الشرح الكبير على متن المقنع

كتاب الأطعمة * (والأصل فيها الحل) * لقول الله تعالى (وخلق لكم ما في الأرض جميعا) وقوله (ويحل لهم الطيبات) وقوله سبحانه (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * (مسألة) * (فيحل كل طعام طاهر لا مضرة به كالحبوب والثمار لانه من الطيبات) فأما النجاسات كالميتة والدم وغيرهما فحرام لأنها من الخبائث لقول الله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم) وقوله (ويحرم عليهم الخبائث) ويحرم ما فيه مضرة من السموم ونحوها لمضرتها وأذيتها لأنها تقضي إلى هلاك النفس وقد قال الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (مسألة) * (والحيوانات مباحة لعموم النص الدال على الإباحة إلا الحمر الأهلية) أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية قال أحمد خمسة وعشرون من أصحاب رسول الله

(11/64)


صلى الله عليه وسلم وكرهوها، قال ابن عبد البر لا خلاف بين أهل العلم اليوم في تحريمها، وحكي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان بظاهر قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) وتلاها ابن عباس وقال ما خلا هذا فهو حلال، وسئلت عائشة عن الفأرة فقالت ما هي بحرام وتلت هذه الآية، ولم ير عكرمة وأبو وائل بأكل لحم الخنزير بأساً، وروي عن غالب بن الحر قال أصابتنا سنة فقلت يا رسول الله أصابتنا سنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر وأنت حرمت لحوم الحمر الأهلية قال " أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي القرية "

(11/65)


ولنا ما روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه، قال ابن عبد البر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الحمر الأهلية علي وعبد الله ابن عمر وعبد الله بن عمر وجابر والبراء وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح حسان وحديث غالب بن الحر لا يعرج على مثله مع ما عارضه، ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق لكونها تأكل العذرات، قال عبد الله بن أبي أوفى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة من أجل أنها تأكل العذرة (فصل) وألبان الحمر محرمة في قول أكثرهم ورخص فيها عطاء وطاوس والزهري والأول أصح

(11/66)


* (مسألة) * (وما له ناب يفرس به كالاسد والتمر والذئب والفهد والكلب والخنزير وابن آوى والسنور وابن عرس والنمس والقرد إلا الضبع) ذكر شيخنا في هذه المسألة الخنزير ولأن له ناب يفرس به وهو محرم بالنص وقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) ولا خلاف في تحريمه بين أهل العلم، فأما ما سوى الخنزير مما ذكرنا فأكثر أهل العلم يرون تحريم كل ذي ناب قوي من السباع يعدو ويكسر إلا الضبع منهم مالك والشافعي - إلا أن الشافعي لا يحرم ابن عرس - وأبو ثور وأصحاب الحديث، وقال سعيد بن جبير
والشعبي وبعض أصحاب مالك هو مباح لعموم قوله (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما - إلى قوله إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير)

(11/67)


ولنا ما روى أبو ثعلبة الخشني قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع متفق عليه، وقال أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أكل كل ذي ناب من السباع حرام " قال ابن عبد البر هذا حديث ثابت صحيح مجمع على صحته وهو نص صريح يخص عموم الآيات فيدخل فيه الأسد والنمر والذئب والفهد والكلب، وقد روي عن الشعبي أنه سئل عن رجل يتداوى بلحم الكلب فقال لا شفاه الله وهذا يدل على أنه رأى تحريمه (فصل) والقرد محرم كرهه ابن عمر وعطاء والحسن ولم يجيزوا بيعه، قال ابن عبد البر لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين في أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه، وروي عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحم القرد ولأنه سبع له ناب فيدخل في عموم التحريم وهو مسخ أيضاً فيكون من الخبائث المحرمة

(11/68)


(فصل) وابن آوى وابن عرس والنمس حرام وسئل عن ابن آوى وابن عرس فقال كل شئ ينهش بأنيابه فهو من السباع وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي ابن عرس مباح لأنه ليس له ناب قوي فأشبه الضب ولأصحابه في ابن آوى وجهان ولنا أنها من السباع فتدخل في عموم النهي ولانها مستخبثة غير مستطابة فإن ابن آوى يشبه الكلب ورائحته كريهة فيدخل في عموم قوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) * (مسألة) * (وما له مخلب من الطير يصيد به كالبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة) هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك والليث والأوزاعي ويحيى بن سعيد لا يحرم من الطير شئ، قال مالك لم أر أحداً من أهل العلم يكره سباع الطير،

(11/69)


واحتجوا بعموم الآيات المبيحة وقول أبي الدرداء وابن عباس ما سكت الله عنه فهو مما عفي عنه
ولنا ما روى ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير رواهما أبو داود، وهذا يخص عموم الآيات ويقدم على ما ذكروه فيدخل في هذا كل ماله مخلب يعدو به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباشق والحدأة والبومة وأشباهها * (مسألة) * (وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع) قال عروة ومن يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقاً؟ والله ما هو من الطيبات ولعله أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور " فهذه الخمس محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتلها في الحرم، ولا يجوز قتل صيد

(11/70)


مأكول في الحرم لان ما يؤكل لا يجوز قتله إذا قدر عليه بل يذبح ويؤكل، وسئل أحمد عن العقعق فقال إن لم يكن يأكل الجيف فلا بأس به، قال أصحابنا هو يأكل الجيف فيكون على هذا محرماً (فصل) ويحرم الخطاف والخشاف والخفاش وهو الوطواط قال الشاعر: مثل النهار يزيد أبصار الورى * نوراً ويعمي أعين الخفاش قال أحمد ومن يأكل الخشاف؟ وسئل عن الخطاف فقال ما أدري، وقال النخعي كل الطير حلال إلا الخفاش، وإنما حرمت هذه لأنها مستخبثة لا تستطيبها العرب ولا تأكلها، ويحرم الزنابير واليعاسيب والنحل وأشباهها لأنها مستخبثة غير مستطابة * (مسألة) * (وما يستخبث كالقنفذ والفأر والحيات والحشرات كلها)

(11/71)


القنفذ حرام قال أبو هريرة هو حرام وكرهه مالك وأبو حنيفة ورخص فيه الشافعي والليث وأبو ثور ولنا ما روى عن أبي هريرة قال ذكر القنفذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " هو خبيثة من الخبائث " رواه أبو داود ولأنه يشبه المحرمات ويأكل الحشرات فأشبه الجرذ (فصل) وما استطابته العرب فهو حلال لقول الله تعالى (ويحل لهم الطيبات) يعني ما يستطيبونه وما استخبثته العرب فهو محرم لقول الله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والذين تعتبر استطابتهم
واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم، ولم يعتبر أهل البوادي لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال: ما دب ودرج إلا أم حبين قال لتهن أم حبين

(11/72)


العافية وما وجد في أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز فإن لم يشبهه شئ منها فهو مباح لدخوله في عموم قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما سكت الله عنه فهو مما عفي عنه " فعلى هذا من المستخبثات الحشرات كالديدان والجعلان وبنات وردان والخنافس والفأر والأوزاغ والحرباء والعضا والجراذين والعقارب والحيات وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ورخص مالك وابن أبي ليلى، والاوزاعي في ذلك كله إلا الأوزاغ فإن ابن عبد البر قال هو مجمع على تحريمه، وقال مالك الحية حلال إذا ذكيت واحتجوا بعموم الآية المبيحة، ولنا قول الله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " خمس فواسق يقتلن في

(11/73)


الحل والحرم العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور " وفي الحديث " الحية " مكان الفأرة ولو كانت من الصيد المباح لم يبح قتلها لأن الله تعالى قال (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقال سبحانه (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) ولأنها مستخبثة فحرمت كالاوزغ ومأمور بقلتها فأشبهت الوزغ (فصل) والسنور الأهلي محرم وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل الهر.
* (مسألة) * (وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع، والسمع ولدا الضبع من الذئب وقيل سمي العسبار، والعسبار ولد الذئب من الذيخ ذكره صاحب الصحاح)

(11/74)


البغال محرمة عند كل من حرم الحمار الأهلي لأنها متولدة منه والمتولد من شئ حكمه حكمه في
التحريم وهكذا أن تولد بين الوحشي والأنسي ولد فهو محرم تغليباً للتحريم، والسمع المتولد بين الذئب والضبع محرم وكذا العسبار ولد الذئبة من الذيخ قال قتادة ما البغل إلا شئ من الحمار، وعن جابر قال ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل * (مسألة) * (وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان) اختلفت الرواية عن احمد في الثعلب فأكثر الروايات عن أحمد تحريمه وهذا قول أبي هريرة ومالك وأبي حنيفة لأنه سبع فيدخل في عموم النهي، وروى عن أحمد رحمه الله إباحته اختاره

(11/75)


الشريف أبو جعفر ورخص فيه عطاء وقتادة وطاوس والليث وسفيان بن عيينة والشافعي لأنه يفدى في الحرم والإحرام، قال احمد وعطاء كل ما يودي إذا اصابه المحرم فانه يؤكل، واختلفت الرواية في سنور البر كاختلافها في الثعلب والقول فيه كالقول في الثعلب وللشافعي في سنور البر وجهان.
فأما الوبر فمباح وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر وأبو يوسف قال القاضي هو محرم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا ابا يوسف ولنا أنه يفدى في الإحرام والحرم وهو كالأرنب يأكل النبات والبقول وليس له ناب يفرس به ولا هو من المستخبثات فكان مباحاً كالأرنب ولأن الأصل الإباحة وعموم النص يقتضيها ولم يرد فيه تحريم فتجب إباحته.
فأما اليربوع فسئل أحمد عنه فرخص فيه وهذا قول عروة وعطاء الخراساني والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وفيه رواية أخرى أنه محرم وروي ذلك عن ابن سيرين والحكم وحماد وأصحاب الرأي لأنه يشبه الفأر

(11/76)


ولنا أن عمر رضي الله عنه حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة ما لم يرد فيه تحريم.
وأما السنجاب فقال القاضي هو محرم لأنه ينهش بنابه فأشبه الجرد، ويحتمل أنه مباح لأنه يشبه اليربوع ومتى تردد بين الإباحة والتحريم غلبت الإباحة لأنها الأصل وعموم النصوص يقتضيها (فصل) والفيل محرم قال أحمد ليس هو من أطعمة المسلمين وقال الحسن هو مسخ وكرهه أبو حنيفة
والشافعي ورخص الشعبي في أكله ولنا أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وهو من أعظمها نابا ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة

(11/77)


(فصل) فأما الدب فينظر فيه فإن كان ذا ناب يفرس به فهو محرم وإلا فهو مباح، قال أحمد إن لم يكن له ناب فلا بأس به وقال أصحاب أبي حنيفة هو سبع لأنه اشبه شئ بالسباع فلا يؤكل ولنا أن الأصل الإباحة ولم يتحقق وجود المحرم فيبقى على الأصل وشبهه بالسباع إنما يعتبر في وجود العلة المحرمة وهو كونه ذا ناب يصيد به ويفرس فإذا لم يوجد ذلك كان داخلا في عموم النصوص المبيحة * (مسألة) * (وما عدا هذا فمباح كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج) لعموم النصوص الدالة على الإباحة كبهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم قال الله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام) والخيل كلها عرابها وبراذينها، نص أحمد على ذلك وبه قال ابن سيرين وروي ذلك عن ابن الزبير والحسن وعطاء والأسود بن يزيد وبه قال حماد بن زيد والليث وابن المبارك

(11/78)


والشافعي وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير ما أكلت شيئاً أطيب من معرفة برذون، وحرمها أبو حنيفة وكرهها مالك والاوزاعي وابو عبيد لقول الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) وعن خالد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرام عليكم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها " ولأنه ذو حافر أشبه الحمار ولنا قول جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه، وقالت أسماء نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه ولأنه حيوان طاهر مستطاب ليس بذي ناب ولا مخلب فيحل كبهيمة الأنعام ولأنه داخل في عموم الآيات والأخبار المبيحة، وأما الآية فإنهم إنما يتعلقون بدليل خطابها وهم لا يقولون به، وحديث خالد ليس له إسناد جيد قاله أحمد قال وفيه رجلان لا يعرفان يرويه ثور عن رجل ليس

(11/79)


بمعروف فلا نترك أحاديثنا لمثل هذا الحديث المنكر، والدجاج مباح قال أبو موسى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج متفق عليه * (مسألة) * (والوحشي من البقر والظباء والحمر يباح) بقر الوحش على اختلاف أنواعها من الإبل والتيتل والوعل والمها وكذلك الظباء وحمر الوحش من الصيود كلها مباحة وتفدى في الاحرام وهذا كله مجمع عليه لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي طلحة بن مصرف أن الحمار الوحشي إذا أنس واعتلف فهو بمنزلة الأهلي، قال أحمد وما ظننت أنه روي في هذا شئ وليس الأمر عندي كما قال وأهل العلم على خلافه لأن الظباء إذا تأنست لم تحرم والأهلي إذا توحش لم يحل ولا يتغير منها شئ عن أصله وما كان عليه، قال عطاء في حمار الوحش

(11/80)


إذا تناسل في البيوت لا تزول عنه أسماء الوحش، فأما الزرافة فسئل أحمد عنها تؤكل؟ قال نعم وهي دابة تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه وأعلى منه ويداها أطول من رجليها وهي مباحة لعموم النصوص المبيحة ولأنها مستطابة ليس لها ناب ولا هي من المستخبثات أشبهت الإبل وحرمها أبو الخطاب والأول أصح لما ذكرنا، والنعامة مباحة وقد قضى فيها الصحابة رضي الله عنهم ببدنة إذا قتلها المحرم ولا نعلم في إباحتها خلافاً * (مسألة) * (والارنب مباحة) أكلها سعد بن أبي وقاص ورخص فيها أبو سعيد وعطاء وابن المسيب والليث ومالك والشافعي وأبا ثور وابن المنذر ولا نعلم قائلا بتحريمها إلا شيئاً روي عن عمرو بن العاص وقد صح عن أنس

(11/81)


أنه قال أنفجنا أرنباً فسعى القوم فلعبوا فأخذتها وجئت بها أبا طلحة فذبحها فبعث بوركها أو قال فخذها إلى النبي صلى الله عليه فقبله متفق عليه، وعن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد قال صدت أرنبين فذبحتهما بمروة فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما رواه أبو داود ولأنها حيوان مستطاب ليس بذي ناب فأشبه الضب
* (مسألة) * (وسائر الوحش لعموم النص والضبع والضب) رويت الرخصة في الضبع عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق، قال عروة ما زالت العرب تأكل الضبع لا ترى بأكلها بأساً، وقال أبو حنيفة والثوري ومالك هي

(11/82)


حرام وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب فإنها من السباع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وهي من السباع فتدخل في عموم النهي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضبع فقال " ومن يأكل الضبع؟ " ولنا ما روى جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع فقلت صيد هي؟ قال " نعم " احتج به أحمد، وفي لفظ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال " هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم " رواه أبو داود، وعن عبد الرحمن بن أبي عمار قال قلت لجابر الضبع أصيد هي؟ قال نعم، قلت أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال ابن عبد البر هذا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي

(11/83)


ناب من السباع لأنه أقوى منه قلنا هذا تخصيص لا معارض ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد، فأما الخبر الذي فيه " ومن يأكل الضبع؟ " فهو حديث طويل يرويه عبد الملك بن المخارق تفرد به وهو متروك الحديث، وقد قيل أن الضبع ليس لها ناب فعلى هذا لا تدخل في عموم النهي (فصل) والضب مباح في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو سعيد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سعيد كنا معشر أصحاب محمد لأن يهدى إلى أحد ناضب أحب إليه من دجاجة وقال عمر ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة ولوددت أن في كل جحر ضب ضبين وبهذا قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وقال الثوري وأبو حنيفة هو حرام لما روي

(11/84)


عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب وروي نحوه عن علي ولأنه ينهش فأشبه ابن عرس ولنا ما روى ابن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ قال " لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر متفق عليه قال ابن عباس ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب تقذرا وأكل على مائدته ولو كان حرما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضب ولكنه قذره ولو كان عندي لأكلته ولأن الاصل الحل ولم يوجد المحرم فبقي على الإباحة ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي ولا تحريم ولأن إباحته قول من سمينا من الصحابة رضي الله عنهم ولم يثبت عنهم خلافه فيكون إجماعاً * (مسألة) * (والزاغ مباح)

(11/85)


وبذلك قال الحكم وحماد ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه ويباح غراب الزرع وهو الأسود الكبير الذي يأكل الزرع ويطير مع الزاغ لأن مرعاهما الزرع والحبوب فأشبها الحجل وسائر الطير كالحمام وأنواعه من الفواخت والجوازل والرقاطي والدباسي والعصافير والقنابر والقطا والحبارى والحجل لما روى سفينة قال أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حباري رواه أبو داود، والكركي والكروان والبط والأوز وما أشبهه مما يلتقط الحب أو يفدى في الاحرام مباح لأنه مستطاب ويفدى في حق المحرم فكان مباحاً كبقية ما يفدى وكذلك الغرانيق والطواويس وطير الماء كله وأشباه ذلك لا نعلم فيه خلافاً

(11/86)


(فصل) واختلفت الرواية عن أحمد في الهدهد والصرد فعنه أنهما حلال لأنهما ليسا من ذوات المخلب ولا مستخبثات وعنه تحريمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الهدهد والصرد والنملة والنحلة وكل ما كان لا يصيد بمخلبه ولا يأكل الجيف ولا يستخبث فهو حلال * (مسألة) * (وجميع حيوان البحر مباح لقول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر طعامه متاعا لكم)
إلا الضفدع والحية والتمساح وقال ابن حامد إلا الكوسج) كل صيد البحر مباح إلا الضفدع وهذا قول الشافعي وقال الشعبي لو أكل أهلي الضفادع لأطعمتهم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع رواه النسائي فيدل على تحريمه ولأنها

(11/87)


مستخبثة، وكذلك الحية وقد ذكرنا الخلاف فيها، فأما التمساح فقال ابن حامد لا يؤكل التمساح ولا الكوسج لأنهما يأكلان الناس وذكر ابن أبي موسى في التمساح رواية أنه مكروه غير محرم للآية وروي عن إبراهيم النخعي أو غيره أنهم كانوا يكرهون سباع البحر كما يكرهون سباع البر وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وقال أبو علي النجاد لا يباح من البحري ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وانسانه وهو قول الليث إلا في كلب الماء فإنه يرى إباحة كلب البر والبحر وقال أبو حنيفة لا يباح إلا السمك وقال مالك كل ما في البحر مباح لعموم قوله سبحانه (أحل لكم صيد البحر وطعامه) (فصل) وكلب الماء مباح وركب الحسن بن علي سرجا عليه جلد من جلود كلاب الماء

(11/88)


وهذا قول مالك والشافعي والليث ويقتضيه قول الشعبي والاوزاعي ولا يباح عند أبي حنيفة وهو قول أبي علي النجاد وبعض أصحاب الشافعي ولنا عموم الآية والخبر قال عبد الله سألت أبي عن كلب الماء فقال ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عمر وبن دينار وأبي الزبير سمعا شريحاً رجلا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم يقول " كل شئ في البحر فهو مذبوح " فذكرت ذلك لعطاء فقال أما الطير فنذبحه وقال أبو عبد الله كلب الماء نذبحه (فصل) قال أحمد لا أكره الجري وكيف لنا بجري ورخص فيه علي والحسن ومالك والشافعي

(11/89)


وأبو ثور وأصحاب الرأي وسائر أهل العلم وقال ابن عباس الجري لا نأكله ورافقهم الرافضة ومخالفتهم صواب
(فصل) وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة وبيضها ولبنها وعنه يكره ولا يحرم قال أحمد أكره لحوم الجلالة وألبانها قال القاضي هي التي تأكل العذرة فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها وفي بيضها روايتان وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم أكلها ولا لبنها قال شيخنا وتحديد الجلالة بكون أكثر علفها النجاسة لم نسمعه عن أحمد ولا هو ظاهر كلامه لكن يمكن تحديده بأن يكون كثيراً في مأكولها ويعفى عن اليسير وقال الليث انما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها إلا الرجيع وما أشبهه وقال ابن أبي موسى في الجلالة روايتان

(11/90)


(إحداهما) هي محرمة (والثانية) هي مكروهة غير محرمة وهذا قول الشافعي وكره أبو حنيفة لحومها والعمل عليها حتى تحبس ورخص العمل في لحومها وألبانها لأن الحيوان لا ينجس بأكل النجاسات بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يكون ظاهره نجساً ولو نجس لما طهر بالإسلام ولا الاغتسال ولو تنجست الجلالة لما طهرت بالحبس ولنا ما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها، رواه أبو داود وروي عبد الله بن عمرو بن العاص قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة رواه الخلال بإسناده

(11/91)


ولأن لحمها يتولد من النجاسة فيكون نجساً كرماد النجاسة وأما شارب الخمر فليس ذلك أكثر غذائه وإنما يتغذى الطاهرات وكذلك الكافر في الغالب * (مسألة) * (حتى تحبس وتزول الكراة بحبسها اتفاقا) واختلف في قدره فروي أنها تحبس ثلاثا سواء كانت طائراً أو بهيمة وكان ابن عمر إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا وهذا قول أبي ثور لأن ما طهر حيوانا يطهر الآخر كالذي نجس ظاهره، والأخرى تحبس الدجاجة ثلاثا والبعير والبقرة ونحوهما يحبس أربعين يوماً وهذا قول عطاء في الناقة والبقرة لحديث عبد الله ابن عمر ولأنهما أعظم جسماً وبقاء علفهما فيهما أكثر من بقائه في الدجاجة والحيوان الصغير وعنه
تحبس الشاة سبعا لأنها أكبر من الطائر ودون البعير والبقرة، ويكره ركوب الجلالة وهو قول عمر

(11/92)


وابنه وأصحاب الرأي لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوبها ولأنها ربما عرقت فتلوث بعرقها * (مسألة) (وما يسقى بالماء النجس من الزرع والثمار محرم وكذلك ما سمد به وقال ابن عقيل يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم ولا يحكم بتنجيسها) لأن النجاسة تستحيل في بطنها فتطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان لحما ويصير لبناً وهذا قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة والشافعي وكان سعد بن أبي وقاص يدمل أرضه بالعرة ويقول مكيل عرة مكيل بر والعرة عذرة الناس ولنا ما روى ابن عباس قال كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس ولأنها تتغذى بالنجاسات وتسري فيها أجزاؤها والاستحالة لا تطهر فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطاهرات كالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات

(11/93)


* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا فله أن يأكل منه ما يسد رمقه وهل له الشبع؟ على روايتين) أجمع العلماء على تحريم الميتة والخنزير حالة الاختيار وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار وكذلك سائر المحرمات والأصل في ذلك قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) وقوله (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) ويباح له أكل ما يسد رمقه ويأمن معه الموت بالإجماع ويحرم ما زاد على الشبع بالإجماع أيضاً وفي الشبع روايتان

(11/94)


(إحداهما) لا يباح وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وأحد القولين للشافعي قال الحسن يأكل قدر ما يقيمه لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثني ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة
لم يحل له الأكل كحالة الابتداء ولأنه بعد سد الرمق غير مضطر ولم يبح له الأكل كذا ههنا (والثانية) أبيح له النشبع اختارها أبو بكر لما روى جابر ابن سمرة أن رجلاً نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال " هل عندك غنى يغنيك؟ " قال لا قال " فكلوها " ولم يفرق رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح ويحتمل أن يفرق بينما إذا كانت الضرورة مستمرة وبينما إذا كانت مرجوة الزوال فما كانت مستمرة كحال الإعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جز الشبع لأنه إذا

(11/95)


اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قريب ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه وربما أدى ذلك إلى تلفه بخلاف التي ليست مستمرة فإنه يرجى الغنى فيها بما يحل له.
إذ ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل قال أحمد إذا كان يخشى على نفسه سواء كان من جوع أو يخاف أن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك ولا يتقيد ذلك بزمن محصور (فصل) وهل يجب الأكل من الميتة أو غيرها من الحرمات على المضطر؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب وهو قول مسروق وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي قال الأثرم سئل أبو عبد الله

(11/96)


عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل فذكر مسروق من اضطر فلم يأكل ولم يشرب فمات.
دخل النار وهذا اختيار ابن حامد لقول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وترك الأكل مع إمكانه في هذه الحال القاء بيده إلى التهلكة وقال الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله له فلزمه كما لو كان معه طعام حلال (والثاني) لا يلزمه لما روي عن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمراً ممزوجاً بماء ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام فلم يأكل ولم يشرب حتى مال راسه من الجوع والعطش وخشوا موته فاخرجوه فال قد كان الله أحله لي لأنني مضطر
ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام، ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص ولأن له غرضاً في اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة وربما لم تطلب نفسه تناول الميتة وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه (فصل) وتباح المحرمات عند الاضطرار في الحضر والسفر جميعا لأن الآية مطلقة غير مقيدة بإحدى الحالتين وقوله سبحانه (فمن اضطر) لفظ عام في كل مضطر ولأن الاضطرار يكون في الحضر

(11/97)


في سنة المجاعة وسبب الإباحة الحاجة إلى حفظ النفس عن الهلاك لكون هذه المصلحة أعظم من مصلحة اجتناب النجاسات والصيانة عن تناول المستخبثات وهذا المعنى عام في الحالين وظاهر كلام أحمد أن الميتة لا تحل لمن يقدر على دفع ضرورته بالمسألة وروى عن أحمد أنه قال أكل الميتة إنما يكون في السفر يعني أنه في الحضر يمكنه السؤال وهذا عن أحمد خرج مخرج الغالب فإن الغالب أن الحضر يوجد فيه الطعام الحلال ويمكن دفع الضرورة بالسؤال ولكن الضرورة امر معبر بوجود حقيقته لا يكتفى فيه بالمظنة بل متى وجدت الضرورة أباحت سواء وجدت المظنة أو لم توجد ومتى انتفت لم يبح الأكل لوجود مظنتها بحال (فصل) قال أصحابنا ليس للمضطر في سفر المعصية الأكل من الميتة كقاطع الطريق والآبق

(11/98)


القول الله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) قال مجاهد (غير باغ) على المسلمين (ولا عاد) عليهم وقال سعيد بن جبير إذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له فإن تاب وأقلع عن معصيته حل له الأكل (فصل) وهل للمضطر التزود من الميتة، على روايتين (أصحهما) له ذلك وهو قول مالك لأنه لا ضرر في استصحابها ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ولا يأكل منها إلا عند ضرورته (والثانية) لا يجوز لأنه توسع فيما لم يبح إلا للضرورة فإن استصحبها فلقيه مضطر لم يجز له بيعه إياه لأنه إنما يبح له منها ما يدفع به الضرورة ولا ضرورة إلى البيع لأنه لا يملكه ويلزمه إعطاء الآخر بعير عوض

(11/99)


إذا لم يكن هو مضطرا في الحال إلى منعه لأن ضرورة الذي لقيه موجودة وحاملها يخاف الضرر في ثاني الحال * (مسألة) * (وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه وميتة أو صيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل الميتة) ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة وكقول أصحابنا قال سعيد بن المسيب وزيد بن اسلم، وقال مالك إن كانوا يصدقونه أنه مضطر أكل من الزرع والثمرة وشرب اللبن وإن خاف أن تقطع يده أو لا يقبل منه أكل الميتة، ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) يأكل الطعام وهو قول عبد الله بن ينار لأنه قادر على الطعام الحلال فلم يجز له أكل الميتة كما لو بذل له صاحبه ولنا أن أكل الميتة منصوص عليه ومال الآدمي مجتهد فيه فكان العدول إلى المنصوص

(11/100)


عليه أولى لأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والمساهلة وحق الآدمي مبني على الشح والضيق ولأن حق الآدمي تلزمه غرامته وحق الله تعالى لا عوض له ويحتمل أن يحل له أكل الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة لأنه قادر على الطعام الحلال فأشبه ما لو بذله له صاحبه (فصل) واذا وجد المضطر من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع من الأكل والشرب ولا العدول إلى الميتة إلا أن يخاف أن يسمه فيه أو يكون الطعام الذي يطعمه مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه (فصل) وإن وجد طعاما مع مالكه وامتنع من بذله أو بيعه منه ووجد ثمنه لم يجز له مكابرته عليه وأخذه منه وعدل إلى الميتة سواء كان قوياً يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف فإن بذله بثمن مثله وقدر على الثمن لم يحل له أكل الميتة لأنه قادر على طعام حلال، وإن بذله بزيادة على ثمن المثل لا تجحف بماله لزمه شراؤه أيضاً

(11/101)


لما ذكرناه وإن كان عاجزاً عن الثمن فهو في حكم العادم وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك لم يلزمه أكثر من ثمن مثله لأن الزيادة احوج إلى بذلها بغير حق فلم يلزم كالمكره (فصل) وإن وجد المحرم ميتة وصيداً أكل الميتة وبه قال الحسن ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي في واحد قوليه يأكل الصيد ويفديه وهو قول الشعبي لأن الضرورة تبيحه ومع القدرة
عليه لا تحل الميتة لعناه عنها قال شيخنا ويحتمل أن يحل أكل الصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة ووجه الأول أن اباحة المية منصوص عليها واباحة الصيد مجتهد فيها وتقديم المنصوص عليه أولى فان لم يجد ميتة ذبح الصيد واكله نص عليه أحمد لانه مضطر إليه عيناً، وقد قيل إن في الصيد تحريمات ثلاثا تحريم قتله وتحريم أكله وتحريم الميتة لأن ما ذبحه المحرم من الصيد يكون ميتة فقد ساوى الميتة في هذا وفضل هذا بتحريم القتل

(11/102)


والأكل لكن يقال على هذا أن الشارع إذا أباح له أكله لم يصر ميتة ولذا لو لم يجد الميتة فذبحه كان ذكياً طاهراً وليس بنجس ولا ميتة ولهذا يتعين عليه ذبحه في محل الذبح وتعتبر شروط الذكاة فيه ولا يجوز قتله ولو كان ميتة لم يتعين ذلك عليه (فصل) إذا ذبح المحرم الصيد عند الضرورة جاز له أن يشبع منه لأنه لحم ذكي ولا حق فيه لآدمي سواه فأبيح له الشبع منه كما لو ذبحه حلال لا من أجله (فصل) فإن لم يجد المضطر شيئاً لم يبح له بعض أعضائه، وقال بعض أصحاب الشافعي له ذلك لأن له أن يحفظ الجملة بقطع عضو كما لو وقعت فيه الأكلة.
ولنا أن أكله من نفسه ربما قتله فيكون قاتلاً لنفسه ولا يتيقن حصول البقاء بأكله، أما قطع الأكلة فإنه يخاف الهلاك بذلك فابيح له إبعاده ودفع الضرر المتوجه منه بتركه كما أبيح قتل الصائل عليه ولم يبح له قتله ليأكله.

(11/103)


* (مسألة) * (فإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحبه مضطراً إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله فإن أبى فللمضطر أخذه قهراً ويعطيه قيمته فإن منعه فله قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف الروايتين، فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه وإن قتل المضطر فعليه ضمانه) .
وجملة ذلك أنه إذا اضطر إلى طعام فان لم يجد إلا طعاماً لغيره فإن كان صاحبه مضطراً إليه فهو أحق به ولا يجوز لأحد أخذه منه لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة وإن أخذه منه أحد فمات فعليه ضمانه لأنه قتله بغير حق، وإن لم يكن صاحبه مضطراً إليه لزمه بذله
للمضطر لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما يلزمه بذل منافعه في إنجائه من الغرق والحرق فإن لم يفعل فللمضطر أخذه منه لأنه يستحقه دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله فإن

(11/104)


احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه على ما يسد رمقه لأنه الذي اضطر إليه وعنه له قتاله على قدر الشبع والاول أولى وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد أنه لا يجوز قتاله على شئ منه كما ذكر في دفع الصائل فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه وإن آل أخذه إلى قتل صاحبه فهو هدر لأنه ظالم بقتاله فأشبه الصائل الا ان يمكن أخذه بشراء أو استرضاء فليس له المقاتلة عليه لإمكان الوصول إليه دونها، فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمنه لم يلزمه إلا ثمن مثله وقد ذكرناه ويلزمه عوضه في كل موضع أخذه فإن لم يكن معه في الحال لزمه في ذمته ولا يباح للمضطر من مال أخيه إلا ما يباح من الميتة، قال أبو هريرة قلنا يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال " يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل "

(11/105)


* (مسألة) * (فإن لم يجد إلا آدمياً مباح الدم كالمرتد والزاني المحصن حل له قتله وأكله) .
وجملة ذلك أن المضطر إذا لم يجد إلا آدمياً محقون الدم لم يبح له قتله إجماعاً ولا إتلاف عضو منه مسلماً كان أو كافراً لأنه مثله فلا يجوز أن يقي نفسه باتلاقه وهذا لا خلاف فيه، وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي أن له قتله وأكله، لأن قتله مباح وهكذا قال أصحاب الشافعي لأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع وإن وجده ميتاً أبيح أكله لأن أكله مباح قبله فكذلك بعد موته وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله في قول أكثر الأصحاب وقال الشافعي وبعض الحنفية يباح قال شيخنا وهو أولى، لأن حرمة الحي أعظم قال أبو بكر بن داود أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء واحتج أصحابنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسره وهو حي " واختار أبو الخطاب أن له أكله وقال لا حجة في الحديث ههنا لأن الأكل من اللحم لا من العظم والمراد من الحديث التشبيه

(11/106)


في أصل الحرمة لا بمقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ووجوب صيانة الحي بما لا تجب به صيانة الميت.
(فصل) وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقاً كثيراً وكان عند بعض الناس قدر كفايته من غير فضلة لم يلزمه بذل ما معه للمضطرين ولم يفرق أصحابنا بين هذه الحال وبين كونه لا يتضرر بدفع ما معه إليهم في أن ذلك واجب عليه لكونه غير مضطر في الحال والآخر مضطر فوجب تقديم حاجة المضطر.
ولنا أن هذا مفض به إلى هلاك نفسه وعياله فلم يلزمه كما لو أمكنه انجاء الغريق بتغريق نفسه وليس في بذله القاء بيده إلى التهلكة وقد نهى عزوجل عن ذلك وهذا اختيار شيخنا رحمه الله

(11/107)


(فصل) والترياق محرم وهو دواء يعالج به من السم يجعل فيه لحوم الحيات ويعجن بالخمر لا يحل أكله ولا شربه لأن الخمر ولحوم الحيات حرام، وممن كرهه الحسن وابن سيرين ورخص فيه الشعبي ومالك ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحته التداوي ببعض المحرمات.
ولنا أن لحم الحية حرام على ما ذكرنا فيما مضى وكذلك الخمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ".
(فصل) ولا يجوز التداوي بشئ محرم ولا بشئ فيه محرم مثل ألبان الأتن ولحم شئ من المحرمات ولا شرب الخمر للتداوي لما ذكرنا من الخبر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء فقال " إنه ليس بدواء ولكنه داء "

(11/108)


(فصل) (ومن مر بثمرة في شجر لا حائط عليه ولا ناظر فله أن يأكل ولا يحمل وعنه لا يحل ذلك إلا لحاجة) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أنه قال إذا لم يكن عليها حافظ أكل إذا كان جائعاً وإذا لم يكن جائعاً فلا يأكل وقال قد فعله غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا كان عليه حائط لم يأكل لأنه قد صار شبه الحريم وقال في موضع إنما الرخصة للمسافر
إلا أنه لم يعتبر ههنا الاضطرار لأن الاضطرار يبيح ما وراء الحائط، ورويت عنه الرخصة في الأكل من غير المحفوظ مطلقاً من غير إعتبار رجوع ولا غيره وهذا المشهور في المذهب لما روي عن أبي زينب التيمي قال سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي برزة فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وهو قول عمر وابن عباس وأبي برزة قال عمر يأكل ولا يتخذ خبنة، وروى عن أحمد أنه قال يأكل مما تحت الشجر فإذا لم يكن تحت الشجر فلا

(11/109)


يأكل ثمار الناس وهو غني عنه ولا يضرب بحجر ولا يرمي لأن هذا يفسد وروي عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا نافع لم ترمي نخلهم؟ " فقلت يا رسول الله الجوع قال " لا ترم وكل ما وقع أشبعك الله وأرواك "، أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، وقال أكثر الفقهاء لا يباح الأكل إلا في الضرورة لما روى العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم " رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا " متفق عليه.

(11/110)


ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال " ما أصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شئ عليه ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه والعقوبة " وقال الترمذي هذا حديث حسن وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاثاً فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفيد " وروى سعيد بإسناده عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولأنه قول من سمينا من الصحابة من غير مخالف فكان اجماعا، فإن قيل فقد أبي سعد أن يأكل قلنا امتناع سعد من أكله ليس مخالفاً لهم فإن الانسان قد يترك المباح غنى عنه أو تورعا او تقذراً
كترك النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب فأما أحاديثهم فهي مخصوصة بما رواه من الحديث

(11/111)


والاجماع فإن كانت محوطة لم يجز الدخول اليها لقول ابن عباس أن كان عليها حائط فهي حريم فلا تأكل، وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس، ولأن إحرازه بالحائط يدل على شح صاحبه به وعدم المسامحة، قال بعض أصحابنا إذا كان عليه ناطور فهو كالمحوط في أنه لا يدخل اليه ولا يأكل منه إلا في الضرورة.
* (مسألة) * (وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في الزرع فروي عنه أنه قال: لا يأكل انما رخص في الثمار ليس الزرع،

(11/112)


وقال ما سمعنا في الزرع أن يمس منه وجهه أن الثمار خلقها الله تعلى للأكل رطبة والنفوس تتوق اليها والزرع بخلافها.
(والثانية) قال يأكل من الفريك لأن العادة جارية بأكله رطباً أشبه الثمر، وكذلك الحكم في الباقلا والحمص وشبهه مما يؤكل رطباً، فأما الشعير وما لم تجر العادة بأكله فلا يجوز الأكل منه والأولى في الثمار وغيرها أن لا يأكل منها إلا باذن لما فيها من الخلاف والأخبار الدالة على التحريم.
وكذلك روي عن أحمد رحمه الله في حلب لبن الماشية روايتان (إحداهما) يجوز له أن يحلب ويشرب ولا يحمل لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتى أحدكم

(11/113)


على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن فليحلب وليشرب ولا يحمل " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم وهو قول إسحاق (والرواية الثانية) لا يجوز له أن يحلب ولا يشرب لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحلبن أحد ماشية أحد الا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته وتكسر خزانته وينقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية احد الا بإذنه " وفي لفظ " فإن ما في ضروع مواشيهم مثل ما في مشاربهم " متفق عليه
(فصل) قال أحمد أكره أكل الطين ولا يصح فيه حديث الا أنه يضر بالبدن يقال أنه ردي وتركه خير من أكله وانما كرهه أحمد من أجل مضرته فإن كان منه ما يتداوى به كالطين الأرمني

(11/114)


فلا يكره وإن كان مما لا مضره فيه ولا نفع كالشئ اليسير جاز أكله لأن الأصل الإباحة والمعنى الذي لأجله كره منتف ههنا فلم يكره (فصل) ويكره أكل البصل والثوم والكراث والفجل وكل ذي رائحة كريهة من أجل رائحته سواء أراد دخول المسجد أو لم يرد لما روى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس " فان أكله لم يقرب المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا " وفي رواية " فلا يقربنا في مساجدنا " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وليس أكلها محرماً لما روى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليه بطعام

(11/115)


فلم يأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال " فيه الثوم " فقال يا رسول الله أحرام هو؟ قال " لا ولكني أكرهه من أجل ريحه " رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي " كل الثوم فلولا أن الملك يأتيني لأكلته " وإنما منع أكلها لئلا يؤذي الناس برائحته ولذلك نهى عن قربان المسجد فإن أتى المسجد كره له ذلك ولم يحرم لما روى المغيرة بن شعبة قال أكلت ثوماً وأتيت مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فلما قضى صلاته قال من " أكل من هذه

(11/116)


الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها " فجئت فقلت يا رسول الله لتعطني يدك قال فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر فقال " إن لك عذراً " رواه أبو داود وقد روي عن أحمد أنه يأثم لأن ظاهر النهي التحريم ولأن أذى المسلمين حرام وهذا فيه أذاهم (فصل) ويكره أكل الغذة وأذن القلب لما روي عن مجاهد قال كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الشاة ستاً وذكر هذين ولأن النفس تعافهما وتستخبثهما قال الشيخ ولا أظن أحمد كرههما إلا لذلك لا للخبر لأنه قال فيه حديث منكر ولان في الخبز ذكر الطحال وقد قال أحمد لا بأس به ولا أكره منه شيئاً (فصل) قيل لأبي عبد الله الجبن؟ قال يؤكل من كل وسئل عن الجبن الذي يصنعه المجوس قال

(11/117)


وما أدري إلا أن أصح حديث فيه حديث الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال سئل عمر عن الجبن وقيل له تعمل فيه الأنفحة الميتة فقال سموا أنتم وكلوا رواه أبو معاوية عن الأعمش وقال أليس الجبن الذي يأكله عامتهم يصنعه المجوس (فصل) ولا يجوز أن يشتري الجوز الذي يتقامر به الصبيان ولا البيض الذي يتقامرون به يوم العيد لأنهم يأخذونه بغير حق والله أعلم * (مسألة) * (ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوماً وليلة فإن ابى فللضيف طلبه به عند الحاكم) قال أحمد الضيافة على المسلمين كل من نزل به ضيف كان عليه أن يضيفه قيل أن ضاف الرجل

(11/118)


ضيف كافر يضيفه؟ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم " ولما أضاف المشرك دل على أن المسلم يضاف وما أراه كذلك والضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر، واليوم والليلة حق واجب وقال الشافعي ذلك مستحب وليس بواجب لأنه غير مضطر إلى طعامه فلم يجب عليه بذله كما لو لم يضفه ولنا ما ذكرناه من الحديث وروى المقدام ابن أبي كريمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليلة الضيف حق واجب فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه إن شاء اقتضى وإن شاء ترك " حديث صحيح وفي لفظ " أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف محروماً فإن نصره على كل مسلم حتى

(11/119)


يأخذ بحقه من زرعه وماله " رواه أبو داود، والواجب يوم وليلة والكمال ثلاثة أيام وذكر ابن أبي موسى أن الواجب ثلاثة أيام لما روى أبو سريج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الضيافة ثلاثة
أيام وجائزته يوم وليلة لا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه " قالوا يا رسول الله كيف يؤثمه؟ قال " يقيم عنده وليس عنده ما يقريه " متفق عليه قال أحمد معنى قوله عليه السلام " جائزته يوم وليلة " كأنه أوكد من سائر الثلاثة ولم يرد يوما وليلة سوى الثلاثة لأنه يصير أربعة أيام وقد قال وما زاد على الثلاثة فهو صدقة، فإن امتنع من ضيافته فللضيف بقدر ضيافته قال أحمد يطالبهم بحقه الذي جعله له النبي صلى الله

(11/120)


عليه وسلم ولا يأخذ شيئاً إلا بعلم أهله وعنه رواية أخرى له أن يأخذ ما يكفيه بغير إذنهم لما روى عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا قال " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " متفق عليه * (مسألة) * (وتستحب ضيافته ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة) وعن أحمد أن الضيافة على أهل القرى دون أهل الأمصار قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل إلى أي شئ تذهب فيها؟ قال هي مؤكدة وكأنها على أهل القرى والطرق الذين يمر بهم الناس أوكد

(11/121)


فأما مثلنا الآن فكأنه ليس مثل أولئك وذلك أهل القرى والله أعلم ليس عادتهم بيع القوت فلو لم تلزمهم الضيافة بقي المسافر ليس له ما يقتات بخلاف أهل الأمصار فإن عادتهم ذلك فيجد المسافر ما يشتري ويقتات فلا تلزمهم الضيافة * (مسألة) * (وليس له إنزال الضيف في بيته) لما فيه من الحراج إلا أن لا يجد مسجداً أو رباطاً يبيت فيه فيبيت عنده للضرورة ولأن الخبر إنما ورد في الضيافة لا غير فكان خاصاً فيها دون غيرها (فصل) قال المروذي سألت أبا عبد الله قلت تكره الخبز الكبار؟ قال نعم أكرهه ليس فيه بركة إنما البركة في الصغار وقال مرهم ان لا يخبزوا كبارا قال ورأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده

(11/122)


وان كان على وضوء وقال مهنا ذكرت ليحيى بن معين حديث قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " وذكرت الحديث
لأحمد فقال ما حدث به إلا قيس بن الربيع وهو منكر الحديث قلت بلغني عن يحى بن سعيد قال كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام لم كره سفيان ذلك؟ قال لأنه من زي العجم قلت بلغني عن يحيى بن سعيد قال كان سفيان يكره أن يكون تحت القصعة الرغيف لم كرهه سفيان؟ قال كره أن يستعمل الطعام قلت تكرهه أنت؟ قال نعم وروى ابن عقيل قال حضرت مع ابن شهاب وليمة ففرشوا المائدة بالخبز فقال لا تتخذوا الخبز بساطاً وقال المروذي قلت لأبي عبد الله إن أبا معمر قال أن أبا أسامة قدم إليهم خبزاً فكسره فقال هذا لئلا تعرفوا كم تأكلون قيل لأبي عبد الله يكره الأكل

(11/123)


متكئاً؟ قال أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا آكل متكئا " رواه أبو داود عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئاً قط رواه أبو داود وعن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل منبطحاً رواه أبو داود (فصل) وتستحب التسمية عند الطعام وحمد الله تعالى عند آخره لما روى عمر بن أبي سلمة قال أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال " بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " فما زالت أكلتي متفق عليه وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي هريرة قال لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " اطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر " قال معناه إذا أكل وشرب بشكر الله ويحمده على ما رزقه " وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره " رواه أبو داود وعن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أكل طعاماً فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه " وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم

(11/124)


إذا أكل طعاما قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع طعامه، أو ما بين يديه قال " الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه غير مكفى ولا مودع " رواهن ابن ماجة (فصل) ويأكل بيمينه ويشرب بها روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا
أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وأبو داود ويستحب الأكل بثلاث أصابع لما روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الإمام أحمد وذكر له حديث ترويه ابنة الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث أصابع وروى عن أحمد أنه أكل خبيصاً بكفه كلها وروي عن عبد الله بن بريدة أنه كان ينهى بناته ان يأكلن بثلاث أصابع وقال لا تشبهن بالرجال (فصل) قال مهنا سألت أحمد عن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تقطعوا اللحم بالسكين فإن ذلك صنيع الأعاجم " فقال ليس بصحيح لا يعرف هذا وقال حديث عمرو بن أمية الضمري خلاف هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة فقام إلى الصلاة وطرح السكين وحديث مسعر عن جامع بن شداد عن المغيرة اليشكري عن المغيرة ابن شعبة ضفت برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي ثم أخذ الشفرة فجعل يجز فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فألقى الشفرة قال وسألت أحمد عن حديث أبي جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اكفف جشاءك يا أبا جحيفة فإن أكثركم شبعا اليوم أكثركم جوعا يوم القيامة " فقال هو ويحيى جميعاً ليس بصحيح

(11/125)


(فصل) وروي عن ابن عباس قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الاناء وعن أنس قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة.
قال قتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السفر.
حديث صحيح وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يمسح أحدكم يده حتى يلعقها فإنه لا يدري في أي طعامه البركة " رواهن ابن ماجة (فصل) وسئل أبو عبد الله عن غسل اليد بالخالة قال: لا بأس به نحن نفعلة وسئل عن الرجل يأتي القوم وهم على طعام فجاة لم يدع إليه فلما دخل اليهم دعوة يأكل؟ قال نعم وما بأس وسئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ادخر لأهله قوت سنة هو صحيح؟ قال نعم ولكنهم يختلفون في لفظه
(فصل) روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة " وعن جابر قال صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغوا قال " أثيبوا أخاكم - قالوا: يا رسول الله وما إثابته؟ قال - ان الرجل اذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته " رواهما أبو داود

(11/126)