الشرح الكبير على متن المقنع

* (كتاب الرجعة) * وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير، وقال تعالى (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) أي بالرجعة ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن وأما السنة فروى ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال " مره فليراجعها " متفق عليه.
وروى أبو داود عن عمر قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، وأجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق واحدة أن لهما الرجعة في العدة ذكره ابن المنذر

(8/470)


* (مسألة) * (إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث أو العبد واحدة بغير عرض والأمر يقتضي بينونتها فله رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو كرهت لما ذكرنا) أجمع على ذلك أهل العلم وأجمعوا على أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها وقد ذكرنا أن الطلاق معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثاً كالحرة وفيما إذا طلق الأمة اثنتين خلاف ذكرناه فيما مضى، ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة في ذلك لقول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) أي في العدة فجعل الحق لهم، وقال سبحانه (فأمسكوهن بمعروف) فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختياراً، ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه وأجمع أهل العلم على هذا وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث، وقد أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها، فإذا طلقها ثانية فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة
أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى * (مسألة) * (وألفاظ الرجعة راجعت امرأتي أو رجعتها أو ارتجعتها أو رددتها أو أمسكتها) لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والامساك ورد بهما الكتاب بقوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) وقال (فأمسكوهن بمعروف) يعني الرجعة، والرجعة وردت بها السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم

(8/471)


يسمونها رجعة والزوجة رجعية قال شيخنا) ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق (فصل) والاحتياط أن يقول اشهدا على إني قد راجعت زوجتي إلى نكاحي أو زوجيتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي * (مسألة) * (فإن قال نكحتها أو تزوجتها فليس هو بصريح فيها وهل تحصل الرجعة به؟ فيه وجهان) (أحدهما) لا تحصل به لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود فلا يحصل بالكناية كالنكاح (والثاني) تحصل به الرجعة أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأن الأجنبية تباح به فالرجعية أولى فعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق (فصل) فإن قال راجعتك لصحبة أو للاهانة وقال أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك أو إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها، وإن قال أردت أنني كنت أهينك أو أحبك وقد رددتك بفرقي إلى ذلك فليس برجعة، وإن أطلق ولم ينو شيئاً صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون سبباً ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (وهل من شرطها الاشهاد؟ على روايتين)

(8/472)


وجملة ذلك أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها بإجماع أهل العلم
لأن حكم الرجعية حكم الزوجات لما نذكره والرجعية امساك لا واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله تعالى الرجعة إمساكاً وتركها فراقاً وسراحاً فقال (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وفي رواية أخرى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد لها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم تحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح.
فأما الإشهاد ففيه روايتان (إحداهما) يجب، وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) فظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع.
(والرواية الثانية) لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبى حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع وهذه أولى إن شاء الله تعالى ويحمل الأمر على الاستحباب ويؤكد ذلك أن الأمر بالشهادة عقيب قوله (أو فارقوهن) فهو يرجع إلى أقرب المذكورين يقيناً ولا تجب الشهادة فيه فكذلك ما قبله وهو قوله (فأمسكوهن) بطريق الأولى ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب الإشهاد فان قلنا هو شرط فإنه يعتبر وجوده

(8/473)


حال الرجعة فإن ارتجع بغير إشهاد لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الاتجاع فيصح * (مسألة) * (والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء ولعانه ويرث أحدهما صاحبه إن مات بالإجماع وإن خالعها صح خلعه) وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة.
ولنا أنها زوجة يصح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من الزوج ونكاحه الذي هو سببه والنكاح باق ولا يأمن رجعته على أننا نمنع كونها محرمة.
* (مسالة) * (ويباح لزوجها وطؤها والحلوة والسفر بها ولها أن تتزين له وتتشرف له) قال القاضي هذا ظاهر المذهب.
قال أحمد في رواية أبي طالب لا تحتجب عنه، وفي رواية
أبي الحارث تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة له له أن يسافر بها ويخلو بها ويطؤها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات فأبيحت له كما قبل الطلاق.
وعن أحمد رحمه الله أنها ليست مباحة ولا تحصل الرجعة بوطئها وإن أكرهها عليه فلها المهر إن لم يرتجعها بعده وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك لأنها مطلقة فكانت محرمة كما لو طلقها بعوض واحدة ولا حد عليه بالوطئ وإن قلنا إنها محرمة لا ينبغي أن يلزمه مهر سواء

(8/474)


راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر كسائر الزوجات ويفارق ما إدا وطئ الزوج بعد إسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين اسلام الأول وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه فاشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسئلتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب إذا أكرهها على الوطئ وجب عليه المهر عند من حرمها وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وهو المنصوص عن الشافعي لانه وطئ حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطئ المختلعة في عدتها والأول أولى لظهور الفرق بينهما فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجة يلحقها طلاقه وقياس الزوجة على الأجنبية في الوطئ وأحكامه بعيدة.
(فصل) فإذا قلنا إنها مباحة حصلت الرجعة وطئها سواء نوى الرجعة أو لم ينو، اختارها ابن حامد والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والازاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي، قال بعضهم..ويشهد، وقال مالك واسحاق يكون رجعة إذا أراد به الرجعة لان هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطئ كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب الزوال الملك ومعه خيار فتصرف الملك بالوطئ يمنع عمله كوطئ البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وكما ينقطع به التوكيل في طلاقها

(8/475)


* (مسألة) * (ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها الشهرة)
نص عليه أحمد وخرجه ابن حامد على وجهين مبنيين على الروايتين في تحريم المصاهرة به أحدهما هو رجعة، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطئ (والثاني) ليس برجعة لانه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر فأما الخلوة بها فليست برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أن الرجعة لا تحصل بها لأنها لا تبطل خيار المشتري للأمة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس للشهوة والنظر كذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبهت الحديث معها (فصل) وإن قلنا ليست مباحة لم تحصل الرجعة بوطئها ولا تحصل إلا بالقول، وهذا مذهب الخرقي لقوله والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي، وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود وأمر بالإشهاد فيه فلم يحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهو رواية عن احمد * (مسألة) * (ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح) فلو قال راجتك إن شئت لم يصح لذلك ولو قال كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح أيضاً لأنه راجعها

(8/476)


قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط فإن راجعها في الردة من أحدهما لم يصح، ذكره أبو الخطاب وهو صحيح مذهب الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح ولأن الرجعة تفرير للنكاح والردة تنافي ذلك فلم يصح اجتماعهما، وقال القاضي إن قلنا بتعجيل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة، فان أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأنا تبينا أنه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع إمساك فلم تمنع منه الردة كما لو لم يطلق وإن لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار ابن حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما
(فصل) قد ذكرنا أن من طلق طلاقاً بغير عوض فله رجعة زوجته ما دامت في العدة إذا كان طلاق الحر أقل من ثلاث أو العبد واحدة فعلى هذا إن كانت حاملاً باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها ما لم تضع الثاني، هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) واسم الحمل متناول لكل ما في البطن فتبقى العدة مستمرة إلى حين وضع باقي الحمل فتبقى الرجعة ببقائها ولأن العدة لو انقضت بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي

(8/477)


حامل من زوج آخر ولا قائل به، قال شيخنا وأظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة تنقضي عدتها بوضع أحد الولدين فقال له قتادة أيحل لها أن تتزوج؟ قال.
لا قال خصم العبد ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين * (مسألة) * (وإن طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فهل له رجعتها؟ على روايتين) وجملة ذلك أنه إذا نقطع حيض المرأة المعتدة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها فيه روايتان ذكرهما ابن حامد [إحداهما] لا تنقضي حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك، وهذا ظالم كلام الخرقي فإنه قال في العدد فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وبه قال كثير من أصحابنا روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم وروي عن شريك له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة لأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان أجماعاً ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل فكذا هذا، والرواية الثانية أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير والاوزاعي واختاره أبو الخطاب لقول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) والقرء الحيض وقد زالت فيزول التربص وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وقرء الأمة الحيضان "

(8/478)


وقال " دعي الصلاة أيام اقرائك " أي أيام حيضك ولأن انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج وحلها من غيره فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها لو تركت الغسل اختياراً أو لجنون أو نحوه لم تحل فأما أن يقال بقول شريك إنها تبقى معتدة ولو بقيت عشرين سنة وذلك خلاف قول الله تعالى (ثلاثة قروء) فإن عدتها تصير أكثر من مائتي قرء أو يقال تنقضي العدة قبل الغسل والله أعلم (فصل) إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدة الاول بوطئ الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في مدة الحمل؟ يحتمل وجهين (أولهما) أن له رجعتها لأنها لم تنقض عدته فحكم نكاحه باق بأن يلحقها طلاقه وظهاره، وإنما انقطعت عدته لعارض فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه ويبقى سائر أحكام الزوجية ولأنه يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها (والوجه الثاني) ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول وله ارتجاعها حينئذ وجهاً واحداً ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضاً فإن له رجعتها في حيضها وإن كانت لا تعتد بها، وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها

(8/479)


من الثاني إذا رجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح فإن بان من الأول احتمل أن لا يصح لأنه راجعها في عدتها منه واحتمل أن لا تصح لأنه راجعها مع الشك في إباحه الرجعة والأول أصح فإن الرجعة ليست بعبادة ببطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات فان كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها؟ لو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته وارتفع حدثه فههنا أولى فإن راجعها بعد الوضع وبان الحمل من الثاني صحت رجعته وإن بان من الأول لم تصح لأن العدة انقضت بوضعه * (مسألة) * (وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت ولا تحل إلا بنكاح جديد) لقول الله سبحانه
(وبعولتهن أحق بردهن) يريد الرجعة عند جماعة أهل التفسير في ذلك أي في العدة، وأجمع أهل العلم على ان المرأة إذا طلقها زوجها فلم يرتجعها حتى انقضت عدتها أنها تبين منه فلا تحل له إلا بنكاح جديد * (مسألة) * (وتعود على ما بقي من طلاقها سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله وعنه أنها إن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث) وجملة ذلك أن المطلقة لا تخلو من أحد ثلاثة أحوال (أحدها) أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه تعود إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف علمناه

(8/480)


(والثاني) أن يطلقها ثلاثاً فتنكح زوجاً غيره ويصيبها ثم تزوجها الأول فهذه تعود بطلاق ثلاث بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر (الثالث) طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول ففيها روايتان (أظهرهما) أنها تعود إليه على ما بقي من الثلاث وهو قول الأكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر (والرواية الثانية) عن أحمد أنها ترجع إليه عن طلاق ثلاث وهو قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لان وطئ الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها ولنا أن وط الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطئ السيد ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطئ الثاني وقولهم ان وطئ الثاني يثبت الحل لا يصح لوجهين (أحدهما) منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية التحريم بدليل قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وحتى للغاية وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الذي قصد الحيلة محللاً تجوزاً بدليل أنه لبنه ومن أثبت حلالاً لم يستحق لعنا (والثاني) أن

(8/481)


الحل انما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثاً وههنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم انه
بهدم الطلاق قلنا بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له * (مسألة) * (وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ردت إليه ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين والأخرى هي زوجة الثاني) وجملة ذلك أن زوج الرجعية إذا راجعها من حيث لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وأن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها أو لم يدخل وهذا هو الصحيح وهو قول أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه.
وروي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية ثانية أن دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول روى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك، وروي معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز العقد عليها في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول فقدم بها ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، إذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شئ على الثاني وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطئ شبهة وتعتد ولا تحل للأول حتى تقضي عدتها منه فإن كان أقام البينة

(8/482)


قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهي إحدى الروايتين عن مالك، وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف والوطئ محرم على من علم وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره لانه وطئ امرأة غيره مع علمه (فصل) وإن لم يكن للمدعي بينة بالرجعة فأنكره أحدهما لم يقبل قوله فان أنكراه جميعاً فالنكاح صحيح في حقهما وإن أعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كالحكم فيما إذا قامت به البينة سواء في أنها ترد إليه، وإن أقر له الزوج وحدة فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه المهر إن كان دخل بها أو نصفه إن كان لم يدخل بها لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي
لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يقبل في حقه ويكون القول قولها، وهل هو مع يمينها أولا؟ على وجهين.
قال شيخنا ولا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل إقرارها فإذا أنكرت لم تجب اليمين وفيه وجه آخر أنها تجب عليها، وإن اعترفت المرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ نكاحه لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين (احدهما) لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف كما لو ادعى زوجية امرأة فانكرته (والثاني) يستحلف قال القاضي وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام " ولكن اليمين على المدعى عليه " ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي

(8/483)


العلم لأنه على نفي فعل الغير فإذا زال نكاحه بطلاق أو فسخ أو موت رددت إلى الأول من غير عقد لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني فإذا زال زال المنع وحكم بأنها زوجة الأول كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال، وذكر القاضي أن له عليها مهراً وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها فان ماتت الاول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه لاقراره بزوجيتها واقرارها بذلك وإن ماتت لم يرثها لانها لا تصدق في إبطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في إبطال نكاحه ويرثها الزوج الثاني لذلك وإن مات الزوج الثاني لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه * (مسألة) * وإن ادعت المرأة انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكناً إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في وقت يمكن انقضاوها فيها قبل قولها لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل في التفسير هو الحيض والحمل ولولا أن قولهن مقبول لم يحرجن بكتمانه، ولأنه أمر تختص بمعروفته فكان القول قولها فيه كالنية من الإنسان فيما تعبر فيه النية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها قبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله

(8/484)


صلى الله عليه وسلم فأما ما تنقضي به العدة فهو ثلاثة أقسام: (الأول) أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء وهو ينبني على الخلاف في أقل الطهر بين الحيضتين وعلى الخلاف في أقل الحيض وهل الاقراء الحيض أو الطهر، فإن قلنا هي الحيض وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً، فأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوماً ولحظة وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر ثم تحيض بعده يوماً وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر لحظة ليعرف بها انقطاع الحيض وإن لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع حيضتها ولو صادفتها رجعته لم تصح ومن اعتبر الغسل في انقضاء العدة فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض، وإن قلنا القروء الحيض وأقل الطهر خمسة عشر يوماً فأقل ما تنقضي به العدة ثلاثة وثلاثون يوما لحظة تزيد أربعة أيام في الطهرين، وإن قلنا القروء الاطهار وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً فإن العدة تنقضي بثمانية وعشرين يوماً ولحظتين وهو أن يطلقها في آخر لحظة من طهرها فتحتسب بها قزءا ثم تحتسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوماً وبينهما حيضتين يومين فإذا طعنت في الحيضة الثالثة لحظة انقضت عدتها وإن قلنا الطهر خمسة عشر يوماً زدنا على هذا أربعة أيام في الطهرين فيكون اثنين وثلاثين يوما لحظتين وهذا قول الشافعي، فإن كانت أمة انقضت عدتها بخمسة عشر يوماً ولحظة على الوجه الأول وتسعة عشر يوماً ولحظة على الوجه الثاني وباربعة عشر يوماً ولحظتين على الوجه الثالث وبستة عشر يوماً ولحظتين على الوجه الرابع فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها

(8/485)


* (مسألة) * (فإن ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من شهر لم يقبل إلا بينة) لأن شريحاً قال إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت بينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالون ومعناه بالرومية أصبت أو أحسنت فأخذ أحمد بقول علي في الشهر فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها لأنها أونمنت على ذلك وإنما لم
يصدقها في الشهر لأن حيضها ثلاث مرات فيه يندر جدا فرجع بينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه، وقال الشافعي لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوماً ولحظتين لأنه لا يتصور عنده في أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لا يقبل في أقل من ستين يوماً وقال صاحباه لا يقبل في أقل من تسعة وثلاثين يوماً ولحظتين لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون، والخلاف في هذا مبني على أقل الحيض وأقل الطهر وفي القرء ما هو، ومما يدل عليه في الجملة قبول علي وشريح بينتها على انقضاء عدتها في شهر ولولا تصوره لما قبلت عليه بينة ولا سمعت فيه دعوى، ولا يتصور إلا بما قلنا، وأما إذا ادعت القضاء عدتها في أقل من ذلك لم تسمع دعواها ولا يصغى إلى بينتها لاننا نعلم كذبها فإن بقيت على

(8/486)


دعواها حتى أتى عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم يسمع قولها لأنها تدعي محالاً، وإن ادعت أنها انقضت عدتها في هذه المدة كلها أو فيما يمكن منها قبل قولها لانه أمكن صدقها، ولا فرق في ذلك بين الفاسقة والمرضية والمسلمة والكافرة لأن ما يقبل فيه قول الإنسان على نفسه لا يختلف باختلاف حاله كإخباره عن نيته فيما تعتبر فيه نيته.
(فصل) فإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل فان ادعته لتمام لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين امكان الوطئ بعد العقد (1) لأن أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوماً لأنه يكون نطفة أربعين يوماً وعلقة مثل ذلك ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل أن يصير مضغة بحال، وهذا ظاهر قول الشافعي، فأما إن ادعت انقضاء عدتها بالشهور فلا يقبل قولها فيه لأن الخلاف في ذلك ينبني على الاختلاف في الطلاق والقول قول الزوج فيه فيكون القول قوله فيما ينبني عليه إلا أن يدعي انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه نفقتها مثل أن يقول طلقتك في شوال فتقول هي بل في ذي القعدة فالقول قولها لأنه يدعي ما يسقط النفقة والأصل وجوبها فلا يقبل إلا بينة، فإن ادعت ذلك ولم يكن لها نفقة قبل قولها لأنها تقر على نفسها بما هو أغلظ وإن انعكس الحال فقال طلقتك في ذي القعدة فلي رجعتك قالت بل طلقتني في شوال
__________
(1) قوله بعد العقد لأنه لا يكمل في أقل من ذلك وإن ادعت أنها أسقطته لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوما من حين إمكان الوطئ بعد عقد النكاح لها من المغني

(8/487)


فلا رجعة لك فالقول قوله لأن الأصل بقاء نكاحه ولأن القول قوله في إثبات الطلاق ونفيه فكذلك في وقته، إذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا القول قولها فأنكرها الزوج فقال الخرقي عليها اليمين، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب، وقال القاضي قياس المذهب أن لا يجب عليه يمين وقد أومأ إليه أحمد أيضاً فقال لا يمين في نكاح ولا طلاق وهو قول أبي حنيفة لأن الرجعة لا يصح بذلها فلا تستحلف فيها كالحدود والأول أولى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولأنه حق آدمي يمكن صدق مدعيه فتجب اليمين فيه كالأموال فإن نكلت عن اليمين فقال القاضي لا يقضى بالنكول لأنه لا يصح بذله.
قال شيخنا ويحتمل أن يستحلف الزوج وله رجعتها على القول برد اليمين على المدعى لأنه لما وجد النكول منها ظهر صدق الزوج وقوي جانبه واليمين تشرع في حق من قوي جانبه ولذلك شرعت في حق المدعى عليه لقوة جانبه باليد في العين وبالأصل في براءة الذمة في الدين وهو مذهب الشافعي (فصل) إذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله لأنه لما ملك الرجعة ملك الإقرار بها كالطلاق وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم فإن قال بعد انقضاء عدتها كنت راجعتك في عدتك فأنكرت فالقول قولها بإجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها وحصول البينونة.

(8/488)


* (مسألة) * (إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها) وجملة ذلك أنه إذا كان اخلافهما في زمن يمكن فيه انقضاء عدتها وبقاؤها فبدأت فقالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فأنكرته فالقول قولها لأن خبرها بانقضاء عدتها مقبول لإمكانه فصارت دعواه للرجعة بعد الحكم بانقضاء عدتها فلم تقبل.
* (مسألة) * وإن سبق فقال ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فالقول قوله) ذكره القاضي لما ذكرنا وهو أحد الوجوه لأصحاب الشافعي وظاهر كلام الخرقي أن قولها مقبول
سواء سبقها بالدعوى أو سبقته وهو وجه ثان لأصحاب الشافعي لأن الظاهر البينونة والأصل عدم الرجعة فكان الظاهر معها ولأن من قبل قوله سابقاً كان كذلك مسبوقاً كسائر من يقبل قوله ولهم وجه ثالث أن القول قول الزوج بكل حال لأن المرأة تدعي ما يرفع النكاح وهو ينكره فكان القول قول من أنكره بخلاف ما قاسوا عليه.
* (مسألة) * (وإن تداعياً معاً قدم قولها) لأن خبرها بانقضاء عدتها يكون بعد انقضائها فيكون قوله بعد العدة فلا يقبل وقيل يقدم من تقع

(8/489)


له القرعة ذكره أبو الخطاب احتمالا والصحيح الأول (فصل) فإن اختلفا في الإصابة فقال قد أصبتك فلي رجعتك فأنكرته أو قالت قد أصابني فلي المهر كاملاً فالقول قول المنكر منهما لأن الأصل معه فلا يزول إلا بيقين وليس له رجعتها في الموضعين لأنه إن أنكر الإصابة فهو يقر على نفسه بينونتها وأنه لا رجعة له عليها وإن أنكرتها هي فالقول قولها ولا تستحق إلا نصف المهر وإن انكرها فالقول قوله هذا إذا كان المهر غير مقبوض فإن كان اختلافهما بعد قبضها له وادعى إصابتها فانكرته لم يرجع عليها بشئ لأنه يقر لها به ولا يدعيه وإن كان هو المنكر رجع عليها بنصفه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن قيل فلم قبلتم قول المولي والعنين في الإصابة ولم تقبلوه ههنا؟ قلنا المولي والعنين يدعيان ما يبقي النكاح على الصحة ويمنع فسخه والأصل صحة العقد وسلامته فكان قولهما موافقاً للأصل فقبل وفي مسئلتنا قد وقع ما يرفع النكاح ويزيله وهو مار إلى بينونة وقد اختلفا فيما يرفع حكم الطلاق ويثبت له الرجعة والأصل عدم ذلك فكان قوله مخالفاً للأصل فلم يقبل ولأن المولي والعنين يدعيان الاصابة في موضع تحققت فيه الخلوة والتمكين من الوطئ لأنه لو لم يوجد ذلك لما استحقتا الفسخ بعدم الوطئ فكان الاختلاف فيما يختص به وفي مسئلتنا لم تتحقق خلوة ولا تمكين لأنه لو تحقق ذلك لوجب المهر كاملاً فكان الاختلاف في أمر ظاهر لا يختص به فلم يقبل فيه قول مدعيه إلا ببينة وهل تشرع اليمين في حق من القول قوله؟ على وجهين

(8/490)


(فصل) والخلوة كالإصابة في إثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها في ظاهر كلام الخرقي لقوله حكمها حكم الدخول في جميع أمورها وهذا قول الشافعي القديم وقال أبو بكر لا رجعة له عليها إلا أن يصيبها وبه قال أبو حنيفة وصاحباه والشافعي في الجديد لأنها غير مصابة فلا يستحق وجعتها كالتي لم يخل بها ووجه الأول قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أوحامهن - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه ولم يستوف عدده فثبتت عليها الرجعة كالموطؤة ولأنها معتدة يلحقها طلاقه فملك رجعتها كالتي أصابها وفارق التي لم يخل بها فإنها بائن منه لا عدة لها ولا يلحقها طلاقه وإنما تكون الرجعة تلمعتدة التي يلحقها طلاقه والخلاف في هذا مبني على وجوب العدة بالخلوة من غير إصابة ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى (فصل) فإن ادعى زوج الأمة بعد عدتها فأنكره وصدقه مولاها فالقول قولها نص عليه وبذلك قال أبو حنيفة ومالك وقال أبو يوسف ومحمد القول قول الزوج وهو أحق بها لأن إقرار مولاها مقبول في نكاحها فقبل في رجعتها كالحرة إذا أقرت ولنا أن قولها في انقضاء عدتها مقبول فقبل إنكارها للرجعة كالحرة ولأنه اختلاف منهما فيما يثبت به النكاح فيكون المنازع هي دون سيدها كما لو اختلفا في الإصابة وإنما قبل قول السيد في النكاح لأنه يملك إنشاءه فملك الإقرار به بخلاف الرجعة وإن صدقته وكذبه مولاها لم يقبل إقرارها لأن حق السيد تعلق بها

(8/491)


وحلت بانقضاء عدتها فلم يقبل قولها في إبطال حقه كما لو تزوجت ثم أقرت أن مطلقها كان راجعها ولا يلزم من قبول إنكارها قبول تصديقها كالتي تزوجت فإنه يقبل إنكارها ولا يقبل تصديقها إذا ثبت هذا فإن مولاها إذا علم صدق الزوج لم يحل له وطؤها ولا تزويجها وإن علمت هي صدق الزوج في رجعتها فهي حرام على سيدها ولا يحل لها تمكينه من وطئها إلا مكرهة كما قبل طلاقها (فصل) ولو قالت انقضت عدتي ثم قالت ما انقضت بعد فله رجعتها لانه أقرت بكذبها فيها يثبت له حقاً عليها فقبل إقرارها ولو قال أخبرتني بانقضاء عدتها ثم راجعتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها وأنكرت ما ذكر عنها وأقرت بأن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر
بانقضاء عدتها وإنما أخبر بخبرها عن ذلك وقد رجعت عن خبرها فقبل رجوعها لما ذكرناه (فصل) قال الشيخ رحمه الله وإن طلقها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطؤها في القبل وأدنى ما يمكن من ذلك تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل) وجملة ذلك أن المرأة إذا لم يدخل بها تبينها تطليفة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد وقد أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) فبين سبحانه أنه لا عدة

(8/492)


عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها فإن رغب فيها مطلقها فهو خاطب من الخطاب لا تحل له إلا أن يتزوجها برضاها جديداً وترجع إليه بطلقتين فإن طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة بغير خلاف إن لم تكن تزوجت غيره بغير خلاف فإن طلقها ثلاثاً بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره) في قول عامة أهل العلم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثاً بعد الدخول لا تحل حتى تنكح زوجا غيره لقول الله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وروت عائشة أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطيقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن ابن الزبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحاكا وقال " تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " متفق عليه وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه وجمهور العلماء على أنها لا تحل للزوج الأول حتى يطأها الثاني وطئاً يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال إذا تزوجها تزويجاً صحيحاً لا يريد به اخلالا فلا بأس أن يتزوجها قال إبن المنذر ولا نعلم احدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه (حتى تنكح زوجا غيره) ومع تصريح النبي صلى الله عليه وسلم ببيان المراد من كتاب الله تعالى وأنها لا تحل للاول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج

(8/493)


على شئ سواه ولا يسوغ لأحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عمرو وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وممن بعدهم مسروق والزهري ومالك وأهل المدينة والثوري وأصحاب الرأي والاوزاعي وأهل الشام والشافعي وأبو عبيد وغيرهم (فصل) ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط (أحدها) أن تنكح زوجاً غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم تحل لقول الله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) وهذا ليس بزوج (الشرط الثاني) أن يكون نكاحاً صحيحاً فلو كان فاسداً لم يحلها الوطئ فيه وبهذا قال الحسن والشعبي وحماد ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وقال في القديم يحلها وهو قول الحكم وخرجه أبو الخطاب وجهاً في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللاً مع فساد نكاحه ولنا قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجاً فاسداً لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزوج الفاسد ولأن أكثر أحكام التزويج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللاً فلقصد التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي

(8/494)


صلى الله عليه وسلم " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) ولأنه وطئ في غير نكاح صحيح اشبه وطئ الشبهة وعلى هذا لو وطئها بشبهة لم تبح لأنه في غير نكاح * (مسألة) * (ولو كانت أمة فاشتراها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم ويحتمل أن تحل) وقال بعض أصحاب الشافعي تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله عزوجل (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) صريح في تحريمها فلا نعول على ما خالفه ولأن
الفرج لا يجوز أن يكون محرماً مباحاً فسقط هذا (الشرط الثالث) أن يطأها في الفرج لما ذكرنا من حديث عائشة فعلى هذا إن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يحلها لأنه علق الحل على ذواق العسيلة ولا يحصل إلا بالوطئ في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل لأن أحكام الوطئ تتعلق بذواق العسيلة ولا يحصل من غير انتشار * (مسألة) * (فإن كان مجبوباً قد بقي من ذكره قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا) وإن وطئها زوج مراهق أحلها في قولهم الا مالكا وأبا عبيد فإنهما قالا لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن لانه وطئ من غير بالغ فأشبه وطئ الصغير ولنا ظاهر النص وانه وطئ من زوج في نكاح صحيح فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن

(8/495)


الوطئ منه ولا تذاق عسيلته قال القاضي يشترط أن يكون له اثنتا عشرة سنة لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامعة ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود فلا معنى لاعتبار سن ما ورد الشرع باعتبارها وتقدير بمجرد الرأي والتحكم * (مسألة) * (فإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم) نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن والزهري والثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ربيعة ومالك لا يحلها ولنا ظاهر الآية لأنه وطئ من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطئ المسلم (فصل) فإن كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها، وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة.
ولنا ظاهر الآية ولانه وطئ مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله (لا يذوق العسيلة) لا يصح فإن الجنون إنما هو تفطية العقل وليس العقل شرطا في الشهرة وحصول اللذة بدليل البهائم، لكن إن كان المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطئ مجنونة في هذه الحال لأنها لا تذوق العسيلة ولا تحصل لها اللذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذا حاله

(8/496)


فلا يكون ههنا اختلاف وكوطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرنا وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله لعموم النص، فإن وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته أحلها لأنه صادف نكاحاً صحيحاً، ولو وطئها فأفضاها أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ههنا لحقها فإن استدخلت ذكره وهو نائم أو مغمى عليه لم تحل لأنه لم يذق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية (فصل) فإن كان خصياً أو مسلولاً أو موجوءاً حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي، قال أبو بكر وقد روي عن أحمد في الخصي أنه لا يحلها فإن أبا طالب سألته عن المرأة تتزوج الخصي تستحل به قال لا حتى تذوق العسيلة، قال أبو بكر والعمل على ما رواه مهنا أنها تحل ووجه الأول أن الخصي لا يحصل منه لانزال فلا تنال لذة الوطئ فلا يذوق العسيلة، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطئ أو ليس مظنة الإنزال ولا يحصل الاحلال بوطئه كالوطئ من غير انتشار، والأولى إن شاء الله حصول الإحلال به لأنه يحصل بوطئ المراهق الذي لا يحصل منه الإنزال ولذلك تحل المراهقة التي لا يتصور منها الإنزال قبل البلوغ كذلك هذا وعلى هذا يمنع أن لا تذوق العسيلة إذا حصل منه الانتشار كغير البالغ ولدخوله في عموم الآية.
* (مسألة) * (وإن وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل) لان الوطئ في الدبر لا تذوق به العسيلة والوط بالشبهة وبملك اليمين وطئ من غير زوج فلا يدخل

(8/497)


في عموم قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) فتبقى علي المنع (فصل) فإن وطئها في ردته أو ردتها لم يحلها لأنه إن عاد إلى الإسلام فقد وقع الوطئ في نكاح غير تام لانعقاد سبب البينونة إن لم تعلم في العدة فلم يصادف الوطئ نكاحاً وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل اسلام الآخر لم يحلها لذلك
* (مسألة) * (وإن وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو إحرام أحلها وقال أصحابنا لا يحلها) اشتراط أصحابنا أن يكون الوطئ حلالاً فعلي قولهم إن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام أو صيام فرض من أحدهما أو منهما لم تحل، وهو قول مالك لانه وطئ حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الإحلال كوطئ المرتدة، وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره وهذه قد نكحت زوجاً غيره) وأيضاً قوله عليه السلام " حتى تذرقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وقد وجد ولأنه وطئ في نكاح صحيح في محل الوطئ على سبيل التمام فأحلها كالوطئ المباح وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو وطئها مريضة يضرها الوطئ وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهو قول أبي حنيفة ومذهب الشافعي، فأما وطئ المرتدة فقد ذكرناه وأشرنا إلى الفرق (فصل) فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفاً لأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطئ الحر

(8/498)


* (مسألة) * وإن طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق) وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإذا كان الزوج حراً فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبداً فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره روى ذلك عن عمر وزيد وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وفيه رواية أخرى أن الطلاق بالنساء وقد ذكرنا ذلك في كتاب الطلاق، والمختار أن الطلاق بالرجال والتفريع عليه.
فعلى هذا إذا طلقها اثنتين حرمت عليه بالطلاق تحريماً لا ينحل إلا بزوج واصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم، هذا ظاهر المذهب وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس في المملوكين إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئاً يدفعه وغير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب رواه الإمام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد على الأول وقال في حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه وقال
ابن المبارك من أبو حسن هذا؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكراً لهذا الحديث، قال أحمد أما أبو حسن

(8/499)


فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث، قال أبو بكر إن صح الحديث فالعمل عليه وإن لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول وقال أحمد ولو طلق عبد زوجته الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقها واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها واحدة لانه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعاً لم يملك الاطلاق العبيد اعتباراً بحاله حين الطلاق ولو طلقها في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق فأراد التزوج بها جاز وله طلقة واحدة لأن الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يتغير حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما وقعتا محرمتين لم يتغير ذلك بالعتق بعدهما * (مسألة) * (وإذا غاب عن مطلقته فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها اذا غلب على ظنه صدقها وإلا فلا) وجملة ذلك أن المطلقة المبتونة إذا مضى بعد طلاقها زمن يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما نكاح ووطئ فأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها إما بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها فله أن

(8/500)


يتزوجها في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والاوزاعي والثوري والشافعي وابو عبيد وأصحاب الرأي وذلك لأن المرأة مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها، ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها فيجب الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها فأما إن لم يعرف ما يغلب على ظنه صدقها لم يحل له نكاحها، وقال الشافعي له نكاحها لما ذكرنا أولاً والورع أن لا ينكحها ولنا أن الأصل التحريم ولم يوجد غلبة ظن تقل عنه فوجب البقاء عليه كما لو أخبره فاسق عنها (فصل) إذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكرها فالقول قولها في حلها للأول والقول قول الزوج في المهر ولا يلزمه إلا نصفه إذا لم يقر بالخلوة بها فإن قال الزوج الأول أنا أعلم أنه ما أصابها لم يحل
له نكاحها لأنه يقر على نفسه بتحريمها فإن عاد فأكذب نفسه وقال قد علمت صدقها دين فيما بينه وبين الله تعالى، فإذا علم حلها لم تحرم بكذبه، وهذا مذهب الشافعي ولأنه قد يعلم ما لم يكن علمه ولو قال ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا لأن المعتبر في حلها له خبر يغلب على ظنه صدقه لا حقيقة العلم (فصل) إذا طلقها طلاقاً رجعياً وغاب فقضت عدتها وأرادت التزوج فقال وكيله توقفي كيلا يكون راجعك لم يجب عليها التوقف لأن الأصل عدم الرجعة وحل النكاح، فلا يجب الزوال عنه بأمر مشكوك فيه ولأنه لو وجب عليها التوقف في هذه الحال لوجب عليها التوقف قبل قوله لأن احتمال الرجعة موجود سواء قال أو لم يقل فيفضي إلى تحريم النكاح على كل رجعية غاب زوجها أبداً

(8/501)


(فصل) فإذا قالت قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها لم يجز العقد لأن الخبر المبيح للعقد قد زال فزالت الاباحة وإن كان ذلك بعد العقد عليها لم يقبل لأن ذلك إبطال للعقد الذي لزمها بقولها فلم يقبل كما لو ادعى زوجية أمرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الإقرار