الشرح الكبير على متن المقنع

 (كتاب النفقات) (يجب على الرجال نفقة زوجته وما لا غناء لها عنه وكسوتها ومسكنها بما يصلح مثلها) نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) ومعنى قدر ضيق وقال سبحانه (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) ، وأما السنة فما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم ورواه الترمذي بإسناده عن عمرو بن الأحوص قال " ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا
إليهن في كسوتهن وطعامهن " وقال حديث حسن صحيح وجاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها

(9/229)


وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم وأن ذلك بالمعروف وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه، واتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة وهو المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها كالعبد مع سيده، فمتى سلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجتها من مأكول وملبوس ومسكن (مسألة) (وليس ذلك مقدراً لكنه معتبر بحال الزوجين جميعاً) .
هكذا ذكره أصحابنا فإن كانا موسرين فعليه لها نفقة الموسرين وإن كانا معسرين فعليه نفقة المتوسطين وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فعليه نفقة المتوسطين أيهما كان الموسر، وقال أبو حنيفة ومالك تعتبر حال المرأة على قدر كفايتها لقول الله تعالى " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمعروف الكفاية ولأنه سوى بين النفقة والكسوة على قدر حالها فكذلك الفقة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فاعتبر كفايتها دون حال زوجها ولأن نفقتها واجبة لدفع حاجتها فكان الاعتبار بما تندفع به حاجتها دون حال من وجبت عليه كنفقة المماليك ولأنه واجب للمرأة على زوجها بحكم الزوجية لم يقدر فكان معتبراً بها كمهرها، وقال الشافعي الاعتبار بحال الزوج وحده لقول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)

(9/230)


ولنا أن فيما ذكرناه جمعاً بين الدليلين وعملاً بكلا النصين ورعاية لكلا الجانبين فكان أولى (فصل) والنفقة مقدرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها، وبهذا قال
أبو حنيفة ومالك وقال القاضي هي مقدرة بمقدار لا يختلف في الكثرة والقلة، والواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتباراً بالكفارات، وإنما يختلفان في صفته وجودته لأن الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول وما تقوم به البنية وإنما يختلفان في جودته فكذلك النفقة الواجبة، وقال الشافعي نفقة المقتر مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لأن أقل ما يدفع في الكفارة مد والله سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل فقال سبحانه (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وعلى الموسر مدان، لأن أكثر ما أوجب الله سبحانه للواحد مدين في فدية الأذى، وعلى المتوسط مد ونصف، نصف نفقة الفقير ونصف نفقة الموسر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فأمرها باخذ ما يكفيها من غير تقدير ورد الاجتهاد في ذلك إليها، ومن المعلوم أن قدر كفايتها لا ينحصر في المدين بحيث لا يزيد عنهما ولا ينقص ولأن الله تعالى قال (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وإيجاب أقل من الكفاية من الرزق ترك للمعروف وإيجاب قدر الكفاية وإن كان أقل من مد أو رطلي خبر إنفاق بالمعروف فيكون ذلك واجباً بالكتاب والسنة

(9/231)


واعتبار النفقة بالكفارة في القدر لا يصح لأن الكفارة لا تختلف باليسار والإعسار ولا هي مقدرة بالكفاية وإنما اعتبرها الشرع بها في الجنس دون القدر ولهذا لا يجب فيها الأدم (فصل) ولا يجب فيها الحب وقال الشافعي يجب فيها الحب اعتباراً بالإيجاب في الكفارة حتى لو دفع إليها دقيقاً أو سويقاً أو خبزاً لم يلزمها قبوله كما لا يلزم المسكين في الكفارة، وقال بعضهم يجئ على قول اصحابنا أنه لا يجوز وإن تراضيا عليه لأنه بيع حنطة بجنسها متفاضلاً ولنا قول ابن عباس في قول الله تعالى (من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال الخبز والزيت وعن ان عمر الخبز والسمن والخبز والزيت والخبز والتمر وأفضل ما تطعمونهن الخبز واللحم ففسر طعام الأهل بالخبز مع غيره من الأدم، ولأن الشرع ورد بالايجاب مطلقاً من غير تقدير ولا تقييد فوجب أن يرد إلى العرف كما في القبض والإحراز، وأهل العرف إنما يتعارفون فيما بينهم في الإنفاق على أهليهم
الخبز والأدم دون الحب والنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إنما كانوا ينفقون ذلك دون ما ذكروه فكان ذلك هو الواجب ولأنها نفقة قدرها الشرع بالكفاية فكان الواجب الخبز كنفقة العبيد ولأن الحب تحتاج فيه إلى طحنه وخبزه فمتى احتاجت إلى تكلف ذلك من مالها لم تحصل الكفاية بنفقته، وفارق الإطعام فإنها لا تتقدر بالكفاية ولا يجب فيها الأدم، فعلى هذا لو طلبت مكان الخبز حباً أو دراهم أو دقيقاً أو غير ذلك لم يلزمه بذله ولو عرض عليها بدل الواجب لها لم يلزمها قبوله لانها معارضة فلا يجبر واحد منهما على

(9/232)


قبولها كالبيع وإن تراضيا على ذلك جاز لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضعة عنه كالطعام في القرض ويفارق الطعام في الكفارة فانه حق لله تعالى وليس هو لآدمي معين فيرضى بالعوض عنه وإن أعطاها مكان الخبز حباً أو دقيقاً جاز إذا تراضيا عليه لأن هذا ليس بمعاوضة حقيقة فإن الشارع لم يعين الواجب بأكثر من الكفاية فبأي شئ حصلت الكفاية كان ذلك هو الواجب وإنما صرنا إلى إيجاب الخبز عند الاختلاف لترجحه بكونه القوت المعتاد (مسألة) (فان تنازعا رجع الأمر إلى الحاكم) وجملة ذلك أن الأمر يرجع في تقدير الواجب للزوجة إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه إن لم يتراضيا على شئ فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالها وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه لكل أحد على حسب حاله على ما جرت العادة في حق أمثاله وكذلك الأدم للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع الأدم من الأرز واللحم واللبن وما ينطبخ به اللحم والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه السمن في موضع والزيت في آخر والشحم في آخر والشيرج في آخر وللمعسرة تحت المعسر من الأدم أدونه كالباقلاء والخل والبقل والكامخ وما جرت به عادة أمثالهم وما يحتاج إليه من الدهن وللمتوسطة تحت المتوسط أوسط ذلك من الخبز والإدام على حسب عادته

(9/233)


وقال الشافعي الواجب من جنس قوت البلد لا يختلف باليسار والإعسار سوى المقدار والأدم
هو الدهن خاصة لأنه أصلح للابدان وأجود في المؤنة لأنه لا يحتاج إلى طبخ وكلفة ويعتبر الأدم بغالب عادة أهل البلد كالزيت بالشام والشيرج بالعراق والسمن بخراسان ويعتبر قدر الأدم بالقوت فإذا قيل إن الرطل يكفيه الأوقية من الدهن فرض ذلك وفي كل يوم جمعة رطل لحم فان كان في موضع يرخص اللحم زادها على الرطل شيئاً وذكر القاضي مثل هذا في الأدم وهذا مخالف لقول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ومتى أنفق الموسر نفقة المعسر فما أنفق من سعته ولا رزقها بالمعروف وقد فرق الله تعالى بين الموسر والمعسر في الإنفاق وفي هذا جمع بين ما فرقه الله تعالى وتقدير الأدم بما ذكروه تحكيم لا دليل عليه وخلاف العادة والعرف بين الناس في إنفاقهم فلا يعرج على مثل هذا وقد قال ابن عمر من أفضل ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم والصحيح ما ذكرناه من رد النفقة المطلقة في الشرع إلى العرف فيما بين الناس في نفقاتهم في حق الموسر والمعسر والمتوسط كما رددناهم في الكسوة إلى ذلك ولأن النفقة من مؤنة المرأة على الزوج فاختلف جنسها باليسار والإعسار كالكسوة وحكم المكاتب والعبد كالمعسر لأنهما ليسا بأحسن حالاً منه ومن نصفه حر إن كان موسراً فحكمه حكم المتوسط لأنه متوسط نصفه موسر ونصفه معسر

(9/234)


(مسألة) (ويجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم) لما ذكرنا من النصوص ولأنها لا بد لها منها على الدوام فلزمته كالنفقة وهي معتبرة بكفايتها وليست مقدرة بالشرع كما قلنا في النفقة وهو قول أصحاب الشافعي ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها قدر كفايتها على قدر يسرها وعسرها وما جرت عادة أمثالها به من الكسوة فيجتهد الحاكم في ذلك نحو اجتهاده في المتعة للمطلقة كما قلنا في النفقة فيفرض للوسرة تحت الموسر من أرفع ثياب البلد من الكتان والقطن والخز والإبريسم وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان وللمتوسطة تحت المتوسط من ذلك وأقل ما يجب من ذلك قميص وسراويل ومقنعة ومداس وجبة للشتاء ويزيد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غناء عنه دون ما للتجمل والزينة وذلك لقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
والكسوة بالمعروف هي الكسوة التى جرت عادة أمثالها بلبسه وعليه ما يحتاج إليه للنوم من الفراش واللحاف والوسادة كل على حسب عادته فان كانت ممن عادته النوم في الأكسية والبسط فعليه لها لنومها ما جرت عادتهم به ولجلوسها بالنهار البساط والزلى ولحصير الرفيع أو الخشن الموسر على حسب يساره والمعسر على قدر إعساره والمتوسط بين ذلك على حسب العوائد (مسألة) (وعليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر وثمن الماء مما تغسل به رأسها وما يعود بنظافتها) لأن ذلك يراد للتنظيف فكان عليه كما أن على المستأجر كنس الدار وتنظيفها ولا تجب عليه الأدوية وأجرة الطبيب لأنه يراد لإصلاح الجسم فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها وكذلك أجرة الحجام والفاصد

(9/235)


(مسألة) (فأما الطيب والخضاب والحناء ونحوه فلا يلزمه إلا أن يريد منها التزين به) أما الخضاب فإنه إن لم يطلبه الزوج منها لم يلزمه وإن طلبه منها فهو عليه وأما الطيب فما يراد لقطع السهوكة كدواء العرق يلزمه لأنه يراد للتنظيف وما يراد للتلذذ أو الاستمتاع لا يلزمه لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه ما يدعوه إليه (فصل) ويجب لها مسكن بدليل قوله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ولأنها لا تستغني عن المسكن للسترة عن العيون في التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما لقول الله تعالى (من وجدكم) ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة (مسألة) (وإن احتاجت إلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها لزمه ذلك) لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف ان يقم لها خادمها لأنها مما يحتاج إليه في الدوام فأشبه النفقة (مسألة) (فإن كان لها خادم وإلا أقام لها خادماً بشراء أو كراء أو عارية ولا يلزم الزوج
أن يملكها خادما)

(9/236)


لأن المقصود الخدمة فإذا حصلت من غير تمليك جاز كما أنه إذا أسكنها داراً بأجرة جاز ولا يلزمه تمليكها مسكناً فإن ملكها الخادم فقد زاد خيراً وإن أخدمها من يلازم خدمتها من غير تمليك جاز سواء كان له أو استأجره حراً كان أو عبداً فإن كان الخادم لها فرضيت بخدمته لها ونفقته على الزوج جاز وإن طلبت منه أجر خادمها فوافقها جاز وإن أبى وقال أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتاها بمن يصلح لها.
ولا يكون الخادم إلا ممن يحل له النظر إليها إما امرأة وإما ذو رحم محرم لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النظر وهل يجوز أن يكون خادم المسلمة من أهل الكتاب؟ فيه وجهان أصحهما جوازه لأن استخدامهم مباح ولأن الصحيح إباحة النظر لهم (والثاني) لا يجوز لأن في إباحة نظرهم اختلافاً وتعافهم النفس ولا يتنظفون من النجاسة (مسألة) (وعليه نفقته بقدر نفقة الفقيرين إلا في النظافة) يجب على الزوج نفقة الخادم وكسوته مثل ما لامرأة المعسر إلا أنه لا يجب لها المشط والدهن والسدر لرأسها لأن ذلك مما يراد للزينة والتنظيف ولا يراد ذلك من الخادم.
فإن احتاجت إلى خف لتخرج إلى شراء الحوائج لزمه ذلك (مسألة) (ولا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد، لأن المستحق خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بواحد) ، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان لا يصلح المرأة إلا

(9/237)


أكثر من خادم فعليه أن ينفق على أكثر من خادم واحد ونحوه قال أبو ثور إذا احتمل الزوج ذلك فرض لخادمين.
ولنا أن الخادم الواحد يكفيها لنفسها والزيادة تراد لحفظ ملكها وللتجمل وليس عليه ذلك (مسألة) فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك ولم يلزمه) لأن الأجر عليه فتعيين الخادم إليه ولأن في خدمة غيرها إياها توفيرها على حقوقه وترفهها ورفع قدرها وذلك
يفوت بخدمتها لنفسها.
(مسألة) فإن قال الزوج أنا أخدمك بنفسي لم يلزمها) لأنها تحتشمه وفيه غضاضة عليها لكون زوجها خادماً وفيه وجه آخر أنه يلزمها الرضى به لأن الكفاية تحصل به (فصل) ويلزمه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء، لأنها زوجة بدليل قوله سبحانه (وبعولتهن أحق بردهن) ولأنه يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه فأشبه ما قبل الطلاق وللأدلة الدالة على وجوب نفقة الزوجة من الكتاب والسنة والإجماع (مسألة) (وأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى وإلا فلا شئ لها وعنه لها السكنى) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقاً بائناً إما أن يكون ثلاثاً أو بخلع أو بانت بفسخ وكانت حاملاً فلها النفقة والسكنى بإجماع أهل العلم لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وفي

(9/238)


بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت قيس " لا نفقة لك " إلا أن تكون حاملاً ولأن الحمل ولده فيلزمه الإنفاق عليه ولا تمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق عليها فوجب كما وجبت أجرة الرضاع وإن كانت حائلاً فلا نفقة لها وفي السكنى روايتان (إحداهما) لا يجب لها ذلك وهو قول علي وابن عباس وجابر وبه قال عطاء وطاوس والحسن وعمر بن ميمون وعكرمة وإسحاق وأبو ثور وداود (والثانية) يجب لها وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم والفقهاء السبعة ومالك والشافعي لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فأوجب لها السكنى مطلقاً ثم خص الحامل بالإنفاق عليها، وقال أكثر فقهاء العراق: لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه والبتي والعنبري ويروى ذلك عن عمر وابن
مسعود لأنها مطلقة فوجبت لها النفقة والسكنى كالرجعية وردوا خبر فاطمة بنت قيس بما روي عن عمر أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة وأنكرته عائشة وسعيد بن المسيب وتأولوه، قال عروة لقد عابت عائشة ذلك أشد العيب وقالت أنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، وقال سعيد بن المسيب تلك امرأة فتنت الناس بلسانها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى

(9/239)


ولنا ما روت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطنه فقال والله ما لك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " ليس لك عليه نفقة ولا سكنى " فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك متفق عليه وفي لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعية فإذا لم يكن له عليها الرجعة فلا نفقة ولا سكنى " رواه الإمام أحمد والاثرم والحميدي، قال ابن عبد البر من طريق الحجة وما يلزم منها: قول أحمد بن حنبل ومن تابعه اصح وأحج لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً صريحا فأي شئ يعارض هذا إلا مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو المبين عن الله تعالى مراده ولا شئ يدفع ذلك ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) ؟ وأما قول عمر ومن وافقه فقد خالفه علي وابن عباس وجابر ومن وافقهم والحجة معهم ولو لم يخالفه أحد منهم لما قبل قوله المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عمر وغيره ولم يصح عن عمر أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة فإن أحمد أنكره وقال أما هذا فلا فإنه قال لا نقبل في ديننا قول امرأة وهذا يرده الإجماع على قبول قول المرأة في الرواية فقد أجد تقول فريعة وهي امرأة وتخبر عائشة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار خبر فاطمة إذا لم تكن حاملاً مثل نظر المرأة إلى الرجال وخطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن سكنت إلى الأول وأما تأويل من تأول حديثها فليس بشئ فإنها تخالفهم في ذلك وهي أعلم بحالها ولم يتفق المتأولون

(9/240)


على شئ وقد رد على من رد عليها فقال ميمون بن مهران لسعيد بن المسيب لما قال تلك امرأة فتنت الناس بلسانها: لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فنت الناس وإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة
حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ليس له عليها رجعة ولا بينهما ميراث، وقول عائشة أنها كانت في مكان وحش لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل بغير ذلك فقال " يا ابنة آل قيس إنما النفقة والسكنى ما كان لزوجك عليك الرجعة " هكذا رواه الحميدي والاثرم ولو صح ما قالته عائشة ما احتاج عمر في رده إلى أن يعتذر بأنه قول امرأة وهي أعرف بنفسها وبحالها، وأما قول عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا فقد قال اسماعيل بن إسحاق نحن نعلم أن عمر لا يقول لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملاً بقوله سبحانه (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق وقد روى أبو داود وغيره بإسنادهم عن ابن عباس في حديث المتلاعنين قال ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا بيت لها ولا قوت ولأن هذه محرمة عليه تحريماً لا تزيله الرجعة فلم يكن لها سكنى ولا نفقة كالملاعنة وتفارق الرجعية فانها زوجية يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه بخلاف البائن (فصل) ولا سكنى للملاعنة ولا نفقة إن كانت حائلاً للخبر وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا

(9/241)


أنه ينتفي عنه أو قلنا إنه ينتفي بزوال الفراش وإن قلنا لا ينتفي أو لم ينفه وقلنا إنه يلحقه نسبه فلها السكنى والنفقة لأن ذلك للحمل أو لها بسببه وهو موجود فأشبهت المطلقة البائن، فإن نفى الحمل فأنفقت أمه وسكنت من غير الزوج وأرضعت ثم استحقه الملاعن لحقه ولزمته النفقة وأجر المسكن والرضاع لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له فإذا ثبت أب لزمه ذلك ورجع به عليه، فإن قيل النفقة لاجل الحمل فقة الأقارب وهي تسقط بمضي الزمان فكيف يرجع عليه بما يسقط عنه؟ قلنا بل النفقة للحامل لأجل الحمل فلا تسقط كنفقتها في الحياة وإن سلمنا أنها للحمل إلا أنها مصروفة إليها ويتعلق به حقها فلا تسقط بمضي الزمان كنفقتها (مسألة) (فإن طلق زوجته ولم ينفق عليها يظنها حائلاً ثم تبين أنها كانت حاملاً فعليه نفقة ما مضى) لأننا تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين (مسألة) (وإن أنفق عليها يظنها حاملاً وبانت حائلاً مثل من ادعت الحمل لتكون لها النفقة أنفق عليها ثلاثة أشهر ثم أريت الفوايل بعد ذلك)
لأن الحمل يتبين بعد ثلاثة أشهر إلا أن تظهر براءتها من الحمل بالحيض أو بغيره فتنقطع نفقتها كما تنقطع إذا قال القوابل ليست حاملاً رجع عليها بما أنفق لأنها أخذت منه ما لا تستحق فرجع عليها كما لو ادعت عليه ديناً وأخذته منه ثم تبين كذبها، وعن أحمد رواية أخرى لا يرجع بشئ لأنه أنفق عليها بحكم آثار النكاح فلم يرجع به كالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده وإن علمت براءتها من الحمل بالحيض فكتمته فينبغي أن يرجع عليها قولاً واحداً لأنها أخذت النفقة مع علمها ببراءته منها كما لو أخذتها من ماله بغير علمه، وإن ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها رجع عليها

(9/242)


بالزيادة ويرجع في مدة العدة إليها لأنها أعلم بها فالقول قولها فيها مع يمينها فإن قالت قد ارتفع حيضي فلم أدر ما رفعه فعدتها سنة إن كانت حرة، وإن قالت قد انقضت بثلاثة قروء وذكرت آخرها فلها النفقة إلى ذلك ويرجع عليها بالزائد وإن قالت لا أدري متى آخرها رجعنا إلى عادتها فحسبنا لها بها وإن قالت عادي تختف فتطول وتقصر انقضت العدة بالأقصر لأنه اليقين وإن قالت عادتي تختلف ولا أعلم رددناها إلى غالب عادات النساء في كل شهر قرء كما رددنا المتحيرة الى ذلك في أحكامها كذلك هذه، فإن بان أنها حامل من غيره مثل أن تلده لأكثر من أربع سنين فلا نفقة عليه كمدة حملها لأنه من غيره وإن كانت رجعية فلها النفقة في مدة عدتها فان كانت انقطعت قبل حملها فلها النفقة إلى انقضائها وان حملت في أثناء عدتها فلها النفقة إلى الوطئ الذي حملت منه ثم لا نفقة لها حتى تضع حملها ثم تكون لها النفقة في تمام عدتها وإن وطئها زوجها في العدة الرجعية حصلت الرجعة، وإن قلنا لا تحصل فالنسب لاحق به وعليه النفقة لمدة حملها، وإن وطئها بعد انقضاء عدتها أوطئ البائن عالماً بذلك وبتحريمه فهو زنا لا يلحقه نسب الولد ولا نفقة له عليه من أجله وإن جهل بينونتها أو انقضاء عدة الرجعية أو تحريم ذلك وهو ممن يجهله لحقه النسب وفي وجوب النفقة عليه روايتان

(9/243)


(مسألة) (وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله؟ على روايتين) (إحداهما) تجب للحمل اختارها أبو بكر لأنها تجب بوجوده وتسقط عند انقضائه فدل على أنها
له (والثانية) تجب لها من أجله لأنها تجب مع اليسار والإعسار فكانت لها كنفقة الزواجات ولأنها لا تسقط بمضي الزمان فأشبهت نفقتها في حياته وللشافعي قولان كالروايتين.
وينبني على هذا الاختلاف فروع (منها) أنها إذا كانت المطلقة الحامل أمة وقلنا النفقة للحمل فنفقها على سيدها لأنه ملكه وإن قلنا لها فعلى الزوج لأن نفقتها عليه، وإن كان الزوج عبدا وقلنا هي للحمل فليس عليه نفقة لأنه لا يلزمه نفقة ولده، وإن قلنا لها فالنفقة عليه لما ذكرنا وإن كانت حاملاً من نكاح فاسد أو وطئ شبهة وقلنا النفقة للحمل فعلى الزوج والوطئ لأنه ولده فلزمته نفقته كما بعد الوضع، وإن قلنا للحامل فلا نفقة عليه لأنها ليست زوجة يجب الإنفاق عليها، وإن نشزت امرأة إنسان وهي حامل وقلنا النفقة للحمل لم تسقط نفقتها لأن نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه وإن قلنا لها فلا نفقة لها لأنها ناشز (فصل) ويلزم الزوج دفع نفقة الحامل المطلقة إليها يوماً فيوماً كما يلزمه دفع نفقة الرجعية وقال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه دفعها إليها حتى تضع لأن الحمل غير متحقق ولهذا أوقفنا الميراث وهذا خلاف قول الله تعالى (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) ولأنها محكوم لها بالنفقة فوجب دفعها إليها كالرجعية وما ذكره لا يصح فإن الحمل يثبت بالأمارات وتثبت أحكامه في منع النكاح والحد والقصاص وفسخ البيع في الجارية المبيعة والمنع من الأخذ في الزكاة ووجوب الدفع في الدية فهو كالمتحقق، ولا يشبه هذا الميراث فإن الميراث لا يثبت بمجرد الحمل فإنه يشترط له الوضع والاستهلال بعد

(9/244)


الوضع ولا يوجد ذلك قبله ولأننا لا نعلم صفة الحمل ووجود شرط توريثه بخلاف مسئلتنا فإن النفقة تجب بمجرد الحمل ولا تختلف باختلافه.
إذا ثبت هذا فمتى ادعت الحمل فصدقها دفع إليها فإن كان حملاً فقد استوفت حقها وإن بان أنها ليست حاملاً رجع عليها سواء دفع إليها بحكم حاكم أو بغيره وسواء شرط أنها نفقة أو لم يشترط وعنه لا يرجع، والصحيح الأول لأنه دفعه على أنه واجب فإذا بان أنه ليس بواجب استرجعه كما لو قضاها ديناً فبان أنه لم يكن عليه دين، وإن أنكر حملها نظر النساء الثقات فرجع إلى قولهن ويقبل قول المرأة الواحدة إذا كانت من أهل الخبرة والعدالة لأنها شهادة على ما لا يطلع عليه الرجال غالباً اشبه الرضاع وقد ثبت الأصل بالخبر المذكور
(مسألة) (وأما المتوفى عنها زوجها فإن كانت حائلاً فلا سكنى لها ولا نفقة في مدة العدة لأن النكاح قد زال بالموت وإن كانت حاملاً ففيها روايتان) (إحداهما) لها السكنى والنفقة لأنها حامل من زوجها فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة (والثانية) لا سكنى لها ولا نفقة لأنه قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هو للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك الورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضي وهذه الرواية أصح (فصل) ولا تجب النفقة على الزوج في النكاح الفاسد لأنه ليس بينهما نكاح صحيح فإن طلقها

(9/245)


أو فرق بينهما قبل الوطئ فلا عدة عليها وإن كان بعده فعليها العدة ولا نفقة لها ولا سكنى إن كانت حائلا لأنه إذا لم يجب ذلك قبل التفريق فبعده أولى، وإن كانت حاملاً فعلى ما ذكرنا فإن قلنا لها النفقة إذا كانت حاملاً فلها ذلك قبل التفريق لأنه إذا وجب بعد التفريق فقبله أولى، ومتى أنفق عليها قبل مفارقتها أو بعدها لم يرجع عليها بشئ لأنه إن كان عالماً بعدم الوجوب فهو متطوع به وإن لم يكن عالماً فهو مفرط فلم يرجع به كما لو أنفق على أجنبية، وكل معتدة من وطئ من غير نكاح صحيح كالموطوءة بشهة وغيرها إن كان يلحق الواطئ نسب ولدها فهي كالموطوة في النكاح الفاسد وإن كان لا يلحقه نسب ولدها كالزاني فليس عليه نفقتها حاملاً كانت أولاً لأنه لا نكاح بينهما ولا بينهما ولد ينسب إليه (فصل) ولا تجب على الزوج نفقة الناشز فان كان لها منه ولد أعطاها نفقة ولدها، والنشوز معصيتها إياه فيما يجب عليها مما أوجبه الشرع بسبب النكاح، فمتى امتنعت من فراشه أو من الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو خرجت من منزله بغير إذنه أو أبت السفر معه إذا لم تشترط بلدها فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم منهم الشعبي وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور وقال الحكم لها النفقة قال إبن المنذر ولا أعلم أحداً خالف هؤلاء إلا الحكم ولعله يحتج بأن نشوزها لا يسقط مهرها فكذلك نفقتها ولنا أن النفقة إنما تجب في مقابلة تمكينها بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه ولأنه إذا منعها النفقة

(9/246)


كان لها منعه التمكين فكذلك إذا منعته التمكين كان له منعها النفقة كما قبل الدخول، ويخالف المهر فإنه يجب بمجرد العقد كذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة فأما نفقة ولدها منه فهي واجبة عليه فلا يسقط حقه بمعصيتها كالكبير وعليه دفعها إليها إذا كانت هي الحاضنة له أو المرضعة وكذلك أجر رضاعها يلزمه تسليمه إليها لأنه أجر ملكته عليه بالإرضاع لا في مقابلة الاستمتاع فلا يزول بزواله (فصل) وإذا سقطت نفقتها بالنشوز فعادت عن النشوز والزوج حاضر عادت نفقتها لزوال المسقط لها ووجود التمكين المقتضي لها وإن كان غائباً لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره أو حضور وكيله أو حكم الحاكم بالوجوب إذا مضى زمن الإمكان، ولو ارتدت سقطت نفقتها فإن عادت الى الاسلام عادت بمجرد عودها لأن المرتدة إنما سقطت النفقة بخروجها عن الإسلام فإذا عادت إليه زال المعنى المسقط فعادت النفقة وفي النشوز سقطت النفقة بخروجها عن يده أو منعها له من التمكين المستحق عليها ولا يزول ذلك إلا بعودها إلى يده وتمكينه منها ولا تحصيل ذلك في غيبته وكذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها وهو غائب لم تستحق النفقة بمجرد البذل كذا ههنا (فصل) إذا خالعت المرأة زوجها وهي حامل ولم تبرئه من حملها فلها النفقة كالمطلقة ثلاثا وهي حامل لأن الحمل ولده فعليه نفقته وإن أبرأته من الحمل عوضاً في الخلع صح سواء كان العوض كله أو بعضه وقد ذكرناه في الخلع وذكرنا الخلاف فيه ولا تبرأ حتى تفطمه إذا كانت قدا برأته من نفقة

(9/247)


الحمل وكفالة الولد إلى ذلك أو أطلقت البراءة من نفقة الحمل وكفالة لأن البراءة المطلقة تنصرف إلى المدة التي تستحق المرأة العوض عليه فيها وهي مدة الحمل والرضاع لأن المطلق إذا كان له عرف انصرف إليه، وإن اختلفا في مدة الرضاع انصرف إلى حولين لقول الله سبحانه (وفصاله في عامين) وقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ثم قال تعالى (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح علهيما) فدل على أنه لا يجوز فصاله قبل الحولين إلا بتراض
منهما وتشاور، وإن قدرا مدة البراءة بزمن الحمل أو بعام نحو ذلك فهو على ما قدراه وهو أولى لأنه أقطع للنزاع وأبعد من اللبس والاشتباه، ولو أبرأته من نفقة الحمل انصرف ذلك إلى زمن الحمل قبل وضعه قال القاضي إنما صح مخالعتها على نفقة الولد وهي الولد دونها لأنها في حكم المالكة لها لأنها التي تقبضها وتستحقها وتتصرف فيها فإنها في مدة الحمل هي الآكلة لها المنتفعة بها وبعد الولادة هي أجر رضاعها إياه وهي الآخذة لها المتصرفة فيها كملك من أملاكها فصح جعلها عوضاً، فأما النفقة الزائدة على هذا من كسوة الطفل ودهنه ونحو ذلك فلا يصح أن تعاوض به في الخلع لأنه ليس هو لها ولا في حكم ما هو لها (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويجب دفع النفقة إليها في صدر نهار كل يوم ذلك إذا طلعت الشمس)

(9/248)


لانه أزل وقت الحاجة فإن اتفقا على تأخيرها او تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فجاز من تعجيله وتأخيره ما انفقا عليه كالدين ولا خلاف بين أهل العلم هذا فيما علمنا (مسألة) (فإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر) لأنه طلب غير الوجب فلم يلزم الآخر لأنها معاوضة فلا يجبر عليها واحد منهما كالبيع، وإن تراضيا على ذلك جاز لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه كالطعام في القرض (مسألة) (وعليه كسوتها في كل عام مرة) لانه العادة ويكون الدفع إليها في أوله لأنه أول وقت الوجوب (مسألة) (فإذا قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها) إذا تلفت الكسوة أو سرقت بعد قبضها لم يلزمه عوضها لأنها قبضت حقها فلم يلزمه غيره كالدين إذا وفاها إياه ثم ضاع منها (مسألة) (وإن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى ويحتمل أن لا يلزمه) وجملة ذلك أنه إذا دفع إليها كسوة العام برئ منها كما إذا دفع إليها نفقة اليوم فإن بليت قبل ذلك لكثرة خروجها ودخولها أو استعمالها لم يلزمه إبدالها لأنه ليس بوقت الحاجة إلى الكسوة في

(9/249)


العرف، وإن مضى الزمان الذي يلي في مثله بالاستعمال ولم يهل فهل يلزمه بدلها؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لأنها غير محتاجة إلى الكسوة (والثاني) يلزمه لأن الاعتبار بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة بدليل أنها لو بليت قبل ذلك لم يلزمه بدلها ولو أهدي إليها كسوة لم تسقط كسوتها وكذلك لو أهدي إليها طعام فأكلته وبقي قوتها إلى الغد لم يسقط قوتها فيه (مسألة) (وإن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة؟ على وجهين) (أحدهما) له الرجوع لأنه دفعها للزمان المستقبل فإذا طلقها قبل مضيه كان له استرجاعها كما لو دفع إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها (والثاني) ليس له الاسترجاع لأنه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه فلم يكن له الرجوع فيها كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها قبل أكلها بخلاف النفقة الستقبلة.
(مسألة) (وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها فيجوز لها بيعها وهبتها والصدقة بها وغير ذلك) لأنها حقها فملكت التصرف فيه كسائر ما لها فإن عاد ذلك عليها بضرر في بدنها ونقص في استمتاعها فلا تملكه لأنها تفوت حقه بذلك، وكذلك الحكم في الكسوة في أحد الوجهين قياساً على النفقة واحتمل المنع لأن له استرجاعها لو طلقها في أحد الوجهين بخلاف النفقة

(9/250)


(مسالة) (وإن غاب مدة ولم ينفق نفقة ما مضى سواء تركها لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين) وبه قال الحسن والشافعي وإسحاق وابن المنذر والرواية الأخرى تسقط ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها وهو مذهب أبي حنيفة لأنها نفقة تجب يوماً فيوماً فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب ولأن نفقة الماضي قد استغني عنها بمضي وقتها أشبهت نفقة الأقارب ولنا أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ولأنها حق يجب مع اليسار والإعسار فلم يسقط بمضي الزمان
كأجرة العقار والديون قال إبن المنذر: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها وفارق نفقة الأقارب فإنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له وجبت لتزجية الحال فإذا مضى زمنها استغنى عنها فأشبه ما لو استغنى عنها بيساره وهذا بخلاف ذلك.
إذا ثبت هذا فإنه إن ترك النفقة عليها مع يساره فعليه النفقة بكمالها، وإن تركها لإعساره لم يلزمه إلا نفقة المعسر لأن الزائد سقط بالإعسار (فصل) والذمية كالمسلمة في النفقة والمسكن والكسوة في قول عامة أهل العلم وبه يقول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لعموم النصوص والمعنى (فصل) قال الشيخ رحمه الله إذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن يوطأ مثلها أو يتعذر

(9/251)


وطؤها لمرض أو حيض أو رتق أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً يمكنه الوطئ أو لا يمكنه كالمجبوب والعنين والمريض) وجملته أن المرأة إذا بذلت تسليم نفسها وهي ممن يوطأ مثلها لزم زوجها نفقتها لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم (مسألة) (وإن سلمت نفسها وهي ممن يتعذر وطؤها لرتق أو حيض أو نفاس أو لكونها نضوة الخلق لا يمكنه وطؤها لذلك أو لمرضها لزمته نفقتها أيضاً وإن حدث بها شئ من ذلك لم تسقط نفقتها) لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها وإن منع من الوطئ فإن قيل فالصغيرة التي لا يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها لا تجب نفقتها قلنا الصغيرة لها حال يتمكن من الاستمتاع بها فيها استمتاعا تاماً والظاهر أنه تزوجها انتظارا لملك الحال بخلاف هؤلاء وكذلك لو طلب تسليم هؤلاء وجب تسليمهن ولا يجب تسليم الصغيرة إذا طلبها فإن قيل فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع مما دون الوطئ لم تجب نفقتها فكذلك هؤلاء، قلنا تلك متعة مما يجب عليها وهؤلاء لا يجب عليهن التمكين مما فيه ضرر، فإن ادعت أن عليها ضرراً في وطئه لضيق فرجها أو قروح به أو نحو ذلك وأنكره أريت امرأة ثقة وعمل بقولها وإن ادعت

(9/252)


عيالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما لأنه موضع حاجة ويجوز النظر إلى العورة للحاجة والشهادة.
(مسألة) (وإن أسلمت نفسها وهي صغيرة وجبت عليه نفقتها إذا كانت كبيرة يمكن وطؤها) وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا نفقة لها وهو قول مالك لأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها فلم يلزمه نفقتها كما لو كانت صغيرة ولنا أنها سلمت نفسها تسليماً صحيحاً فوجبت لها النفقة كما لو كان الزوج كبيراً ولأن الاستمتاع بها ممكن وإنما تعذر من جهة الزوج فهو كما لو تعذر لغيبته بخلاف ما إذا كانت صغيرة فإنها لم تسلم نفسها تسليماً صحيحاً ولم تبذل ذلك وكذلك إذ كان يتعذر عليه الوطئ إذا كان مريضاً أو مجبوباً أو عنيناً لأن التمكين وجد من جهتها وإنما تعذر من جهته فوجبت النفقة كما لو سلمت إليه نفسها وهو كبير فهرب، إذا ثبت هذا فإن الولي يجبر على نفقتها من مال الصبي لأن النفقة عليه وإنما الولي ينوب عنه في أداء الواجبات عليه كما يؤدي أروش جناياته وزكواته (مسألة) (فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسليمها إليه إذا طلبها) وبهذا قال الحسن وبكر بن عبد الله المزني والنخعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو نص الشافعي وقال في موضع لو قيل لها النفقة كان مذهباً وهو قول الثوري لان تعذر الوطئ لم يكن بفعلها ولم يمنع وجوب النفقة كالمرض.

(9/253)


ولنا أن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع فلم تجب نفقتها كما لو منعه أولياؤها من تسليم نفسها وبهذا يبطل ما ذكروه وتفارق المريضة فإن الاستمتاع بها ممكن وإنما نقص بالمرض ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها لا تلزمه نفقتها فهذه أولى لأن تلك يمكن الزوج قهرها ووطؤها كرهاً وهذه لا يمكن فيها ذلك بحال وعلى هذا لا يجب على الزوج تسلمها ولا تسليمها إليه إذا طلبها لأنه لا يمكنه استيفاء حقه منها.
(مسألة) (وإن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله) .
وجملة ذلك أن المرأة بذلت التسليم والزوج غائب لم تستحق النفقة لأنها بذلته في حال لا يمكنه التسليم فيه فإن مضت إلى الحاكم فبذلت التسليم كتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك فإن سار إليها أو وكل من يسلمها إليه فوصل وتسلمها هو أو نائبه وجبت النفقة حينئذ وإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي كان يمكن الوصول إليها وتسلمها فيه لأن الزوج امتنع من تسلمها وإمكان ذلك وبذلها إياه له فلزمته نفقتها كما لو كان حاضراً فأما إن غاب الزوج بعد تمكينها ووجوب نفقتها عليه لم تسقط عنه بل تجب عليه في زمن غيبة لأنها استحقت النفقة بالتمكين ولم يوجد منها ما يسقطها (فصل) فإن سلمت الصغيرة التي يمكن وطؤها نفسها أو المجنونة فتسلمها لزمته نفقتها كالكبيرة وإن

(9/254)


لم يتسلمها لمنعها نفسها أو لمنع أوليائها فلا نفقة لها عليه كالكبيرة وإن غاب الزوج فبذل وليها تسليمها فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم لأن وليها يقوم مقامها وإن بذلت هي دون وليها لم يفرض الحاكم لها نفقة لأنه لا حكم لكلامها (مسألة) (وإن منعت نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها وإن تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وإن طال مقامها على ذلك) فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها ودخلت عليه بعد سنتين ولم ينفق إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى ولأن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح فإذا وجد استحقت وإذا فقد لم تستحق شيئاً (فصل) ولو بذلت تسليمها غير تام بأن تقول أسلم إليك نفسي في منزلي دون غيره أو في المنزل الفلاني دون غيره لم تستحق شيئا إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد لأنها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد فلم تستحق النفقة كما لو قال البائع أسلم إليك السلعة على أن تتركها في موضعها أو في مكان يعينه فان شرطت دارها أو بلدها فسلمت نفسها في ذلك استحقت النفقة لأنها فعلت الواجب عليها ولذلك
لو سلم السيد أمته المزوجة في الليل دون النهار استحقت النفقة بخلاف الحرة فإنها لو بذلت نفسها في بعض الزمان لم تستحق شيئاً لأنها لم تسلم التسليم الواجب بالعقد وكذلك إن أمكنته من استمتاع ومنعته استمتاعاً لم تستحق شيئاً كذلك (مسألة) (إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها)

(9/255)


وجملة ذلك أن امرأة تمنع نفسها حتى تتسلم صداقها لأن تسليم نفسها قبل صداقها يفضي إلى أن يتسلم منفعتها المعقود عليها بالوطئ ثم لا يسلم صداقها فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها بخلاف المبيع إذا سلمه المشتري ثم أعسر بالثمن فإنه يمكنه الرجوع فيه فلهذا ألزمناه تسليم صداقها أولاً وجعلنا لها أن تمتتع من تسليم نفسها حتى تقبض صداقها لأنه إذا سلم إليها الصداق ثم امتنعت من التسليم أمكن الرجوع فيه.
إذا ثبت هذا فمتى امتنعت من تسليم نفسها لتقبض صداقها فلها نفقتها لأنها امتنعت لحق فإن قيل فلو امتنعت لصغر أو مرض لم يلزمه نفقتها، قلنا الفرق بينهما أن امتناعها لمرض لمعنى من جهتها وكذلك الامتناع لصغر وههنا الامتناع لمعنى من جهة الزوج هو منعه لما وجب عليه فأشبه ما لو تعذر الاستمتاع لصغر الزوج فإنه لا يسقط نفقتها عنه ولو تعذر لصغرها لم يلزمه نفقتها (مسألة) (وإن كان بعد الدخول فكذلك في أحد الوجهين قياساً على ما قبل الدخول (والثاني) ليس لها ذلك كما لو سلم المبيع إلى المشتري ثم أراد منعه بعد ذلك (مسألة) (فأما الصداق المؤجل فليس لها منع نفسها حتى تقبضه كالثمن المؤجل في البيع وقد ذكرنا هذه المسائل في كتاب الصداق بأبسط من هذا وذكرنا الخلاف فاختصرنا ههنا) (مسألة) (وإن سلمت الأمة نفسها ليلاً أو نهاراً فهي كالحرة في وجوب النفقة) وجملة ذلك أن زوج الأمة لا يخلو إما أن يكون حراً أو عبداً أو بعضه حر وبعضه عبد فإن كان حراً فنفقتها

(9/256)


عليه للنص ولاتفاق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن البالغين والأمة داخلة في عمومهن ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجب على زوجها نفقتها كالحرة، وإن كان زوجها مملوكاً فالنفقة واجبة
لزوجته كذلك، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على العبد نفقة زوجته هذا قول الشعبي والحكم والشافعي وبه قال أصحاب الرأي إذا بوأها بينا، وحكي عن مالك أنه قال ليس عليه نفقتها لأن النفقة مواساة وليس هو من أهلها وكذلك لا يجب عليه نفقة أقاربه ولا زكاة ماله ولنا أنه عوض واجب في النكاح فوجب على العبد كالمهر، والدليل على أنها عوض أنها تجب في مقابلة التمكين ولهذا تسقط عن الحر بفوات التمكين، وبذلك فارقت نفقة الأقارب.
إذا ثبت وجوبها على العبد فإنها تلزم سيده لأن السيد أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها، وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى أنها تجب في كسب العبد وهو قول أصحاب الشافعي لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ولا رقبته ولا ذمة سيده ولا إسقاطها فلم يبق إلا أن تتعلق بكسبه، وقال القاضي تتعلق برقبته لأن الوطئ في النكاح بمنزلة الجناية وأرش جناية العبد يتعلق برقبته يباع فيها أو يفديه سيده وهذا قول أصحاب الرأي ولنا أنه أذن السيد فيه فيلزم ذمته كالذي استدانه وكيله وقولهم إنه في مقابلة الوطئ لا يصح فإنه يجب من غير وطئ ويجب للرتقاء والحائض والنفساء وزوجة المجبوب والصغيرة وإنما تجب بالتمكين وليس

(9/257)


ذلك بجناية ولا قائم مقامها، وقول من قال إنه تعذر إيجابها في ذمة السيد غير صحيح فإنه لا مانع من إيجابها وقد ذكرنا وجود مقتضيه فلا معنى لدعوى التعذر (مسألة) (وإن كانت تأوي إليه ليلاً وعند السيد نهاراً فعلى كل واحد منهما النفقة بقدر مقامها عنده) وقد تقدم ذكر هذه المسألة، وقد ذكرنا أن النفقة تجب في مقابلة التمكين وقد وجد منها في الليل فيجب على الزوج النفقة فيه والباقي منها على السيد بحكم أنها مملوكته ولم تجب نفقتها على غيره في هذا الزمن، فعلى هذا على كل واحد منهما نصف النفقة وهذا أحد قولي الشافعي وقال الآخر لا نفقة لها على الزوج لأنها لم تمكن من نفسها في جميع الزمان فلم يجب لها شئ من النفقة كالحرة إذا بذلت نفسها في زمن دون غيره ولنا أنه وجد التمكين الواجب بعقد النكاح فاستحقت النفقة كالحرة إذا أمكنت من نفسها في غير أوقات الصلوات المفروضات والصوم الواجب والحج المفروض، وفارق الحرة إذا امتنعت في أحد
الزمانين فإنها لم تبذل الواجب فتكون ناشزاً وهذه ليست ناشزاً ولا عاصية (فصل) وإذا طلق الأمة طلاقاً رجعياً فلها النفقة في العدة لأنها زوجة فإن أبانها وهي حائل فلا نفقة لها لأنها لو كانت حرة لم تجب لها نفقة فالأمة أولى وإن كانت حاملاً فلها النفقة لقول الله تعالى

(9/258)


(وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) نص على هذا أحمد وبه قال إسحاق وقد ذكرنا في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ على روايتين عن أحمد رحمه الله إحداهما أنها للحمل فعلى هذا لا تجب للمملوكة الحامل البائن لأن الحمل مملوك لسيدها فنفقته عليه وعلى الرواية الأخرى تجب وللشافعي في هذا قولان كالروايتين (فصل) فإن كان المطلق عبداً فطلقها ثانياً وهي حامل انبنى وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن قلنا هي للحمل فلا نفقة على العبد وبه قال مالك وروي ذلك عن الشعبي لأنه لا يجب عليه نفقة ولده وإن قلنا هي للحامل بسببه وجبت لها النفقة وهذا قول الأوزاعي للآية ولأنها حامل فوجبت لها النفقة كما لو كان زوجها حراً (فصل) والمعتق بعضه عليه من نفقة امرأته بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده أو في ضريته أو في رقبته على ما ذكرنا في العبد القن، والقدر الذي يجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله إن كان موسراً فنفقة الموسرين وإن كان معسراً فنفقه المعسرين والباقي يجب فيه نفقة المعسرين، لأن النفقة مما يتبعض وما يتبعض بعضناه في حق المعتق بعضه كالميراث والديات وما لا يتبعض فهو فيه كالعبد لان الحرية إما شرط فيه أو سبب له ولم يكمل وهذا اختيار المزني، وقال الشافعي حكمه حكم القن في الجميع إلحاقاً لأحد الحكمين بالآخر.

(9/259)


ولنا أنه يملك بنصفه الحر ملكاً تاماً ولهذا يورث عنه ويكفر بالإطعام ويجب فيه نصف دية الحر فوجب أن تتبعض فنفقته لأنها من جملة الأحكام القابلة للتبعيض (فصل) وحكم المكاتب في نفقة الزوجات حكم العبد القن لأنه عبد ما بقي عليه درهم ويجب عليه
نفقة زوجته من كسبه، لأن نفقة الزوجة واجبة بحكم المعاوضة مع اليسار والإعسار ولذلك وجبت على العبد فعلى المكاتب أولى، ولأن نفقة المرأة لا تسقط عن أحمد من الناس إذا لم يوجد منها ما يسقط نفقتها ولا يمكن إيجابها على سيده لأن نفقة المكاتب لا تجب على سيده فنفقة امرأته أولى (مسألة) (وإذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إذنه أو تطوعت بحج أو صوم أو أحرمت بحج منذور في الذمة بغير إذنه فلا نفقة لها) لا تجب نفقة الناشز في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر لا نعلم احدا خالف فيه إلا الحكم ولعله قاسه على المهر ولا يصح القياس، لأن النفقة وجبت في مقابلة التمكين من نفسها فإذا لم يوجد منها التمكين لا تستحقها بخلاف المهر فإنه يجب بمجرد العقد، وكذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة وقد ذكرناه، فأما إذا سافرت المرأة بغير إذن زوجها فإن نفقتها تسقط لأنها ناشز وكذلك إن انتقلت من منزله بغير إذنه وإن سافرت في حاجة نفسها بإذنه سقطت نفقتها، ذكره الخرقي لأنها فوتت التمكين لحظ نفسها وقضاء أربها فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون مسافراً

(9/260)


معها متمكناً من استمتاعها فلا تسقط نفقتها لأنها لم تفوت التمكين فأشبهت غير المسافرة، ويحتمل أن لا تسقط نفقتها وإن لم يكن معها لأنها مسافرة بإذنه أشبه ما لو سافرت في حاجته وسواء كان سفرها للتجارة أو حج تطوع أو زيارة وإن أحرمت بحج تطوع بغير إذنه سقطت نفقتها لأنها في معنى المسافرة فإن أحرمت به بإذنه فقال القاضي لها النفقة والصحيح أنها كالمسافرة لأنها باحرامها مانعة له من التمكين (مسألة) (وإن بعثها في حاجته فهي على نفقتها) لأنها سافرت في شغلة ومراده وإن أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة في الوقت الواجب من الميقات فلها النفقة لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع في وقته فلم تسقط نفقتها كصيام رمضان، وإن قدمت الإحرام على الميقات أو قبل الوقت خرج فيها من القول مثل ما في المحرمة بحج التطوع لأنها فوتت عليه التمكين بشئ تستغني عنه، فإن اعتكفت فالقياس أنه كفرها ان كان بغير إذنه فهي ناشز لخروجها من منزل زوجها بغير إذنه فيما ليس واجباً بأصل الشرع وإن كان بإذنه فلا نفقة لها على
قول الخرقي وعند القاضي لها النفقة، وإن صامت رمضان لم تسقط نفقتها لأنه واجب مضيق بأصل الشرع لا يملك منعها منه فهو كالصلاة، ولأنه يكون صائماً معها فيمتنع الاستمتاع لمعنى وجد فيه، وإن كان تطوعا تسقط

(9/261)


نفقتها لأنها لم تأت ما يمنعه من استمتاعها فإنه يمكنه تفطيرها ووطؤها إلا أن يريد ذلك منها فتمنعه فتسقط نفقتها بامتناعها من التمكين الواجب.
(مسألة) (وإن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين) (أحدهما) لها النفقة، ذكره القاضي لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها (والثاني) أنه إن كان نذرها قبل النكاح أو كان النذر بإذنه لم تسقط نفقتها لأنه كان واجباً عليها بحق سابق على نكاحه أو واجب أذن في سببه وإن كان النذر في نكاحه بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها فوتت عليه حقه من الاستمتاع باختيارها بالنذر الذي لم يوجبه الشرع عليها ولا ندبها إليه وإن كان النذر مطلقاً أو كان صوم كفارة فصامت بإذنه فلها النفقة لأنها أدت الواجب بإذنه فأشبه ما لو صامت المعين بإذنه في وقته وإن صامت بغير إذنه فقال القاضي لا نفقة لها لأنها يمكنها تأخيره فإنه على التراخي، وحق الزوج على الفور وإن كان قضاء رمضان قبل ضيق وقته فكذلك وإن كان وقته مضيقاً مثل أن قرب رمضان آخر فعليه نفقتها لأنه واجب مضيق بأصل الشرع أشبه أداء رمضان (مسألة) (وإن اختلفا في نشوزها فادعى أنها نشزت وأنكرت الزوجة فالقول قولها مع يمينها) لأن الأصل عدم النشوز (مسألة) (وكذلك إن ادعى تسليم النفقة فأنكرته فالقول قولها كذلك)

(9/262)


(مسألة) (وإن اختلفا في بذل التسليم فقالت بذلت لك تسليم نفسي فأنكرها فالقول قوله) لأنه منكرا والأصل عدم التسليم (فصل) وإن أعسر الزوج بنفقتها أو بعضها أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح والمقام وتكون النفقة ديناً في ذمته، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بإعساره، والأول المذهب، إذا منع الرجل
نفقة امرأته لعسرته وعدم ما ينفقه خيرت بين الصبر عليه وبين فراقه روي نحو ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحماد ومالك وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وعن أحمد أنها لا تملك الفسخ بالإعسار والأول المذهب وذهب عطاء والزهري وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه إلى أنها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب لأنه حق لها عليه فلا يفسخ النكاح لعجزه عنه كالدين، وقال العنبري يحبس إلى أن ينفق ولنا قول الله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وليس الإمساك مع ترك الإنفاق إمساكاً بمعروف فتعين التسريح، وروى سعيد عن سفيان عن أبي الزنا وقال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما؟ قال نعم قلت سنة قال سنة؟ وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبن المنذر ثبت أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا من نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولأنه إذا ثبت الفسخ بالبجر عن الوطئ

(9/263)


والضرر فيه أقل لأنه إنما هو فقد لذة وشهوة يقوم البدن بدونه، فلأن يثبت بالعجز عن النفقة التي لا يقوم البدن إلا بها أولى إذا ثبت هذا فانه متى ثبت الإعسار بالنفقة على الاطلاق فللمرأة المطالبة بالفسخ من غير إنظار، وهذا أحد قولي الشافعي، وقال حماد بن أبي سليمان يؤجل سنة قياساً على العنين، وقال عمر بن عبد العزيز اضربوا له شهراً أو شهرين، وقال مالك الشهر ونحوه، وقال الشافعي في القول الآخر يؤجل ثلاثاً لأنه قريب.
ولنا ظاهر حديث عمر رضي الله عنه ولأنه معنى يثبت الفسخ ولم يرد الشرع بالانظار فيه فأثبت الفسخ في الحال كالعيب ولأن سبب الفسخ الإعسار وقد وجد فلا يلزم التأخير (فصل) فإن لم يجد إلا نفقة يوم بيوم فليس ذلك إعساراً يثبت به الفسخ، لأن ذلك هو الواجب عليه وقد قدر عليه، وإن وجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعشيها لم يكن لها الفسخ لأنها تصل إلى كفايتها وما يقوم به بدنها وإن كان صانعاً يعمل في الإسبوع ما يبيعه يوم بقدر كفايتها في الإسبوع كله لم يثبت الفسخ، لأن هذا يحصل الكفاية في جميع زمانه وإن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه
أو تعذر البيع لم يثبت الفسخ لأنه يمكنه الاقتراض إلى زوال العارض وحصول الاكتساب وكذلك إن عجز عن الاقتراض أياماً يسيرة، ولأن ذلك يزول عن قريب ولا يكاد يسلم منه كثير من الناس، وإن مرض مرضاً يرجى برؤه في أيام يسيرة فلم يفسخ لما ذكرناه وإن كان ذلك يطول فلها الفسخ لأن

(9/264)


الضرر الغالب يلحقها ولا يمكنها الصبر وكذلك إن كان لا يجد من النفقة إلا يوماً دون يوم لأنها لا يمكنها الصبر على هذا فهو كمن لا يجد إلا بعض الفوت وإن اعسر ببعض نفقة المعسر ثبت لها الخيار لأن البدن لا يقوم بما دونها فإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا خيار لها لأن تلك الزيادة تسقط بإعساره ويمكن الصبر عنها (مسألة) (وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته وترك المطالبة جاز) لأن الحق لها وتكون النفقة ديناً في ذمته ثم إن بدا لها الفسخ أو تزوجت معسراً عالمة بحاله راضية بعسرته وترك إنفاقه أو شرط عليها أن لا ينفق عليها ثم عن لها الفسخ فلها ذلك وبه قال الشافعي وقال القاضي: كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ ويبطل خيارها في الموضعين وهو قول مالك لأنها رضيت بعيبه ودخلت في العقد عالمة به فلم تملك الفسخ كما لو تزوجت عنيناً عالمة بعيبه أو قالت بعد العقد قد رضيت به عنيناً ولنا أن وجوب النفقة تتجدد كل يوم فتجدد لها الفسخ ولا يصح إسقاط حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع، وكذلك لو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط ولو أسقطها أو أسقطت المهر قبل النكاح لم يسقط وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقط الفسخ الثابت به وإن أعسر بالمهر وقلنا لها الفسخ لإعساره به فرضيت بالمقام لم يكن لها الفسخ لأن وجوبه لم يتجدد بخلاف النفقة فإن

(9/265)


تزوجته عالمة بإعساره بالمهر راضية فينبغي أن لا تملك الفسخ بإعساره لأنها رضيت بذلك في وقت لو أسقطته فيه سقط.
(فصل) وإذا رضيت بالمقام مع ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلم إليها عوضه فلم يلزمها تسليمه كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها
وتحصل ما تنفقه عليها لأن في حبسها بغير نفقة إضراراً بها، وإن كانت موسرة لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة وأغناها عنما لابد لها منه ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب له عليها فإذا انتفي الامر إن لم يملك حبسها (مسألة) (وإن أعسر بنفقة الخادم أو النفقة الماضية أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم فلا فسخ لها وتكون النفقة ديناً في ذمته، وقال القاضي تسقط) إذا أعسر بالنفقة الماضية لم يكن لها الفسخ لأنها دين يقوم البدن بدونها فأشبهت سائر الديون وكذلك إن أعسر بنفقة الموسر أو المتوسط فلا فسخ لها لأن الزيادة تسقط بإعساره ويمكن الصبر عنها وكذلك إن أعسر بنفقة الخادم أو الأدم كذلك (مسألة) (ويثبت ذلك في ذمته، وكذلك إن أعسر بالسكن وقلنا لا يثبت لها الفسخ) وبهذا قال الشافعي، وقال القاضي لا يثبت لأنه من الزوائد فلم يثبت في ذمته كالزوائد عن الواجب عليه

(9/266)


ولنا أنها نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتاً وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسر فإن ذلك يسقط بالإعسار (مسألة) (وإن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ؟ يحتمل وجهين) إذا أعسر بأجرة المسكن فلها الخيار في أحد الوجهين لأنه مما لابد منه أشبه النفقة والكسوة (والثاني) لا خيار لها لأن البينة تقوم بدونه، وهذا الوجه الذي ذكره القاضي، وإن أعسر بالصداق ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد (والثاني) لها الفسخ اختاره أبو بكر لأنه أعسر بالعوض فكان لها الرجوع في المعوض كما لو أعسر بثمن مبيعها (والثالث) إن أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله، وإن كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لأن المعقود عليه قد استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وهذا المشهور في المذهب واختار شيخنا الرواية الأولى لأنه دين فلم يفسخ النكاح، للإعسار به كالنفقة الماضية ولأن تأخيره ليس فيه ضرر ومجحف فأشبه نفقة الخادم ولأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لأن الثمن
كل مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح وكذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولأن أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسراً به يشتري بثمن حال يكون موسراً به وليس الأكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسراً به ولا يصح قياسه على النفقة لأن الضرورة لا تندفع

(9/267)


إلا بها بخلاف الصداق فأشبه شئ به النفقة الماضية وللشافعي نحو هذه الوجوه، وإنما قلنا لها الفسخ للإعسار به فتزوجته عالمة بعسرته فلا خيار لها وجهاً واحداً لانها رضيت به كذلك، وكذا إن علمت عسرته فرضيت بالمقام سقط حقها من الفسخ لأنها رضيت بإسقاط حقها بعد وجوبه فسقط كما لو رضيت بعثته (مسألة) (وإن أعسر زوج الأمة فرضيت لم يكن لسيدها الفسخ ويحتمل أن له ذلك) وجملة ذلك أن نفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لأن كل واحد منهما ينتفع بها ولكل واحد منهما طلبها إذا امتنع الزوج من أدائها ولا يملك واحد منهما إسقاطها لأن في سقوطه بإسقاط إحداهما ضرراً بالآخر فعلى هذا إن أعسر الزوج فلها الفسخ لأنه عجز عن نفقتها فملكت الفسخ كالحرة، وإن لم تفسخ فقال القاضي: لسيدها الفسخ لأن عليه ضرراً في عدمها لما يتعلق بفواتها من فوات ملكه وتلفه فان أتفق عليها سيدها محتسباً بالرجوع فله الرجوع بها على الزوج رضيت بذلك أو كرهت لأن الدين خالص حقه لا حق لها فيه وإن تعلق حقها بالنفقة الحاضرة لوجوب صرفها إليها وقوام بدنها به بخلاف الماضية، وقال أبو الخطاب وأصحاب الشافعي ليس لسيدها الفسخ لعسرة زوجها بالنفقة لانها حق لها فلم يملك سيدها الفسخ دونها كالفسخ للعنة فإن كانت معتوهة أنفق المولى وتكون النفقة ديناً في ذمة الزوج، وإن كانت عاقلة قال لها السيد: إن أردت النففة فافسخي النكاح وإلا فلا نفقة لك عندي (مسألة) (وإن أعسر زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهما الفسخ)

(9/268)


لأنه فسخ نكاحها فلم يكن له ذلك كالفسخ بالعيب، ويحتمل أن يملك الفسخ لأنه فسخ لفوات
العوض فملكه كفسخ لتعذر الثمن (فصل) وإن اختلف الزوجان في الإنفاق عليها أو في تقبيضها نفقتها فالقول قول المرأة لأنها منكرة والأصل معها، وإن اختلفا في يساره فادعته المرأة ليفرض لها نفقة الموسرين أو قالت كنت موسراً وأنكر ذلك فإن عرف له مال فالقول قولها وإلا فالقول قوله وبهذا كله قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وإن اختلفا في فرض الحاكم للنفقة أو في وقتها فقال فرضها منذ شهرين قالت بل منذ عام فالقول قوله، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان مقيماً معها فالقول قوله وإن كان غائباً عنها فالقول قول المرأة من يوم رفعت أمرها إلى الحاكم ولنا أن قوله يوافق الأصل فقدم كما لو كان مقيماً معها وكل من قلنا القول قوله فلخصمه عليه اليمين لأنها دعاو في المال فأشبهت دعوى الدين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولكن اليمين على المدعى عليه " وإن دفع الزوج إلى امرأته نفقة وكسوة أو بعث به إليها فقالت إنما فعلت ذلك تبرعاً وهبة قال بل وفاء للواجب علي فالقول قوله لأنه أعلم بنية أشبه ما لو قضى دينه فاختلف هو وغريمه في نيته، وإن طلق امرأته وكانت حاملاً فوضعت فقال طلقتك حاملاً فانقضت عدتك بوضع الحمل وانقطعت نفقتك ورجعتك قالت بل بعد الوضع فلي النفقة ولك الرجعة فالقول قولها لأن الأصل بقاء النفقة وعدم المسقط

(9/269)


لها وعليها العدة ولا رجعة للزوج لإقراره بعدمها، وإن رجع فصدقها فله الرجعة لأنها مقرة لديها، ولو قال طلقتك بعد الوضع فلي الرجعة ولك النفقة قالت بل وأنا حامل فالقول قولها فيها فإن عاد فصدقها سقطت رجعته ووجبت لها النفقة هذا في ظاهر الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيبني على ما يعلمه من حقيقة الأمر دون ما قاله (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن منعها النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف بغير إذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وجملة ذلك أن الزوج إذا لم يدفع إلى زوجته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة أو دفع إليها
أقل من كفايتها فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه بإذنه وبغير إذنه لما ذكرنا من حديث هند وهو إذن لها في الأخذ من ماله بغير إذنه ورد لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها وهو متناول لأخذ تمام الكفاية فإن ظاهر الحديث دل على أنه كان يعطيها بعض الكفاية ولا يتممها لها فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه لأنه موضع حاجة فإن النفقة لا غنى عنها ولا قوام إلا بها فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها أفضى إلى ضياعها وهلاكها فرخص لها في أخذ قدر نفقتها دفعاً لحاجتها ولأن النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئاً فشيئاً فتشق الرافعة إلى الحاكم والمطالبة

(9/270)


بها في كل الأوقات فلذلك رخص لها في أخذها بغير إذن من هي عليه وذكر القاضي بينها وبين الدين فرقاً آخر وهو أن نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض أهل العلم ما لم يكن الحاكم فرضها لها فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها والإضرار بها بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بترك المطالبة فلا يؤدي ترك الأخذ إلى الإسقاط (مسألة) (فإن لم تقدر أجبره الحاكم وحبسه فإن صبر على الحبس ولم ينفق أخذ الحاكم النفقة من ماله فدفعها إلى المرأة فان لم يجد إلا عروضا أو عقار اباعه في ذلك) وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة النفقة في ماله من الدنانير والدراهم ولا يبيع عرضاً لأن بيع مال الإنسان لا ينفذ إلا بإذنه أو إذن وليه ولا ولاية على الرشيد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك " ولم يفرق ولأن ذلك مال له فتؤخذ منه النفقة كالدراهم والدنانير وللحاكم ولاية عليه إذا امتنع بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره وإن تعذرت النفقة في حال غيبته وله وكيل فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه وإن لم يكن له وكيل ولم تقدر المرأة على الأخذ أخذ لها الحاكم من ماله ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك إذا لم يجد ما ينفق سواه وينفق على المرأة يوماً بيوم وبه قال الشافعي ويحيى بن آدم وقال أصحاب الرأي يفرض لها في كل شهر

(9/271)


ولنا أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها فلم يجز كما لو عجل لها أكثر من شهر (مسألة) (فإن غيب ماله وصبر على الحبس فلها الفسخ إذا لم يقدر الحاكم له على مال يأخذه أو لم يقدر على النفقة من مال الغائب في ظاهر قول الخرقي واختيار أبي الخطاب) واختار القاضي أنها لا تملك الفسخ وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الفسخ في المعسر لعيب الإعسار ولم يوجد ههنا ولأن الموسر في مظنة الأخذ من ماله وإذا امتنع فربما لا يمتنع في غده بخلاف المعسر ولنا أن عمر رضي الله عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقو أو هذا اجبار على الطلاق عند الامتناع من الإنفاق ولأن الإنفاق عليها من ماله متعذر فكان لها الخيار كحال الإعسار بل هذا أولى بالفسخ فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غيره أولى، ولأن في الصبر ضرراً أمكن إزالته بالفسخ فوجبت إزالته دفعاً للضرر ولأنه نوع تعذر يجوز الفسخ فلم يفترق الحال بين المعسر والموسر كأداء ثمن المبيع فإنه لا فرق في جواز لفسخ بين أن يكون المشتري معسراً وبين أن يهرب قبل أداء الثمن ولأن عيب الإعسار إنما جوز الفسخ لتعذر الإنفاق بدليل أنه لو اقترض ما ينفق عليها أو تبرع له إنسان بدفع ما ينفقه لم تملك الفسخ، وقولهم أنه يحتمل أن ينفق فيما بعد هذا قلنا وكذلك المعسر يحتمل أن يعينه الله تعالى وإن يقترض أو يعطى ما ينفقه فاستويا (مسألة) (وإن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة فإن قدرت له على مال أخذت بقدر حاجتها

(9/272)


لحديث هند، وإن لم تقدر ولا قدرت على الاستدالة عليه فلها الفسخ إلا عند القاضي فيما إذا لم يثبت إعساره وهذا ظاهر مذهب الشافعي، لأن الفسخ ثبت لعيب الإعسار ولم يثبت الاعسار ههنا وقد دللنا على جواز الفسخ في المسألة التي قبلها، وهذه مثلها بل هي أولى لان الحاضر ربما إذا أطال عليه الحبس اتفق وهذا قد تكون غيبته بحيث لا يعلم خبره فيكون الضرر فيه أكثر (فصل) ومن وجب عليه نفقة زوجته وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها فله ذلك إن كانت موسرة لأن من له عليه حق فله أن يقتضيه من أي أمواله وشاء وهذا من ماله وإن كانت معسرة لم يكن له ذلك لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته وهذا لا يفضل عنها ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر بقوله سبحانه (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فيجب أنظارها بما عليها
(فصل) إذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب ثم بان أنه قد مات قبل انفاقها حسب عليها ما أنفقته من ميراثها سواء أنفقته بنفسها أو بأمر الحاكم، وبه قال أبو العالية وابن سيرين والشافعي وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأنها أنفقت ما لا تستحق وإن فضل لها شئ أخذته وإن فضل عليها شئ وكان لها صداق أو دين على زوجها حسب منه وإن لم يكن لها شئ كان الفضل ديناً عليها والله أعلم.

(9/273)


(مسألة) (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم الحاكم) كل موضع وجب لها الفسخ لأجل النفقة لم يجز إلا بحكم حاكم لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ بالعنة ولا يجوز له الفسخ إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه لحقها فلم يجز من غير طلبها كالفسخ للعنة فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك هو تطليقة وهو أحق بها أن أيسر في عدتها لانه تفريق لامتاع، من الواجب عليه لما فأشبه تفريقه بين المولى وامرأته إذا امتنع من العنة والطلاق ولنا أنها فرقة لعجزه عن الواجب عليه أشبهت فرقة العنة، فأما إن أجبره الحاكم على الطلاق فطلق اقل من ثلاث فله الرجعة عليها مادامت في العدة فإن راجعها وهو معسر أو امتنع من الإنفاق عليها ولم يمكن الأخذ من ماله فطلبت المرأة الفسخ فللحاكم الفسخ لبقاء المقتضي له أشبه ما قبل الطلاق (باب نفقة الأقارب والمماليك) يجب على الإنسان نفقة والديه وولده بالمعروف إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلاً عن نفقة نفسه وامرأته، والأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال سبحانه (وقضى ربك أن لا تعبدوا

(9/274)


إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه، وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أطيب
ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " رواه أبو داود، وأما الإجماع فحكاه ابن المنذر وقال أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الانسان بعضه والده كما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله، إذا ثبت هذا فإن الأم تجب نفقتها ويجب عليها نفقة ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك أنه لا نفقة لها ولا عليها لأنها ليست عصبة لولدها ولنا قوله سبحانه (وبالوالدين إحسانا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل سأله من أبر؟ قال " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب " رواه أبو داود ولانها أحد الولدين فأشبهت الأب ولأن بينهما قرابة توجب رد الشهادة ووجوب العفو فأشبهت الأب فان أعسر الاب وجبت النفقة على الأم ولم ترجع بها عليه إن أيسر، وقال أبو يوسف ومحمد ترجع عليه ولنا أن من وجب عليه الإنفاق بالقرابة لم يرجع به كالأب

(9/275)


(مسألة) (ويلزمه نفقة سائر آبائه وإن علوا وأولاده وإن سلفوا) وبذلك قال الشافعي والثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك لا تجب النقة عليهم ولا لهم لأن الجد ليس بأب حقيقي.
ولنا قوله سبحانه (وعلى الوارث مثل ذلك) ولا يدخل في مطلق اسم الولد والولد بدليل أن الله تعالى قال (يوصيكم الله في أولادكم الذكر مثل حظ الاثنين) فيدخل فيهم ولد البنين وقال (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) وقال (ملة أبيكم إبراهيم) ولأن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأشبه الولد والوالدين القريبين (فصل) ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط (أحدهما) أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم لأنها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة (الثاني) أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضلاً
عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من كسبه فأما من لا يفضل عنه شئ فلا يجب عليه شئ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى قرابته " وفي لفظ " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " حديث صحيح وروى أبو هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على

(9/276)


ولدك " قال عندي آخر قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر قال " أنت أبصر " رواه أبو داود ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة (والثالث) أن يكون المنفق وارثاً لقول الله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) ولأن بين المتوارثين قرابة يقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم فإن لم يكن وارثاً لعدم القرابة لم تجب عليه النفقة كذلك (فصل) ولا يشترط في نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي لا يشترط ذلك في الوالدين وهل يشترط ذلك في الولد؟ فكلام أحمد يقتضي روايتين (إحداهما) تلزم نفقته لأنه فقير (والثانية) أنه إن كان يكتسب فينفق على نفسه لم تلزم نفقته وهذا القول يرجع إلى أن الذي لا يقدر على كسب ما يقوم به تلزم نفقته رواية واحدة سواء كان ناقص الأحكام كالصغير والمجنون أو ناقص الخلقة كالزمن، وإنما الروايتان فيمن لا حرفة له ممن يقدر على الكسب بيديه، وقال الشافعي يشترط نقصانه إما من طريق الحكم أو من طريق الخلقة وقال أبو حنيفة ينفق على الغلام حتى يبلغ فإذا بلغ صحيحاً انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى

(9/277)


تزوج ونحوه قال مالك إلا أنه قال ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الأزواج ثم لا نفقة لهن وإن طلقن قبل البناء بهن فهن على نفقتهن ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولم يستثن منهم صحيحاً ولا بالغاً ولأنه والد أو ولد فقير فاستحق النفقة على والده أو ولده الغني كما لو كان زمناً، ووافق أبو حنيفة
على وجوب نفقة الوالد وإن كان صحيحاً إذا لم يكن ذا كسب وللشافعي في ذلك قولان ولنا أنه والد محتاج فأشبه الزمن (مسألة) (وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه الآخر لولا كعمته وعتيقه وحكي عنه ان لم يرثه الآخر فلا نفقة له) ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لورثته إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرها وهو الذي ذكره الخرقي، وبه قال الحسن ومجاهد والنخعي وقتادة والحسن بن صالح وابن أبي ليلى وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن أحمد في الصبي المرضع لا أب له نفقته وأجر رضاعه على الرجال دون النساء وكذلك روى عن أبيه عن أحمد النفقة على العصبات وبه قال الأوزاعي وإسحاق، وذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قضى على بني عم منفوس بنفقة احتج به أحمد قال إبن المنذر وروي عن عمر أنه حبس عصبة ينفقون على صبي الرجال دون النساء، ولأنها مواساة ومعونة تختص القرابة فاختصت بالعصبات كالعقل، وقال أصحاب الرأي تجب النفقة على كل ذي رحم محرم ولا تجب على غيرهم

(9/278)


لقول الله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال مالك والشافعي وابن المنذر لا نفقة إلا على المولودين والوالدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله عندي دينار قال " أنفقه على نفسك - قال عندي آخر قال - أنفقه على ولدك - قال عندي آخر قال - أنفقه على زوجك - قال عندي آخر قال - أنفقه على خادمك - قال عندي آخر قال - أنت أبصر " رواه أبو داود ولم يأمره بإنفاقه على غير هؤلاء ولأن الشرع إنما ورد بنفقة الوالدين والمولودين ومن سواهم لا يحلق بهم في الولادة وأحكامها فلا يصح قياسه عليهم ولنا قول الله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ثم قال (وعلى الوارث مثل ذلك) فأوجب على الأب نفقة الرضاع ثم عطف الوارث عليه وأوجب على الوارث مثل ما أوجب على الوالد وروي ان رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر؟ قال " أمك وأباك وأختك وأخاك " وفي لفظ " ومولاك الذي هو أدناك حقاً واجباً ورحماً موصولاً " رواه أبو داود وهذا نص لأن النبي صلى الله عليه وسلم
ألزمه الصلة والبر والنفقة من الصلة جعلها حقاً واجبا، وما احتج به أبو حنيفة حجة عليه فإن اللفظ عام في كل ذي رحم محرم فيكون حجة عليه فيمن عدا الرحم المحرم وقد اختصت بالوارث في الإرث فكذلك في الانفاق وأما خبر أصحاب الشافعي فقضية في عين يحتمل أنه لم يكن له غير من أمر بالإنفاق عليه ولهذا لم يذكر الوالد والاجداد وأولاد الأولاد، وقولهم لا يصح القياس قلنا إنما أثبتناه بالنص ثم أنهم قد ألحقوا أولاد الأولاد بالأولاد مع التفاوت ما قالوا.
إذا ثبت هذا فإنه يختص بالوارث بفرض أو تعصيب لعموم الآية ولا يتناول ذوي الأرحام على ما نذكره (فصل) فإن كان اثنان يرث أحدهما قريبة ولا يرثه الآخر كالرجل مع عمته أو ابته عمه وابنة أخيه والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها فالنفقة على الوارث دون الموروث نص عليه أحمد في رواية

(9/279)


ابن زياد فقال يلزم الرجل نفقة بنت عمه ولا يلزمه نفقة بنت أخته، وذكر أصحابنا رواية أخرى لا تجب النفقة على الوارث ههنا لأنها قرابة ضغيفة لكونها لا يثبت التوارث من الجهتين لقول أحمد العمة والخالة لا نفقة لهما إلا أن القاضي قال: هذه الرواية محمولة على العمة من الأم فإنه لا يرثها لكونها ابن أخيها من أمها، وذكر الخرقي أن على الرجل نفقة معتقه لأنه وارث، ومعلوم أن المعتق لا يرث معتقه ولا يلزمه نفقته فعلى هذا يلزم الرجل نفقة عمته لأبويه أو لأبيه وابنة عمه وابنة أخيه كذلك ولا يلزمهن نفقته وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لقول سبحانه وتعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) وكل واحد من هؤلاء وارث (مسألة) (فأما ذوو الأرحام فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم روايتان) أما ذوو الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب فإن كانوا من غير عمودي النسب فلا نفقة عليهم نص عليه أحمد فقال الخالة والعمة لا نفقة عليهما قال القاضي لا نفقة لهم رواية واحدة لأن قرابتهم ضعيفة وإنما يأخذون ماله عند عدم الوارث فهم كسائر المسلمين فإن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث وذلك الذي يأخذه بيت المال ولذلك يقدم الرد عليهم
وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم رواية أخرى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات

(9/280)


وذوي الفرض لأنهم وارثون في تلك الحال.
قال ابن أبي موسى هذا يتوجه على معنى قوله، والأول هو المنصوص عنه، وأما عمود النسب فذكر القاضي ما يدل على أنه يجب الإنفاق عليهم سواء كانوا من ذوي الأرحام كأبي الأم وابن البنت أو من غيرهم وسواء كانوا محجوبين أو وارثين وهذا مذهب الشافعي وذلك لأن قرابتهم قرابة جزئية وبعضيه تقتضي رد الشهادة وتمنع جريان القصاص على الوالد بقتل الولد، وإن سفل فأوجبت النفقة على كل حال كقرابة الأب الأدنى (مسألة) (وإن كان للفقير وارث فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث لقوله سبحانه وعلى الوارث مثل ذلك فيجب أن يترتب في المقدار عليه) وجملة ذلك أن الصبي إذا لم يكن له أب فالنفقة على وارثه لما ذكرنا فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة عليهم على قدر ارثهم منه (مسألة) (فإذا كان له أم ولد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد) لانهما يرثانه كذلك، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي النفقة كلها على الجد لأنه يتفرد بالتعصيب فأشبه الأب، وقد ذكرنا عن أحمد رواية أخرى أن النفقة على العصبات خاصة، ووجه الأول ما ذكرنا من الآية والأم وارثة فكان عليها بالنص ولأنه معنى يستحق بالنسب فلم يختص به العصبة دون الأم كالوراثة

(9/281)


(فصل) فإن اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثاً كالميراث، وقال أبو حنيفة النفقة عليهما سواء لاستوائهما في القرب، وإن كانت أم وابن فعلى الأم السدس والباقي، إن كانت بنت وابن ابن فالنفقة عليهما نصفين، وعند أبي حنيفة هي على البنت لأنها أقرب، وقال الشافعي في المسائل الثلاث: النفقة على الابن لأنه العصبة فإن كانت له أم وبنت فالنفقة عليهما أرباعاً كميراثهما منه وبه قال أبو حنيفة، وعند الشافعي النفقة على البنت لانهما تكون عصبة مع أخيها فإن كان له بنت
وابن بنت فالنفقة على البنت، وقال أصحاب الشافعي النفقة على الابن في أحد الوجهين لأنه ذكر ولنا قول الله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) فرتب النفقة على الإرث فيجب أن تترتب في المقدار عليه وإيجابها على ابن البنت يخالف النص والمعنى فإنه ليس بعصبة ولا وارث فلا معنى لإيجابها عليه دون البنت الوارثة (مسألة) (وان اجتمع جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الأخ لأن ميراثهما منه كذلك وعلى هذا المعنى حساب النفقات) يعني أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث فكما أن للجدة السدس من الميراث فكذلك عليها سدس النفقة والباقي على الأخ لأن باقي الميراث له وعند من لا يرى النفقة على غير عمودي النسب يجعل النفقة كلها على الجدة وهذا أصل قد سبق الكلام فيه فان اجتمع بنت وأخت

(9/282)


أو بنت وأخ أو بنت وعصبة أو أخت وعصبة أو أخت وأم أو بنت وبنت ابن أو أخت لأبوين وأخت لأب أو ثلاث أخوات متفرقات فالنفقة بينهم على قدر الميراث في ذلك سواء كان في المسألة رد أو عول أو لم يكن، وعلى هذا تحسب ما آتاكك من المسائل.
فإن اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في النفقة لاستوائهما في الميراث (فصل) فإن اجتمع معها أبو أم فالنفقة على أم الأم لأنها الوارثة، وإن اجتمع أم أب وأبوان فعلى الأب السدس والباقي على الجد، وإن اجتمع جد وأخ فهما سواء، وإن اجتمعت أم وجد وأخ فالنفقة عليهم أثلاثاً وعند الشافعي النفقة على الجد في هذه المسائل كلها إلا المسألة الأولى فالنفقة عليهما بالسوية وقد مضى الكلام في هذا (فصل) فإن كان فيمن عليه النفقة خنثى مشكل فالنفقة عليه على قدر ميراثه فإن انكشف بعد ذلك حاله فبان أنه أنفق.
أكثر من الواجب عليه رجع بالزيادة على شريكه في الإنفاق، وإن بان أنه أنفق أقل رجع عليه فلو كان للرجل ابن وولد خنثى عليهما نفقته فأنفقا عليه ثم بان أن الخنثى ابن رجع عليه أخوه بالزيادة، وإن بان بنتاً رجعت على أخيها بفضل نفقتها لأن من له الفضل أدى ما لا
يجب عليه أداؤه معتقداً وجوبه فإذا تبين خلافه رجع بذلك كما لو ادى ما يعتقده ديناً فبان خلافه (مسألة) (إلا أن يكون له أب فتكون النفقة عليه وحده)

(9/283)


لأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن - وقال - وعلى المولود رزقهن وكسوتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فجعل النفقة عليه دونها ولا خلاف في هذا نعلمه إلا أن لأصحاب الشافعي فيما إذا اجتمع للفقير أب وابن موسران وجهين (أحدهما) أن النفقة على الأب وحده (والثاني) عليهما لأنهما سواء في القرب ولنا أن النفقة على الأب منصوص عليها فيجب اتباع النص وترك ما عداه (مسألة) (ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما وهكذا ذكره القاضي وأبو الخطاب) لأن الابن لا نفقة عليه لعسرته والأخ لا نفقة عليه لعدم إرثه ولأن قرابته ضعيفة لا تمنع شهادته له فإذا لم يكن وارثاً لم تجب عليه النفقة كذوي الرحم.
قال شيخنا ويتخرج في كل وارث لولا الحجب إذا كان من يحجبه معسراً وجهان (أحدهما) لا نفقة عليه لأنه غير وارث أشبه الأجنبي (والثاني) عليه النفقة لوجود القرابة المقتضية للإرث والإنفاق والمانع من الإرث لا يمنع من الإنفاق لأنه معسر لا يمكنه الإنفاق فوجوده بالنسبة إلى الإنفاق كعدمه (مسألة) (ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة عليها يعني على الجدة) وجملة ذلك أن الوارث القريب إذا كان معسراً وكان البعيد الموسر من عمودي النسب كهذه المسألة وجبت نفقته على الموسر ذكر القاضي في أب معسر وجد موسر أن النفقة على الجد، وقال في

(9/284)


أم معسرة وجدة موسرة النفقة على الجدة وقد قال أحمد لا تدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " إن ابني هذا سيد " فسماه ابنه وهو ابن بنته وإذا منع من دفع الزكاة إليهم لقرابتهم يجب أن تلزمه نفقتهم مع حاجتهم وهذا مذهب الشافعي (فصل) فإن كان له قرابتان موسران وأحدهما محجوب عن ميراثه بفقير فقد ذكرنا أن المحجوب إذا كان من عمودي النسب فالظاهر أن الحجب لا يسقط النفة عنه في المسألة قبل هذا الفصل، وإن كان من غيرهما فلا نفقة عليه في الظاهر فعلى هذا إذا كان له أبوان وجد والأب معسر فالأب
كالمعدم فيكون على الأم ثلث النفقة والباقي على الجد، وإن كان معهم زوجة فكذلك، وإن قلنا لا نفقة على المحجوب فليس على الأم ههنا الاربع النفقة ولا شئ على الجد، وإن كان أبوان وأخوان وجد والأب معسر فلا شئ على الاخوين لأنهما محجوبان وليسا من عمودي النسب ويكون على الأم الثلث والباقي على الجد كما لو لم يكن أحد غيرهما ويحتمل أن لا يجب على الأم إلا السدس لأنه لو كان الأب معدوماً لم يرث إلا السدس، وإن قلنا أن كل محجوب لا نفقة عليه فعلى الأم السدس حسب ولا شئ على غيرها وإن لم يكن في المسألة جد فالنفقة كلها على الأم على القول الأول وعلى الثاني ليس عليها إلا السدس وإن قلنا أن على المحجوب بالعسر النفقة وإن كان من غير عمودي النسب فعلى الأم السدس والباقي على الجد والأخوين أثلاثاً كما يرثون إذا كان الأب معدوماً فإن كان بعض من

(9/285)


عليه النفقة غائباً وله مال حاضر أنفق الحاكم منه حصته وإن لم يوجد له مال حاضر فأمكن الحاكم الاقتراض عليه اقترض فإذا قدم فعليه وفاؤه (مسألة) (ومن كان صحيحاً مكلفاً لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقة؟ على روايتين) (إحداهما) تجب إذا كان فقيراً عاجزاً عن الكسب لعموم قول النبي صلى لله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولم يستثن بالغاً ولا صحيحاً ولأنه ولد فقير فاستحق النفقة على والده الغني كالزمن (والثانية) لا يجب وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الولد الذكر فأما الجارية فقال أبو حنيفة لا تسقط نفقتها حتى تتزوج ونحوه قول مالك لأنه في مظنة الكسب يقدر عليه غائبا أشبه الغني والأول أولى (مسألة) (ومن لم يفضل عنده لا نفقة شخص واحد بدأ بالأقرب فالأقرب فإن كان له أبوان ان جعله بينهما) إذا لم يفضل عن الرجل إلا نفقة شخص واحد وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان له فضل فعلى عياله فإن كان له فضل فعلى قرابته " ولأن نفقة القريب مواساة ونفقة المرأة تجب على سبيل المعارضة فقدمت على مجرد المواساة وكذلك وجبت مع يساره وإعساره بخلاف نفقة القريب ثم بعدها نفقة الرقيق لأنها تجب مع اليسار والإعسار فقدمت على مجرد المواساة ثم من بعد ذلك الأقرب فالأقرب
(مسألة) (فإن كان له أبوان فهو بينهما)

(9/286)


هذا أحد الوجوه لتساويهما في القرب (والثاني تقدم الأم لأنها أحق بالبر ولها فضيلة الحمل والرضاع والتربية وزيادة الشفقة وهي أضعف وأعجز (والثالث) يقدم الاب لفضيلته وانفرده بالولاية على ولده واستحقاق الأخذ من ماله واضافة النبي صلى الله عليه وسلم الولد وماله إليه بقوله " أنت ومالك لأبيك " والأول أولى (مسألة) (وإن كان معهما ابن فقال القاضي إن كان الابن صغيراً أو مجنوناً قدم) لأن نفقة وجبت بالنص مع أنه عاجز عن الكسب والكبير في مظنة الكسب وإن كان الابن كبيراً والأب زمن فهو أحق لانه لأن حرمته آكد وحاجته أشد ويحتمل تقديم لابن لان نفقته وجبت بالنص وإن كانا صحيحين فقيرين ففيه ثلاثا أوجه (أحدها) التسوية لتساويهما في القرب (والثاني) تقديم الابن لوجوب نفقته بالنص (والثالث) تقديم الوالد لتأكد حرمته (مسألة) (وإن كان له أب وجد أو ابن وابن ابن فالأب والابن أحق) وقال أصحاب الشافعي يستوي الأب والجد في أحد الوجهين وكذلك الابن وابنه لتساويهم في الولادة والتعصيب ولنا ان الابن والأب أقرب وأحق بميراثه فكانا أحق الاب مع الأخ (فصل) وإن اجتمع ابن وجد أو أب ابن ابن احتمل وجهين (أحدهما) تقديم الابن والأب

(9/287)


لانهما أقرب فانما يليانه بنبر واسطة ولا يسقط إرثهما بحال والجد وابن الابن بخلافهما ويحتمل التسوية بينهما لأنهما سواء في الإرث والتعصيب والولادة والأول أولى فإن اجتمع جد وابن ابن فهما سواء لتساويهما في القرب والإرث والولادة والتعصيب ويحتمل تقديم الابن لأن نفقة ثبتت بالنص ولأنه يسقط تعصيب الجد ويحتمل تقدم الجد لتأكد حرمته بالأبوة وإن اجتمع جد وأخ احتمل التسوية بينهما لتساويهما في استحقاق الميراث والصحيح تقديم الجد لأن له مزية الولادة والأبوة ولأن ابن ابنه
يرثه ميراث ابن والأخ ميراث أخ وميراث الابن آكد فالنفقة الواجبة به تكون آكد وإن كان مكان الأخ ابن أخ أو عم فالجد أحق بكل حال لأنه يقدم عليهما في الميراث (مسألة) (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين) وقبل في عمودي النسب روايتان ذكرهما القاضي (إحداهما) تجب مع اختلاف الدين وهو مذهب الشافعي لأنها نفقة مع اتفاق الدين فتجب مع اختلافه كنفقة لزوجة والمملوك ولأنه يعتق عليه فيجب عليه لانفاق عليه كما لو انفق دينهما ولنا أنها مواساة على سبيل البر والصلة فلم تجب مع اختلاف الدين كنفقة غير عمودي النسب ولانهما لا يتوارثان فلم يجب لأحدهما على الآخر نفقة القرابة كما لو كان أحدهما رقيقاً ويفارق نفقة الزوجات لأنها عوض يجب مع الإعسار فلم ينافها اختلاف الدين كالصداق والأجرة وكذلك يجب

(9/288)


مع الرق فبهما أو في أحدهما وكذلك النفقة المماليك ولأن هذه النفقة صلة ومواساة فلا تجب مع اختلاف الدين كأداء زكاته إليه ونقله عنه وارثه منه (مسألة) (وإن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه) لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة وإحياء النفس وتزجية الحال وقد حصل له ذلك في الماضي بدونها فإن كان الحاكم قد فرضها فينبغي أن تلزمه لأنها تأكدت بفرض الحاكم فلزمته كنفقة الزوجة (فصل) ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولهم في إعفاف الأب الصحيح وجه أنه لا يجب، وقال أبو حنيفة لا يلزم الرجل إعفاف أبيه سواء وجبت نفقته أو لم تجب لأن ذلك من املاذ فلم تجب للأب كالحلوى، ولانه أحد الأبوين فلم يجب ذلك له كالأم ولنا أن ذلك مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده فلزم ابنه له كالنفقة ولا يشبه الحلوى فإنه لا يستضر بفقدها وإنما يشبه الطعام والأدم، وأما الأم فإن إعفافها إنما هو بتزويجها إذا طلبت ذلك وخطبها كفء لها ونحن نقول بوجوبه عليه وهم يوافقوننا في ذلك إذا ثبت ذلك.
فإنه يجب إعفاف من وجبت نفقته من الآباء والأجداد فإن اجتمع جدان ولم يكن إلا إعفاف أحدهما قدم الأقرب إلا
أن يكون أحدهما من جهة الأب والآخر من جهة الأم فيقدم الذي من جهة الأب وإن بعد لأنه عصبة والشرع قد اعتبر جهته في التوريث والتعصيب فكذلك في الانفاق والاستحقاق

(9/289)


(فصل) واذا وجب عليه إعفاف أبيه فهو مخير إن شاء زوجه وان شاء ملكه أمة أو دفع إليه ما يتزوج به حرة أو يشتري به أمة وليس للأب التخيير عليه إلا أن الأب إذا عين امرأة وعين الابن أخرى وصداقهما واحد قدم تعيين الأب لأن النكاح له والمؤنة واحد فقدم قوله كما لو عينت البنت كفؤا ولاب غيره قدم تعينها فإن اختلفا في الصداق لم يلزم الابن الأكثر لأنه إنما يلزمه أقل ما يحصل به الكفاية وليس له أن يزوجه قبيحة ولا يملكه إياها ولا كبيرة لا استمتاع فيها ولان يزوجه أمة لأن فيه ضرراً بإرقاق ولده والنقص في استمتاعه فإن رضي الأب بذلك لم يجز لأن الضرر يلحق بغيره وهو الولد وكذلك لم يكن للموسر أن يتزوج أمة، ومتى أيسر الأب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه إليه ولا عرض ما زوجه به لأنه دفعه إليه في حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة فإن زوجه أو ملكه أمة فطلق لزوجة أو أعتق الأمة لم يكن عليه أن يزوجه أو يملكه ثانياً لأنه فوت ذلك على نفسه فإن ماتتا فعليه إعفافه ثانياً لأنه لا صنع له في ذلك، وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجاً إلى الأعفاف ذكره أصحابنا وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا يجب ذلك.
ولنا أنه من عمودي نسبه فلزمه نفقته فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه كأبيه، قال القاضي وكذلك يجئ في كل من لزمته نفقته من أخ وعم وغيرهم، لأن أحمد نص في العبد يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك وإلا بيع عليه.

(9/290)


(مسألة) (ومن لزمته نفقة رجل فهل يلزمه نفقة امرأته؟ على روايتين) كل من لزمه إعفاف رجل لزمته نفقة امرأته.
لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا بذلك، وقد روي عن أحمد أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الأبن وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها.
(فصل) والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة بقدر العادة كما
ذكرنا في الزوجة لأنها وجبت للحاجة فتقدرت بما تندفع به الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفارة فإن احتاج إلى خادم فعليه إخدامه كقولنا في الزوجة لأن ذلك من تمام الكفاية (فصل) ويجب على المعتق نفقة عتيقه على قولنا إن النفقة تجب على الوارث على ما قررناه والمعتق وارث عتيقه فوجبت عليه نفقته إذا كان فقيراً ولمولاه يسار ينفق عليه منه وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لا تجب عليه نفقته بناء على أصولهم المذكورة ولنا قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك ومولاك الذي يلي ذاك، حقاً واجباً ورحماً موصولاً " ولأنه يرثه بالتعصيب فكانت عليه نفقته كالأب، ويشترط في وجوب الإنفاق عليه الشروط المذكورة في غيره

(9/291)


(فصل) فإن مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته على ما ذكرناه في الولاء ويجب على السيد نفقة أولاد عتيقه إذا كان له عليهم ولاء لأنه عصبتهم ووارثهم وعليه نفقة أولاد معتقيه إذا كان أبوهم عبداً كذلك فإن أعتق أبوهم فاتجر الولاء إلى معتقه صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه إذا كملت الشروط وليس على العتيق نفقة معتقه وإن كان فقيراً لأنه لا يرثه، فإن كان واحد منهما مولى الآخر فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر لأنه يرثه (فصل) وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو أمة لأن الحرة ولدها أحرار وليس على العبد نفقة أقاربه الأحرار لأن نفقتهم تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وإن كانت زوجته مملوكة فولدها عبيد لسيدها لأنهم يتبعونها فتكون نفقتهم على مالكهم (فصل) ونفقة أولاد المكاتب الأحرار وأقاربه لا تجب عليه لأنها تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وكذلك لا تجب عليه الزكاة في ماله فإن كانت زوجته حرة فنفقة أولادها عليها لأنهم يتبعونها في الحرية، وإن كان لهم أقارب أحرار كجد وأخ حر مع الأم أنفق كل واحد منهم بحسب ميراثه والمكتب كالمعمدوم بالنسبة إلى النفقة، فأما ولد المكاتب من أمته فنفقتهم عليه لأن ولده من
أمته تابع له يعتق بعتقه فجرى مجرى نفسه في النفقة فكما أنه ينفق على نفسه فكذلك على ولده الذي هذا حاله وهذا الولد ليس له من ينفق عليه سوى أبيه فإن أمه أمة للمكاتب وليس له من الأحرار أقارب

(9/292)


فيتعين على المكاتب الانفاق عليه كأنه ولأنه لا ضرر على السيد في إنفاق المكاتب على ولده من أمته لأنه إذا أدى وعتق فقد في مال الكتابة وليس للسيد أكثر منه وان عجز ورق عاد إليه المكاتب وولده الذي أنفق عليه فكأنه إنما أنفق على عبده وتصير نفقته عليه كنفقته على سائر رقيقه (فصل) فأما ولد المكاتب إذا كان من زوجته المكاتبة فإنهم يتبعونها في الكتابة ويكون حكمهم حكمها إن رقت رقوا وإن عتقت بالأداء.
عتقوا فتكون نفقتهم عليها مما في يديها في حكم نفسها ونفقتها على نفسها مما في يدها فكذلك نفقة ولدها، وأما زوجها المكاتب فليس عليه نفقتهم لأنهم عبيد لسيد المكاتبة فإن أراد المكاتب التبرع بالنفقة على ولده من أمة أو مكاتبة لغير سيده أو حرة فليس له ذلك لأن فيه تغريراً بمال سيده، وإن كان من أمة لسيده جاز لأنه مملوك لسيده فهو ينفق عليه من المال الذي تعلق به حق سيده وإن كان من مكاتبة لسيده احتمل الجواز لأنه في الحال بمنزلة أمه وأمه مملوكة لسيدها واحتمل أن لا يجوز لأن فيه تغريراً ويحتمل أن يعجز هو وتؤدي المكاتبة فيعتق لدها فيحصل الإنفاق عليه من مال سيده ويصير حراً (فصل) ويجب نفقة ظئر الصبي على من تلزمه نفقته، لأن نفقة ظئر الصغير كنفقة الكبير ويختص وجوب النفقة بالأب وحده كالكبير (مسألة) (وليس له منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك)

(9/293)


إذا طلبت الأم رضاع ولدها بأجر مثلها فهي أحق به سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد، وقال أصحاب الشافعي إن كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من رضاعة لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان، وإن استأجرها على رضاعه لم يجر لان النافع حق له فلا يجوز أن يستأجر ما هو أو بعضه حق له، وان ارضعت الولد فهل لها أجر المثل؟ على وجهين
وإن كانت مطلقة فطلبت أجر المثل فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من يرضعه بأجر المثل أو أكثر لم يكن له ذلك، وإن وجد متبرعة أو مرضعة بدون أجر المثل فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لأنه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها، وقال أبو حنيفة إن طلبت الأجرة لم يلزم الأب بذلها ولا يسقط حقها من الحضانة وتأتي المرضعة ترضعه عندها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز الإخلال بأحدهما ولنا قوله سبحانه (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) فقدمهن على غيرهن وهذا خبر يراد به الأمر وهو عام في كل والده وقوله فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) ولنا على جواز الاستئجار أنه عقد اجارة يجوز مع غير الزوج إذا أذن فيه فجاز مع الزوج كإجارة نفسها للخياطة، وقولهم إن المنافع مملوكة له لا يصح لأنه لو ملك منفعة الحضانة لملك إجبارها عليها ولم يجز إجارة نفسها لغيره بإذنه ولكانت الأجرة له وإنما امتنع إجارة نفسها لأجنبي بغير إذنه لما فيه من تفويت الاستمتاع في بعض الزمان ولهذا جازت بإذنه وإذا استأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبي، أما الدليل على وجوب تقديم الأم إذا

(9/294)


طلبت أجر المثل على المتبرعة فما ذكرنا من الآيتين، ولان الام حتى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها كما لو طلبت الأجنبية رضاعه.
بأجر مثلها ولأن في رضاع غيرها تفويتاً لحق الأم من الحضانة وإضراراً بالولد ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق أوجبه الله تعالى على الأب، وقول أبي حنيفة يفضي الى تفويت حق الولد من لبن أمه وتفويت الأم في إرضاعه لبنها فلم يجز ذلك كما لو تبرعت برضاعه.
فأما إن طلبت الأم أكثر من أجر مثلها ووجد الأب من يرضعه بأجر مثلها أو متبرعة جاز انتزاعه منها لأنها أسقطت حقها باشتطاطها وطلبها ما ليس لها فدخلت في قوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) وإن لم يجد مرضعة إلا بتلك الأجرة فالأم أحق لأنهما تساوتا في الآجر فقدمت الأم كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها (فصل) وإن طلبت المزوجة بأجنبي إرضاع ولدها بأجر مثلها بإذن زوجها ثبت حقها وكانت
أحق به من غيرها لأن الأم إنما منعت من الإرضاع لحق الزوج فإذا أذن فيه زال المانع فصارت كغير ذات الزوج وإن منعها الزوج سقط حقها لتعذر وصولها إليه (فصل) وإن أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله

(9/295)


تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ولأنها تستحق عليه قدر كفايتها فإذا زادت حاجتها زادت كفايتها (مسألة) (وإن امتنعت من رضاعه لم تجب إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه) ليس للزوج إجبار أم الولد على ارضاعه دنية كانت أو شريفة وسواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة قال شيخنا ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافاً وكذلك إن كانت مع الزوج عندنا، وبه يقول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح له إجبارها على ذلك وهو قول أبي ثور ورواية عن مالك لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) والمشهور عن مالك أنها إن كان شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه وإن كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه ولنا قول الله تعالى (وإن تعاسرهم فسترضع له أخرى) وإذا اختلفا فقد تعاسراً ولأن الإجبار على الرضاع إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد لأنه لو كان له للزمها بعد الفرقة ولأنه مما يلزم الوالد لولده فلزم الأب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة، ولا يجوز أن يكون لهما لأن مالا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض

(9/296)


ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة والآية محمولة على حالة الإنفاق وعدم التعاسر فأما إن اضطر الولد إليها بأن لا توجد مرضعة سواها أو لا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب عليها التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها كما لو لم يكن أحد غيرها
(مسألة) (ولا يجب عليه أجرة الظئر لما زاد على الحولين لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (مسألة) (وإن تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها) وجملة ذلك أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها إلا أن يضطر إليها لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له منعها كالخروج من منزله فأما إن اضطر إليه بأن لا توجد من ترضعه غيرها أو لا يقبل الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته.
(فصل) فإن أرادت إرضاع ولدها فكلام الخرقي يحتمل وجهين:

(9/297)


(أحدهما) له منعها لعموم لفظه في هذه المسألة وهو قول الشافعي لأنه يخل بالاستمتاع منها فأشبه ولد غيرها (والثاني) ليس له منعها فإنه قال ألا إن تشاء الأم أن ترضعه بأجر مثلها فتكون أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وذلك لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الأمر وهو عام في كل والده، وقال أصحاب الشافعي يحمل على المطلقات ولا يصح ذلك لأنه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجر الرضاع ولا غيره وقولنا في الوجه الأول أنه يخل باستمتاعه.
قلنا: ولكن لإيفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعاً كما أن قضاء دينه بدفع ما له فيه واجب لا سيما إذا تعلق به حق الولد مع كونه مع أمه وحق الأم في الجميع بينهما وبين ولدها، وهذا الوجه ظاهر كلام ابن أبي موسى والأول ظاهر كلام القاضي أبي يعلى.
(فصل) فإن أجرت المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح النكاح ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تمضي المدة لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه أشبه ما لو اشترى
أمة مستأجرة، وإن نام الصبي أو اشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعه وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها إلا برضى الولي لأن ذلك ينقص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي، ولأنه

(9/298)


يجوز له الوطئ مع إذن الولي فجاز مع عدمه لأنه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقه (فصل) فإن أجرت المرأة المزوجة نفسها للرضاع بإذن زوجها جاز ولزم العقد لأن الحق لهما لا يخرج عنهما.
وإن اجرتها بغير إذنه لم يصح لتضمنه تفويت حق زوجها وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والآخر يصح لأنه يتأول محلاً غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل.
ولنا أنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة المستأجر (فصل) قال الشيخ رحمه الله وعلى السيد الإنفاق على رقيقه قدر كفايتهم وكسوتهم بالمعروف نفقة المملوكين على ملاكهم ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم فأعينوهم عليه " متفق عليه.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " رواه الشافعي في مسنده.
وأجمع العلماء على وجوب نفقة المملوك على سيده، ولانه لابد له من نفقة ومنافعه لسيده وهو أخص الناس به فوجبت نفقته عليه كبهيمته (فصل) والواجب من ذلك قدر كفايته من غالب قوت البلد سواء كان قوت سيده أو دونه أو فوقه وأدم مثله بالمعروف لحديث أبي هريرة، والمستحب أن يطعمه من جنس طعامه لقوله " فليطعمه

(9/299)


مما يأكل فجمعنا بين الخبرين فحملنا خبر أبي هريرة على الإجزاء وحديث أبي ذر على الاستحباب والسيد مخير بين أن يجعل نفقته من كسبه إن كان له كسب وأن ينفق عليه من ماله ويأخذ كسبه أو يجعله برسم نفقة خدمته وينفق عليه من ماله لأن الكل ماله فإن جعل نفقته في كسبه وكانت
وفق الكسب صرفها إليه وإن فضل من الكسب شئ فهو لسيده وإن أعوز فعليه تمامه، وأما الكسوة فبالمعروف من غالب الكسوة لأمثال العبد في ذلك البلد الذي هو به والمستحب أن يلبسه من لباسه لحديث أبي ذر، ويستحب أن يستوي بين عبيده الذكور في الكسوة والإطعام وبين إمائه إن كن للخدمة أو للاستمتاع وإن كان فيهن من هو للخدمة ومن هو للاستمتاع فلا بأس بزيادة من هي للاستمتاع في الكسوة لانه للعرف ولان غرضه تجميل من يستمتع بها بخلاف الخادمة (مسألة) (وعليه تزويجهم إذا طلبوا ذلك) وهذا أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجبر عليه لأن فيه ضرراً عليه وليس مما تقوم به البنية فلم يلزمه كإطعام الحلواء ولنا قول الله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والأمر يقتضي الوجوب ولا يجب إلا عند الطلب وروى عكرمة عن ابن عباس قال من كانت له جارية فلم يزوجها ولم يصبها أو عبد فلم يزوجه فما صنعا من شئ كان على السيد ولولا وجوب إعفافهما لما لحق السيد

(9/300)


الإثم بفعلهما ولأنه مكلف محجور عليه دعي إلى تزويجه فلزمت إجابته كالمحجور عليه للسفه ولأن النكاح مما تدعوا الحاجة إليه غالباً ويتضرر بفواته فأجبر عليه كالنفقة ولأنه يخاف من ترك إعفافه الوقوع في المحظور بخلاف الحلواء.
إذا ثبت هذا فالسيد مخير بين تزويجه أو تملكيه أمة يتسراها وله أن يزوجه أمة لان النكاح الأمة مباح للعبد من غير شرط ولا يجب عليه تزويجه إلا عند طلبه لأن هذا مما يختلف الناس فيه وفي الحاجة إليه ولا نعلم حاجته إلا بطلبه ولا يجوز تزويجه إلا باختياره إذا كان عبداً كبيراً وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلاً لأن إذنه في النكاح إذن في الاستمتاع المعتاد والعادة جارية بذلك ليلاً وعليه نفقة زوجته على ما قدمناه (مسألة) (إلا الأمة إذا كان يستمتع بها) وجملته أن السيد مخير في الأمة بين تزويجها إذا طلبت ذلك وبين الاستمتاع بها فيغنيها باستمتاعه عن غيره لأن المقصود قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة وذلك يحصل بأحدهما فلم يتعين الآخر
(مسألة) (ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون) وهو ما يشق عليه ويقرب من العجز عنه لحديث أبي ذر ولأن ذلك يضر به ويؤذيه وهو ممنوع من ذلك (مسألة) (ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات الصلوات)

(9/301)


لأن العادة جارية بذلك ولأن عليهم في ترك ذلك ضرراً ولا يحل الإضرار بهم (مسألة) (ويداويهم إذا مرضوا) إذا مرض المملوك أو زمن أو عمى أو انقطع كسبه فعلى سيده القيام به والإنفاق عليه لأن نفقته تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغر والملك باق مع المرض والعمى والزمانة فتجب نفقته معهما لعموم النصوص المذكورة (مسألة) (وإذا ولي أحدهم طعامه أطعمه معه فإن أبى أطعمه منه) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا كفى احدكم خادمه حره ودخانه فليدعه وليجاسه معه فإن أبى فليروغ له اللقمة واللقمتين " رواه البخاري ومعنى ترويغ اللقمة غمسها في المرق والدسم وترويتها بذلك ودفعها إليه ولأنه يشتهيه لحضوره فيه وتوليه إياه وقد قال الله تعالى (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) ولأن نفس الحاضر تتوق ما لا تتوق نفس الغائب (مسألة) (ولا يسترضع الأمة لغير ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه) لأن فيه إضراراً بولدها لنقصه في كفايته وصرف اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته اليه فلم يجز كما لو أراد أن ينقص الكبير عن كفايته ومؤنته فإن كان فيها فضل عن ري ولدها جاز لأنه

(9/302)


ملكه وقد استغنى عنه الولد فكان له استبقاؤه كالفاضل من كسبه أو كما لو مات ولدها وبقي لبنها (مسألة) (ولا يجبر العبد على المخارجة وإن اتفقا عليها جاز)
معنى المخارجة أن يضرب عليه خراجاً معلوماً يؤديه إلى سيده وما فضل للعبد لأن ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابة، وإن طلب العبد ذلك وأباه السيد لم يجبر عليه لما ذكرنا فإن اتفقا على ذلك جاز لما روى أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجره وأمر مواليه أن يخلفوا عنه من خراجه وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجاً فروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم وجاء أبو لؤلؤة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه، ثم ينظر فإن كان ذا كسب فجعل عليه بقدر ما يفضل عن كسبه عن نفقته وخراجه شئ جاز فإن لهما به نفعاً فإن العبد يحرص على الكسب وربما فضل معه شئ يزيده في النفقة ويتسع به، وإن وضع عليه أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز وكذلك إن كلف من لا كسب له المخارجة لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا المرأة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها ولأنه متى كلف غير ذي الكسب خراجاً كلفه ما يغلبه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تكلفوهم ما يغلبهم وربما حمله ذلك على أن يأتي به من غير وجهه فلم يكن للسيد أخذه

(9/303)


(مسألة) (ومتى امتنع السيد من الواجب عليه وطلب العبد البيع لزمه بيعه) وجملة ذلك أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لأن بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد خلاته إضرار به وإزالة الضرر واجبة فوجب إزالته وكذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الإنفاق عليها وقد روي في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه أنه قال " عبدك يقول أطعمني وإلا فبعني وامرأتك تقول أطعمني أو طلقني وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفى بحقوق عبده وطلب العبد لم يجبر السيد عليه، وقد روي أبو داود عن أحمد أنه قبل له استباعت المملوكة وهو يكسوها مما يكتسي ويطعمها مما يأكل؟ قال لاتباع وإن أكثرت من ذلك إلا أن تحتاج إلى زوج
فتقول زوجني، وقال عطاء واسحاق في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع لا يبعه لأن الملك للسيد واعتق له فلا يجبر على إزالتة من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الإنفاق عليها.
(مسألة) (وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده وامرأته) له تأديب عبده وأمته إذا اذنبا بالتوبيخ والضرب الخفيف كما يؤدب ولده وامرأته في النشوز وليس له ضربه على غير ذنب ولا أن يضربه ضرباً مبرحاً وإن أذنب ولا لطمه في وجهه، وقد روي

(9/304)


عن ابن مقرن المزني قال قد رأيتني سابع سبعة ما لنا إلا خادم واحد فلطمها أحدنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باعتاقها وروي عن أبي مسعود قال كنت أضرب غلاماً لي وإذا رجل من خلفي يقول اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول " اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " (مسألة) (وللعبد التسري بإذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يكن له التسري بها إلا بإذنه) هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والشعبي والنخعي والزهري، ومالك والاوزاعي وأبي ثور، وكره ذلك ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي، وللشافعي فيه قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده او لا، وقال القاضي يجب أن يكون في مذهب أحمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بأن العبد لا يملك المال ولا يجوز الوطئ إلا في نكاح أو تمليك يمين لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفاً، وروى الأثرم عن ابن عمر بإسناده أنه كان لا يرى بأساً أن يتسرى العبد ونحوه عن ابن عباس، ولأن العبد يملك في النكاح فملك التسري كالحر، وقولهم أن العبد لا يملك المال ممنوع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من باع عبداً وله مال " فجعل المال له ولأنه آدمي فيملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك إذ كان الله

(9/305)


تعالى خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكليف وأداء العبادات، قال الله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعا) والعبد داخل في العموم ومن أهل التكاليف والعبادات فيكون أهلاً للملك وكذلك ملك في النكاح، وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآ له إلى الآدمية فالعبد الذي هو آدمي ملكف أولى ولا يجوز له التسري إلا بإذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يكن له وطؤها حتى يأذن له فيه لأن ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ قد فلم يكن له التصرف فيه إلا بإذن سيده فإن أذن له فقال تسراها أو أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه أبيح له، وما ولد له من التسري فحكمه حكم ملكه لأن الجارية مملوكة له فكذلك ولدها وإن تسرى بغير إذن سيده فالولد ملك لسيده (فصل) وإذا أذن له السيد في أكثر من واحدة فله التسري بما شاء نص عليه أحمد لا زمن جاز له التسري جاز له بغير حصر كالحر وإن أذن له وأطلق فله التسري واحدة وكذلك إذا أذن له في في التزويج ولم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال أصحاب الرأي، وقال أبو ثور إذا أذن له في التزويج فعقد على اثنتين في عقد جاز ولنا أن الإذن الطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم يقيناً وما زاد مشكوك فيه فيبقى على الأصل

(9/306)


كما لو أذن له في طلاق امرأته لم يكن له أن يطلق أكثر من طلقة ولأن الزائد عن الواحدة يحتمل أن يكون غير مراد فيبقى على أصل التحريم كما لو شك في أصل الإذن (فصل) نقل محمد بن ماهان عن أحمد لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أذن له سيده فإن رجع السيد فليس له أن يرجع إذا أذن له مرة وتسرى وكذلك نقل عنه إبراهيم بن هانئ ويعقوب بن بختان ولم

(9/307)


أو عنه خلاف هذا فظاهره أنه إذا تسرى بإذن السيد لم يملك السيد الرجوع لأنه يملك به البضع فلم يملك سيده فسخه قياساً على النكاح، وقال القاضي يحتمل أنه أراد بالتسري ههنا التزويج وسماه تسرياً

(9/308)


مجازاً ويكون للسيد الرجوع فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لأنه ملكه بضعاً أبيح له وطؤه فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه

(9/309)


(فصل) وعليه إطعام بهائمه وسقيها والقيام بها والإنفاق عليها وما تحتاج إليه من علفها وسقيها لو

(9/310)


إقامة من يرعاها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض " متفق عليه

(9/311)


(مسألة) (ولا يحملها ما لا تطيق) لأنها في معنى العبد وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم تكليف العبد ما لا يطيق، ولأن فيه تعذيب الحيوان الذي

(9/312)


له حرمة في نفسه ولا يحلب من لبنها ما يضرب ولدها لأن كفايته واجبة على مالكه ولن أمه مخلوق

(9/313)


له فأشبه ولد الأمة فإن امتنع عن الانفاق عليهما أجبر على ذلك فإن ابى أو عجز أجبر على بيعها أو ذبحها إن كانت مما تذبح، وقال أبو حنيفة لا يجبره السلطان بل يأمره به كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر

(9/314)


لأن البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم ألا ترى أنه لا يصح منها الدعوى ولا ينصب عنها خصم فصارت كالزرع والشجر

(9/315)


ولنا أنها نفقة حيوان واجبة عليه فكان للسلطان إجباره عليها كنفقة العبد فإن عجز عن الإنفاق

(9/316)


وامتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا طلب البيع عند إعسار سيده بنفقة وكما يفسخ نكاحه

(9/317)


إذا أعسر بنفقة امرأته فإن عطبت البهيمة فلم ينتفع بها فإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الأنفاق عليها كالعبد الزمن وإن كانت مما يؤكل خير بين ذبحها والإنفاق عليها على ما ذكرناه