الشرح
الكبير على متن المقنع
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيد الأصل
في إباحة الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (أحل لكم
صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما) وقال سبحانه (وإذا حللتم فاصطادوا) وقال سبحانه (يسئلونك ماذا
أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما
علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) وأما السنة
فروى أبو ثعلبة الخشني قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا
رسول الله أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي
الذي ليس بمعلم فأخبرني ماذا يصلح لي؟ " قال أما ما ذكرت أنكم بأرض
(11/2)
صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه
فكل، وما صدت بكلبك المعلم والذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل " متفق
عليه وعن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنا نرسل الكلب المعلم
فيمسك علينا قال " كل " قلت فإن قتل؟ قال " وإن قتل ما لم يشركه كلب
غيره " قال وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال " ما
خرق فكل وما قتل بعرضه فلا تأكل " متفق عليه أيضاً وأجمع أهل العلم على
إباحة الإصطياد والأكل من الصيد
* (مسألة) * (ومن صاد صيداً فأدركه حياً حياة مستقرة لم يحل إلا
بالذكاة) أما ما ادرك ذكاته من الصيد فلا يشترط في إباحته سوى صحة
التذكية ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم
فأدركت ذكاته فكل " فأما إن أدركه وفيه حياة مستقرة فلم يذبحه حتى مات
نظرت، فإن كان الزمان لا يتسع لذكاته فمات فإنه يحل أيضاً قال قتادة
يأكله ما لم يتوان في ذكاته أو يتركه عمدا وهو قادر على ذكاته ونحوه
قول مالك والشافعي وروي ذلك عن الحسن والنخمي، وقال أبو حنيفة لا يحل
لأنه أدركه وفيه حياة مستقرة فتعلقت إباحته بتذكيته كما لو اتسع الزمان
(11/3)
ولنا أنه لم يقدر على ذكاته كالذي قتله
الصائد، ويفارق ما قاسوا عليه لأنه أمكنه ذكاته وفرط بتركها، لو أدركه
وفيه حياة مستقرة يعيش بها زمناً طويلاً وأمكنه ذكاته ولم يذكه حتى مات
لم يبح سواء كان به جرح يعيش معه أولا وبه قال مالك والليث والشافعي
واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن ما كان كذلك فهو في حكم الحي بدليل
أن عمر رضي الله عنه كانت جراحاته موجبة فأوصى واجيزت وصاياه وأقواله
في تلك الحال ولم تسقط عنه الصلاة ولا العبادات ولأنه ترك تذكيته مع
القدرة عليها فأشبه غير الصيد * (مسألة) * (فإن لم يجد ما يذكيه به
أرسل الصائد له عليه حتى يقتله في إحدى الروايتين) واختاره الخرقي *
(مسألة) * (فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل وقال القاضي يحل والأخرى
لا يحل إلا أن يذكيه) اختلف قول أحمد في هذه المسألة فعنه مثل قول
الخرقي وهو قول الحسن وابراهيم وقال في موضع إني لأقشعر من هذا يعني
أنه لا يراه وهو قول أكثر أهل العلم لأنه مقدور عليه فلم يبح بقتل
الجارح كالأنعام وكما لو أخذه سليماً.
ووجه الأول أنه صيد قتله الجارح له من غير إمكان ذكاته فأبيح كما لو
أدركه ميتاً ولأنها حال تتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة غالباً فجاز
أن تكون ذكاته على حسب الإمكان
(11/4)
كالمتردية في بئر، وحكي عن القاضي أنه قال
في هذا يتركه حتى يموت فيحل لأنه صيد تعذرت تذكيته
فأبيح بموته من غير عقر الصائد له كالذي تعذرت تذكيته لقلة لبثه،
والأول أصح لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة
فلم يبح بغيرها إذا لم تكن آلة كسائر المقدور على تذكيته، ومسألة
الخرقي محمولة على ما يخاف موته إن لم يقتله الحيوان أو يذكى فإن كان
به حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي به منزله فليس فيه اختلاف لأنه لا يباح
إلا بالذكاة * (مسألة) * (وإن رمى صيداً فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم
يحل ولمن أثبته قيمته مجروحاً على قاتله إلا أن يصيب الأول مقتله دور
الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل وعلى الثاني ما خرق من جلده) إذا رمى
صيداً فأثبته ثم رماه آخر فأصابه لم تخل رمية الأول من قسمين (أحدهما)
أن تكون موجئة مثل أن ينحره أو يذبحه أو تقع في خاصرته أو قلبه فينظر
في رمية الثاني فإن كانت غير موجئة فهو حلال ولا ضمان على الثاني إلا
أن ينقصه برميه شيئاً فيضمن ما نقصه وبالرمية الأولى صار مذبوحاً، وإن
كانت رمية الثاني موجئة فقال القاضي وأصحابه يحل كالتي قبلها وهو مذهب
الشافعي
(11/5)
ويجئ على قول الخرقي أن يكون حراماً كما لو
ذبح حيوان فغرق في ماء أو ولئ عليه شئ فقتله وقد ذكرناه (القسم الثاني)
أن يكون جرح الأول غير موجئ فينظر في رمية الثاني فإن كانت موجئة فهو
محرم لما ذكرنا إلا أن تكون رمية الثاني ذبحته أو نحرته (فصل) فإن لم
تكن جراحة الثاني موجئة فله ثلاث صور (أحدها) أن يذكى بعد ذلك فيحل
(الثانية) لم يذك حتى مات فهو حرام لأنه مات من جرحين مبيح ومحرم فحرم
كما لو مات من جرح مسلم ومجوسي وعلى الثاني ضمان جميعه لأن جرحه هو
الذي حرمه فكان جميع الضمان عليه (الثانية) قدر على ذكاته فلم يذكه حتى
مات فيحرم لمعنيين (أحدهما) أنه ترك ذكاته مع إمكانه (الثاني) أنه مات
من جرحين مبيح ومحرم ويلزم الثاني الضمان وفي قدره احتمالان (أحدهما)
يضمن جميعه كالتي قبلها (الاحتمال الثاني) يضمن بقسط جرحه لأن الأول
إذا ترك الذبح مع إمكانه كان جرحه حاضراً أيضاً بدليل ما لو انفرد وقتل
الصيد فيكون الضمان منقسماً عليهما، وذكر القاضي في قسمه عليهما أن
يقسط أرش جرح الأول وعلى الثاني أرش جراحته ثم يقسم ما بقي من القيمة
بينهما نصفين، وفرض
المسألة في صيد قيمته عشرة دراهم نقصه جرح الأول درهما ونقصه جرح
الثاني درهما فعليه درهم
(11/6)
ويقسم الباقي وهو ثمانية بينهما نصفين
فيكون على الثاني خمسة دراهم درهم بالمباشرة وأربعة بالسراية وتسقط حصة
الأول وهي خمسة، وإن كان أرش جرح الثاني درهمين لزماه ويلزمه نصف
السبعة الباقية ثلاثة ونصف وذلك خمسة ونصف وتسقط حصة الأول أربعة ونصف،
فإن كانت جنايتهما مملوكة لغيرهما قسم الضمان عليهم كذلك، قال شيخنا:
ويتوجه على هذه الطريقة أنه سوى بين الجنايتين مع أن الثاني جنى عليه
وقيمته دون قيمته يوم جنى عليه الأول وإن لم يدخل أرش الجناية في بدل
النفس كما يدخل في الجناية على الآدمي قال شيخنا والجواب عن هذا أن كل
واحد منهما انفرد باتلاف ما قيمته درهم وتساويا في إتلاف الباقي
بالسراية وتساويا في الضمان وإنما يدخل أرش الجناية في بدل النفس التي
لا ينتقص بدلها باتلاف بعضها وهو الآدمي، أما البهائم فإذا جنى عليها
جناية أرشها درهم نقص ذلك من قيمتها فإذا سرى إلى النفس أوجبنا ما بقي
من قيمة النفس ولم يدخل الارش فيها وذكر أصحاب الشافعي في قسمة الضمان
طرقاً ستة (أصحها) عندهم أن يقال أن الأول اتلف نصف نفس قيمتها تسعة
فيلزمه أربعة ونصف فيكون المجوع تسعة ونصفا وهي أقل من قيمته لأنها
عشرة فتقسم العشرة على تسعة ونصف فيسقط عن الأول ما يقابل أربعة
ونصفاً، ويتوجه على هذا أن كل
(11/7)
واحد منهما يلزمه أكثر من قيمة نصف الصيد
حين جنى عليه، وإن كانت الجراحات من ثلاثة فإن كان الأول أثبته فعلى
طريقة القاضي على كل واحد أرش جرحه وتقسم السراية عليهم أثلاثاً وإن
كان المثبت له الثاني فجراحة الأول هدر لا عبرة بها والحكم في جرجي
الآخرين كما ذكرنا وعلى الطريقة الأخرى الأول أتلف ثلث نفس قيمتها عشرة
فيلزمه ثلاثة وثلث والثاني أتلف ثلثها وقيمتها تسعة فيلزمه ثلاثة
(والثالث) أتلف ثلثها وقيمتها ثمانية فيلزمه درهمان وثلثان فمجموع ذلك
تسعة تقسم عليها العشرة حصة كل واحد منهم ما يقابل ما أتلفه، وإن
أتلفوا شاة مملوكة لغيره ضمنوها كذلك (فصل) فإن رمياه معاً فقتلاه كان
حلالا وملكاه لا نهما اشتركا في سبب الملك والحلل تساوى
الجرحان أو تفاوتا لأن موته كان بهما فإن كان أحدهما موجئا والآخر غير
موجئ ولا يثبته مثله فهو لصاحب الجرح الموجئ لأنه الذي أثبته وقتله،
ولا شئ على الآخر لأن جرحه كان قبل ثبوت ملك الآخر فيه وإن أصابه
أحدهما بعد صاحبه فوجدناه ميتاً لم نعلم هل صار بالأول ممتنعاً أولاً؟
حل لأن الأصل الامتناع ويكون بينهما لأن أيديهما عليه، فإن قال كل واحد
منهما أنا أثبته ثم قتلته أنت حرم لأنهما اتفقا على تحريمه ويتخالفان
لاجل الضمان، ان اتفقا على الأول منهما فادعى الأول أنه أثبته
(11/8)
ثم قتله الآخر وأنكر الثاني إثبات الأول له
فالقول قول الثاني لأن الأصل امتناعه ويحرم على الأول لإقراره بتحريمه
والقول قول الثاني في عدم الامتناع مع يمينه، وإن علمت جراحة كل واحد
منهما نظر فيها فإن علم أن جراحة الأول لا يبقى معها امتناع مثل أن كسر
جناح الطير أو ساق الظبي فالقول قول الأول بغير يمين، وإن علم أنه لا
يزيل الامتناع مثل خدش الجلد فالقول قول الثاني وإن احتمل الأمرين
فالقول قول الثاني لأن الأصل معه وعليه اليمين لأن ما ادعاه الأول
محتمل * (مسألة) * (وإن أدرك الصيد متحركاً كحركة المذبوح فحكمه حكم
الميت لا يحتاج إلى ذكاة) لأن عقره كذكاته، ومتى أدركه ميتاً حل بشروط
أربعة (أحدها) أن يكون من أهل الذكاة وهو أن يكون مسلماً عاقلاً أو
كتابياً فإن كان وثنياً أو مجوسياً أو مرتداً أو من غير المسلمين وأهل
الكتاب أو مجنوناً لم يبح صيده لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة والجارح
مقام الآلة كالسكين وعقره للحيوان بمنزلة افراء الأوداج قال النبي صلى
الله عليه وسلم " فإن أخذ الكلب له ذكاة " والصائد بمنزلة المذكي
فتشترط الأهلية فيه
(11/9)
(فصل) فأما ما لا يفتقر إلى الذكاة كالحوت
والجراد فيباح إذا صاده المجوسي ومن لا تباح ذبيحته وقد أجمع على ذلك
أهل العلم غير ان مالكا والليث وأبا ثور شذوا عن الجماعة وأفرطوا فقال
مالك والليث لا نرى أن يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك،
وأباح أبو ثور صيد المجوسي وذبيحته وقد ذكرنا ذلك في باب الذكاة
* (مسألة) * (فإن رمى مسلم ومجوسي صيداً أو أرسلا عليه جارحاً أو شارك
كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل، وإن أصاب أحدهما المقتل دون
الآخر حل ويحتمل أن لا يحل) متى رمى مسلم ومجوسي أو من ليس من أهل
الذكاة صيداً أو أرسلا عليه جارحاً فمات بذلك لم يحل لأنه اجتمع في
قتله مبيح ومحرم فغلب التحريم كالمتدلد بين ما يؤكل وبين مالا يؤكل،
وكذلك إن شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لما ذكرنا ولأن الأصل
الحظر، والحل موقوف على شرط وهو أن يذكيه من هو من أهل الذكاة أو صيده
الذي حصلت التذكية به ولم يتحقق ذلك وكذلك إن رمياه بسهميهما فأصاباه
فمات لما ذكرناه ولا فرق بين أن يقع سهماهما فيه دفعة واحدة أو يقع
أحدهما قبل الآخر، فإن أصاب أحدهما مقتله دون الآخر مثل أن يكون قد
عقره (1) عقراً موحياً مثل أن ذبحه أو جعله في حكم المذبوح ثم أصابه
الثاني وهو غير موح ويجئ، على قول الخرقي أن لا يباح فإنه قال
__________
(1) هذا نقص ونصه مذبوح فيكون الحكم للاول فإن كان الأول المسلم أبيح
وان كان المجوسي لم يبح وإن كان الثاني موحيا أيضا فقال أكثر أصحابنا
الحكم للاول أيضا لان الاباحة حصلت به فأشبه ما لو كان الثاني غير اه
من المعني
(11/10)
إذا ذبح فأتى على المقاتل فلم تخرج الروح
حتى وقعت في الماء لم تؤكل ولأن الروح خرجت بالجرحين فأشبه ما لو جرحاه
معاً وإن كان الأول ليس بموح فالحكم للثاني في الحظر والإباحة (فصل)
فإن أرسل مسلمان كلبيهما على صيد وسمى أحدهما دون الآخر وكان أحد
الكلبين غير معلم فقتلا صيداً لم يحل، وكذلك إن أرسل كلبه المعلم
فاستهل معه معلم آخر بنفسه فقتلا الصيد في قول أكثر أهل العلم منهم
ربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي يحل ههنا
ولنا أن إرسال الكلب على الصيد شرط لما نذكره ولم يوجد في أحدهما.
(فصل) إذا أرسل جماعة كلابا وسموا فوجدوا الصيد قتيلاً لا يدرون من
قتله حل أكله فإن اختلفوا في قاتله وكانت الكلاب متعلقة به فهو بينهم
على السواء لأن الجميع مشتركة في إمساكه فأشبه ما لو كان في أيدي
الصيادين وعبيدهم، وان كان البعض متعلقاً به دون باقيها فهو لمن كلبه
معلق
(11/11)
به وعلى من حكمنا له به اليمين في
المسئلتين، لأن دعواه محتملة فكانت اليمين عليه كصاحب، اليد وإن كان
قتيلاً والكلاب ناحية وقف الأمر حتى يصطلحوا ويحتمل أن يقرع بينهم فمن
قرع صاحبه حلف وكان له، وهذا قول أبي ثور قياساً على ما لو تداعيا دابة
في يد غيرهما وعلى الأول إذا خيف فساده قبل اصطلاحهم عليه باعوه ثم
اصطلحوا على ثمنه.
* (مسألة) * (وإن رد كلب المجوسي إلى كلب المسلم فقتله حل أكله) وهذا
قول الشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة لا يحل لأن كلب المجوسي عاون في
اصطياده فأشبه إذا عقره.
ولنا أن جارحة المسلم انفردت بقتله فأبيح كما لو رمى المجوسي سهمه فرد
الصيد فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك مجوسي شاة فذبحها مسلم وبهذا
يبطل ما قاله.
* (مسألة) * (وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل صيده) .
وعنه لا يحل صيد المسلم بكلب المجوسي في الصحيح من المذهب، وبه قال
سعيد بن المسيب والحكم ومالك والشافعي وأبو ثور واسحاق وأصحاب الرأي
وعنه لا يباح وكرهه جابر والحسن ومجاهد والنخعي والثوري لقول الله
تعالى (وما علمتم من الجوارح) وهذا لم يعلمه وعن الحسن أنه كره الصيد
بكلب اليهودي والنصراني لهذه الآية.
(11/12)
ولنا أنه آلة صاد بها المسلم فحل صيده
كالقوس والسهم، وقال ابن المسيب هو بمنزلة شفرته والآية دلت على إباحة
الصيد بما علمناه وما علمه غيرنا فهو فيثبت الحكم بالقياس الذي ذكرناه،
يحققه أن التعليم إنما اثر في جعله آلة ولا تشترط الأهلية في ذلك هنا
كعمل القوس والسهم وإنما أثر فيما أقيم مقام الزكاة وهو إرسال الآلة من
الكلب والسهم وقد وجد الشرط هنا.
* (مسألة) * (وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل صيده في قول الجميع)
* (مسألة) * (وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي حل صيده لأن الصائد
هو المسلم وإن أرسله مجوسي فزجره مسلم لم يحل لأن الصائد هو المجوسي) .
(فصل) الثاني الآلة وهي نوعان: محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة
ولابد أن يجرحه
فإن قتله بثقله لم يحل لأنه وقذ فيدخل في عموم قوله تعالى (والموقوذة)
* (مسألة) * (وإن أصاب بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه) المعراض عود
محدد وربما جعل في راسه حديدة.
قال أحمد المعراض يشبه السهم يحذف به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق
وقتل فيباح.
(11/13)
وربما أصاب بعرضه فقتل بثقله فيكون موقوذاً
فلا يباح وهذا قول علي وسليمان وعمار وابن عباس وبه قال النخعي والحكم
ومالك والثوري والشافعي وابو حنيفة واسحاق وأبو ثور وقال الاوزاعي
والحكم وأهل الشام يباح ما قتل بحده وعرضه وقال ابن عمر ما رمي من
الصيد بحلاهق أو معراض فهو من الموقوذة وبه قال الحسن.
ولنا ما روى عدي بن حاتم قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد
المعراض فقال " ما خرق فكل وما قتل بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل " متفق
عليه، وهذا نص صريح ولأن ما قتل بحده بمنزلة ما طعنه برمحه أو رماه
بسهمه، ولأنه محدد خرق وقتل بحده وما قتل بعرضه إنما يقتله بثقله فهو
موقوذ كالذي رماه بحجر أو بندق ويحمل قول ابن عمر في تحريم ما قتل
بالمعراض على ما قتل بعرضه ولأنه شبهه بالبندق.
(فصل) وحكم آلات الصيد حكم المعراض في أنها إذا قتلت بعرضها ولم تجرح
لم يبح الصيد كالسهم يصيب الطائر بعرضه فيقتله أو الرمح والحربة والسيف
يضرب به صفحا فيقتل فكل ذلك حرام، وكذا أن أصاب بحده فلم يجرح وقتل
بثقله لم يبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما خرق فكل " ولأنه إذا
لم يجرحه فإنما يقتل بثقله فاشبه ما أصاب بعرضه.
(11/14)
* (مسألة) * (وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى
عند نصبها فقتلت صيداً أبيح فإن بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة
الصائد على ما نذكره) .
وروي نحو هذا عن ابن عمر وهو قول الحسن وقتادة، وقال الشافعي لا يباح
بحال لأنه لم يذكه أحد وإنما قتلت المناجل بنفسها ولم يوجد من الصائد
إلا السبب فجرى ذلك مجرى من نصب سكينا
فذ بحث شاة ولأنه لو رمى سهماً وهو لا يرى صيداً فقتل صيداً لم يحل فذا
أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل ما ردت عليك يدك " ولأنه
قصد قتل الصيد بما له حد جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرنا والتسبب
يجري مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في إباحة الصيد، وفارق ما إذا نصب
سكيناً فإن العادة لم تجر بالصيد بها وإذا رمى سهماً ولم يرم صيداً
فليس ذلك بمعتاد والظاهر أنه لا يصيب صيداً فلم يصح قصده بخلاف هذا.
* (مسألة) * (وإذا قتله بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على الظن أن السم
أعان على قتله) إنما كان كذلك لأن ما قتله السم محرم وما قتله السهم
مباح فإذا مات بسبب مباح ومحرم حرم كما لو مات بسهمي مسلم، فأما ان علم
أن السم لم يعن على قتله لكون السهم أوحى منه فهو مباح.
(11/15)
* (مسألة) * (وإن رماه فوقع في ماء أو تردى
من جبل أو وطئ عليه شئ فقتله لم يبح إلا أن تكون الجراح موحية كالذكاة
فهل يحل؟ على روايتين) .
إذا وقع في ماء يقتله مثله أو تردى تردياً يقتله مثله فلا يحل إذا لم
تكن الجراح موحية فإن كانت الجراح موحية كالذكاة ففيه روايتان
(إحداهما) لا يحل وهو الذي ذكره الخرقي، وهي المشهورة عن أحمد وهو ظاهر
قول ابن مسعود وعطاء وأصحاب الراي (والرواية الثانية) يحل وهو قول أكثر
أصحابنا المتأخرين ولا يضر وقوعه في الماء ولا ترديه، هو قول الشافعي
ومالك والليث وقتادة وأبي ثور لان هذا صار في حكم الميت بالذبح فلا
يؤثر فيه ما أصابه.
ووجه الأولى قوله عليه الصلاة والسلام " وإن وجدته غريقا في الماء فلا
تأكل " ولأنه يحتمل أن الماء أعان على خروج روحه فصار بمنزلة ما لو
كانت الجراحة غير موحية ولا خلاف في تحريمه إذا كانت الجراح غير موحية،
فأما إن وقع في الماء على وجه لا يقتله مثل أن يكون رأسه خارجاً من
الماء أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء أو كان التردي لا يقتل
مثل ذلك الحيوان فلا خلاف في إباحته، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم
(11/16)
" وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله "
يقتضي أن يغرق جميعه، ولأن الوقوع في الماء والتردي
إنما حرم خشية أن يكون قاتلاً أو معيناً على القتل وهذا منتف فيما
ذكرناه * (مسألة) * (فإن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل) إذا
رمى طائراً في الهواء أو على شجرة أو جبل فوقع على الأرض فمات به حل
وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يحل إلا أن تكون
الجراح موحية أو يموت قبل سقوطه وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية نحو
ذلك لقوله تعالى (والمتردية) ولأنه اجتمع المبيح والحاظر فغلب الحاظر
كما لو غرق.
ولنا أنه صيد سقط بالإصابة سقوطاً لا يمكن الاحتراز عن سقوطه عليه فوجب
أن يحل كما لو أصاب الصيد فوقع على جنبه ويخالف ما ذكروه فإن الماء
يمكن التحرز عنه بخلاف الأرض.
* (مسألة) * (وإن رمى صيداً فغاب ثم وجده ميتاً لا أثر به غير سهمه حل
وعنه إن كانت الجراح موحية حل وإلا فلا وعنه إن جده في يومه حل وإلا
فلا وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أنه أعان على قتله لم يبح)
(11/17)
متى رمى صيداً فغاب عن عينه فوجده ميتاً
وسهمه فيه لا أثر به غيره حل أكله.
هذا المشهور عن أحمد وكذلك لو أرسل كلبه على صيد فغاب عن عينه ثم وجده
ميتاً ومعه كلبه حل وهذا قول الحسن وقتادة عن أحمد أن كانت الجراح
موحية حل وإلا فلا لأنها إذا كانت موحية لم يتأخر الموت عنها ولم تجز
نسبة الموت إلى غيرها إلا بوجود مثلها أو أوحى بخلاف غيرها، وعنه أن
وجده في يومه حل وإلا فلا قال أحمد إن غاب نهاراً فلا بأس وإن غاب
ليلاً لم يأكله وعن مالك كالروايتين وعن أحمد ما يدل على أنه ان غاب
مدة طويلة لم يبح وإن كانت يسيرة أبيح قيل له إن غاب يوماً؟ قال يوم
كثير، ووجه ذلك قول ابن عباس إذا رميت فاقعصت فكل وإن رميت فوجدت فيه
سهمك من يومك أو ليلتك فكل وإن غاب عنك ليلة فلا تأكل فإنك لا تدري ما
حدث به بعدك.
وكره عطاء والثوري أكل ما غاب وعن أحمد مثل ذلك وللشافعي فيه قولان لأن
ابن عباس قال: كل ما أصميت وما أنميت فلا تأكل، قال الحكم الأصماء
الأقعاص يعني أنه يموت في الحال والانماء أن يغيب عنك يعني أنه لا يموت
في الحال قال الشاعر فهو لا تنمي رميته * ماله لا عد من نفره
وقال أبو حنيفة يباح إن لم يكن ترك طلبه وإن تشاغل عنه ثم وجده لم يبح
(11/18)
ولنا ما روى عدي بن حاتم عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال " إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به
إلا أثر سهمك فكل، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل " متفق عليه، وعن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله افتني في سهمي قال " ما رد عليك سهمك فكل " قال وإن
تغيب عني؟ قال " وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه أثراً غير سهمك أو تجده قد
صل " رواه أبو داود وعن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
" إذا رميت الصيد فادركته بعد ثلاث وسهمك فيه فكله ما لم ينتن " ولأن
جرحه سبب إباحته وقد وجد يقيناً والمعارض له مشكوك فيه فلا نزول عن
اليقين بالشك ولانه جده وسهمه فيه ولم يجد به أثراً آخر فأشبه ما لو لم
يترك طلبه عند أبي حنيفة أو كما لو غاب نهاراً أو مدة يسيرة أو كما لو
لم يغب.
إذا ثبت هذا فإنه يشترط لحله شرطان (أحدهما) أن يجد سهمه فيه أو أثره
ويعلم أنه أثر سهمه لأنه إذا لم يكن كذلك فهو شاك في وجود المبيح فلا
يثبت بالشك (والثاني) أن لا يجد به أثراً غير أثر سهمه مما يحتمل أنه
أعان على قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما لم تجد فيه أثراً
غير سهمك " وفي لفظ " إن وجدت فيه أثر غير سهمك فلا تأكله فإنك لا تدري
أقتلته أنت أو غيرك " رواه الدارقطني وفي لفظ " إذا وجدت فيه سهمك ولم
يأكل منه سبع فكل منه " رواه النسائي وفي حديث عدي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " فإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا
أثر سهمك فكل وإن وقع في
(11/19)
الماء فلا تأكل " رواه البخاري ولأنه إذا
وجد به أثراً يصلح أن يكون قد قتله أو أعان على قتله فقد تحقق المعارض
فلم يبح كما لو جد مع كلبه كلباً سواه، فأما إن كان الأثر مما لا يقتل
مثله مثل أكل حيوان ضعيف كالسنور والثعلب من حيوان قوي فهو مباح لأن
هذا يعلم أنه لم يقتله فهو كما لو تهشم من وقعته * (مسألة) * (وإن ضربه
فأبان منه عضو أو بقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه وإن بقي
معلقا بجلده حل وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يباح ما
أبان منه) وجملة ذلك أنه إذا رمى صيداً أو ضربه فأبان منه بعضه لم يخل
من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يقطعه
قطعتين أو يقطع رأسه فيحل جميعه سواء كانت القطعتان متساويتين أو
متفاوتتين وبهذا قال الشافعي وروي ذلك عن عكرمة والنخعي وقتادة، قال
أبو حنيفة إن كانتا متساويتين أو التي مع الرأس أقل حلتا وإن كانت
الأخرى أقل لم تحل وحل الرأس وما معه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ما أبين من حي فهو ميت " ولنا أنه جزء لا تبقى الحياة مع فقده فأبيح
كما لو تساوت القطعتان (والثاني) أن يبين منه عضو وتبقى فيه حياة
مستقرة فالبائن محرم بكل حال سواء بقي الحيوان حياً أو أدركه فذكاه أو
رماه
(11/20)
بسهم آخر فقتله إلا أنه إن ذكاه حل بكل حال
دون ما أبان منه، وإن ضربه في غير مذبحه فقتله نظرت، فإن لم يكن أثبته
بالضربة الأولى حل دون ما أبان منه، وإن كان اثتبه لم يحل شئ منه لأن
ذكاة المقدور في الحلق واللبة (الثالث) أبان منه عضواً ولم تبق فيه
حياة مستقرة ففيها روايتان (أشهرهما) عن أحمد إباحتها قال أحمد إنما
حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ما قطعت من الحي ميتة إذا قطعت وهي
حية تمشي وتذهب " أما إذا كانت البينونة والموت جميعاً أو بعده بقليل
إذا كان في علاج الموت فلا بأس به ألا ترى الذي يذبح ربما مكث ساعة
وربما مشى حتى يموت، وهذا مذهب الشافعي وروي ذلك عن علي وعطاء والحسن
وقال قتادة وابراهيم وعكرمة أن وقعا معاً أكلهما وإن مشى بعد قطع العضو
أكله ولم يأكل العضو (والرواية الثانية) لا يباح ما بان منه وهو مذهب
أبي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبين من حي فهو ميت "
ولأن هذه البينونة لا تمنع بقاء الحيوان في العادة فلم يبح أكل البائن
كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة والأولى المشهورة لأن ما كان
ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي أن
يكون الباقي حياً حتى يكون المنفصل منه ميتاً وكذا نقول قال فإن بقي
معلقا بجلده حل رواية واحدة ذكره أبو الخطاب لأنه لم يبن
(11/21)
(فصل) قال أحمد ثنا هشيم عن منصور عن الحسن
أنه كان لا يرى بالطريدة بأساً كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم
واستحسنه أبو عبد الله قال والطريدة الصيد يقع بين القوم فيقطع ذامنه
بسيفه قطعة ويقطع الآخر أيضاً حتى يؤتى عليه وهو حي قال وليس هو عندي
إلا أن الصيد يقع بينهم
لا يقدرون على ذكاته فيقطعونه قطعاً * (مسألة) * (وإن أخذ قطعة من حوت
وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه) لأن أقصى ما فيه أنه ميت وميتته حلال لقوله
عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " * (مسألة)
* (وأما ما ليس بمحدد كالبندق والعصي والحجر والشبكة والفخ فلا يباح ما
قتل به) لأنه وقيذ أما ما قتلته الشبكة والحبل فهو محرم لا نعلم فيه
خلافا إلا عن الحسن أنه مباح إذا قتله الحبل إذا سمى فدخل فيه وجرحه
وهذا قول شاذ يخالف عوام أهل العلم ولأنه قتل بما ليس له حد أشبه ما
قتله بالبندق (فصل) فأما ما قتل البندق والحجر الذي لا حد له فلا يؤكل
وهذا قول عامة الفقهاء فأما الحجر المحدد كالصوان فهو كالمعراض إن قتل
بحده ابيح وان قتل بعضره أو ثقله فهو وقيذ لا يباح قال
(11/22)
ابن عمر في المقتولة بالبندق: تلك الموقوذة
وكره ذلك سالم والقاسم ومجاهد وعطاء والحسن وابراهيم ومالك والثوري
والشافعي وأبو ثور.
ورخص فيما قتل بها ابن المسيب أيضاً وعمار وعبد الرحمن ابن أبي ليلى
ولنا قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - والموقوذة) وروى سعيد
بإسناده عن إبراهيم عن عدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت " وقال عمر رضي الله عنه ليتق أحدكم
أن يحذف الأرنب بالعصا والحجر ثم قال ولتذك لكم الأسل الرماح والنبل.
إذا ثبت هذا فسواء شدخه أو لم يشدخه حتى لو رماه ببندقة فقطعت حلقوم
طائر ومريئه أو أطارت راسه لم يحل ومثله لو فعل ذلك بحجر غير محدد
(فصل) أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي إذا لم يذكه من هو من أهل
الذكاة الا مالا ذكاة له كالسمك والجراد، إلا أن مالكا والليث وأبا ثور
شذوا عن الجماعة وأفرطوا، فأما مالك والليث فقالا لا نرى يؤكل الجراد
إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك، وأبا ثور أباح صيده لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وهذا قول يخالف
الإجماع فلا عبرة به والحديث إنما أريد به قبول الجزية منهم لا تحليل
ذبائحهم ونسائهم لمخالفته الإجماع
(11/23)
(النوع الثاني) الجارحة فيباح ما قتلته إن
كانت معلمة إلا الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده، ولا خلاف في اعتبار
شرط التعليم في الجارحة لقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين
تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) فأما الكلب الأسود
البهيم فلا يباح صيده، والبهيم الذي لا يخالط لونه لون سواه قال أحمد
الذي ليس فيه بياض قال ثعلب وإبراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون آخر
فهو بهيم قيل لهما من كل لون؟ قال نعم، وممن كره صيده الحسن والنخعي
وقتادة واسحاق قال احمد ما أعرف أحدا يرخص فيه يعني من السلف واباح
صيده أبو حنيفة ومالك والشافعي لعموم الآية والخبر والقياس على غيره من
الكلاب ولنا أنه كلب محرم اقتناؤه فلم يبح صيده كغير المعلم ودليل
تحريم اقتنائه قول النبي صلى الله عليه وسلم " فاقتلوا منها كل أسود
بهيم " رواه سعيد وغيره وروى مسلم في صحيحه باسناده عن عبد الله بن
المغفل قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى عن
قتلها فقال " عليكم بالأسود البهيم ذي النكتتين فإنه شيطان " فأمر
بقتله وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فلم يبح صيده كغير المعلم ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطاناً ولا يجوز اقتناء الشيطان،
واباحة الصيد المقتول رخصة فلا تستباح بمحرم
(11/24)
كسائر الرخص والعمومات مخصوصة بما ذكرناه،
وإن كان فيه نكتتان فوق عينيه لم يخرج بذلك عن كونه بهيماً لما ذكرنا
من الخبر * (مسألة) * (والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد
فتعليمه بثلاثة أشياء، أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أرسل لم
يأكل) * (مسألة) * (ولا يعتبر تكرر ذلك منه) هذا قول الشريف أبي جعفر
وأبي الخطاب بل يحصل ذلك بالمرة لأنه تعلم صنعة فلا يعتبر فيه التكرار
كسائر الصنائع، وقال القاضي يعتبر تكرار ذلك منه مرة بعد أخرى حتى يصير
معلماً في العرف وأقل ذلك ثلاث وهو قول أبي يوسف ومحمد ولم يقدر أصحاب
الشافعي عدد المرات لأن التقدير بالتوقيف ولا توقيف في هذا بل قدره بما
يصير به في العرف معلماً، وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا
تكرر مرتين صار معلما لأن التكرار يحصل بمرتين وإنما اشترطنا التكرار
لأن تركه للأكل يحتمل أن يكون لشبع ويحتمل أن يكون لتعليم فلا يتميز
ذلك إلا بالتكرار وما اعتبر فيه التكرار
(11/25)
اعتبر ثلاثا كالمسح في الاستحمار والإقرار
والشهود في العدة والغسلات في الوضوء.
ويفارق الصنائع فإنه لا يتمكن من فعلها إلا من تعلمها فإذا فعلها علم
أنه تعلمها وعرفها، وترك الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره فيوجد من
الصنفين جميعا فلا يتميز به أحدهما من الآخر حتى يتكرر (فصل) قد ذكرنا
أن ترك الاكل شرط لكون الجارح المذكور معلماً وحكي عن ربيعة ومالك أنه
لا يشترط ترك الأكل لما روى أبو ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل " ذكره
الإمام أحمد ورواه أبو داود ولنا أن العادة في المعلم ترك الأكل فاعتبر
شرطا كالانزجار إذا زجر وحديث أبي ثعلبة معارض بما روى عدي بن حاتم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن
يكون إنما أمسك على نفسه " وهذا أولى بالتقديم لأنه أصح وهو متفق عليه
ولأنه متضمن للزيادة وهو ذكر الحكم معللا ثم أن حديث أبي ثعلبة محمول
على جارحة ثبت تعليمها لقوله " إذا أرسلت كلبك المعلم " ولا يثبت
التعليم حتى يترك الأكل، إذا ثبت هذا فإن الانزجار بالزجر إنما يعتبر
قبل إرساله على الصيد أو رؤيته أما بعد ذلك فإنه لا يعتبر الانزجار
بحال قال شيخنا ولا أحسب هذه الخصال تعتبر في
(11/26)
غير الكلب فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه
وينزجر إذا زجره والفهد لا يكاد يجيب داعياً وإن عد متعلماً فيكون
التعليم في حقه ترك الأكل خاصة أو بما يعده به أهل العرف معلما *
(مسألة) * (فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل
منه في إحدى الروايتين والأخرى يحل) أصح الروايتين أن ما أكل منه لا
يباح ويروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وبه قال عطاء وطاوس وعبيد بن
عمير والشعبي والنخعي وسويد بن عفلة وأبو بردة وسعيد بن جبير وعكرمة
والضحاك وقتادة واسحاق وأبو حنيفة وأصحابه (والثانية) يباح روى ذلك عن
سعد بن أبي وقاص وسلمان وأبي هريرة وابن عمر حكاه عنهم الإمام أحمد وبه
قال مالك وللشافعي قولان كالمذهبين واحتج من أباحه بعموم قوله تعالى
(فكلوا مما أمسكن عليكم) ولحديث أبي ثعلبة ولأنه صيد جارح معلم فأبيح
كما لو لم يأكل فإن الأكل يحتمل أن يكون لفرط جوع أو غيظ على الصيد
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم " إذا أرسلت
كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك " قلت وإن قتل؟ قال "
وإن قتل إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا
(11/27)
تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه
" متفق عليه ولأن ما كان شرطا في الصيد الأول كان شرطا في سائر صيوده
كالإرسال والتعليم فأما الآية فلا تتناول هذا الصيد لأنه قال (مما
أمسكن عليكم) وهذا إنما أمسك على نفسه وأما حديث أبي ثعلبة فقال أحمد
يختلفون عن هشيم فيه وحديثنا أصح لأنه متفق عليه وحديث عدي أضبط ولفظه
أبين لأنه ذكر الحكم والعلة، قال أحمد حديث الشعبي عن عدي من أصح ما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الشعبي يقول كان جاري وربيطي فحدثني
والعمل عليه ويحتمل أنه أكل منه بعد أن قتله وانصرف عنه (فصل) ولا يحرم
ما تقدم من صيده في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة يحرم لأنه لو
كان معلماً ما أكل ولنا عموم الآية والاخبار وانما خص ما أكل منه ففيما
عداه يجب العمل بالعموم ولأن اجتماع شروط التعليم حاصل فوجب الحكم به
ولهذا حكمنا بحل صيده فإذا وجد الأكل احتمل أن يكون لنسيان أو فرط جوع
فلا يترك ما ثبت يقيناً بالاحتمال
(11/28)
(فصل) ولا يحرم ما صاده الكلب بعد الصيد
الذي أكل منه ويحتمل كلام الخرقي أنه يخرج عن أن يكون معلماً فتعتبر له
شروط التعليم ابتداء والأول أولى لما ذكرنا في صيده قبل الأكل
(فصل) فإن شرب من دمه ولم يأكل منه لم يحرم نص عليه أحمد وبه قال عطاء
والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وكرهه الشعبي والثوري لأنه في
معنى الأكل ولنا عموم الآية والأخبار وإنما خرج منه ما أكل منه لحديث
عدي وهو قوله " فإن أكل منه فلا تأكل " وهذا لم يأكل ولأن الدم لا
يقصده الصائد منه ولا ينتفع به فلا يخرج بشربه عن أن يكون ممسكا على
صائده (فصل) وكل ما يقبل التعليم ويمكن الاصطياد به من سباع البهائم
كالفهد وجوارح الطير فحكمه حكم الكلب في إباحة صيده قال ابن عباس في
قوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) هي الكلاب المعلمة وكل طير
تعلم الصيد والفهود والصقور وأشباهها وبمعنى ذلك قال طاووس ويحيى ابن
أبي كثير والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي
وأبو ثور وحكي عن ابن عمر ومجاهد أنه لا يجوز الصيد إلا بالكلب لقول
الله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) يعني علمتم من الكلاب
(11/29)
ولنا ما روى عن عدي قال سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال " إذا أمسك عليك فكل " ولانه جارح
يصاد به عادة ويقبل التعليم فاشبه الكلب، فأما الآية فإن الجوارح
الكواسب قال الله تعالى (ويعلم ما جرحتم) أي كسبتم وفلان جارحة أهله أي
كاسبهم (مكلبين) من التكليب وهو الاغراء (النوع الثاني) ذو المخلب
كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل ويجيب إذا دعي ولا
يعتبر ترك الأكل، فعلى هذا يباح صيده وإن أكل منه وبهذا قال ابن عباس
وإليه ذهب النخعي وحماد والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ونص الشافعي على
أنه كالكلب في تحريم ما أكل منه من صيده، لأن مجالدا روى عن الشعبي عن
عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أكل الكلب والبازي
(11/30)
فلا تأكل " ولأنه جارح أكل مما صاده عقيب
قتله فأشبه سباع البهائم.
ولنا إجماع الصحابة فروي الخلاف بإسناده عن ابن عباس قال: إذا أكل
الكلب فلا تأكل
وإن أكل الصقر فكل لأنك تستطيع أن تضرب الكلب ولا تستطيع أن تضرب الصقر
وقد ذكرنا عن أربعة من الصحابة إباحة ما أكل منه الكلب وخالفهم ابن
عباس ووافقهم في الصقر ولم ينقل عن أحد في عصرهم خلافهم ولأن جوارح
الطير تعلم بالأكل ويتعذر تعليمها بترك الأكل فلم يقدح في تعليمها
بخلاف الكلب والفهد، وأما الخبر فلا يصح برواية مجالد وهو ضعيف قال
أحمد مجالد يضير القصة واحدة كم من أعجوبة لمجالد؟ والرواية الصحيحة
تخالفه، ولا يصح قياس الطير على السباع لما بينهما من الفرق وعلى هذا
كل ما أمكن تعليمه والاصطياد به من جوارح الطير كالبازي والصقر والعقاب
والباشق ونحوه حل صيدها على ما ذكرنا.
* (مسألة) * (ولابد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح) قال
الشريف وبه قال أكثرهم وقال ابن حامد يباح وهو قول للشافعي لعموم الآية
والخبر.
ولنا أنه قتله بغير جرح أشبه ما لو قتله بالحجر والبندق، ولأن الله
تعالى حرم الموقوذة وهذا
(11/31)
كذلك وهو يخص ما ذكروه، وقول النبي صلى
الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل " يدل على أنه
يباح ما لم ينهر الدم.
* (مسألة) * (وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين) [أحدهما] لا
يجب، لأن الله تعالى ورسوله أمرا بأكله ولم يأمرا بغسله [والثاني] يجب
لأن نجاسته قد ثبتت فيجب غسل ما أصابه كبوله.
* (فصل) * قال رحمه الله (الثالث أن يرسل الآلة قاصداً للصيد فإن
استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وإن زجره إلا أن يزيد عدوه
بزجره فيحل، وبهذا قال ربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي
وقال عطاء والاوزاعي يؤكل صيده إذا جرح الصيد، وقال إسحاق إذا
(11/32)
سمى عند انفلاته أبيح وروى بإسناده عن ابن
عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من مرابضها فتصيد الصيد قال إذا ذكر اسم
الله فكل قال إسحاق فهذا الذي اختار إذا لم يتعمد إرساله من غير اسم
الله عليه قال الخلال هذا قول أبي عبد الله.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل، ولأن
إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه فإن استرسل
بنفسه فسمى صاحبه وزجره فزاد عدوه بزجره أبيح صيده، وبه قال أبو حنيفة
وقال الشافعي لا يباح وعن مالك كالمذهبين.
ولنا أن زجره أثر في عدوه فصار كما لو أرسله، لأن فعل الآدمي إذا انضاف
إلى فعل البهيمة كان الاعتبار بفعل الإنسان بدليل أنه لو عدا على إنسان
فأغراه آدمي فاصابه ضمن الآدمي، وإن لم يزد عدوه بزجره لم يبح لأنه لم
يؤثر شيئاً فهو كما لو لم يزجره
(11/33)
(فصل) وإن أرسله بغير تسمية ثم سمى وزجره
فزاد عدوه فظاهر كلام أحمد أنه يباح فإنه قال إذا أرسل ثم سمى فانزجر
أو أرسل وسمى فالمعنى قريب من السواء وظاهر هذا الاباحة لأنه انزجر
بتسميته وزجره فأشبه التي قبلها، وقال القاضي لا يباح لأن الحكم يتعلق
بالإرسال الأول بخلاف ما إذا استرسل بنفسه ولأنه لا يتعلق به حظر ولا
إباحة.
* (مسألة) * (وإن أرسل كلبه إلى هدف فقتل صيداً أو أرسله يريد الصيد
ولا يرى صيداً لم يحل صيده إذا قتله) لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد وكذلك
أن قصد إنساناً أو حجراً أو رمى عيناً غير قاصد صيدا فقتله لم يحل لأنه
لم يقصد صيداً لكون القصد لا يتحقق إلا بعلمه، وبهذا قال الشافعي في
الكلب وقال الحسن ومعاوية بن قرة يأكله لعموم الآية والخبر ولأنه قصد
الصيد فحل له ما صاده كما لو رآه ولنا أن قصد الصيد شرط ولا يصح مع عدم
العلم فأشبه ما لو لم يقصد الصيد.
(11/34)
* (مسألة) * (فإن رمى حجراً يظنه صيداً
فأصاب صيداً لم يحل ويحتمل أن يحل ذكره أبو الخطاب) لأنه لم يقصد شيئاً
على الحقيقة ويحتمل أن يحل اختاره شيخنا لأنه قصد الصيد أشبه ما لو
رآه، ولأن صحة القصد تبنى على الظن وقد وجد وصح قصده فينبغي أن يحل
صيده، فأما إن شك هل هو
صيد أم لا؟ وغلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يبح، لأن صحة القصد تنبني على
العلم ولم يوجد ذلك.
(فصل) فان رأى سواداً أو سمع حساً فظنه آدمياً أو بهيمة أو حجراً فرماه
فقتله فإذا هو صيد لم يبح، وبهذا قال مالك ومحمد بن الحسن وقال أبو
حنيفة والشافعي يباح أن كان المرسل سهماً ولا يباح أن كان جارحاً واحتج
من أباحه بعموم الآية والخبر، ولأنه قصد الاصطياد وسمى فأشبه ما لو
علمه صيداً.
ولنا أنه لم يقصد فلم يبح كما لو رمى هدفاً فأصاب صيداً أو كما في
الجارح عند الشافعي وإن ظنه كلباً أو خنزيراً لم يبح لذلك وقال محمد بن
الحسن يباح لأنه مما يباح قتله، ولنا ما تقدم
(11/35)
* (مسألة) * (وإن رمى صيداً فقتل غيره أو
رمى صيداً فقتل جماعة حل) إذا رمى صيداً فأصابه هو وغيره حلا جميعاً
والجارح في هذا بمنزلة السهم.
نص أحمد على ذلك وبه قال الثوري وقتادة وأبو حنيفة والشافعي إلا أن
الشافعي قال إذا أرسل الكلب على صيد فأخذ آخر في طريقه حل وإن عدل عن
طريقه إليه ففيه وجهان، وإن أرسله على صيد فقتل غيره أبيح وقال مالك
إذا ارسل كلبه على صيد بعينه فأخذ غيره لم يبح لأنه لم يقصد صيده إلا
أن يرسله على صيود فتفرق عن صغار فإنها تباح إذا أخذها.
ولنا عموم قوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم) وقوله عليه السلام " إذا
أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك " وقوله عليه السلام
" كل ما ردت عليك قوسك " ولأنه أرسل آلة الصيد على صيد فحل ما صاده كما
لو أرسلها على كبار فتفرقت عن صغار فأخذها عند مالك أو كما لو أخذ
صيداً في طريقه عند الشافعي ولأنه لا يمكن تعليم الجارح اصطياد واحد
بعينه دون واحد فسقط اعتباره.
(11/36)
* (مسألة) * (وإن أرسل سهمه على صيد
فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل) لأنه قتل الحيوان بسهمه ورميه
فحل كما لو وقع سهمه في حجر فرده إلى الصيد فقتله
* (مسألة) * (وإن رمى صيداً فأثبته ملكه، فإن تحامل فأخذه غيره لزمه
رده كما يلزمه رد الشاة) * (مسألة) * (وإن لم يثبته فذخل خيمة إنسان
فأخذه فهو لآخذه) لأن الأول لم يملكه لكونه ممتنعا فملكه الثاني بأخذه،
ولو رمى طيراً على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي
دونهم لأنه ملكه بإزالة امتناعه.
* (مسألة) * (وإن وقع صيد في شبكة إنسان فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو
للثاني) أما إذا تعلق صيد في شرك إنسان أو شبكته ملكه لأنه أثبته بآلته
ذكره أصحابنا فإن أخذه إنسان لزمه رده عليه لأن آلته أثبتته فأشبه ما
لو أثبته بسهمه وإن لم تمسكه الشبكة بل انفلت منها في الحال أو
(11/37)
بعد حين لم يملكه لأنه لم يثبته وان أخذ
الشبكة وذهب بها فصاده إنسان ملكه ويرد الشبكة على صاحبها دون الصائد
لأنه لم يثبته، وإن كان يمشي بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فهو
لصاحبها لأنها أزالت امتناعه، فأما أن أمسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم
انفلت منه لم يزل ملكه عنه لأنه امتنع منه بعد ثبوت ملكه عليه فلم يرد
ملكه عنه.
كما لو شردت فرسه أو ند بعيره.
(فصل) فإن اصطاد صيداً فوجد عليه علامة مثل قلادة في عنقه أو في أذنه
قرطاً لم يملكه لأن الذي صاده ملكه فلا يزول ملكه بالانفلات، وكذلك إن
وجد طائراً مقصوص الجناح ويكون لقطة فإن قيل يحتمل أن الذي أمسكه أولاً
محرم لم يملكه أو أنه أرسله على سبيل التخلية وإزالة الملك عنه كالقاء
الشئ التافه قلنا أما الأول فنادر وهو مخالف للظاهر لأن ظاهر حال
المحرم أنه لا يصيد ما حرم الله تعالى عليه، وأما الثاني فخلاف الأصل
فإن الأصل بقاء ملكه عليه وما ذكروه محتمل فلا يزول الملك بالشك *
(مسألة) * (ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب
السفينة) وذلك لأن السمك من الصيد المباح فملك بالسبق إليه وهذه حصلت
في يد الذي هي في حجره
(11/38)
وحجره له ويده عليه دون صاحب السفينة ألم
تر أنهما لو تنازعا كيساً في حجره كان أحق به من صاحب السفينة؟ كذا
ههنا، فأما إن وقعت السمكة في السفينة فهي لصاحبها ذكره ابن أبي موسى
وهو مفهوم كلام الخرقي لأن السفينة ملكه ويده عليها فما حصل من المباح
فيها كان أحق به كحجره (فصل) فإن كانت السمكة وثبت بفعل إنسان لقصد
الصيد كالصياد الذي يجعل في السفينة ضوأ بالليل وبدق بشئ كالجرس ليثب
السمك في السفينة فهذا للصياد دون من وقع في حجره لأن الصائد أثبتها
بذلك فصار كمن رمى طائراً فألقاه في دار قوم وإن لم يقصد الصيد بهذا بل
حصل اتفاقاً كانت لمن وقعت في حجره * (مسألة) * (وإن صنع بركة ليصيد
بها السمك فما حصل فيها ملكه وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه) كما لو
توحل الصيد في ارضه وكذلك لو حصل في أرضه سمك من مد الماء، وإن عشش
فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه كما يجوز له أخذ الماء والكلأ) *
(مسألة) * (ويكره صيد السمك بالنجاسة) وهو أن يترك في الماء شئ نجس
كالعذرة والميتة وشبههما ليأكله السمك ليصيد به، كره أحمد
(11/39)
ذلك وقال هو حرام لابصادبه وإنما كره لما
يتضمن من أكل السمك للنجاسة فيشبه الجلالة وسواء في هذا ما يتفرق كالدم
ومالا يتفرق كقطعة من الميتة، وكره أحمد الصيد ببنات وردان وقال ان
مأواها الحشوش وكره الصيد بالضفادع وقال نهي عن قتل الضفدع * (مسألة) *
[ويكره صيد الطير بالشباش] وهو طير يخيط عينيه أو يربطه وكره أحمد
الصيد بالخراطيم وكل شئ فيه روح لما فيه من تعذيب الحيوان فإن صاده
فالصيد مباح ولم ير بأساً بالصيد بالشبكة والشرك وبالدبق الذي يمنع
الحيوان من الطيران وإن يطعم شيئاً إذا أكله سكر وأخذ * (مسألة) * [وإن
أرسل صيدا وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن يزول وهو لمن أخذه]
ظاهر المذهب أنه لا يزول ملكه عنه بالإرسال والإعتاق قاله أصحابنا كما
لو أرسل البعير والبقرة ويحتمل أن يزول الملك لأن الأصل الإباحة
والإرسال يرده إلى أصله ويفارق بهيمة الأنعام من وجهين [أحدهما] أن
الأصل ههنا الإباحة وبهيمة الأنعام بخلافه (الثاني) إن الإرسال ههنا
يفيد وهو
رد الصيد إلى الخلاص من أيدي الآدميين وحبسهم ولهذا روي عن أبي الدرداء
أنه اشترى عصفوراً من صبي فأرسله ولأنه يجب إرسال الصيد عل المحرم إذا
أحرم بخلاف بهيمة الأنعام فإن إرساله تضييع له وربما هلك إذا لم يكن له
من يقوم به * (فصل) * قال رضي الله عنه (الرابع التسمية عند إرسال
السهم أو الجارحة فقان تركها لم يبح سواء تركها عمداً أو سهواً في ظاهر
المذهب وعنه إن نسيها على السهم أبيح وإن نسيها على الجارحة لم يبح)
(11/40)
ظاهر المذهب أن التسمية شرط لإباحة الصيد
وإنها لا تسقط بالسهو وهو قول الشعبي وأبي ثور وداود وروى حنبل عن أحمد
أن التسمية تسقط بالنسيان قال الخلال سها أحمد في نقله، وممن أباح
متروك التسمية في النسيان دون العمد أبو حنيفة ومالك لقول النبي صلى
الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأن إرسال الجارحة
جرى مجرى التذكية فعفي عن النسيان فيه كالذكاة، وعن أحمد أن التسمية
تشترط على إرسال الكلب والعمد والنسيان بخلاف السهم فإن السهم آلة
خفيفة وليس له اختيار فهو بمنزلة السكين بخلاف الحيوان فإنه يفعل
باختياره وقال الشافعي يباح متروك التسمية عمداً وسهواً لأن البراء روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم
يسم " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أرأيت الرجل
منا يذبح وينسى أن يسمي الله؟ فقال " اسم الله في قلب كل مسلم " وقد
روي عن أحمد مثل ذلك ولنا قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه) وقال (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) وقال النبي
صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل " قلت أرسل
كلبي فأجد معه كلبا آخر؟ قال " لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم
تسم على الآخر " متفق عليه وفي لفظ " إذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله
عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل " وفي حديث أبي ثعلبة " وما صدت بقوسك
وذكرت اسم الله عليه فكل " وهذه نصوص صحيحة فلا يعرج على ما خالفها
وقوله " عفي لأمتي عن
(11/41)
الخطأ والنسيان يقتضي نفي الإثم لا جعل الشرط المعدوم كالموجود بدليل
ما لو نسي شرط الصلاة والفرق
بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يتسامح فيه بخلاف
الصيد وأحاديث أصحاب الشافعي لم يذكرها أصحاب السنن المشهورة وإن صحت
فهي في الذبيحة ولا يصح قياس الصيد على الذبيحة لما ذكرنا مع ما في
الصيد من النصوص الخاصة والله أعلم [فصل] إذا سمى الصائد على صيد فأصاب
غيره حل وإن سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاد به
لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي
يصيد بها بخلاف الذبيحة ويحتمل إن يباح قياساً على ما لو سمى على سكين
ثم ألقاها وأخذ غيرها وسقوط اعتبار تعيين الصيد لمشقته لا يقتضي اعتبار
تعيين الآلة فلا يعتبر.
|