الشرح الكبير على متن المقنع

بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب الصداق) * وهو مشروع والأصل في مشروعية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وقال تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قال أبو عبيد يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى وقيل النحلة الهبة والصداق في معناها لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وجعل الصداق للمرأة كأنه عطية بغير عوض وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقال تعالى (فآتوهن أجورهن فريضة) وأما السنة فروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مهيم؟ " فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال " ما أصدقتها؟ " قال وزن نواة من ذهب قال " بارك الله لك أو لم ولو بشاة " متفق عليه وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.
وللصداق تسعة أسماء:

(8/2)


الصداق والصدقة والمهر والنحلة والأجر والفريضة والعلائق والعقر والحباء، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أدوا العلائق " قيل يا رسول الله وما العلائق؟ قال " ما تراضى به الأهلون " وقال عمر: لها
عقر نسائها ويقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمرتها * (مسألة) * (ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة " رواه أبو حفص بإسناده عن أبي العجفاء قال قال عمر ألا لا تغلوا صداق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصدقت امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليغلو بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه وحتى يقول كلفت لكم علق القربة، أخرجه النسائي وأبو داود مختصرا وعن أبي سلمة قال سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: اثنتا عشرة أوقية ونش فقلت ما النش؟ قالت نصف أوقية أخرجاه أيضاً والأوقية أربعون درهما * (مسألة) * (ويستحب أن لا يعرى النكاح من تسميته) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي زوجه الموهوبة " هل من شئ تصدقها؟ " قال لا أجد شيئاً قال " التمس ولو خاتما من حديد " فلم

(8/3)


يجد شيئاً فزوجه إياها بما معه من القرآن متفق عليه ولأنه أقطع للنزاع والخلاف فيه وليس ذكره شرطاً بدليل قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً امرأة ولم يسم لها مهراً * (مسألة) * (ويستحب أن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم) لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (ولا يتقدر أقله ولا أكثره بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقاً) وبهذا قال الحسن وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والاوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو داود، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال لو أصدقها سوطاً لحلت وعن سعيد بن جبير والنخعي وابن شبرمة ومالك وأبو حنيفة أنه مقدر الأقل، ثم اختلف فيه فقال مالك وأبو حنيفة أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وعن النخعي أربعون درهماً وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن
سعيد بن جبير خمسون درهما، واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا مهر أقل من عشرة دراهم " ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي زوجه " هل عندك من شئ تصدقها " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال

(8/4)


رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت نعم فأجازه.
أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يده طعاماً كانت حلالاً له " رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ عن جابر قال كنا ننكح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبضة من الطعام رواه الأثرم ولأن قول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) يدخل فيه القليل والكثير ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه كالعشرة وكالاجرة وحديثهم غير صحيح رواه ميسرة بن عبيد وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافة أو نحمله على مهر امرأة بعينها أو على الاستحباب وقياسهم لا يصح فإن النكاح استباحة الانتفاع بالجملة والقطع إتلاف عضو دون استباحته وهو عقوبة وحد وهذا عوض وقياسه على الأعواض أولى.
فأما أكثره فلا توقيت فيه بإجماع أهل العلم قاله ابن عبد البر وقد قال الله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وروي أبو حفص بإسناده أن عمر أصدق أم كلثوم بنت على أربعين ألفاً وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذه الآية (وآتيتم إحداهن قنطارا) قال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد ملء مسك ثور ذهبا وعن مجاهد سبعون ألف مثقال * (مسألة) * (كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة وخياطة ثوب ورد عبدها الآبق من موضع معين)

(8/5)


ومنافع الحر والعبد سواء فقد روى الدارقطني بإسناده قال قال رسول الله صلى الله عيله وسلم " أنكحوا
الأيامى وأدوا العلائق " قيل وما العلائق يا رسول الله قال " ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيباً من أراك " ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة منافع الحر لا يجوز أن تكون صداقاً لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولنا قول الله تعالى (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) والحديث الذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقاً كمنفعة العبد وقولهم ليست مالا ممنوع فإنها يجوز المعاوضة عنها وبها ثم إن لم تكن مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا فكذلك في النكاح.
* (مسألة) * (وإن كانت المنفعة مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح لأنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في المبيع والاجرة في الإجارة * (مسألة) * (وكل ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع كالمحرم والمعدوم والمجهول وما لا منفعة فيه ومالا يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه، وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء وما لا يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة لا يجوز أن يكون صداقاً) لأنه نقل الملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالبيع.
ويجب أن يكون له نصف يتمول عادة ويبذل

(8/6)


العوض في مثله عرفاً لأن الطلاق يعرض فيه قبل الدخول فلا يبقى للمرأة إلا نصفه فيجب أن يبقى لها مال تنتفع به وتعتبر نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه لو أصدقها عبداً جاز وإن لم تمكن قسمته (فصل) ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبه قال الشافعي وقال النخعي والثوري ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد يصح ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلا يصح كما لو أصدقها شيئاً (فصل) وإن أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم يجب مهر المثل لأن تعذر ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجرة مثل خياطته لأن المعقود عليه العمل فيه تلف فوجب الرجوع الى عوض العمل كما لو اصدقها تعليم عبدها
صناعة فمات قبل التعليم، وإن عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته وقبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه وإن لم يمكن فعليه نصف أجرة خياطته إلا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقيناً وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره وإن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لانه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقاً كخياطة ثوبها * (مسألة) * (وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين)

(8/7)


(إحداهما) لا يصح وقد نقل مهنا عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا؟ قيل له امرأة لها ضياع وأرضون لا تقدر على أن تعمرها قال لا يصلح هذا، ووجه هذه الرواية أنها ليست مالا فلا يصح أن يكون مهراً كرقبته ومنفعة البضع وهذا قول أبي حنيفة ولأن المرأة تستحق على الزوج خدمته بدليل أنه إذا لم يقم لها من يخدمها لزمه أن يتولى خدمتها فإذا كانت خدمته مستحقة لها لم يجز أن يأخذ عليها عوضاً (والثانية) يصح وهي أصح بدليل قصة موسى عليه السلام وقياساً على منفعة العبد وتأول أبو بكر رواية مهنا على ما إذا كانت الخدمة مجهولة، فإن كانت معلومة جاز وكذلك نقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب جائز لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه أشبه الأعيان وإن تزوجها على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معلوم صح لذلك وإن أصدقها الاتيان به أين كان لم يصح لأنه مجهول * (مسألة) * (وكل موضع لا تصح التسمية يجب مهر المثل فإن أصدقها مالا يجوز أن يكون صداقاً كالخمر والخنزير وتعليم التوراة والإنجيل والمعدوم والآبق والطير في الهواء، والمجهول كعبد وثوب ودار لا يفسد به النكاح في الصحيح من المذهب) وعنه يفسد اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ولنا أن فساد المسمى ليس اكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد كذلك هذا، إذا ثبت هذا فإنه

(8/8)


يجب لها مهر المثل لأنها لم ترض ببدل ولم يسلم البدل وتعذر به العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة
بخمر فتلفت عند المشتري.
* (مسألة) * (وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح صح) وكل ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه جاز وصحت التسمية لأنه يجوز أخذ الأجرة عليه فجاز صداقاً كمنافع الدار.
* (مسألة) * (وإن كان لا يحفظها لم يصح ويحتمل أن يصح ويتعلمها ويعلمها) وجملته أنه ينظر في قوله فإن قال أحصل لك تعليم هذه الصورة صح لأن هذه منفعة في ذمته لا يختص بها فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها وإن قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه معين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له، وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لأن هذا يكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال، فعلى هذا يتعلمها ثم يعلمها أو يقيم لها من يعلمها.
(فصل) فإن جاءته بغيرها فقالت علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لا المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها كما لو استأجرته لخياطة ثوب فاتته بغيره فقالت خط هذا ولأن

(8/9)


المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافاً كثيراً وقد يكون له غرض في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها فإن أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم، وقد يكون لها غرض في التعليم منه لكونه زوجها، تحل له ويحل لها، ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم من غيره قياساً لأحدهما على الآخر.
* (مسألة) * (فإن تعلمتها من غيره فعليه أجر تعليمها) وكذلك إن تعذر عليه تعليمها كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر، فإن ادعى أنه علمها فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه.
وفيه وجه آخر أنهما إن اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لأن الظاهر معه، وإن علمها السورة ثم أنسيتها فلا شئ عليه لأنه قد وفى لها بما شرط وإنما تلف الصداق بعد القبض وإن لقنها الجميع وكلما لقها شيئاً نسيته لم يعتد بذلك تعليماً لأن ذلك لا يعد تعليما في العرف
ولو جاز ذلك لأفضى إلى أنه متى أقرأها بيتاً من الشعر أو مسألة من الفقه أو آية فقرأنها بلسانها من غير حفظ كان تلقيناً، ويحتمل أن يكون ذلك تلقيناً لأنه قد لقنها وحفظها فأما ما دون الآية فليس تلقينا وجهاً واحداً.
* (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ففيه وجهان) (أحدهما) عليه نصف أجرة تعليمها لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.

(8/10)


(والثاني) يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوه بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الجميع وجهان، وإن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها رجع عليها بنصف أجر التعليم لأن الطلاق قبل الدخول وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف الرد فإن طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف الاجرة.
* (مسألة) * (وإن أصدقها تعليم شئ من القرآن معين لم يصح وعنه يصح) اختلف الرواية عن أحمد في جعل تعليم شئ من القرآن صداقا فقال في موضع أكرهه، وقال في موضع آخر لا بأس ان يتزوج الرجل المرأة على أن يعلمها سورة من القرآن أو على نعلين وهذا مذهب الشافعي، قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال واختياري أنه لا يجوز وهو مذهب مالك والليث وأبي حنيفة ومكحول واسحاق واحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال " هل عندك من شئ تصدقها؟ " فقال ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن " متفق عليه ولأنها منفعة معينه مباحة فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح

(8/11)


ولنا أن الفروج لا تستباح الا بالأموال لقوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) وقوله سبحانه (ومن لم يستطع
منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) والطول المال وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً على سورة من القرآن ثم قال " لا يكون لأحد بعدك مهراً " رواه البخاري بإسناده ولأن تعليم القرآن لا يجوز أن يقع الا قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقا كالصوم والصلاة وتعليم الإيمان، وأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه، فروى ابن عبد البر بإسناده أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم فقالت أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان؟ إن أسلمت تزوجت بك قال فاسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه، وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصاً لذلك الرجل كما روى البخاري (1) ولا تفريع على هذه الرواية، فأما على قولنا بالصحة فلابد من تعيين ما يعلمها إياه أما سورة أو سوراً أو آيات بعينها لأن السور تختلف وكذلك الآيات * (مسألة) * (ولا يحتاج إلى ذكر قراءة من وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك) لأن الأغراض تختلف فمنها صعب كقراء حمزة وسهل فاشبه تعيين الآيات ووجه الأول أن هذا اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم مقامه ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة قراءة وقد كانوا
__________
(1) كذا وتقدم في المغنى أنه النجاد

(8/12)


يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم فأشبه ما لو أصدقها قفيزاً من صبرة وللشافعي في هذا وجهان كهذين (فصل) ولو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي يصح لقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله) ولنا أن الجنب يمنع قراءة القرآن مع إيمانه واعتقاده أنه حق فالكافر أولى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم " فالتحفظ أولى أن يمنع منه فأما الآية التي احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فإن السماع غير الحفظ فإن أصدقها أو أصدق مسلمة تعليم شئ من التوراة لم يصح في المذهبين لأنه مبدل مغير ولو أصدق الكتابي الكتابية شيئاً من ذلك كان كما لو أصدقها محرماً
* (مسألة) * (وإن تزوج نساءا بمهر واحد وخالعهن بعوض واحد صح ويقسم بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين وفي الآخر يقسم بينهن بالسوية) وجملته أنه إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل أن يكون لهم ولي واحد كبنات الأعمام أو موليات لولي واحد ومن ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم فالنكاح صحيح والمهر صحيح وبهذا قال أبو حنيفة وهو أشهر قولي الشافعي والقول الثاني أن المهر فاسد ويجب مهر المثل لأن ما يجب لكل واحدة منهن من المهر غير معلوم

(8/13)


ولنا أن الغرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد وهو لا يعلم قدر كل قفيز منها.
إذا ثبت هذا فإن المهر يقسم بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي وابن حامد وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وقال أبو بكر يقسم بينهن بالسوية لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر به وكما لو اشترى جماعة ثوباً بأثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسوية وإن اختلفت رءوس أموالهم ولأن القول بالتقسيط يفضي إلى جهالة العوض لكل واحد منهن وذلك يفسده ولنا أن الصفقة اشتملت على شيئين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة كما لو باع شقصا وسيفاً أو اشترى عبدين فوجد أحدهما حراً فإنه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص فيمن تزوج على جاريتين فإذا إحداهما حرة أنه يرجع بقيمة الحرة وما ذكره من المسألة ممنوع وإن سلم فالقيمة ثم وأحدة بخلاف مسئتنا وأما الهبة والإقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسم الهبة عليها بخلاف مسئلتنا وأفضاؤه إلى جهالة لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة، ومثل هذه المسألة إذا خالع نساءه بعوض واحد فإنه يصح مع الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر مهورهن وعند أبي بكر يقسم بالسوية (فصل) فإن تزوج امرأتين بصداق واحد إحداهما ممن لا يصح العقد عليها لكونها محرمة عليه أو غير ذلك وقلنا بصحة النكاح في الاخرى فلها حصتها من المسمى وبه قال الشافعي على قول وأبو

(8/14)


يوسف وقال أبو حنيفة المسمى كله للتي يصح نكاحها لأن العقد الفاسد لا يتعلق به حكم بحال فصار كأنه تزوجها والحائط بالمسمى ولنا أنه عقد على عينين إحداهما لا يجوز العقد عليها فلزمه في الاخرى بحصتها كما لو باع عبده وأم ولده وما ذكره لا يصح فإن المرأة في مقابلة نكاحها مهر بخلاف الحائط (فصل) فإن جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط الألف عليهما على قدر صداقها وقيمة الدار وإن قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال بعتكه وقبلت النكاح صح ويسقط الألف على العبد ومهر مثلها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح البيع والمهر لإفضائه إلى الجعالة ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفرداً فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين وإن قال زوجتك ولك هذه الألف بألفين لم يصح لأنه كمدعجوة * (فصل) * قال رضي الله عنه (ويشترط أن يكون معلوما كالثمن فإن أصدقها داراً غير معينة أو دابة لم يصح) وهذا اخنيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال القاضي يصح مجهولاً ما لم تزد جهالته على مهر المثل لأن جعفر بن محمد نقل عن أحمد في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل أن يدخل

(8/15)


يقوم الخادم وسطاً على قدر ما يخدم مثلها ونحو هذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا لو تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو بغل أو حيوان من جنس معلوم أو ثوب هروي أو مروي أو ما أشبهه مما يذكر جنسه فإنه يصح ولها القسط وكذلك قفيز حنطة وعشرة أرطال زيت فإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل كثوب أو دابة أو حيوان أو على حكمها أو حكمه أو حمكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيب أو على ما اكتسبه من العام لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه وفي الأول يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أدوا العلائق ما تراضى عليه الأهلون " وهذا قد تراضوا عليه ولأنه موضع يثبت فيه
الحيوان في الذمة بدلاً عما ليس المقصود فيه المال فيثبت مطلقاً كالدية ولأن جهالة التسمية ههنا أقل من جهالة مهر المثل لأنه يعتبر بنسائها من تساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ولأنه لو تزوجهما على مهر المثل صح فههنا مع قلة الجهل أولى، ويفارق البيع فإنه لا يحتمل فيه الجهالة بحال وقال مالك يصح مجهولا لأنه ليس بأكثر من ترك ذكره وإن أصدقها عبداً مطلقاً لم يصح وهو قول أبي بكر، وقال القاضي يصح ولها الوسط وهو السندي كما لو أصدقها عبداً أو ثوباً وذكر جنسه لأن له وسطاً تعطاه المرأة.
* (مسألة) * (وإن أصدقها عبداً من عبيده لم يصح) ذكره أبو بكر وقال أبو الخطاب يصح وقد روي صحته عن أحمد ولها احدهم بالقرعة وكذلك

(8/16)


يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أو قميصاً من قمصانه أو نحوه فإنه قد روي عن أحمد في رواية مهنا فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز فإن كانوا عشرة عبيد تعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهم قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال نعم ووجه ذلك أن الجهالة في هذا يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة بخلاف ما إذا أصدقها عبداً مطلقاً فإن الجهالة تكثر ولا تصح ولنا أن الصداق عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجارة ولأن المجهول لا يصلح عوضاً في البيع فلم يصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل وأما الخبر فالمراد به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضاً بدليل سائر ما لا يصلح، وأما الدية فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا، ثم ان الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الأمرين؟ ثم ليست عقداً وإنما الواجب فيها بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي فهو كقيمة المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به؟ ثم إن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى أصح وأولى من قياسه على بدل متلف، وأما مهر المثل فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما تجب قيم المتلفات

(8/17)


وإن كانت تحتاج إلى نظر، ألا ترى أنا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق ولو باع ثوباً بعبد مطلق فأتلفه المشتري فإنا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق ثم لا نسلم أن جهالة المطلق من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل فإن العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف الا بالبكارة والثيوبة فقط فيكون إذاً معلوماً والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه لكثرة أنواع الجنس واختلافها واختلاف الأعيان في النوع الواحد، وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده فلا نظير له يقاس عليه ولا نعلم فيه نصاً يصار إليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم؟ وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه، إذا ثبت هذا فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ومن قال بصحتها أوجب الوسط من المسمى والوسط من العبيد السندي لأن الأعلى التركي والرومي والأسفل الزنجي والحبشي والوسط السندي والمنصوري.
(فصل) وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يجوز أن يكون عوضاً في البيع فإن جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها، وبهذا قال الشافعي وهو اختيار أبي الخطاب، وقال القاضي يلزمها ذلك قياساً على الابل في الدية ولنا أنها استحقت عليه عبداً بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ولأنه عبد وجب صداقا

(8/18)


فأشبه ما لو كان معيباً، وأما الدية فلا يلزمه أخذ قيمة الابل وإنما الأثمان أصل في الدية فيتخير بين أي الأصول شاء فيلزم الولي قبوله لا على طريق القيمة بخلاف مسئلتنا، ولأن الدية خارجة عن القياس فلا يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على عقود المعاوضات ثم ينتقض بالعبد المعين * (مسألة) * (وكذلك إن أصدقها عبداً مطلقاً فجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمهما قبولها) وقال القاضي يلزمهما ذلك الحاقا بالدية وقد ذكرنا الفرق بينهما وإن الصحيح خلاف قوله
(فصل) وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد فإن طلبت أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته وهذا قول الشعبي لما نذكره في الفصل الذي يليه فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبوله لما ذكرناه ولأنه يفوت عليها الغرض في عتق أبيها (فصل) فإن تزوجها على أن يشتري لها عبداً بعينه فلم يبعه سيد، أو طلب به أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال الشافعي لا تصح التسمية ولها مهر المثل لأنه جعل ملك غيره عوضاً فلم يصح كالبيع ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم ولا

(8/19)


نسلم أنه جعل ملك غيره عوضاً وإنما العوض تحصيله وتمليكها إياه، إذا ثبت هذا فإنه إن قدر عليه بثمن مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وإن جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها لأنه قدر على دفع صداقها إليها فلزمه كما لو أصدقها عبداً يملكه فإن تعذر عليه الوصول إليه لتكلفه أو غير ذلك أو طب به أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقدم فوجب قيمته كما لو تلف فإن كان الذي جعل لها مثلياً فلها مثله عند التعذر لأن المثل أقرب إليه * (مسألة) * (وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح وعنه يصح فإن فات طلاقها بموتها فلمها مهرها في قياس المذهب) ظاهر المذهب أن المسمى ههنا لا يصح ولها مهر مثلها، وهذا اختيار أبي بكر وقول الفقهاء لأن هذا ليس بمال وقد قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في صحيفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها " صحيح وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى " ولأن هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجراً في إجارة فلم يصح صداقاً كالمنافع المحرمة، فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمراً أو نحوه ويكون لها مهر المثل أو نصفه إن طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من يوجبها في التسمية الفاسدة، وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية صحيحة لأنه شرط فعل لها فيه نفع وفائدة لما يحصل لها من الراحة بطلاقها

(8/20)


من مقاسمتها وضررها والغيرة منها فصح هذا كعتق أبيها وخياطة قميصها ولهذا صح بدل العوض في طلاقها بالخلع، فعلى هذا إن لم تطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لأنه سمى لها صداقاً لم تصل إليه فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبداً فخرج حراً، ويحتمل أن لها مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له فإن جعل صداقها أن طلاق ضرتها إليها إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم تقض شيئاً رجع الأمر إليه فقد أسقطه أحمد لانه جعله لها إلى وقت فإذا مضى الوقت ولم تقض فيه شيئاً بطل تصيرفها كالوكيل وهل يسقط حقها من المهر؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يسقط لأنها تركت ما شرط لها باختيارها فسقط حقها كما لو تزوجها على عبد فأعتقه (والثاني) لا يسقط لأنها أخرت استيفاء حقها فلم يسقط كما لو أخرت قبض دراهمها، وهل يرجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى؟ يحتمل وجهين (فصل) الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص عليها أحمد قال في الرجل يتزوج المرأة على مهر فلما رآها زادها في مهرها فهو جائز، فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الصداق الأول ونصف الزيادة وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلحق الزيادة في العقد فإن زادها فهي هبة تفتقر إلى شروط الهبة، فإن طلقها بعد هبتها لم يرجع بشئ من الزيادة، قال القاضي وعن أحمد مثل

(8/21)


ذلك فإنه قال: إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا فقال الأمة زدني في مهري حتى أختارك فالزيادة للامة، ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد قال شيخنا وليس هذا دليلاً على أن الزيادة لا تلحق بالعقد فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنها تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره ولان معناه أن الملك يثبت فيها قبل وجودها وأنها تكون للسيد، وحجة الشافعي أن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد فلم يحصل بالزيادة شئ من المعقود عليه فلا يكون عوضاً في النكاح كما لو وهبها شيئاً ولأنها زيادة في عوض العقد بعد لزومه فلم تلحق به كما في البيع.
ولنا قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) ولأن ما بعد العقد زمن
لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والإجارة وقولهم أنه لا يملك شيئاً من المعقود عليه قلنا هذا يبطل بجميع الصداق فإن الملك ما حصل به ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم عندهم فإنهم قالوا مهر المفوضة إنما وجب بفرضه لا بالعقد وقد ملك البضع بدونه، ثم أنه يجوز أن يستند ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كأنه ثبت بهما جميعاً كما قالوا في مهر المفوضة إذا فرضه وكما قلنا جميعاً فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها.
إذا ثبت هذا فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنه ثبت لها حكم المسمى في العقد في أنها تنصف بالطلاق قبل الدخول ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه

(8/22)


أن الملك يثبت فيها من حين العقد ولا أنها تثبت لمن كان الصداق له لأن الملك لا يجوز تقديمه على سببه ولا وجوده في حال عدمه وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ وقال القاضي في الزيادة وجه آخر أنها تسقط بالطلاق قال شيخنا لا أعرف ذلك فإن من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق قبله وتسقط كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة ومن جعلها هبة لا تتنصف بطلاقها إلا أن تكون غير مقبوضة فإنها عدة غير لازمة فإن كان القاضي أراد ذلك فهذا وجه وإلا فلا * (مسألة) * (وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا لم تصح التسمية) ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولاً * (مسألة) * (وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى ألفين إن كانت له زوجة لم تصح التسمية) في قياس التي قبلها وكذلك إذا تزوجها على ألف إن لم يخرجها من دارها ونص أحمد على صحة التسمية في هاتين المسئلتين قال أبو بكر في الجميع روايتان (إحداهما) لا يصح وهو اختيار أبي بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم يجز كالبيع (والثانية) يصح لأن الألف معلوم وإنما جهل الثاني وهو معلوم على شرط فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق وهي جائزة والأولى أولى، والقول بأن هذا تعليق على شرط لا يصح لوجهين (أحدهما) أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال إن مات أبوك فقد زدتك إلى صداقك ألفاً لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت

(8/23)


الأب (والثاني) أن الشرط ههنا لم يتجدد في قوله إن كان لي زوجة وإن كان أبوك ميتاً ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود ليكون الألف الثاني زيادة عليه، ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد على ابطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها بأن الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسئلتين اللتين صحح التسمية فيها فان خلو المرأة من ضرة تعيرها وتقاسمها وتضيق عليها من أكبر أغراضها وكذلك اقرارها في دار لها بين أهلها وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها وثقلته عند فواته، فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الاخرى ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة وهي الصحة في المسئلتين الآخرتين والبطلان في المسألة الأولى وما جاء من المسائل الحق ما أشبهها به * (مسألة) * (وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شئ وكذلك إن قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك يعتق ولم يلزمه قيمة نفسه) لأنها اشترطت عليه شرطاً هو حق له فلم يلزمه كما لو شرطت عليه أن تهبه دنانير فيقبلها ولأن النكاح من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة، وكذلك لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك * (مسألة) * (وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح ومحله الفرقة عند أصحابنا وعند أبي الخطاب لا يصح)

(8/24)


يجوز أن يكون الصداق مؤجلاً ومعجلاً وبعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً لأنه عقد في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ومتى أطلق اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلاً إلى وقت فهو إلى أجله وإن شرطه مؤجلاً ولم يذكر أجله فقال القاضي يصح ومحله الفرقة عند أصحابنا قال أحمد إذا زوج على العاجل والآجل لا يحل إلا بموت أو بفرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد يبطل الاجل ويكون حالاً وقال إياس بن معاوية لا يحل حتى تطلق أو يخرج من مصرها أو يتزوج وعن مكحول والاوزاعي يحل إلى سنة بعد الدخول بها
واختار أبو الخطاب فساد المسمى ولها مهر المثل وهو قول الشافعي ولأنه عوض مجهول المحل ففسد كثمن المبيع ووجه الأول أن المطلق يحمل على الفرقة والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما إن جعل الأجل مدة معلومة كقدوم زيد ونحوه لم يصح للجهالة وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وقد صرفه ههنا عن العادة بذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل * (فصل) * قال رضي الله عنه (وإن أصدقها خمراً أو خنزيراً أو مالاً مغصوباً صح النكاح ووجب مهر المثل نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وحكي

(8/25)


عن أبي عبيد أن النكاح فاسد اختاره أبو بكر عبد العزيز وروى عن أحمد نحو ذلك فإنه قال في رواية المروذي إذا تزوج على غير طيب فكرهه فقلت ترى استقبال النكاح فأعجبه وحكي عن مالك أنه يثبت إذا دخل بها وإن كان قبله فسخ قالوا لأنه نكاح جعل الصداق فيه محرماً فأشبه نكاح الشغار ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحاً كان صحيحاً فوجب أن يصح وإن كان فاسداً كما لو كان مجهولاً ولأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولان فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحاً فكذلك إذا فسد وكلام أحمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه وما حكى عن مالك لا يصح وما كان فاسداً قبل الدخول فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الطلاق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فالنكاح ثابت لا نعلم فيه اختلافاً (فصل) ويجب مهر المثل في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والثوري، والشافعي وأبو ثور يبطلان التسمية ويرجع بالقيمة كلها في المسئلتين كما في تفريق الصفقة قلنا لأن القيمة بدل إنما يصار إليها عند العجز عن الأصل وههنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مستحق في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة فإنه إذا بطل العقد في الجميع صدنا إلى الثمن وليس هو بدلاً عن المبيع وإنما انفسخ العقد فرجع في رأس العقد وههنا لا ينفسخ العقد وإنما يرجع إلى قيمة الحر منهما

(8/26)


لتعذر تسليمه فلا وجه لإيجاب قيمته أما إذا كان نصفه حراً ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد وحده صداقاً ولا شئ لها سواه ولنا أنه أصدقها حراً فلم تسقط تسميته إلى غير شئ كما لو كان منفرداً * (مسألة) * وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته) وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيباً فلها رده كالمبيع المعيب ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان العيب كثيراً وإن كان يسيراً فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير إذا رد به فلها قيمته ولا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه فتجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه فإن كان الصداق مثلياً كالمكيل والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه فإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب وإن حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيباً خيرت بين أخذ أرشه ورده ورد أرش عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت فيه ذلك كالبيع، وسائر فروع الرد بالعيب ثبتت ههنا مثل ما تثبت في البيع والخلاف فيه كالبيع لما ذكرنا (فصل) فإن شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما ترد في البيع وهكذا إن دلسه تدليسا يرد به المبيع كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتضمير الماء على الرحا وأشباه ذلك فلها الرد به وإن وجدت الشاة مصراة فلها ردها وترد صاعا من تمر قياساً على البيع ونقل مهنا عن أحمد فيمن تزوج امرأة على ألف ذراع فإذا هي تسعمائة هي بالخيار إن شاءت أخذت الدار وإن شاءت أخذت قيمة ألف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها ألف ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت

(8/27)


الرد لانه شرطا شرطاً مقصوداً فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتباً فبان بخلافه، وجوز أحمد الإمساك لأن المرأة رضيت بها ناقصة ولم يجعل لها مع الإمساك أرشاً لأن ذلك ليس بعيب، ويحتمل أن لها الرجوع بقيمة بعضها أو ردها وأخذ قيمتها
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح) وجملة ذلك أنه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئاً من صداقها لنفسه وبهذا قال إسحاق.
وقد روي عن مسروق انه كما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين ثم قال للزوج جهز امرأتك، وروي ذلك علي بن الحسين، وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد يكون ذلك كله للمرأة وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لكونه عوض بضعها فيبقى مجهولا لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما قص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد ولنا قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام (إني أريد أن أنكحت إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه ولان الموالد الأخذ من مال ولده بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " وقوله " إن أولادكم من أطيب

(8/28)


كسبكم فكلوا من أموالهم " خرجه أبو داود وأخرج نحوه الترمذي وقال هذا حديث حسن، فإذا شرط لنفسه شيئاً من الصداق يكون ذلك أخذاً من مال ابنته وله ذلك قولهم هو شرط فاسد ممنوع، قال القاضي ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة شعيب عليه السلام فانه شرط الجميع لنفسه * (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بالألف الذي قبضته ولم يكن على الاب شئ مما أخذ) لأن الطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق والألفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفها وهو ألف ولم يكن على الأب شئ لأنه أخذ من مال ابنته الفا فلا يجوز الرجوع عليه به وهذا فيما إذا كان قبضها الألفين، فإن طلقها قبل قبضها سقط عن الزوج ألف وبقي عليه ألف للزوجة يأخذ الاب منها ما شاء، وقال القاضي يكون بينهما نصفين، وقال نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا النصف، وليس هذا القول على سبيل الإيجاب فإن للأب أن يأخذ ما شاء ويترك
ما شاء وإذا ملك الأخذ من غير شرط فكذلك إذا شرط (فصل) فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول يعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فيرجع في نصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ويحتمل أن يرجع عليها بنصفه ويكون ما أخذه الأب له لأننا قدرنا أن الجميع صار لها ثم أخذه الأب منها فتصير

(8/29)


كأنها قبضته ثم أخذه منها، وهكذا لو أصدقها ألفاً لها وألفاً لأبيها ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع في الألف الذي قبضه الأب عليه أو عليها؟ على وجهين * (مسألة) * (وان فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه) إذا شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ فالشرط باطلا نص عليه أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص وهو قول من سمينا في أول المسألة، وقال الشافعي يجب مهر المثل وهكذا ذكر القاضي في المجرد لأن الشرط إذا بطل احتجنا أن ترد الى الصداق ما نقصت الزوجة لأجله ولا نعرف قدره فيصير الكل مجهولا فيفسد وإن أصدقها الفين على أن تعطي أخاها ألفاً فالصداق صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها ولنا أن ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقاً لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقاً انتفت الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقاً وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك، ويشترط أن لا يكون مجحفا بمال ابنته فإن كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها كما لو إشترطه سائر الأولياء ذكره القاضي في المجرد * (مسألة) * (وللأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها وإن كرهت)

(8/30)


وجملة ذلك أن للاب تزويج المتعة بدون صداق مثلها بكراً كانت أو ثيباً صغيرة او كبيرة وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي ليس له ذلك فإن فعله فلها مهر مثلها لأنه عقد معاوضة فلم يجز أن ينقص فيه عن قيمة المعوض كالبيع ولأنه تفريط في مالها وليس له ذلك
ولنا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال ألا لا نقالوا في صداق النسا فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه ولا أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق المثل، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو من أشرف قريش شرفاً وعلماً وديناً، ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والأزواج ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها ويحسن عشرتها، والظاهر من الأب مع تمام شفقته وبلوغ نظره أنه لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود بتفويت غيره، ويفارق سائر عقود المعاوضات فإن المقصود فيها العوض فلم يجز تفويته * (مسألة) * (وان فعل ذلك غيره بأختها صح) ولم يكن لغيره الاعتراض إذا كانت رشيدة لأن الحق لها وقد أسقطته فأشبه ما لو أذنت في بيع

(8/31)


سلعة لها بدون ثمن مثلها، وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه فوجب مهر المثل والنكاح صحيح لأن فساد التسمية وعدمها لا يؤثر في النكاح (فصل) وتمام المهر على لزوج لأن التسمية فاسدة ههنا لكونها غير مأذون فيها شرعاً فوجب على الزوج مهر المثل كما لو زوجها لمحرم وعلى الولي ضمائه لأنه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها بدون ثمن مثله، قال أحمد أخاف أن يكون ضامناً وليس الأب مثل الولي، ويحتمل أن لا يلزم الزوج إلا المسمى والباقي على الولي كالوكيل في البيع * (مسألة) * (وإن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن) وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى لأن العوض له فكان المعوض عليه كالكبير وكثمن المبيع * (مسألة) * (فإن كان معسراً فهل يضمنه الأب؟ يحتمل وجهين) ذكر شيخنا في كتاب المغني فيه روايتين مطلقاً (إحداهما) يضمنه نص عليه أحمد فقال تزويج الأب لابنه الطفل جائز ويضمن الأب المهر لأنه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان والاخرى
لا يضمنه لأنه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه وكالوكيل قال القاضي وهذا أصح.
قال القاضي إنما الروايتان فيما إذا كان الابن معسرا.
أما الموسر فلا يضمنه الأب رواية

(8/32)


واحدة، فإن طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان ذلك بعد دفع الأب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه فأشبه ما لو وهبه الأب أجنبياً ثم وهبه الأجنبي للابن، ويحتمل أن يرجع فيه لانه تبرع عن أبيه فلم يستقر الملك حتى استرجعه الابن وكذلك الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في نصفه بالطلاق * (مسألة) * (وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها) لأنه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها، ولا يقبض صداق الثيب الكبيرة إلا بإذنها إذا كانت رشيدة لأنها المتصرفة في مالها فاعتبر اذنها في قبضه كثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة روايتان (أصحهما) أنه لا يقبضه إلا بإذنها إذا كانت رشيدة كالثيب (والثانية) له قبضه بغير إذنها لانه العادة ولانه يملك إجبارها على النكاح أشبهت الصغيرة وهو قول أبي حنيفة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح بغير خلاف نعلمه والمهر على سيده وكذلك النفقة ضمنها أو لم يضمنها وسواء كان مأذوناً له فط التجارة أو محجوراً عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال نفقته من ضريبته، وقال إن كانت نفقته بقدر ضريبته أنفق عليها ولا يعطى الولي وإن لم يكن عنده ما ينفق فرق بينهما وهذا

(8/33)


قول الشافعي لأنه لا يخلو إما أن يتعلق برقبة العبد أو بذمته أو كسبه أو ذمة السيد لا جائزاً أن يتعلق بذمة العبد يتبع به بعد العتق لأنه يستحق العوض في الحال معجلاً فلا يجوز تأخير العوض ولا جائز أن يتعلق برقبته لأنه وجب برضاء سيده أشبه ما لو اقترض برضائه ولا جائزاً أن يتعلق بذمة السيد لأنه إنما يتعلق بذمته ما ضمنه عن عبده ولم يضمن عنه المهر والنفقة ثبت تعلقه بكسبه ضرورة، وفائدة
الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للسيد الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب، ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إذا لم يكن له كسب وليس لسيده منعه من التكسب ولنا أنه حق تعلق بالعقد برضاء سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو أرهنه بدين، فعلى هذا أو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش جنايته فأما النفقة فانها تجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا عتق * (مسألة) * (وإن تزوج بغير إذن سيده لم يصح النكاح) أجمع العلماء على أن العبد ليس له أن ينكح بغير إذن السيد فإن فعل لم ينفذ نكاحه في قول الجميع قال إبن المنذر أجمعو على أن نكاحه باطل قال شيخنا الصواب ما قلنا إن شاء الله تعالى فإنهم اختلفوا في صحته فعن أحمد في ذلك روايتان (أظهرهما) إنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر رضي الله عنهما وبه قال شريح وهو قول الشافعي، وعن أحمد أنه موقوف على إجازة السيد فإن أجازه وإلا بطل وهو قول أصحاب الرأي لأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية

(8/34)


ولنا ما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر " رواه الاثرم والترمذي وقال حسن وأبو داود وابن ماجة وروى الخلال بإسناده عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان قال أحمد ذكرت هذا الحديث لأبي عبد الله فقال هذا حديث منكر رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عمر موقوفاً من قوله ولأنه عقد فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود * (مسألة) * (فإن فارقها قبل الدخول فلا شئ عليه) لأنه عقد باطل فلا يوجب بمجرده شيئاً كالبيع الباطل وهكذا سائر الانكحة الفاسدة لا توجب بمجردها شيئاً فإن أصابها وجب لها المهر في الصحيح من المذهب رواه عن أحمد جماعة وروى عنه حنبل أنه لا مهر لها إذا تزوج العبد بغير إذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون موافقا لرواية
الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر ورواه الأثرم عن نافع قال كان إذا تزوج مملوك لابن عمر جلده الحد وقال للمرأة انك أبحت فرجك وأبطل صداقها ووجهه انه وطئ امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطاوعة على الزنا قال القاضي هذا إذا كانا عالمين بالتحريم فأما أن جهلت المرأة ذلك فلها المهر لأنه لا ينقص عن وطئ الشبهة ويمكن حمل هذه الرواية على انه لا مهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد يتعلق به بعد العتق وهو قول الشافعي الجديد

(8/35)


لأن هذا حق لزم رضاء من له حق فكان محله الذمة كالدين والصحيح أن المهر واجب لقوله عليه الصلاة والسلام " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها " وهذا قد استحل فرجها فيكون مهرها عليه لأنه استوفى منافع البضع باسم النكاح فكان المهر واجباً كسائر الانكحة الفاسدة (فصل) ويتعلق المهر برقبته يباع فيه إلا أن يفديه السيد ويحتمل أن يتعلق بذمة العبد وقد ذكرناه وهذا أظهر لأن الوطئ اجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن المولى ولذلك وجب المهر ههنا وفي سائر الانكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شئ لانه برضي المستحق (فصل) والواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لانه وطئ يوجب المهر فأوجب مهر المثل بكماله كالنكاح بلا ولي وسائر الانكحة الفاسدة وعنه يجب خمساً المسمى اختارها الخرقي وعنه رواية ثالثة انها ان علمت انه عبد فلها خمسا المهر وإن لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد ووجه قول الخرقي ما روى الإمام أحمد بإسناده عن خلاس إن غلاماً لأبي موسى تزوج بمولاة تيحان اليتمي بغير إذن مولاه فكتب أبو موسى في ذلك إلى عثمان بن عفان فكتب اليه إن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولأن المهر أحد موجبي الوطئ فجاز أن ينقص العبد فيه عن الحر كالحد والواجب خمسا المسمى لانه صار فيه إلى قصة عثمان وظاهرها انه أوجب خمسي المسمى ولهذا

(8/36)


قال كان صداقها خمسة أبعرة ولأنه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه كسائر قيم المتلفات وإلا وجبت القيمة
وهي الأثمان دون الأبعرة ويحتمل أن يجب خمساً مهر المثل لأنه عوض عن جناية فكان المرجع فيه الى قيمة المحل كسائر أروش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل (فصل) فإن كان الواجب زائداً على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لأن الواجب عليه ما يقابل قيمة العبد بدليل أنه لو سلم العبد لم يلزمه شئ فإذا أعطى القيمة فقد أعطى ما يقابل الرقبة فلم تلزمه زيادة عليه وإن كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه أرش الجناية فلا يجب عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه الى السيد وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع (فصل) وإن إذن السيد لعبده في التزويج بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وإن أذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحاً فاسداً فكذلك لأنه غير مأذون له فيه وإن أذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحاً فاسداً احتمل أن يكون كذلك لأن الاذن في النكاح لا يتناول الفاسد واحتمل أن يتناوله إذنه لأن اللفظ بإطلاقه يتناوله وإن أذن له في نكاح فاسد وحصلت الإصابة فالمهر على سيدة لأنه بإذنه والله أعلم * (مسألة) * (وإن زوج السيد عبده أمته لم يحب مهر ذكره أبو بكر والقاضي)

(8/37)


لا يجب للسيد على عبده مال وقيل يجب الصداق على السيد ثم يسقط قاله أبو الخطاب قال يجب المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى كيلا يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر اثباته وقال أبو عبد الله إذا زوج عبده من أمته فأحب أن يكون بمهر وشهود، قيل فإن طلقها؟ قال يكون الصداق عليه إذا أعتق قيل فإن زوجها منه بغير مهر؟ قال قد اختلفوا فيه فذهب جابر الى أنه جائز لأن النكاح لا يخلو من مهر ولا يثبت للسيد على عبده مال فسقط * (مسألة) * (وإن زوج عبده حرة ثم باعها أياه بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول الى ثمنه) إذا اشترت الحرة زوجها أو ملكته انفسخ النكاح لأن ملك النكاح واليمين يتنافيان لاستحالة كون الشخص مالكاً لمالكه ولأن المرأة تقول أنفق علي لأني امرأتك وأنا اسافر بك لأنك عندي ويقول
هو أنفقي علي لأني عبدك وأنا اسافر بك لانك امرأتي فيتنافا ذلك فثبت أقواهما وهو ملك اليمين وينفسخ النكاح ذنه أضعفهما ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول وعليها الثمن فإن كانا دينين من جنس تقاضا وتساقطا إن كانا متساويين وإن تفاضلا سقط الأقل منهما بمثله وبقي الفاضل وإن اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه الى صاحبه وقال الشافعي في أحد قوليه يسقط مهرها لأنه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز أن يثبت لها دين في ذمة عبدها كما لو اتلف

(8/38)


لها مالاً وهذا بناء منهم على أن المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا أنه يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد في اسقاطه وذكر القاضي وجها أنه يسقط لان ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد فإذا سقط من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعاً كالدين الذي على الضامن إذا سقط من ذمة المضمون عنه ولا يعرف هذا في المذهب ولأنه ثبت في الذمتين جيعا احداهما تبع للاخرى بل المذهب أنه لا يسقط بعد الدخول حال فأما إن كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل الدخول بها وفي سقوط باقيه وجهان (أحدهما) لا يسقط لأن زوال الملك إنما هو بفعل البائع فالفسخ إذاً من جهته فلم يسقط جميع المهر (والثاني) يسقط لأن الفسخ إنما تم بشراء المرأة فأشبه الفسخ بالعيب في أحدهما وفسخها لاعساره وشراء الرجل امرأته فإن قلنا لا يسقط جميعه فالحكم في النصف الباقي كالحكم في جميعه إذا فسخ النكاح بعد الدخول على ما ذكرنا (فصل) فإن باعها إياه بالصداق صح نص عليه وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه إن قلنا يسقط نصفه أو بجميعة إن قلنا يسقط جميعه ويحتمل أن لا يصح قبل الدخول لكون انفساخ النكاح جاء من قبلها فيبقى الشراء بغير عوض فلا يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن ثبوت البيع يقتضي نفيه فإن صحة البيع تقتضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لأنه عوض ولا يصح بغير عوض ووجهه الأول أنه يجوز أن يكون ثمناً لغير هذا العبد فجاز أن يكون ثمنا له كغيره من الديون وما سقط منه رجع عليها به

(8/39)


(فصل) قال رضي الله عنه وتملك المرأة الصداق المسمى بالعقد هذا قول عامة أهل العلم وحكي عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وعن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار، وأما الفقهاء اليوم فعلى انها تملكه وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك " دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شئ ولأنه عقد يملك به العوض بالعقد فملك فيه العوض كاملاً كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه * (مسألة) * فإن كان معيناً كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه متصلاً كان النماء أو منفصلاً وعليها زكاته إذا حال عليها الحول نص عليه أحمد وإن تلف فهو من ضمانها، ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها لأنها قد ملكته أشبه ما لو ملكته بالبيع إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه لأنه بمنزلة الغاصب فإن زاد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه ويكون الخيار بين أخذ نصفه ناقصاً وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم العقد الى حين القبض لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه إلا أن تكون الزيادة لتغير السعر فقد ذكرناه في الغصب وعن أحمد فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه.
إن كانت قد قبضته فهو لها وإن لم تقبضه فهو على الزوج هكذا نقله مهنا فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من

(8/40)


ضمان الزوج بكل حال سواء كان معينا أو لم يكن كغير المعين وهو مذهب الشافعي.
* (مسألة) * (فإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم تملك التصرف فيه إلا بقبضه كالبيع) وجملة ذلك أن حكم الصداق حكم البيع في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه ما كان معينا فلها التصرف فيه وما لم يكن معينا كقفيز من صبرة ورطل من زيت لم تملك التصرف فيه حتى تقبضه كالبيع وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شئ من قبل قبضه وهذا مذهب
الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع وذكر القاضي في موضع آخر أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث، وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف وقياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها إن تلف أو نقص وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج إلا أن يمنعها من قبضه فيكون من ضمان الزوج بكل حال كالغاصب وقد ذكرنا ما رواه مهنا عن أحمد في العبد إذا فقئت عينه ان ضمانه على الزوج ما لم تكن قبضته وهذا كمذهب الشافعي

(8/41)


(فصل) وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن لم يكن مثلياً، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي في القديم وقال في الجديد يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع الى المعوض فإذا تعذر رده رجع إلى قيمته كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه ولنا أن كل عين وجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب إستحقاقها فالواجب بدلها كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فإن المبيع انفسخ وزال سبب الاستحقاق فإذا ثبت هذا فإن التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال (أحدها) أن يتلف بفعلها فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه (الثاني) تلف بفعل الزوج فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه لها بما ذكرناه (الثالث) أتلفه أجنبي فلها الخيار بين الرجوع على الأجنبي بضمانه وبين الرجوع على الزوج ويرجع الزوج على الأجنبي (الرابع) تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرنا من التفصيل في صدر المسألة * (مسألة) * (فإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه إن كان باقيا) لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وليس في هذا اختلاف بحمد الله ويدخل في ملكه حكماً كالميراث هذا قياس المذهب ولا يفتقر إلى

(8/42)


اختياره وإرادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا إنه لا يدخل في ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالوجهين فعلى هذا ما ينمى قبل ذلك فهو لها وعلى القول الآخر يكون بينهما نصفين ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) أي لكم أولهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له بمجرد الطلاق ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره كالإرث ولأنه سبب لنقل الملك فيه فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك فيها الأخذ ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير ارادة واختيار وقبل الأخذ ما وجد السبب وإنما استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض الى اختياره فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للأخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك حكم لهما وثبوت أحكام الاسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا إرادته (فصل) فإن زاد زيادة منفصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها وإن كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائداً وبين دفع نصف قيمته يوم العقد وجملة ذلك أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كسمن العبد وكبره وتعلمه صناعة أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فان كانت زيادة متميزة أخذت الزيادة ورجع

(8/43)


بنصف الأصل وإن كانت غير متميزة فالخيرة إليها إن شاءت دفعت إليه قيمته يوم العقد لأن الزيادة لها لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وإن شاءت دفعت إليه نصفه زائداً فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادته لا تضر ولا تتميز فإن كانت محجوراً عليها لم يكن له الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشئ لا يجب عليها * (مسألة) * (وإن كان ناقصاً خير الزوج بين أخذ نصفه ناقصاً وبين أخذ القيمة يوم العقد) إذا نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها وقد ذكرناه مفصلاً ولا يخلو من أن يكون النقص متميزاً أو غير متميز فإن كان متميزاً كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة
التالف أو مثل نصف التالف إن كان من ذوات الأمثال وإن لم يكن متميزاً كأن شاب فصار شيخاً فنقصت قيمته أو نسي صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار الى الزوج إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وإن شاء رجع بنصفه ناقصاً فتجبر المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ نصف حقه ناقصاً فإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا لم يكن له ذلك في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء، وقال القاضي القياس أن له ذلك كالمبيع يمسكه ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن الزيادة غير المتميزة تابعة للعين فللزوج الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق

(8/44)


ولنا أنها زيادة حديث في ملكها فلم تتنصف بالطلاق كالمميزة فأما زيادة السوق فليست ملكها وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو حادث بعدها ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع الى نصف بدلها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سميناً فلم يكن له أخذه والمبيع تعلق حقه بعينه فتبعه سمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل أن يتعلم صناعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الامتناع والرجوع الى القيمة فإن اتفقا على نصف العين جاز وإن امتنعت المرأة من بذلها فلها ذلك لأجل الزيادة وان امتنع هو من الرجوع في نصفها فله ذلك لأجل النقص وإذا امتنع أحدهما رجع في نصف قيمتها (فصل) فإن أصدقها شقصاً وقلنا للشفيع أحذه فأخذه ثم طلق الزوج رجع في نصف قيمته لزوال ملكها عنه فإن طلقها قبل الأخذ بالشفعة فطالب الشفيع قدم حقه في أحد الوجهين لأن حقه أسبق فإنه يثبت بالنكاح وحق الزوج ثابت بالطلاق ولان الزوج يرجع الى بدل وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل فإلى غير بدل (والثاني) يقدم الزوج لأن حقه ثبت بنص القرآن والإجماع فكان آكد وحق الشفيع مختلف فيه فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع * (مسألة) * (وإن كان تالفاً أو مستحقاً بدين أو شفعة فله نصف القيمة يوم العقد إلا أن يكون
مثلياً فيرجع بنصف مثله)

(8/45)


وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد الى يوم القبض، قال شيخنا: هذا مبني على أن الصداق لا يدخل في ضمان المرأة إلا بقبضه وإن كان معيناً كالمبيع في رواية فعلى هذا إن كانت القيمة وقت العقد أقل لم يلزمها إلا نصفها لأن الزيادة بعد العقد لها لأنها نماء ملكها فأشبهت الزيادة بعد القبض وإن كانت القيمة وقت القبض أقل لم يلزمها أكثر من نصفها لأن ما نقص من القيمة من ضمانه تلزمه غرامته لها فكيف يجب له عليها؟ (فصل) فإن أصدقها نخلا حائلاً فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها يوم العقد وليس له الرجوع في نصفها لانها زادت زيادة متصلة فهي كسمن الجارية وسواء كان الطلع مؤبراً أو غير مؤبر لأنه متصل بالأصل لا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة فإن بذلت له المرأة الرجوع فيها مع طلعها لزمه ذلك لأنها زيادة متصلة لا يجب فصلها، وإن قال اقطعي ثمرتك حتى أرجع في نصف الأصل لم يلزمها لأن العرف في هذه الثمرة أنها لا تؤخذ إلا بالجذاذ بدليل البيع ولأن حق الزوج انتقل الى القيمة فلم يعد الى العين إلا برضاهما فإن قالت المرأة اترك الرجوع حتى آخذ ثمرتي وترجع في نصف الأصل وأرجع في نصف الأصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج أنا أصبر حتى إذا أخذت ثمرتك رجعت في الأصل، أو قال أنا أرجع في الأصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك لم يلزم

(8/46)


أحدهما قبول قول الآخر لأن الحق انتقل الى القيمة فلم يعد الى العين إلا بتراضيهما ويحتمل أن يلزمها قبول ما عرض عليها لأن الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها وكما لو وجد العين ناقصة فرضي بها، وإن تراضيا على شئ من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر كالحكم في النخل واخراج النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤبر.
(فصل) فإن كانت أرضا فحرثتها فتلك زيادة محضة إن بذلتها له بزيادة لزمه قبولها كالزيادات المتصلة كلها وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها، وإن زرعتها فحكمها حكم النخل إذا طلع إلا في موضع واحد
وهو أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله بخلاف الطلع مع النخل والفرق بينهما من وجهين: (أحدهما) أن الثمرة لا تنقص بها الشجرة، والأرض تنقص بالزرع وتضعف.
(الثاني) أن الثمرة متولدة من الشجر فهي تابعة له، والزرع ملكها أودعته في الأرض فلم يجبر على قبوله.
وقال القاضي يجبر على قبوله كالطلع سواء، وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق.
ومسائل الغراس كمسائل الزرع فإن طلقها بعد الحصاد ولم تكن الأرض زادت ولا نقصت رجع في نصفها وإن نقصت الزرع أو زادت به رجع في نصف قيمتها إلا أن يرضي بأخذها ناقصة أو ترضى هي ببذلها زائدة.
(فصل) فإن أصدقها خشباً فشقته أبواباً فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا يلزمه قبول نصفه لأنه نقص من وجه فإنه لم يبق مستعداً لما كان يصلح له من التسقيف وغيره، وإن

(8/47)


أصدقها ذهباً أو فضة فصاغته حلياً فزادت قيمته فلها منعه من نصفه، وإن بذلت له النصف لزمه القبول لأن الذهب لا ينقص بالصياغة ولا يخرج عن كونه مستعداً لما كان يصلح له قبل صياغته وإن أصدقها دنانير أو دراهم أو حلياً فكسرته ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لأنه نقص في يدها ولا يلزمها بذل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه، وإن أعادت الدراهم والدنانير الى ما كانت عليه فله الرجوع في نصفها وليس له طلب قيمتها لأنها عادت الى ما كانت عليه من غير نقص ولا زيادة فأشبه ما لو أصدقها عبداً فمرض أو برئ، وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان.
(أحدهما) له الرجوع كالدراهم إذا أعيدت (والثاني) ليس له الرجوع في نصفه لانها جددت فيه صناعة فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت فعادت الى حالتها الاولى فهل يرجع في نصفها؟ على وجهين.
* (مسألة) * (وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن بعضه؟ يحتمل وجهين) أما إن كانت منعته منه بعد طلبه فعليها الضمان لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة، وإن اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة، وفيه وجه آخر: أن عليها الضمان لأنه حصل في يدها من
من غير إذن الزوج لها في امساكه أشبهت الغاصب وهذا ظاهر قول أصحاب الشافعي قالوا لأنه

(8/48)


حصل في يدها بحكم قطع العقد فأشبه البيع إذا ارتفع العقد بالفسخ والأول أولى لما ذكرناه وأما البيع فيحتمل أن يمنع وإن سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما أو من المشتري فقد حصل منه التسبب الى جعل ملك غيره في يده، وفي مسئلتنا ليس من المرأة فعل وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير إذنها.
* (مسألة) * (وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق فعليك ضمانه وقالت بعده فالقول قولها مع يمينها) لأنه ادعى ما يوجب الضمان عليها وهي منكرة والقول قول المنكر.
(فصل) إذا خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني نصف الصداق المسمى فيه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لها جميعه لأن حكم الوطئ موجود فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه.
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولأنه طلاق من نكاح صحيح لم يمسها فيه فوجب أن يتنصف المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما ذكره غير صحيح فإن لحوق النسب لا يقف على الوطئ عنده فلا يقوم مقامه فأما إن كان لم يدخل بها في النكاح الأول فعليه نصف الصداق للنكاح الأول ونصف الصداق للنكاح الثاني بغير خلاف

(8/49)


(فصل) إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق فهذا يمنع الرجوع به وله نصف القيمة لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فإن عادت العين إليها قبل طلاقها ثم طلقها وهي في يدها بحالها فله الرجوع في نصفها لأنه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها ولا يلزم الوالد إذا وهب ولده شيئاً فخرج عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الرجوع لأنا نمنع ذلك، وإن سلمنا فإن حق الوالد سقط بخروجه عن يد الولد بكل حال بدليل أنه لا يطالبه ببدله والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع بنصف
قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في نفسه أولى، وفي معنى هذه التصرفات الرهن فإنه لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن مالا يجوز بيعه ففي الرجوع في العين إبطال حق المرتهن من الوثيقة فلم يجز، وكذلك الكتابة فإنها تراد للعتق المزيل للملك وهي عقد لازم فجرت مجرى الرهن، ويحتمل أن لا يمنع الرجوع إذا قلنا يجوز بيع المكاتب كالتدبير فإن طلق الزوج قبل اقباض الهبة أو الرهن أو في مدة الخيار في البيع ففيه وجهان (أحدهما) لا تجبر على رد نصفه إليه لأنه عقد عقدته في ملكها فلم يملك إبطاله كاللازم ولأن ملكها قد زال فلم يملك الرجوع فيما ليس بمملوك لها (والثاني) تجبر على تسليم نصفه فإنها قادرة على ذلك ولا زيادة فيها وللشافعي قولان كهذين

(8/50)


الوجهين، فأما إن طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة لم يكن له الرجوع في نصفها لأن حقه ثبت في القيمة (الثاني) تصرف غير لازم لا ينقل الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل الرجوع في نصفه ويكون وجوده بهذا التصرف كعدمه لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع كالإيداع والعارية، فأما إن دبرته فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع كالوصية، ولا يجبر على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته ولان شركة من نصفه مدبر نقص ولا يؤمن أن يرفع الى حاكم حنفي فيحكم بعتقه، وإن كانت أمة فدبرتها فإن قلنا تباع في الدين فهي كالعبد، وإن قلنا لا تباع لم يجز الرجوع في نصفها (الثالث) تصرف لازم لا يراد لازالة الملك كالإجارة والتزويج فهو نقص فيخير الزوج بين أن يرجع في نصفه ناقصاً وبين الرجوع في نصف قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة، فإن قيل فلم قلتم في الطلع الحادث في النخيل إذا قال أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك؟ قلنا الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له فلا يلزمها قبول منته بخلاف مسئلتنا ولان ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة وجذاذها وقطعها لخوف العطش أو غيره بخلاف مسئلتنا
(فصل) قد ذكرنا أن المهر إذا كان معيناً يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة

(8/51)


لها وإن نقص فعليها فإذا كانت غنماً فولدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد المرأة بها لأنه نماء ملكها وترجع في نصف الأمهات إن لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها.
وقد قال الله تعالى (فنصف ما فرضتم) فإن كانت نقصت بالولادة أو بغيرها فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصاً لأنه رضي بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يرجع في نصف الأصل وإنما يرجع في نصف القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في الأصل دون النماء لأنه موجب للعقد فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه.
ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض، وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق ليس برفع العقد ولا النماء من موجباته إنما هو من موجبات الملك، إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من ضمانه والزيادة لها فينفرد بالاولاد، وإن نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها الى يوم طلقها وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة الأمهات من المرأة لم يكن له.
وقال أبو حنيفة إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع في نصف الأولاد أيضاً لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم تعلق بالأم فسرى إلى الولد لحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق ينصف بالطلاق كالذي دخل في العقد

(8/52)


ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) وما فرض ههنا إلا الأمهات فلا يتنصف سواها ولأن الولد حدث في ملكها أشبه ما حدث في يدها، ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد يسري وحق التسليم لا سراية له فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب وإلا لم يضمنه لأنه تبع لأمه.
(فصل) والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم إذا ولدت كان الولد لها كولد
الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الأم وولدها في بعض وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع عليها في نصف قيمتها وقت من أصدقها لا غير.
(فصل) فإن كان الصداق بهيمة حائلاً فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها لأن الحمل في البهيمة لا يعد نقصا ولذلك لا يرد به المبيع، وإن كانت أمة فحملت فقد زادت من وجه لاجل ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لاجل النقص وله نصف قيمتها وإن اتفقا على تنصيفها جاز، وإن أصدقها حاملاً فولدت فقد أصدقها عينين جارية وولدها وزاد الولد في ملكها فإن طلقها فرضيت ببذل النصف في الولد والام جميعاً أجبر على قبولها لأنها زيادة غير مميزة

(8/53)


وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الأم لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الأم وفي نصف الولد وجهان (أحدهما) لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الانفصال قد زال في ملكها فلا يقوم الزوج بزيادته.
ويفارق ولد المغرور فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة ولهذا قوم بخلاف مسئلتنا (والثاني) له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة الانفصال لأنها أول حالة إمكان تقويمه وفي المسألة وجه آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث (فصل) وإن أصدقها أرضاً فبنتها داراً أو ثوباً فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها قيمة البناء والصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائداً فلا يكون لها غيره، وذكر الخرقي إنما كان له نصف القيمة لأنه قد صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فإن دفعت إليه نصف الجميع زائداً فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة وان بذل لها نصف قيمة البناء والغراس ليكون له النصف فقال الخرقي له ذلك قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لأنها لا تجبر على المعاوضة وهذه معاوضة، قال شيخنا والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء لغيره فإذا بذل القيمة
لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا أخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غراس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها (فصل) فإن أصدقها نخلا حائلاً فأثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فان جدها بعد تناهيها

(8/54)


وجعلها في ظروف وألقى عليها صفراً من صفرها وهو سيلان الرطب بغير خلع وهذا يفعله أهل الحجاز لحفظ رطوبتها لم تخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا فانه بردهما عليها ولا شئ عليه (الثاني) أن تنقص قيمتهما وذلك على ضربين (أحدهما) أن يكون بعضهما متناهيا فإنه يدفعهما إليها وأرش نقصهما له لأنه تعدى ما فعله من ذلك (الضرب الثاني) أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان (أحدهما) إنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة (الثاني) هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر بعضها وتأخذها وارشها كالمغصوب منه (الحال الثالث) أن لا تنقص قيمتها لكن ان أخرجها من ضروفها نقصت قيمتها فللزوج اخراجها وأخذ ضروفها إن كانت الضروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرنا وإن قال الزوج أنا أعطيكها مع ضروفها فقال القاضي يلزمها قبولها لان ضروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لان الضروف عين ماله فلا يلزمه قبولها كالمنفصلة عنها فإن كانت بحالها إلا أن الصفر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصفر ويرد الثمرة، والحكم فيها إن نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها، وإن قال أنا أسلمها مع الصفر والضروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له زيادة إذا

(8/55)


قالت أنا أرد الثمرة وآخذ الأصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر ليس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع وقد ذكرنا ذلك في موضعه (فصل) إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالماً بزوال ملكه وتحريم الوطئ عليه فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك وعليه المهر لسيدتها اكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها
ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع، وإن ولدت فالولد رقيق للمرأة وإن اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها أو كان عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لا حق به وعليه قيمته يوم ولادته ولا تصير أم ولد له وإن ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك له فيها وتجبر المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ قيمتها لأنه نقصها بإحبالها، وهل لها الأرش بعد ذلك؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ههنا قولان وقال بعضهم ينبغي أن يكون لها المطالبة بالأرش قولا واحدا لا النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح (فصل) وإن أصدق ذمي ذمية خمراً فتخللت في يدها ثم طلقها قبل دخوله بها احتمل أن لا يرجع عليها بشئ لأنها قد زادت في يدها بالتخليل والزيادة لها وإن أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل فلا قيمة لها وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد الى حين

(8/56)


القبض وحينئذ لا قيمة لها وإن تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه نصف مهر مثلها إذا ترافعا إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما (فصل) إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح ذكره أبو بكر لأن أكثر ما فيه أنه ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح ولا فرق بين كون الزوج موسراً أو معسراً واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال لا يصح ضمان نفقة المعسر لأن غير المعسر يتغير حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من قال لا يصح أصلاً لأنه ضمان ما لم يجب ولنا أن الجهل لا يمنع صحة الضمان بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان فكذلك هذا * (مسألة) * (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من الامر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه وعنه أنه الأب فله أن يعفوا عن نصف
صداق ابنته الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول) اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب أحمد أنه الزوج روى ذلك عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ونافع مولى

(8/57)


ابن عمر ومجاهد وأياس بن معاوية وجابر بن زيد وابن سيرين والشعبي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أباً الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا أو جداً وحكي عن ابن عباس وعلقمة والحسن وطاوس والزهري وربيعة ومالك أنه الولي لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد خرجت عن يد الزوج ولأن الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين واحداً ولأن الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة بقوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) ثم قال (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهذا خطاب غير حاضر ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولي العقدة الزوج " ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه وليس للولي منه شئ ولأن الله تعالى قال (وأن تعفوا أقرب للتقوى) ولأن المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته وإسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها كسائر الأولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر الى الغائب كقوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول ينصف المهر بينهما فان عفى الزوج لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وإن عفت المرأة عن الصف الذي لها منه وتركت

(8/58)


له جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيداً جائز الأمر في ماله فإن كان صغيراً أو سفيهاً لم يصح عفوه لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن الزوجة أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه أحمد في رواية الجماعة روى عنه ابن منصور إذا طلق وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها ما أرى عفو الأب إلا جائزاً.
قال ابو حفص ما أرى ما نقله ابن
منصور إلا قولاً لأبي عبد الله قديماً فظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة، وان أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أن لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ولا إعتاق عبيده ولا تصرفه لهم إلا بما فيه مصلحتهم ولا حظ لها في هذا الإسقاط فلا يصح، وإن قلنا برواية ابن منصور لم يصح إلا بخمس شرائط (أحدها) أن يكون أباً لأنه الذي يلي مالها ولا يتهم عليها (الثاني) ان تكون صغيرة ليكون ولياً على مالها فإن الكبيرة تلي مال نفسها (الثالث) أن تكون بكراً لتكون غير متبذلة ولأنه لا يملك تزويج الثيب وإن كانت صغيرة إلا على بعض الوجوه فلا تكون ولايته عليه تامة (الرابع) أن تكون مطلقة لأنها قبل الطلاق معرضة لاتلاف البضع (والخامس) أن يكون قبل الدخول لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف، ومذهب الشافعي على نحو هذا إلا أنه يجعل الجد كالأب (فصل) ولو ماتت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل

(8/59)


امرأته ما يفسخ نكاحها برضاع من ينفسخ نكاحها برضاعه أو رده أو بصفة كطلاق من السفيه أو رضاع من أجنبية لم ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك ولم يكن لوليه العفو عن شئ من الصداق رواية واحدة وهذا قول الشافعي، والفرق بينهم وبين الصغيرة أن وليها أكسبها المهر بتزويجها وههنا لم يكسبه شيئاً إنما رجع المهر إليه بالفرقة (فصل) إذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته إياه بعد قبضه وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح بغير خلاف علمناه لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) يعني الزوجات.
وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال أحمد في رواية المروزي ليس بشئ قال الله تعالى (فكلوه هنيئا مريئا عنى المهر تهبه المرأة للزوج، وقال علقمة لامرأته هبي لي من الهنئ المرئ يعني من صداقها وهل لها أن ترجع فيما وهبت زوجها؟ فيه روايتان عن أحمد واختلاف من أهل العلم ذكرناه فيما مضى (فصل) إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون عينا أو ديناً فإن كان
ديناً لم يخل إما أن يكون في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها بأن تكون قد قبضته وتصرفت فيه أو تلف في يدها وأيهما كان فإن للذي له الدين أن يعفو عن حقه منه بأن يقول عفوت عن حقي من الصداق أو أسقطته أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه أو وهبتكه أو أحللتك منه أو أنت منه في حل أو

(8/60)


تركته لك أي ذلك سقط به المهر وبرئ منه الآخر، وإن لم يقبله لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى قبول كإسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه ولو رد ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه، وإن أحب العفو من الصداق في ذمته لم يصح العفو لأنه إن كان في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق، وإن كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها الا النصف الذي يستحقه الزوج، وأما النصف الذي لها فهو حقها تصرفت فيه، وإنما يتجدد ملك الزوج للنصف بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غيره وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فإنه يتجدد له هبه مبتدأة، وأما إن كان الصداق عينا في يد أحدهما فعفى الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة والتمليك ولا تصح بلفظ الإبراء والإسقاط ويفتقر الى القبض فيما يشترط القبض فيه، وان عفى غير الذي هو في يده صح بهذه الألفاظ وافتقر الى مضي زمان يتأني القبض فيه إن كان الموهوب مما يفتقر الى القبض.
وفيه اختلاف ذكرناه في الهبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه وعنه لا يرجع بشئ، وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه؟ على الروايتين إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعن أحمد فيه روايتان

(8/61)


(إحداهما) يرجع عليها بنصف قيمتها اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لأنها عادت إلى الزوج بعقد مستأنف فلا يمنع استحقاقها بالطلاق كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبها لأجنبي ثم وهبها له (والرواية الثانية) لا يرجع عليها وهو قول مالك والمزني وأحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة إلا أن تزيد العين أو تنقض ثم تهبها له لأن الصداق عاد إليه فلو لم تهبه لم يرجع بشئ وعقد الهبة لا يقتضي
ضماناً ولأن نصف الصداق تعجل إليه بالهبة فإن كان الصداق دينا فأبرأته منه فإن قلنا لا يرجع ثم فههنا أولى، وإن قلنا يرجع ثم خرج ههنا وجهان (أحدهما) لا يرجع لأن الابراء إسقاط حق وليس بتمليك كتمليك الأعيان ولهذا لا يفتقر الى قبول، ولو شهد شاهدان على رجل بدين فأبرأه مستحقه ثم رجع الشاهدان لم يغرما شيئاً، ولو كان قبضه منه ثم وهبه له ثم رجع الشاهدان غرما (والثاني) يرجع لأنه عاد إليه بغير الطلاق فهو كالعين والابراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها فإن قبضت الدين منه ثم وهبته له ثم طلقها فهو كهبة العين لأنه تعين بقبضه، وقال أبو حنيفة يرجع ههنا لأن الصداق قد استوفته كله ثم تصرفت فيه فوجب الرجوع عليها كما لو وهبته أجنبيا، ويحتمل أن لا يرجع لأنه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثم وهبتها، وإن وهبته العين وأبرأته من

(8/62)


الدين ثم فسخت النكاح بفعل من جهتها كإسلامها أو ردتها أو رضاعها لمن يفسخ نكاحها إرضاعه ففي الرجوع عليها بجميع الصداق روايتان كما في الرجوع في النصف سواء (فصل) فإن أصدقها عبداً فوهبته ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين فإن قلنا إذا وهبته الكل لم يرجع بشئ رجع ههنا في ربعه، وعلى الرواية الأخرى يرجع في النصف الباقي كله لأنه وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والمزني وقال أبو حنيفة لا يرجع بشي لأن النصف حصل في يده فقد استعجل حقه.
وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا (والثاني) له نصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب (والثالث) يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف.
ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه فأشبه ما لو لم تهبه شيئاً (فصل) وإن خالع امرأته بنصف صدقها قبل الدخول بها صح وصار الصداق كله له نصفه بالطلاق ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لأنه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف يسقط عنه صار مخالفاً بنصف النصف الذي يبقى لها فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع، وإن
خالعها بنصف مثل الصداق في ذمتها صح وصار جميع الصداق له نصفه بالطلاق ونصفه بالمقاصة بما في ذمتها له عوض الخلع، ولو قالت اخلعني بما تسلم لي من صداقي فقد صح، وبرئ من جميع

(8/63)


الصداق وكذلك لو قالت اخلعني على أن لاتبعة عليك في المهر صح ويسقط جميعه عنه، وإن خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها بنصفه لأنه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه ويسقط عنه النصف يبقى له عليها النصف وإن خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر لا يرجع عليها بشئ لأنه لما خالعها به مع العلم بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعاً لها بنصفه ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقى لها شئ (فصل) وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده وسواء في ذلك مفوضة البضع ومفوضة المهر وكذلك من سمي لها مهر فاسد كالمهر المجهول لأن المهر واجب في هذه المواضع وإنما جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لأنها إسقاط فصحت في المجهول.
وقال الشافعي لا تصح البراءة في شئ من هذا لأن المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الإبراء مما لم يجب وغيرها مهرها مجهول والبراءة من المجهول لا تصح إلا أن تقول أبرأتك من درهم الى ألف فيبرأ من مهرها إذا كان دون الالف وسوف نذكر الدليل على وجوبه فيما يأتي فيصح الابراء منه كما لو قال أبرأتك من درهم إلى ألف فإذا أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فإن قلنا لا يرجع الى المسمى لها لم يرجع ههنا، وإن قلنا يرجع ثم احتمل أن لا يرجع ههنا لأن المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق ابتداء ويحتمل أن يرجع لأنه عاد إليه مهرها بسبب غير الطلاق وفيما يرجع به احتمالان (أحدهما) يرجع بنصف مهر المثل

(8/64)


لأنه الذي وجب بالعقد فهو نصف المفروض (والثاني) يرجع بنصف المتعة لانها التي تجب بالطلاق فأشبهت المسمى (فصل) فإن أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها لأن المتعة قائمة مقام نصف الصداق وقد أبرأته منه فصار كما لو قبضته ويحتمل أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا إنه
لا يرجع عليها بشئ إذا أبرأته من جميع صداقها.
(فصل) إذا باع رجل عبدا بمائة ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيباً فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه؟ على وجهين بناء على الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقها قبل الدخول، وإن كانت بحالها فوهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجهاً واحداً لأن الثمن ما عاد منه الى البائع وكذلك كان يجب أداؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها، ولو كاتب عبداً ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد أن يؤتيه إياه وكذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئاً لان اسقاطه عنه يقوم مقام الإيتاء، وخرجه بعض أصحابنا على وجهين بناء على الروايتين في الصداق ولا يصح لأن المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق

(8/65)


الزوج عليها نصفه وههنا أسقط السيد عن المكاتب ما وجد بسبب ايتائه إياه فقام اسقاطه مقام ايتائه ولهذا لو قبضه السيد منه ثم آتاه إياه لم يرجع عليه بشئ، ولو قبضت المرأة صداقها أو وهبته لزوجها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها فافترقا.
(فصل) ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه الى من يتسلم مالها فإن كانت رشيدة لم يبرأ إلا بالتسليم إليها أو الى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم الى أبيها ولا الى غيره بكراً كانت أو ثبيا قال أحمد إذا أخذ مهر ابنته فأنكرت فذلك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها فقيل له أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " قال نعم ولكن هذا لم يأخذ منها إنما يأخذ من زوجها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة له قبض صداق البكر دون الثيب لأن ذاك العادة ولأن البكر تستحي فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها.
ولنا أنها رشيدة فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة فلم يكن لغيرها قبضه بغير إذنها كثمن مبيعها، وإن كانت غير رشيدة سلمه الى وليها في مالها من أبيها أو وصية من
الحاكم لأنه من جملة أموالها فهو كأجرة دارها.

(8/66)


* (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما) لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ثبت في الطلاق وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، وأما فرقة الأجنبي كالرضاع ونحوه تسقط نصف المهر ويجب نصفه أو المتعة لغير من سمى لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي لأنه قرره عليه، وإن قتلت المرأة استقر المهر جميعه لأنها فرقة حصلت الموت واثبتها النكاح أشبه ما لو ماتت حنف أنفها سواء قتلها زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها أو قتل الأمة سيدها وإن طلق الحاكم على الزوج في الايلاء فهو كطلاقه لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عند امتناعه منه * (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ردتها أو رضاعها من ينفسخ النكاح برضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخها لعنته واعساره أو فسخه لعيبها أو فسخها لعتقها تحت عبد فإنه يسقط به مهرها ولا تجب المتعة لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه * (مسألة) * (وفرقة للعان تخرج على روايتين) [إحداهما] هي كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه

(8/67)


الصادر منه فأشبه الخلع (والثانية) يسقط به مهرها لأن الفسخ عقب لعانها فهو كفسخها لعيبه * (مسألة) * (وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان) إذا اشترت المرأة زوجها ففيه وجهان [أحدهما] يتنصف به مهرها، لأن البيع الموجب للفسخ تم بالسيد وبالمرأة، فأشبه الخلع (والثاني) يسقط به المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعيبه وكذلك شراء الزوج امرأته وإن جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لا يسقط مهرها لأن المرأة وإن باشرت الطلاق فهي نائبة عنه ووكيلة عنه وفعل الوكيل كفعل الموكل
فكأنه صدر عن مباشرته، وإن علق طلاقها على فعل من قبلها لم يسقط مهرها لأن السبب منه وجد وإنما هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب السبب * (مسألة) * (وفرقة الموت يستقر بها المهر كله، كالدخول إذا كان المهر مسمى) وفي المفوضة اختلاف نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى ولو قتلت نفسها أو قتلها غيرها فهو كالموت حتف أنفها لأنها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وأثبتها النكاح فهو كموتها حتف أنفها * (فصل) * قال رضي الله عنه (وإذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع يمينه وعنه القول قول من يدعي مهر المثل منهما) إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق ولا بينة لهما فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أن القول قول الزوج بكل حال، وهذا قول الشعبي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي ثور

(8/68)


وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكراً وهو أن يدعي مهراً لا يتزوج بمثله في العادة لأنه منكر للزيادة ومدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام " ولكن اليمين على المدعي عليه " وروي عنه أن القول قول من يدعي مهر المثل فإذا ادعت المرأة مهر المثل أو أقل منه فالقول قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وهو الذي ذكره الخرقي وعن الحسن والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد نحوه * (مسألة) * (فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها لأن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياساً على المنكر في سائر الدعاوى وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد، وقال أبو الخطاب تجب اليمين لأنه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال، وقال القاضي لا تشرع اليمين في الأحوال كلها لأنها دعوى في النكاح، والاولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما يحتمل الصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين كسائر الدعاوى، ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي يتحالفان، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله وإن حلفا وجب
مهر المثل وبه قال الثوري قياساً على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح وإن كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في المبيع فإنه يفرض

(8/69)


في التحالف قبل القبض أو بعده لأنه إذا سلمت نفسها بغير إشهاد فقد رضيت بامانته، ووجه قول من لا يرى التحالف أنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد ولأن القول بالتحالف يفضي الى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به فإنها إذا كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال هو بل هو خمسون أوجب لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة ولو ادعت مائتين وقال هو بل مائة وخمسون ومهر مثلها مائة فقد أسقط خمسين يتفقان على وجوبها ولأن مهر المثل إن لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز إيجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد وإن وافق قول أحدهما فلا حاجة في إيجابه الى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في إيجابه، وفارق البيع فإنه ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما في ماله، وما ادعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم تجعله أمينا ولو كان أميناً لها لوجب أن تكون أمينة حين لم يشهد عليها على أنه لا يلزم من الاختلاف عدم الإشهاد لأنه قد يكون بينهما بينة فيموت أو يغيب أو ينسى الشهادة.
إذا ثبت هذا فكل من قلنا القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه ليمين كسائر الدعاوى لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين) فإن كانت قيمة العبد مهر المثل أو أكثر وقيمة الأمة فوق ذلك حلف الزوج ووجب لها قيمة العبد لأن قوله يوافق الظاهر ولا يجب عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ننكره، وإن كانت قيمة الأمة مهر

(8/70)


المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها؟ فيه وجهان (أحدهما) تجب عينها لأننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين فأوجبناه وليس في ذلك إدخال ما تنكره في ملكها (والثاني) يجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا لها ما وافق الظاهر فيه، وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والأمة
أكثر منه وجب مهر المثل بالتحالف وظاهر قول القاضي ومن وافقه إن اليمين لا تشرع في هذا كله والله أعلم (فصل) إذا أنكر الزوج صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفاها أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئاً وسواء في ذلك ما قبل الدخول وبعده وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكى عن الفقهاء السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الوفاة فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع الصداق وبه قال مالك قال أصحابه إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة إلا بقبضه فكان الظاهر معه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول

(8/71)


(فصل) فإن دفع إليها ألفاً ثم اختلفا فقال دفعتها إليك صداقاً وقالت بل هبة فإن اختلفا ببينه فقالت قصدت الهبة فقال بل قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج بغير يمين لأنه أعلم ببينته ولا تطلع المرأة عليها، وإن اختلفا في لفظة فقالت قد قلت هذي هبة أو هدية فأنكرها فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي عليه عقداً على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن إن كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عرضاً ثم اختلفا وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في رجل تزوج امرأة على صداق ألف فبعث إليها بقيمته متاعاً وثياباً ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل سألته الصداق فقال لها قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة صداقي دراهم ترد الثياب والمتاع وترجع إليه بصداقها، فهذه الرواية إذا لم يخبرهم أنه صداق، فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت المرأة أنه قال هي هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان بما لكل واحد منهما وحكي عن مالك أنه إن كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول قولها لأن الظاهر معها وإلا فالقول قوله
ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه فكان القول قول المالك كما لو قال أودعتك هذه العين قالت بل وهبتنيها.

(8/72)


(فصل) فإن مات الزوجان فاختلفت ورثتهما قام ورثة كل واحد منهما مقامه إلا أن من يحلف منهم على الاثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن مات أحد الزوجين فكذلك وإن مات الزوجان فادعى ورثة المرأة التسمية وأنكرها ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشئ قال أصحابه إنما قال ذلك إذا تقادم العهد لأنه تعذر الرجوع إلى مهر المثل لأنه تعتبر فيه الصفات والأوقات وقال محمد بن الحسن يقضي بمهر المثل وقال رفر بعشرة دراهم لأنه أقل الصداق.
ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قام ورثتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لأن الحق لا يسقط لتقادم العقد ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات (فصل) فان اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الأب مقام الزوجة في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه ولأن قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه كالزوجة فان لم يحلف حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لأن الحق لها وإنما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها فإذا أمكن في حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الأطفال قبل يمينه فيها يحلف فيه فأما في البكر البالغة العاقلة فلا تسمع مخالفة الأب لأن قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الأولياء فليس لهم تزويج صغيرة إلا على رواية في بنت تسع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل ولو زوجوها

(8/73)


بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فادعى ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على الزوج لأن القول قوله في قدر مهر المثل (فصل) إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب من غير يمين لأنها لو صدقته في ذلك لوجب مهر
المثل فلا فائدة في الاختلاف وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى الزوج فيجب أن يقبل قولها بغير يمين وإن ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي ذلك ويجب لها مهر المثل وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في قدر الصداق فإن قلنا القول قول الزوج فلها المتعة وإن قلنا القول قول من يدعي مهر المثل قبل قولها ما ادعت مهر المثل هذا إذا طلقها وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من قلنا القول قوله فعليه اليمين.
* (مسألة) * وإن اختلفا في قبض الصداق فالقول قولها مع يمينها إذا لم تكن بينة) لأن الأصل عدمه وإن اختلفا فيما يستقر به فالقول قوله لأنه منكر والقول قول المنكر ولأن الاصل عدمه.

(8/74)


* (مسألة) * (وإن تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وان كان انعقد بالسر في ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره) ظاهر كلام أحمد أنه يؤخذ بالعلانية على ما رواه الأثرم وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى والثوري وأبي عبيد وقال القاضي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سراً كان أو علانية وحمل كلام أحمد والخرقي على ان المرأة لم تفر بنكاح السر فثبت مهر العلانية لأنه الذي انعقد به النكاح وهذا قول سعيد بن عبد العزيز وأبي حنيفة والاوزاعي والشافعي ونحوه عن شريح والحسن والزهري والحكم بن عتيبة ومالك واسحاق لأن العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شئ ووجه قول الخرقي أنه إن كان مهر السر أكثر من العلانية وجب مهر السر لأنه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فنفى وجوبه فأما ان اتفقا على أن المهر ألف وأنهما يعقدان العقد بألفين تجملاً ففعلا ذلك فالمهر ألفان لأنها تسمية صححيحة في عقد صحيح فوجب كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها وهذا أيضاً قول القاضي ومذهب الشافعي ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون السر من جنس العلانية نحو أن يكون السر ألفاً والعلانية الفين أو يكونا من جنسين مثل أن يكون السر مائة درهم والعلانية مائة دينار إذا قلنا إن الواجب مهر العلانية فيستحب
للمرأة أن تفي الزوج بما وعدت به وشرطته من أنها لا تأخذ إلا مهر السر قال أحمد في رواية ابن منصور إذا زوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا بمهر ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء

(8/75)


بالشرط لئلا يحصل منهم غرور ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمنون على شروطهم " وعلى قول القاضي إذا ادعى الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح فيه مهر قليل فصدقته المرأة فليس لها سواه وإن أكذبته فالقول قولها لأنها منكرة.
* (مسألة) * (وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكماً كالأول ولأن المهر في العقد الثاني إن كان دخل بها ونصف المهر في العقد الأول إن ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن ادعت أنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقاً بائناً ثم نكحها نكاحا ثانياً حلفت على ذلك واستحقت وإن أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به (فصل) إذا خلا الرجل بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وإن لم يطأ روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال علي بن الحسين وعروة وعطاء والزهري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي وهو قول أصحاب الشافعي القديم قال شريح والشعبي وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطئ وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وروي ذلك عن أحمد فري عنه يعقوب بن بختان أنه قال إذا أصدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن

(8/76)


من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال الله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض؟) والافضاء الجماع، ولأنها مطلقة لم تمس أشبهت ما لم يخل بها.
ولنا إجماع الصحابة فروى الإمام أحمد والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء
الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخي ستراً فقد وجب المهر ووجبت العدة.
ورواه أيضاً عن الأحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن سعيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كلاملا.
وهذه قضايا اشتهرت ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعاً، وما رواه عن ابن عباس: لا يصح، قال أحمد يرويه ليث وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث وحنظلة أقوى من ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو سلمتها أو باعتها، وأما قوله تعالى (من قبل أن تمسوهن) فيحتمل أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه، وأما قوله (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) فقد حكي عن الفراء أنه قال الإفضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل لأن الافضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي فكأنه قال وقد خلا بعضكم إلى بعض (فصل) وحكم الخلوة حكم الوطئ في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا

(8/77)


طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها، وقال الثوري وأبو حنيفة لا رجعة له عليها إذا أقر أنه لم يصبها ولنا قول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها وكمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة وتفارق الخلوة الوطئ في أنها لا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " ولا يثبت بها الإحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات ولا يجب الغسل لأنها ليست من موجبات الغسل إجماعاً ولا يخرج بها من العنة لأن العنة العجز عن الوطئ فلا تزول إلا بحقيقته ولا تحصل بها الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه وإنما حلف على ترك الوطئ، ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بيقين الوطئ ولا تفسد بها العبادات ولا تجب بها الكفارة، وأما تحريم الربيبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة، وقال القاضي وابن عقيل لا تحرم، وحمل القاضي
كلام أحمد على أنه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين أن ذلك يحرم والصحيح أنها لا تحرم لقول الله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن) والدخول كناية عن الوطئ والنص صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه

(8/78)


(فصل) وسواء في ذلك الخلوة بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان من الوطئ شرعي كالإحرام والصيام والحيض والنفاس أو حقيقي كالجب والعنة والرتق في المرأة فعنه أن الصداق يستقر بكل حال وبه قال عطاء وابن أبي ليلى والثوري لعموم ما ذكرناه من الإجماع وقال عمر في العنين يؤجل سنة فإن وطئها وإلا أخذت الصداق كاملاً وفرق بينهما وعليها العدة ولأن التسليم المستحق عليها قد وجد وإنما الحيض والاحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في اسقاط النفقة وروي أنه لا يكمل الصداق وهو قول شريج وأبي ثور لأنه لم يتمكن من تسليمها فلم يجب عليه مهرها كما لو منعت نفسها منه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة، وعنه رواية ثالثة إن كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق وإن كان غيره كمل قال أبو داود سمعت أحمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير شهر رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر؟ قال وجب الصداق، قيل لاحمد فشهر رمضان؟ قال شهر رمضان خلاف لهذا، قيل له فكان مسافراً في رمضان؟ قال هذا مفطر يعني وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكداً كالإحرام وصوم رمضان لم يكمل الصداق، وقال القاضي إن كان المانع لا يمنع دواعي الوطئ كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس وجب الصداق، وإن كان يمنع دواعية كالإحرام وصيام الفرض فعلى روايتين، وقال أبو حنيفة إن كان المانع من جهتها لم يستقر

(8/79)


الصداق، وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق أيضاً وإن كان حقاً ادعته كمل الصداق لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها كما تلزم الصغير نفقة امرأته إذا أسلمت إليه (فصل) فإن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم
يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فادخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ الى أنها إذا نشزت عليه ومنعته نفسها لا يكمل صداقها.
وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد لتمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها، وكذلك لو خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطئ لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغيرة في عدم التمكن من الوط.
(فصل) فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالنصوص عن أحمد أنه يكمل به الصداق فإنه إذا أخذها فشمها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملاً إذا نال منها شيئاً لا يحل لغيره، وقال في رواية مهنا إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر، ورواه عن ابراهيم إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر لأنه نوع استمتاع فهو كالقبلة قال القاضي يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان فيكون في تكميل الصداق به وجهان:

(8/80)


(أحدهما) يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل " ولأنه مسيس فيدخل في قوله (من قبل أن تمسوهن) ولأنه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق كالوطئ، (والوجه الآخر) لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر أهل العلم لأن قول الله تعالى (تمسوهن) إنما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضى قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) أن لا يكمل الصداق لغير من وطئها ولا تجب عليها العدة، ترك عمومه فيمن دخل بها للإجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما سواه على مقتضى العموم.
* (فصل) * في المفوضة وهي على ضربين (تفويض البضع) وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر (والثاني) تفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أو شاء أجنبي فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل.
يصح النكاح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم بدليل قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات؟ فقال ابن مسعود لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط

(8/81)


وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت.
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك، ولو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضاً وقال بعض الشافعية لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح فإنه يصح فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد فما صح في إحدى الصورتين المتساويتين صح في الاخرى وليس كالوهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر، وقد ذكرنا أن المزوجة بغير مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل على أنها فاعلة ومن فتح أضافة الى وليها ومعنى التفويض الاهمال كأنهما أهملت أمر المهر حيث لم تسمه.
قال الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لاسراء لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا يعني مهملين والذي ذكره الخرقي تفوض البضع وهو الذي ينصرف إليه اطلاق التفويض (الضرب الثاني) تفويض المهر وهو أن يجعلا الصداق الى رأي أحدهما أو رأي أجنبي فيقول زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو حكمها أو حكم أجنبي ونحوه فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام أحمد

(8/82)


لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق لكنه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الأمر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك، فأما إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهراً بغير إذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل، وقال الشافعي لا يكون التفويض إلا الصورة الأولى وقد مضى الكلام معه في أن للأب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فلذلك يجوز تفويضه
* (مسألة) * (ولها المطالبة بفرضه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره) وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلاً كان أو كثيراً سواء كانا عالمين بمهر المثل أو لا، وقال الشافعي في قوله لا يصح الفرض لغير مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوماً ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها فلا يمنع من ذلك، قولهم أنه بدل لا يصح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان ناقصاً فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلاً، ولو كان بدلاً لما جاز مع العلم لانه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلاً وقد روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " أترضى أني أزوجك فلانة؟ " قال: نعم، وقال للمرأة " أترضي أن أزوجك فلاناً؟ " قالت نعم، فزوج أحدهما بصاحبه فدخل عليها

(8/83)


ولم يفرض لها صداقاً فلما حضرته الوفاء قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم يفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي الذي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف، فأما ان تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء، وإن فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة ولم يثبت لها بفرضه ما لم ترض به.
فإن ارتفعا الى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها.
ولا يحل الميل ولأنه إنما يفرض له بدل البضع فيقدر بقدره كالسلعة إذا اتلفت يرجع الى تقويمها بقول أهل الخبرة، ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل الى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه ويلزمها ما فرضه الحاكم سواء رضيت به أو لم ترض كما يلزم ما حكم به.
(فصل) وإن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج
ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرض لها فريضته احتمل أن يصح لما ذكرنا فيكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقامه في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسى.
فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول

(8/84)


رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به ديناً عليه فيعود إليه كما لو دفعة هو.
ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين ولهم وجه ثالث أنه يرجع بنصفه الى الأجنبي وذكره القاضي لنا وجهاً ثالثاً قال شيخنا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلاً قضى المسمى عن الزوج صح، ثم إن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إليه وإن فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع الى من قضاه.
(فصل) ويجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط الى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح أنه يجب بالعقد وقال بعضهم لا يجب بالعقد قولا واحداً ولا يجئ على أصل الشافعي غير هذا لأنه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجباً كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد ولأن النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي الى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحاً وملك الزوج الوطئ ولا مهر فيه وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق الى المتعة كما نقل ما سمى لها إلى نصف المسمى لها، فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه، ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد بغير مهر مثلها أو دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرناه

(8/85)


ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند الى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين (فصل) يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئاً سواء كانت مفوضة أو مسمى لها، وبه قال سعيد
ابن المسيب والحسن والنخعي والثوري والشافعي وروي عن ابن عباس وابن عمر والزهري وقتادة ومالك لا يدخل بها حتى يعطيها شيئاً قال الزهري مضت السنة ان لا يدخل بها حتى يعطيها شيئاً قال ابن عباس يخلع إحدى نعليه ويلقيها إليها وروى أبو داود بإسناده عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً فقال يا رسول الله ليس لي شئ فقال " أعطها درعك، فأعطاها درعه ثم دخل بها ورواه ابن عباس أيضاً قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطها شيئاً " قال ما عندي قال " أعطها درعك الحطمية " رواه أبو داود والنسائي ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها ولم يعطها شيئاً وروت عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً رواه ابن ماجه ولأنه عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شئ منه كالثمن في البيع والاجرة في الاجارة، وأما الأخبار فمحمولة على الاستحباب فإنه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئاً موافقة

(8/86)


للأخبار ولعادة الناس فيما بينهم ولتخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك أقطع للخصومة ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه على الاستحباب فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم * (مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها) إذا مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض فللآخر الميراث بغير خلاف فيه فإن الله تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص (فصل) (ولها مهر نسائها وعنه أنه يتنصف بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها) ظاهر المذهب أن لها مهر نسائها وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وإليه ذهب ابن مسعود ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري واسحاق.
وروي عن علي وابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والاوزاعي لا مهر لها لأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق وقال أبو حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى لا يكمل وتنصف إذا لم يكن
فرضه لها لأن المفروض لها تخالف التي لم يفرض لها في الطلاق فجاز أن تخالفها بعد الموت وللشافعي قولان كالروايتين ولنا ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقاً ولم

(8/87)


يدخل بها حتى مات فقال لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل ابن سنان الأشجعي فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق مثل ما قضيت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهو نص في محل النزاع ولأن الموت معنى يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل للمفوضة كالدخول، وقياس الموت على الطلاق لا يصح فإن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق والطلاق يقطعه ويزيله قبل إتمامه وكذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق فإنها زوجة مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما لو سمى لها ولأن المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق في موضع فوجب أن لا يختلفا ههنا وإن كان قد فرضه لها لم يتنصف بالموت على الروايتين جميعاً * (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة) إذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيجوب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى لها محرما، وقال مالك والليث وابن أبي ليلى المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال (حقا على المحسنين) فخصهم بها فيدل على أنها على سبيل الاحسان والتفضيل والإحسان ليس بواجب ولأنها لو كانت واجبة لم يخص المحسنين دون غيرهم

(8/88)


ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره) والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) وقال تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن) ولانه طلاق في نكاح يقتضي عوضاً فلم يعر عن العوض كما لو سمى مهراً وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض بينهما (فصل) فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبله فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر وعطاء والشعبي والنخعي والشافعي وأبي عبيد، وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسمية فوجبت المتعة كما لو لم يفرض لها ولنا قوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولأنه مفروض يستقر بالدخول فيتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد (فصل) والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والحرة والامة والمسلم والذمي والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية وقال الأوزاعي إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقاً فلا متعة ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولأن ما يجب من الفرض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر (فصل) فأما المفوضة المهر وهي التي يزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبنها بغير

(8/89)


إذنها بغير صداق أو التي مهرها فاسد فإنه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وهو مذهب الشافعي، وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها عن تسمية صحيحة فأشبهت التي لم يسم لها شئ.
ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه أو نقول لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها، وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيت بغير صداق وعاد نصفها سليماً ففرضت المتعة بخلاف مسئلتنا (فصل) وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما سقط به المسمى من الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا يجب به متعة لأنها أقيمت مقام
نصف المسمى فسقطت في كل موضع يسقط كما تسقط الابدال إذا سقط مبدلها (فصل) قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهراً ثم وهب لها غلاماً ثم طلاقها قبل الدخول قال لها المتعة، وذلك لأن الهبة لا تنقص بها المتعة كما لا ينقص بها نصف المسمى وكان المتعة وانما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا نقص بالهبة كالمسمى * (مسالة) * (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فأعلاها خادم وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها) وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره نص عليه أحمد وهو وجه الاصحاب

(8/90)


الشافعي والوجه الآخر هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها كذلك؟؟؟؟؟ القائمة مقامه ومنهم من قال يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وهذا نص في أنها معتبرة بحال الزوج ولأنها تختلف ولو أجزأ ما يقع عليه الاسم سقط الاختلاف، ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
إذا ثبت هذا فقد اختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه أعلاها خادم إذا كان موسراً وإن كان فقيراً متعها كسوتها درعاً وخماراً وثوباً تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن عباس والزهري والحسن قال ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري والاوزاعي وعطاء ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا درع وخمار وملحفة * (مسألة) * (وعن أحمد يرجع في تقديرها إلى الحاكم) وهو أحد قولي الشافعي لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات وعنه يجب لها نصف مهر المثل ذكرها القاضي في المجرد فقال هي مقدرة بما يضاف مهر المثل لأنها بدل عنه فيجب أن تنقدر به، قال شيخنا وهذه الرواية تضعف لوجهين

(8/91)


(أحدهما) أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف المهر يوجب اعتبارها
بحال المرأة لأن مهرها معتبر بها لا بزوجها (الثاني) أنا لو قدرناها بنصف مهر المثل لكانت نصف مهر المثل إذ ليس المهر معينا في ش؟؟، ووجه الرواية الأولى قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص اسناده وقدرها بكسوة يجوز لها الصلاة فيها لأن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة والسترة في الصلاة، وروى كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق تماضر الكلبية فحملها بجارية سوداء يعني متعها قال إبراهيم العرب تسمي المتعة للتحميم وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها فإن سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز لأن الحق لهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه كالصداق وقد روي عن الحسن بن علي أنه متع المرأة بعشرة آلاف درهم فقالت * متاع قليل من حبيب مفارق * * (مسألة) * (فان دخل بها استقر مهر المثل لأن الوطئ في نكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين أصحهما لا تجب) كل من وجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداقاً أو لم يسم لها لكن فرض لها بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمى لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن

(8/92)


وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك وأبي ثور لظاهر قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) ولقوله سبحانه لنبيه عليه السلام (قل لأزواجك - إلى قوله - فتعالين أمتعكن) فعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو سمى لها مدخولاً بها أو غيرها لما ذكرنا وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا المفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر كل من روي عن أبي عبد الله فيما أعلم روي عنه أنه لا بحكم بالمتعة إلا لمن سمي لها مهر إلا حنبلا روي عن أحمد أن لكل مطلقة متاعاً قال أبو بكر والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها ولنا قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) الآية فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تسلمه
للنساء قسمين وإثباته لكل قسم حكماً فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه ويحتمل أن يحمل الأمر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب كدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها جمعاً بين دلالات الآيات والمعنى فإنه عوض واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح لم يجب غير كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم يجب لها عند الفرقة كالمتوفى عنها زوجها (فصل) قد ذكرنا أن الزوج إذا طلق المسمى لها أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا

(8/93)


متعة لواحدة منهما على رواية حنبل وذكرنا قول من ذهب إليه فظاهر المذهب أنه لا متعة لواحدة منهما وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك.
إذا هذا فإنه يستحب أن يمتعها نص عليه أحمد فقال أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقاً فإن كان قد سمى لها صداقاً فلا أوجبها عليه واستحب أن يمتع وان سمى لها صداقاً، وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالته على ايجابها وقول علي ومن سمينا من الأئمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها على الاستحباب أو على أنه أريد به الخصوص، وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالإجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما تناول المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومهر المثل معتبر بما يساويها من نساء عصباتها كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها) يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها وقال مالك يعتبر بمن هي في مثل حمالها ومالها وشرفها ولا يختص باقربائها لأن الأغراض إنما تختلف بذلك دون الأقارب ولنا قوله في حديث ابن مسعود لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه ونشترط معه أن تكون من نساء أقاربها لأنها أقرب إليهن، وقوله إنما يختلف بهذه الأوصاف دون الأقارب لا يصح لأن المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها ويزداد المهر بذلك ويقل

(8/94)


وقد يكون الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه بتغير الصفات فيعتبر ذلك دون سائر الصفات، واختلفت الرواية عن أحمد فيمن يعتبر من أقاربها فقال في رواية حنبل لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبر بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب الشافعي وقال في رواية إسحاق بن هانئ لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره أبو بكر وهذا مذهب أبي حنيفة وابن أبي ليلى لأنهن من نسائها والأولى أولى فإنه قد روي في قصة بروع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في تزويج بنت واشق بمثل مهر نساء قومها، ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها وشرفا بنسبها وأمها وخالتها لا يساويانها في شرفها، وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة، وقد تكون أمها قرشية وهي غير قرشية، وينبغي أن يكون الاقرب فالاقرب، فأقرب نساء عصباتها أخواتها لأبيها، ثم عماتها، ثم بنات عمها الأقرب فالأقرب * (مسألة) * (وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والادب والسن والبكارة والثيوبة والبلد) وصراحة نسبها وكل ما يختلف لاجله الصداق وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لأن مهر المثل بدل متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فإن لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها كأمها وجداتها وخالاتها وبناتهن.
* (مسألة) * (فإن لم يوجد إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها) لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر فتقدرت الزيادة بقدر الفضيلة، وإن لم يوجد إلا فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش العيب بقدر نقص المبيع (فصل) ويجب مهر المثل حالا لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون إلا من نقد البلد لما ذكرنا ولا تلزم الدية لأنها تختلف باختلاف صفات المتلف بل هي مقدرة بالشرع فكانت بحكم ما جعله من الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولأنها عدل بها عن سائر الأبدال فيمن وجب عليه فكذلك في تأجيلها تخفيفاً عنه بخلاف غيرها

(8/95)


* (مسألة) * (فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر فرض مؤجلاً في أحد الوجهين) لأنه مهر مثلها (والثاني) يفرض حالا لما ذكرنا وإن كان عادتهم التخفيف عن عشيرتهم دون
غيرهم اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي، فإن قيل فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف باختلاف المتلف كسائر المتلفات، قلنا النكاح يخالف سائر المتلفات فان سائر المتلفات المقصود بها المالية خاصة فلم تختلف باختلاف المتلفين والنكاح يقصد به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهم ولأن سائر المتلفات لا تختلف باختلاف العوائد والمهر يختلف بالعادات، فإن المرأة إن كانت من قوم عادتهم تخفيف مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم خفيفاً، وإن كانت أفضل وأشرف من نساء عادتهم تثقيل المهر وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل الشرف واليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم * (مسألة) * (فإن لم يكن لها أقارب اعتبر شبهها من أهل بلدها) فإن عدم ذلك اعتبرنا أقرب النساء شبهاً بها من أقرب البلاد إليها من غيرهم كما اعتبرنا قرابتها البعيد إذا لم يوجد القريب.
* (فصل) * قال رضي الله عنه (فأما النكاح الفاسد فمتى إفترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر) لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد، فإن وجوده كالعدم ولأنه عقد فاسد فيخلو من العوض كالبيع الفاسد * (مسألة) * (فان دخل بها استقر المسمى وعنه يجب مهر المثل وهي أصح) المنصوص عن أحمد أن لها المسمى لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة " ولها الذي أعطاها بما أصاب منها " قال القاضي حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسناديهما، وقال أبو حنيفة الواجب الأقل من المسمى أو مهر المثل لأنها إن رضيت بدون مهر مثلها فليس لها أكثر منه كالعقد الصحيح وإن كان المسمى أكثر لم تجب الزيادة بعقد غير صحيح، والصحيح وجوب مهر المثل، أومأ إليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فجعل لها

(8/96)


المهر بالاصابة، والاصابة إنما توجب مهر المثل ولأن العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسيسها لم يكن لها شئ وإذا لم يكن موجباً كان وجوده كعدمه وبقي الوطئ موجباً بمفرده فأوجب مهر المثل كوطئ الشبهة ولأن القسمة لو فسدت لوجب مهر المثل فإذا فسد العقد من أصله كان أولى، وقول أبي حنيفة أنها رضيت بدون صداقها إنما يصح إذا كان العقد هو الموجب، وقد بينا أنه إنما يجب بالاصابة فيوجب مهر المثل كاملا كوطئ الشبهة.
* (مسألة) * (ولا يستقر بالخلوة) وهو قول أكثر أهل العلم، وقال أصحابنا يستقر قياساً على العقد الصحيح ونص عليه أحمد والأول أولى لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما أوجبه الوطئ ولم يوجد ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فأشبه الخلوة بالأجنبية ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لها المهر بما استحل من فرجها ولم يوجد ذلك في الخلوة بغير إصابة وقد ذكرناه.
(فصل) إذا تزوجت المرأة تزويجاً فاسداً لم يحل تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ نكاحها فإن امتنع من طلاقها فسخ الحاكم نكاحه نص عليه أحمد، وقال الشافعي لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق لأنه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه ولأن تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها كل واحد منهما يعتقد صحة نكاحه وفساد نكاح الآخر ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين فعلى هذا متى تزوجت بآخر قبل

(8/97)


التفريق لم يصح الثاني ولم يجز تزويجها حتى يطلق الأولان أو يفسخ نكاحهما ومتى كان التفريق قبل الدخول فلا مهر لأنه عقد فاسد لم يتصل به قبض فلم يجب به عوض كالبيع الفاسد وإن كان بعد الدخول فلها المهر لما ذكر وإن تكرر الوطئ لم يجب به أكثر من مهر واحد بدليل قوله عليه الصلاة السلام " فلها المهر بما استحل من فرجها " ولأنه إصابة في عقد أشبه الاصابة في العقد الصحيح * (مسألة) * (ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنا ولا يجب معه أرش البكارة ويحتمل أن يجب للمكرهة) وأما الموطوءة بشبهة فيجب لها مهر المثل بغير خلاف علمناه ويجب للمكرهة على الزنا في ظاهر المذهب، وعن أحمد لا يجب لها مهر إن كانت ثيبا اختاره أبو بكر ولا يجب معه أرش البكارة، وذكر القاضي أن أحمد ذكر في رواية أبي طالب في حق الأجنبية إذا أكرهها على الزنا فعليه المهر وأرش البكارة وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا مهر للمكرهة على الزنا.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فلها المهر بما استحل من فرجها " وهي حجة على أبي حنيفة فإن المكرهة مستحل لفرجها فإن الاستحلال الفعل في غير موضع الحل لقوله عليه السلام " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه " وهو حجة أيضاً على من أوجب الارش لكونه أوجب المهر وحده من غير أرش ولأنه استوفى ما يجب بدله بالشبهة وفي العقد الفاسد فوجب بالتعدي كاتلاف المال وأكل طعام الغير ولنا أنه لا يجب الارش لانه وطئ ضمن بالمهر فلم يجب معه أرش كسائر الوطئ يحققه ان المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطئ وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا ولأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة ولا يجب عوضها مرة ثانية يحققه انه أخذ أرش البكارة مرة لم يجز أخذه

(8/98)


مرة أخرى فتصير كأنها معدومة ولا يجب لها إلا مهر ثيب ومهر الثيب مع أرش البكارة هو مهر البكر فلا تجوز الزيادة عليه (فصل) ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب النخعي ومكحول وأبي حنيفة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن النساء من ذوات محارمه لا مهر لهن وهو قول الشعبي لأن تحريمهن تحريم أصل فلا يجب به مهر كالواط وفارق من حرمت تحريم المصاهرة فإن تحريمها طال، وكذلك ينبني أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لأنه طارئ وكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لأنه طارئ أيضاً، وعن أحمد رواية أخرى أن من تحرم ابنتها لا مهر لها كالام والبنت والأخت ومن تحل ابنتها كالعمة والخالة فلها المهر لأن تحريمها أخف.
ولنا أن ما ضمن للأجنبي ضمن للمناسب كالمال ومهر الامة ولانه أتلف منفعة بضعها بالوطئ فلزمه مهرها كالاجنبية ولأنه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه كالمال وبهذا فارق اللواط فإنه غير مضمون على أحد (فصل) ولا يجب المهر بالوطئ في الدبر ولا اللواط لأن الشرع لم يرد ببدله ولا هو إتلاف لشئ فأشبه القبلة والوطئ دون الفرج، وقال في المحرر يجب بوطئ المرأة في الدبر كالوطئ في القبل والأول أولى لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه اللواط، ولا يجب للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يجب
بذله لها فلم يجب شئ كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة فيكون المهر لسيدها ولا يسقط ببذلها لأن الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها (فصل) ومن طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى، وقال مالك لا يلزمه إلا مهر واحد.
ولنا أن المفروض تنصف بطلاقه بقوله سبحانه (فنصف ما فرضتم) ووطؤه بعد ذلك عري عن الفعل فوجب به مهر المثل كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره فأما من نكاحها باطل بالاجماع

(8/99)


كالمزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالماً بالحال وتحريم الوطئ وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لأنه زنا يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في العدة فالمهر لها لانه وطئ شبهة وقد روى أبو داود بإسناده أن رجلاً يقال له نصر بن أكتم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحل من فرجها وفي لفظ قال " الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها " وروى سعيد في سننه عن عمران بن كثير أن عبيد الله بن الحر تزوج امرأة من قومه يقال لها الدرداء فانطلق عبيد الله فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقول له عكرمة فبلغ ذلك عبيد الله فقدم فخاصمهم إلى علي فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة وكانت حاملاً من عكرمة فوضعت على يد عدل فقالت المرأة لعلي أنا أحق بمالي أو عبيد الله؟ قال بل أنت أحق بمالك.
قالت فاشهدوا أن ما كان لي عند عكرمة من صداق فهو له.
فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه * (مسألة) * (وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها) وقال القاضي يجب مهر المثل إذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها فعليه أرش بكارتها وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف حر لم يرد الشرع بتقدير عوضه فرجع في ديته إلى الحكومة كسائر ما لم يقدر ولأنه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج ففي حق الأجنبي أولى وروى عن أحمد أن لها صداق نسائها اختاره القاضي وقال أحمد إن تزوج امرأة فدفعها هو وأخوه فأذهبا
عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فعلى الزوج نصف المهر وعلى الأخ نصفه روي عن علي وابنه الحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان فروى سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلاً كان عنده أجنبية فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت نسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها إنها فجرت فأخبر علي رضي الله عنه بذلك فأرسل إلى امرأته والنسوة فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن فقال للحسن بن علي اقض فيها يا حسن فقال الحد على من قذفها والمهر عليها وعلى الممسكات فقال علي لو كلفت

(8/100)


الإبل طحناً لطحنت وما يطحن يومئذ بعير قال ثنا هشيم أنا إسماعيل بن سالم أخبرنا الشعبي أن جواري أربعا قالت احداهن هي رجل وقالت الأخرى هي امرأة وقالت الثالثة هي أبوالتي زعمت أنها رجل وقالت الرابعة هي أبوالتي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أبو الرجل التي زعمت أنها أبو المرأة فزوجوها إياها فعمدت إليها فافسدتها باصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل الصداق بينهن أربعاً وألقي حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ ذلك عبد الله بن معقل فقال لو وليت أنا لجعلت الصداق على التي أفسدت الجارية وحدها وهذه قصص نشرت ولم تنكر فكانت إجماعاً ولأن اتلاف العذرة مستحق بعقد النكاح فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كنفقة البضع والقول الأول هو القياس لولا ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم وأرش البكارة ما بين مهر البكر والثيب والله أعلم * (مسألة) * (فان فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا نصف المسمى) وقال أبو يوسف ومحمد عليه الصداق كاملاً لأنه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فأشبه ما لو أذهبها بالوطئ.
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره كما لو اتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملاً فإن أحمد قال إذا فعل ذلك أجنبي عليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى فإن ما يجب به الصداق ابتداء أحق بتقدير الصداق وقد روي عن أحمد فيمن أخذ امرأته وقبض عليها أو نظر إليها وهي عريانة أن عليه الصداق كاملاً فهذا أولى
* (مسألة) * (وللمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها إذا كان حالاً) قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها فإن قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أسلمها أجبر على تسليم الصداق أولاً ثم تجبر

(8/101)


هي على تسليم نفسها ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع ولنا أن في إجبارها على تسليم نفسها أولاً خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا يمكن الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه فإذا تقرر ذلك فلها النفقة إن امتنعت لذلك وإن كان معسراً بالصداق لأن امتناعها بحق فإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه فإن كان بعضه حالاً وبعضه مؤجلاً فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل فإن سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فهل لها ذلك؟ على وجهين وقد توقف أحمد رحمه الله عن الجواب في هذه المسألة وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمنع نفسها بعد ذلك كما لو سلم البائع المبيع وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن لها ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه تسليم يوجبه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها الأول فأما إن وطئها مكرهة لم يسقط حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها فهو كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها فان أخذت الصداق فوجدت به عيباً فلها منع نفسها حتى يبذله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على وجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها نم بدا لها أن تمتنع والأولى ههنا أن لها الامتناع لأنها إنما سلمت نفسها ظناً أنها قد قبضت صداقها بخلاف المسألة المقيس عليها وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها، ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل

(8/102)


ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون * (مسألة) * (وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ إذا كان حالاً) اختاره أبو بكر لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم العوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وفيه وجه آخر ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد قال شيخنا وهو الصحيح لأنه دين فلم ينفسخ بالاعسار به كالنفقة الماضية ولأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لأن الثمن كان مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح ولذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولأن أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسراً به وليس الأكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسراً به وفيه وجه ثالث أنه ان أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله فإن كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لأن المعقود عليه قد استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وللشافعي نحو هذه الوجوه وقيل إذا أعسر بعد الدخول انبنى على منع نفسها إن قلنا لها منع نفسها بالدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين آخر * (مسألة) * (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم) لأنه فسخ يجتهد فيه مختلف فيه فأشبه الفسخ للعنة والفسخ للإعسار بالنفقة ولأنه لو فسخ بغير حكم اعتقدت أن النكاح انفسخ وأبيح لها أن تتزوج والزوج يعتقد أنها زوجته لم ينفسخ نكاحها فيصير للمرأة زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر وهذا لا يجوز في الإسلام وفيه وجه آخر أنه يجوز بغير حكم حاكم كخيار المعتقة تحت العبد والصحيح الأول ولا يصح قياسه على المعتقة لأن ذلك متفق عليه وهذا مختلف فيه

(8/103)


* (باب الوليمة) * وهي اسم لدعوة العرس خاصة لا يقع هذا الاسم على غيره كذلك حكاه ابن عبد البر عن ثعلب
وغيره من أهل اللغة وقال بعض أصحابنا وغيرهم إنها تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب والعذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الاعذار والخرس والخرسة، عند الولادة والذكيرة دعوة البناء يقال ذكر وخرس مشدد والنقيعة عند قدوم الغائب يقال نقع مخفف والعقيقة الذبح لأجل الولد.
قال الشاعر: كل الطعام تشتهي ربيعه * الخرس والاعذار والنقيعة والحذاق الطعام عند حذاق الصبي والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب والآدب صاحب المأدبة قال الشاعر: نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا يرى الآدب منا ينتقر والجفلى في الدعوة أن يعم الناس بدعوته والنقرى هو أن يخص قوما دون قوم * (مسألة) * (وهي مستحبة) لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها

(8/104)


وفعلها فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال له تزوجت " أولم ولو بشاة " وقال أنس ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني أدعو له الناس فاطعمهم لحماً وخبزأً حتى شبعوا وقال أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها ثنية الصهباء فبنى بها ثم صنع حيساً في نطع صغير ثم قال " ائذن لمن حولك " فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية متفق عليهن ويستحب أن يولم بشاة لحديث عبد الرحمن بو عوف وقال أنس ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة لفظ البخاري فإن أولم بغير هذا جاز فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير (فصل) وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي هي واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولأن الإجابة إليها واجبة
ولنا أنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب لما ذكرنا وكونه أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام ليس هو بواجب واجابة المسلم واجبة.
* (مسألة) * (والإجابة إليها واجبة إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول)

(8/105)


قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، وبه يقول مالك والشافعي والثوري والعنبري وأبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض الكفايات لأن الإجابة اكرام وموالاة فهي كرد السلام ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " وفي لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها " وقال أبو هريرة شر الطعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواهن البخاري، وهذا عام في معنى قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام اليمة التي يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ولم يرد أن كل وليمة طعامها شر الطعام فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر بالإجابة إليها ولا فعلها ولأن الإجابة تجب بالدعوة فكل من دعى فقد وجب عليه الإجابة (فصل) وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بان يدعو رجلاً بعينه أو جماعة معينين * (مسألة) * (فإن دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو شئت لم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء.

(8/106)


* (مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الأول) إذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روي الخلاف بإسناده عن أبي أنه أعرس فدعا الانصار ثمانية أيام فمتى دعا فيما بعد اليوم الأول فان كان في اليوم الثاني استحبت الاجابة ولم تجب وفي اليوم
الثالث لا تستحب.
قال أحمد الاول يجب والثاني يستحب والثالث فلا وهكذا مذهب الشافعي، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة " رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما وروي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة عرس مرتين فأجاب فدعى لثالثة فحصب الرسول رواه الخلال.
(فصل) فإن دعاه ذمي لم تجب الإجابة قال أصحابنا لأن الإجابة للمسلم للاكرام والموالاة وتأكيد المودة والاخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة وتجوز إجابتهم لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير واهالة سنخة فأجابه ذكره الإمام أحمد في الزهد * (مسألة) * (وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة لما فيها من إطعام الطعام

(8/107)


وكذلك الإجابة إليها) وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال العنبري تجب الإجابة إلى كل دعوة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غير عرس " رواه أبو داود ولنا أن الصحيح من السنة إنما ورد في إجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصة كذلك قال الخليل وثعلب وغيرهما من أهل اللغة وقد صرح بذلك في بعض روايات ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " رواه ابن ماجه وقال عثمان بن أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه رواه الإمام أحمد في المسند ولأن التزويج يستحب إعلانه وكثرة الجمع فيه والتصويت والضرب بالدف بخلاف غيره، فأما الأمر بالإجابة إلى غيره فمحمول على الاستحباب بدليل أنه لم يخص به دعوة ذات سبب دون غيرها، وإجابة كل داع مستحبة لهذا الخبر، وقد روى البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باجابة الداعي متفق عليه ولأنه جبر قلب للداعي وتطييب قلبه وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل فأما غير دعوة العرس في حق فاعلها فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها وهي بمنزلة الدعوة لغير سبب حادث فإذا قصد فاعلها شكر نعمة الله عليه وإطعام إخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك إن شاء الله تعالى

(8/108)


* (مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر وإن كان نفلاً أو مفطراً استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف) وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الأكل فغير واجب صائماً كان أو مفطراً نص عليه أحمد لكن إن كان صومه واجباً أجاب ولم يفطر لأن الفطر محرم والأكل غير واجب وقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليدع وإن كان مفطراً فليطعم " رواه أبو داود وفي رواية فليصل يعني يدعو، ودعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا فإني صائم وإن كان صائماً تطوعاً استحب له الأكل لأن له الخروج من الصوم ولأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه المسلم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم يوما مكانه ان شئت وان أحب إتمام الصيام " جاز لما ذكرنا من حديث ابن عمر وفعله ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل فقد روى أبو حفض باسناده عن عثمان بن عفان أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال إني صائم

(8/109)


ولكن أحببت أن أجيب الداعي فادعو بالبركة وعن عبد الله قال إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم فليقل إني صائم وإن كان مفطراً فالأولى له الأكل لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه الأكل وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه يجب عليه الأكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كان مفطراً فليطعم " ولأن المقصود منه الأكل فكان واجباً كالإجابة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك " حديث صحيح ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الأكل لم يلزمه إذا كان مفطراً وقولهم المقصود الأكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لم يأكل * (مسألة) * (وإن دعاه اثنان أجاب أولهما)
لأن إجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول فإن استويا أجاب أقربهما باباً لما روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما باباً فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق " وروي البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال " إلى

(8/110)


أقربهما منك باباً " ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحماً لما فيه من صلة الرحم فإن استويا أجاب أدناهما فإن استويا إجابة أقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق.
* (مسألة) * (وإن علم أن في الدعوة منكراً كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا لم يحضر) من يدعى إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه فأمكنه إزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر فإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله فان لم يمكنه انصرف ونحو هذا قال الشافعي، وقال مالك أما اللهو الخفيف كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ يرجع وقال أبو حنيفة إذا وجد اللعب فلا بأس أن يقعد فيأكل، وقال محمد بن الحسن إن كان ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث إذا كان فيها الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها.
والأصل في هذا ما روى سفينة أن رجلاً أضافه علي فصنع له طعاماً فقالت فاطمة لعلي لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقال له ما رجعك يا رسول الله

(8/111)


الله فقال إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقا حديث حسن وروي أبو حفص بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وعن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع رواه أبو داود والخلال ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة
إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على إزالته، ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فإن تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر * (مسألة) * (وإن علم به فلم يره ولم يسمعه فله الجلوس والأكل نص عليه أحمد) وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه فإنه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك فقال أرجو أن لا يأثم إن لم يجب وإن أجاب فارجو أن لا يكون آثما فاسقط الوجوب لإسقاط الداعي حرمة نفسه بإيجاد المنكر ولم يمنع الإجابة لكون المجيب لا يرى منكراً ولا يسمعه، وقال أحمد إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيباً ولم ير منكراً، فعلى هذا لا تجب إجابة من طعامه من مكسب خبيث لأن إيجاده منكر والأكل منه منكر فهو أولى بالامتناع وإن حضر لم يأكل * (مسألة) * (وإن شاهد ستوراً معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلى أن تزال وإن كانت مبسوطة أو على وسائد فلا بأس

(8/112)


إذا كانت صور الحيوان على الستور والحيطان ومالا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس وإن لم يمكن انصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر هذا أعدل المذاهب وحكاه عن سعد ابن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك مالك إلا أنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة ولعلهم يذهبون الى قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الملائكة لا تدخل ببتا فيه صورة " متفق عليه وروى عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل له إن في البيت صورة أبي أن يدهب حتى كسرت ولنا ما روت عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال " أتسترين الخدر بشئ فيه تصاوير؟ " فهتكه قالت فجعلت منه منتبذتين كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على احداهما رواه ابن عبد البر، ولأنها إذا كانت تداس وتبتذل ولم تكن معززة معظمة فلا تشبه الاصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكره وما رويناه أخص مما رووه وقد روي عن أبي طلحة
أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " قال ألم تسمعه يقول " إلا رقما في ثوب " متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطاً، والمكروه منه ما كان معلقا بدليل حديث عائشة

(8/113)


(فصل) فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التماثيل التي على باب البيت فتقطع حتى تصير كهيئة الشرجة ومر بالستر فليقطع منه وسادتان نبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قطع منه ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي فان كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لأنه ليس بصورة حيوان (فصل) وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم " وعن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتاً فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا؟ قالوا تمثال من صنم قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " متفق عليهما والأمر بعمله محرم كعمله (فصل) فأما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك إجابة الدعوة لاجله عقوبة

(8/114)


للداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية الفضل إذا رأى صوراً على الستر لم يكن رآها حين دخل قال هو أسهل من أن يكون على الجدار قيل له فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال لا تضيق
علينا ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة، وقال أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له الدخول لأن الملائكة لا تدخله ولأنه لو لم يكن محرما لما جاز ترك الدعوة الواجبة لأجله ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالارلام فقال " قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط " رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتاً فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم، وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاماً فدعوه فقال أين هو؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب وقال لعلي امض بالناس فليتغدوا فذهب علي بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون وجعل علي ينظر إلى

(8/115)


الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور لأن دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب ولا يحرم صحبة رفقة فيها جرس مع إن الملائكة لا تصحبهم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجراً له عن فعله * (مسألة) * (فإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين) أما إذا استعمل ذلك لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به لأنه يستعمله لحاجة فأشبه الستر على الباب وإن كان لغير حاجة ففيه روايتان [إحداهما] هو مكروه غير محرم وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة بدليل ما روى سالم ابن عبد الله بن عمر قال أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان فيمن آذن أبو أيوب وقد ستروا بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرأى البيت مستوراً بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا غلبتنا النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم قال لا أطعم لكم طعاماً ولا أدخل لكم بيتاً ثم خرج رواه الأثرم.
قال القاضي وكلام أحمد يحتمل
أمرين (أحدهما) الكراهة من غير تحريم لأن ابن عمر أقر على فعله ولأن كراهته لما فيه من الستر، وذلك لا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس والمأكول والطيب ويحتمل التحريم وهي الرواية الثانية

(8/116)


لما روى الخلال باسناده عن علي بن الحسين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر " واختار شيخنا أن ستر الحيطان مكروه غير محرم وهو مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه حديث وقد فعله ابن عمر وفعل في زمن الصحابة رضي الله عنهم ولو ثبت الحديث حمل عى الكراهة لما ذكرنا والله أعلم (فصل) سئل أحمد عن الستور فيها القرآن فقال لا ينبغي أن يكون شيئاً معلقاً فيه القرآن ليستهان به ويمسح قبل له فيقلع فكره أن يقلع القرآن، وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس، وكره أن يشتري الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه (فصل) قيل لأبي عبد الله الرجل يكتري بيتاً فيه تصاوير ترى أن يحكها قال نعم: قال المروذي قلت لأبي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة ترى أن أحك الرأس؟ قال نعم، إنما جاز ذلك لان اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة كالرأس ونحوه لأن ذلك يكفي.
قال أحمد ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما روي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب فقال " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت هذه خيل سليمان فجعل يضحك (فصل) واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج منه

(8/117)


أجله وكذلك ما كان من الفضة مستعملاً كالمكحلة ونحوه.
قال الأثرم سئل أحمد إذا رأى حلقة مرآة فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك؟ فقال هذا تأويل تأولته.
وأما الآنية نفسها فليس فيها شك، وقال مالا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لأن رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس في موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر
* (مسألة) * (ولا يباح الاكل لغير إذن) لأن أكل مال الغير بغير إذنه محرم والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والأكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم فأتى مع الرسول فذلك إذن له " رواه أبو داود، وقال عبد الله بن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك، رواه الإمام أحمد بإسناده * (مسألة) * (والنثار والتقاطه مكروه وعنه لا يكره) اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره، روى ذلك عن أبي مسعود البدري وعكرمة وابن سيرين وعطاء وعبد الله بن زيد الخطمي وطلحة وزبيد اليامي وبه قال مالك والشافعي وروى عن أحمد أنه ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وقتادة والنخعي وأبي حنيفة وأبي عبيد وابن المنذر لما روى عبد الله بن قرط قال قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فطفقن

(8/118)


يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم أسمعها فسألت من قرب منه فقال قال " من شاء اقتطع " رواه أبو داود.
وهذا جار مجرى النثار.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه.
قال الراوي ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم الناس أو نحو ذلك فقلت يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة؟ قال " نهيتكم عن نهبة العساكر " ولأنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحل النهبى والمسألة " ولأن فيه نهبا وتزاحماً وقتالاً وربما أخذه من يكره صاحب النثار أخذه لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه والغالب عليه هذا فان أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شئ من الطعام أو غيره ولأن في هذا دناءة والله يجب معالى الامور ويكره سفسافها فأما خبر البدنات فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه لا نهبة في ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لاشتغاله بالمناسك عن تفريقها.
وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما الإباحة فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لأنه نوع إباحة لماله فأشبه سائر المباحات (فصل) فأما إن قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف في أن ذلك حسن غير مكروه وقد روي عن أبي هريرة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمراً فأعطى كل إنسان

(8/119)


سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة فلم يكن منهن تمرة أعجب إلي منها شدت في مضاغي رواه البخاري وكذلك إن وضعه بين أيديهم وإذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره أيضاً قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم وقال علي (1) بن محمد بن بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق ابني حسن قال لي مولاي حسن لا تنثروا عليه فاشترى تمراً وجوزاً فأرسله إلى المعلم، قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال أحسنت أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز خمسة خمسة * (مسألة) * (ومن حصل في حجره شئ فهو له غير مكروه) لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لأحد أن يأخذه لما ذكرناه وقال في المحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان * (مسألة) * (ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف) وقال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشتهر ويعرف قيل له ما الدف؟ قال هذا الدف، وقال لا بأس بالغزل في العرس كقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم * ولولا الذهب الأحمر * ما حلت بواديكم ولولا الحبة السوداء * ما سمنت عذاريكم
__________
(1) قد ذكره في المغني محمد بن علي

(8/120)


لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه " ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم " وقال أحمد
أيضاً يستحب ضرب الدف والصوت في الاملاك فقيل له ما الصوت؟ قال يتكلم ويتحدث ويظهر والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح " رواه النسائي وقال عليه الصلاة والسلام " أعلنوا النكاح " وفي لفظ " أظهروا النكاح " وكان يحب أن يضرب عليها بالدف وفي لفظ " فاضربوا عليه بالغربال " وعن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قلتم يا عائشة؟ " قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال " إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم " روي هذا كله عن عبد الله بن ماجة في سننه وقال أحمد لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يستحب الضرب بالدف للنساء ذكره شيخنا رحمه الله (فصل) ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعاً وإن أكل بعضهم أكثر من بعض فلا بأس وقد كان السلف يتناهدون في الغزو والحج ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب وتجاذب بخلاف هذا.

(8/121)


* (فصل في آداب الاكل) * يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده وان كان على وضوء قال المروذي رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وان كان على وضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع " رواه ابن ماجه وروى أبو بكر باسناده عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم " يعني به غسل اليدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من نام وفي يده ربح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه " رواه أبو داود ولا بأس بترك الوضوء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط فأني بطعام فقال رجل يا رسول الله ألا آتيك بوضوء قال " ما أريد الصلاة " رواه ابن ماجه وعن جابر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعب بالجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء
رواه أبو داود وروي عنه أنه كان يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها من يده ثم قام فصلى ولم يتوضأ رواه البخاري ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين قال أحمد: حديث لا تقطعوا اللحم بالسكين فانه من صنيع الأعاجم وانهشوه نهشا فانه أهناً وأمرأ قال ليس بصحيح واحتج بهذا الحديث الذي ذكرناه.
(فصل) وتستحب التسمية عند الأكل وأن يأكل بيمينه مما يليه لما روى عمر بن أبي سلمة قال كنت يتيماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي تطيش في الصفحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليأكل

(8/122)


بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليذكر الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيمن قال بسم الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله قاءما في بطنه " رواهن أبو داود وعن عكراش بن ذؤيب قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل فخبطت يدي في نواحيها فقال " يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد " وأتينا بطبق فيه ألوان من الرطب فجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال يا عكراش " كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد " رواه ابن ماجه ولا يأكل من ذروه الثريد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلا الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها " وفي حديث آخر " كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها تبارك " رواهما ابن ماجة (فصل) ويستحب الأكل بالأصابع الثلاث ولا يمسح يده حق يلعقها قال مهنا سألت أبا عبد الله عن الأكل بيده كلها فذهب إلى ثلاث أصابع فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث أصابع وقد روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الخلال باسناده ويكره الأكل متكئاً لما روى أبو
جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا آكل متكئا " رواه البخاري ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها لما روينا وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها " رواه أبو داود وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " رواه الترمذي وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وقعت اللقمة من يد أحدكم فليمسح ما عليها من الارض ليأكلها " رواهن ابن ماجة

(8/123)


(فصل) ويحمد الله إذا فرغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم، وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما قال " الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " رواه أبو داود، وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا رفع طعامه " الحمد لله كثيراً مباركاً فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " وعن معاذ بن أنس الجهمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أكل طعاماً فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواهن ابن ماجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً هو وأبو بكر وعمر ثم قال " من قال في أوله بسم الله الله وبركة الله وفي آخره الحمد لله الذي أطعم وأروى وأنعم وأفضل " فقد أدى شكره " ويستحب الدعاء لصاحب الطعام لما روى جابر بن عبد الله قال صنع أبو الهيثم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغ قال " أثيبوا صاحبكم " قالوا يا رسول الله وما إثابته قال " إن الرجل إذا دخل بينه وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك اثابته " وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة يعوده فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر عندك الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة " رواه أبو داود (فصل) ولا بأس بالجمع بين طعامين فإن عبد الله بن جعفر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل

(8/124)


القثاء بالرطب ويكره عيب الطعام لقول أبي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط
إذا اشتهى شيئاً أكله وإن لم يشتهه تركه متفق عليهما وإذا حضر فصادف قوماً يأكلون فدعوه لم يكره الأكل لما قدمنا من حديث جابر حين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معهم ولا يجوز له أن يتحين وقت أكلهم فيهجم عليهم ليطعم معهم لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) أي غير منتظرين بلوغ نضجه وعن أنس قال ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة قال فعلام كنتم تأكلون؟ قال على السفر وقال ابن عباس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الإناء وفي المتفق عليه من حديث أبي قتادة ولا يتنفس أحدكم في الاناء وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضعت المائدة فلا يقوم الرجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليقعد فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة " رواهن كلهن ابن ماجة (فصل) قال محمد بن يحيى قلت لأبي عبد الله الإناء يؤكل فيه ثم تغسل فيه اليد؟ قال لا بأس به.
وقيل لأبي عبد الله ما تقول في غسل اليد بالنخالة؟ قال لا بأس به نحن نفعلة.
واستدل الخطابي على جواز ذلك بما روى أبو داود بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحاً ثم تغتسل به الدم من حيضة، والملح طعام ففي معناه ما أشبه

(8/125)


* (باب عشرة النساء) * تلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف وأن لا يمطله بحقه ولا يظهر الكراهة لبذله لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) قال أبو زيد يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لأن الله تعالى يقول (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال الضحاك في تفسيرها إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته، وقال بعض أهل العلم التماثل ههنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به ولا يظهر
الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه أذا ولا منه لأن هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به.
ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى) إلى قوله (والصاحب بالجنب) قيل هو كل واحد من الزوجين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله " رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج " متفق عليه، وقال " خياركم خياركم لنسائهم " رواه ابن ماجه، وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه، قال الله تعالى (وللرجال عليهن درجة)

(8/126)


وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق " رواه أبو داود، وقال " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع " متفق عليه، وقال لامرأة " أذات زوج انت؟ " قالت نعم، قال " فإنه جنتك ونارك " وقال " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة بغير إذنه فإنه يرد إليه شطره " رواه البخاري * (مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها) لأن بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض وكما تستحق المستأجرة تسليم العين المستأجرة وتستحق عليه الاجرة به، وقوله وكانت حرة لأن الأمة لا يجب تسليمها إلا بالليل على ما نذكره، ويشترط إمكان الاستمتاع بها فإن كانت صغيرة لا يجامع مثلها وذلك معتبر بحالها واحتمالها لذلك، قاله القاضي وذكر انهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح، وحده أحمد رحمه الله بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين، قال القاضي هذا عندي ليس على طريق التحديد وإنما ذكره لأن

(8/127)


الغالب ان ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها ومتى كانت لا تصلح للوطئ لا يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنه يحصنها ويربيها لأنه لا يملك الاستمتاع بها وليت له بمحل ولا يؤمن شره نفسه إلى مواقعتها فيفضها، وإن كانت مريضة مرضا مرجوا الزوال لم يلزمها تسليم قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر ولأن العادة لم تجر بتسليم المريضة إلى زوجها والتسليم في العقد يجب على حسب العرف فإن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرفت عليه لأنها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها، فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج وله أن يستمتع بها فإن كانت نضوة الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الإفضاء من عظمه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها فيها دون لفرج وعليه النفقة ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وإنما الامتناع لأمر من جهته وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء فإن طلب تسليمها إليه وهي حائض احتمل أن لا يجب ذلك كالمرض المرجو زواله، واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج * (مسألة) * (وإنما يجب تسليمها في بيت الزوج إذا لم تشترط دارها) وقد ذكرنا ذلك في بابه ويجب عليها تسليم نفسها في دارها (فصل) فإن كانت حرة لزم تسليمها ليلاً ونهاراً لأنه لا حق لغيره عليها * (مسألة) * (فإن سألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة بإصلاحها أمرها فيها كاليومين والثلاثة)

(8/128)


لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطرقوا اليساء ليلاً حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فمنع من الطروق وأمر بامهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فههنا أولى * (مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل) وللسيد استخدامها نهاراً وعليه إرسالها بالليل للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من أمته منفعتين الاستخدام والاستمتاع، فإذا عقد على احداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استطابتها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار، فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها، وأن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك فقال
ما أدري؟ فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها فمنع منه كما لو أراد الزوج السفر بها ويحتمل أن له السفر بها لأنه مالك لرقبتها فهو كسيد العبد إذا زوجه (فصل) ويجوز للسيد بيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها * (مسألة) * (وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع "

(8/129)


متفق عليه، ولقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه، فإن اشترطت بلدها فلها شرطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج " * (مسألة) * (ولا يجوز وطؤها في الحيض إجماعاً) لقول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) ولا يجوز وطؤها في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال ما رأيت أحداً اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أحله بقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) وقوله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية.
ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن " وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " رواهما ابن ماجة، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " من

(8/130)


أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواهن كلهن الأثرم، فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فانزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتى متفق عليه، وفي رواية " ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج " والآية الأخرى المراد بها ذلك (فصل) فإن وطئها في دبرها فلا حد عليه لأن في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليهما الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطئ في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة، فان كان الوطئ في أجنبية فعليه حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطئ زوجته في الدبر احصان انما يحصل بالوطئ في الفرج لأنه وطئ كامل بخلاف هذا ولا الإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة لأن الوطئ لحق المرأة وحقها الوطئ في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الاذن في النكاح لأن بكارة الأصل باقية (فصل) فأما التلذذ بين الأليتين من غير إيلاج فلا بأس به لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى وذلك مخصوص في الدبر فاختص التحريم به * (مسألة) * (ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها)

(8/131)


معنى العزل أن ينزع إذا قرب الإنزال فينزل خارجاً من الفرج وهو مكروه، رويت كراهته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي عن أبي بكر الصديق أيضاً لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال " تناكحوا تناسلوا تكثروا " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " إلا أن يكون العزل لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب فتدعو حاجته إلى الوطئ ذكر الخرقي في هذه: أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده، أو تكون له أمة فيحتاج الى وطئها والى بيعها.
فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن إمائه فإن عزل من غير حاجة
كره ولم يحرم وقد رويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.
وروي أبو سعيد قال ذكر يعني العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " فلم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها " متفق عليه، وعنه إن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن

(8/132)


اليهود تحدث أن العزل هي الموءدة الصغرى قال " كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه " رواه أبو داود ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحباً، لأن حقها في الوطئ دون الإنزال بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة، وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أولى لما روي عن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة ولأن لها في الولد حقها وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها.
(فصل) والنساء ثلاثة أقسام إحداهن زوجته الحرة فلا يجوز العزل عنها إلا بإذنها في ظاهر المذهب وقد ذكرنا ذلك.
(الثانية) : أمته فيجوز العزل عنها، نص عليه أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وذلك لأنه لا حق لها في الوطئ ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة فلأن تملك المنع من العزل أولى.
(الثالثة) زوجته الأمة فالأولى جواز العزل عنها بغير إذنها وهو قول الشافعي استدلالاً بمفهوم الحديث المذكور.
وقال ابن عباس يستأذن الحرة، ولا يستأذن الأمة ولأن عليه ضرراً في إرقاق ولده بخلاف الحرة، ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطئ في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة فلم يجز

(8/133)


بغير إذنها كالحرة.
وقال أصحابنا لا يجوز العزل عنها إلا بإذن سيدها لأن الولد له والأولى جوازه
لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولأن السيد لا حق له في الوطئ فلا يجب استئذانه في كيفيته ويحتمل أن يكون استئذانها مستحباً لأن حقها في الوطئ لا في الإنزال بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة.
* (مسألة) * (وله إجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات وأخذ الشعر الذي تعافه النفس إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض والنفاس وفي سائر الأشياء روايتان) وجملة ذلك أن للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فإن احتاجت الى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل.
فإما الذمية ففيها روايتان.
(أحديهما) له اجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة (والثانية) : ليس له إجبارها.
وهو قول مالك والثوري فان الوطئ لا يقف عليه لاباحته بدونه، وللشافعي قولان كالروايتين، وفي إزالة الوسخ والدرن وفي تقليم الأظافر وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة، ويستوي في هذا المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها

(8/134)


على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة ذكرها القاضي وكذلك الأظفار فإن طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان، وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكرات؟ على وجهين (أحدهما) له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع.
(والثاني) ليس له ذلك لأنه لا يمنع الوطئ، وله منعها من السكر وإن كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع بها ويزيل عقلها ولا يأمن أن تجني عليه فأما شرب ما لا يسكر فله منع المسلمة منه لانهما يعتقدان تحريمه، وليس له منع الذمية منه نص عليه أحمد لأنها تعتقد إباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فيها منه لما فيه من الرائحة الكريهة فهو كالثوم، وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد حل يسير النبيذ ومذهب الشافعي على نحو من هذا كله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال إن كانت حرة) وجملة ذلك أن قسم الابتداء واجب ومعناه أنه إذا كانت له امرأة حرة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن له عذر، وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع، وبه قال الثوري وأبو ثور، وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا إن كان بترك الوطئ مضرة فإن كان تركه غير مضر لم يلزمه قسم ولا وطئ لأن أحمد قال إذا وصل الرجل الى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل.
وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه

(8/135)


ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل "؟ قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل " صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقاً " متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقاً وقد روى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي والله أنه ليبيت ليله قائماً ويظل نهاره صائماً فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فجاء فقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فإني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض على البصرة روى ذلك عن عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة من وجوه هذا أحدهما وفي لفظ قال عمر نعم القاضي أنت، وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته كالزيادة في النفقة على قدر الواجب.
* (مسألة) * (وإن كانت أمة فمن ثمال ليال ليلة) هذا اختيار شيخنا قال أصحابنا من كل سبع لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها

(8/136)


السابعة والاولى أولى ليكون على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان ليلتان ولو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان وللأمة ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن سبعا فماذا نصنع في الليلة الثامنة إن أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره شيخنا تكون هذه الليلة الثامنة له إن أحب انفرد فيها وإن أحب بات عند الأولى مستأنفاً للقسم وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وإن كانت أمة واحدة فلها ليلة وله سبع وعلى قول الأصحاب لها ليلة وله ست * (مسألة) * (وله الانفراد بنفسه فيما بقي وقد ذكرناه لأنه قد وفاهن حقهن فلم تجب عليه زيادة كما لو وفاهن حقهن من النفقة والكسوة والسكن) * (مسألة) * (وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة)

(8/137)


الوطئ واجب على الرجل إذا لم يكن عذر وبه قال مالك وقال القاضي لا يجب إلا أن يتركه للاضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه) ولنا ما تقدم في المسألة المتقدمة في أول الفصل ولأن في بعض الروايات حديث كعب حين قضى بين الرجل وامرأته قال إن لها عليك حقا بابعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولأنه حق يجب بالاتفاق إذا حلف على تركه فيجب قبل أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجباً لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر مالا يجب ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى رفع ضرر الشهوة عن المرأة كالضائه الى رفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكونء الوط حقاً لهما جميعاً ولأنه لو لم يكن لهما فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالامة (فصل) ويجب في كل أربعة أشهر مرة نص عليه أحمد ووجه أن الله تعالى قدره باربعة أشهر
في حق المولي فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب بدونها * (مسألة) * (فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إن لم يكن له عذر) وجملة ذلك أنه إذا سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ وإن طال سفره ولذلك لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد

(8/138)


رحمه الله ذهب الى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار الى تقديره بهذا لحديث عمر، رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال بينما عمر بن الخطاب يحرس بالمدينه فمر بامرأة وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه ووالله لولا خشية الله وحده * لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عنها عمر فقيل له هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث الى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين وسئل أحمد كم للرجل يغيب عن أهله؟ قال يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له * (مسألة) * (فإن أتى شيئاً من ذلك لم يكن ثم عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما) قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول غداً أدخل بها إلى شهر يجبر على الدخول قال أذهب الى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولي وقال أبو بكر بن جعفر لم يرو مسألة بن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك

(8/139)


وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للأيلاء أثر ولا خلاف في اعتباره وقال بعض أصحابنا أن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ
نكاحه، وروي ذلك عن أحمد ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطئ وهو حاضر فههنا أولى وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه، وعن أحمد ما يدل على أن الوطئ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب لأنه حق له فلم يجبر عليه كسائر حقوقه وهذا مذهب والأول أولى لما ذكرنا (فصل) سئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة قال له إي والله يحتسب الولد فإن لم يرد الولد يقول هذه المرأة شابة لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح وإن أبا ذر روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مباضعتك أهلك صدقة " قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال " أرأيت لو وضعه في غير حقه؟ ما كان عليه وزر " قال بلى قال " أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير؟ " ولانه وسيلة الى الولد وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو الى بعض ذلك * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني) لقول الله تعالى (وقدموا لأنفسكم) قال عطاء هي التسمية عند الجماع، وروى ابن عباس قال:

(8/140)


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً " متفق عليه (فصل) ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس قال احمد ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله وقال أحمد في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما روي عن الحسن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال " لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا - ثم أقبل على النساء فقال - لعل إحداكن تحدث بما يصنع بها زوجها قال فقالت امرأة إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال - لا تفعلوا فإنما
مثلكم كمثل الشيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون " وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك.
* (مسألة) * (ولا يكثر الكلام حال الوطئ) لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تكثروا الكلام عند مجامعة

(8/141)


النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه ويستحب أن يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها لتنال من لذة الجماع ما ناله، وقد روى عمر بن العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ " قلت وذلك إلي؟ قال " نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمسها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها " * (مسألة) * (ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ) لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى الرجل حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها " ولأن في ذلك ضرراً عليها ومنعاً لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه يتمسح بها فإن عائشة قالت: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة * (مسألة) * (ولا بأس أن يجمع بين وطئ نسائه وإمائه بغسل واحد) لما روى أنس قال سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل من نسائه غسلاً واحداً في ليلة واحدة ولأن حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بديل إتمام الجماع ويستحب الوضوء عند معاودة الوطئ نص عليه

(8/142)


أحمد قال فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولأن الوضوء يزيده نظافة ونشاطة فاستحب وإن إغتسل بين كل وطئين فهو أفضل فإن أبا رافع روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه
جميعاً فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأطهر رواه الإمام أحمد في المسند وروى هذه الأحاديث التي في آداب الجماع كلها أبو حفص العكبري وروى ابن بطة بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل من أول الليل ثم أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة " (فصل) وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد إلا برضاهما صغيراً كان المسكن أو كبيراً لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة فاجتماعهما يثير الخصومة والمقابلة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد فإن رضيا بأن يجامع إحداهما بحيث ثراه الأخرى لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يجز برضاهما وإن اسكنهما في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت جاز إذا كان ذلك سكن مثلهما * (مسألة) * (ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرهما لأن فيه دناءة ولا يحدثها بما جرى بينهما ولا يحدث غيرها لما روي من حديث الحسن

(8/143)


(فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعجبون من سعد لأنا أغير منه والله أغير مني " وعن علي رضي الله عنه قال بلغني ان نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق أما تغارون انه لا خير فيمن لا يغار وقال محمد بن علي بن الحسين كان إبراهيم عليه السلام غيوراً وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب.
* (مسألة) * (وله منعها من الخروج من منزلها إلى مالها منه بد سواء ارادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما) قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها وقد روى ابن بطة في احكام النساء عن أنس أن رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عيله وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله عليه وسلم " اتقي الله لا تخالفي زوجك "
فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم " إني قد غفرت لها بطاعة زوجها ولأن طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك واجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه * (مسألة) * (فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه) لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها منه قطيعة الرحم وحمل لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى

(8/144)


بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف فإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة ولأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع فإن كانت مسلمة فقال القاضي له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث منعه من منعها وهو قوله عليه الصلاة والسلام " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وروي أن ابن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فكانت تخرج الى المساجد وكان غيوراً فيقول لها لو صليت في بيتك فتقول لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا وقال أحمد في الرجل تكون له المرأة والأمة النصرانية يشتري لها زناراً قال لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له جاريته تعمل الزنانير؟ قال لا (فصل) وليس على المرأة خدمة زوجها في العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى على ما كان خارجاً من البيت من عمل رواه الجوزجاني من طرق وقال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل " ورواه باسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه

(8/145)


فكيف بمؤنة معاشة؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال " يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذ بها بحجر " وروي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها ذلك
ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي وفاطمة فعلى ما يليق بها من الاخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الإيجاب كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بغرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجباً عليها وكذلك لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة ولكن الاولى فعل ما جرت به العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه.
* (مسألة) * (ولا تملك المرأة اجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها) أما إذا فعلت ذلك بإذنه جاز ولزم العقد لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وإن كان بغير إذنه لم يصح لما يتضمن من تفويت حق زوجها وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويجوز في الآخر لأنه تناول محلا غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل ولنا أنه عقد يفوت به حق من ينسب له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة المستأجر فأما إن أجرت

(8/146)


المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة لأن منافعها ملكت بالعقد السابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة وداراً مشغولة فإن نام الصبي واشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعها وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها إلا برضى الولي لأن ذلك ينفص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي ولأنه يجوز له الوطئ مع إذن الولي فجاز مع عدمه لأنه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقوقه * (مسألة) * (وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه) وجملته أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها إلا أن يضطر إليها لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له المنع كالخروج من منزله فان اضطر الولد
إليها بأن لا يوجد مرضعة سواها ولا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته.

(8/147)


(فصل) فإن أرادت رضاع ولدها منه ففيه وجهان (أحدهما) أن له منعها من رضاعة ولفظ شيخنا في هذا الكتاب يقتضيه بعموم لفظه وهو قول الشافعي ولفظ الخرقي يقتضيه أيضاً لأنه يخل باستمتاعه منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره وهذا ظاهر كلام القاضي (والثاني) ليس له منعها ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال فإن أرادت رضاع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وهكذا ذكره شيخنا في كتاب نفقة الأقارب في الكتاب المشروح لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الأمر وهو عام في كل واحدة ولا يصح من أصحاب الشافعي حمله على المطلقات لأنه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجراً لرضاع ولا غيره وقولنا فط الوجه الأول أنه يخل باستمتاعه قلنا لإيفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعاً كما أن قضاء دينه بدفع ماله فيه واجب سيما إذا تعلق به حق الولد في كونه مع أمه وحق الأم في الجمع بينها وبين ولدها وهذا ظاهر كلام ابن أبي موسى * (فصل) * في القسم الأول قال رضي الله عنه (وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم الأول) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وليس مع الميل معروف وقال سبحانه (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان إلى أحديهما جاء يوم القيامة

(8/148)


وشقه مائل " وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " رواهما أبو داود * (مسألة) * (وعماد القسم الليل إلا لمن معيشته بالليل كالحارس)
ولا خلاف في هذا وذلك لأن الليل لسكن والإيواء يأوي فيه الإنسان الى منزله ويسكن الى أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش والخروج والكسب والاشتغال قال الله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقال سبحانه (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة ليلة ويكون في النهار في معاشه فيما شاء مما يباح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحارس ومن أشبه فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره (فصل) والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي في يومي وإنما قبض صلى الله عليه وسلم نهاراً ويتبع اليوم الليلة الماضية لأن النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه من بعد

(8/149)


غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وإن أحب أن يجعل النهار مضافاً الى الليل الذي يعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت * (مسألة) * (وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر إلا بقرعة) متى كان عنده نسوة لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة ولأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أفرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه متفق عليه فالقرعه في السفر منصوص عليها وابتداء القسم مقيس عليه * (مسألة) * (إذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية) لتعين حقها فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية الى الثانية بغير قرعة لأن حقها متعين فإن كن ثلاثاً أقرع في الليلة الثانية للبداءة باجدى الباقيتين فإن كن أربعاً أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الاولى فجعل سهما للأولى وسهما
للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكانت لكل واحدة ما خرج لها * (مسألة) * (وليس عليه التسوية بينهن في الوطئ بل يستحب) ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب الشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل الى

(8/150)


إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فانه أبلغ في العدل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبلة ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبلة واللمس ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى (فصل) وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن قال أحمد في الرجل له امرأتان له ان يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكنى إذا كانت الاخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجبت لم يمكنه القيام بها إلا بحرج فسقط وجوبها كالتسوية في الوطئ * (مسألة) * (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية) وبهذا قال علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي واسحاق وأبو عبيد وذكر أبو عبيد أنه مذهب الثوري والاوزاعي واهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء فكذلك هذا ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة

(8/151)


ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولأن الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها الإيواء ويخالف النفقة والسكنى فانه مقدر بالحاجة وحاجتها كحاجة الحرة وأما قسم الابتداء فإنما شرع
ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسئلتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما (فصل) والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعاً حرتين فليلة وليلة قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعي والنخعي والزهري والحكم وحماد ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها ولا يحتمل لها الايواء التام بخلاف الكتابية (فصل) فإن أعتقت الأمة في ابتداء مدتها أضاف الى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساوياً ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت لها بعد استيفاء حقها وإن عتقت قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لأنهما تساويا فسوى بينهما (فصل) والحق في القسم للامة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لان الابواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت

(8/152)


اسقاطه، وذكر القاضي أن قياس قول أحمد أنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا يجوز هبتها لحقها من القسم إلا باذنه، وهذا لا يصح لأن الوطئ لا يتناوله القسم فلم يكن للمولى فيه حق ولأن المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لإثبات الحق له ههنا (فصل) ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخصي وبذلك قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأن القسم للأنس وذلك حاصل ممن لا توطأ وقد روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور على نسائه ويقول " أين أنا غداً أين أنا غداً " رواه البخاري، فإن شق عليه ذلك استأذنهن في الكون عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال " إني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن " فأذن له رواه أبو داود.
فإن لم يأذن له أقام عند احداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعاً
إن أحب، فإن كان الزوج مجنونا لا يخاف منه طاف به الولى عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة فإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لأنه حق ثبت في ذمة فلزمه إيفاؤه حال الافاقة كالمال * (مسألة) * (ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن

(8/153)


سواء في القسم) وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك التي ظاهر منها لأن القصد الايواء والسكن والأنس وهو حاصل لهن، فأما المجنونة فإن كانت لا يخاف منها فهي كالعاقلة، وإن خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها * (مسألة) * (فان دخل في ليلتها الى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فإن لم يلبث لم يقض وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي لها ذلك من حق الأخرى) وجملة ذلك أنه إذا دخل في زمنها الى ضرتها فإن كان ليلاً لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون منزولاً بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه فإن فعل ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام وبرأت المرأة المريضة قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها، وإن دخل لحاجة غير ضرورية أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لأنه لا فائدة في قضاء اليسير، وإن دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قضاؤه لان الوطئ لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى (والثاني) يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما وهذا هو الصحيح لأن اليسير مع الجماع أشق على ضرتها وأغبط لها من الكثير من غير جماع فكان وجوب قضائه أولى، فإما الدخول الى المرأة في يوم غيرها في النهار فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لعبد عهده بها فيجوز لذلك ولما روت عائشة قالت كان

(8/154)


رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ إلا الجماع، وإذا دخل عليها لم يجامعها ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه، وفي الاستمتاع منها بما دون
الفرج وجهان (أحدهما) يجوز لحديث عائشة (والثاني) لا يجوز لأنه يحصل به السكن فأشبه الجماع فإن أطال المقام عندها قضاه وإن جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان على ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا إلا أنه لا يقضي إذا جامع في النهار.
ولنا أنه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع كالليل (فصل) فإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فان كان في النهار أو أول الليل أو آخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج الى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة العشاء ولصلاة الفجر قبل طلوعه، وأما النهار فهو للمعاش والانتشار، وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك وإن أقام قضاه لها سواء كانت إقامته لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها، وإن أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما فبعضها أولى، ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء يعتبر فيه المماثلة كقضاء العبادات والحقوق، وإن قضاه من غيره من الليل مثل أن فاته في أول الليل فقضاه في

(8/155)


آخره أو بالعكس جاز في أحد الوجهين لأنه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة.
إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فيحتاج الى قضاء، ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها وأما أن يقسم ليلة بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وله أن يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه، وأما أن يقسم المتروك بينهما مثل أن يترك من ليلة احداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة (فصل) والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم هكذا ولأنه أصون لهن واستر حتى لا يخرجن من بيوتهن، فإن اتخذ لنفسه منزلاً يدعو إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها جاز ذلك لأن الرجل ينقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن من إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها، وإن اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء، وإن حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه
بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكنى مثلهن وإن لم يكن لم يلزمهن إجابته لأن عليهن في ذلك ضرراً، وإن أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس (فصل) ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن، وقال القاضي

(8/156)


له أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والأولى مع هذه ليلة وهذه ليلة لأنه أقرب لعهدهن به، ويجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلة ليلة ولأن التسوية واجبة وإنما جوزنا البداية بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند إحداهن ليلة بقيت الليلة الثانية حقاً للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولانه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولأن للتأخير عليها ضرر فان لم يفعل فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال، والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق (فصل) فإن كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فإما أن يمضي الى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه فيجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الامكان سقط حقها لنشوزها، وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن

(8/157)


أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر أو أكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما (فصل) فإن قسم ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي ولا تبيت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة
استأنف القسم بينهما ولم يقض للناشز لأنها اسقطت حق نفسها، فإن كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشراً لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل للناشز خمسة ثم يستأنف القسم بين الجميع، فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي للمظلومة فانه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكراً وثلاث إن كانت ثيبا ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة * (مسألة) * (وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد الانتقال بنسائه الى بلد آخر فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل وليس له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن، فإن خص

(8/158)


إحداهن قضى للباقيات كالحاضر فان لم يمكنه الجمع أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعاً مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن، وإن أراد افراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضي للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيماً وانقطع حكم السفر عنه * (مسألة) * (ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد سفراً فأحب حمل نسائه كلهن معه أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة، لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر وههنا قد سوى، وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له ذلك إلا بقرعة، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وحكي عن مالك أن له ذلك كن غير قرعة وليس بصحيح فإن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، متفق عليه ولأن في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلاً لها وميلاً إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم، وإن أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضاً فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فصارت القرعة لعائشة وحفصة، رواه البخاري.
ومتى
سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد

(8/159)


قدومه، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وحكي عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها، ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل لكن إن كان مسافراً بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل قسم السفر فيتعذر القضاء.
ولنا أنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضراً.
إذا ثبت هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها بمبيت ونحوه فأما زمان السير فلم يحصل لها منه إلا المشقة والتعب فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتاً عندها واستمتاعاً بها لمال كل الميل.
(فصل) فإن خرجت القرعة لاحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم فإن أراد السفر بغيرها لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها الى غيرها وإن وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها فيجوز هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضاه كما لو وهبت ليلتها في الحضر وإن وهبته للزوج أو للجميع جاز، وإن امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج، وإن أبى فله اكراهها على السفر معه لما ذكرنا، وإن رضي بذلك استأنف القرعة بين البواقي، وإن رضي الزوجات

(8/160)


كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار الى القرعة، ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى.
وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم تجز المسافرة بإحداهن
دون الأخرى كما لا يحوز إفراد إحداهن بالقسم دون غيرها، ومتى سافر بإحداهن بقرعة ثم بدا له بعد السفر نحو أن يسافر الى القدس ثم يبدو له فيمضي الى مصر فله استصحابها معه لأنه سفر واحد قد أقرع له فإن أقام في بلدة مدة احدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بما لأنه في حكم السفر يجري عليه أحكامه وإن زاد على ذلك قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج من حكم السفر وإن أجمع على المقام قضى ما أقامه وإن قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلد، أو بلدة أخرى لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقر أقرع له * (مسألة) * (وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير اذنه سقط حقها من القسم) لا نعلم خلافاً في ذلك لأنها عاصية له بمنع نفسها منه فسقط حقها كالناشزة * (مسألة) * (وإن أشخصها هو فهي على حقها من ذلك)

(8/161)


نحو أن يبعثها في حاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين، ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها، كما لو اتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه، فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها، وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعاً.
* (مسألة) * (وإن سافرت لحاجتها بإذنه فعلى وجهين) إذا سافرت المرأة في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم في أحد الوجهين، هذا الذي ذكره الخرقي والقاضي، وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر انها لا تسقط، وهو قول الشافعي لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه، ووجه الأول أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها، وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط القسم وجهاً واحداً لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفر كان أولى ويكون في النفقة الوجهان
* (مسألة) * (وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذنه أو له فيجعله لمن شاء منهن) لأن الحق لها وللزوج فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة

(8/162)


قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت انما منعته المزاحمة لحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت لما لو كانت منفردة، وقد ثبت ان سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، متفق عليه ونحو ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها، وروى ابن ماجة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شئ فقالت صفية لعائشة هل لك أن ترضي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فأخذت خماراً مصبوغاً بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إليك يا عائشة إنه ليس يومك " قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالأمر فرضي عنها إذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض، وإن وهبتها لواحدة كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضا الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لان الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها

(8/163)


كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخيراً لحق غيرها وتغييراً لليلتها بغير رضاها فلم يجز، وكذلك الحكم اذا وهبتها الزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها، وفيه وجه آخر أنه لا يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها * (مسألة) * (فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض وليس لها الرجوع فيها مضى) لأنه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها
فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئاً لأن التفريط منها (فصل) فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالاً لزمها رده وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها فإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها عنها أو غيره جاز لأن عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره * (مسألة) * (ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن كيف شاء) ومن له نساء وإماء فله الدخول على الاماء كيف شاء والاستمتاع بهن إن شاء كالنساء، وإن شاء أقل وإن شاء أكثر، وإن شاء ساوى بين الاماء وإن شاء فضل، وإن شاء استمتع ببعضهن دون بعض، بدليل قول تعالى (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وريحانة فلم يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بجب السيد ولاعنته ولا يضرب لها مدة الإيلاء * (مسألة) * (ويستحب التسوية بينهن لئلا يضر ببعضهن وأن لا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن) إذا احتاجت الأمة الى النكاح وجب عليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها * (فصل) * قال رحمه الله (وإذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم دار، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم دار) متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعاً إن كانت بكراً ولا يقضيها

(8/164)


للباقيات، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعاً فإنه يقيمها عندها ويقضي الجميع للباقيات.
روى ذلك عن أنس وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو عبيدة وابن المنذر.
وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي، وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم
فإن أقام عندها قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعاً.
ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، قال ابو قلابة ولو شئت لقلت إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً وقال " ليس بك على اهلك هو ان إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي " رواه مسلم، وفي لفظ " وإن شئت ثلثت ثم درت " وفي لفظ رواه الدارقطني " إن شئت أقمت ثلاثاً خالصة لك وإن شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي " وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه، وليس مع ما خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة.
(فصل) والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) كقولنا (والثاني) الأمة على النصف من الحرة كسائر القسم (والثالث) للبكر من الاماء أربع وللثيب ليلتان تكميلاً لبعض الليلة.
ولنا عموم قوله عليه السلام " للبكر سبع وللثيب ثلاث " ولانه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة سواء في الاحتياج الى ذلك فاستويا فيه كالنفقة

(8/165)


* (مسألة) * (وإن زفت إليه امرأتان قدمت السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار وإن زفتا معا قدم إحداهما بالقرعة ثم أقام عند الأخرى) يكره أن تزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما وتستضر التي لا يوفيها حقها، فإن دخلت إحداهما إليه قبل الأخرى بدأ بها فوفهاها حقها ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم، وإن زفت الثانية في أثناء مدة العقد أتمه للأولى ثم قضى حق الثانية وإن دخلتا عليه جميعاً في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما ثم وفي للأخرى بعدها (فصل) وإذا كان عنده امرأتان فبات عند احداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة
بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها ثم ثبت عند الجديدة ثم يبتدئ انقسم وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها الثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بازاء حصل لكل واحدة من ضرتها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكاناً ينفرد فيه أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجئ منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء حقها بدون هذا الحرج فيكون أولى إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (وإن أراد السفر فخرجت القرعة لأحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد) إذا تزوج امرأتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه (والثاني) لا يقضيه لئلا يكون تفضيلاً لها على التي سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الإيواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون ميلاً

(8/166)


فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمة في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجهاً واحداً وفيما زاد الوجهان، ويحتمل في المسألة وجهاً ثالثاً وهو أن يستأنف حق العقد لكل واحدة منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب الى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط (فصل) فإن كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعاً قسم للجديدة سبعاً إن كانت بكراً وثلاثاً إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينهما وبين القديمة وإن أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة سافرت معه ودخل حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه * (مسألة) * (وإن طلق إحدى نسائه في ليلتها أتم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين
* (مسألة) * (وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس) لقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار.
وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فيما ذكرنا فإن تعذر عليه المقام عندها ليلاً لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج الى صلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الجماعة لذلك ويخرج لما لابد له منه فإن أطال قضاه ولا يقضي اليسير * (فصل في النشوز) * وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها أرتفعت وتعالت عما وجب عليها من طاعته * (مسألة) * (فمتى ظهرت منها إمارات النشوز بأن لا تحبيبه إلى الاستمتاع أو تحبيبه متبرمة ومتكرهة

(8/167)


وعظها فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام فإن أصرت فله أن يضربها ضرباً غير مبرح) متى ظهرت من المرأة امارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الاثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها وضربها لقول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فإن أظهرت النشوز وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه او تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء لقول الله تعالى (واهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد إن عصت المرأة زوجها فله ضربها ضرباً غير مبرح ظاهر هذا إباحة ضربها لقول الله تعالى
(واضربوهن) ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي أن المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم عليه منزله فأراد إخراجه، وأما قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية ففيها اضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن اصررن فاضربوهن كما قال سبحانه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضر بها لخوف النشوز قبل اظهاره وللشافعي قولان كهذين فإذا لم ترتدع بالهجر والوعظ فله ضربها لقول الله تعالى (واضربوهن) وقال النبي صلى الله عليه

(8/168)


وسلم " إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح " رواه مسلم ومعنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضرباً غير مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه المواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال " إن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت " وروى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم " ولا يزيد في ضربها على عشرة أصوات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " متفق عليه (فصل) وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي في تفسير قوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) قال علموهم أدبوهم وروى الحلال باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله عبداً علق في بيته سوطاً يؤدب أهله " فإن لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا
أبوها لم يضربها؟ والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألن رجلاً فيما ضرب امرأته " رواه أبو داود لأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيا وإن أخبر بغيره كذب (فصل) وإن خافت المرأة نشوز زوجها واعراضه عنها لرغبته عنها لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها لتسترضيه بذلك لقوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) وروي البخاري عن عائشة (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي وعن عائشة أن سودة

(8/169)


بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت ففي ذلك أنزل الله جل شأنه وفي أشباهها أراه قال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) رواه أبو داود ومتى صالحت على ترك شئ من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك قال أحمد في الرجل يعيب على امرأته فيقول لها إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت * (مسألة) * (فإن ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له اسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف) وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن كان من المرأة فهو نشوز وقد ذكرناه وإن بان أنه من الرجل اسكنهما الى جنب ثقة يمنعه من الإضرار بها والتعدي عليها وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعد او إدعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه اسكنهما الى جنب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف لأن ذلك طريق الإنصاف فتعين فعله كالحكم بالحق * (مسألة) * (فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين) والأولى أن يكونا من أهلهما للآية بتوكيلهما ورضاهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من
جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع فما فعلا من ذلك لزمهما والأصل في ذلك قوله سبحانه (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * (مسألة) * (فإن امتنعا من ذلك لم يجبرا عليه وعنه إن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو وكلت المرأة في بذل العوض وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه أنهما وكيلان لهما ولا يملكان التفريق إلا باذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي، وحكي عن الحسن وأبي حنيفة لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما (والثانية) أنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما، روي نحو ذلك عن علي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي

(8/170)


والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فسماهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال (إن يريدا إصلاحا) فخاطب الحكمين، بذلك، وروى أبو بكر باسناده عن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأة أتيا علياً مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فبعثوا حاكمين ثم قال علي للحاكمين هل تدريان ما عليكما، من الحق؟ عليكما، من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة رضيت بكتاب الله على ولي.
فقال الرجل أما الفرقة فلا، فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك، ويروى أن عقيلاً تزوج فاطمة بنت عقبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكماً من أهله عبد الله بن عباس وحكماً من أهلها معاوية، فقال ابن عباس لأفرقن بينهما، وقال معاوية ما كنت لافرق بين شخصين من بني عبد مناف، فلما بلغا الباب كانا قد أغلقا الباب واصطلحا، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضى عنه الدين من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع (فصل) ولا يكون الحكمان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء
قلنا هما حكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقاً بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلاً كما لو نصب وكيلاً لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه يفتقر الى الرأي والنظر، فقال القاضي ويشترط كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة.
قال شيخنا والأولى أن يقال ان كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وإن كانا حاكمين اعتبرت الحرية لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبداً ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان في ذلك فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطاً في الحكم ولا الوكالة فكان الأمر بذلك إرشاداً واستحباباً، فإن قلنا هما وكيلان فلا يفعلان شيئاً حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح أو تأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه، فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا، وإن قلنا إنهما حكمان فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ حكمهما عليه رضياه أو أبياه

(8/171)


* (مسألة) * (فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الأولى وينقطع على الثانية، وإن جنا انقطع نظرهما على الرواية الأولى ولم ينقطع على الثانية) إذ اغاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين جاز لهما امضاء رأيهما إن قلنا إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة، وإن قلنا إنهما حكمان لم يجز لهما امضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم الوكيل لا بالحكم، وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته، وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل ولا تبطل إذا قلنا انهما حاكمان لأن الحاكم يحكم على المجنون.
وذكر شيخنا في كتاب المغني أنه لا يجوز له الحكم أيضاً لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون.
(فصل) فإن شرط الحاكمان شرطاً أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشرطا ترك بعض النفقة والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضى الموكلين فبرضى الوكيلين أولى، وإن أبرأ وكيل المرأة
من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع، وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل.
إن لم ترض الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق

(8/172)