذر لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم فيكون مثل
قول أحمد ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض لما روى رويفع بن ثابت قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يسقي ماء زرع غيره) يعني إتيان الحبالى ولأنها ربما تأتي بولد من الزنا
فينسب إليه، والأولى أنه يكفي ان يستبري بحيضة واحدة لأنها تكفي في استبراء
الإماء وفي أم الولد إذا عتقت بموت سيدها أو بإعتاقه فكفى ههنا ولأن
المقصود مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فاكتفى بها (فصل) إذا علم الرجل من
أمته الفجور فقال أحمد لا يطؤها لعلها أن تلحق به ولداً ليس منه قال ابن
مسعود أكره أن أطأ أمتي وقد بغت، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل
أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه وكان
ابن عباس يرخص في وطئ الأمة الفاجرة وروي ذلك عن سيعد بن المسيب ولعل من
كره ذلك كرهه قبل الاستبراء إذا لم يحصنها ويمنعها من الفجور ومن اباحه
إباحه بعدهما فيكون القولان متفقين والله أعلم.
(7/506)
(مسألة) (وتحرم مطلقته ثلاثاً حتى تنكح
زوجا غيره) لقول الله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً
غيره) بعد قوله (الطلاق مرتان) وسنذكر هذا في باب الرجعة بأبسط من هذا إن
شاء الله تعالى (مسألة) (وتحرم المحرمة حتى تحل) يحرم نكاح المحرمة ويحرم
على المحرم أن يعقد النكاح في حال إحرامه فإن عقد أحد نكاحها لمحرم أو على
محرمة أو عقد المحرم نكاحاً لنفسه أو لغيره لم يصح لقول النبي صلى الله
عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم وعنه أن عقد
المحرم النكاح لغيره صحيح لأنه حرم عليه لكونه من دواعي الوطئ ولا يحصل ذلك
بكونه وليا والأول أولى لعموم الخبر وقد ذكرنا هذه المسألة في الحج وذكرنا
الاختلاف فيها (مسألة) (ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال) لقول الله تعالى
(ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) ولقوله سبحانه (لا هن حل لهم) ولا نعلم
خلافاً في ذلك.
(مسألة) (ولا يحل لمسلم نكاح كافرة بحال إلا حرائر أهل الكتاب) ليس بين أهل
العلم بحمد الله اختلاف في حل نساء أهل الكتاب للمسلم وممن روي عنه ذلك عمر
وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم قال إبن المنذر لا يصح عن أحد من
الأوائل أنه حرم ذلك، وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن
المعلى وأذينة العبدي تزوجوا نساء
(7/507)
من أهل الكتاب وبه قال سائر أهل العلم ولم
ينقل تحريمه إلا عن الإمامية تمسكاً بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات ولا
تمسكوا بعصم الكوافر)
ولنا قول الله تعالى (اليوم أحل لكم الطيبات - إلى قوله - والمحصنات من
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وإجماع الصحابة.
فأما قول سبحانه (ولا تنكحوا المشركات) فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية
التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى لأنهما
متقدمتان والآية التي في المائدة متأخرة عنها، وقال آخرون ليس هذا نسخاً
فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه (لم
يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) وقال (إن الذين كفروا من
أهل الكتاب) وقال (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين
أشركوا) وقال (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) وسائر آي
القرآن تفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل
الكتاب وهذا معنى قول سعيد بن جبير وقتادة ولأن ما احتجوا به عام في كل
كافر وما بينا خاص في حل نساء أهل الكتاب والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا
فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر قال للذين تزوجوا نساء أهل الكتاب
طلقوهن ففعلوا إلا حذيفة فقال له عمر طلقها قال أتشهد أنها حرام؟ قال هي
حرة طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي حرة قال قد علمت أنها حرة ولكنها لي
حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له
(7/508)
ألا طلقتها حين أمرك عمر قال كرهت أن يرى
الناس أني ركبت أمراً لا ينبغي لي، ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما
كان بينهما ولد فيميل إليها (فصل) وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم أهل التوراة
والإنجيل قال الله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا) فإن أهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الإنجيل النصارى ومن وافقهم
من الار من وغيرهم، وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيراً فروي عن أحمد
أنهم جنس من النصارى ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن
أحمد قال بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء إذا يشبهون اليهود والصحيح فيهم أنهم إن
كانوا يوافقون اليهود أو النصارى في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه فهم ممن
وافقوهم وإن خالفوهم في أصل الدين فليس هم منهم، فأما من سوى هؤلاء من
الكفار مثل المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب لا تحل
مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا
قول الشافعي وذكر القاضي فيه وجها آخر أنهم من أهل الكتاب تحل ذبائحم ونكاح
نسائهم ويقرون بالجزية لأنهم تمسكوا بكتاب من كتاب الله فأشبهوا اليهود
والنصارى ولنا قول الله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا) ولأن تلك الكتب كانت مواعظ وأمثالا فيها أحكام فلم يثبت لها حكم
الكتب المشتملة على الأحكام (فصل) فأما المجوس فليس لهم كتاب ولا تحل
ذبائحهم ولا نكاح نسائهم نص عليه أحمد وهو قول
(7/509)
عامة العلماء إلا ابا ثور فإنه أباح ذلك
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولأنه يروى أن
حذيفة تزوج مجوسية ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا اليهود والنصارى ولنا قول
الله تعالى (ولا تنكحوا المشتركات) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فحص
ذلك أهل الكتاب فمن عداه يبقى على العموم ولا يثبت أن للمجوس كتاباً وسئل
أحمد أيصح أن للمجوس كتاباً فقال هذا باطل واستعظمه جداً ولو ثبت أن لهم
كتاباً فقد بينا أن حكم أهل الكتاب لا يثبت بغير أهل الكتابين، وقوله عليه
الصلاة والسلام (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) دليل على أنه كتاب لهم وإنما
أراد النبي صلى الله عليه وسلم في حقن دمائهم وإقرارهم بالجزية لا غير وذلك
أنهم لما كانت لهم شبهة كتاب غلب ذلك في تحريم دمائهم فيجب أن يغلب حكم
التحريم لنسائهم وذبائحم فأنا إذا غلبنا الشبهة في التحريم فتغليب الدليل
الذي عارضته الشبهة في التحريم أولى، ولم يثبت أن حذيفة تزوج مجوسية وقال
أبو وائل يقول تزوج بيهودية وهو أوثق ممن روي عنه أنه تزوج مجوسية وقال ابن
سيرين كانت امرأة حذيفة نصرانية ومع تعاض الروايات لا يثبت حكم إحداهن إلا
بترجيح ولو ثبت عن حذيفة لم يجز الاحتجاج به مع مخالفة الكتاب وقول سائر
العلماء، أما إقرارهم بالجزية فلأننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم فيجب أن
نغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم.
(7/510)
(مسألة) (فإن كان أحد أبويها غير كتابي أو
كانت من نساء بني تغلب فهل تحل له؟ على روايتين)
إذ كان أحد أبوي الكافرة كتابياً والآخر غير كتابي لم يحل نكاحها في إحدى
الروايتين اختارها الخرقي سواء كان وثنياً أو مجوسياً أو مرتدا، وبهذا قال
الشافعي فيما إذا كان الأب غير كتابي لأن الولد ينسب إلى أبيه ويشرف بشرفه
وينسب إلى قبيلته وإن كانت الأم فله فيه قولان ولنا أنها غير متمحضة من أهل
الكتاب أشبه ما لو كان أبوها وثنيا ولأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل
فلم يحل كالسمع والبغل وفيه رواية ثانية أنها تحل بكل حال لدخولها في عموم
الآية المبيحة ولأنها كتابية فأشبهت من أبواها كتابيان وعلى هذا فالحكم
فيمن أبواها غير كتابين كالحكم فيمن أحد أبويها غير كتابي لأنها إذا حرمت
بكون أحد أبويها وثنيا فلأن تحرم إذا كانا وثنين أولى وعلى الرواية التي
تقول لا تحرم فهو متحقق وإن كان أبواها وثنيين اعتباراً بحال نفسها دون
أبويها (فصل) فإن كانت من نساء بني تغلب ففيها أيضاً روايتان (إحداهما) تحل
وهي أصح لدخولها في قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
وهم اليهود والنصارى) والثانية تحرم نساء بني تغلب لأنا لا نعلم دخولهم في
دينهم قبل تبديل كتابهم (فصل) وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما
استحسن من الأصنام والأحجار والشجر
(7/511)
والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم
نسائهم وذبائحهم وذلك لما ذكرنا من الآيتين وعدم المعارض لهما، والمرتدة
يحرم نكاحها على أي دين كانت لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقات
إليه بإقرارها عليه ففي حلها أولى (مسألة) (وليس للمسلم وإن كان عبداً نكاح
أمة كتابية وعنه يجوز) ظاهر مذهب احمد ان ذلك لا يجوز رواه عنه جماعة، وهو
قول الحسن والزهري ومكحول ومالك والشافعي والثوري والاوزاعي والليث واسحاق،
وروي ذلك عن عمر وابن مسعود ومجاهد وقال أبو ميسرة وابو حنيفة يجوز للمسلم
نكاحها لأنها تحل يملك اليمين فحلت بالنكاح كالمسلمة ونقل ذلك عن أحمد قال
لا بأس بتزويجها إلا أن الخلال رد هذه الرواية وقال إنما توقف أحمد فيها
ولم ينفد له قول ومذهبه أنها لا تحل لقول الله تعالى (فمما ملكت أيمانكم من
فتياتكم المؤمنات)
فشرط في إباحة نكاحهن الإيمان ولم يوجد، وتفارق المسلمة لأنه لا يؤدي إلى
استرقاق الكافر ولدها لأن الكافر لا يقر ملكه على مسلة والكافرة تكون ملكا
لكافر ويقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها ولأنه عقد اعتوره نقصان نقص
الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها نقص الكفر وعدم
الكتاب لم يبح نكاحها، ولا فرق بين الحر والعمد والعبد في تحريم نكاحها
لعموم ما ذكرنا
(7/512)
من الدليل ولأن ما حرم على الحرد ذبحه من
أجل دينه حرم على العبد كالمجوسية (مسألة) (ولا يحل لحر نكاح أمة مسلمة إلا
أن يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة) الكلام في هذا المسألة
في فصلين (احداهما) أنه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان:
خوف العنث وعدم الطول وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم فيه اختلافا
لقول الله سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية والصبر عنها مع ذلك خير
وأفضل لقول الله تعالى (وإن تصبروا خير لكم) (الفصل الثاني) إذا عدم
الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر روى ذلك عن جابر وابن عباس وبه قال
عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ومكحول ومالك والشافعي واسحاق، وقال
مجاهد مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسراً وبه قال أبو
حنيفة إلا أن يكون تحته حرة لأن القدرة على النكاح لا تمنع من النكاح كما
يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة، وقال قتادة والثوري إذا خاف العنت
حل له نكاح الأمة وإن وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف العنت وقد وجدت ولا
يندفع إلا بنكاح الأمة فأشبه عدم الطول ولنا قول الله سبحانه وتعالى (ومن
سلم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من
فتياتكم المؤمنات - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت) فشرط في نكاحها عدم
استطاعة الطول
(7/513)
فلم يجز مع الاستطاعة لفوات شرطه وكالصوم
في كفارة الظهار مع استطاعة الإعتاق، ولأن في تزويج الأمة ارقاق ولده مع
الغنى عنه فلم يجز كما لوك ان تحته حرة، وقياسهم لا يصح لأن نكاح الخامسة
والأخت
إنما حرم لأجل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا، والعلة ههنا هو
الغنى عن ارقاق ولده وذلك يحصل بالقدرة على نكاح الحرة، وأما من يجد الطول
ويخاف العنت فإن كان ذلك لكونه لا يجد الاحرة صغيرة أو غائبة أو مريضة لا
يمكن وطؤها أو وجد مالا ولم يزوج لقصور نسبه فله نكاح الأمة نص عليه أحمد
في الغائبة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يجوز لوجدان الطول ولنا أن
هـ غير مستطيع للطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئاً الا ترى أن الله
سبحانه نزل ابن السبيل الذي له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في
الحال وإن كانت له حرة يتمكن من وطئها والعفة بها فليس بخائف العنت (فصل)
فإن قدر على شراء أمة تعفه فهو كما لو وجد طول الحرة لا يحل له نكاح الأمة
لأنه أمكنه صيانة ولده عن الرق فأشبه القادر على طول الحرة وكذلك إن قدر
على تزويج كتابية تعفه وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكروا وجهاً آخر أنه لا
يجوز لقول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات)
وهذا غير مستطيع لذلك
(7/514)
ولنا قول الله تعالى (ذلك لمن خشي العنت
منكم) وهذا غير خائف له لأنه قدر على صيانة ولده من الرق فلم يجز له ارقاقه
كما لو قدر على نكاح مؤمنة (فصل) ومن كانت تحته حرة يمكن أن يستعف بها لم
يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافاً ولا فرق بين المسلمة والكتابية في
ذلك لما ذكرنا من قبل (فصل) ومن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك لم يلزمه
لأن عليه ضرراً في بقاء الدين في ذمته ولصاحبه مطالبته بقرضه وكذلك إن بذل
له باذن أن يزنه عنه أو يهبه إياه لم يلزمه لما عليه من ضرر المنة في نكاح
الأمة، فان لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل وكان قادراً عليه ولا
يجحف به لم يكن له نكاح الأمة، وقال أصحاب الشافعي له ذلك كما لو لم يجد
الماء إلا بزيادة على ثمن المثل فله اليتيم.
ولنا قول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) وهذا مستطيع ولأنه قادر على
نكاح حرة بما لا
يضره فلم يجز له ارقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها، وما ذكروه ممنوع ثم إن
هذا مفارق لليتيم من وجهين (أحدهما) أن التيمم رخصة عامة وهذا أبيح للضرورة
ومع القدرة على الحرة لا ضرورة (الثاني) أن التيمم يتكرر فإيجاب شرائه
بزيادة على ثمن المثل يفضي إلى إجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه (فصل)
فإن كان في يده مال فذكر أنه معسر وإن المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم
بينه وبين
(7/515)
الله سبحانه وتعالى فقبل قوله فيما كما لو
ادعى مخافة العنت، ومتى تزوج الأمة ثم ذكر أنه كان موسراً حال النكاح فرق
بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه وهكذا إن أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان
قبل الدخول فصدقه السيد فلا مهر وإن كذبه فله نصف المهر لأنه يدعي صحة
النكاح والأصل معه وإن كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعها، فإن كان مهر
المثل أكثر من المسمى فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح الفاسد يلزمه
مهر لإقراره به وإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد أن لا يصدقه فيما قال فيكون
له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل؟ على
روايتين (مسألة) (فإن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل
نكاح الأمة؟ على روايتين) أما إذا أيسر فظاهر المذهب أنه لا ينفسخ نكاح
الأمة وهو الذي ذكره الخرقي وهو مذهب الشافعي وفيه رواية أنه يفسد نكاح
الأمة وهو قول المزني لأنه أبيح للحاجة فإن زالت الحاجة لم يجز استدامته
كمن أبيح له أكل الميتة للضروة فإذا وجد الحلال لم يستدمه ولنا أن فقد
الطول أحد شرطي إباحة نكاح الأمة فلم يعتبر استدامته لخوف العنت، ويفارق
أكل الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتدأ الأكل وهذا لا يبتدئ النكاح إنما
يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف ابتداءه بدليل أن العدة والردة وأمن العنت
يمنعن ابتداءه دون استدامته (فصل) فإن تزوج على الأمة حرة صح وفي بطلان
نكاح الأمة روايتان
(7/516)
(إحداهما) لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب
وعطاء والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن علي رضي الله عنه.
(والثانية) ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق واسحاق والمزني، ووجه
الروايتين
ما تقدم في المسألة قبلها وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها
وإلا فارقها ولا يصح لأن ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد أبطله في
ذات الولد كسائر مبطلاته ولأن ولده منها مملوك لسيدها ونفقته عليه، وقد
استدل على بقاء النكاح بما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال إذا تزوج
الحرة على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ولأنه لو بطل بنكاح الحرة
لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب
(مسألة) (وإن تزوج حرة وأمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح
أمة أخرى؟ على روايين) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة أكثر من
أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال إذا خشي العنت تزوج أربعاً إذا لم يصبر كيف
يصنع؟ وهذا قول الزهري والحارث العكلي وما لك وأصحاب الرأي وعنه أنه قال لا
يعجبني أن يتزوج إلا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس قال الحر لا يتزوج
من الإماء إلا واحدة وقرأ (ذلك لمن خشي العنت منكم) وبه قال قتادة والشافعي
وابن المنذر كان من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخاف
(7/517)
العنت، ووجه الاولى قوله تعالى (ومن لم
يستطع منكم طولا) الآية وهذا داخل في عمومها ولأنه عادم للطول خائف للعنت
فجاز له نكاح أمة كالأولى، وقولهم لا يخشى العنت قلنا الكلام فيمن يخشاه
وقول ابن عباس يحمل على من لم يخش العنت وكذلك الرواية الأخرى عن أحمد، فإن
كان تحته حرة لم تنفه ففيها الروايتان أيضاً مثل نكاح الأمة ذكرهما أبو
الخطاب إذا لم تعفه الأمة لما ذكرنا، فإن كانت الحرة تعفه فلا خلاف في
تحريم نكاح الأمة خ الأخرى، فإن نكح أمتين في عقد وهو يتسعف بواحدة
فنكاحهما باطل لأنه يبطل في إحداهما وليست بأولى من الأخرى فبطل كما لو جمع
بين أختين (مسألة) (قال الخرقي وله أن يتزوج من الإماء أربعاً إذا كان
الشرطان فيه قائمين) لما ذكرنا (مسألة) (وللعبد نكاح الأمة وإن فقد فيه
الشرطان) لأنه مساولها فلم يعتبر فيه هذان الشرطان كالحر مع الحرة وله نكاح
أمتين معا وواحدة بعد واحدة لأن خشية العنت غير مشوطة فيه (مسألة) (وهل له
أن ينكحها على حرة على روايتين)
(إحداهما) له ذلك وهو قول مالك والشافعي لأنها مساوية له فلم يشترط لصحة
نكاحها عدم الحرة كالحر مع الحرة ولأنه لو اشترط عدم الحرة لاشترط عدم
القدرة علهيا كما في حق الحر (والثانية) لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي لأنه
يروي عن سعيد بن المسيب أنه قال تنكح الحرة على الأمة ولا تنكح الأمة على
الحرة ولأنه مالك لبضع حرة فلم يكن له أن يتزوج أمة كالحر
(7/518)
(مسألة) (وإن جمع بينهما في العقد جاز) لأن
كل واحدة منهما يجوز إفرادها في العقد فجاز الجمع بينهما كالأمتين هذا إذا
قلنا ليست حرية الزوج شرطاً في نكاح الحرة، ويتخرج أن لا يجوز بناء على
قوله لا يجوز نكاح الأمة على حرة ولأنه لا يجوز نكاح الأمة على الحرة فحرم
عليه الجمع بينهما كالأختين (مسألة) (وليس للعبد نكاح سيدته) قال إبن
المنذر أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل لأن أحكام الملك
والنكاح تتناقض إذ ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها وسفره بسفرها وطاعته
إياها، ونكاحه إياها يوجب عكس ذلك فيتنافيان ولما روى الأثرم بإسناده عن
أبي الزبير عن جابرانه سأله عن العبد ينكح سيدته فقال جاءت امرأة إلى عمر
بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال
لا يحل لك (مسألة) (وليس للحر أن يتزوج أمته) لأن ملك الرقبة يفيد ملك
المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولا يجوز، أن يتزوج أمة
له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته (مسألة) (ولا يجوز للحر أن
يتزوج أمة ابنه لا ن له فيها شبهة ملك) وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل
العراق له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق بإعتاقه إياها
(7/519)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت
ومالك لأبيك) ولأنه لو ملك جزءاً من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي
مضافة بجملتها شرعاً أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أمة سيده
وسيدته مع ما ذكرنا من الخلاف (فصل) ويجوز للعبد نكاح أمة ابنه لأن الرق
قطع ولايته عن ابنه وماله وهذا لا يلي ماله ولا نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه
فهو كالأجنبي منه (فصل) وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة
ملك فأشبه الأجنبي وكذلك سائر القرابات ويجوز للرجل أن يزوج ابنته لمملوكه،
وإذا مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه أو جزء أمنه انفسخ النكاح وكذلك أن
ملكه أو جزءاً منه بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا انلا ان الحسن فال إذا
اشترى امرأته للعتق فاعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لأنهما
متنافيان فلا يجتمعان قليلاً ولا كثيراً بمجرد الملك لها انفسخ نكاحها
سابقاً على عتقها (فصل) وإن اشترى الحر زوجته أو جزءاً منها ملكه بغير
الشراء انفسخ نكاحها وكذلك إن ملكت المرأة زوجها أو جزءاً منه ولا نعلم في
ذلك اختلافاً لما ذكرناه، وإن اشتراها ابنه فعلى وجهين (إحداهما) ينفسخ
النكاح لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاء فكان كملكه في
إبطال النكاح (والثاني) لا يبطل لأنه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل نكاحه
كالأجنبي (فصل) وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك
طلاقاً فمتى أعتقته ثم
(7/520)
تزوجها لم تحتسب بتطليقة وبهذا قال الحكم
وحماد ومالك والشافعي وابن المنذر واسحاق وقال الحسن والزهري وقتادة
والازواعي تحتسب هي بتطليقة ولا يصح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية
وإنما فسخ النكاح بوجود ما ينافيه فأشبه انفساخه بإسلام أحدهما (فصل) ولو
ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها في قول عامة المفتين حتى
يستخلصها فيحل له وطؤها بملك اليمين وروي عن قتادة أنه لم يزده ملكه فيها
الاقربا وليس بصحيح لأن النكاح لا يبقى في بعضها وملكه لم يتم علهيا ولا
يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه (مسألة) (ومن جمع بين محللة ومحرمة
في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل؟ على روايتين) وإذا عقد النكاح على أخته
وأجنبية معاً بأن يكون لرجل أخت وابنة عم إحداهما رضيعة للمتزوج
فيقول له زوجتكهما فيقبل ذظلك فالمنصوص صحة نكاح الأجنبية فيما ذكره الخرقي
ونص فيمن تزوج حرة وأمة أنه يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة وذكر شيخنا فيه
روايتين إحداهما يفسد فيهما وهو أحد قولي الشافعي واختاره أبو بكر لأنه عقد
واحد جمع حلالا وحراما فلم يصح كما لو جمع بين أختين والثانية يصح في الحرة
وهو أظهر الروايتين وهو قول مالك والثوري وأصحاب الراي لأنها محل قابل
(7/521)
للنكاح وأضيف إليها عقد صادر من أهله لم
يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به وفارق العقد على الأختين لأنه
لا مزية لإحداهما على الأخرى وهاهنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها فعلى
هذا القول يكون لها من المسمى بقسط مهر مثلها منه وفيه وجه آخر أن لها نصف
المسمى وأصل هذين الوجهين إذا تزوج امرأتين يجوز له نكاحهما بمهر واحد هل
يكون بينهما على قدر صداقهما أو نصفين؟ على وجهين يأتي ذكر هما انشاء الله
تعالى (فصل) ولو تزوج يهودية ومجوسية أو محللة أو محرمة في عقد واحد فسد في
المجوسية والمحرمة وفي الأخرى وجهان وإن نكح أربع حرائر وأمة فسد في الأمة
وفي الحرائر وجهان وإن نكح العبد حرتين وأمة بطل نكاح الجميع وإن تزوج
امرأة وابنتها فسد فيهما لأن الجمع بينهما محرم فلا يصح فيهما كالأختين
(مسألة) (وكل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل الكتاب)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) إن أهل الكتاب حلال وهذا قول عامة
أهل العلم إلا الحسن فإنه كرهه لأن الأمة الكتابية يحرم نكاحها فحرم التسري
بها كالمجوسية ولنا قول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
فإنهم غير ملومين) ولأنها ممن يحل نكاح حرائرهم فحل له التسري بها كالمسلمة
فأما نكاحها فيحرم لأنه فيه ارقاق ولده وابقاءوه مع كافرة بخلاف
(7/522)
التسري (الفصل الثاني) إن من حرم نكاح
حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل أهل الكتاب لا يباح وطئ الإماء
منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم منهم الزهري وسعيد بن
جبير والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي قال ابن عبد البر على
هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافاً ولم
يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس لقول تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
أيمانكم) وقوله (والذينهم لفروجهم حافظون إلا على أزاجهم أو ما ملكت
أيمانهم) الآية وروى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم
خيبر بعثها قبل أن طاس فأصابوا لهم سبايا فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتحرجون من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشريكين فأنزل الله
عزوجل في ذلك (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) قال فهن لهم حلال
إذا انقضت عدتهن وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سببا أو طاس
(لا توطأ حامل حتى تضع ولا ذات حليل حتى تحيض حيضة) رواهما أبو داود وهذا
صحيح وهم عبدة الأوثان وهذا ظاهر في إباحتهن ولأن الصحابة في عصر النبي صلى
الله عليه وسلم كان أكثر سباياهم من كفار العرب وهم عبدة الأوثان فلم
يكونوا يرون تحريمهن لذلك ولا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهن ولا
أمر الصحابة باجتنابهن وقد دفع أبو بكر الى سلمة بن الاكوع امرأة من بعض
السبي نفله إياها وأخد عمر وابنه من سبي هوازن وكذلك غيرهما من الصحابة وأم
محمد بن الحنفية من سبى بني حنيفة وأخذ الصحابة سبايا فارس وهم
(7/523)
مجوس فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن وهذا ظاهر
في إباحتهن لولا اتفاق سائر أهل العلم على خلافه وقد أجبت عن حديث أبي سعيد
بأجوبة منها أنه يحتمل أنهن أسلمن كذلك روي عن أحمد حين سأله محمد بن الحكم
قال قلت لأبي عبد الله أليس كانوا عبدة أوثان؟ قال لا أدري كانوا أسلموا
أولا؟ وقال ابن عبد البر إباحة وطئهن منسوخة بقوله تعالى (ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن) (فصل) قال رحمه الله ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين
أمره نص عليه في رواية الميموني وذكره أبو إسحاق مذهبا للشافعي وذلك لأنه
لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح فلم يصح له كما لو اشتبهت عليه أخته بنسوة
ولأنه قد اشتبه المباح بالمحظور في حقه فحرم لما ذكرنا وقال الخرقي إذا قان
أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد وإن قال
أنا امرأة لم ينكح إلا رجلاً وذلك لأنه لا يخلو من أن يكون رجلاً أو امرأة
قال الله تعالى (وأنه خلق الزوجين الذكر
والأنثى) وقال تعالى (وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء) وليس ثم خلق ثالث فإذا
كان مشكلا لم يظهر فيه علامات الرجال ولا النساء فقد اختلف فيه أصحابنا
واختار الخرقي أنه يرجع إلى قوله قال ذكر أنه رجل وانه بميل طبعه إلى نكاح
النساء فله نكاحهن وإن ذكر أنه امرأة بميل إلى طبعه إلى
(7/524)
الرجال زوج رجل لأنه معنى لا يتوصل إليه
إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق إلى غيره فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة
في حيضها وعدتها وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له فإن
الله تعالى أجرى العادات في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه
وهذا الميل أمر في النفس والشهوة ولا يطلع عليه غيره وقد تعذرت علينا معرفة
علاماته الظاهرة فيرجع فيه إلى الأمور الباطنة فيما يختص هو بحكمه وأما
الميراث والدية فإن أقر على نفسه بماه يقلل ميراثه أوديته قبل منه وإن ادعى
ما بزيد ذلك لم يقبل لأنه متهم فيه فلا يقبل قوله على غيره وما كان من
عباداته وسترته وغير ذلك فينبغي أن يقبل قوله فيه لأنه حكم بينه وبين الله
تعالى قال القاضي ويقبل قوله في الإمامة وولاية النكاح وما لا يثبت حقا على
غيره وإذا زوج امرأة ورجلا ثم عاد فقال خلاف قوله الأول لم يقبل قوله في
التزويج بغير الجنس الذي زوجه أولا لأنه مكذب لنفسه ومدع ما يوجب الجمع بين
تزويج الرجال والنساء (مسألة) (فإن تزوج امرأة فقال أنا امرأة انفسخ نكاحه)
لإقراره ببطلانه ولزمه نصف المهر إن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بعده ولا
يحل له بعد ذلك أن ينكح لأنه أقر بقوله أنا رجل بتحريم الرجال وأقر بقوله
أنا امرأة بتحريم النساء (مسألة) (وإن تزوج رجلاً ثم قال أنا رجل لم يقبل
قوله في فسخ نكاحه) لأنه لا حق عليه
(7/525)
فإذا أزال نكاحه فلا مهر له لانه يقرأنه لا
يستحقه وسواء دخل أو لم يدخل ويحرم النكاح بعد ذلك لما ذكرنا.
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان صحيح وفاسد فالصحيح نوعان (أحدهما) يقتضيه العقد كتسليم المرأة
إليه وتمليكه من الاستمتاع بها فهذا لا يؤثر في العقد وجوده كعدمه (الثاني)
شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة على مهرها أو نقد معين فهو صحيح يجب الوفاء
به كالثمن في المبيع (مسئللة) (فإن شرط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو
لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فهو صحيح لام فإن وفى به وإلا فلها الفسخ) يروي
ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله
عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاوس والاوزاعي واسحاق
وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري
والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال أبو حنيفة والشافعي يفسد المهر
ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب
الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا
يقتضيه وبقول النبي
(7/526)
صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم
إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا يحرم الحلال وهو التزويج والتسري
والسفر ولأن هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم بين على التغليب
والسراية فكان فاسداً كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها ولنا قول النبي صلى
الله عليه وسلم (إن أحق ما وفيتم به الشروط ما استحللتم به الفروج) رواه
سعيد - وفي لفظ - (أن أحق الشروط أن توفوا بهاما استحللتم به الفروج)) متفق
عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولأنه قول من
سمنيا من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً وروى الأثرم
باسناده أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه الى عمر
فقال لها شرطها فقال الرجل إذاً يطلقننا فقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط
ولأنه شرط له فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازماً كما
لو اشترطت زيادة في المهر أو غير نقد البلد وأما قوله صلى الله عليه وسلم
(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع
قد ذكرنا ما دل على مشروعيته وعلى من نفى ذلك الدليل وقولهم إن هذا يحرم
الحلال قلنا لا يحرم حلالا وإنما
يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها به وقولهم ليس من مصلحة العقد ممنوع
فإنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده كاشتراط
الرهن والضمين ثم يبطل بالزيادة على مهر
(7/527)
المثل وإذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف به
فلها الفسخ ولهذا قال عمر للذي قضى عليه بلزوم الشرط حين قال إذا يطلقننا
مقاطع الحقوق عند الشروط ولم يلتفت إلى قوله ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت
حق الفسخ في ترك الوفاء به كالرهن في البيع (مسألة) (وإن شرط لها طلاق
ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح) لأنه شرط لا ينافي العقد ولها فيه فائدة
فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها قال شيخنا ولم أر هذا لغيره
ويحتمل إنه باطل وهو الصحيح لما روى أبو هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه
وسلم أن تشرط المرأة طلاق أختها وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صفحتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها)
رواهما البخاري والنهي يقتضي فساد المنهي عنه لانها شرطت عيه فسخ عقده
وإبطال حقه وحق امرأته فلا يصح كما لو شرطت فسخ بيعه وعلى قياس هذا ما لو
شرطت عليه ببيع (مسألة) قال رضي الله عنه (القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة
أنواع (أحدهما) ما يبطل النكاح وهو ثلاثة أشياء (أحدها) نكاح الشغار وهو أن
يتزوجه وليته على أو يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما) قيل إنما سمي هذا
النكاح شغاراً لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول في الفتح يقال شغر الكلب
إذا رفع رجله ليبول وحكي عن الأصمعي أنه قال الشغار الرفع فكان كل واحد
منهما رفع رجله للآخر
(7/528)
عما يريد ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن
نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة قال أحمد وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما
فرق افيه وهو قول مالك والشافعي واسحاق وحكي عن عطاء وعمرو بن دينار ومكحول
والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل
المهر لا يوجب فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك ولنا ما
روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار متفق عليه وروى
أبو هريرة مثله
أخرجه مسلم وروى الأثرم باسناده عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام) ولأنه جعل كل واحد من
العقدين سلفاً في الآخر فلم يصح كما لو قال يعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي
قولهم أن فساده من قبل التسمية قلنا بل فساده من جهة أنه وقفه على شرط فاسد
ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج فانه جعل تزوجيه إياها مهر للأخرى فكأنه
ملكه إياه بشرط انتزاعه منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول علي أن صداق
كل واحدة منهما يضع الأخرى أو لم يقل ذلك وقال الشافعي هو أن يقول ذلك ولا
يمسى لكل واحدة صداقاً لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الشغار والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ويكون
بضع كل واحدة منهما مهراً في الأخرى
(7/529)
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر
ابنته وليس بينهما صداق هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وفي حديث أبي
هريرة والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني بنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك
وأزوجك أختي رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع
بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد النكاح بأي ذلك كان ولأنه إذا شرط في نكاح
إحداهما تزويج الأخرى فقد جعل بضع كل واحدة منهما صداق الأخرى ففسد كما لو
لفظ (فصل) فإن سميا مع ذلك مهراً فقال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك
ومهر كل واحدة منهما مائة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو
أكثر فالمنصوص عن أحمد صحته وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر
وكانه قد سمي صداقاً فصح كما لو لم يشرط ذلك وقال الخرقي لا يصح لحديث أبي
هرريرة ولما روى أبو داود عن الأعرج أن العباس بن عبد الله ابن العباس أنكح
عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقاً فكتب
معاوية إلى مروان فأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى فلم
يصح كما لو لم يسيميا صداقاً يحققه أن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد بدليل
(7/530)
نكاح المفوضة فدل على أن المفسد هو الشرط
وقد وجد ولأنه متلف في عقد فلم يصح كما لو قال بعتك ثوبي بعشرة على أن
تبيعني ثوبك بعشرين وهذا لا اختلاف فيه إذا لم يصرح بالتشريك فأما إن قال
زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى
فالنكاح فاسد لأنه صرح بالتشريك فلم يصح العقد كما لم يذكر مسمى (فصل) ومتى
قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقاً ففيه وجهان (أحدهما) تفسد التسمية ويجب
مهر المثل، هذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى إلا بشرط أن
يتزوج مولية صاحبه فنقص المهر لهذا الشرط وهو باطل فإذا احتجنا إلى ضمان
النقض صار المسمى مجهولاً فبطل (والوجه الثاني) ذكره القاضي في الجامع أنه
يجب المسمى لأنه ذكر قدرا معلوما يحصح أن يكون مهراً فصح كما لو قال زوجتك
على ألف على أن لي منها مائة (فصل) فإن سمى لأحدهما مهراً دون الأخرى فقال
أبو بكر يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في إحداهما ففسد في الأخرى والأولى أنه
يفسد في التي لم يسم لها صداقاً لأن نكاحها خلا من صداق سوى نكاح الأخرى
ويكون في التي سمى لها صداقاً روايتان فيه تسمية وشرطاً فأشبه ما لو سمى
لكل واحدة منهما مهراً ذكره القاضي هكذا (فصل) فإن قال زوجتك جاريتي هذه
على أن تزوجني ابنتك ويكون عتقها صداق لابنتك لم يصح تزويج الجارية في قياس
المذهب لأنه لم يجعل لها صداقاً سوى تزويج ابنته وإذا زوجه ابنته على أن
يجعل رقبة الجارية صداقاً لها صح لأن الجارية تصلح أن تكون صداقاً وإذا زوج
عبده امرأة وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لأن ملك المرأة زوجها مع
صحة النكاح فيفسد الصداق ويصح
(7/531)
(النكاح ويجب مهر المثل (الثاني) نكاح
المحلل وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها، نكاح المحلل باطل حرام في
قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن
المبارك والشافعي وسواء قال زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذ أحلها فلا
نكاح بينهما أو إذا أحلها للأول
طلقها وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح يبطل الشرط وقال الشافعي في
الصورتين الأولتين لا يصح (وفي الثالثة) على قولين: ولنا ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله المحلل والمحلل له) رواه أبو داود
وابن ماجه والترمذي قال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب وعثمان وعبد الله بن عمر وهو
قول الفقهاء من التابعين وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وقال ابن
مسعود المحلل والمحلل له ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وروى
ابن ماجة عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم
بالتيس المستعار) قالوا بلى يا رسول لله قال (هو المحلل لعن الله المحلل
والمحلل له) رواه الأثرم بإسناده عن قبيصة عن جابر قال سمعت عمر يخطب الناس
وهو يقول والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ولأنه نكاح إلى مدة
أو فيه شرط يمنع بقاء فأشبه نكاح المتعة.
(مسألة) (فإن نوى ذلك من غير شرط لم يصح أيضاً في ظاهر المذهب وقيل يكره
ويصح)
(7/532)
إذا تواطأ عليه قبل العقد ولم يذكر هل نواه
أو نوى المحلل من غير شرط؟ فالنكاح باطل أيضاً قال اسماعيل بن سعيد سألت
أحمد عن الرجل يتزوج المرأة في نفسهه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم
المرأة بذلك قال هو محلل إذا أراد بذلك الإحلال وهو ملعون وهذا ظاهر قول
الصحابة رضي الله عنهم فروى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له امرأة تزوجتها
أحلها لزوجها لم تأمرني ولم تعلم قال لا، نكاح رغبة أن أعجبتك أمسكتها وإن
كرهتها فارقتها قال وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
سفاحاً وقال لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن
يحلها، وهذا قول عثمان بن عفان رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال إن
عمي طلق امرأته ثلاث أيحلها له رجل؟ قال من يخادع الله يخدعه، وهذا قول
الحسن والنخعي والشعبي وقتادة بكر المزني والليث ومالك والثوري واسحاق وقال
أبو حنيفة والشافعي العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لأنه
خلا عن شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الإحلال أو ما لو نوت المرأة
ذلك ولأن العقد إنما يبطل بما شرط
لا بما قصد بدليل ما لو اشترى عبداً بشرط أن يبيعه لم يصح ولو نوى ذلك لم
يبطل ولأنه قد روي عن عمر ما يدل على إجازته فروى أبو حفص بإسناده عن محمد
بن سيرين قال قدم مكة رجل ومع أخوه له صغار وعليه إزار من بين يديه رقعة
ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئاً فبينما هو كذلك إذا نزع الشيطان بين
رجل من قريش وبين امرأته فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا
(7/533)
الرقعتين شيئا ويحك لي؟ قالت نعم إن شئت
فأخبروه بذلك قال نعم فتزوجها ودخل بها فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار فجاء
القرشي يحوم حول الدار ويقول يا ويله غلب علي امرأتي فأتى عمر فقال يا أمير
المؤمنين غلبت علي امرأتي قال من غلبك؟ قال ذو الرقعتين قال ارسلو إليه
فلما جاءه الرسول قالت له المرأة كيف موضعك من قومك؟ قال ليس بموضع بأس
قالت إن أمير المؤمنين يقول لك طلق امرأتك فقل له لا والله لا أطلقها فإنه
لا يكرهك فألبسته حلة فما رآه عمر من بعيد قال الحمد الله الذي رزق ذا
الرقعتين فدخل عليه فقال أتطلق امراتك، قال لا والله لا أطلقها قال عمر لو
طلقتها لاوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن
سيرين نحواً من هذا وقال من أهل المدينة وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد
ولم يربه عمر بأساً.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وقول من
سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم فيكون إجماعاً ولأنه قصد به التحليل فلم
يصح كما لو شرطه أما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد ليس له إسناد يعني أن ابن
سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر وقال أبو عبيد هو مرسل فأين هو من الذي سمعوه
يخطب به على المنبر لا اوتي يمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما؟ ولأنه ليس فيه
ان ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع
(فصل) فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد
نكاح رغبه
(7/534)
صح العقد لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه
فصح كما لو لم يذكر ذلك وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين فإن قصدت المرأة أو
وليها التحليل دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن وابراهيم
إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح قال أحمد كان الحسن وابراهيم والتابعون
يشددون قال أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أتريدين أن ترجعي إلى
رفاعة) ونية المرأة ليس بشئ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله
المحلل والمحلل له) ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج لأنه الذي إليه
المفارقة والإمساك أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء
وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئاً من العقد ولا من رفعه فهو أجنبي كسائر
الأجانب فإن قيل فكيف لعنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل إنما لعنه إذا
رجع إليها بذلك التحليل لأنها لم تحل له فكان زانياً فاستحق اللعنة لذلك.
(فصل) وإن اشترى عبداً فزوجها إياه ثم وهبها العبد أو بعضه لينفسخ النكاح
يملكها لم يصح قال أحمد في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثاً وأراد أن يراجعها
فاشترى عبداً وزوجها إياه فهذا الذي نهى عنه عمر يؤذبان جميعاً وهذا فاسد
ليس بكفء وهو شبيه المحلل وعلل أحمد فساده بشيئين (أحدهما) أنه شبه المحلل
لأنه إنما زوجها إياه لتحل له (والثاني) كونه ليس بكفئ لها ويحتمل أن يصح
النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل لأن المعتبر في الفساد نية الزوج لانية
غيره (فصل) ونكاح المحلل فاسد تثبت فيه أحكام العقود الفاسدة فإنه قن ولا
يحصل به الإحصان
(7/535)
ولا الإباحة للزوج الأول كما لا يثبت في
سائر العقود الفاسدة قيل فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم محللا وسمى
الزوج محللا له ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له قلنا سماه
محللا لأنه قصد التحليل في موضع لا يحصل فيه الحل كما قال (ما آمن بالقرآن
من استحل محارمه)) وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاماً) ولو كان
محللا في الحقيقة والا آخر محللا له لم يكونا ملعونين (الثالث) نكاح المتعة
وهو وأن يتزوجها إلى مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهراً أو سنه أو إلى
انقضاه الموسم وقدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهو
باطل نص عليه أحمد فقال نكاح المتععة حرام وقال أبو بكر فيها رواية أخرى
أنها مكروهة غير حرام لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال تجتنبها أحب إلي
قال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم وغير أبي بكر من أصحابنا بمنع هذا ويقول
المسألة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء ومم روي
عنه تحريمها عمر وعلي وبن مسعود وابن الزبير قال ابن
عبد البر وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة وأبو حنيفة في أهل الكوفة
والاوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصرو الشافعي وسائر أصحاب الآثرا
وقال زفر يصح النكاح ويبطل الشرط وحكي عن ابن عباس انا جائزة وعليه أكثر
أحصابه عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر
وإليه ذهب الشبعة لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها وروي
ان عمر قال
(7/536)
متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج ولأنه عقد
على منفعة فجاز مؤقتا كالإجارة ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد
على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في حجة الوداع وفي
لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء رواه أبو داود وفي
لفظ رواه ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا أيها الناس إني
كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة) وروى
سبرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة
فلم تخرج حتى نهانا عنها رواه مسلم وروى علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الخمر الأهلية متفق
عليه رواه مالك في الموطأ وأخرجه الأئمة النسائي وغيره واختلف أهل العلم في
الجمع بين هذين الخبرين فقال قوم في حديث علي تقديم وتأخير وتقديره أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ونهى عن متعة
النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه أنه
كان في حجة الوداع حكاه الإمام أحمد عن قوم وذكره ابن عبد البر، قال
الشافعي لا أعلم شيئاً أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة، فحمل
الأمر على ظاهره وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ثم أحلها في
(7/537)
حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها ولأنه
يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق والظهار واللعان والتوارث فكان باطلاً
كسائر الأنكحة الباطلة، أما قول ابن عباس فقد حكي عنه الرجوع فروى أبو بكر
باسناده عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد أكثر الناس في المتعة حتى
قال فيها الشاعر:
* أقول وقد طال الثواء بنا معاً * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس * هل لك
في رخصة الأطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس * فقام خطيباً فقال إن
المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال إنما
كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس فيها معرفة فيتزوج
المرأة بقدر ما يدري أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه
الآية (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن عباس فكل فرج سواهما
حرام رواه الترمذي فأما إذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت نسخه
وأما حديث عمر إن صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الإخبار عن تحريم النبي صلى
الله عليه وسلم لها ونهيه عنها إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي صلى الله
عليه وسلم إباحه وبقي على إباحته (فصل) فإن تزوجها من غير شرط ألا إن في
نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته فالنكاح صحيح في قول عامة أهل
العلم إلا الأوزاعي قال هو نكاح متعة والصحيح أنه لا بأس به ولا تضر نيته
وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته أن وافقته وإلا طلقها
(7/538)
(مسألة) (وكذلك إن شرط أن يطلقها في وقت
بعينه) فلا يصح النكاح سواء كان معلوماً أو مجهولا مثل أن يشرط عليه طلاقها
إن قدم أبوها أو أخوها ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط وهو قول أبي حنيفة
وأظهر قولي الشافعي قاله في عامة كتبه لأن النكاح وقع مطلقا وإنما شرط على
نفسه شرطا وذلك لا يؤثر فيه كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها.
ولنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ولأنه شرط انتفاء
النكاح في وقت بعينه أشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه لم يشرط
قطع النكاح (مسألة) (وأن علق ابتداءه على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس
الشهر أو إن رضيت أمها فهذا كله باطل من أصله) لأنه عقد معاوضة فلم يصح
تعليقه على شرط مستقبل كالبيع ولأنه وقف النكاح على شرط ولا يجوز وقفه على
شرط وهو قول الشافعي وعن مالك نحوه وذكر أبو الخطاب فيا إذا شرط إن رضيت
أمها رواية ان النكاح صحيح لأنه يصح في الجهل بالعوض فلم يبطل بالشرط
الفاسد كالعتق ويبطل الشرط والأول أصح لما ذكرنا (النوع الثاني) أن شرط أنه
لا مهر لها ولا نفقة أو يقسم لها أكثر من امرأته الأخرى أو أقل فالشرط باطل
ويصح النكاح وكذلك إن شرط أنه إن أصدقها رجع عليها
(7/539)
أو تشرط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو
لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على
المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها
تنافي مقتضاه وتتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو
أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، وفأما العقد في نفسه فهو صحيح لأن هذه الشروط
تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله كما
لو شرط في العقد صداقاً محرماً ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن
ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق وقد نص أحمد فيمن تزوج امرأة وشرط عليها أن
يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت وقالت لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال:
لها أن تنزل إلا بطيب نفس منها فإن ذلك جائز وإن قالت لا أرضى إلا
بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه إن شاءت، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج
المرأة ويشرط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط وإن شاءت رجعت، وقال في
الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم
النكاح جائز ولها ان ترجعع في هذا الشرط ونقل عن أحمد كلام في بعض هذه
الشروط يحتمل إبطال العقد فنقل عنه المروذي في النهاريات والليليات ليس هذا
من نكاح أهل الإسلام وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن
شبرمة، قال الثوري الشرط باطل وقال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل
وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأساً وكان الحسن لا يرى بأساً
أن يتزوجها ويجعل لها من الشهر أياماً معلومة.
قال شيخنا ولعل كراهة من
(7/540)
كره ذلك راجعة إلى إبطال الشرط وإجازة من
أجازه راجعة إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال
الشرط كما قلنا والله أعلم.
وقال القاضي إنما كره أحمد هذا النكاح لأنه يقع على السر وهو منهي عنه فإن
شرط عليه ترك الوطئ احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ما ينافي المقصود من
النكاح وهذا مذهب الشافعي، وكذلك إن شرط عليه أن لا نسلم إليه فهو بمنزلة
من اشترى شيئاً على أن لا يقبضه، ان شرط عليها أن لا يطأ لم يفسد لان الوطئ
حقه عليها، ويحتمل أن يفسد لأن لها فيه حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى
والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة (الثالث) أن يشرط الخيار إن جاءها بالمهر في
وقت وإلا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل وفي صحة النكاح روايتان (إحداهما)
النكاح صحيح والشرط باطل وبه قال أبو ثور فيما إذا شرط الخيار وحكاه عن أبي
حنيفة وزعم أن لا خلاف فيه، وقال ابن المنذر قال أحمد وإسحاق إذا تزوجها
على أنه ان جاء ها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما الشرط باطل
والعقد جائز وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة والاوزاعي وروي ذلك عن الزهري
ولأن النكاح عقد لازم لا يدخله خيار لما في ذلك من المفسدة والضرر على
الحرائر لكونها ترد بعد ابتدائها بعقد النكاح والشناعة عليها بأنها ردت
رغبة عنها لدناءتها والشرط الآخر تعليق النكاح على شرط فهو معنى الخيار
ويصخ النكاح لأن النكاح يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد كالعتق،
وروى ابن منصور عن أحمد في هذا أن الشرط
(7/541)
والعقد جائزان لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " المسلمون على شروطهم " وذكر القاضي في كتابه الروايتين والوجهين،
أما صحة العقد فلأن اللفظ الذي يقتضي الدوام قد وجد وإنما حصل الشرط في
المهر فلم يؤثر في العقد، وأما المهر فإنها لما ملكت فسخ النكاح عند تعذر
تسليم المهر جاز أن يشترط هذا المعنى في العقد ولا يؤثر فيه، والرواية
الاخرى يعلل العقد في هذا كله لأن النكاح لا يكون إلا لازما وهذا يوجب
جوازه ولأنه وقفه على شرط ولا يجوز وقفه على شرط كالبيع وهذا قول الشافعي
ونحوه عن مالك وأبي عبيد (فصل) فإن شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد
النكاح لأن النكاح منفرد عن ذكر الصداق لا يفسد النكاح بفساده فلأن لا يفسد
بشرط الخيار أولى بخلاف البيع فإنه إذا فسد أحد العوضين فسد الآخر، إذا ثبت
هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه (أحدها) يصح الصداق ويبطل شرط الخيار كما يفسد
الشرط في النكاح ويسح النكاح (والثاني) يصح ويثبت الخيار فيه لأن عقد
الصداق
عقد منفرد يجري مجرى الإيمان ويثبت فيه الخيار كالبياعات (والثالث) يبطل
الصداق لأنها لم ترض به فلم يزلمها كما لو لم توافقه على شئ.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية
فله الخيار) لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت
أمة
(7/542)
(مسألة) (فإن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا
خيار له) لأنها زيادة، وقال أبو بكر له ذلك لأنه قد يكون له غرض في عدم
وجوب العبادات عليها والأول أولى (فصل) فإن شرطها أمة فبانت حرة وكان له
نكاح الإماء فلا خيار له لأن ولده يسلم من الرق ويتمكن من لاستمتاع بها
ليلاً ونهاراً، وكذا لو شرطها ذات نسب فبانت أشرف منه أو على صفة دينه
فبانت خيراً من شرطه لأنها زيادة (فصل) وإن شرطها بكراً فبانت ثيباً فعن
أحمد كلام يحتمل أمرين (أحدهما) لا خيار له لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى
العيوب الثمانية ولا يثبت فيه الخيار فلا يرد بمخالفة الشرط (والثاني) له
الخيار كما لو شرط الحرية، وكذلك لو شرطها حسناء فبانت شوهاء أو ذات نسب
فبانت دونه أو بيضاء فبانت سوداء أو طويلة فبانت قصيرة خرج في ذلك كله
وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي وكذلك لو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها
النكاح كالعمى والخرس والصمم ونحو فبان بخلاف ذلك ففيه وجهان.
وممن ألزم لزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي حكاه ابن
المنذر، وروى الزهري أن رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء وكانت الحيضة خرقت
عذرتها فأرسلت إليه عائشة أن الحيضة تذهب بالعذرة، وعن الحسن والشعبي
وابراهيم في الرجل إذ لم يجد امرأته عذرا ليس عليه شئ للعذرة أن الحيضة
تذهب العذرة والوثبة والتعبيس والحمل الثقيل
(7/543)
(فصل) إذا تزوج امرأة يظنها مسلمة فبانت
كافرة فله الخيار وهذا قول الشافعي كما إذا شرط ذلك (مسألة) (وإن تزوج أمة
يظنها حرة أو على أنها حرة وولدت منه فالولد حر ويفديهم بمثلهم
يوم ولادتهم وبرجع بذلك على من غره، ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له
نكاح الإماء وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء فله الخيار فإن رضي المقام
معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) أن
النكاح لا يفسد بالغرور وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي في أحد قوليه يفسد
لأنه عقد على حرة ولم يوجد فأشبه ما لو قال بعتك هذا الفرش فإذا هو حمار
ولنا أن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمها في صحته
كما لو قال زوجتك هذه الحسناء فإذا هي سوداء وكذا نقول في الأصل الذي ذكروه
أن العقد صحيح لأن المعقود عليه العين المشار إليها، وإن سلمنا فالفرق
بينهما من وجهين (أحدهما) أن ثم الفائت الذت فإن ذات الفرس غير ذات الحمار
وههنا اختلفا في الصفات [والثاني] أن البيع يؤثر فيه فوات الصفات بدليل أنه
يرد بفوات أي شئ كان فيه نفع منها والنكاح بخلافه (الفصل الثاني) إن أولاده
منها أحرار بغير خلاف نعلمه لأنه اعتقد حريتها فكان ولده أحراراً كاعتقاده
ما يقتضي حريتهم كما لو اشترى جارية يظنها ملكاً لبائعها فبانت مغصوبة بعد
أن أولدها (الفصل الثالث) إن على الزوج فداء أولاده كذلك قضى عمر وعلي وابن
عباس وهو قول
(7/544)
مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب
الرأي وعن أحمد رواية أخرى ليس عليه فداؤهم لأن الولد ينعقد حر الأصل فلم
يضمنه لسيده لأنه لم يملكه وعنه أنه يقال له افتداء أولاده وإلا فهم يتبعون
الأم، فظاهر هذا أنه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا لانهم رقيق بحكم
الأصل فلم يلزمه فداؤهم كما لو وطئها وهو يعلم رقها، قال الخلال اتفق عن
أبي عبد الله أنه يفدي ولده وقاله إسحاق عنه في موضع أن الولد له وليس عليه
أن يندبهم، وأحسبه قولا أولا لأبي عبد الله والصحيح أن عليه فداءهم لقضاء
الصحابة به ولانه تماء الأمة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكاً لمالكها وقد
فوت رقه باعتقاد الحرية فلزما صمانهم كما لو فوت رقهم بفعله وفي فدائهم
ثلاث مسائل (الأولى) في وقته وذلك حين وضع الولد قضى بذلك عمر وعلي وابن
عباس وهو قول الشافعي، وقال أبو بكر والثوري وأصحاب الرأي يضمنهم بقيمتهم
يوم الخصومة لأنه إنما يضمنهم بالمنع ولم يمنعهم الا حال للمخصومة
ولنا أنه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه حينئذ لأنه فات رقه من
حينئذ ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم
يضمنها كما بعد الخصومة فإن قيل فقد كان محكوماً بحريته وهو جنين قلنانه لم
يكن تضمينه حينئذ لعدم قيمته والاطلاع عليه أمكن تضمينه وهو حال الوضع
(7/545)
(المسألة الثانية) في صفة الفداء وفيها
ثلاث روايات (إحداهن) بقيمتهم وهو أكثر الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " من أعتق شقصاً من عبد قوم عليه نصيب شريكه " ولأن الحيوان من
المقومات لا من ذوات الا مثل فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتقه (والثانية)
يضمنهم بمثلهم عبيداً الذكر بذكر والأنثى بأنثى لما روى سعيد بن المسيب
قال: بعت جارية لرجل من العرب وانتمت إلى بعض العرب فتزوجها رجل من بني
عذرة ثم أن سيدها دب واستاقها واستاق ولدها فاخصموا إلى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين ديناراً ولأن ولد المغرور حر
فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم
في الصفات تقريبا لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال ويتمل أن يجب مثلهم في
القيمة وهو قول أبي بكر (والثالثة) هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم
قال أحمد في رواية الميموني إما القيمة أو رأس برأس لأنهما جميعاً يرويان
عن عمر ولكن لا أدري أي الإسنادين أقوى؟ وهذا اختيار أبي بكر قال في المقنع
الفدية غرة بقدر القيمة أو القيمة وأيهما أعطى أجزأ ووجه ذلك أنه تردد بين
الجنين الذي يضمن بغرة وبين إلحاقه بغرة من المضمونات فاقتضى التخيير
بينهما والصحيح أنه يضمن بالقيمة كسائر المضمونات المتقومات وقول عمر قد
اختلف عنه فيه قال أحمد في رواية أبي طالب وعليه قيمتهم مثل قول عمر فإذا
تعارضت الروايات عنه وجب الرجوع إلى القياس
(7/546)
(المسألة الثالثة) فيمن يضمن منهم من ولد
حيا في وقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك وقال مالك والثوري وأبو ثور
وأصحاب الرأي لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة وهذا يثبني على
وقت وقد ذكرناه فأما السقط ومن ولد لوقت لا يعيش لمثله وهو دون ستة أشهر
فلا ضمان له لأنه لا قيمة له.
(فصل) في المهر ولا يخلو أن يكون ممن يجوز له نكاح الاماء أولا فإن كان ممن
يجوز له ذلك وقد نكحها نكاحا صحيحا فلها المسمى فإن كان لم يدخل بها واختار
الفسخ فلا مهر لها لأن الفسخ لعذر من جهتها فهي كالمعيبة يفسخ نكاحها وإن
كان ممن لا يجوز لهم نكاح الإماء فالعقد فاسد من أصله ولا مهر فيه إن كان
قبل الدخول فإن دخل بها فعليه مهرها وهل يجب المسمى أو مهر المثل؟ على
روايتين يذكر ان في الواجب في النكاح الفاسد إن شاء الله تعالى وكذلك إن
كان ممن يجوز له نكاح الإماء لكن تزوجها بغير إذن سيدها أو نحو ذلك مما
يفسد به النكاح (الفصل الرابع) أنه يرجع بما غرمه على من غره من المهر
وقيمة الأولاد وهو اختيار الخرقي ورواية عن أحمد قال ابن المنذر كذلك قضى
عمر وعلي وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم وفيه رواية أخرى لا يرجع
بالمهر اختاره أبو بكر قال وهو قول علي وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب
الرأي والشافعي في الجديد لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطئ
فلم يرجع به كما لو اشترى
(7/547)
مغصوباً فأكله بخلاف قيمة الولد فإنه لم
يحصل في مقابلته عوض لأنها وجبت بحرية الولد وحرية الولد له لا لأبيه وقال
القاضي إلا ظهر أنه لم يرجع بالمهر لأن أحمد قال كنت أذهب إلى حديث علي ثم
إني هبته وكأني أميل الى حديث عمر يعني في الرجوع ولأن العاقد ضمن له سلامة
الوطئ كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر
قال وعلى هذا وكان الغرور من السيد عتقت وإن كان بلفظ غير هذا لم تثبت به
الحرية فلا شئ له لأنه لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه وإن كان
الغرور من وكيله رجع عليه في الحال وكذلك إن كان من أجنبي وإن كان منها
فليس لها في الحال مال فيخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير إذن سيده
هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع به بعد العتق؟ قال القاضي فياس قول الخرقي
أنه يتعلق بذمتها لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها بإذن سيدها يتبعها به
إذا عتقت كذا ههنا ويتبعها بجميعه وظاهر كلام أحمد أن الغرور إذا كان من
الأمة لم يرجع على أحد فإنه قال إذا جاءت الأمة فقالت إني حرة فولت أمرها
رجلا فزوجها على أنها حرة
فالفداء على من غره يروى هذا عن علي وإبراهيم وحماد وكذلك قال الشعبي وإن
قلنا يتعلق بها فالسيد مخير بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به
عليها أو تسليمها فإن اختار فداءها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فإنه لا
فائدة في أن يوجبه عليه ثم يرده إليه وإن اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب
(7/548)
له وقال القاضي إن الغرور الموجب للرجوع أن
يكون اشتراط الحرية قارنا للعقد فيقول زوجتكها على أنها حرة وإن لم يكن
كذلك لم يملك الفسخ وهذا مذهب الشافعي والصحيح خلاف هذا فإن الصحابة الذين
قضوا بالرجوع لم يفرقوا بين أنواع الغرور ولم يستفصلوا والظاهر أن العقد لم
يقع هكذا ولم تجربه العادة في العقود ولا يجوز قضاؤهم المطلق على صورة
نادرة لم تنقل ولأن الغرر قد يكون من المرأة ولا لفظ لها في العقد ولأنه
متى أخبره بحريتها أو أوهمه ذلك بقرائن تعلب على ظنه حريتها فنكحها على ذلك
ورغب فيها وأصدقها صداق الحرائر ثم لزمه الغرم فقد استضر بناء على قول
المخبر له والغار فتجب إزالة الضرر عنه بإثبات الرجوع على من غره وأضر به
فعلى هذا إن كان الغرور من اثنين أو أكثر فالرجوع على جميعهم وإن كان
الغرور منها ومن الوكيل فعلى كل واحد منهما نصفه (الفصل الخامس) أنه إن كان
الزوج ممن يحرم عليه نكاح الإماء فإنه يفرق بينهما لأنا تبينا أن النكاح
فاسد من أصله لعدم شرطه وهكذا إن كان تزوجها بغير إذن سيدها أو اختل شرط من
شروط النكاح فهو فاسد يفرق بينهما والحكم في الرجوع على ما ذكرنا وإن كان
ممن يجوز له نكاح الإماء وكانت الشرائط مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج الخيار
بين الفسخ والمقام على النكاح وهذا
(7/549)
معنى قول الخرقي وظاهر مذهب الشافعي وقال
أبوحينفة لا خيار له لأن الكفاءة غير معتبرة في جانب المرأة ولأنه يملك
الطلاق فيستغنى به عن الفسخ ولنا أنه عقد غرفيه أحد الزوجين بحرية الآخر
فيثبت له الخيار كالآخر ولأن الكفاءة وإن لم تعتبر فإن عليه ضرراً في
استرقاق ولده ورق امرأته وذلك أعظم من فقد الكفاءة فأما الطلاق فلا يندفع
به الضرر فإنه يسقط نصف المسمى والفسخ يسقطه جميعه فإذا فسخ قبل الدخول فلا
مهر لها وإن رضي
بالمقام معها فله ذلك لأنه يحل له نكاح الإماء وما ولدت بعد ذلك فهو رقيق
لسيدها لأن المانع من رقهم في الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك
بالعلم ولو وطئها قبل العلم فعلقت منه ثم علم قبل الوضع فهو حر لأنه وطئها
معتقداً حريتها (فصل) والحكم في المدبرة وأم الولد والمعتق نصفها كالأمة
القن لأنها ناقصة بالرق إلا أن ولد أم الولد يقوم كأنه عبد له حكم أمه
وكذلك من أعتق بعضها إلا أنه إذا فدى الولد لم يلزمه الافداء ما فيه من
الرق لأن بقيته حر بحرية أمه لا باعتقاد الواطئ فإن كانت مكاتبة فكذلك إلا
أن مهرها لها لأنه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية
المشهورة قال أبو بكر ويكون ذلك تستعين
(7/550)
به في كتابتها فإن كان الغرور منها فلا شئ
لها إذ لا فائدة في إيجاب لها يرجع به عليها وإن كان الغرر من غيرها غرمه
لها ورجع به على من غره (فصل) ولا يثبت أنها أمة بمجرد الدعوى ويثبت
بالبينة فإن أقرت أنها أمة فقال أحمد في رواية أبي الحارث لا يستحقها
بإقرارها لأن إقرارها يزيل النكاح عنها ويثبت حقاً على غيرها فلم يقبل
كإقرارها بمال على غيرها وقال في رواية حنبل لا شئ حتى تثبت له أو تقر هي
أنها أمته فظاهر هذا أنه يقبل إقرارها لأنها مقرة على نفسها بالرق أشبه غير
المزوجة والأول أولى ولا نسلم أنه يقبل من غير ذات الزوج إقرارها بالرق بعد
إقرارها بالحرية لأنها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى (فصل) فإن حملت
المغرور بها فضربها ضارب فألقت جنيناً ميتاً فعلى الضارب غرة لأنه محكوم
بحريته ويرثها ورثته فإن كان الضارب أباه لم يرثه ولا يجب بذل هذا الولد
للسيد لأنه إنما يستحق بذل حي وهذا ميت ويحتمل أن يجب له عشر قيمة أمه لأن
الواطئ فوت ذلك عليه باعتقاد الحرية ولولاه لوجب ذلك له (فصل) ويثبت له
الخيار إذا ظنها حرة فبانت أمة كما إذا شرط ذلك وقال الشافعي لا خيار له
ووافقاه فيما إذا ظن أنها مسلمة فبانت كافرة أنه يثبت له الخيار وقال بعضهم
فيهما جميعاً قولان ولنا أن نقص الرق أعظم ضرراً فإنه يؤثر في رق ولده ومنع
كما استمتاعه فكان له
الخيار كما لو كانت كافرة
(7/551)
(مسألة) (وإن كان المغرور عبداً فولده
أحرار ويفديهم إذا أعتق ويرجع به على من غره) وذلك أن حكم العبد المغرور
حكم الحرفي حرية أولاده، وقال أبو حنيفة ولده رقيق لأن أبويه رقيق ولا يصح
ذلك لأنه وطئها معتقداً حريتها فأشبه الحر فإن هذا هو العلة المقتضية
للحرية في محل الوفاق ولولا ذلك لكان رقيقاً فإن علة رق الولد رق الأم خاصة
ولا عبرة بالأب بدليل ولد الحر من الأمة، وولد الحرة من العبد، وعلى العبد
فداؤهم لأنه فوت رقهم باعتقاده وفعله ولا مال له في الحال فيخرج في ذلك
وجهان (أحدهما) يتعلق برقبته كجنايته (والثاني) بذمته يتبع به بعد العتق
وهو قول الخرقي فيكون بمنزلة الخلع من الأمة إذا بذلته بغير إذن سيدها
وتفارق الاستدانة والجناية لأنه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان جناية منه
وههنا لم يجن في الأولاد جناية وإنما عتقوا من طريق الحكم وما حصل لهم منهم
عوض فيكون ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق ويرجع به حين يغرمه فإنه لا ينبغي
أن يجب له بذل ما لم يثبت عليه وأما الحرية فتتعجل في الحال وإن قلنا إن
الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سده في الحال ويثبت للعبد
الخيار كثبوته للحر الذي يحل له نكاح الإماء لأن عليه ضرراً في رق ولده
ونقصاً في استمتاعه فإنها لا تكون عنده ليلا ونهاراً ولم ترض به ويحتمل أن
لا يثبت له خيار لأنه نقص صفة لا ينقص بها عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب
امرأة فبانت بخلاف لأنها مساوية لنسبه بخلاف تغرير الحر وقال بعض الشافعية
لا خيار له وقال بعضهم
(7/552)
فيه قولان والأولى ما ذكرناه وإذا اختار
الإقامة فالمهر واجب لا يرجع به على أحد وإن اختار الفسخ قبل الدخول فلا
مهر وإن كان بعده والنكاح بإذن سيده فالمهر واجب عليه وفي الرجوع اختلاف
ذكرناه فيما مضى وإن كان بغير إذنه فالنكاح فاسد فإن دخل بها ففي قدر ما
يجب به وجهان (أحدهما) مهر المثل (والثاني) الخمسان وهل يرجع به؟ على وجهين
(مسألة) (وإن تزوجت المرأة عبداً على أنه حر أو ظنته حراً فبان عبداً فلها
الخيار)
أما النكاح فهو صحيح وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن اختلاف الصفة
لا يمنع صحة العقد كما لو تزوج أمة على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط النكاح
وكان بإذن سيده وإن كانت المرأة حرة وقلنا الحرية ليست من شورط الكفاءة وإن
فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح ولأن للمرأة الخيار بين الفسخ
والإمضاء فإن اختارت فلا وليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة وإن كانت أمة
فيبنغي أن يكون لها الخيار أيضاً لأنه لما ثبت الخيار للعبد إذا غرمن أمة
ثبت للأمة إذا غرت بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد به ففرق بينهما قبل
الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها مهر المثل أو المسمى على ما قدمنا من
الاختلاف وكل موضع فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا شئ لها وإن
كان بعده فلها المسمى لأنه فسخ طرأ على نكاح فأشبه الطلاق
(7/553)
(فصل) فإن غرها بنسب فبان بدونه وكان ذلك
مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار فإن اختارت الإمضاء
فلأوليائها الاعتراض عليها وإن لم تخل بالكفاءة فلا خيار لها لأن ذلك ليس
بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطته فقيهاً فبان بخلافه وكذلك إن اشترطت
غير النسب فإن كان مما يعتبر في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير بمكافئ
لها في النسب وإن لم يعتبر في الكفاءة كالفقه والجمال وأشباه ذلك فلا خيار
لها لأن ذلك مما لا يؤثر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه وذلك أنه إذا بان نسبه
دون ما ذكره وجه في ثبوت الخيار لها وإن لم تخل بالكفاءة والأولى ما ذكرناه
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن عتقت الأمة وزوجها حر فلا خيار لها في
ظاهر المذهب) هذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء
وسليمان بن يسار وأبي قلابة وابن أبي ليلى ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق
وقال طاوس وابن سيرين ومجاهد والنخعي وحماد ابن ابي سليمان والثوري وأصحاب
الرأي لها الخيار لما روى الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خير
بريرة وكان زوجها حراً رواه النسائي ولأنها كملت بالحرية فكان لها الخيار
كما لو كان زوجها عبداً وروى عن أحمد ذلك.
ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار ما لو أسلمت الكتابية
تحت المسلم فأما خبر
الأسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة أن زوج بريرة كان عبداً
وهما أخص بها
(7/554)
من الأسود لأنهما ابن أخيها وابن أختها وقد
روى الأسود عن إبراهيم عن عروة عن عائشة أن زوج بريرة كان عبداً فتعارضت
روايتاه، وقال ابن عباس كان زوج بريرة عبداً أسود لبني المغيرة يقال له
مغيث وراه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد كان زوج بريرة عبداً قال
أحمد هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة أنه عبد برواية علماء المدينة
وعملهم وإذا روى أهل المدينة حديثاً وعملوا به فهو أصح شئ وإنما يصح حراً
عن الأسود وحده فأما غير فليس بذلك قال والعقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فهى
والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه، ويخالف الحر العبد لأن العبد ناقص
فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر (مسألة) (وإن كان عبداً فلها
الخيار في فسخ النكاح) أجمع أهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وابن عبد
البر وغيرهما والأصل فيه حديث بريرة قالت عائشة كاتبت بريرة فحيرها رسول
الله صلى الله عليه وسلم في زوجها وكان عبداً فاختارت نفسها قال عروة ولو
كان حراً ما خيرها رواه مالك وابو داود والنسائي، ولأن عليها ضرراً في
كونها حرة تحت العبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان
عبداً فإن اختارت الفسخ فلها فراقه وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه
بعد ذلك لأنها أسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله
(7/555)
(مسألة) (ولها الفسخ بنفسها من غير حاكم)
لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه فلا يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب في
المبيع بخلاف خيار العيب في النكاح فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم
كالفسخ للاعسار وروى الحسن عن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما ايطاها
إن شاءت فارقت فإن وطئها فلا خيار لها) رواه الامام أحدم في السند (فصل)
فإن اختارت الفراق كان فسخاً ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة والثوري والحسن
بن صالح والشافعي وذهب مالك والاوزاعي والليث إلى أنه طلاق بائن، قال مالك
إلا أن تطلق نفسها
ثلاثا فتطلق ثلاثا، واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا
أن أحداً من الصحابة أنكر ذلك ولانهما تملك الفرق فملكت الطلاق كالرجل ولنا
قول النبي صلى الله عليه وسلم (الطلاق لمن أخذ بالساق) ولأنها فرقة من قبل
الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينهما أو أرضعت من ينفسخ نكاح برضاعها،
وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في الصحابة، فعلى هذا لو قالت اخترت
نفسي أو فسخت الناح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية عن
الفسخ لأنه يؤدي معناه فصلح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق (مسألة)
(فإن أعتق قبل فسخها أو أمكنته من وطئها بطل خيارها) أما إذ أعتق الزوج قبل
خيارها سقط لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالبيع
(7/556)
إذا زال عيبه وهذا أحد قولي الشافعي وإن
وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه أحمد واختاره الخرقي
وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة ونافع والزهري وقتادة وحكاه بعض
أهل العلم عن فقهاء الشيعة وذكر القاضي أن لها الخيار إذا لم تعلم فإن
أصابها بعد علمها فلا خيار لها وهذا قول عطاء والحكم وحماد والثوري
والاوزاعي والشافعي وإسحاق لأنها إذا أمكنت من وطئهها قبل علمها لم يوجد
منها ما يدل على الرضى فهو كما لو لم تصب، ووجه الأول ما تقدم من حديث عمرو
بن أمية، وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء
أخبرته أنها كانت تحت عبد فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة فدعتي فقالت أن أمرك
بيدك ما لم يمسك زوجك وإن مسك فليس لك من الامر شئ.
فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثاً، وروى مالك عن نافع عن عبد الله
بن عمر أن لها الخيار ما لم يمسها، ولأنه خيار عيب فيسقط بالتصرف فيه مع
الجهالة كخيار الرد بالعيب ولا تفريع على هذا القول.
فأما على القول الآخر فإذا وطئها وادعت الجهالة بالعت وهي ممن يجوز خفاء
ذلك عليها مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر فالقول قولها مع يمينها لأن
الأصل عدم ذلك وإن كانت ممن لا يخفى عليها لكونهما في بلد واحد واشتهر ذلك
لم يقبل قولها لأنه خلاف الظاهر وإن علمت العتق وادعت الجهالة بثبوت الخيار
فالقول قولها لأن ذلك لا يعلمه إلا خواص الناس فالظاهر صدقها وللشافعي في
قبول قولها قولان
(7/557)
(مسألة) (وخيار المعتقة على التراخي ما لم
يوجد منها ما يدل على الرضى ولا يمنع الزوج وطأها) وممن قال أنه على
التراخي مالك والاوزاعي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة وبه قال
سليمان بن يسار ونافع والزهري وقتادة وقال أبو حنيفة وسائر العراقيين لها
الخيار في مجلس العلم وللشافعي ثلاثة أقوال أطهرها كقولنا والثاني أنه على
الفور كخيار الشفعة، والثالث أنه إلى ثلاثة أيام.
ولنا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن الحسن بن عمرو بن أمية قال سمعت رجالاً
يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أعتقت الأمة فهي
بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته وإن وطئها فلا خيار لها) ورواه الاثرم
أيضا.
وروى أبو داود أن بريرة عتقت وهي عنده مغيب عبد لآل بني أحمد فحيرها النبي
صلى الله عليه وسلم وقال لها (ان اقربك فلا خيار لك) ولأنه قول من سمينا من
الصحابة قال ابن عبد البرلا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفاً من الصحابة ولأن
الحاجة داعية إلى ذلك فثبت الخيار كخيار القصاص أو خيار لدفع ضرر متحقق
فأشبه ما قلنا (مسألة) (فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت أو
عقلت) ولا خيار لهما في الحال لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملك
وليهما الاختيار ععنهما ليس له هذا طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية
كالاقتصاص فإذا بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فلهما الخيار حينئذ لكونهما
صارا على صفة لكل منهما حكم وهكذا الحكم لو كان عند زوجيتهما عيث بوجب
الفسخ
(7/558)
فإن كان زوجاهما قد وطئاهما فظاهر كلام
الخرقي أنه لا خيار لهما فإن مدة الخيار انقضت، وعلى قول القاضي وأصحابه
لهما الخيار لأنه لا رأي لهما فلا يكون تمكينها من الوطئ دليلا على الرضى
بخلاف الكبيرة العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما (مسألة) (وإن طلقت قبل
اختيارها وقع الطلاق وبطل خيارها) لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح
صحيح فيقدم كما لو لم يعتق، وقال القاضي طلاقه
موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع لأنه يتضمن إبطال حقها من الخيار وإن لم
تختر وقع، وللشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ
أسند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعاً في نكاح مفسوخ وكذلك إن طلق
الصغيرة أو المجنونة بعد العتق ولنا أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح
صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم يختر والفسخ إنما يوجب
الفرقة من حينه لأنه سببها ولا يجوز تقديم الفرقة عليه إذا الحكم لا يتقدم
سببه ولأن العدة تبدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطئ وطئ
في نكاح صحيح يثبت به الاحصان والإحلال للزوج الأول، ولو كان الفسخ سابقاً
لانعكست الحال قول القاضي أنه يبطل حقها من الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل
به مقصود الفسخ مع وجوب نصف المهر وتقصير العدة
(7/559)
عليها فإن ابتداءها من حين طلاقه لا من حين
فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وإن لم يختر الفسخ كما لا يصح تصرف
المشتري في المبيع في مدة الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا
كان الطلاق باثنا فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما نذكر فيما بعد، فعلى
قولهم إذا طلقت قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ
وإن لم تفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق (مسألة) (وإن أعتقت الأمة
الرجعية فها الخيار) لأن نكاحها باق يمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة فإنها
لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ، فإن قيل فتفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عدة
أخرى لانها معتده من الطلاق والفسخ لا ينافيها فهو كما لو طلقها طلقة أخرى
وتبنى على عدة حرة لأنها عتقت في عدتها وهي رجعية (مسألة) (فإن اختارت
المقام فهل يبطل خيارها؟ على وجهين) (أحدهما) لا يبطل وهو قول الشافعي
لأنها جارية إلى بينوته (والثاني) يبطل اختيارها لأنها يصح فيها احتيار
القسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح وهو اختيار شيخنا، وإن لم تختر شيئاً
لم يبطل خيارها لأنه على التراخي ولأن سكوتها لا يدل على رضاها لأنه يحتمل
أنه كان تحربا بها إلى بينونة اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها بلها الفسخ
حينئذ وإن فسخت ثم عدد فزوجها بقيت معه بطلقة واحدة
لأن طلاق العبد اثنتان وإن تزوجها بعد أن عتق رجعت معه على طلقتين لأنه صار
حراً فملك ثلاث طلقات كسائر الأحرار
(7/560)
(مسألة) (ومتى اختارت المعتقة الفسخ بعد
الدخول فالمهر للسيد) وجملة ذلك أن المعتقة متى اختارت المقام مع زوجها قبل
الدخول أو بعده فالمهر للسيد وكذلك إن اختارت القسخ بعد الدخول لأنه وجب
بالعقد وإن اخارت المقام ولم يوجد له مسقط فاز فسخت بعد الدخول فقد استقر
المهر بالدخول فلم يسقط بثي وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في ملكه
والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق او بعده وقال أصحاب
الشافعي إن كان الدخول قبل العتق فكذلك وإن كان بعده فالو اجب مهر المثل
ولنا أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح انصل به الدخول قبل الفسخ وأوجب المسمى
كما لو لم يفسخ ولأنه لو وجب بالوطئ بعد الفسخ لكان المهر لها لأنها حرة
حينئذ، قولهم إن الوطئ في نكاح فاسد غير صحيح لأنه كان صحيحاً ولم يوجد ما
يفسده ويثبت فيه أحكام الوطئ في النكاح الصحيح من الا حلال للزوج الأول
وكونه حلالاً (مسألة) (وإن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها) نص عليه
أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن للسيد نصف المهر اختاره أبو بكر لأنه
وجب للسيد فلا يسقط بفعل غيره
(7/561)
ولنا أن الفرقة جاءت من قبلها فيسقط مهرها
كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من بفسخ نكاحها وقوله وجب للسيد قلنا لكن
بواسطنها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه بإسلامها وردتها (فصل) ولو كانت
مفوضة ففرض مهر المثل فهو للسيد أيضاً لأنه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض
ولذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وإن كان
الفسخ قبل الدخول والفرض فلا شئ إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب
المتعة لأنها تجب بالفرقة قبل
الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه (مسألة) (وإن اعتق أحد الشريكين وهو
معسر فلا خيار لها) وقال أبو بكر لها الخيار لأن عتق المعسر لا يسري بل
يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ
وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لأنها
أكمل منه فإنها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية، ووجه الرواية
الأولى أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لأن الحرة
كاملة الأحكام ولأن العقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها وعن
أحمد رضي الله عنه إذا عتقت وزوجها حر بهذه العلة فأما إن كان المعتق موسر
اسرى إلى باقيها فعتقت كلها وثبت لها الخيار
(7/562)
(فصل) ولو زوج أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين
تم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات ولم يملك غيرها وغير مهرها بعد
استيفائه عتقت لأنها تخرج من الثلث وإن لم يكن قبضه عتق في الحال ثلثها وفي
الخيار لها وجهان، فكلما اقتضي من مهرها شيئاً عتق منها بقدر ثلثه فإذا
استوفى كله عتقت كلها ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها اليخار قبل
ذلك، فإن كان زوجها وطئها قبل استيفا.
مهرها بطل خيارها عند من جعل لها الخيار حينئذ لانها أسقطنه بتمكينه من
وطئها وعلى قول الخرقي لا يبطل لأنها مكنته منه قول ثبوت الخهيار لها فأشبه
ما لو مكنت منه قبل عتقها فأما إن عتقت قبل الدخول بها فلا خيار لها على
قول الخرقي لأن فسخها للنكاح سقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمال قيمتها ورق
ثلثاها ويسقط خياها فيقضي إثبات الخيار لها إلى إسقاطه فيسقط وهذا مذهب
الشافعي وعند أبي بكر لها الخيار فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر يعتق
ثلثاها إذا استوفى وعلى قول من أسقط يعتق ثلثها (فصل) وإن أعتق زوج الأمة
لم يثبت لها خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح ولذلك لا
تعتبر الكفاءة إلا في الرجل دون المرأة، فلو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم
يكن له الخيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبداً فلها الخيار فكذلك
في الاستدامة لكن إن أعتق ووجد طول الحرة فهل يبطل نكاحه؟ على وجهين مضى
ذكرهما
(فصل) إذا أعتقت الأمة فقالت لزوجها زدني في مهري ففعل فالزيادة لها دون
سيدها سواء كان
(7/563)
زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لقم
يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده أو أمته ثم أعتقا جميعا فقالت الأمة
زدني في مهري فالزيادة للأمة لا للسيد فقيل أرأيت إن كان الزوج لغير السيد
لمن تكون الزيادة؟ قال للامة وعنى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها
زوجها في مهرها فالزيادة للثاني وقال القاضي الزيادة لسيد المعتق في
الموضعين على قياس المذهب لأن من أصلنا أن الزيادة في الصداق تلحق بالعقد
الأول فيكون كالمذكور فيه، قال شيخنا والذي قلنا أصح لأن الملك في الزيادة
حال وجودها بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها كسبها والموهوب لها، وقولنا
أن الزيادة تلحق بالعقد معناه أنها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع
صداقاً وليس معناه أنا تبينا أن الملك كان ثابتاً فيه وكان لسيدها فإن هذا
محال لأن سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن يتقدم الملك عليه
لأنه يؤدي إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتاً للمعتق فيه حين
التزويج لزمته زكاته وكان له نماؤه وهذا أظهر من أن نطيل فيه.
(مسألة) (وإن عتق الزوجان معاً فلا خيار لها وعنه ينفسخ نكاحهما) اختلفت
الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فالمشهور عنه أنه لا خيار لها والنكاح
بحاله سواء أعتقهما واحد أو اثنان نص عليه أحمد وعنه لها الخيار لأنها كملت
بالحرية تحت من لم يسبق لم حرية
(7/564)
فملكت الفسخ كما لو عتقت قبله، والأول أولى
لأن حرية العبد لو طرأت بعد عتقها منع فإذا قارنت كان أولى أن يمنع كإسلام
الزوجين، وعنه رواية ثالثة أن أعتقا انفسخ نكاحهما لأن العتق معنى يزيل
الملك عنهما لا إلى مالك فجاز أن تقع به الفرقة كالموت ولأنه لا يمتنع أن
لا تحصل الفرقة بوجوده من أحدهما أو تحصل بوجوده منهما كاللعان والإقالة في
البيع.
قال شيخنا: معناه والله أعلم أنه إذا وهب لعبده سرية وأذن له في التسري بها
ثم أعتقهما جميعاً صارا حرين وخرجت عن ملكه فلم يكن له إصابتها إلا بنكاح
جديد هكذا روى جماعة من أصحابه فيمن وهب عبده سرية أو اشترى له سرية ثم
اعتقها لا يقربها إلا بنكاح
جديد، واحتج أحمد بما روي عن نافع عن ابن عمر أن عبد الله كان له سريتان
فأعتقهما وأعتقه فنهاه أن يقربهما إلا بنكاح جديد ولأنها بإعتاقها خرجت عن
أن تكون مملوكة فلم يبح له التسري بها كالحرة الأصلية، وأما إذا كانت امرأة
فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لأنه إذا لم ينفسخ بإعتاقها وحدها فلأن لا ينفسخ
بإعتاقهما معاً أولى ويحتمل أن أحمد إنما أراد بقوله أنفسخ نكاحهما أن لها
فسخ النكاح ويخرج هذا على الرواية التي تقول لها الفسخ إذا كان زوجها حراً
فعتقت عنه (فصل) ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداية
بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فيفسخ نكاحه، وقد روى أبو داود والاثرم
بإسنادهما عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية فتزوجها فقالت للنبي صلى الله
عليه وسلم إني أريد أن أعتقهما؟ فقال لها " ابدئي بالرجل قبل المرأة "
(7/565)
وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت
للرجل إني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار والله أعلم.
(باب حكم العيوب في النكاح) (العيوب
المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام (أحدها) ما يختص بالرجال وهو شيئان (أحدهما) أن
يكون الرجل مجبوباً قد قطع ذكره ولم يبق منه ما يمكن الجماع به) الكلام في
العيوب المثبتة لفسخ النكاح للمرأة ووالرجل إذ اختار ذلك في أربعة فصول:
(أحدها) أن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين للعيب يجده في الآخر في
الجملة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال
جابر بن زيد والشافعي واسحاق وروي عن علي لا ترد الحرة بعيب، وبه قال أبو
حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فإن للمرأة الخيار فإن
اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة ولا يكون فسخاً لأن وجود العيب لا
يقتضي فسخ النكاح كالعمي والزمانة وسائرا لعويب ولنا أن المختلف فيه يمنع
الوطئ فأثبت الخيار كالجب والعنة ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز
ردها بعيب كالصداق، أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد
الزوجين فيثبت
(7/566)
له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة، فأما
العمى والزمانة ونحوهما فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو الوطئ بخلاف
العيوب المختلف فيها، فان قيل فالجذام والجنون والبرص لا يمنع الوطئ قلنا
بل يمنعه فإن ذلك يوجب نفرة تمنع من قربانه بالكلية ويخاف منه التعدي إلى
نفسه ونسله والمجنون يخاف منه الجناية فصار كالمانع الحمي (الثاني) العيوب
المجوزة للفسخ وهي ثمانية: اثنان يختصان الرجل وهما الجب والعنة وثلاثة
تختص المرأة وهي الفتق والقرن والعفل وثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجذام
والجنون والبرص وهكذا ذكرها الخرقي، وقال القاضي: هي سبعة جعل القرن والعفل
شيئاً واحداً وهو الرتق وذلك لحم ينبت في الفرج، حكي ذلك أهل الأدب وحكي
نحوه عن ابي بكر وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي القرن عظم في الفرج يمنع
الوطئ وقال عن غيره لا يكون في الفرج عظم إنما هو لحم ينبت فيه وحكي عن أبي
حفص أن العفل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطئ، وقال أبو الخطاب الرتق أن
يكون الفرج مسدوداً يعني ملتصفا لا يدخل الذكر فيه والقرن والعقل لحم ينبت
في الفرج فيسده فهما في معنى الرتق إلا أنهما نوع آخر، وأما الفتق فهو
انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني وذكرها أصحاب
الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق ومنهم من جعلها ستة وجعل القرن والعفل
شيئاً
(7/567)
واحداً وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها
تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس
تمنع قربانه ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الاستمتاع، والجنون يثير
نفرة ويخشى ضرره والجب والرتق بتعذر معهما الوطئ والفتق يمنع لذة الوطئ
وفائدته وكذلك العفل على قول من فسره بالرغوة (فصل) فإن اختلفا في وجود
العيب كمن يجسده بياض يمكن أن يكون بهقاً أو برصاً واختلفا في كونه برصاً
أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين فاختلفا في كونه جذاماً فإن
كانت للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة فيشهدان بما قال ثبت قوله والاحلف
المنكر والقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(ولكن اليمين على المدعى عليه) وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء
الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول
المرأة، وأما الجنون فإنه يثبت الخيار سواء كان مطبقا أو كان يجن في
الأحيان لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله إلا أن يكون مريضاً يغمى عليه
ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار فإن زال المرض ودام الاغماء فهو كالمجنون
يثبت به الخيار.
(مسألة) (فإن اختلفا في إمكان الجماع بما بقي من ذكره فالقول قول المرأة)
(7/568)
لأنه يضعف بالقطع والاصل عدم الوطئ ويحتمل
أن القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولأن له ما يمكن الجماع بمثله
فأشبه من له ذكر قصير (الثاني) أن يكون عنينا العنين هو العاجز عن إيلاج
ذكره وهو مأخوذ من عن أي اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد إيلاجه أي يعترض قيل
لأنه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو
عيب به وتستحق به المرأة فسخ النكاح بعد أن يضرب له مدة يختبر فيها ويعلم
حاله بها، وهذا قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم
وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي
سليمان وعليه فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري
والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وشذ الحكم وداود فقالا لا يؤجل وهي
امرأته وروي ذلك عن علي رضي الله عنه لان امرأة أتت النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت يا رسول الله: إن رفاعة طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن
الزبير وإنما له مثل هدية الثوب فقال (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى
تذوقي عسيلته) ويذوق عسلتيك ولم يضرب له مدة ولنا ما روى أن عمر رضي الله
عنه أجل العنين سنة وروى ذلك الدارقطني عن عمرو ابن مسعود والمغيرة بن شعبة
ولا مخالف لهم ورواه أبو حفص عن علي ولأنه عيب يمنع الوطئ فأثبت الخيار
كالجب في الرجل والرتق في المرأة فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فإن المدة
إنما تضرب له مع اعترافه
(7/569)
وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما وقد
روي أن الرجل وقال إني لأعركها عرك الأديم وقال بن عبد البر وقد صح أن ذلك
كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وصح ذلك في قول النبي صلى الله عليه
وسلم (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة) ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها
وقيل أنها ذكرت ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة ولذلك قال النبي صلى الله
عليه وسلم (حتى تذوقي عسيلته) والعاجز عن الوطئ لا يحصل منه ذلك (مسألة)
(فإن ادعت ذلك أجل سنة منذ ترافعه) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها
عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فإن أنكر وهي عذراء فالقول قولها وإن كانت ثيباً
فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لأن الأصل السلامة ولأن هذا أمر لا
يعرف إلا من جهته وقال القاضي هل يستحلف؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق
(مسألة) (فإن اعترف بذلك أو قامت بينة على إقراره به فأنكر فطلبت يمينه
فنكل ثبت عجزه) ويؤجل سنة في قول عامة أهل العلم وعن الحارث بن ربيععة أنه
أجل رجلا عشرة أشهر ولنا قول من سمينا من الصحابة ولأن هذا العجز قد يكون
لعنة وقد يكون لمرض فضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال
في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل
(7/570)
اليبس وإن كان من برودة زال، في فصل
الحرارة وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول
الأربعة واختلفت عليه الأهوية فلم يزل علم أنه خلقة وحكي عن أبي عبيد أنه
قال أهل الطب يقولون الداء لا يستجن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء
السنة من يوم ترافعه قال ابن عبد البر على هذا جماعة القائلين بتأجيله قال
معمر في حديث عمر يؤجل سنة من يوم ترافعه فإذا انضت المدة فلم يطأ فلها
الخيار في فسخ النكاح (مسألة) (وأن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنيناً)
أكثر أهل العلم على هذا يقولون متى وطئ امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع
دعواها ولم تضرب له مدة منهم عطاء وطاوس والحسن ويحيى الانصاري والزهري
وعمرو بن دينار وقتادة ومالك
والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور إذا عجز عن
عن وطئها أجل له لأنه عجز عن وطئها فثبت حقها كما لو وجب بعد الوطئ ولنا
أنه قد تحققت قدرته على الوطئ في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة
كما لو لم يكن لأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة ثبتت بوطئ واحد
وقد وجد ما أوجبه فإنه يتحقق به العجز فافترقا (فصل) وإن علمت أن عجزه عن
الوطئ لعارض من صغر أو مرض مرجوا لزوال لم تضرب له مدة لأن ذلك عارض يزول
والعنة لا تزول لأنها جبلة وخلقة وإن كان لكبر أو مرض لا يرجى
(7/571)
برؤه ضربت له المدة لأنه في معنى من خلق
كذلك وإن كان لجب أو شلل ثبت الخيار في الحال لأن الوطئ مأيوس منه فلا معنى
لانتظاره وإن كان قد بقي من الذكر ما يمكن الوطئ به أولا رجع الى أهل
الخبرة في ذلك.
(فصل) والوطئ الذي يخرج به من العنة هو تغيب الحشفة في الفرج لأن الأحكام
المتعلقة بالوطئ تتعلق به فإن كان الذكر مقطوع الحشفة كفاه تغييب قدرا
لحشفة من الباقي في أحد الوجهين ليكون ما يجري من المقطوع مثل ما يجري من
الصحيح (والثاني) لا يخرج من العنة إلا بتغييب جميع الباقي لانه لاحد ههنا
يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه لأنه المعنى الذي يتحقق به حصول حكم الوطئ
وللشافعي قولان كهذين.
(مسألة) (وإن وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول)
لأن الدبر ليس محلا للوطئ فأشبه الوطئ فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به
الإحلال للزوج الأول ولا الإحصان وإن وطئها في القبل حائضاً أو نفساء أو
محرمة أو صائمة خرج عن العنة وذكر القاضي أن قياس المذهب أن لا يخرج عن
العنة لنص أحمد على أنه لا تحصل به الإباحة للزوج الأول ولانه وطئ محرم
أشبه الوطئ في الدبر
(7/572)
ولنا أنه وطئ في محل الوطئ فحرج به عن
العنة كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطئ ولأن
العنة العجز عن الوطئ فلا يبقى مع وجود الوطئ لأن العجز ضد القدرة فلا يبقى
مع وجود ضده وما ذكره غير صحيح لأن تلك الأحكام يجوز أن تبقى مع وجود سببها
لمانع أو فوات شرط والعنة في نفسها أمر حقيقي لا يتصور بقاؤه مع انتفائه
وأما الوطئ في الدبر فليس وطأ في محله بخلاف مسئلتنا وفيه قول أن العنة
تزوجل به اختاره ابن عقيل لأنه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر (فصل)
فإن وطئ امرأة لم يخرج به من العنة في حق غيرها واختار ابن عقيل أنه يخرج
عن العنة في حق جميع النساء فلا تسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها وهذا
مقتضى قول أبي بكر وقول من قال إنه يختبر بتزويج امرأة أخرى ويحكى ذلك عن
سمرة وعمر بن عبد العزيز قالوا لأن العنة خلقة وجبلة لا تتغير بغير النساء
فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها ولنا أن حكم كل امرأة معتبر
بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن سقط حقها وحدها دون الباقيات
ولأن الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا يزول
بوطئ غيرها وقوله كيف يصح العجز عن واحدة دون أخرى؟ قلنا قد تنهض شهوته في
حق إحداهما لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بكمال ولوجه دون الأخرى
فعلى هذا لو تزوج امرأة فأصابها ثم أبائها ثم تزجها فعن أحمد لها المطالبة
لأنه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي
(7/573)
نكاح دون نكاح أولى ومقتضى قول أبي بكر ومن
وافقه لا يصح هذا بلى متى وطئ امراة لم تثبت عنته أبداً.
(فصل) وإن ادعى أنه وطئها وقالت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة ثقة فالقول
قولها وإلا فالقول قوله.
إذا ادعت المرأة عنة زوجها فادعى أنه وطئها وقالت أنها عذراء أريت النساء
الثقات فإن شهدن بعذرتها فالقول قولها ويقبل في قاء عذترها شهادة امرأة
واحدة كالرضاع ويؤجل الرجل وبهذا قال الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي
لأن الوطئ يزيل العذرة فوجودها يدل على عدم الوطئ فإن ادعى أن عذرتها عادت
بعد الوطئ فالقول قولها لأن هذا بعيد جداً وإن كان متصوراً وهل تستتحلف
المرأة؟ يحتمل وجهين (احدهما) تستحلف لإزالة هذا الاحتمال كما يستحلف سائر
من قلنا القول قوله
والآخر لا يستحلف لأن ما يبعد جدا لالتفات إليه كاحتمال كذب البينة العادلة
وكذب المقر في إقراره وهل يقبل قول امرأة واحدة؟ على روايتين (إحداهما)
تقبل شهادة واحدة كالرضاع (والثاني) لا يقبل فيه إلا اثنتان لأن ما يقبل
فيه شهادة الرجال لا يقبل فيه إلا اثنان فالنساء أولى (فصل) وإن لم يشهد
لها أحد فالقول قوله لأن الأصل السلامة في الرجال وعدم العيوب ودعواه تتضمن
سلامة العقد وصحته ويسقط حكم قولها لتبين كذبها فإن ادعت أن عذرتها زالت
بسبب أحد فالقول قوله لأن الأصل عدم الأسباب
(7/574)
(مسألة) (وإن كانت ثيباً فالقول قوله لما
ذكرنا) ولأن هذا يتعذر إقامة البينة عليه فقبل قوله فيه مع يمينه وبهذا قال
الثوري والشافعي، وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن هذا مما تتعذر إقامة البينة
ويمينه أقوى فإن دعواه سلامة العقد وسلامة نفسه من العيوب والاصل السلامة
فكان القول قوله كالمنكر في سائر الدعاوي وعليه اليمين عليه صحة ما قال
وهذا قول من سمينا ههننا لأن قوله محتمل للكذب فقوينا قوله بيمينه كما في
سائر الدعاوى التي يستحلف فيها فإن نكل قضي عليه بتكوله ويدل على وجوب
اليمين قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمنى نعلي المدعى عليه) قال
القاضي ويتخرج أن لا يستحلف على إنكاره دعوى الطلاق فإن فيها روايتين كذا
ههنا والصحيح أنه يستحلف لدلالة الخبر والمعنى عليه وروى عن أحمد أن القول
قولها مع يمينها حكاها القاضي في المجرد لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول
قولها لأنه موافق للأصل واليقين معها وقال الخرقي يخلو معها في بيت ويقال
له اخرج ماءك على شئ فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني
وبطل قولها هكذا حكاه الخرقي عن أحمد فعلى هذا إن أخرج ماءه فالقول قوله
لأن العنين يضعف عن الإنزال فإذا أنزل تبينا صدقه فيحكم به وهو مذهب عطاء
فإن ادعت انه ليس يمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني لأنه يشتبه ببياض
البيض وذلك إذا وضع على النار يجتمع ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك أحدهما من
الآخر فيختبر به وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه
(7/575)
فالقول قول المرأة لأن الظاهر معها وفي كل
موضع حكمنا بوطئه بطل حكم عنته فان كان في ابتداء الأمر لم يضربه له مدة
وإن كان بعد ضرب المدة انقطعت وإن كان بعد انقضائها لم يثبت له خيار وكل
موضع حكمنا بعدم الوطئ منه حكمنا بعنته كما لو أقر بها واختار أبو بكر أنه
يزوج امرأة لها حظ من الجمال ويعطى صداقها من بيت المال ويخلى وتسأل عنه
ويؤخذ بما تقول فإن أخبرت بأنه يط كذبت الأولى والثانية بالخيار بين
الإقامة والفسخ وإن كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية من ماله ههنا لما
روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى
معاوية فكتب اليه إن زوجه امرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها من
بيت المال عنه فإن أصابها فقد كذبت وإن لم يصبها ققد صدقت ففعل ذلك سمرة
فجاءت المرأة فقالت ليس عنده شئ ففرق بينهما وقال الأوزاعي تشهده امرأتان
ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجها فان كان فيه
رطوبة الماء فقد صدق وإلا فلا وحكي عن مالك مثل ذلك إلا أنه اكتفى بواحدة
والصحيح أن القول قوله لما ذكرنا وكذا لو ادعى الوطئ في الإيلاء واعتبار
خروج الماء ضعيف لأنه قد يطأ ولا ينزل وقد ينزل من غير وطئ فإن ضعف الذكر
لا يمنع سلامة الطهر ونزول الماء وقد يعجز السليم القادر عن الوطئ في بعض
الأحوال وليس كل من عجز عن الوطئ في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات
(7/576)
(فصل) يكون عنينا ولذك جعلنا مدته سنة
وتزويجه بامرأة ثانية لا يصح لذلك أيضاً ولأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى
ولأن نكاح الثانية إن كان وقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل والوطئ فيه حرام
وإن كان صحيحاً لازماً ففيه إضرار بالثانية ولا ينبغي أن يقبل قولها لأنها
تريد بذلك تخليص نفسها فهي متهمة فيه وليس بأحق أن يقبل قولها من الأولى
ولأن الرجل لو أقر بالعجز عن الوطئ في يوم أو شهر لم تثبت عنته بذلك وأكثر
ما في الذي ذكروه اان ثبت عجزه عن الوطئ في اليوم الذي اختبروه فيه وإذا لم
يثبت حكم عنته بإقراره بعجزه فلأن لا يثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى (فصل)
القسم الثاني يختص النساء وهو شيئان (الرتق) وهو كون الفرج مسدوداً لا مسلك
للذكر فيه وكذلك القرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده وقيل القرن عظم والعفل
رغوة تحدث فيه تمنع لذة
الوطئ (الثاني) الفتق وهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج
البول والمني (فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث) مشترك بينهما وهو
الجذام والبرص والجنون وسواء كان مطبقا أو يجن في الأحيان فهذه الأقسام
يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة لما سبق وقد ذكرنا دليل ذلك والخلاف فيه
(فصل) واختلف أصحابنا في البخر وهو نتن في الفم وقال ابن حامد نتن في الفرج
يثور عند
(7/577)
الوطئ واستطلاق البول والنجو والقروح
السيالة في الفرج والخصاء وهو قطع الخصيتين والسل هو سل البيضتين والوجى
وهو رضهما وفي كونه حنثي وفيما إذ وجد أحدهما بصاحبه عيبابه مثله أو حدث به
العيب بعد العقد هل يثبت الخيار؟ على وجهين (أحدهما) لا يثبت الخيار وهو
المفهوم من كلام الخرقي ثم ذكر العيوب التي تتبت الخيار في فسخ النكاح ولم
يذكر شيئاً من هذه لأن ذلك لا يمنع من الاستمتاع ولا يخشى تعديه فلم يثبت
به الخيار كالعمى والعرج ولأن ذلك إنما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص
فيها ولا إجماع ولا يصح قياسها على العيوب المثبتة للخيار لما بينهما من
الفرق فان الوطئ مع هذه العيوب ممكن بل قد قيل أن الخصي أقدر على الجماع
لأنه لا يعتبر بإنزال الماء والخنثى فيه خلقة زائدة لا تمنعه الجماع أشبه
اليد الزائدة وإذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله فلا خيار لأنهما
متساويان فلا مزية لأحدهما على صاحبه والوجه (الثاني) له الخيار وقال أبو
بكر وأبو حفص إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا خلاه فللآخر الخيار ويتخرج
على ذلك من به الباسور القروح السيالة في الفرج ذكره أبو الخطاب لأنها تثير
نقرة وتتعدى نجاستها وتسمى من لا يحبس نجوها الشريم ومن لا يحبس بولها
الماشولة ومثلها من الرجال الأفين وقال أبو حفص والخصاء عيب يردبه وهو أحد
قولي الشافعي لأن فيه نفصا وعارا ويمنع الوطئ أو يضعفه وقد روى أبو عبيد
بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سند تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر
أعلمتها؟ قال لاقال أعلمها ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثى
(7/578)
غير مشكل وجهان (أحدهما) يثبت الخيار لأن
فيه نفرة ونقصاً وعاراً والبخر نتن وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند
الوطئ وهذا إن أراد به أنه يسمى بخراً ويثبت الخيار والا فلا معنى له فإن
نتن الفم
يسمى بخرا ويمنع مقارنة صاحبه الا على كره وما عدا هذه من العيوب لا يثبت
الخيار وجهاً واحداً كالقرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين لأنه لا
يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً إلا
أن الحسن قال إذا وجد أحدهما الآخر عقيماً يخير وأحب أحمد أن يبين أمره
وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به
ولو ثبت لذلك لثبت في الآيسة ولأن ضده يعلم فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو
شاب.
ثم يولد له ولد وهو شيخ ولا يتحقق ذلك منهما وأما سائر العيوب فلا يثبت بها
فسخ عندهم والله أعلم وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجه أن
يثبت الخيار لوجود سببه كما لو غر عبد بأمة والان الإنسان قد يأنف من عيب
غيره ولا يأئف من عيب نفسه (فصل) وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيباً به عيب
من غير جنسه كالأبرص يجد المرأة مجنونة أو مجذومة فلكل واحد منهما الخيار
لوجود سببه إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لها خيار
لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع وإنما امتنع لعيب نفسه (فصل)
وإن حدث العيب بعد العقد فيه وجهان (أحدهما) يثبت الخيار وهو ظاهر قول
الخرقي
(7/579)
لأنه قال فإن جب قبل الدخول فلها الخيار في
وقتها لأنه عيب في النكاح يثبت الخيار مقارناً فأثبته كالإعسار والرق فإنه
يثبت الخيار إذا قارن مثل أن تغز الأمة من عبد ويثبته إذا طرأت الحرية إذا
عتقت الأمة تحت العبد ولأنه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار
كالاجاة (والثاني) لا يثبت الخيار وهو قول أبي بكر وابن حامد ومذهب مالك
لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع والصحيح
الأول وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة، وقال أصحاب الشافعي إن حدث
بالزوج أثبت الخيار وإن حدث بالمرأة فكذلك في أحسد الوجهين ولا يثبته في
الآخر لأن الرجل يمكنه طلاقها بخلاف المرأة.
ولنا أنهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقاً فتساويا فيه لا حقا
كالمتبايعين (مسألة) (وإن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت بها معيبة
بعد العقد أو وجد منه دلالة على الرضى من وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب فلا
خيار له لا نعلم فيه خلافاً)
لأنه رضي به فأشبه مشتري المعيب، وإن ظن العيب يسيراً فبان كثيراً كمن ظن
البرص في قليل من جسدها فبان في كثير منه فلا خيار له أيضاً لأنه من جنس ما
رضي به، وإن رضي بعيب فبان غيره فله الخيار لأنه وجد بها عيباً لم يرض به
ولا يجنسه فيثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وإن رضي
بعيب فزاد بعدا لعقد كأن كان قليل من البرص فانبسط في جلدها فلا خيار له
لأن رضاه به رضا بما يحدث منه
(7/580)
(فصل) وخيار العيب ثابت على التراخي لا
يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضي به من القول والاستمتاع به من الزوج
أو التمكين من المرأة، هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله فإن علمت أنه عنين فسكتت
عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وذكر القاضي أنه على الفور وهو مذهب
الشافعي فمتى أخر الفسخ مع العلم والإمكان بطل خياره لأنه خيار الرد بالعيب
فكار على الفور كاد المبيع المعيب ولنا أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على
التراخي كخياء القصاص وخيار العيب في المبيع ممنوع ثم الفرق بينهما أن ضرره
في المبيع غير متحقق لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك مع
عيبه وههنا المقصود الاستمتاع وذلك يفوت بعنته، وأما خيار الشفعة والمجلس
فهو لدمع ضرر عبر متحقق (مسألة) (ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد
فيه فهو كفسخ العنة والفسخ للاعسار يالنفقة ويخالف خيار المعتقة لأنه متفق
عليه) (مسألة) فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وإن فسخ بعده فعليه لمهر المسمى
وقبل عنه مهر المثل) أما إذا فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه سواء كان من
الزوج أو من المرأة وهذا قال الشافعي لأن الفسخ إن ان منها فالفرقة من
جهتها فيسقط مهرها كما لو فسخته برضاع زوجة له أخرى، وإن كان منه فإنما فسخ
بعيب بها دلسته بالإخفاء فصار الفسخ كأنه منها فإن قيل فهلا جعلتم فسخها
لعنته كأنه منه لحصوله بتد ليسه؟ قلنا العوض من الزوج في مقابلة منافعها
فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقد
(7/581)
عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس من
جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما يثبت لها لأجل ضرر يلحقها لا لتعذر
ما استحققت عليه في مقابلته عوضاً فافترقا
(فصل) وإن كان الفسخ بعد الدخول فلها المهر لأنه يجب بالعقد ويستقر بالدخول
فلم يسقط بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها ولا بفسخ من جهتها ويجب المهر
المسمى، وذكر القاضي في المجرد فيه روايتين (إحداهما يجب المسمى (والأخرى)
مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد، وقال الشافعي الواجب مهر
المثل لأن الفسخ استند إلى العقد الفاسد ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح
صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى كغير المعيبة كالمعتقة تحت عبد، والدليل
على أن النكاح صحيح أنه وجد بشروطه وأركانه فكان صحيحاً كما لو لم يفسخه
ولأنه لو لم يفسخه لكان صحيحاً فكذلك إذا فسخه كنكاح الأمة إذا عتقت تحت
عبد ولانه تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الإحصان والإباحة للزوج الأول
وسائر أحكام الصحيح ولأنه لو كان فاسداً لما جاز بقاؤه وتعين نسخه وما
ذكروه لا يصح فإن الفسخ يثبت حكمه من حينه غير سابق عليه وما وقع على صفة
يستحيل أن يكون واقعاً على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب لم يصر العقد
فاسداً ولا يكون النماء لغير المشتري، ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به
مهرها فكذلك النكاح (مسألة) (ويرجع به على من غره من المرأة والولي وعنه لا
يرجع)
(7/582)
المذهب أنه يرجع وهو الذي ذكره الخرقي،
وقال أبو بكر فيه رواية أخرى أنه لا يرجع.
قال شيخنا: والصحيح أن المذهب رواية واحدة أنه يرجع فإن أحمد قال كنت اذهب
إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر: إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا فإن
لها صداقها بمسيسته إياها ووليها ضامن للصداق وهذا يدل على أنه يرجع إلى
هذا القول وبه قال الزهري وقتادة ومالك والشافعي في القديم وروي عن علي أنه
لا يرجع وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد لأنه ضمن ما استوفى بدله وهو
الوطئ فلا يرجع به على غيره وكما لو كان المبيع معيناً فأكله ولنا ما روى
مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب: أيما رجل
تزوج امرأة بها جنون اوجذام أو برص فمسها فلها صداقها.
وذلك لزوجها غرم على وليها ولأنه غرة في النكاح بما يثبت الخيار فكان المهر
عليه كما لو غره بحرية أمة، ذا ثبت هذا فإن كان الولي علم غرم
وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع علهيا بجميع الصداق وإ اختلفوا في
علم الولي فشهدت عليه بينة بالإقرار بالعلم وإلا فالقول قوله مع يمينه وقال
الزهري وقتادة إن علم الولي غرم وإلا استحلف بالله أنه ما علم ثم هو على
الزوج، وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو ممن يجوز له أن يراها فالتغرير من
جهته علم أو لم يعلم وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها كابن العم والمولى
وعلم غرم، وإن أنكر ولم تفم البينة بإقراره فالقول قوله مع يمينه ويرجع على
المرأة بجميع الصداق، وهذا قول مالك إلا أنه قال إذا
(7/583)
ردت المرأة ما أخذت ترك لها قدر ما تستحل
به لئلا تصير كالموهوبة والشافعي قولان كقول مالك والقاضي ولنا على أن
الولي إذا لم يعلم لا نعرم أن التغرير من غيره فلم يغرم كما لو كان ابن عم
وعلى أنه يرجع بكل الصداق لأنه مغرور منها فرجع بكل الصداق كما لو غره
الولي، وقولهم لا يخفى على من يراها لا يصح فإن عيب الفرج لاطلاع له عليها
ولا يحل له رؤيتها وكذلك العيوب تحت الثياب فصار في هذا كمن لا يراها إلا
في الجنون فإنه لا يكاد يخفى على من يراها إلا أن يكون غائبا وأما الرجوع
بالمهر فإنه بسبب آخر فيكون بمنزلة ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة (فصل)
فإن طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به
لأنه رضي بالتزامه فلم يرجع على أحد وإن ماتت أو مات قبل العلم بالعيب فلها
الصداق كاملا ولا يرجع به على أحد لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد وههنا
استقر الصداق بالموت ولا يرجع به (فصل) ولا سكنى لها ولا نفقة لأن ذلك إنما
يجب لمن لزوجها عليه الرجعة وهذه تبين بالفسخ كما تبين بالثلاث وليس لزوجها
عليه رجعة فلم يجب لها نفقة ولا سكنى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لفاطمة بنت قيس (النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوحها عليها الرجعة) رواه
النسائي، وهذا إذا كانت حائلاً فإن كانت حاملاً فلها النفقة لأنها بائن من
نكاح صحيح وهي حامل فكانت لها النفقة كالمطلقة
(7/584)
ثلاثا والمختلعة وفي السكنى روايتان، وقال
القاضي لا نفقة لها وإن كانت حاملاً في أحد الوجهين لأنها بائن من نكاح
فاسد وكذلك قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر لها النفقة لأن
النفقة
للحمل والحمل لاحق به وبنوه على النكاح الفاسد وقد بينا صحته فيما مضى
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس لولي صغيرة ولا مجنونة ولا سيد أمة
تزويجها معيبا) لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ، ولا حظ لهم في هذا العقد فإن
زوجهن مع العلم بالعيب لم يصح النكاح وكذلك الحكم في الصغير لأنه عقد لهم
عقداً لا يجوز عقده فلم يصح كما لو باع عقاره لغير غبطة ولا حاجة، وإن لم
يعلم بالعيب صح كما لو اشترى لهم معيباً لا يعلم عيبه ويجب عليه الفسخ إذا
علم لانع عليه النظر لهم فيه الحظ في الفسخ ويحتمل أن لا يصح النكاح لأنه
زوجهم ممن لا يملك تزويجهم إياه فلم يصح كما لو زوجهم ممن يحرم عليهم
(مسألة) (وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها) بغير خلاف نعلمه لأنها
تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى (مسألة) (فإن اختارات
الكبيرة تزويج مجبوب أو عنين لم يملك منعها) لأن الحق لها في أحد الوجهين.
والوجه الثاني له أن يمنعها
(7/585)
قال احمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن
رضيت الساعة تكره إذا أدخلت عليه، لأن من شأنهن النكاح، ويعجبهن من ذلك ما
يعحبنا وذلك لأن الضرر في هذا دائم، والرضى غير موثوق بدوامه ولا تتمكن من
التخلص إذا كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة
فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها كما لو أرادت نكاح من ليس بكفء وقال
القاضي: له منعها من نكاح المجنون، وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين
لأن ضررهما عليها خاصة، وفي الأبرص والمجنون وجهان (أحدهما) لا يملك منعها
لأن الحق لها والضرر عليها اشبه المجبوب والعنين و (الثاني) له منعها لأن
عليه ضرراً فيه فإنه يتغير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج بغير
كف، وهذا مذهب الشافعي، والأولى أن له منعها لأن عليها فيه ضرراً دائماً
وعاراً عليها وعلى أهلها فملك منعها منه كالتزويج بغير الكفء فأما ان اتفقا
على ذلك ورضيا به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما لا يخرج عنهما ويكره لهما
ذلك لما ذكره أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما بعد
ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليها ومنعها من هذا التزويج لأن
العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء (مسألة) (فأما إن
علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك إجبارها على الفسخ إذا رضيت) لأن
حق الولي في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد
لم تلزمه إجابتها ولو أعتقت عبداً لم يملك إجبارها على الفسخ
(7/586)
باب نكاح الكفار وحكه حكم نكاح المسلمين
فيما يجب بدون تحريم المحرمات وجملة ذلك أن أنكحتهم يتعلق بها أحكام النكاح
الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء ووجوب المهر والقسمة والإباحة
للزوج الأول والإحصان وغير ذلك.
وممن أجاز طلاق الكفار عطاء والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري
والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولم يجوزه الحسن وقتادة وربيعة ومالك.
ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم فإن قيل لا
تسلم صحة أنكحتهم قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال
(وامرأته حمالة الحطب) وقال (امرأة فرعون) وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية
صحيحة ولدت من نكاح لا من سفاح وإذا ثبتت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة
المسلمين فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج وإصابة ثم
أسلما لم يقرا عليه وإن طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما
بقي من طلاقها وإن نكحها كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق
مسلماً أو كافراً وإن ظاهر الذمي من امرأته
(7/587)
ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقول الله
تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) الآية.
فإن آلى ثبت حكم الإيلاء لقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) ويحرم عليهم
ما يحرم في النكاح على المسلمين على ما ذكرنا في باب المحرمات في النكاح
(مسألة) (ويقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقد واحلها ولم يرتفعوا إلينا)
إنما يقرون بهذين الشرطين (أحدهما) أن لا يترافعوا إلينا (الثاني) أن
يعتقدوا إباحة ذلك في دينهم لأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون
عليه كالزنا والسرقة، وقال االله تعالى (فان جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم
وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) فيدل هذا على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم
يجيئوا إلينا ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم
يتعرض عليهم في أنكحتهم منع علمه انهم يستبيحون نكاح محارمهم ولأنه أسلم
خلق كثير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن
كيفيتها فإذا لم يرتفعوا لم نتعرض لهم لأنا صالحناهم على الإقرار على
دينهم.
وعن أحمد في مجوسي تزوج كتابة أو اشترى نصرانية قال يحال بينه وبينها قيل
من يحول بينهما؟ قال الإمام قال أبو بكر لأن علينا ضرراً في ذلك بتحريم
أولاد النصرانية علينا ويجئ على قوله في تزويج النصراني المجوسية فيخرج من
هذا أنهم لا يقيمون على نكاح محرم وأن يحال بينهم وبين نكاح محارمهم فإن
عمر كتب أن فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك أمة
نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها لها دين وله دين فإن ملك نصراني
مجوسية فلا بأس أن يطألها وقال أبو بكر عبد العزيز لا يباح له وطؤها أيضاً
لما ذكرناه من الضرر
(7/588)
(مسألة) (وإن أسلموا أو ترافعوا إلينا في
ابتداء العقد لم نمضه إلا على الوجه الصحيح مثل أنكحة المسلمين بالولي
والشهود والإيجاب والقبول) لأنه لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك قال الله تعالى
(وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وإن كان في إثباته لا يتعرض في كيفية عقدهم
ولا تعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول
وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن
الزوجين إذا أسلما معافي حال واحدة ان لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن
بينهما نسب أو رضاع وقد أسلم خلق كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسلم نساؤهم فأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن
شروط النكاح ولا كيفيته وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا
(مسألة) (لكن إن كانت المرأة في هذه الحال ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كأحد
المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة أو المرتدة أو الوثنية والمجوسية
والمطلقة ثلاثاً لم يقرا) لحديث عمر وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد
انقضائها أقرا لأنها مما يجوز ابتداء نكاحها وإن ترافعا إلينا في العدة فسخ
نكاحهما لأنه لا يجوز ابتداء نكاحهما وإن كان بينهما نكاح متعة لم يقرا
عليه لأنه إن كان بعد المدة لم يبق بينهما نكاح وإن كان في المدة فهما لا
يعتقدان تأييده والنكاح عقد
(7/589)
مؤبد إلا أن يعتقد فساد الشرط وحده وإن كان
خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وإن كان بعدها أقرا لأنهما يعتقدان
لزومه وكل ما اعتقدوه نكاحا فهو نكاح يقرون عليه ومالا فلا (مسألة) (وإن
قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته أو اعتقداه نكاحا ثم أسلما أقرا عليه)
لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وان
يعتقداه نكاحا لم يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم.
(مسألة) (وإذا كان المهر مسمى صحيحاً أو فاسداً قبضته استقر وإن كان فاسداً
فلم تقبضه فرض لها مهر المثل) (إذا أسلم الكفار وترافعوا إلينا بعد العقد
والقبض لم نتعرض لما فعلوه وما قبضت من المهر فقد نفذوا ليس لها غيره حلالا
كان أو حراما بدليل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما
بقي من الربا) فأمر بترك ما بقي من دون ما قبض وقال تعالى (فمن جاءه موعظة
من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله يشق
لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الإسلام فعفي عنه
كما عفي عن ترك ما تركوه من الفرائض والواجبات ولأنهما تقابضا بحكم الشرك
فبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعا بيعاً فاسدا وتقابضا وإن لم
يتقاضبها وكان المسمى حلالا وجب ما سميا لأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح فوجب
كتسمية المسلم وان ان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه
لا يجوز
(7/590)
إيجابه في الحكم ولا يجوز أن يكون صداقا
لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل إن كان قبل
الدخول ونصفه أو وقعت الفرقة قبل الدخول وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وقال
أبو حنيفة إن كان أصدقها خمراً أو خنزيراً معينين فليس لها إلا ذلك وإن
كانا غير معينين فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل استحسانا.
ولنا أن الخمر لا قيمة له في الإسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها
خنزيراً ولأنه محرم أشبه الخنزير (فصل) وإن قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من
المهر بقدر ما قبض ووجب بحضة ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق عشرة زقاق
خمر متساوية فقبضت منها خمسة سقط نصف المهر ووجب لها نصف مهر المثل وإن
كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لأنه إذا وجب اعتباره اعتبر
ذلك بالكيل فيا له مثل يتأنى الكيل فيه (والثاني) يقسم على عددها لأنه لا
قيمة لها فاستوى كبيرها وصغيرها وإن أصدقها عشرة خنازير ففيه الوجهان
(أحدهما) يقسم على عددها لما ذكرنا (والثاني) تعتبر قيمتها كأنها مما يجوز
كما تقوم شجاع الحر كأنه عبد، وإن أصدقها كلبا وخنزيرين وثلاث زقاق خمر
ففيه ثلاث أوجه (أحدها) يقسم على قدر قيمتها عندهم (والثاني يقسم على عدد
الأجناس فيجعل لكل جنس ثلث المهر (والثالث) يقسم على العدد فلكل واحد سدس
المهر وللكب سد
(7/591)
ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق سدسه ومذهب
الشافعي على نحو هذا (فصل) فإن نكحها نكاحا فاسدا وهوما لا يقرون عليه إذا
أسلموا كنكاح ذوات الرحم فأسلما قبل الدخول أو ترافعوا إلينا فرق بينهما
ولا مهر لها، قال أحمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها فيطلقها أو
يموت عنها فترتفع إلى المسلمين لا مهر لها وذلك لأنه نكاح باطل من أصله لا
يقر عليه في الإسلام وجدت فيه الفرقة قبل الدخول، وأما إن دخل بها فهل يجب
مهر المثل؟ يخرج على روايتين في المسلم إذا وطئ امرأة من محارمه بشبهة
(فصل) إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة
بفرضه إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين
وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
إن تزوجها على أنه لامهر لها فلا شئ لها وإن سكت عن ذكره فعنه روايتان
(إحداهما لا مهر لها (والأخرى) مهر المثل، واحتج بأن المهر يجب لحق الله
وحقها وقد أسقطت حقها والذي يطالب به حق الله تعالى ولنا أن هذا نكاح خلا
عن تسمية فيجب للمرأة فيه مهر المثل كالمسلمة وإنما وجب المهر في حق
المسلمة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذا يوجد في حق الذمي (فصل) قال
الشيخ رضي الله عنه: إذا أسلم الزوجان معا أو أسلم زوج الكتابية فهما على
نكاحهما سواء كان قبل الدخول أو بعده وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف
بحمد الله، وذكر ابن المنذر أنه إجماع من أهل العلم وذلك لأنه لم يوجد منهم
اختلاف وقد روى أبو داود عن ابن عباس أن رجلا جاء مسلماً على عهد النبي صلى
الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته بعده فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت
(7/592)
معي فردها عليه، ويعتبر تلفظهما بالإسلام
دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح.
ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد
ولأنه يتعذر اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك
لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول إلا في النادر فيبطل الإجماع، وإذا
أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده أسلما معافا لنكاح باق بحاله سواء
كان زوجها كتابياً أو غير كتابي لأن للمسلم ابتداء نكاح الكتابية فاستدامته
أولى، ولا خلاف في هذا بين القائلين بجواز نكاح الكتابية للمسلم (مسألة)
(فإن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابياً
أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح المسلمة) قال إبن المنذر أجمع على هذا
كل من تحفظ عنه من أهل العلم (مسألة) (فان كات هي المسلمة فلا مهر لها، وإن
كان هو المسلم قبلها فلها نصف المهر وعنه لا مهر لها) وجملة ذلك أن الفرقة
إذا حصلت قبل الدخول بإسلام المرأة فلا شئ لها لأن الفرقة من جهتها وبهذا
قال الحسن ومالك والزهري والاوزاعي وابن شبرمة والشافعي وعن أحمد رواية
أخرى أن لها نصف المهر إذا كانت هي المسلمة اختارها أبو بكر وبه قال قتادة
والثوري ويقتضيه قول أبي حنيفة لأن الفرقة حصلت من قبله بامتناعه من
الإسلام وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض
(7/593)
الله لها كما لو علق طلاقها على الصلاة
فصلت، ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بامرأته فلا شئ لها من
الصداق لما ذكرنا، ووجه الأولى أن الفرقة حصلت باختلاف الدين وقد حصل
بإسلامها فكانت الفرق حاصلة بفلها فلم يجب لها شئ كما لو ارتدت ويفارق
تعليق الطلاف فإنه من جهة الزج ولهذا لو علقه على دخولها فدخلت وقعت الفرقة
ولها نصف المهر، فأما إن حصلت الفرقة بإسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى إن
كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر المثل إن كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمراً أو
خنزيراً لأن الفرقة حصلت بفعله وعنه لا مهر لها لأن الفرقة جاءت من قلها
لكونها امتنعت من الدخول في الإسلام (فصل) إذا انفسخ النكاح بأحد الزوجين
قبل الدخول مثل أن يسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين تعجلت الفرقة
على ما ذكرنا ويكون ذلك فسخا لا طلاقاً وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة
لا تتعجل الفرقة بل إن كان في دار الإسلام عرض على الآخر فإن أبى وقعت
الفرقة حينئذ وإن كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فإن لم يسلم
الآخر وقعت الفرقة فإن كان الاباء من الزوج كان طلاقا لأن الفرقة حصلت من
قبله فكان طلاقا كما لو لفظ به وإن كان من المرأة كان فسخا لأن المرأة لا
تملك الطلاق وقال مالك إن كانت هي المسلمة عرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا
وقعت الفرقة وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم
الكوافر)
(7/594)
ولنا أنه اختلاف دين يمنع الاقرار على
النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة وعلى مالك كإسلام الزوج أو
كما لو أتى الآخر للإسلام لأنه إن كان هو المسلم فليس له إمساك كافرة لقوله
تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وإن كانت هي المسلمة فلا يجوز إبقاؤها في
نكاح مشرك ولنا على أنها فرقة فسخ أنه فرقة باختلاف الدين فكانت فسخا كما
لو أسلم الزوج وأبت المرأة ولأنها فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع
(مسألة) (وإن قالت أسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها)
لأن المهر وجب بالعقد والزوج يدعي ما يسقطه والأصل بقاؤه ولم يعارضه ظاهر
فبقي وإن اتفقا على أن أحدهما قبل الآخر ولا يعلمان عينه فلها نصف الصداق
ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا وقال القاضي إن لم تكن قبضت فلا شئ لها لأنها
تشك في استحقاقها فلا تستحق بالشك وإن كان بعد القبض لم يرجع عليها لأنه
يشك في استحقاق الرجوع فلا يرجع مع الشك والأول أصح لأن اليقين لا يزول
بالشك وكذلك إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة
بني على اليقين وهذه كان صداقها واجباً وشكا في سقوطه فيبقى على الوجوب
(مسألة) (وإن قال الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح فأنكرته فعلى وجهين)
(7/595)
قال القاضي القول قول المرأة لأن الظاهر
معها إذا يبعد اتفاق الإسلام منهما دفعة واحدة والقول قول من الظاهر معه
وكذلك كن القول قول صاحب اليد وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أن القول قول
الزوج لأن الأصل بقاء النكاح والفسخ طائ عليه فكان القول قول من يوافق قوله
الأصل كالمنكر والشافعي قولان كهذين الوجهين (فصل) فإن اختلفا بعد الدخول
فقال الزوج أسلمنا معا أو أسلم الثاني منافى العدة فنحن على النكاح وتقول
هي بل أسلم الثاني بعد العدة فانفسخ النكاح ففيه وجهان (أحدهما) القول قوله
لأن الأصل بقاء النكاح (والثاني) القول قولها لأن الأصل عدم إسلام الثاني
(مسألة) (وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة فإن أسلم
الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن الفرقة وقعت من حين
أسلم الأول) روي عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة روايتان (إحداهما) ان
الأمر يقف على انقضاء العدة على اما ذكرنا وهذه الرواية التي ذكرها الخرقي
فعلى هذا إذا لم يسلم الثاني في العدة لا يحتاج إلى استئناف العدة وهذا قول
الزهري والليث والحسن بن صالح والاوزاعي والشافعي واسحاق ونحوه عن عبد الله
بن عمر ومجاهد ومحمد بن الحسن (والثانية) تتعجل الفرقة كما قبل الدخول وهذا
اختيار الخلال وصاحبه وقول الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم وروي ذلك عن
عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر
(7/596)
وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول
إلا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها وحصلت الفرقة لزمها
استئناف العدة وقال مالك إن أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الإسلام فإن
أسلمت وإلا وقعت الفرقة وإن كانت غائبة تعجلت الفرقة وإن أسلمت المرأة قبله
وقف الأمر على انقضاء العدة واحتج بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه (ولا تمسكوا
بعصم الكوافر) ولأن ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده
كالرضاع ولنا ما روى مالك في موطئه عن ابن شهاب كان بين إسلام صفوان بن
أمية وامرأته بنت الوليد ابن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي
صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم ولم يفرق النبي صلى الله
عليه وسلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر وشهرة
هذا الحديث أقوى من إسناده وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب
زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الإسلام
فأسلم وقدم فبايع فثبتا على نكاحهما وقا ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما
أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما
ولأن أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة
ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة فثبتا على
النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله
بن
(7/597)
أبي أمية عام الفتح فلقيا النبي صلى الله
عليه وسلم بالأبواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه
وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امراته ويبعد أن يتفق إسلامهما معا ويفارق
ما قبل الدخول فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة وههنا لها
عدة فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين أسلم الأول فلا يحتاج إلى عدة
ثانية لأن اختلاف الدين سبب الفرقة نتحسب الفرقة منه كالطلاق فعلى هذه
الرواية لو وطئها الزوج في عدتها ولم يسلم الثاني فيها فلها عليه المهر
ويؤدب لأننا تبينا أنه وطئها بعد البينونة وانفساخ النكاح فيكون واطئا في
غير ملك وإن أسلم فلا شئ لها لأننا تبينا أن النكاح
لم ينفسخ وأنه وطئها في نكاحه فلم يكن عليه شئ (فصل) فان أسلم أحد الزوجين
وتخلف الآخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح في قول عامة العلماء قال ابن عبد
البر لم يختلف العلماء في هذه الأشياء روي عن النخعي شذ فيه عن جماعة
العلماء فلم يتبعه عليه أحمد زعم أنها ترد إلى زوجها وإن طالت المدة لما
روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص
بنكاحها الأول رواه أبودادو واحتج به أحمد قيل له أليس يروى أنه ردها بنكاح
مستأنف؟ قال ليس لذك أصل قيل كان بين إسلامها وردها إليه ثمان سنين ولنا
قوله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم
الكوافر) والإجماع المنعقد على تحريم فروج المسلمات على الكفار وأما قصة
أبي العاص مع امرأته فقال ابن
(7/598)
عبد البر لا يخلو إما أن يكون قبل نزول
تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو تكون حاملا استمر
حملها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون ردت
إليه بنكاح جديد فقد روى ابن أبي قتيبة في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بنكاح جديد رواه
الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن عباس
أجود اسناد أو العمل على حديث عمرو بن شعيب (مسألة) (فإن أسلمت قبله فلها
نفقة العدة) لأنه يتمكن من الاستمتاع وإبقاء نكاحها بإسلامه معها فكانت لها
النفقة كالرجعية وسواء أسلم في عدتها أو لم يسلم فإن قيل إذا لم يسلم تبينا
أنها بائن باختلاف الدين فكيف تجب النفقة للبائن؟ قلنا لأنه كان يمكن الزوج
تلافي نكاحها بل يجب عليه فكانت في معنى الرجعية وإن كان هو المسلم فلا
نفقة لها لأنه لا سبيل إلى تلافي نكاحها واستبقائها فأشبهت البائن وسواء
أسلمت معه أم لا (مسألة) (فإن اختلفا في السابق منهما فقال الزوج أسلمت
قبلك فلا نفقة لك وقالت المراة بل أن المسلمة أولا فلي النفقة فالقول قولها
في أحد الوجهين) لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها (والثاني) أن القول
قوله لأن النفقة إنما تجب
بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدمه فإن قال أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا
نفقة لك فيها وقالت
(7/599)
بعد شهر فالقول قوله لأن الأصل عدم إسلامها
في الشهر الثاني فإن ادعى هو بفسخ النكاح فأنكرته انفسخ النكاح لأنه يقر
على نفسه بزوال نكاحه وسقوط حقه فأشبه ما لو ادعى أنها أخته من الرضاع
فكذبته.
(مسألة) (وعنه أن الفرقة تتعجل باسلام أحدهما كما قبل الدخول وقد ذكرناه)
(مسألة) (فأما الصداق فواجب بكل حال) يعني إذا وقعت الفرقة بايسلام أحدهما
بعد الدخول فإنه يجب لها المهر كاملا لأنه استقر بالدخول فلم يسقط بشئ فإن
كان مسمى صحيحاً فهو لها لأن أنكحة الكفار صحيحة تثبت أحكام الصحة وإن كان
محرما قبضته فليس لها غيره لأنا لا نتعرض إلى ما مضى من أحكامهم وإن لم يكن
قبضته فلها مهر المثل لأن الخمر والخنزير لا يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح
مسلم وقد صارت أحكامهم أحكام المسلمين (فصل) وسواء مما ذكرنا اتفق الداران
أو اختلفتا وبه قال مالك والليث والاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة إن أسلم
أحدهما وهما في دار الحرب ودخلا دار الإسلام انفسخ النكاح ولو تزوج حربي
حربية ثم دخلا دار الإسلام وعقد العهد انفسخ نكاحه لاختلاف الدارين ويقضتي
مذهبه أن أحد الزوجين الذميين إذا دخل دار الحرب ناقضاً للعهد انفسخ نكاحه
لأن الدار انعقدت بهما فعلا وحكما فوجب أن تقع الفرقة بينهما كما لو أسلمت
في دار الإسلام قبل الدخول
(7/600)
ولنا أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران
وامرأته بمكة لم تسلم وهي دار حرب وأم حكيم أسلمت بمكة وهرب زوجها عكرمة
إلى اليمن وامرأة صفوان بن أمية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها ثم أسلموا
وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار بهم، ولأنه عقد معاوضة فلم
ينفسخ باختلاف الدار كالبيع، ويفارق ما قبل الدخول فإن القاطع للنكاح
اختلاف الدين المانع من الاقرار على النكاح دون ما ذكروه، فعلى هذا لو تزوج
مسلم مقيم بدار الإسلام حربية من أهل الكتاب صحح
نكاحه وعندهم لا يصح ولنا قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم) ولأنها امرأة يباح نكاحها إذا كانت في دار الإسلام فأبيح نكاحها في
دار الحرب كالمسلمة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن ارتد أحد الزوجين
قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر ان كانت المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها
نصف المهر) إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل
العلم أنه حكي عن داود أنه لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح ولنا قول
الله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وقوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى
الكفار، لا هن حل
(7/601)
لهم ولا هم يحلون لهن) ولأنه اختلاف دين
يمنع الإصابة فوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر ثم ننظر فإن كانت
المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها وإن كان الرجل هو المرتد
فعليه نصف المهر لأن الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق وإن كانت التسمية فاسدة
فعليه نصف مهر المثل (مسألة) (وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة
أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين) اختلف الرواية عن أحمد فيما إذا
ارتد أحد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافهما فيما إذا أسلم أحد الزوجين
الكافرين ففي إحداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة ومالك وروي ذلك عن
الحسن وعمر بن عبد العزيز والثوري وزفر وأبي ثور وابن المنذر لأن ما أوجب
فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع (والثانية) يقف على
انقضاء العدة فإن أسلم المرتد قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم
حتى انقضت بانت منذ اختلاف الدينين وهذا مذهب الشافعي لأن لفظه تقع به
الفرقة فإذا وجد الدخول جازان يقف على انقضاء العدة كالطلاق الرجعي أو نقول
اختلاف دين بعد الإصابة فلا يوجب فسخه في الحال كإسلام الحربية تحت الحربي،
وقياسه على الاسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع ولأن الرضاع تحرم
به المرأة على التأبيد فلا فائدة في تأخير الفسخ إلى بعد انقضاء العدة
(مسألة) (فإن كان هو المرتد فعليه نفقة العدة)
(7/602)
لأنه بسبيل إلى الاستمتاع بها بان يسلم
ويمكنه تلافي نكاحها فكانت لها النفقة كزوج الرجعية وإن كانت هي المرتدة
فلا نفقة لها لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها فلم يكن لها
نفقة كما بعد العدة (فصل) فإن ارتد الزوجان معاً فحكمهما حكم ما لو ارتد
أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده فهل تتعجل أو تقف على
انقضاء العدة على روايتين وهذا مذهب الشافعي قال أحمد في رواية ابن منصور
إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا أو تاب المرتد منهما فهو أحق بها ما لم
تنقض العدة وقال أبو حنيفة لا ينفسخ النكاح استحسانا لأنه لم يختلف بهما
الدين فأشبه ما لو أسلما ولنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها
فسخه كما لو ارتد أحدهما ولأن كل ما زال عنه ملك المرتد إذا ارتد وحده زال
إذا ارتد غيره معه كما له وما ذكره يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية
إلى دين النصرانية فإن نكاحهما ينفسخ وقد انتقالا إلى دين واحد، وأما إذا
أسلما فقد انتقلا إلى دين الحق ويقران عليه بخلاف الردة (فصل) وإذا ارتد
أحد الزوجين أو ارتدا معا منع من وطئها في عدتها فإن وطئها في عدتها وقلنا
إن الفرقة تعجلت فيكون عليه مهر مثلها وإن قلنا أن الفرقة تقف على انقضاء
العدة فأسلم المرتد منهما أو أسلما جميعاً في عدتها وكانت الردة منها فلا
مهر لها عليه بهذا الوطئ لأنا تبينا أن النكاح لم يزل وأنه وطئها وهي زوجته
وإن ثبتا أو ثبت المرتد منهما على الردة حتى انقضت العدة فلها عليه مهر
المثل لهذا الوطئ لأنه وطئ
(7/603)
في غير نكاح بشبهة النكاح لأنا تبينا أن
الفرقة وقعت منذ اختلف الدين وقد ذكرنا مثل ذلك فيما إذا أسلم أحد الزوجين
قبل الدخول فوطئها في العدة لأنه مثله (فصل) إذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد
نظرت فإن أسلم الآخر تبينا أن الفرقة وقعت من حين اختلف الدينان وعدتها من
حين أسلم المسلم منهما، وإن أسلم الآخر منهما في العدة قبل ارتدادا الأول
اعتبر ابتداء العدة من حخين ارتد لأن حكم اختلاف الدين بالإسلام الأول زال
بإسلام الثاني في العدة
ولو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه ثم ارتد لم يكن له أن يختار
منهن لأنه لا يجوز أن يبتدئ العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه
أو معه لم يكن له أن يختار منهن كذلك (فصل) إذا تزوج الكافر من لا يقر على
نكاحها في الإسلام مثل أن جمع أختين أو بين عشر نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة
ثم طلقها ثلاثا ثم أسلما لم يكن له أن ينكحها لأننا أجرينا أحكامهم على
الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق ولهذا جاز له إمساك الثانية
من الأختين والخامسة المعقود عليها آخرا (مسألة) (وإن انتقل أحد الكتابيين
إلى دين لا يقر عليه فهو كردته) إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب
من الكفر لم يقر عليه لا نعلم في هذا خلافاً لأنه انتقل إلى دين لا يقر
أهله بالجزية كعبادة الأوثان وغيرها مما يستحسنه فالأصلي منهم لا يقر على
دينه
(7/604)
فالمنتقل إليه أولى، وإن انتقل إلى
المجوسية لم يقر أيضاً لأنه انتقل إلى دين أنقص من دينه فلم يقر عليه
كالمسلم إذا أرتد، فأما إذا انتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب كاليهودي
يتنصر ففيه روايتان (إحداهما) لا يقر أيضاً لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر
ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد (والثانية) يقرنص عليه أحمد وهو ظاهر كلام
الخرقي واختاره الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة لأنه لا يخرج عن دين أهل
الكتاب فأشبه غير المنتقل وللشافعي قولان كالروايتين، فأما المجوسي إذا
انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر كأهل ذلك الدين وإن انتقل إلى دين
أهل الكتاب خرج فيه الروايتان وسواء فيما ذكرنا الرجل والمرأة لعموم قوله
عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولعموم المعنى الذي ذكرناه
فيهما جميعاً (فصل) وإن انتقل إلى دين غير أهل الكتاب لم يقبل منه إلا
الإسلام في إحدى الروايات عن أحمد اختاره الخلال وهو أحد أقوال الشافعي لأن
غير الإسلام باطلة قد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد وعنه رواية ثانية
لا يقبل منه إلا الإسلام أو الذي كان عليه لأن دينه الأول قد أقررناه عليه
مرة ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه إن رجع عليه ولأنه منتقل من دين يقر
أهله على لقوله تعالى (حتى
يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) وظاهر هذه الرواية إن الكتابي إذا انتقل إلى
المجوسية أقر وقد ذكرنا في أعلى هذه الصفحة أنه لا يقر ولعله أراد بقوله
إلى دين يقر عليه إذا كان دين أهل الكتاب
(7/605)
ليكون موافقاً لما ذكرناه أولا، وإن انتقل
إلى أهل الكتاب وقلنا لا يقر ففيه روايتان إحداهما لا يقبل إلا الإسلام
والأخرى لا يقبل إلا الإسلام أو الذي كان عليه (فصل) وإن قلنا لا يقر ففي
صفة إجباره روايتان [إحداهما] أنه يقتل إن لم يرجع رجلا كان أو امرأة لعموم
الحديث ولأنه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بتركه أداء الجزية ويستناب في
أحد الوجهين لأنه يسترجع عن دين باطل أشبه المرتد والثاني لا يستتاب لانه
كافرا أصلي أبيح قتله فأشبه لحربي، فعلى هذا إن بادر فأسلم أو رجع إلى ما
يقر عليه عصم دمه وإلا قتل (والرواية الثانية) قال أحمد إذا دخل اليهودي في
النصرانية رددته إلى اليهودية ولم أدعه فيما انتقل إليه فقيل له أتقتله؟
قال لا ولكن يضرب ويحبس، قال وإذا كان نصرانياً أو يهوديا؟ قال وإن كان
يهوديا أو نصرانيا دخل في المجوسية كان أعلظ لأنه لا تؤكل ذبيحته ولا تنكح
له امرأة ولا نتركه حتى يرد إليها، فقبل له تقتله إذا لم يرجع؟ قال إنه
لأهل لذلك وهذا نص في أن الكتابي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب لا
يقتل بل يكره بالضرب والحبس.
(فصل) فإن تزوج مسلم ذمية فانتقلت إلى غير دين أهل الكتاب فهي كالمرتدة لأن
غير أهل الكناب لا يحل نكاح نسائهم فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا
مهر لها وإن كان بعده فهل يقف على انقضاء العدة أو ينفسخ في الحال على
روايتين وكذلك إذا انتقلت إلى دين باطل أو إلى دين كانت تقر بطلانه فأشبهت
المسلمة إذا تهودت أو تنصرت والله أعلم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن
أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعا وفارق سائرهن)
(7/606)
وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من
أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات
لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك إمساك أكثر من أربع فإذا
أحب ذلك اختار أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجهن في عقد واحد أو عقود
وسواء اختار الأوائل أو الأواخر نص عليه أحمد وبه قال الحسن ومالك والليث
والاوزاعي والثوري والشافعي واسحاق ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو
يوسف إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وإن كان في عقود فنكاح
الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع
فتحريمه من طريق الجمع فلا يكون مخيراً فيه بعد الإسلام كما لو تزوجت
المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا ولنا ما روى قيس بن الحارث قال أسلمت
وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال (اختر
منهن أربعاً) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروى محمد بن يزيد الثقفي أن
غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم إن يتخير منهن أربعاً، رواه الترمذي ورواه مالك في موطئه عن الزهري
مرسلا ورواه الشافعي في مسنده عن ابى علية عن معمر عن الزهري عن سالم عن
أبيه إلا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري.
وكذلك قال الامام أحمد والترمذي وغيرهما ولأن كل عدد جاز له ابتداء العقد
عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال الشرك كما لو تزجهن بغير شهود، وأما
إذا تزوجت زوجين فنكاح الثاني باطل لأنها ملكته ملك غيرها وإن جمعت بينهما
لم يصح لأنها لم تملكه جميع بضعها ولأن ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل
الأديان ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل (فصل) ويجب
عليه أن يختار أربعاً ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أمر فيسا وغيلان بالاختيار وأمره يقتضي الوجوب ولأن المسلم لا
يجوز اقراره على أكثر من أربع فإن أبي
(7/607)
أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار لأن هذا
حق عليه يمكنه إبفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين، وليس للحاكم
أن يختار عنه كما يطلق على المولى إذا امتنع من الطلاق لأن الحق ههنا لغير
معين وإنما تتعين الزوجات باختياره وشهوته، وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه
فيه، فإن جن خلي حتى يعود عقله ثم يجبر على الاختيار
(مسألة) (وعليه نفقتهن إلى أن يختار) لأنهن محبوسات عليه ولأنهن في حكم
الزوجات أيهن اختار جاز (فصل) ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم
أسلموا جميعاً لم يكن له الاختيار قبل بلوغه فإنه لا حكم لقوله وليس لأبيه
الاختيار لأن ذلك حق يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره مقامه فيه فإذا بلغ الصبي
كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار فإن مات الزوج لم يقم
وارثه مقامه لما ذكرنا في الحاكم.
(فصل) وصفة الاختيار أن يقول اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت حبسهن أو
إمساكهن أو نكاحهن، أو أمسكت نكاحهن، أو أثبت نكاحهن، وإن قال لما زاد على
الأربع: فسخت نكاحهن كان اختيار للأربع.
(مسألة) (وإن طلق إحداهن كان اختيار لها) لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة،
وإن قال فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء فإن لم ينو به الطلاق كان اختيار
لغيرههن لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان (اختر منهن أربعا وفارق
سائرهن) وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحاً وكذا في حديث فيروز الديلمي
قال فعمدت إلى أقدمهن صحبة ففارقتها، وهذا الموضع اختص بهذه اللفظة فيجب أن
يختصص فيه بالفسخ فإن نوبه الطلاق كان اختيار لهن دون غيرهن.
(7/608)
وذكر القاضي فيه عند الطلاق وجهين (أحدهما)
أن يكون اختياراً للمفارقات لأن لفظ الفراق صريح في الطلاق والأول أولى.
(مسألة) (وإن وطئ إحداهن كان اختياراً لها في قياس المذهب) لأنه لا يجوز
إلا في ملك فيدل على الاختيار كوطئ الجارية المباعة بشرط الخيار (مسألة)
(وإن طلق الجميع أقرع بينهن فأخرج أربعاً منهن بالقرعة فكن المختارات ووقع
طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي وله نكاح البواقي فإن كان الطلاق ثلاثاً
فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات لأنهن لم يطلقن منه ولا تحل له
المطلقات إلا بعد زوج وإصابة، ولو أسلم ثم طلق الجميع
قبل إسلامهن ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا
أن طلاقه وقع بهن، لانهن زوجات وبعتددن من حين طلاقه وبان البواقي باختياره
لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه وله نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات لأن
هؤلاء غير مطلقات، والفرق بينهما وبين التي قبلها إن طلاقهن قبل إسلامهن في
زمن ليس له الاختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ، وفي التي
قبلها طلقهن وله اختيار، والطلاق يصلح اختيار وقد أوقعه في الجيمع وليس
بعضهن أولى من بعض فصرن إلي القرعة لتساوي الحقوق.
(مسألة) (وإن ظاهر أو آلى من إحداهن فهل يكون اختياراً لها؟ على وجهين)
(أحدهما) لا يكون اختياراً لأنه يصح في غير زوجة (والثاني) يكون اختياراً
لأن حكمه لا يثبت في غير زوجة وإن قذفها لم يكن اختياراً لها لأنه يقع في
غير زوجة (فصل) وإن اختار منهن أربعاً وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار
لأنهن بن منه بالاختيار
(7/609)
ويحتمل أن تكون عدتهن من حين أسلم لانهن
بين بإسلامه وإنما يبين ذلك باختيار فيثبت حكمه من حين الإسلام كما إذا
أسلم أحد الزوجين فلم يسلم الآخر حتى انقضت عدتهن وفرقتهن فسخ لأنها تثبت
بإسلامه من غير لفظ فيهن وعدتهن كعدة المطلقات لأنها عدة من فسخ نكاحها وإن
ماتت إحدى المختارات وبانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح واحدة من
المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث لأنه لم يطلقها قبل ذلك، وإن اختار أقل
من أربع أو اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو تمام الأربع لأن الأربع
زوجات لا يبن منه إلا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع
طلاقه وانفسخ نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق
وعدة الباقيات على الوجهين (مسألة) (فإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة) هكذا
ذكره في الكتاب المشروح والأولى أن من كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه لأن
ذلك تنقضي به العدة في كل حال ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها عدة الوفاة
لأنها أطول العدتين في حقها ومن كانت من ذوات القروء اعتدت أطول الأجلين من
ثلاثة قروء وأربعة أشهر وعشر لتنقضي العدة
بيقين لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختارة عدة
الوفاة وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأحببنا أطولهما لتنقضى العدة كما قلنا
فيمن نسي صلاة لا يعلم عينها عليه خمس صلوات هذا الذي ذكره شيخنا في كتاب
المغنى والكافي وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح والقول الأول لا يصح (مسألة)
(والميراث لأربع منهن بالقرعة في قياس المذهب) وعند الشافعي يوقف حتى
يصطلحن وسنذكر هذا في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى، وإن اخترن الصلح
جاز كيفما اصطلحن لأن الحق لهن
(7/610)
(فصل) وإذا أسلم قبلهن وقلنا تتعجل الفرقة
باختلاف الدين فلا كلام وإن قلنا تقف على انقضاء العدة فلم يسلمن حتى انقضت
عدتهن تبينا أنهن بن منذ اختلف الدينان فإن كان قد طلقهن قبل انقضاء عدتهن
تبينا أن طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا اسلمن وان كن وطئهن
تبينا أنه وطئ غير نسائه وإن آلى منهن أو ظاهر أو قذف تبينا أن ذلك كان في
غير زوجة وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا
أنها زوجة فوقع طلاقه بها وكان وطؤها وطأ لمطلقته وإن كانت المطلقة غيرها
فوطؤه لها وطئ لامرأته وكذلك إن كان وطؤه قبل طلاقها، ان طلق الجميع فأسلم
أربع منهن أو أقل في عدتهن ولم يسلم البواقي تعينت الزوجية في المسلمات
ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم البواقي فله أن يتزوج منهن لأنه لم يقع طلاقه
بهن (فصل) ولو أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله
الوقوف إلى أن يسلم البواقي فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله
اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لأن
الاختيار ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فيهن والاعتبار في الاختيار
بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء، وإن أسلمت واحدة منهن وقال اخترتها جاز
فإذا ختار أربعاً على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وإن قال للمسلمة اخترت
فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ إنما يكون فيما زاد على الأربع والاختيار
للأربع وهذه من جملة الأربع إلا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لأنه
كناية ويكون طلاقه لها اختيار لها، وإن قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح
لأنه ليس بوقت للاختيار لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح امساكها وان فسخ
نكاحها لم ينفسخ لانه المالم يجز الاختيار لم يجز الفسخ وإن نوى بالفسخ
الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فإن أسلمت ولم يسلم زيادة على أربع أو
أسلم زيادة خ فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها وإلا فلا
(7/611)
(فصل) وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم
يصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على شرط ولا يصح في غير معين، وإن قال كلما
أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضاً لأن الفسخ لا يتعلق بالشرط ولا
يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الأربع، فان اراد به الطلاق فهو
كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان (أحدهما) يصح لأن
الطلاق يصح تعليقه بالشرط ويتضمن الاختيار لها، وكلما أسلمت واحدة كان
اختياراً لها وتطلق بطلاقه (والثاني) لا يصح لأن الطلاق يتضمن الاختيار
والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط (فصل) إذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم
أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة للنكاح وتعيين للمنكوحة وليس
ابتداء له، وقال القاضي ليس له اختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي.
ولنا أنه استدامة نكاح لا يشترط له رضي المرأة ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد
به مهر فجاز له في الإحرام كالرجعة.
(فصل) فإن أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعاً فيكون له
ميراثهن، ولا يرث الباقيات لأنهن لسن بزوجات له وإن مات بعضهن فله الاختيار
من الجميع فإن اختار الميتات فله ميراثهن لأنهن متن وهن نساؤه، وإن اختار
غيرهن فلا ميراث له منهن لأنهن أجنبيات، وإن لم يسلم البواقي لزم النكاح في
الميتات وله ميراثهن فإن وطئ الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا
منهن فليس لهن الا المسمى لانهن زوجات ولسائرهن المسمى بالعقد الاول، ومهر
المثل للوطئ الثاني لأنهن أجنبيات، وإن وطئهن بعد إسلامهن فالموطوءات أولا
المختارات والبواقي أجنبيات والحكم في المهر على ما ذكرنا
(7/612)
(فصل) وإن أسلم وتحته أختان منهما واحدة.
هذا قول الحسن والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة في هذه
كقوله في عشرة نسوة ولنا ما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول
الله إني أسلمت وتحتي أختان.
قال (طلق أيتهما شئت) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما ولأن أنكحة الكفار
صحيحة وإنما حرم الجمع في الإسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق إحداهما قبل
إلا سلامه ثم أسلم والأخرى في حباله، وكذلك الحكم في المرأة وعمتها وخالتها
لأن المعنى في الجميع واحد (فصل) ولو تزوج وثانية فأسلمت قبله ثم تزوج في
شركه أختها ثم أسلما في عدة الأولى فله أن يختار منهما لأنه أسلم وتحته
أختان، وإن أسلم هو قبلها لم يكن له أن يتزوج أختها في عدتها ولا أربعاً
سواها فإن فعل لم يصح النكاح الثاني فإذا أسلمت الاولى في عدتها فنكاحها
لازم لأنها انفردت به (فصل) وإذا تزوج أختين فدخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه
فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة الأخرى لئلا يكون واطئا لاحد
الأختين في عدة الأخرى وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع قد دخل بهن
فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من
المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لأكثر من أربع، فإن كن
خمسا ففارق احداهن فله وطئ ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي
عدة المفارقة، وإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطئ اثنتين من المختارات وإن كن
سبعا ففارق ثلاثا فله وطئ واحدة من المختارات ولا يطأ الباقيات حتى تنقضي
عدة المفارقات فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطئ واحدة من
المختارات هذا قياس المذهب
(7/613)
(فصل) وان تزوج أختين في حال كفره فأسلم
وأسلمتا معاً قبل الدخول فاختار إحداهما فلا مهر للأخرى لأنا تبينا أن
الفرقة وقعت بإسلامهم جميعا فلا تستحق مهراً كما لو فسخ النكاح لعيب في
إحداهما ولأنه نكاح لا يقر عليه في الإسلام فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها
كما لو تزوج المجوسي أخته
ثم أسلما قبل الدخول وهذا الحكم فيما زاد على الأربع إذا أسلموا جميعا قبل
الدخول فاختار أربعا وانفسخ نكاح البواقى فلامهر لهن فيما ذكرنا والله أعلم
(مسألة) (وإن كانتا أما وبنتا لم يدخل بالأم انفسخ نكاحها، وإن كان دخل
بالأم فسد نكاحهما) أما إذا كان إسلامهم جميعاً قبل الدخول فإنه يفسد نكاح
الأم ويثبت نكاح البنت وهذا أحد قولي الشافعي واختيار المزني، وقال في
الآخر يختار أيتهما شاء لأن عقد الشرك إنما يثبت له حكم الصحة إذا ضم إليه
الاختيار فإذا اختار الأم فكأنه لم يعقد على البنت ولنا قول الله تعالى
(وأمهات نسائكم) وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية ولأنها أم زوجته فتحرم
عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه، ولأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها
حرمت عليه أمها إذا أسلم فإذا لم يطلقها ويمسك بنكاحها أولى، وقولهم إنما
يصح العقد بانضمام الاختيار إليه غير صحيح فإن أنكحة الكفار صحيحة تثبت لها
أحكام الصحة وكذلك لو انفردت كان نكاحها صحيحا لازما من غير اختيار ولهذا
فوض إليه الاختيار ههنا ولا يصح إن يختار من ليس نكاحها صحيحاً وإنما اختصت
الام بفساد نكاحها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأبيد فلم يكن
له اختيارها والبنت لا تحرم قبل الدخول بأمها فتعين النكاح في أمها بخلاف
الأختين (فصل) فإن كان دخل بالأم أو بهما حرم نكاحهما على التأبيد الأم
لأنها أم زوجته والبنت لأنها ربيبة مدخول بأمها.
قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم وهو قول الحسن
(7/614)
وعمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك وأهل
الحجاز والثوري وأهل العراق والشافعي ومن تبعهم فإن دخل بالبنت وحدها ثبت
نكاحها وفسد نكاح أمها كما لو لم يدخل بهما، فإن لم يسلم معه إلا إحداهما
كان الحكم كما لو أسلمتا معه معا، فإن كانت المسلمة هي الأم فهي محرمة عليه
على كل حال، وإن كانت البنت ولم يكن دخل بأمها ثبت نكاحها وإن كان دخل بها
فهي محرمة على التأبيد، وإن كان قد وطئ إحداهما حرمت الأخرى على التأبيد
ولم تحرم الموطؤة، وإن لم يكن وطئ واحدة منهما فله وطئ أيتهما شاء فإذا
وطئها حرمت الأخرى على التأبيد والله أعلم
(فصل) وإذا أسلم عبد وتحته زوجتان قد دخل بهما وأسلمتا في العدة فهما
زوجتاه وإن كن أكثر اختار منهم اثنتين لأنه حكم العبد فيما زاد على الأربع،
فإذا أسلم وتحته زوجتان معه أو في عدتهما لزم نكاحه حرتين كانا أو أمتين أو
حرة وأمة لأن له الجمع بينهما في ابتداء نكاحه فكذلك في اختياره وإن كن
أكثر اختار منهم اثنتين بناء على ما مضى في الحر فلو كان تحته حرتان وأمتان
فله أن يختار الحرتين أو الأمتين أو حرة أو أمة وليس للحرة إذا أسلمت معه
الخيار في فراقه لأنها رضيت بنكاحه وهو عبد ولم يتجدد رقه بالإسلام ولا
تجددت حريتها بذلك فلم يكن له اختيار كما لو تزوجت معيباً تعلم عيبه ثم
أسلما.
وذكر القاضي وجها أن لها الخيار لأن الرق عيب تجددت أحكامه بالإسلام فكأنه
عيب حادث والأول أصح فإن الرق لم يزل عيباً ونقصا عن العقلاء ولم يتجدد
نقصه بالإسلام فهو كسائر العيوب (فصل ولو أسلم وتحته أربع حرائر فأعتق ثم
أسلمن في عدتهن أو أسلمن قبله ثم أعتق ثم أسلم ثبت نكاح الأربع لأنه ممن
يجوز له الأربع في وقت اجتماع اسلامهم لأنه حر، فأما إن أسلموا كلهم ثم
أعتق قبل أن يختار لم يكن له أن يختار الاثنين لأنه كان عبداً حين ثبت له
الاختيار وهو حال اجتماعهم على الإسلام فتغير حاله بعد ذلك لا يغير الحكم
كمن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه ثم أيسر ولو أسلم معه اثنتان ثم أعتق ثم
أسلم الباقيتان لم يختر إلا اثنتين لأنه ثبت له الاختيار بإسلام الأوليين
(فصل) فإن تزوج أربعاً من الإماء فأسلمن وأعتقن قبل إسلامه فلهن فسخ النكاح
لأنهن عتقن
(7/615)
تحت عبد وإنما ملكن الفسخ وإن كن جاريات
إلى بينونة لأنه قد يسلم فيقطع جريانهن إلى البينونة فإذا فسخن ولم يسلم
الزوج بن بالاختلاف الدين من حين أسلمن وتبين أن الفسخ لم يصح، وإن أسلم في
العدة بن بفسخ النكاح وعليهن عدة الحرائر في الموضعين لأنهن ههنا وجبت
عليهن العدة وهن حرائر وفي التي قبلها عتقن في أثناء العدة التي يمكن لزوج
تلافي النكاح فيها فأشبهن الرجعية فإن أخرن الفسخ حتى اسلم لزوج فهن
كالرجعية إذا عتقت وأخرت لنفسخ لأن تركهن الفسخ اعتماد على جريانهن إلى
البينونة فلم يضتم الرضا بالنكاح، ولو أسلم قبلهن ثم أعتقن فاخترن الفسخ صح
لأنهن إماء عتقن
تحت عبد وهذا ظاهر مذهب الشافعي.
وقال بعضهم لا خيار لهن لأنه لا حاجة بهن إلى الفسخ لكون يحصل بإقامتهن على
الشرك بخلاف التي قبلها وليس بصحيح فإن السبب متحقق وقد يبدو لهن الإسلام
وهو واجب عليهن، فإن قيل فإذا أسلمن اخترن الفسخ قلنا يتضررن بطول العدة
فإن ابتداءها من حين الفسخ ولذلك ملكن الفسخ فيما إذا أسلمن وعتقن قبله،
فأما إن اخترن المقام وقلن قد رضينا الزوج فذكر القاضي أنه يسقط خيارهن
لأنها حالة صح فيها اختيار الفسخ فصح فيها اختيار الإقامة كحال اجتماعهم
على الإسلام.
وقال أصحاب الشافعي لا يسقط اختيارهن لأن اختيارهن للإقامة ضد الحالة التي
هي عليها وهي جريانهن إلى البيونة فأشبه ما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج
حال ردتها وهذا يبطل بما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثم عتقت
فاختارت زوجها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (فإن أسلم وتحته إماء فأسلمن
معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن تحل له الإماء فله الاختيار منهم
وإلا فسد نكاحهن إذا ان في حال اجتماعهم على الإسلام عادماً للطول خائفا
فله أن يختار منهن واحدة فإن
(7/616)
كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في
إحدى الروايتين والأخرى لا يختار إلا واحدة وهو مذهب الشافعي وتوجيههما قد
مضى ذكره وإن عدم فيه الشرطان انفسخ النكاح في الكل ولم يكن له خيار وبهذا
قال الشافعي وقال أبو ثور له أن يختار منهن لأنه استدامة للعقد لا ابتداء
له بدليل أنه لا يشرتط شروط العقد أشبه الرجعية ولنا أن هذه امرأة لا يجوز
ابتداء العقد عليها حال الإسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة من غيره وذوات
محارمه، وأما الرجعة فهي قطع جريان النكاح إلى البينونة وهذا إثبات النكاح
في امرأة فإن كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك وقال أبو
بكر لا يجوز له ههنا اختيار بل بين بمجرد إسلامه لئلا يفضي إلى استدامة
نكاح مسلم في أمة كافرة ولنا أن إسلامهن في العدة كإسلامهن معه وإن لم
يسلمن إلا بعد العدة انفسخ نكاحهن إن كن كتابيات لأنه لا يجوز استدامة
النكاح في أمة كتابية
(مسألة) (فإن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن لأن
شرائط النكاح تعتبر في وقت الاختيار) وإن أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر
فليس له الاختيار لذلك وإن أسلمت إحداهن وهو موسر ثم أسلم البواقي بعد
إعساره لم يكن له أن يختار منهن شيئاً لان وقت الاختيار دخل بإسلام الأولى
ألا ترى أنه إذا كان معسر كان له اختيارها فإذا كان موسراً ابطل اختياره،
وإن أسلمت الأولى وهو معسر فلم يسلم البواقي حتى أيسر لزم نكاح الأولى ولم
يكن له الاختيار من البواقي لأن الأولى اجتمعت معه في حال يجوز ابتداء
نكاحها بخلاف البواقي، ولو أسلم وأسلمن معه وهو معسر فلم يختر حتى أيسر كان
أن يختار لأن ثبوت حال الاختيار كان له ذلك فتغير حاله لا يسقط ما ثبت كما
لو تزوج أو اختار ثم أيسر لم يحرم عليه استدامة النكاح
(7/617)
(مسألة) (وإن أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم
أسلم البواقي فله الاختيار منهن لأن العبرة بحالة الاختيار وهي حالة
اجتماعهم على الإسلام وحالة اجتماعهما على الإسلام كانت أمة، وإن عتقت
إحداهن ثم أسلمت ثم أسلم البواقي لم يكن له أن يختار من الإماء لأنه ملك
لعصمة حرة حين اجتماعهما على الإسلام (فصل) فان أسلم وأسلمت معه واحدة منهن
وهو ممن يجوز له نكاح الإماء فله أن يختار من أسلمت معه لأن له أن يختارها
لو أسلمن كلهن فكذلك إذا أسلمت وحدها وإن أحب انتظار البواقي جاز لأن له
غرضا صحيحاً وهو أن يكون عنده من هي أبر عنده من هذه فإن انتظرهن فلم يسمن
حتى انقضت عدتهن تبين أن نكاح هذه كان لازماً وبن البواقي منذ اختلف
الدينان وإن أسلمن في العدة اختار منهن واحدة وانفسخ نكاح الباقيات من حين
الاختيار وعددهن من حين الاختيار، وإن أسلم بعض دون بعض بن الللاتي لم
يسلمن منذ اختلف الدينان والبواقي من حين اختياره، وإن اختار التي أسلمت
معه حين أسلمت انقطعت عصمة البواقي وثبت نكاحها، فإن أسلم البواقي في عدة
تبين أنهن بن منه باختياره وعدتهن من حينئذ، وإن لم يسلمن بن باختلاف الدين
وعدتهن منه.
وإن
طلق التي أسلمت معه طلقت وكان اختيار لها وحكم ذلك حكم ما لو اختارها
صريحاً لأن ايقا طلاقه عليها يتضمن اختيارها، فأما إن اختار فسخ نكاحها لم
يكن له لأن الباقيات لم يسلمن معه فما زاد العدد على ماله إمساكه في هذه
الحال لا ينفسخ نكاحها.
ثم ننظر فإن لم يسلم البواقي لزمه نكاحها وإن أسلمن واختار منهن واحدة
انفسخ نكاح الاولى معهن.
فإن اختار الأولى التي فسخ نكاحها صح اختياره لها لأن فسخ لنكاحها ما صح
وفيه وجه آخر ذكره القاضي أنه لا يصح اختياره لها لأن فسخ إنما لم يصح مع
إقامة البواقي على
(7/618)
الكفر حتى تنقضي العدة لأنا تبينا أن
نكاحها كان لازماً فإذا أسلمن لحق إسلامهن بتلك الحال فصار كأنهن أسلمن في
ذلك الوقت فإذ فسخ نكاح إحداهن صح الفسخ ولم يكن له أن يختارها.
وهذا يبطل بما لو فسخ نكاح إحداهن قبل إسلامها فإنه لا يصح ولا يجعل
إسلامهن الموجود في الثاني كالموجود سابقاً كذلك ههنا.
(مسألة) (وإن أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن
انفسخ نكاحهن) إذا أسلم وتحته حرة وإماء ففيه ثلاث مسائل (إحداهن) أسلم
وأسلمن معه كلهن فانه يلزمه نكاح الحرة وبنفسخ نكاح الإماء لأنه قادر على
الحرة فلا يختار أمة.
وقال أبو ثور له أن يختار وقد مضى الكلام معه (الثانية) أسلمت الحرة معه
دون الإماء فثبت نكاحها وانقطعت عصمة الإماء فإن لم يسلمن حتى انقضت عددهن
بن باختلاف الدين وابتداء عددهن من حين أسلم، وإن أسلمن في عددهن بن من حين
إسلام الحرة وعددهن من حين إسلامها.
فإن ماتت الحرة بعد إسلامها لم يتغير الحكم بموثها لأن موتها بعد ثبوت
نكاحها وانفساخ نكاح الإماء لا يؤثر في إباحتهن (الثالثة) أسلم الإماء دون
الحرة وهو معسر فلا يخلو إما أن تنقضي عدتها قبل إسلامها فتبين باختلاف
الدين وله أن يختار من الإماء لأنه لم يقدر على الحرة أو تسلم في عدتها
فيثبت نكاحها ويبطل نكاح الإماء كما لو أسلمن دفعة واحدة ليس له أن يختار
من الإماء قبل إسلامها وانقضاء عدتها لأنا لا نعلم أنها لا تسلم فإن طلق
الحرة ثلاثاً قبل إسلامها ثم لم تسلم لم يقع الطلاق ولأنا تبينا أن النكاح
(7/619)
انفسخ باختلاف الدين وله الاختيار من
الإماء، وإن أسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتاً ووقع فيه الطلاق وبن
الاماء بثبوت نكاحها قبل الطلاق (فصل) فان أسلم وتحته إماء وحرة فأسلمن ثم
عتقن قبل إسلامها لم يكن له أن يختار منهن لأن نكاح الأمة لا يجوز لقادر
على حرة وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الاختيار وهو حالة اجتماع إسلامه
وإسلامهن ثم ينظر فإن لم تسلم الحرة فله الاختيار منهن ولا يختار إلا واحدة
اعتباراً بحالة اجتماع إسلامه وإسلامهن، وإن أسلمت في عدتها ثبت نكاحهن
وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم
تسلم فلا عبرة باختياره لأن الاختيار لا يكون موقوفاً، فأما إن عتقن قبل أن
يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الإسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات
أربعا فما دون ثبت نكاحهن وإن كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعاً
وتبطل عصمة الخامسة لأنهن صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع
إسلامه وإسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الأصليات وكما لو أعتقن قبل إسلامه
وإسلامهن وإن أسلمن قبله ثم أعتقن ثم أسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا كما لو
أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله (فصل) ولو أسلم وتحته خمس
حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لأنه لا بد
أن يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم
يسلم البواقي
(7/620)
لزمه نكاح الثانية وكذلك إن لم يسلم من
البواقي إلا اثنتان لزمه نكاح الأربع، وإن أسلم الجميع في العدة كلف أن
يختار ثلاثاً مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم
معه ثلاث كلف اختيار اثنتين، وإن أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا
معنى لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا
يجبر على الاختيار لأنه إنما يكون عند زيادة العدد على أربع وما وجد ذلك،
ولذلك لو أسلمت معه من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا
وإسلامهن، وإن أسلمت في عدتها ثبت نكاحهن وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار
واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره لأن الاختيار
لا يكون موقوفاً، فأما إن عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على
الإسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات أربعا فما دون ثبت نكاحهن وإن كن
زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعاً وتبطل عصمة الخامسة لأنهن صرن
حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع إسلامه وإسلامهن فصار حكمهن حكم
الحرائر الأصليات وكما لو أعتقن قبل إسلامه وإسلامهن وإن أسلمن قبله ثم
أعتقن ثم أسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو
أكثر على ما مر تفصيله (فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن
اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لأنه لا بد أن يلزمه نكاح واحدة
منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي
(7/621)
لزمه نكاح الثانية وكذلك إن لم يسلم من
البواقي إلا اثنتان لزمه نكاح الأربع، وإن أسلم الجميع في العدة كلف أن
يختار ثلاثاً مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم
معه ثلاث كلف اختيار اثنتين، وإن أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا
معنى لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا
يجبر على الاختيار لأنه إنما يكون عند زيادة العدد على أربع وما وجد ذلك،
ولذلك لو أسلمت معه من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا
والصحيح ههنا أنه يجبر على اختيارها لما ذكرنا من المعنى، وأما الأمة فقد
يكون له غرض في اختيار غيرها بخلاف مسئلتنا.
(مسألة) (وإن أسلم عبد وتحته اما فأسلمن معه ثم أعتق فله أن يختار منهن)
لأنه حالة اجتماعهم على الإسلام كان عبداً يجوز له الاختيار من الإماء
(مسألة) (وإن أسلم وأعتق ثم أسلمن فحكمه حكم الحر) لا يجوز أن يختار إلا
بوجود الشرطين فيه لأنه حالة اجتماعهم في الإسلام كان حرا فيشرط في حقه ما
يشترط في حق الحر (تم بحمد الله وعونه الجزء السابع..)
(7/621)
|