الشرح الكبير على متن المقنع

* (كتاب الخلع) * * (مسألة) * (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه) وجملة ذلك أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك (وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شأنك؟ " قالت لا أنا ولا ثابت فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله كلما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت ابن قيس " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك واحمد وغيرهما وفي رواية للبخاري قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فردتها عليه وأمره ففارقها، وفي رواية فقال له " اقبل الحديقة

(8/173)


وطلقها تطليقة ولأن حاجتها داعية الى فرقته ولا تصل إليها إلا ببذل العوض فأبيح لها ذلك كشراء المتاع وبهذا قال جميع الفقهاء بالشام والحجاز قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية وروي عن بن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلاً لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)
ولنا الآية التي تلونا والخبر ولأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فيكون إجماعاً ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شئ من ذلك إذا ثبت هذا فإنه يسمى خلعاً لأن المرأة ننخلع من لباس زوجها قال الله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بما تبذله قال الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) (فصل) ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه أحمد فقال يجوز الخلع دون السلطان، وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعن الحسن وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان

(8/174)


ولنا قول عمر وعثمان ولانه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد بالتراضي أشبه الاقالة: (فصل) ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها لأن المنع من الطلاق في الحيض لأجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تركهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع اعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها ولأن ضرر تطويل العدة عليها والخلع بسؤالها فيكون ذلك رضى منها به ودليلاً على رجحان مصلحتها فيه * (مسألة) * (وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه لا يجوز) أي ان خالعته مع استقامة الحال كره لها ذلك ويصح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وعن أحمد ما يدل على تحريمه فإنه قال الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود قال إبن المنذر روي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لأن

(8/175)


الله تعالى قال (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله) وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا الا يقيما حدود الله ثم قال (فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما فيما افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) ، وروى ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما باس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المختلعات والمتبرجات هن المنافقات " رواه أبو حفص وأحمد في المسند وذكره محتجاً به وهذا يدل على تحريم المخالعة من غير حاجة ولأنه اضرار واحتج من أجازه بقوله سبحانه (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال إبن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في العقد وأجازه في الهبة قال شيخنا والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها في عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار * (مسألة) * (فأما إن عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقاً فيكون رجعياً) يعني بعضلها مضاراً بها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفدي نفسها فإن فعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي

(8/176)


والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص ولنا قول الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) ولانه عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والأجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق ووقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة.
وان قلنان هو فسخ ولم ينوبه الطلاق لم يقع شئ لأن الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى إنما رضي بالفسخ ههنا بالعوض فإذا لم
يحصل العوض فقال مالك إن أخذ منها شيئاً على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل لك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض فأما إن ضربها على نشوزها أو منعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لان لك لا يمنعهما أن لا يخافا الا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس ضربها فكسر ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً فقال " خذ بعض مالها وفارقها " فعل رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلماً لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض الذي آتاها ولكن عليه اثم الظلم (فصل) فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن

(8/177)


لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) والاستثناء من النهي اباحة ولانها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى (فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر لا يجوز لأنه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والعمل بالنص أولى * (مسألة) * ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا لأنه إذا ملك الطلاق وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شئ فلأن يملكه محصلاً للعوض أولى * (مسألة) * فإن كان محجوراً عليه دفع المال إلى وليه لأن ولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه * (مسألة) * (وإن كان عبداً دفع إلى سيده لأنه للسيد لكونه من اكتساب عبده واكتسابه له) وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لأنه يملك اكتسابه وهو الذي يتصرف لنفسه، وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه فعلى قوله يصح قبض العبد والمحجور عليه لأن من صح خلعه صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول أحمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وإن استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشئ والمحجور عليه في معنى العبد والأولى أنه لا يجوز لأن العوض في

(8/178)


الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعة الى غير من هو له من غير إذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك له إلا أنه لا يجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد محمول على ما أتلفه العقد قبل تسليمه على أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه فانه لو رجع عليها لرجعت على العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك لسيد فلا فائدة في الرجوع عليها بما يرجع به فيما له وإن سلمت العوض الى المحجور عليه لم يبرأ فإن أخذه الولي منه برئت وإن أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به * (مسألة) * وهل للأب خلع ابنته الصغير أو طلاقها؟ على روايتين) (إحداهما) له ذلك قال أحمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم إن الأبوين كرها هل لهما أن يفسخا؟ قال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا هذه الرواية فيخرج على قولين (أحدهما) يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأنها ولاية يستفيد بها تمليك البضع فجاز أن يملك بها إزالته إذا لم يكن متهماً كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون والاعسار وتزويج الصغير، والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك لقول

(8/179)


النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه وعن عمر أنه قال إنما الطلاق لم يحل له الفرج ولانه اسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء من الدين وإسقاط القصاص ولأن طريقه الشهوة فلم يدخل في الآية والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه فأما غير الأب فليس تطليق امرأة المولى عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوطئ الأب والحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافاً * (مسألة) * (وليس له خلع ابنته الصغيرة بشئ من مالها) لأنه إنما ملك التصرف بمالها فيه الحظ وليس في هذا حظ بل فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبذل مالها ويحتمل أن يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه فإنه يجوز أن يكون لها الحظ فيه بتخليصها ممن يتلف مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيراً ولا سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها وحظ نفسها ومالها كما يجوز له بذله في مداواتها وفكها من الأسر، وهذا مذهب مالك
والاب وغيره من أوليائها في هذا سواء إذا خالعوا في حق المجنونه والمحجور عليها للسفه والصغر فأما ان خالع بشئ من ماله جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى * (مسألة) * (ويصح الخلع مع الزوجة) وقد ذكرناه ويصح مع الاجنبي بغير إذن المرأة مثل أن يقول الأجنبي للزوج طلق امرأتك بألف

(8/180)


علي وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو ثور لا يصح لأنه سفه فإنه يبذل عوضاً في مقابلة مالا منفعة له فيه فإن الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد بألف علي ولنا أنه بذل في اسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع أنه لا يسقط حقاً عن أحد فهنا أولى ولانه حق على المرأة يجوز أن يسقطه عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك فلا يجوز بغير رضى من ثبت له الملك وإن قال طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح ويرد عليه بمهرها.
* (مسألة) * (ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع) (فصل) إذا قالت له امرأته طلقني وضرتي بألف وطلقها وقع الطلاق بهما بائناً واستحق الألف على باذلته لأن الخلع من الأجنبي جائز وإن طلق احداهما فقال القاضي تطلق طلاقاً بائنا وتلزم الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي إلا أن بعضهم قال يلزمها مهر مثل المطلقة.
وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ ووقعت بها التطليقة إنما لا يلزم الباذلة ههنا شئ لأنه لم يجبها الى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولأنه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعاً منه فإذا طلق احداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها (فصل) فإن قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم.
قال الشافعي الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف في الطلاق والعوض

(8/181)


نقضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولاً وقال أبو حنيفة الشرط باطل والعوض صحيح لأن
العقد يستقل بذلك العوض.
ولنا أنها بذلت عوضاً في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت طلقني وضرتي بألف فإن لم يف لها بشرطها فعليه الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل ألا يستحق شيئاً من العوض لأنها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلم يستحقه كما لو طلقها بغير عوض * (مسألة) * (فإن خالعته الأمة على شئ معلوم بغير إذن سيدها كان في ذمتها تتبع به بعد العتق) الخلع مع الأمة صحيح سواء كان بإذن سيدها أو بغير إذنه لا الخلع يصح مع الأجنبي فمع الزوجة أولى ويكون طلاقها على عوض بائناً والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء فإن كان الخلع بغير إذن سيدها على شئ في ذمتها فانه يتبعها إذا عتقت لأنه رضي بذمتها وان كان على عين فقال الخرقي إنه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته إن لم يكن مثلياً لأنها لا تملك العين وما في يدها من شئ فهو لسيدها فيلزمها كما لو خالعها على عبد فخرج حراً أو مستحقاً وقياس المذهب أنه لا شئ له لأنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضياً بغير عوض فلا يكون له شئ كما لو قال خالعتك على هذا المغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في المجرد فقال هو كالخلع على المغصوب لأنها لا تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب

(8/182)


ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها ان سيدها أذن لها في ذلك ولم تكن صادقة أو جهل أنها لا تملك العين أو يكون اختياره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمة ويكون الرجوع عليها في حال عتقها لأنه الوقت الذي يملك فيه كالمعسر يرجع عليه في حال يساره ويرجع بقيمته أو مثله لأنه مستحق بعد تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب (فصل) فإن كان الخلع بإذن السيد تعلق العوض بذمته في قياس المذهب كما لو أذن لعبده في أن يستدين ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة بناء على استئذانها بإذن سيدها وإن خالعته على معين بإذن السيد فيه ملكه وإن أذن في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وإن أطلق الاذن اقتضى الخلع بالمسمى لها فإن خالعت به أو بما دونه لزم السيد وإن كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها
كما لو عين لها قدراً فخالعت بأكثر منه وإن كانت مأذوناً لها في التجارة سلمت العوض بما في يدها (فصل) والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لا تملك التصرف فيما في يدها بتبرع وما لا حظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط نفقتها وبعض مهرها إن كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير إذن السيد فالعوض في ذمتها يتبعها به بعد العتق وإن كان بإذن السيد سلمته بما في يدها وإن لم يكن في يدها شئ فهو على سيدها * (مسألة) * (وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعياً أما المحجور عليها للفلس فيصح خالعها وبذلها للعوض)

(8/183)


لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها ويرجعع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئاً في ذمتها وأما المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الاذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الأمة لأنها أهل للتصرف تصح منها الهبة وغيرها من التبرعات بإذن سيدها وتفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف فإن خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقاً فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضاً وإن لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض.
ويحتمل أن لا يقع الخلع ههنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع ببذله * (مسألة) * (والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ والمفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخاً لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين (والأخرى) هو طلاق بائن بكل حال) اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع إذا لم ينو به الطلاق فروي عنه أنه فسخ اختاره أبو بكر وروي ذلك عن ابن عباس وطاوس وعكرمة واسحاق وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وروي عنه أنه طلقة بائنة بكل حال روى ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والثوري الأوزاعي وأصحاب الرأي

(8/184)


وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث قال ليس لنا في الباب شئ أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى (الطلاق مرتان) ثم قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ثم قال (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقاً لكان رابعاً، ولأنه فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكان فسخاً كسائر الفسوخ، ووجه الرواية الثانية أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقاً ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصداً فراقها فكان طلاقاً كغير الخلع، وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا انها طلقة فخالعها مرة حسبت طلقة فنقص بها عدد طلاقه وإن خالعها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن قلنا هو فسخ لم تحرم عليه وإن خالعها مائة مرد، وهذا لخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه فأما إن بذلت العوض على فراقها فطلقها فهو طلاق لا اختلاف فيه وكذلك إن وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق أو لفظ الخلع أو المفاداة ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضاً لأنه كناية نوى بها الطلاق فكانت طلاقاً كما لو كان بغير عوض، وإن لم ينو به الطلاق فهو الذي فيه الروايتان (فصل) والفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة الفاظ: خالعتك لأنه ثبت له

(8/185)


الفرق، والمفاداة لأنه ورد به في القرآن بقوله سبحانه (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية، وما عدا هذه مثل باريتك وابنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته صح من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى من النية فيه، وإن لم تكن دلالة حالة فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا تقع الكناية إلا بنية ممن يلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه
(فصل) ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوج قال القاضي هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون، وقد أومأ إليه أحمد، وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب الى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفنى بذلك ابن شهاب بعكبر واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا، فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبرئك قسماً وأنا أفدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روي عن أحمد قال قلت لأحمد كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة، وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي

(8/186)


الله عنه من قبل مالاً على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة فيها، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها ولا تزدد " ولم يستدع منه لفظاً ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه الى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الأجر وإن لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون لفظ كما لو سألته أن لا يطلقها بعوض ولأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولأن أخذ المال قبض بعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولأن الخلع إن كان طلاقاً فلا يقع بدون صريحه أو كنايته وإن كان فسخاً فهو أحد طرفي عقد النكاح، فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد، فأما حديث جميلة فقد رواه البخاري " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها " فجعل التفريق قبولاً لعوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظاً ولا دلالة حال ولابد منه اتفاقاً.

(8/187)


* (مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به) وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أنه يقول كل امرأة لي طالق وروي ذلك عن سعيد ابن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد والثوري لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة " ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير ولا يعرف لها مخالف في عصرهما ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول والمنقضية عدتها ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحق طلاقه كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية فلم يلحقها الصريح كما قبل الدخول ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول أنت طالق أو لا يواجهها به مثل أن يقول فلانه طالق وحديثهم لا يعرف له أصل ولا ذكره أهل السنن (فصل) ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والاوزاعي ومالك والشافعي واسحاق وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا الزوج بالخيار بين إمساكه العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة

(8/188)


وقال أبو ثور إن كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض كالولاء مع العتق وأما قوله سبحانه وتعالى (فيما افتدت) وإنما يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر وفارق الولاء فإن العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد * (مسألة) * (وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض)
إذا شرط في الخلع الرجعة فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسداً فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ولأنه لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط كالطلاق الثلاث (والوجه الثاني) يصح ويبطل العوض فتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان فإذا شرطاهما سقطا وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله، كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع، وإذا حكمنا بالصحة فقال القاضي يسقط المسمى في العوض لا به لم يرض به عوضاً حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله إليه فيصير مجهولاً فيسقط ويجب المسمى في العقد، ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع لأنهما تراضيا به عوضاً فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة

(8/189)


(فصل) نقل مهنا في رجل قالت له امرأته اجعل أمري بيدي فأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئاً هو له إنما قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك فقيل له متى شاءت تختار؟ قال نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي أن ترجع عليه بالعوض لانه استرجع ما جعل لها فتسترجع منه ما أعطته، ولو قال إذا جاء رأس الشهر فأمرك بيدك ملك إبطال هذه الصفة لأن هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقاً فمع التعليق أولى كالوكالة، قال أحمد ولو جعلت له امرأته ألف درهم على أن يخيرها فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئاً، ووجهه أن الألف في مقابلة تمليكه إياها الخيار وقد فعل فاستحق الألف وليس الألف في مقابلة الفرقة (فصل) إذا قالت امرأته طلقني بدينار فطلقها ثم أرتدت لزمها الدينار ووقع الطلاق بائناً ولا تؤثر الردة لأنها وجدت بعد البينونة، وإن طلقها بعد ردتها قبل دخوله بها بانت بالردة ولم يقع الطلاق لأنه صادفها بائناً، فإن كان بعد الدخول وقلنا ان الردة ينفسخ بها النكاح في الحال فكذلك، وإن قلنا تقف على القضاء العدة كان الطلاق مراعى فإن أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا أنها لم تكن زوجة حين طلقها فلم يقع ولا شئ له عليها، وإن عادت إلى الإسلام تبينا ان الطلاق صادف زوجة فوقع
واستحق عليها العوض * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ولا يصح الخلع إلا بعوض في إحدى الروايتين فإن خالعها بغير

(8/190)


أعوض لم يقع إلا أن يكون طلاقاً فيقع رجعياً، والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي اختلفت الرواية عن احمد في هذه المسألة فروى عنه ابنه عبد الله قال: قلت لأبي رجل علقت به امرأته تقول اخلعني قال قد خلعتك؟ قال يتزوج بها ويجدد نكاحاً جديداً وتكون عنده على شئ فظاهر هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لانه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق، ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها أو حاجة الى فراقه فتسأله فراقها فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فيصح كما لو كان بعوض، قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة ولا يكون فسخاً (والرواية الثانية) لا يكون خلع إلا بعوض روى عنه مهنا إذا قال لها اخلعي نفسك فقالت خلعت نفسي لم يكن خلعا إلا على شئ إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى، فعلى هذه الرواية لا يصح الخلع إلا بعوض فإن تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق كان طلاقاً رجعياً لأنه يصلح كناية عن الطلاق، وإن لم ينو به الطلاق لم يكن شيئاً وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن الخلع كان فسخاً فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ولذلك لو قال فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شئ بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض، وإن قلنا الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقاً وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بذل العوض فيقوم مقام

(8/191)


النية وما وجد احد منهما، ثم إن وقع الطلاق فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن يكمل الثلاث (فصل) فإن قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان ببعا وخلعا بعوض واحد لأنهما عقدان يصح افراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما كبيع ثوبين وقد نص أحمد على الجمع بين بيع وصرف أنه يصح وهذا نظير لهذا
وذكر أصحابنا فيه وجهاً آخر أنه لا يصح لأن أحكام العقدين تختلف والأول أصح لما ذكرنا وللشافعي قولان أيضاً، فعلى قولنا يتقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك، وإن وجدته حراً أو مغصوباً رجعت به لأن له عوضه، وإن كان مكان العبد شقص مشفوع ثبتت فيه الشفعة ويأخذه الشفيع حصة قيمته من الألف لأنها عوضه * (مسألة) * (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح، وقال أبو بكر لا يجوز وبترك الزيادة) إذا تراضيا على الخلع بشئ صح وإن كان أكثر من الصداق وهذا قول أكثر أهل العلم.
روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها

(8/192)


وعقاص رأسها كان ذلك جائزاً، وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب لا يأخذ أكثر مما أعطاها، وروي ذلك عن علي بإسناد منقطع واختاره أبو بكر فإن فعل رد الزيادة.
وعن سعيد بن المسيب قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئأً، واحتجوا بما روي أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يأخذ منها حديقته ولا يزداد.
رواه ابن ماجه، ولأنه بدل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الإقالة.
ولنا قول الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولأنه قول من سمينا من الصحابة قالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي رضي الله عنه ومثل هذا اشتهر ولم ينكر فيكون إجماعاً ولم يصح عن علي خلافه.
إذا ثبت هذا فإنه لا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد واسحاق وأبو عبيد
وإن فعل جاز مع الكراهة ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي، قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق

(8/193)


ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها.
رواه أبو حفص بإسناده وهو صريح في الحكم فنجمع بين الآية والخبر فنقول الآية دالة على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهة * (مسألة) * (وإن خالعها على محرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض إذا علما تحريمه) ولا يستحق شيئاً وبه قال مالك وابو حنيفة وقال الشافعي له عليها مهر المثل لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض محرماً وجب مهر المثل كالنكاح ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما أسلفنا فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شئ كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل شئ ففعلته، وفارق النكاح فإن دخول البضع في ملك الزوج متقوم ولا يلزم إذا خلعها على عبد فبان حراً لأنه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور وههنا رضي بما لا قيمة له.
إذا تقرر هذا فإن كان الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق رجعي لأنه خلا عن عوض، وإن كان بلفظ الخلع ولم ينو كنايات الخلع فكذلك إذا نوى الطلاق ولأن الكناية مع النية كالصريح، وإن كان بلفظ الخلع ولم ينو الطلاق انبنى على أصل هو أنه هل يصح الخلع بغير عوض؟ وفيه روايتان، فإن قلنا يصح صح ههنا، وإن قلنا لا يصح لم يصح ولم يقع شئ، فإن قال إن أعطيتني خمراً أو ميتتة فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شئ عليها وعند الشافعي عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها

(8/194)


* (مسألة) * (وإن خالعها على عبد فبان حراً أو مستحقاً فله قيمته عليها، وإن بان معيباً فله أرشه أو قيمته ويرده) وجملة ذلك أن الرجل إذا خالع امرأته على عوض فبان غير ماله أو أنه ليس لها مثل أن يخالعها على عبد بعينه فبان حراً أو مغصوباً أو على خل فبان خمراً فالخلع صحيح في قول أكثر أهل العلم لأن
الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح ولكنه يرجع عليها بقيمته لو كان عبداً وبهذا قال أبو ثور وصاحبا أبي حنيفة، وإن خالعها على هذا الدن الخل فبان خمراً رجع عليهما بمثله خلاً لأن الخل من ذوات الأمثال وقد دخل على أن هذا المعين خل فكان له مثله، كما لو كان خلاً فتلف قبل قبضه، وقد قيل يرجع بقيمة مثل خلاً لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال، والصحيح الأول لأنه إنما وجب عليه مثله لو كان خلاً كما تجب قيمة الحر بتقدير كونه عبداً فإن الحر لا قيمة له، وقال أبو حنيفة في المسألة كلها يرجع بالمسمى، وقال الشافعي يرجع بمهر المثل لأنه عقد على البضع بعوض فاسد فأشبه النكاح بخمر، وأحتج أبو حنيفة بأن خروج البضع لا قيمة له فإذا غرته رجع عليها بما أخذت ولنا أنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بذلها مقدرا بقيمتها أو مثلها كالمغصوب والمستعار، وإذا خالعها على عبد فخرج مغصوباً أو على أمة فخرجت أم ولد فقد سلمه أبو حنيفة ووافقنا فيه.

(8/195)


(فصل) وإن ظهر معيباً فله الخيار بين أخذ أرشه ورده وأخذ قيمته لأنه عوض في معاوضة فيستحق فيه ذلك كالبيع والصداق فإن كان على معين كقولها اخلعني على هذا العبد فيقول خلعتك ثم يجد به عيباً لم يكن علم به فهذا يخير فيه بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته على ما ذكرنا، وإن قال إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه.
قال أصحابنا والحكم فيه كما لو خالعها عليه وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لا يجعل له المطالبة بالأرش مع إمكان الرد، وهذا أصل ذكرناه في البيع وله قول انه إذا رده رجع مهر المثل، وهذا الأصل ذكر في الصداق * (مسألة) * (وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة) أما إذا خالعها على سكنى دار معينة فلابد من تعيين المدة كالإجارة فإن خربت الدار رجع عليها بأجرة باقي المدة وتقدر بأجرة المثل وينفسخ العقد والإجارة إذا هلكت الدابة، وأما إذا خالعته على رضاع ولده مدة معلومة صح قل أو كثر وبهذا قال الشافعي لأن هذا إنما تصح المعاوضة عليه في غير
الخلع ففي الخلع أولى فإن خالعته على رضاع ولده مطلقا ولم يذكر مدة صح أيضاً وينصرف الى ما بقي من الحولين نص عليه أحمد قيل له ويستقيم هذا الشرط رضاع ولدها ولا يقول ترضعه سنتين؟ قال نعم وقال أصحاب الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكر المدة

(8/196)


ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين فقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وقال سبحانه (وفصاله في عامين) وقال (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ولم يبين مدة الحمل والفصال ههنا فحمل على ما فصلته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا رضاع بعد فصال " يعني بعد العامين فيحمل المطلق من كلام الآدمي على المطلق من كلام الله تعالى، ولا يحتاج إلى وصف الرضاع لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الاجارة.
فإن ماتت المرضعة أو جف لبنها فعليها أجر المثل لما بقي من المدة، وإن مات الصبي فكذلك، وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينفسخ ويأتيها بصبي ترضعه لأن الصبي مستوفى به لا معقوداً عليه فأشبه ما لو استأجر دابة ليركبها فمات ولنا أنه عقد على فعل في عين فينفسخ بتلفها كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولأن ما يستوفيه من اللبن إنما يتقدر بحاجة الصبي وحاجات الصبيان لا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو أراد إبداله في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة بخلاف راكب الدابة، وإن وجد أحد هذه الأمور قبل مضي شئ من المدة فعليها أجره رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه لا يرجع بشئ وعن الشافعي كقولنا وعنه يرجع بالمهر ولنا أنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثله كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه

(8/197)


(فصل) وإن خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح وإن لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر الطعام والادم ويرجع عند الاطلاق إلى نفقة مثله وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع وقدر الطعام وجنسه وقدر الادم وجنسه ويكون المبلغ معلوماً مضبوطاً بالصفة كالمسلم فيه وما يحل منه كل يوم.
ومبني
الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقاً وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى عليه السلام وقول النبي صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخي موسى آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه " ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ههنا وللوالد أن يأخذ منها ما تستحقه من مؤونة الصبي وما يحتاج إليه لأنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن أحب أنفقه بعينه وإن أحب أخذه لنفسه وأنفق عليه غيره، وإن أذن لها في إنفاقه على الصبي جاز فإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤونة، وهل يستحقه دفعة أو يوماً بيوم؟ فيه وجان (أحدهما) يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في الجامع واحتج بقول أحمد إذا خالعها على رضاع ولده فمات في أثناء الحولين قال يرجع عليها ببقية ذلك فلم يعتبر الأجل ولأنه إنما فرق لحاجة الولد إليه متفرقاً فإذا زالت الحاجة الى التفريق استحق جملة واحدة (والثاني) لا يستحقه إلا يوماً بيوم ذكره القاضي في المجرد وهو الصحيح لأنه ثبت منجماً فلا يستحقه معجلاً كما لو أسلم إليه في خبز يأخذ منه كل يوم أرطالاً معلومة فمات المستحق له ولأن الحق لا يستحق بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق

(8/198)


وإن وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين، وإن ماتت المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين بناء على أن الدين هل يحل بموت من هو عليه أولا * (مسألة) * (وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت) وحكي جواز ذلك عن أحمد وابي حنيفة وهذا إنما يخرج على أصل أحمد إذا كانت حاملاً أما غير الحامل فلا نفقة لها عليه فلا يصح عوضا وقال الشافعي لا تصح النفقة عوضا فان خالعها به وجب مهر المثل لأن النفقة لم تجب بالعقد فلم يصح الخلع عليها كما لو خالعها على عوض ما يتلفه عليها ولنا أنها إحدى النفقتين فصحت المخالعة عليها كنفقة الصبي فيما إذا خالعته على كفالة ولده وقتاً معلوماً وقولهم أنها لم تجب ممنوع فقد قيل ان النفقة تجب بالعقد ثم انها إن لم تجب فقد وجد سبب وجوبها كنفقة الصبي بخلاف عوض ما يتلفه (فصل) والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في
ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه، قال أحمد في امرأة قالت لزوجها اجعل أمري بيدي ففعل ثم خيرت فاختارت نفسها بعدما مات العبد جائز وليس عليها شئ ولو أعتقت العبد ثم اختارت نفسها لم يصح عتقها فلم يصحح عتقها لأن ملكها زال عنه بجعلها له عوضاً في الخلع ولم يضمنها إياه إذا تلف لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون

(8/199)


فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد، ويخرج فيه وجه إنه لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق، فأما المكيل والموزون فلا يصح تصرفه فيه ولا يدخل في ضمانه إلا بقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله لأنه من ذوات الأمثال وقد ذكر القاضي في الصداق أنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن كان مكيلا أو موزوناً لأنه لا ينفسخ سببه بتلفه فههنا مثله * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله ويصح الخلع بالمجهول) وقال أبو بكر لا يصح والتفريع على الأول فإذا قلنا يصح فللزوج ما جعل له وهذا قول أصحاب الرأي وقال أبو بكر لا يصح الخلع ولا شئ له لأنه معاوضة فلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي يصح الخلع وله مهر مثلها لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض مجهولاً وجب مهر المثل كالنكاح.
ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شئ والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض بخلاف النكاح، وإذا صح الخلع فلا يجب مهر المثل لأنها لم تبذله ولا فوت عليه ما يوجبه فإن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو إرضاعها لمن ينفسخ به نكاحها لم يجب عليها شئ، ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها ولو

(8/200)


وطئت بشبهة أو مكرهة لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاوعت لم يكن للزوج شئ وإنما يتقوم البضع على الزوج في النكاح خاصة وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها الى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببذله
فإما إيجاب شئ لم يرض به فلا وجه له * (مسألة) * (فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم صح وله ما في يدها وإن لم يكن في يدها شئ فله عليها ثلاثة دراهم) نص عليه أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة ولفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم وإن كان في يده أقل من ثلاثة احتمل أن لا يكون له غيره لأنه من الدراهم وهو في يدها واحتمل أن يكون له ثلاثة كاملة لأن اللفظ يقتضيها فيما إذا لم يكن في يدها شئ فكذلك إذا كان في يدها.
* (مسألة) * (وإن خالعها على ما في بيتها من المتاع فان كان فيه متاع فهو له قليلاً كان أو كثيراً لأن الخلع على المجهول جائز كالوصية به معلوماً كان أو مجهولاً لأن الإسم يقع عليه وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما يقع عليه أسم المتاع كالوصية وكالمسألة قبلها)

(8/201)


وقال القاضي وأصحابه له المسمى في صداقها لأنها فوتت عليه البضع بعوض مجهول فيجب فيه قيمة ما فوتت عليه وهو الصداق وهو قول أصحاب الرأي ووجه القولين ما تقدم * (مسألة) * (وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشئ وقال القاضي لا شئ له) إذا خالعها على حمل أمتها أو غنمها أو غيرهما من الحيوان أو قال على ما في بطونها أو ضروعها صح الخلع وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح الخلع على ما في بطنها إذا ثبت هذا فان الولد إذا خرج سليماً أو كان في ضروعها شئ من اللبن فهو له وإن لم يخرج شئ فقال القاضي لا شئ له وبه قال مالك وأصحاب الرأي وقال ابن عقيل له مهر المثل وقال أبو الخطاب له المسمى وإن خالعها على ما تحمل أمتها أو على ما يثمر نخلها صح، قال أحمد إذا خالع امرأته على ثمرة نخلها سنين فجائز فإن لم تحمل نخلها ترضيه بشئ قيل له فإن حمل نخلها؟ قال هذا أجود من ذاك قيل له يستقيم هذا؟ قال نعم جائز فيحمل قول أحمد ترضيه بشئ على الاستحباب لأنه لو كان واجباً لتقدر بتقدير يرجع إليه وفرق بين المسئلتين ومسألة الدراهم والمتاع حيث يرجع منهما على ما يقع عليه الاسم إذا لم يجد شيئاً وههنا لا يرجع بشئ
إذا لم يجد حملاً ولا ثمرة أن ثم أو همته ان معها دراهم وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع إمكان علمها به فكان له ما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حراً وفي هاتين المسئلتين دخل

(8/202)


معها في النقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شئ غيره كما لو قال خالعتك على هذا الحر وقال أبو حنيفة لا يصح العوض ههنا لأنه معدوم ولنا أن ما جاز في الحمل في البطن جاز فيما يحمل كالوصية واختار أبو الخطاب أن له المسمى في الصداق وأوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح أبو بكر الخلع في هذا كله وقد ذكرنا نصوص أحمد على جوازه والدليل عليه.
* (مسألة) * (وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبداً وإن قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقاً بائناً وملك العبد نص عليه أحمد وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما إذا خالعها على عبد مطلق أو عبيد وإن قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فإنها تطلق بأي عبد أعطته إياه ويملكه بذلك ولا يكون له غيره وليس له إلا ما يقع عليه اسم العبد وإن خالعته على عبيد فله ثلاثة هذا ظاهر كلام أحمد وقياس قوله وقول الخرقي في مسألة الدراهم وقال القاضي لها عليه عبد وسط وتأول كلام أحمد على أنها تعطيه عبداً وسطاً وقد قال أحمد إذا قال إذا أعطيتني عبدا فمأتت طالق فإذا أعطته عبداً فهي طالق والظاهر من كلامه خلاف ما ذكره القاضي لأنها خالعته على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم ولأنه إذا قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فأعطته عبداً فقد وجد شرطة فيجب أن يقع الطلاق كما لو قال إن رأيت عبداً فأنت طالق ولا

(8/203)


يلزمها أكثر منه لأنها لم تلتزم له شيئاً فلا يلزمها شئ كما لو طلقها بغير خلع (فصل) فإن أعطته مدبراً أو معتقاً نصفه وقع الطلاق لانهما كالقن في التمليك وإن أعطته حراً أو مغصوباً أو مرهوناً لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لا تكون معطية له.
(فصل) فإن خالعها على دابة أو بعير أو بقرة أو ثوب أو يقول إن أعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب في الخلع ما يقع عليه الاسم من ذلك ويقع الطلاق بها إذا أعطته إياه فيما إذا علق طلاقها على عطيته إياه ولا يلزمها غير ذلك في قياس ما قبلها، وقال القاضي وأصحابه من الفقهاء ترد عليه ما أخذت من صداقها لأنها فوتت البضع ولم يحصل له العوض بجهالته فوجب عليها قيمة ما فوتت وهو المهر ولنا ما تقدم ولأنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق فدخلت ولأن المسمى قد استوفى بدله بالوطئ فكيف يجب عليها بغير رضى ممن يجب عليه؟ والأشبه لمذهب أحمد أن يكون الخلع بالمجهول كالوصية به * (مسألة) * (وإذا قال إذا أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه طلقت فإن خرج معيباً فلا شئ له) ذكره أبو الخطاب لأنه شرط لوقوع اطلاق أشبه ما لو قال ان ملكنه فأنت طالق ثم ملكه وإن

(8/204)


خرج مغصوباً لم يقع الطلاق لأن الإعطاء إنما يتناول ما يصح تمليكه منها وما لا يصح تمليكه متعذر فلا يصح من جهتها إعطاء وعنه يقع وله قيمته وكذلك فيما إذا قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق ثم فأعطته عبداً مغصوباً لأنه خالعها على عوض يظنه مالاً فبان غير مال فيكون الخلع صحيحاً لأنه معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح فعلى هذا يرجع عليها بالقيمة لأنه لم يرض بغير عوض (فصل) وإن خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم صح وعليها إن تعطيه اياه سليما لأن إطلاق ذلك يقتضي السلامة كما في البيع والصداق فإن دفعته إليه معيبا أو ناقصاً عن الصفات المذكورة فله الخيار بين إمساكه ورده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة لأنه إنما وجب في الذمة سليم تام الصفات فيرجع بما وجب له لأنها ما أعطته الذي وجب عليها له فإن قال إن أعطيتني ثوباً صفته كذا وكذا فأعطته ثوباً على تلك الصفات طلقت وملكه وان أعطته ناقصاً صفة لم يقع الطلاق ولم يملكه لأنه ما وجد الشرط فإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه قال القاضي ويتخير بين امساكه ورده والرجوع بقيمته، وهذا قول الشافعي إلا أن له قولاً أن يرجع بمهر المثل
على ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا فيما تقدم أنه قال إذا قال إذا أعطيتني ثوباً أو عبداً أو هذا الثوب أو هذا العبد فأعطته إياه معيباً طلقت وليس له سواه، وقد نص أحمد على من قال إن أعطيتني هذا الألف فأنت طالق فإعطته إياه فوجده مصيبا فليس له البدل وقال أيضاً إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فإذا

(8/205)


أعطته عبداً فهي طالق وتملكه وهذا يدل على أن كل موضع قال إن أعطيتني كذا فأعطته اياه فليس له غيره وذلك لأن الانسان لا يلزمه شئ إلا بالزام أو التزام ولم يرد الشرع بالزامها هذا ولا هي التزمته له وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شئ سواه وقد ذكرناه (فصل) إذا قال إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفاً أو أكثر طلقت لوجود الصفة وان عطته دون ذلك لم تطلق لعدمها وإن أعطته ألفاً وازنة لا ينقص في العدد طلقت وإن أعطته ألفاً عدداً ينقص في الوزن لم تطلق لأن إطلاق الدراهم ينصرف إلى الوازن من دراهم الإسلام وهي أن كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل ويحتمل أن الدراهم إذا كانت تنفق برؤوسها من غير وزن طلقت لأنها يقع عليها اسم الدراهم ويحصل منها مقصودها ولا تطلق إذا أعطته وازنة تنقص في العدد كذلك وإن أعطته ألفا مغشوشة بنحاس أو رصاص أو نحوه لم تطلق لأن إطلاق الألف يتناول ألفاً من الفضة وليس في هذه ألف من الفضة وإن زادت على ألف بحيث تكون فيها الفضة طلقت لأنها قد أعطته الفا فضة وان أعطته سبيكة تبلغ ألفا لم تطلق لأنها لا تسمى دراهم فلم توجد الصفة بخلاف المغشوشة فانها تسمى دراهم وإن أعطته الفاردئ الجنس خشونة أو سوادا أو كانت خشنة السكة لأن الصفة وجدت قال القاضي وله زدها وأخذ بدلها وهذا قد ذكرناه في المسألة التي قبلها * (مسألة) * (وإن قال اعطيتيني ثوبا هرويا فانت طالق فأعطته مروياً لم تطلق)

(8/206)


لان الصفة التي علق الطلاق عليها لم توجد وان أعطته هرويا طلقت وإن خالعها على مروي فاعطته هرويا فالخلع واقع ويطالبها بما خالعها عليه وإن خالعها على ثوب بعينه على أنه هروي فبان مروياً فالخلع صحيح لأن جنسهما واحد وإنما ذلك اختلاف صفة فجرى مجرى العيب في العوض وهو مخير بين
امساكه ولا شئ له غيره وبين رده وأخذ قيمته هروياً لأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد وقال أبو الخطاب وعندي أنه لا يستحق شيئاً سواه لأن الخلع على عينة وقد أخذه وإن خالعها على ثوب على أنه قطن فبان كتابا رده ولم يكن له إمساكه لأنه جنس آخر واختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان بخلاف ما لو خالعها على هروي فخرج مروياً فإن الجنس واحد.
(فصل) وكل موضع علق طلاقها على عطيتها اياء فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض ببينة وقع الطلاق سواء قبضه منها أو لم يقبضه لأن العطية وجدت فإنه يقال أعطيته فلم يأخذ ولأنه علق اليمين على فعل من جهتها والذي من جهتها في العطية البدل على وجه يمكنه قبضه فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت يضمنه لك زيد أو اجعله قصاصاً بمالي عليك وأعطته به رهناً أو أحالته به لم يقع الطلاق لأن العطية ما وجدت ولا يقع الطلاق بدون شرطه وكذلك كل موضع تعذرت العطية فيه لا يقع الطلاق سواء كان التعذر من جهته أو من جهتها أو من جهة غيرها لانتفاء الشرط ولو قالت طلقني بألف فطلقها استحق الألف وبانت وإن لم يقبض نص عليه أحمد وقال أحمد لو قالت لا أعطيك شيئاً يأخذها بالألف يعني ويقع الطلاق لأن هذا ليس بتعليق على شرط بخلاف الأول

(8/207)


* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإن قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على التراخي أي وقت أعطته ألفاً طلقت وجملة ذلك أن تعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان أو التمليك لازم من جهة الزوج لزوماً لا سبيل إلى رفعه فإن المغلب فيها حكم التعليق المحض بدليل صحة تعليقه على الشروط ويقع الطلاق بوجود الشرط سواء كانت العطية على الفور أو التراخي وقال الشافعي إذا قال متى أعطيتني أو متى ما أعطيتني وأي حين أو أي زمان أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على التراخي وإن قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على الفور فإن أعطته جواباً لكلامه وقع الطلاق وإن تأخر الاعطاء لم يقع الطلاق لأن قبول المعاوضات على الفور فإن لم يوجد تصريح منه بخلافه وجب حمل ذلك على المعاوضات بخلاف متى وأي فإن فيها تصريحاً بالتراخي ونصاً فيه وإن صارا معاوضة فإن تعليقه بالصفة جائز أما إن وإذا
فانهما يحلان على الفور والتراخي فإذا تعلق بهما العوض حملا على الفور ولنا أنه علق الطلاق بشرط الإعطاء فكان على التراخي كسائر التعليق أو نقول علق الطلاق بلفظ مقتضاه التراخي فكان على التراخي كما لو خلا عن العوض والدليل على أنه يقتضي التراخي أنه يقتضيه إذا خلا عن العوض ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعوض وعدمه وهذه المعاوضة معدول بها عن سائر المعاوضات بدليل جواز تعليقها على الشروط ويكون على التراخي فيما إذا علقها بمتى أو بأي وكذلك في

(8/208)


مسئلتنا، ولا يصح قياس ما نحن فيه على غيره من المعاوضات لما ذكرنا من الفرق، ثم يبطل قياسهم بقول السيد لعبده إن أعطيتني ألفا فأنت حر فانه كمسئلتنا وهو على التراخي على أننا قد ذكرنا أن حكم هذه الشروط حكم اللفظ المطلق.
(فصل) إذا قال لامرأته أنت طالق بألف إن شئت لم تطلق حتى تشاء فإذا شاءت وقع الطلاق بائناً ويستحق الألف سواء سألته الطلاق فقالت طلقني بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لأنه علق طلاقها على شرط فلم يوجد قبل وجوده، وتعتبر مشيئتها بالقول فإنها وإن كان محلها القلب فلا يعرف ما في القلب إلا بالنطق فتعلق الحكم به، ويكون ذلك على التراخي فمتى شاءت طلقت نص عليه أحمد ومذهب الشافعي كذلك إلا أنه على الفور عنده، ولو أنه قال لامرأته أمرك بيدك إن ضمنت لي ألفاً فقياس قول أحمد أنه على التراخي لأنه نص على أن أمرك بيدك على التراخي ونص على أنه إذا قال لها أنت طالق إن شئت أن لها المشيئة بعد مجلسها ومذهب الشافعي على الفور لما تقدم ولنا أنه لو قال لعبده إن ضمنت لي ألفا فأنت حر كان على التراخي، ولو قال له أنت حر على ألف إن شئت كان على التراخي والطلاق نظير العتق، فعلى هذا متى ضمنت له ألفاً كان أمرها بيدها وله الرجوع بما جعل إليها لأن أمرك بيدك توكيل منه لها، وله الرجوع فيه كما يرجع في الوكالة

(8/209)


وكذلك لو قال لزوجته طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفاً فمتى ضمنت له ألفاً وطلقت نفسها وقع ما لم يرجع وإن ضمنت الألف ولم تطلق أو طلقت ولم تضمن لم يقع الطلاق
* (مسألة) * (إذا قالت اخلعني بألف أو على ألف ففعل بانت واستحق الألف) لأن الباء للمقابلة وعلى في معناها فيقع العقد بهما ويستحق العوض ويكفي قوله وإن لم يذكر الألف لأن قوله جواب لما استدعته منه والسؤال كالمعاد في الجواب فأشبه ما لو قال بعني عبدك بألف فقال بعتكه وكذلك إن قالت طلقني ثلاثا بألف أو على ألف أو على أن لك ألفاً أو أن طلقتني فلك على ألف فقال أنت طالق لما ذكرنا.
(فصل) فإن قالت اخلعني بألف فقال أنت طالق، فإن قلنا الخلع طلقة بائنة وقع واستحق الألف، لأنه أجابها الى ما بذلت العوض فيه، وإن قلنا هو فسح احتمل أن يستحق العوض أيضاً، لأن الطلاق يتضمن ما طلبت وهو البينونة وفيه زيادة نقصان العدد فأشبه ما لو قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً واحتمل أن لا يستحق شيئاً لأنها استدعت منه فسخاً فلم يجبها إليه وأوقع ما طلبته ولا بذلت فيه عوضاً، فعلى هذا يحتمل أن يقع الطلاق رجعياً لأنه أوقعه مبتدئاً به غير مبذول فيه عوض فأشبه ما لو طلقها ابتداء، ويحتمل أن لا يقع لأنه أوقعه بعوض فإذا لم يحصل العوض لم يقع لأنه كالشرط فيه فأشبه ما لو قال إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق، فإن قالت طلقني بألف قال خلعتك فان

(8/210)


قلنا هو طلاق استحق العوض لأنه طلقها، وإن نوى به الطلاق فكذلك لأنه كناية فيه، وإن لم ينو الطلاق وقلنا ليس بطلاق لم يستحق عوضاً لأنه ما أجابها الى ما بذلت العوض فيه ولا يتضمنه لأنها سألته طلاقاً ينقص به عدد الطلاق فلم يجبها إليه وإذا لم يجب العوض لم يصح الخلع لأنه إنما خالعها معتقداً لحصول العوض فإذا لم يحصل لم يصح ويحتمل أن يكون كالخلع بغير عوض فيه من الخلاف ما فيه * (مسألة) * (وإذا قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف) وقال محمد بن الحسن قياس قول أبي حنيفة أنه لا يستحق شيئاً لأن الثلاث مخالفة للواحدة لأن تحريمها لا يرتفع إلا بزوج واصابة وقد لا يريد ذلك ولا يبذل العوض فيه فلم يكن إيقاعاً لما استدعته بل هو ايقاع مبتدأ فلم يستحق شيئاً ولنا أنه أوقع ما استدعته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان وكذلك لو قال طلقي نفسك ثلاثاً
فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها لا يستحق بها شيئاً، وإن قال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ولم تقع الثانية ولا الثالثة وهذا مذهب الشافعي، وإن قال لها أنت طالق وطالق وطالق بألف وقع الثلاث، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق ولم يقل بألف قيل له أيتهن أوقعت بالألف؟ فإن قال الأولى بانت بها،

(8/211)


ولم يقع ما بعدها، وإن قال الثانية بانت بها ووقع بها طلقتان ولم تقع الثالثة، وإن قال الثالثة وقع الكل، وإن قال نويت أن الألف في مقابلة الكل بانت بالأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها لأن الأولى حصل في مقابلتها عوض وهو قسطها من الألف فبانت بها وله ثلث الألف لأنه رضي أن يوقعها بذلك مثل أن تقول طلقني بألف فيقول أنت طالق بخمسمائة هكذا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن يستحق الألف لأنه أتى بما بذلت بالعوض فيه بنية العوض فلم يسقط بعضه بنيته كما لو قال رد عبدي بألف فرده ينوي خمسمائة وإن لم ينو شيئاً استحق الألف بالاولى ولم يقع ما بعدها، ويحتمل أن يقع الثلاث لأن الواو للجمع لا تقتضي ترتيباً فهو كقوله أنت طالق ثلاثاً بألف وكذلك لو قال ذلك لغير مدخول بها أو قال أنت طالق وطالق وطالق بألف طلقت ثلاثا * (مسألة) * (وإن قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئاً ويحتمل أن يستحق ثلث الألف) فعلى هذا يقع الطلاق ولا يستحق شيئاً، ويحتمل أن يستحق ثلث الألف وهو قول أبي حنيفة وصاحبه ومالك والشافعي لأنها استدعت منه فعلاً بعوض فإذا فعل بعضه استحق بقسطه كما لو قال: من رد عبيدي فله ألف فرد ثلثهم استحق ثلث الألف وكذلك في بناء الحائط وخياطة الثوب

(8/212)


ولنا أنها بذلت العوض في مقابلة شئ لم يجبها إليه فلم يستحق شيئاً كما لو قال في المسابقة: من سبق إلى خمس اصابات فله ألف فسبق الى بعضها، أو قال بعني عبدك بألف فقال بعتك أحدهما بخمسمائة، وكما لو قالت طلقني ثلاثا على ألف عند أبي حنيفة، فإن قيل الفرق بينهما أن الباء للعوض دون
الشرط وعلى للشرط فكأنها شرطت في استحقاقه الألف أن يطلقها ثلاثاً، قلنا لا نسلم أن على للشرط فإنها ليست مذكورة في حروفه وإنما معناها ومعنى الباء واحد وقد سوى بينهما فيما إذا قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف ومقتضى اللفظ لا يختلف بكون المطلقة واحدة أو اثنتين (فصل) فإن قالت طلقني ثلاثاً ولك ألف فهي كالتي قبلها إن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق ولا شئ له، وإن طلقها ثلاثا استحق الألف، ومذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد فيها كمذهبهم في التي قبلها، وقال أبو حنيفة لا يستحق شيئاً، وإن طلقها ثلاثاً لأنه لم يعلق الطلاق بالعوض ولنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فأشبه ما لو قال رد عبدي ولك ألف فرده، وقوله لم تعلق الطلاق بالعوض ممنوع فإن معنى الكلام ولك ألف عن طلاقي فإن قرينة الحال دالة وإن قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف علينا فطلقها وحدها طلقت وعليها قسطها من الألف لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين وخلعه للمرأتين بعوض عليهما خلعان فجاز أن ينعقد أحدهما صحيحاً موجباً للعوض دون الآخر وإن كان العوض منها وحدها فلا شئ له في قياس المذهب لأن العقد لا يتعدد بتعدد

(8/213)


العوض وكذلك لو اشترى من إنسان عبدين بثمن واحد كان عقداً واحداً بخلاف ما إذا كان العاقد من أحد الطرفين اثنين فإنه يكون عقدين * (مسألة) * (وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل استحق الألف علمت أو لم تعلم ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم) إذا قالت طلقني ثلاثا، بألف ولم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة أو ثلاثا بانت بثلاث.
قال أصحابنا ويستحق الألف علمت أو لم تعلم وهو منصوص الشافعي.
وقال المزني لا يستحق إلا ثلث الألف لأنه إنما طلقها ثلث ما طلبت منه فلا يستحق إلا ثلث الألف كما لو كان طلاقها ثلاثا ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم وهو قول ابن شريح لأنها إن كانت عالمة كان معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل ذلك.
ووجه قول أصحابنا أن هذه الواحدة كملت الثلاث وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب بها العوض كما لو طلقها ثلاثا
(فصل) فإن لم يكن في طلاقها إلا واحدة فقالت طلقني بألف واحدة أبني بها واثنتين في نكاح آخر فقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه إذا طلقها واحدة استحق العوض فإن تزوج بها بعد ولم يطلقها رجعت عليه بالعوض لانه بذلت العوض في مقابلة ثلاث، فإذا لم يوقع الثلاث لم يستحق العوض كما لو كانت ذات تطليقات ثلاث فقالت طلقني ثلاثا فلم يطلقها إلا واحدة.
ومقتضى هذا أنه إذا لم

(8/214)


ينكحها نكاحا آخر أنها ترجع عليه بالعوض وإنما يفوت نكاحه إياها بموت أحدهما، وإن نكحها نكاحا آخر وطلقها اثنتين لم ترجع عليه بشئ، وإن لم يطلقها إلا واحدة رجعت عليه بالعوض كله.
وقال القاضي الصحيح من المذهب أن هذا لا يصح في الطلقتين الآخرتين لأنه سلف في طلاق ولا يصح السلف في الطلاق ولأنه معاوضة على الطلاق قبل النكاح لا يصح فالمعاوضة عليه أولى، فإذا بطل فيهما انبنى ذلك على تفريق الصفقة فان قلنا تفرق فله ثلث الألف وإن قلنا لا تفرق فسد العوض في الجميع ويرجع بالمسمى في عقد النكاح.
(فصل) ولو قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شئ له لأنه لم يجبها الى ما سألت فلا يستحق عليها ما بذلت، وإن طلقها ثلاثا استحق الألف على قياس قول أصحابنا فيما إذا قال طلقني ثلاثا بألف ولم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة استحق الألف لأنه قد حصل بذلك جميع المقصود.
* (مسألة) * (ولو لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فقالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق طلقتين الأولى بألف والثانية بغير شئ وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية، وإن قال الاولى بغير شئ وقعت وحدها ولم يستحق شيئاً لأنه لم يجعل لها عوضاً وكملت الثلاث وإن قال إحداهما بألف لزمها ألف لأنها طلبت منه طلقة بألف فأجابها إليه وزادها أخرى.

(8/215)


(فصل) وإن قالت طلقني بألف الى شهر أو أعطته ألفاً على أن يطلقها الى شهر فقال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق صح ذلك واستحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائناً لأنه بعوض وإن
طلقها قبل مضي الشهر طلقت ولا شئ له ذكره أبو بكر وقال روى ذلك عن أحمد علي بن سعيد وذلك لأنه إذا طلقها قبل رأس الشهر فقد اختار إيقاع الطلاق من غير عوض، وقال الشافعي إذا أخذ منها ألفاً على أن يطلقها الى شهر فطلقها بألف بانت وعليها مهر المثل لأن هذا سلف في طلاق فلم يصح لأن الطلاق لا يثبت في الذمة ولأنه عقد تعلق بعين فلا يجوز شرط تأخير التسليم فيه.
ولنا أنها جعلت عوضاً صحيحاً على طلاقها فإذا طلقها استحقه كما لو لم يقل الى شهر ولأنها جعلت له عوضاً صحيحاً على طلاقها فلم تستحق أكثر منه كالأصل، وإن قالت لك ألف على أن تطلقني أي وقت شئت من الآن الى شهر صح في قياس المسألة التي قبلها وقال القاضي لا يصح لأن زمن الطلاق مجهول فإذا طلقها فله مهر المثل وهذا مذهب الشافعي لأنه طلقها على عوض لم يصح إفساده ولنا ما تقدم في التي قبلها ولا تضر الجهالة في وقع الطلاق لأنه مما يصح تعليقه على الشرط فصح بذل العوض فيه مجهول الوقت كالجعالة ولأنه لو قال متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق صح وزمنه مجهول أكثر

(8/216)


من الجهالة ههنا في شهر واحد ويتم في العمر كله وقول القاضي له مهر المثل مخالف لقياس المذهب فانه ذكر في المواضع التي يفسد فيها العوض أن له المسمى فكذلك يجب أن يكون ههنا إن حكمنا بفساده والله أعلم * (مسألة) * (وإن كان له امرأتان مكلفة وغير مكلفة مميزة فقال لهما أنتما طالقتان إن شئتما فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف الألف وطلقت بائناً ووقع بالأخرى رجعيا ولا شئ عليها) إنما كان كذلك لأن المكلفة إذا كانت رشيدة فمشيئتها صححية وتصرفها في مالها صحيح فيقع الطلاق عليهما ويجب على الرشيدة بقسطها من العوض ووقع بائناً ويقسط العوض بينهما على قدر مهريهما في ظاهر المذهب وعلى قول أبي بكر يكون بينهما نصفين ولا شئ على غير المكلفة وكذلك إن كانت محجوراً عليها للسفه ويقع الطلاق عليها رجعياً لأن لها مشيئة بقسطها ولكن الحجر وعدم التكليف منع صحة تصرفها ونفوذه فإن كانت (إحداهما) مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تصح المشيئة
منهما ولم يقع الطلاق (فصل) فإن كانتا رشيدتين وقع الطلاق بهما بائناً إذا قالتا قد شئنا ويلزمهما العوض بينهما على قدر مهريهما في الصحيح من المذهب وهو قول ابن حامد ومذهب أهل الرأي وأحد قولي الشافعي وقال

(8/217)


في الآخر يلزم كل واحدة منهما مهر مثلها وعلى قول أبي بكر من أصحابنا يكون العوض بينهما نصفين وأصل هذا في النكاح إذا تزوج امرأتين بمهر واحد وقد ذكرناه فإن شاءت (إحداهما) دون الأخرى لم تطلق واحدة منهما لأنه جعل مشيئتها شرطاً في طلاق كل واحدة منهما ويخالف هذا ما إذا قال أنتما طالقتان بألف فقبلت إحداهما دون الأخرى لزمه الطلاق بعوضه لأنه لم يجعل لطلاقها شرطاً وههنا علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما جميعاً ويتعلق الحكم بمشيئتهما لفظاً إذا قالتا قد شئنا لأن ما في القلب لا سبيل إلى معرفته فلو قال الزوج ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا ما شئنا بقلوبنا لم يقبل * (مسألة) * (فإن قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شئ عليها لأنه لم يجعل له العوض في مقابلتها ولا شرطاً فيها وإنما عطف ذلك على طلاقها فأشبه ما لو قال أنت طالق وعليك الحج فإن أعطته المرأة عن ذلك عوضاً لم يكن عوضا لانه لم يقابله شئ وكان ذلك هبة مبتدأة تعتبر فيها شرائط الهبة وإن قالت المرأة ضمنت لك ألفاً لم يصح لأن الضمان إنما يكون عن غير الضامن لحق واجب أو مآله الى الوجوب وليس ههنا شئ من ذلك وذكر القاضي أنه يصح لأن ضمان ما لم يجب يصح قال شيخنا ولم أعرف لذلك وجهاً الان أن يكون أراد أنها إذا قالت له قبل طلاقها ضمنت لك ألفاً على أن تطلقني فقال أنت طالق وعليك ألف وقع الطلاق وعليها ألف لأن قوله أنت طالق يكفي في صحة الخلع واستحقاق العوض وما وصل به تأكيد فإن اختلفا فقال أنت استدعيت مني الطلاق

(8/218)


بألف فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه فإذا حلفت برئت من العوض وبانت لأن قوله مقبول في في بينونتها لأنها حقه غير مقبول في العوض لأنه عليها وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وإن قال ما استدعيت مني الطلاق وإنما أنا ابتدأت به فلي عليك الرجعة وادعت أن ذلك كان جواباً لاستدعائها
فالقول قول الزوج لأن الأصل معه ولا يلزمها الألف لأنه لا يدعيه * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق على ألف) فالمنصوص عن أحمد أن الطلاق يقع رجعياً كقوله أنت طالق وعليك ألف فإنه قال في رواية مهنا في الرجل يقول لامرأته أنت طالق على ألف درهم فلم تقل هي شيئاً فهي طالق تملك الرجعة وقال القاضي في المجرد ذلك للشرط تقديره إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق فإن ضمنت له ألفاً وقع الطلاق بائناً وإلا لم يقع وكذا الحكم إذا قال أنت طالق على أن لي عليك ألفاً فقياس قول أحمد أن الطلاق يقع رجعياً ولا شئ له وعلى قول القاضي إن قبلت ذلك لزمها الألف وكان خلعاً وإلا لم يقع الطلاق وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه استعمل على بمعنى الشرط في كتابه في مواضع منها قوله إذا نكحها على أن لا يتزوج عليها فلها فراقه أن تزوج عليها وذلك أن على تستعمل بمعنى الشرط بدليل قوله تعالى في قصة شعيب (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟) وقال موسى (هل أتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟) ولو قال في النكاح زوجتك ابنتي على صداق كذا صح فإذا أوقعه بعوض لم يقع بدونه وجرى مجرى قوله أنت طالق إن أعطيتني ألفاً ووجه الأول أنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليها

(8/219)


عوضاً لم تبذله فوقع رجعياً من غير عوض كما لو قال أنت طالق وعليك ألف ولأن على ليست للشروط ولا للمعاوضة ولذلك لا يصح ثوبي على دينار * (مسألة) * (وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف) يعني أن قوله أنت طالق بألف مثل قوله أنت طالق على ألف لأنها ليست من حروف الشرط والأولى أنها لا تطلق في قوله بألف حتى تختار فيلزمها الألف كما ذكره القاضي في على ألف لأنها إن لم تكن من حروف الشرط فهي للمعاوضة في قوله بعتك بكذا وزوجتك بكذا فإنه يصح البيع والنكاح بغير خلاف فإن قال أنت طالق ثلاثاً فقالت قد قبلت واحدة وقع الثلاث واستحق الألف لأن إيقاع الطلاق إليه وإنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع الطلاق وإن قالت
قبلت بألفين وقع ولم يلزمها الألف الزائد لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه فإن قالت قبلت بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد وإن قالت قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع لأنه لم يرض بانقطاع رجعته عنها إلا بألف وإن قال أنت طالق طلقتين (إحداهما) بألف وقعت بها واحدة لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قولها لأنها بعوض (فصل) إذا قال الأب طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعياً ولم يبرأ من شئ ولم يرجع على الأب ولم يضمن له لأنه برأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي قال

(8/220)


القاضي وقد قال أحمد أنه يرجع على الأب قال القاضي هذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب لا يصح فكان له الرجوع عليه كما لو غره فزوجه معيبة وإن علم أن ابراء الأب لا يصح لم يرجع عليه بشئ ويقع الطلاق رجعياً لأنه خلا عن العوض وفي الموضع الذي يرجع عليه يقع الطلاق بائناً لأنه بعوض فإن قال الزوج هي طالق إن أبرأتني من صداقها فقال قد أبرأتك لم يقع الطلاق لأنه لم يبرأ وروى عن أحمد أن الطلاق واقع فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق الطلاق على مجرد التلفظ بالابراء دون حقيقة البراءة وإن قال الزوج هي طالق إن أبرأتني من صداقها لم يقع لأنه علقه على شرط لم يوجد وإن قال الأب طلقها على ألف من مالها وعلي الدرك فطلقها طلقت بائناً لأنه بعوض وهو ما لزم الأب من ضمان الدرك ولا يملك الألف لأنه ليس له بدلها.
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو ميراثه منها) المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعاً لأنها معاوضة فتصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافاً ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه صح ولا رجوع، وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري واسحاق، وقال أبو حنيفة له العوض كله وإن أجابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي، وعن مالك كالمذهبين وعنه يعتبر بخلع مثلها، وقال الشافعي إن خالعت بمهر مثلها جاز وإن زاد فالزيادة من الثلث ولنا أنه لا يعتبر مهر المثل لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمناه واعتبار مهر

(8/221)


المثل يقوم له وعلى إبطال الزيادة أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئاً من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل كما لو أوصت له أو أقرت له، وأما قدر الميراث فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وإن صحت من مرضها ذلك صح الخلع وله جميع ما خالعها به لأننا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة * (مسألة) * (وإن خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ميراثها) أما خلعه لزوجته فلا إشكال في صحته سواء كان بمهر مثلها أو أقل أو أكثر وإن أوصى لها بمثل ميراثها أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لأخذته بميراثها وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك لانه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل الى إيصاله إليها وهي في حباله وطلقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث * (مسألة) * (وإن خالعها وحاباها فهو من رأس المال) مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها أو يكون قادراً بألف فخالعها بمائة لم يحسب ما حاباها به من الثلث إذا كان في مرض موته ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شئ فإنه لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته (فصل) إذا خالع امرأة في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها

(8/222)


لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك إن زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة وعنه أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث وقال أبو حنيفة إن خالعها قبل دخوله بها بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك امرأة اختلعت من زوجها بثلاثين لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه وعند الشافعي له ثمانية عشر اثنا عشر لانها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها ستة فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية
(فصل) مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت فاختلعت منه بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها ولها شئ بالمحاباة والباقي له ثم يرجع إليه نصف مالها بالمحاباة وهو خمسة ونصف شئ وصار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شئ يعدل شيئين فبعد الجبر يخرج به الشئ ثمانية فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون ورجع إليه بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي يرجع إليهم صداق المثل وثلث شئ بالمحاباة فصار بأيديهم مائة إلا ثلث شئ يعدل شيئين فالشئ ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل، رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف فيصير بأيدي ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث

(8/223)


العشرة وثلث الشئ فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شئ فالشئ ثلاثة أثمانها وهو خمسة وثلاثون مع العشرة صار لها خمسة وأربعون ورجع الى الزوج ثلثها صار لورثته سبعون ولورثتها ثلاثون هذا إذا مات بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة وخمسة وأربعون إلا نصف شئ يعدل شيئين والشئ خمساً ذلك وهو ثمانية وخمسون وهذا الذي صحت المحاباة فيه صار لها ذلك وعشرة مهر المثل صار لها مائة وثمانية وستون يرجع الى الزوج نصفها أربعة وثمانون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثمانون (فصل) ولو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضته ثم أسلما أو أحدهما لم يرجع عليها بشئ لأن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل ذمة أو أهل حرب لأن من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه كالمسلم فإن تخالعا بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا الى الحاكم أمضى ذلك بينهما كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضته ثم أسلما وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما امضى ذلك عليهما ولم يعرض له ولم يزده ولم يبق له عليها شئ كما لو أصدقها خمراً ثم أسلما أو تبايعا خمرا وتقابضا ثم أسلما وإن كان اسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر باقباضه لأن الخمر والخنزير لا يكون عوضاً لمسلم أو من مسلم ولا يأمر الحاكم باقباضه قال القاضي في الجامع ولا شئ له لأنه رضي منها ما ليس بمال كالمسلمين
إذا تخالعا بخمر وقال في المجرد يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فرجع إلى قيمة المتف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب لأن تخصيصه بحالة القبض ينفي الرجوع

(8/224)


يدل على الرجوع مع عدم القبض، والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد أن الخمر والخنزير مالا فإذا رضي به عوضاً فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شئ والمشرك يعتقده مالاً فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجباً له كما لو خالعها على حر يظنه عبداً أو خمر يظنه خلا.
إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللناه به يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك فيكون له قدرة من المال كما لو خالعها على خمر يظنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبض وفيما لم يقبض الوجوه الثلاثة والأصل فيه قوله تعالى (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) * (مسألة) * (وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقاً فخالع بمهرها فما زاد صح وان نقص من المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصاً وبين رده وله الرجعة وإن عين له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد وصح عند أبي بكر ويرجع على الوكيل بالنقص) يصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفرداً وكل من صح أن يتصرف في الخلع لنفسه صح توكيله ووكالته حراً كان أو عبداً ذكرا أو انثى مسلما كان أو كافراً محجوراً عليه أو رشيداً لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلاً وموكلا كالحر الرشيد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً.
ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء: استدعاء الخلع أو الطلاق وتقدير العوض وتسليمه، وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء: شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز

(8/225)


التوكيل مع تقدير العوض ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع والنكاح، والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد، فإن وكل الزوج لم يخل من حالين (أحدهما) أن يقدر له العوض فإن خالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به وإن
خالع بأقل منه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الخلع وهو اختيار ابن حامد ومذهب الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ولأنه لم يؤذن له في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالاجنبي (والثاني) يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أبي بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الاطلاق والأول أولى.
فإن خالف في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فيخالع على عبد أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالاً فخالع على عوض نسيئة فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح كالوكيل في البيع ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه، وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل، وقال القاضي: القياس أن يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ويكون له ما خالع به قياساً على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع ولأن هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شئ ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضاً ما ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تمليكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه، وأما المخالفة في القدر فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح فيها أيضاً لما تقدم (الحال الثاني) إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالاً من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد صح

(8/226)


لأنه زاده خيراً، وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه، وذكر القاضي احتمالين آخرين (أحدهما) أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه (والثاني) يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً وبين رده وله الرجعة فإن خالع بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضاً فخالع بغير جنسه وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير لم يصح الخلع ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي، وسواء عين له العوض أو أطلق، وذكر في الجامع أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شئ على المرأة.
هذا إذا قلنا إن الخلع بغير عوض يصح وإن قلنا لا يصح لم يصح إلا أن يكون بلفظ الطلاق فيقع طلقة رجعية.
واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح فكذلك وكيل الزوج، وهذا القياس
غير صحيح فإن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه الا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدر له به صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له لم يصح * (مسألة) * (وإن وكلت المرأة في خلعها فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح وإن زاد لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة)

(8/227)


متى خالع وكيل المرأة بما عينته له فما دونه صح ولزمها ذلك لأنه زادها خيراً وإن خالعها بأكثر منه صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال، وقال القاضي في المجرد عليها مهر مثلها ولا شئ على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي، والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه ولا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضاً أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضاً وهو عوض صحيح معلوم فلم يكن له أكثر منه أشبه ما لو بذلته المرأة فإن أطلقت الوكالة اقتضى خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعته بمهرها فما دون صح ولزمها وإن خالعته باكثر منه فهو كما لو خالع بأكثر مما قدرت له على ما مضى من القول فيه * (مسألة) * (وان تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه أنها تسقط) إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق، فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر فإن كانت قبضته ردت نصفه وإن كانت مفوضة فلها المتعة، وهذا قول عطاء والنخعي والزهري والشافعي، وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه عليه من المهر، وأما الديون التي ليست من حقوق الزوجية، فعنه فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل، لأنها ما وجبت بعد.

(8/228)


ولنا أن المهر حق لا يسقط بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع كسائر الديون ونفقة العدة
إذا كانت حاملاً، ولأن نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة والنصف لها لا تبرأ منه بقوله بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها، وعنه أنها تسقط كمذهب أبي حنيفة * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا قال خالعتك بألف فأنكرته وقالت إنما خالعت غيري بانت بإقراره والقول قولها مع يمينها في العوض لأنها منكرة وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف لأنها أقرت بها ولا يلزم الغير شئ إلا أن يقر به، فإن ادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قوله كذلك ولا يستحق عليها عوضاً لأنه لا يدعيه.
* (مسألة) * (وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها وكذلك إن اختلفا في صفة) حكاه أبو بكر نصاً عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وعنه أن القول قول الزوج.
حكاها القاضي عن أحمد لأن البضع يخرج عن ملكه فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه، وقال الشافعي يتحالفان لأنه اختلاف في عوض فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره، ولأن المرأة منكرة للزائد في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعي عليه " وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا ينفسخ (فصل) فإن قال سألتني طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثاً بألف فطلقتني واحدة، بانت بإقراره والقول قولها في سقوط العوض، وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم

(8/229)


فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف وإن خالعها على ألف فادعى أنها دنانير فقالت بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل، وإن قال أحدهما كانت دراهم قراضة وقال الآخر مطلقة فالقول قولها إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتين المسئلتين، وإن اتفقا على الاطلاق لزمه من غالب نقد البلد، وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم
قراضة لزمها ما اتفقا عليه، وإن اختلفا في الارادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد.
وقال القاضي إذا اختلفا في الارادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا فيجب المسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب ألف من غالب نقد البلد ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا، ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى * (مسألة) * (وإن علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة) مثال ذلك إذا قال إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها فكلمت أباها فانها تطلق نص عليه أحمد، فأما ان وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى فظاهر

(8/230)


المذهب أنها تطلق، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق، نص عليه في العتق في رجل قال لعبده أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق، وإن لم يكن دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق، فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود وجب أن يكون في الطلاق مثله بل أولى، لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها، ولو قال إن ملكت فلاناً فهو حر فملكه صار حراً وهذا اختيار أبي الحسن التميمي، وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث، وإن لم توجد في حال البينونة، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثاً ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار لا يقع عليها الطلاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وإن لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل
في قول مالك وأصحاب الرأي واحد أقوال الشافعي، وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار

(8/231)


المزني وأبي إسحاق لأن الايقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه، فأما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه فسقطت اليمين، وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها إلا بعقد جديد ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة، وقولهم إن هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث، وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد ثم ثبت ان عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين به، وأما العتق ففيه روايتان (إحداهما) أنه كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسئلتنا (والثانية) تنحل لأن الملك الثاني لا ينبني على الأول في شئ من أحكامه، وفارق النكاح فإنه ينبني على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن ينبني عليه في عود الصفة، ولأن هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجة وابن بطة رويا بإسناديهما عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال قوم يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياة قد طلقتك،

(8/232)


قد راجعتك قد طلقتك " وفي لفظ رواه ابن بطة " خلعتك وراجعتك " وروى بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتسحلوا محارم الله بأدنى الحيل " (فصل) فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل إن قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثاً، ثم أبانها ثم أكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت ولا يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم.