الشرح الكبير على متن المقنع

باب السبق * (مسألة) * (تجوز المسابقة على الدواب والخيل والأقدام والسفن والمزاريق وسائر الحيوانات) والأصل في ذلك السنة والإجماع.
أما السنة فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق.
متفق عليه قال موسى بن عقبة بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة أميال، وقال سفيان من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة والمسابقة على ضربين: مسابقة بغير عوض ومسابقة بعوض، فأما المسابقة بغير عوض فتجوز مطلقاً من غير تقييد بشئ معين كالمسابقة على الأقدام والسفن والطيور والبغال والحمر والفيلة والمزاريق وتجوز المصارعة ورفع الحجارة ليعرف الأشد وغير هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع عائشة في سفر فسابقته على رجلها فسبقته قالت فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال " هذه بتلك " رواه أبو داود وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم ذي قرد، وصارع النبي

(11/127)


صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه، ورواه الترمذي، ومر بقوم يربعون حجراً يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم، وسائر المسابقة يقاس على هذا * (مسألة) * (ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " رواه أبو داود، فالسبق
بسكون الباء المسابقة والسبق بفتحها الجعل المخرج في المسابقة، اختصت هذه الثلاثة بتجويز العوض فيها لأنها من آلات الحرب المأمور بتعلمها وإحكامها والتفوق فيها، وهي المسابقة بها مع العوض مبالغة في الاجتهاد فيها والأحكام لها وقد ورد الشرع بالأمر بها والترغيب في فعلها، قال الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي وروى سعيد في سننه عن خالد بن زيد قال كنت رجلاً رامياً وكان عقبة بن عامر الجهني يمر فيقول يا خالد اخرج بنا نرمي فلما كان ذات يوم أبطأت عنه فقال هلم أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله عزوجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة:

(11/128)


صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله، ارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا وليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها " رواه أبو داود وعن مجاهد قال قال رسول الله [ص] " إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والنضال " قال الأزهري النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما.
وقال مجاهد أدركت ابن عمر يشتد بين الهدفين إذا أصاب خصلة قال أنا بها أنا بها، وعن حذيفة مثله، فلا تجوز المسابقة بعوض إلا في هذه الثلاثة وبهذا قال الزهري ومالك وقال أهل العراق نحو ذلك في المسابقة على الأقدام والمصارعة لورود الأثر بهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة وصارع ركانة ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين، ولهم بالمسابقة بالطيور والسفن وجهان بناء على الوجهين في المسابقة على الأقدام والمصارعة ولنا ما ذكرنا من الحديث فنفى السبق في غير هذه الثلاثة ويحتمل أنه أراد به نفي الجعل أي لا يجوز الجعل إلا في هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد به نفي المسابقة بعوض فإنه يتعين حمل الخبر على

(11/129)


أحد الأمرين للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في غير هذه الثلاثة، وعلى كل تقدير فالحديث حجة
لنا، ولأن غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إلى الثلاثة فلم تجز المسابقة عليها بعوض كالرمي بالحجارة ورفعها إذا ثبت هذا فالمراد بالنصل السهام من النشاب والنبل وغيرها وبالحافر الخيل وحدها وبالخف الإبل خاصة.
وقال أصحاب الشافعي تجوز المسابقة بكل ماله فصل من المزاريق وفي الرمح والسيف وجهان وفي الفيل والبغال والحمير وجهان لأن للمزاريق والرماح والسيوف نصلاً وللفيل خف وللبغال والحمير حوافر فتدخل في عموم الخبر ولنا أن هذه الحيوانات المختلف فيها لا تصلح للكر والفر ولا يقاتل عليها ولا يسهم لها، والفيل لا يقاتل عليه أهل الإسلام، والرماح والسيوف لا يرمى بها فلم تجز المسابقة عليها كالبقر والتراس، والخبر ليس بعام فيما تجوز المسابقة به لأنه نكرة في إثبات وإنما هو عام في نفي ما لا تجوز المسابقة به بعوض لكونه نكرة في سياق النفي ثم لو كان عاماً لحمل على ما عهدت المسابقة عليه، وورود الشرع بالحث على تعلمه وهو ما ذكرناه

(11/130)


* (مسألة) * (ولا تصح إلا بشروط خمسة) (أحدها) تعيين المركوب والرماة لأن القصد معرفة جوهر الدابتين وسرعة عدوهما معرفة حذق الرماة ولا يحصل إلا بالتعيين لأن المقصود معرفة حذق رام بعينه لا معرفة حذق رام في الجملة فلو عقد اثنان نضالاً على أن مع كل واحد منهما ثلاثة غير متعينين لم يجز لذلك * (مسألة) * (ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين) لا يشترط تعيين القوس ولا السهام في المناضلة ولو عينها لم تتعين لأن القصد معرفة الحذق وهو لا يختلف إلا بالرمي دون القوس والسهام، وفي الرهان يشترط تعيين الحيوان الذي يسابق به لما ذكرنا ولا يعتبر تعيين الراكب لأن المقصود معرفة عدو الفرس لا حذق الراكب وكل ما يتعين لا يجوز إبداله كالمتعين في البيع، وما لا يتعين يجوز إبداله لعذره وغيره، فعلى هذه إن شرطا أن لا يرمي بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم ولا يركب غير هذا الراكب فهي شروط فاسدة وهي تنافي مقتضى
العقد فهو كما لو شرط أصابة باصابتين (فصل) ويجوز عقد النضال على اثنين وعلى جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أصحاب له ينتضلون

(11/131)


فقال " ارموا وأنا مع ابن الأدرع - فأمسك الآخرون وقالوا كيف نرمي وأنت مع ابن الأدرع؟ فقال - ارموا وأنا معكم كلكم " رواه البخاري، ولأنه إذا جاز أن يكونا اثنين جاز أن يكونا جماعتين لأن المقصود معرفة الحذق وهو يحصل في الجماعتين وكذلك في سباق الخيل وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة وبين الخيل التي لم تضمر * (مسألة) * (الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية ويحتمل الجواز) اذا كانا من جنسين كالفرس والبعير لم يجز لأن البعير لا يكاد يسبق الفرس فلا يحصل الغرض من هذه المسابقة فإن كانا من نوعين كالعربي والهجين والبختي والعرابي ففيه وجهان [أحدهما] لا يصح ذكره أبو الخطاب لأن التفاوت بينهما في الجري معلوم بحكم العادة فأشبها الجنسين [والثاني] يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي (فصل) ولا بأس بالرمي بقوس فارسية في ظاهر كلام أحمد، وقد نص على جواز المسابقة بها وقال أبو بكر يكره لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى مع رجل قوساً فارسية فقال " ألقها فإنها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فبها يؤيد الله الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض " رواه الأثرم.

(11/132)


ولنا انعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها فإن ذلك جار في أكثر الإعصار وهي التي يحصل الجهاد بها في عصرنا هذا وأما الخبر فيحتمل أنه لعنها، لأن حملتها في ذلك العصر العجم ولم يكونوا أسلموا بعد ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها ولهذا أمر برماح القنا ولو حمل إنسان رمحاً غيرها لم يكن مذموماً وحكى أحمد أن قوماً استدلوا على القسي الفارسية بقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة) لدخوله في عموم الآية.
* (مسألة) * (الثالث تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة) يشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة وأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها لأن الغرض معرفة اسبقهما ولا يعلم ذلك ألا بتساويهما في الغاية، لأن أحدهما قد يكون مقصراً في أول عدوه سريعاً في انتهائه وبالعكس فيحتاج إلى غاية تجمع حالتيه ومن الخيل ما هو أصبر والقارح أصبر من غيره وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية، رواه أبو داود فإن استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولاً لم يجز لأنه يؤدي إلى أن لا يقف أحدهما حتى تنقطع فرسه ويتعذر الأشهاد على السبق فيه، ولذلك يشترط معرفة مدى الرمي إما بالمشاهدة أو بالذرعان نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع لأن الإصابة به نختلف بالقرب والبعد ويجوز ما يتفقان عليه إلا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الاصابة في مثلها غالباً وهو ما زاد على ثلثمائة ذراع فلا يصح، لأن الغرض يفوت بذلك وقد قيل ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.

(11/133)


* (مسألة) * (الشرط الرابع كون العوض معلوماً لأنه مال في عقد فوجب العلم به كسائر العقود) إما بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة على ما تقدم في غير موضع وبجوز أن يكون حالاً ومؤجلاً وبعضه حالاً وبعضه مؤجلاً فلو قال ان فضلتني فلك دينار حال وقفيز حنطة بعد شهر جاز لأن ما جاز أن يكون حالاً ومؤجلاً جاز أن يكون بعضه حالاً وبعضه مؤجلاً كالبيع غير أنه يحتاج إلى صفة الحنطة بما تعلم به كالسلم * (مسألة) * (الشرط الخامس الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج جميعهم) متى استبق اثنان والجعل منهما فاخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قماراً، لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم وهذا قمار.
* (مسألة) * (فإن كان الجعل من الإمام أو أحد غيرهما أو أحدهما على أن من سبق أخذه جاز) .
وجملة ذلك أن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين لم بخل إما أن تكون منهما أو من غيرهما فإن كان من غيرهما وكان من الإمام جاز سواء كان من ماله أو من بيت المال لأن في ذلك
مصلحة وحثا على تعلم الجهاد ونفعا للمسلمين، وإن كان غير الإمام فله بذل العوض من ماله، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يجوز، لأن هذا مما يحتاج إليه في الجهاد فاختص به الإمام كتولية الولايات وتأمير الأمراء

(11/134)


ولنا أنه بذل لماله فيما فيه مصلحة وقربة فجاز كا لو اشترى به خيلاً أو سلاحاً فأما إن كان منهما اشترط كون الجعل من أحدهما فيقول أن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلا شئ عليك فهو جائز وحكي عن مالك أنه لا يجوز لأنه قمار.
ولنا أن أحدهما يختص بالسبق فجاز كما لو أخرجه الإمام ولا يصح ما ذكره لأن القمار لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وههنا لا خطر احدهما فلا يكون قماراً.
* (مسألة) * (فإن جاءا معا فلا شئ لهما) لأنه لا سابق فيهما وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولا شئ له على صاحبه لأنه لو أخذ منه شيئاً كان قماراً وإن سبق الآخر احرز سبق المخرج فملكه وكان كسائر أمواله لأنه عوض في الجعالة فملك فيها كالعوض المجهول في رد الضالة، فإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضى به عليه ويجبر على تسلميه إن كان موسراً وإن أفلس ضرب به مع الغرماء.
* (مسألة) * (وإن أخرجا معاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبقهما أحرز سبقهما وان سبقاه احرز اسبقيهما ولم يأخذا منه شيئاً وإن سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما) السبق بفتح الباء الجعل الذي يسابق عليه ويسمى الخطر والندب والقرع والرهن ويقال سبق

(11/135)


إذا أخذ وإذا أعطى وهو من الأضداد، متى استبق اثنان فأخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قماراً، لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم وسواء كان ما أخرجاه متساوياً أو متفاوتاً مثل أن أخرج أحدهما عشرة والآخر خمسة ولو قال أن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلي عليك قفيز حنطة أو قال أن سبقتني فلك علي عشرة ولي عليك قفيز حنطة لم يجز لما ذكرناه.
فإذا أدخلا بينهما محللا وهو ثالث لم يخرج شيئاً
جاز، وبهذا قال سعيد بن المسيب والزهري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكى أشهب عن مالك أنه قال في المحلل لا أحبه وعن جابر بن زيد أنه قيل له أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون بالدخيل بأساً قال هم أعف من ذلك.
ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار " رواه أبو داود فجعله قماراً إذا أمن أن يسبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وإذا لم يؤمن أن يسبق لم يكن قماراً، لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو عن ذلك.
ويشترط أن يكون فرس المحلل مكافئاً لفرسيهما أو بعيره لبعيريهما أو رميه لرمييهما فإن لم يكن مكافئاً مثل أن تكون فرساهما أجود من فرسه فيكونا

(11/136)


جوادين وهو بطئ فهو قمار للخبر ولأنه مأمون سبقه فوجوده كعدمه، وإن كان مكافئاً جاز فان جاءوا الغاية دفعة واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه ولا شئ للمحلل لأنه لا سابق فيهم وكذلك إن سبقا المحلل وإن سبق المحلل أحرز السبقين بالاتفاق وإن سبق أحد المستبقين وحده أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه ولم يأخذ من المحلل شيئاً وإن سبق أحد المستبقين والمحلل أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحل نصفين وسواء كان المستبقون اثنين أو أكثر حتى لو كانوا مائة وبينهم محلل لا سبق منه جاز ولذلك لو كان المحلل جماعة جاز لأنه لا فرق بين الاثنين والجماعة وهذا مذهب الشافعي.
* (مسألة) * (وإن قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك لم يجز إذا كانا اثنين وإن قال من صلى فله خمسة جاز) وجملة ذلك أنه إذا كان المخرج غير المتسابقين فقال لهما أو لجماعة أيكم سبق فله عشرة جاز لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقاً فأيهم سبق استحق العشرة فان جاؤا جميعا فلا شئ لواحد

(11/137)


منهم لأنه لا سابق فيهم وان قال لاثنين أيكما سبق فله عشرة وايكما صلى فله ذلك لم يصح لأنه لا فائدة
في طلب السبق فلا يحرص عليه، وان قال ومن صلى فله خمسة صح لأن كل واحد منهما يطلب السبق لفائدته فيه بزيادة الجعل، وان كانوا أكثر من اثنين فقال من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك صح لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقاً أو مصليا والمصلي هو الثاني لأن رأسه عند صلي الآخر والصلوان هما العظمان الناتئان من جانبي الذنب وفي الأثر عن علي أنه قال: سبق أبو بكر وصلى عمر وخبطتنا فتنة قال الشاعر: إن تبتدر غاية يوما لمكرمة * تلق السوابق منا والمصلينا فان قال للمجلي وهو الأول مائة، وللمصلي وهو الثاني تسعون، وللتالي.
هو للثالث ثمانون، وللنازع وهو الرابع سبعون، وللمرتاح وهو الخامس ستون، وللحظي وهو السادس خمسون، وللعاطف وهو السابع أربعون، وللمؤمل وهو الثامن ثلاثون، وللطيم وهو التاسع عشرون، وللسكيت وهو العاشر عشرة، وللفسكل وهو الأخير خمسة صح لأن كل واحد يطلب السبق فاذا فاته طلب ما يلي السابق

(11/138)


والفسكل اسم وللآخر ثم استعمل هذا في غير المسابقة بالخيل تجوزا كما روي ان أسماء بنت عميس كانت تزوجت جعفر بن أبي طالب فولدت له عبد الله ومحمداً وعونا، ثم تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم تزوجها علي بن أبي طالب فقالت له ان ثلاثة أنت آخرهم لأخيار، فقال لولدها فسكلتني أمكم، وإن جعل للمصلي أكثر من السابق أو جعل للتالي أكثر من المصلي أو لم يجعل للمصلي شيئاً لم يجز لأن ذلك يفضي إلى أن لا يقصد السبق بل يقصد التأخر فيفوت المقصود (فصل) وإذا قال لعشرة من سبق منكم فله عشرة صح فان جاءوا معا فلا شئ لهم لأنه لم يوجد الشرط الذي يستحق به الجعل في واحد منهم، وإن سبقهم واحد فله العشرة لوجود الشرط فيه، وإن سبق اثنان فلهما العشرة وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة لأن الشرط وجد فيهم فكان الجعل بينهم كما لو قال من رد عبدي الآبق فله كذا فرده تسعة ويحتمل أن يكون لكل واحد من السابقين عشرة لأن كل واحد منهم سابق فيستحق الجعل بكماله كما لو قال من رد عبداً لي فله عشرة فرد كل واحد عبداً وفارق ما لو قال من رد عبدي فرده تسعة لأن كل واحد منهم لم يرده انما

(11/139)


رده حصل من الكل ويصير هذا كما لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فان قتل كل واحد واحداً فلكل واحد سلب قتيله كاملاً، وإن قتل الجماعة واحداً فلجميعهم سلب واحد وههنا كل واحد له سبق مفرد فكان له الجعل كاملا، فعلى هذا لو قال من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة وصلى خمسة فعلى الوجه الأول للمسابقين عشرة لكل واحد منهم درهمان وللمصلين خمسة لكل واحد منهم درهم وعلى الوجه الثاني لكل واحد من السابقين عشرة فيكون لهم خمسون ولكل واحد من المصلين خمسة فيكون لهم خمسة وعشرون، ومن قال بالوجه الاول احتمل على قوله أن لا يصح العقد على هذا الوجه لأنه يحتمل أن يسبق تسعة فيكون لهم عشرة لكل واحد منهم درهم وتسع ويصلي واحد فيكون له خمسة فيكون للمصلي من الجعل أكثر مما للسابق فيفوت المقصود * (مسألة) * (وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط) وفي صحة المسابقة وجهان لأنه عوض على عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق لا يفسد العقد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يفسد

(11/140)


ولنا أنه عقد لا تتوقف صحته على تسمية بدل فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح، وذكر القاضي أن الشروط الفاسدة في المسابقة تنقسم قسمين - (أحدهما) ما يخل بشرط صحة العقد نحو إن يعود إلى جهالة العوض أو المسافة ونحوهما فيفسد العقد لأن العقد لا يصح مع فوات شرطه (والثاني) ما لا يخل بشرط العقد نحو أن يشرط أن يطعم السبق أصحابه أو غيرهم أو يشترط أنه إذا نضل لا يرمي أبداً أو لا يرمي شهراً أو شرطا أن لكل واحد منهما أو لأحدهما فسخ العقد متى شاء بعد الشروع في العمل وأشباه هذا فهذه شروط باطلة في نفسها وفي العقد المقترن بها وجهان (أحدهما) حصته لأن العقد تم بأركانه وشروطه فإذا حذف الزائد الفاسد بقي العقد صحيحاً (والثاني) لا يبطل لأنه بذل العوض لهذا الغرض فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض وكل
موضع فسدت المسابقة فإن كان السابق المخرج أمسك سبقه وإن كان الآخر فله أجر عمله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة الفاسدة * (فصل) * قال رحمه الله (والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه

(11/141)


ذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو لازم إن كان العوض منهما وجائز إن كان من أحدهما أو من غيرهما وذكر القاضي احتمالا لأنه عقد من شرطه أن يكون العوض والمعوض معلوماً فكان لازما كالإجارة ولنا أنه عقد على ما لا تتحقق القدرة على تسليمه فكان جائزاً كرد الآبق وذلك لأنه عقد على الإصابة ولا يدخل تحت قدرته وبهذا فارق الإجارة.
فعلى هذا لكل واحد من المتعاقدين الفسخ قبل الشروع في المسابقة، وإن أراد أحدهما الزيادة فيها أو النقصان منها لم يلزم الآخر إجابته، فأما بعد الشروع فيها فإن لم يظهر لأحدهما فضل مثل أن يسبقه بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه فللفاضل الفسخ دون المفضول لأنه لو جاز له ذلك لفات غرض المسابقة فلا يحصل ا؟ قصود، وقال أصحاب الشافعي إذا قلنا العقد جائز ففي جواز الفسخ وجهان * (مسألة) * (وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين) إذا قلنا أنها عقد جائز قياساً على العقود الجائزة من الوكالة والشركة والمضاربة ونحوها وإن قلنا

(11/142)


بلزومها انفسخت بموت أحد المركوبين والراميين لأن العقد تعلق بعين المركوب والرامي فانفسخ بتلفه كما لو تلف المعقود عليه في الإجارة، ولا تبطل بموت الراكبين ولا تلف أحد القوسين لأنه غير المعقود عليه فلم ينفسخ العقد بتلفه كموت أحد المتبايعين، فعلى هذا يقوم وارث الميت مقامه كما لو استأجر شيئاً ثم مات، فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته كما لو أجر نفسه لعمل معلوم ثم مات * (مسألة) * (والسبق في الخيل بالراس إذا تماثلت الأعناق وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف)
وجملته أنه يشترط في المسابقة إرسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة فإن أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أولاً؟ لم يجز هذا في المسابقة بعوض لأنه قد لا يدركه مع كونه أسرع منه لبعد المسافة بينهما ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلفا في ذلك ويحصل السبق في الخيل بالراس إذا تماثلث الأعناق فإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الإبل اعتبر السبق بالكتف لأن الاعتبار بالرأس متعذر فإن طويل العنق قد يسبق رأسه لطول عنقه لا بسرعة عدوه وفي الإبل ما يرفع رأسه وفيها ما يمد عنقه فربما سبق راسه لمد عنقه لا بسبقه فلذلك اعتبر بالكتف

(11/143)


فإن سبق رأس قصير العنق فهو سابق بالضرورة وإن سبق رأس طويل العنق بأكثر مما بينهما في طول العنق فقد سبق وإن كان بقدره لم يسبق وإن كان أقل فالآخر سابق ونحو هذا كله قول الشافعي وقال الثوري إذا سبق أحدهما بالأذن كان سابقاً ولا يصح ذلك لأن أحدهما قد يرفع رأسه ويمد عنقه فيسبق بإذنه لذلك لا لسبقه، وإن شرط السبق بإقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي يصح ويتخاطان ذلك كما في الرمي ولا يصح لأن هذا لا ينضبط ولا يقف الفرسان عند الغاية بحيث يعرف مساحة ما بينهما، وقد روى الدارقطني باسناده عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي قد جعلت لك هذه السبقة بين الناس فخرج علي فدعا سراقة ابن مالك فقال يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك فإذا أتيت الميطان - قال أبو عبد الرحمن الميطان مرسلها من الغاية - فصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة فيسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد عند منتهى الغاية يخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفيه بين إبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول لهما إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فاجعلا السبقة له وإن شككتما فاجعلا سبقهما نصفين وهذا الأدب الذي ذكره

(11/144)


في هذا الحديث في ابتداء الإرسال وانتهاء الغاية من أحسن ما قيل في هذا مع كونه مروياً عن أمير
المؤمنين علي رضي الله عنه في قضية أمره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوضها إليه فينبغي أن تتبع ويعمل بها * (مسألة) * (ولا يجوز ان يجنب أحدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا جلب ولا جنب " رواه أبو داود) معنى الجنب أن يجنب المسابق إلى فرسه فرسا لا راكب عليه يحرض الذي تحته على العدو ويحثه عليه وقال القاضي معناه أن يجنب فرسا يتحول عند الغاية عليها لكونها اقل كلالا وإعياء قال إبن المنذر كذا قيل ولا أحسب هذا يصح لأن الفرس التي يسابق بها لابد من تعيينها فإن كانت التي يتحول عنها فما حصل السبق بها وإن كانت التي يتحول إليها فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة ومن شرط السابق ذلك، ولأن هذا متى احتاج إلى التحول والاشتغال به فربما سبق باشتغاله لا بسرعة غيره ولأن المقصود معرفة عدو الفرس في الحلبة كلها، فمتى كان إنما يركبه في آخر الحلبة فما حصل

(11/145)


المقصود.
وأما الجلب فهو أن يتبع الرجل فرسه تركض خلفه ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه بذلك على العدو هكذا فسره مالك وقال قتادة الجلب والجنب في الرهان وعن أبي عبيد كقول مالك وحكي عنه أن الجلب أن يحشر الساعي أهل الماشية ليصدقهم قال ولا يفعل ليأتهم على مياههم فيصدقهم والتفسير الأول أصح لما روي عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا جلب ولا جنب في الرهان " رواه أبو داود ويروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا " (فصل في المناضلة) قال الشيخ رحمه الله وهي المسابقة في الرمي بالسهام والمناضلة مصدر ناضلته مناضلة ونضالا وسمي الرمي نضالا لأن السهم التام يسمى نضلا فالرمي به عمل بالنضل فسمي نضالا ومناضلة مثل جادلته جدالا ومجادلة ويشترط لها شروط أربعة (أحدها) أن تكون على من يحسن الرمي فان كان في احد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه) واخرج من الحزب الآخر من جعل بازائه لأن كل واحد من الزعيمين
يختار واحداً ويختار الآخر في مقابلته آخر كما لو بطل العقد في بعض المبيع بطل في ثمنه وهل يبطل

(11/146)


في الباقين؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة فإن قلنا لا يبطل فلكل حزب الخيار لتبعيض الصفقة في حقهم فان كان يحسن الرمي لكنه قليل الاصابة فقال حزبه ظنناه كثير الإصابة أو لم نعلم حاله وإن بان كثير الإصابة فقال الحزب الآخر ظنناه قليل الإصابة لم يسمع ذلك منهم لأن شرط دخوله في العقد أن يكون من أهل الصنعة دون الحذق كما لو اشترى عبداً على أنه كاتب فبان حاذقاً أو ناقصاً فيها لم يؤثر (الثاني معرفة عدد الرشق وعدد الاصابة) الرشق بكسر الراء عدد الرمي وأهل العربية يقولون هو عبارة عما بين العشرين والثلاثين والرشق بفتح الراء الرمي مصدر رشقت رشقاً وإنما اشترط علمه لأنه لو كان مجهولا لأفضى الى الاختلاف لأن أحدهما قد يريد القطع والآخر الزيادة ولابد من معرفة عدد الاصابة فيقولان الرشق عشرون والإصابة خمسة أو ستة أو ما يتفقا عليه إلا أنه لا يصح اشتراط إصابة تندر كإصابة جميع الرشق أو تسعة من عشرة ونحو هذا لأن الظاهر أنه لا يوجد فيفوت الغرض وإنما اشترط العلم بعدد الاصابة ليتبين حذقهما (فصل) ويشترط استواؤهما في عدد الرشق والاصابة وصفتها وسائر احوال الرمي فان جعلا رشق احدهما عشراً والآخر عشرين أو شرطا أن يصيب أحدهما خمسة والآخر ثلاثة أو شرطاً إصابة

(11/147)


أحدهما خواسق والآخر خواصل أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه أو شرط أن يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب أو أن يرمي أحدهما وبين إصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شئ والآخر خال عن شاغل أو أن يحط عن أحدهما واحداً من خطئه لا عليه ولا له وأشباه هذا مما تفوت به المساواة لم يصح لأن موضوعها على المساواة والغرض معرفة الحذق وزيادة أحدهما على الآخر فيه ومع التفاضل لا يحصل فإنه ربما أصاب أحدهما لكثرة رميه لا لحذقه فاعتبر المساواة كالمسابقة بالحيوان
(فصل) ويشترط أن تكون المسابقة على الإصابة لا على البعد فلو قال السبق لأبعدنا رمياً لم يجز لأن الغرض من الرمي الإصابة لا بعد المسافة فإن المقصود من الرمي إما قتل العدو أو جرحه أو الصيد ونحو ذلك وكل هذا إنما يحصل من الإصابة لا من الإبعاد (فصل) إذا عقد النضال ولم يذكرا قوساً صح في ظاهر كلام القاضي ويستويان في القوس إما بالعربية أو الفارسية وقال غيره لا يصح حتى يذكرا نوع القوس الذي يرميان عليه في الابتداء لأن إطلاقه ربما أفضى إلى الاختلاف وقد أمكن التحرز عنه بالتعيين للنوع فيجب ذلك، وإن اتفقا على أنهما يرميان بالنشاب في الابتداء صح وينصرف إلى القوس الأعجمية لأن سهامها هو المسمى بالنشاب وسهام العربية يسمى نبلاً فإن عينا نوعا لم يجز العدول عنها إلى غيرها لأن أحدهما قد يكون أحذق بالرمي بأحد النوعين دون الآخر (الثالث معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة؟) المناضلة على ثلاثة أضرب (أحدها) يسمى المبادرة وهي أن يقولا من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فقد سبق فأذا رميا عشرة عشرة فأصاب أحدهما خمساً ولم يصب الآخر خمساً

(11/148)


فالمصيب خمساً هو السابق لأنه قد سبق إلى خمس وسواء أصاب الآخر أربعاً أو ما دونها أو لم يصب شيئاً ولا حاجة إلى تمام الرمي لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه فإن أصاب كل واحد منها من العشر خمساً فلا سابق فيهما ولا يكملان الرشق لأن جميع الإصابة المشروطة قد حصلت واستويا فيها فإن رمى أحدهما عشراً فأصاب خمساً ورمى الآخر تسعاً فأصاب أربعاً لم يحكم بالسبق ولا بعدمه حتى يرمي العاشر فإن أصاب به فلا سابق فيهما وإن أخطأ به فقد سبق الأول فإن لم يكن أصاب من التسعة إلا ثلاثا فقد سبق ولا يحتاج إلى رمي العاشر لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب به ولا يخرجه عن كونه مسبوقاً (الثاني) المفاضلة وهو أن يقول أينا فضل صاحبه بإصابة أو إصابتين أو ثلاث من عشرين رمية فقد سبق وتسمى محاطة لأن ما تساويا فيه من الإصابة محطوط غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان فيه فائدة، فإذا قالا أينا فضل صاحبه بثلاث فهو سابق فرميا اثني عشر سهما فأصاب بها أحدهما وأخطأ
الآخر كلها لم يلزم إتمام الرشق لأن أكثر ما يمكن أن يصيب الآخر الثمانية الباقية ويحطئها الأول ولا يخرج الأول بهذا عن كونه سابقاً، وإن كان الأول إنما أصاب من الأثني عشرة عشرا لزمهما أن يرميا الثالثة عشرة فإن أصابا بها أو أخطأ أو أصابها الأول وحده فقد سبق ولا يحتاج إلى إتمام الرشق وإن أصابها الآخر وحده فعليهما أن يرميا الرابعة عشرة والحكم فيها وفيما بعدها كالحكم في الثالثة عشر فإنه متى ما أصاباها أو أخطأ أو أصابها الأول فقد سبق ولا يرميان ما بعدها وإن أصابها الآخر وحده رميا بعدها وكذا كل موضع يكون في إتمام الرشق فائدة لأحدهما يلزم إتمامه

(11/149)


وإن يئس من الفائدة لم يلزم إتمامه فإذا بقي من العدد ما يمكن أن يسبق أحدهما به صاحبه أو يسقط به سبق صاحبه لزم الإتمام وإلا فلا، فإذا كان السبق يحصل بثلاث إصابات من عشرين فرميا ثماني عشرة فأخطآها أو أصاباها أو تساويا في الإصابة فيها لم يلزم الإتمام لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما هاتين الرميتين ويخطئهما الآخر ولا يحصل السبق بذلك وكذلك إن فضل أحدهما الآخر بخمس إصابات فما زاد لم يلزم الإتمام لأن إصابة الآخر السهمين الباقيين لا يخرج الآخر عن كونه فاضلا بثلاث إصابات وإن لم يفضله إلا بأربع رميا السهم الآخر فإن إصابه المفضول وحده فعليهما رمي الآخر فإن أصابه المفضول أيضاً أسقط سبق الأول وإن أخطأ في أحد السهمين أو أصاب الأول في أحدهما فهو سابق (الثالث) أن يقول أينا أصاب خمسا من عشرين فهو سابق فمتى أصاب أحدهما خمسا من العشرين ولم يصبها الآخر فالأول سابق وإن أصاب كل واحد منهما خمسا أو لم يصب واحد منهما خمسا فلا سابق فيهما وهذه في معنى المحاطة في أنه يلزم إتمام الرمي ما كان فيه فائدة ولا يلزم إذا خلا عنها ومتى أصاب كل واحد منهما خمسا لم يلزم إتمامه ولم يكن فيهما سابق وإن رميا ست عشرة رمية فلم يصب واحد منهما شيئاً لم يلزم إتمامه ولا سابق فيهما لأن أكثر ما يحتمل أن يصيبها أحدهما وحده ولا يحصل السبق بذلك، واختلف أصحابنا فقال أبو الخطاب لابد من معرفة الرمي هل هو مبادرة أو محاطة أو مفاضلة لأن غرض الرماة يختلف فمنهم من تكثر إصابته في الابتداء دون الانتهاء ومنهم بالعكس فوجب بيان ذلك ليعلم ما دخل فيه وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وظاهر
كلام القاضي أنه لا يحتاج إلى اشتراط ذلك لأن مقتضى النضال المبادرة وإن من بادر إلى الإصابة فهو

(11/150)


السابق فإنه إذا شرط السبق لمن أصاب خمسة من عشرين فسبق إليها واحد فقد وجد الشرط، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) وإن شرطا إصابة موضع من الهدف على أن يسقط ما قرب من إصابة أحدهما ما بعد من إصابة الآخر ففعل ثم فضل أحدهما الآخر بما شرطاه كان سابقاً ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه نوع من المحاطة فإذا أصاب أحدهما موضعاً بينه وبين الغرض شبر وأصاب الآخر موضعاً بينه وبين الغرض أقل من شبر سقط الأول، وإن اصاب الأول الغرض أسقط الثاني وإن أصاب الثاني الدائرة التي في الغرض لم يسقط الأول لأن الغرض كله موضع الإصابة فلا يفضل أحدهما صاحبه إذا أصاباه إلا أن يشترطا ذلك، وإن شرطا أن يحتسب كل واحد منهما خاسقه بإصابتين جاز لأن أحدهما لم يفضل صاحبه بشئ فقد استويا (فصل) فإن عقد النضال جماعة ليتناضلوا حزبين فذكر القاضي أنه يجوز وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يجوز لأن التعيين شرط وقبل التفاضل لم يتعين من في كل واحد من الحزبين فعلى هذا إذا تفاضلوا عقدوا الناضل بعده، وعلى قول القاضي يجوز العقد قبل التفاضل ولا يجوز أن يقتسموا بالقرعة لأنها قد تقع على الحذاق في احد الحزبين وعلى الكوادن في الآخر فيبطل مقصود النضال بل يكون لكل حزب زعيم فيختار أحدهما واحداً ثم يختار الآخر واحدا كذلك حتى يتفاضلوا جميعاً ولا يجوز أن يجعل الخيار إلى أحدهما في الجميع ولا ان يختار جميع حزبه أولا لأنه يختار الحذاق في حزبه ولا يجوز أن يجعل رئيس الحزبين واحداً لأنه يميل إلى حزبه فتلحقه التهمة ولا يجوز أن يختار كل

(11/151)


واحد من الرئيسين أكثر من واحد واحد لأنه أبعد من التساوي وإذا اختلفا في المبتدئ بالخيار أقرع بينهما، ولو قال أحدهما انا أختار أولا وأخرج السبق أو يخرجه أصحابي لم يجز لأن السبق إنما يستحق بالسبق لا في مقابلة تفضل أحدهما بشئ
(فصل) وإذا أخرج أحد الزعيمين السبق من عنده فسبق حزبه لم يكن على حزبه شئ لأنه جعله على نفسه دونهم وإن شرطه عليهم فهو عليهم بالسوية ويقسم على الحزب الآخر بالسوية من أصاب ومن أخطأ في أحد الوجهين كما أنه على الحزب الآخر بالسوية وفي الوجه الآخر يقسم بينهم على قدر الاصابة ولا شئ لمن لم يصب لأن استحقاقه بالإصابة فكان على قدرها واختص بمن وجدت فيه بخلاف المسبوقين فإنه وجب عليهم لالتزامهم به وقد استووا في ذلك (فصل) ومتى كان النضال بين حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم بغير كسر ويتساووا فيه فإن كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث، وكذلك ما زاد لأنه إذا لم يكن كذلك بقي سهم أو أكثر بينهم لا يمكن الجماعة الاشتراك فيه (فصل) ولا يجوز أن يقولوا نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ولا أن من خرجت قرعته فالسبق عليه ولا أن يقولوا نرمي فأينا أصاب فالسبق على الآخر لأنه عوض في عقد فلا يستحق بالقرعة ولا بالإصابة، وإن شرطوا أن يكون فلان مقدم حزب وفلان مقدم الآخر ثم فلان ثانياً في الحزب الأول وفلان ثانياً من الحزب الثاني كان فاسداً لأن تقديم كل واحد من الحزبين يكون إلى زعيمه وليس للحزب الآخر مشاركته في ذلك فإذا شرطوه كان فاسداً (فصل) إذا تناضل اثنان وأخرج احداهما السبق فقال أجنبي أنا شريكك في الغرم والغنم أن

(11/152)


نضلك فنصف السبق علي وإن نضلته فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون ثلاثة منهما محلل فقال رابع للمستبقين أنا شريككما في الغنم والغرم كان باطلاً لأن الغنم والغرم إنما يكون من المناضل.
فأما من لا يرمي فلا يكون له غنم ولا عليه غرم ولو شرطا في النضال إنه إذا جلس المستبق كان عليه السبق لم يصح لأن السبق على النضال وهذا الشرط يخالف مقتضى النضال فكان فاسداً (فصل) ولو فضل أحد المتناضلين صاحبه فاقل المفضول اطرح فضلك واعطيك ديناراً لم يجز لأن المقصود معرفة الحذق وذلك يمنع منه وإن فسخا العقد وعقدا عقداً آخر جاز وإن لم يفسخاه ولكن رميا تمام الرشق فتمت الإصابة له مع ما أسقطه استحق السبق ورد الدينار إن كان أخذه
* (مسألة) * (وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت) لأنها إصابة وذكر شيخنا صفة الإصابة شرطا لصحة المناضلة في كتاب المغني فإن قالا خواصل كان تأكيداً لها لأنه اسم لها كيفما كانت.
قال الأزهري يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا ويسمى ذلك القرع والقراطسة يقال قرطس إذا أصاب * (مسألة) * (فإن قالا خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو خوازق وهو ما خزقه ووقع بين يديه أو موارق وهو ما نفذ الغرض ووقع وراءه أو خوارم وهو ما خرم جانب الغرض أو حوابي وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ومنه يقال حبا الصبي أو خواصر وهو ما كان في أحد جانبي الغرض ومنه قيل الخاصرة لأنها في جانب الإنسان تقيدت المناضلة بذلك) لأن المرجع في المسابقة إلى شرطهما فيقيد بما شرطاه ههنا وإن شرطا الخواسق والحوابي معا صح

(11/153)


* (مسألة) * (وإن شرط إصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تفيد به) لما ذكرنا (الرابع معرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض) الغرض ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو خشب أو فرع أو غيره سمي غرضا لأنه يقصد ويسمى شارة وشنا قال الأزهري ما نصب في الهدف فهو القرطاس وما نصب في الهواء فهو الغرض ويجب أن يكون قدره معلوماً بالمشاهدة أو بتقدير بشبر أو نحوه بحسب الشرط فإن الإصابة تختلف باختلاف صغره وكبره وغلظه ورقته فوجب اعتبار ذلك * (مسألة) * (وإن تشاحا في المبتدئ منهما أقرع بينهما وقيل يقدم من له مزية بإخراج السبق) وجملة ذلك أنه لابد في المناضلة من أن يبتدئ أحدهما بالرمي لأنهما لو رميا معا أفضى إلى الاختلاف ولم يعرف المصيب منهما، فإن كان المخرج أجنبياً قدم من يختاره منهما فإن لم يختر وتشاحا أقرع بينهما لأنهما تساويا في استحقاق هذا فصارا إلى القرعة كما لو تنازع المتقاسمان في إستحقاق سهم معين أو في المبتدئ بالأخذ وأيهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أصاب أم أخطأ.
* (مسألة) * (وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني تعديلاً بينهما فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح) لأن موضوع المناضلة على المساواة وهذا تفاضل فإن فعلا ذلك من غير شرط برضاهما جاز لان البداءة لا أثر لها في الإصابة ولا في جودة الرمي، وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما وجهين متواليين

(11/154)


جاز لتساويهما ويحتمل أن يكون اشتراط البداءة في كل موضع ذكرنا غير لازم ولا يؤثر في العقد لأنه لا أثر له في تجويد رمي ولا كثرة إصابة وكثير من الرماة يختار التأخر على البداية فيكون وجود هذا الشرط كعدمه، وإذا رمى البادئ بسهم رمى الثاني بسهم كذلك حتى يقضيا رمييهما لأن إطلاق المناضلة يقتضي المراسلة ولأنه أقرب إلى التساوي وانجز للرامي، لأن أحدهما يصلح فرسه ويعدل سهمه حتى يرمي الآخر، وإن رميا سهمين سهمين فحسن وإن شرطا أن يرمي أحدهما رشقه ثم يرمي الآخر أو يرمي أحدهما عدداً ثم يرمي الآخر مثله جاز لأنه لا يؤثر في مقصود المناضلة وإن خالف مقتضى الإطلاق كما يجوز أن يشترط في البيع ما لا يقتضيه الإطلاق من النقود والخيار والأجل لما كان غير مانع من المقصود.
* (مسألة) * (والسنة يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام يرميان الآخر) لأن هذا كان فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة " وقال إبراهيم التيمي رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول أنابها أنابها في قميص وعن ابن عمر مثل ذلك، والهدف ما ينصب الغرض عليه أما تراب مجموع أو حائط ويروى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهباناً فإن جعلوا غرضاً واحداً جاز لأن المقصود يحصل به وهو عادة أهل عصرنا (فصل) وإذا تشاحا في الوقوف فإن كان الموضع الذي طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحاً يؤذيه استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها لأنه العرف إلا أن يكون في شرطهما استقبال ذلك فالشرط أولى كما لو اتفقا على الرمي ليلاً
فإن كان الموقفان سواء كان ذلك إلى الذي يبدأ فيتبعه الآخر فإذا كان في الوجه الثاني وقف الثاني حيث شاء ويتبعه الأول

(11/155)


(فصل) فإن أراد أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي بما لا حاجة إليه من مسح القوس والوتر ونحو ذلك إرادة التطويل على صاحبه لعله ينسى القصد الذي أصاب به أو يفتر منع من ذلك وطولب بالرمي ولا يزعج بالاستعجال بالكلية بحيث يمنع من تحري الإصابة، ويمنع كل واحد منهما من الكلام الذي يغيظ به صاحبه مثل أن يرتجز ويفتخر ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر له أنه يعلمه وهكذا الحاضر معهما مثل الأمين والشاهدين يكره لهم مدح المصيب وتعنيف المخطئ وزجره لأن فيه كسر قلب أحدهما وغيظه * (مسألة) * (وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهما خواصل احتسب له به) لعلمنا أنه لو كان الغرض في موضعه أصابه) * (مسألة) * (وإن كان شرطهما خواسق لم يحتسب له به ولا عليه) وهذا قول أبي الخطاب لأنا لا ندري هل يثبت في الغرض إن كان موجوداً اولا؟ وقال القاضي ينظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض فثبت في الهدف احتسب له به لأنه لو بقي مكانه لثبت فيه كثبوته في الهدف وإن لم يثبت فيه مع التساوي لم يحتسب وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه أو كان رخواً لم يحتسب السهم له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو بقي مكانه اولا وهذا مذهب الشافعي فإن وقع السهم في غير موضع الغرض احتسب به على راميه لأنه أخطأ ولو وقع في الغرض في الموضع الذي طار إليه حسب عليه أيضاً إلا أن يكونا اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه وكذلك الحكم إذا ألقت الريح الغرض وجهه (فصل) إذا كان شرطهما خواصل فأصاب بنصل السهم حسب له كيفما كان فإن أصاب بعرضه أو بفوقه نحو أن ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرص لم يعتد به لأن هذا من سيئ الخطأ فإن انقطع السهم قطعتين فاصابت القطعة الأخرى لم يعتد به وإن كان الغرض جلداً خيط عليه

(11/156)


شنبر كشنبر المنخل وجعلا له عرى وخيوطاً تعلق به في العرى فاصاب الشنبر أو العرى نظرت في شرطهما فإن شرطا اصابة الغرض اعتدله لأن ذلك من الغرض فأما المعاليق وهي الخيوط فلا يعتد له بإصابتها على كلا الشرطين لأنها ليست من الجلدة ولا من الغرض فهي كالهدف (فصل) فإن كان شرطهما خواسق وهو ما نقب الغرض وثبت فيه فمتى أصاب الغرض بنصله وثبت فيه احتسب به وإن خدشه ولم ينقبه لم يحتسب له وحسب عليه وإن مرق منه احتسب له به لأن ذلك لقوة رميه فهو أبلغ من الخاسق وإن خرقه ووقع بين يديه احتسب له به في أحد الوجهين لأنه نقب نقباً يصلح للخسق وإنما لم يثبت السهم لسبب آخر من سعة النقب أو غيره (والثاني) لا يحتسب له وهو أولى لأن الخاسق ما ثبت وهذا لم يثبت وثبوته يكون لحذق الرامي وقصده برميه ما اتفقا عليه إلا أن يكون امتناع السهم من الثبوت لوجود ما يمنع الثبوت من حصاة أو حجر أو عظم أو أرض غليظة ففيه الوجهان أيضاً إلا أنه إذا لم يحتسب له لم يحتسب عليه لكون العارض منعه من الثبوت أشبه ما لو منعه عارض من الإصابة، فإن اختلفا في وجود العارض فإن عرف موضع النقب باتفاقهما أو ببينة نظر في الموضع فإن لم يكن فيه ما يمنع فالقول قول المنكر وإن كان فيه ما يمنع فالقول قول المدعى بغير يمين لأن الحال تشهد بصدق ما ادعاه وإن لم يعلما موضع النقب إلا أنهما اتفقا على أنه خرق الغرض ولم يكن وراءه شئ يمنع فالقول قول المنكر بغير يمين أيضاً لأنه لا مانع وإن كان وراءه ما يمنع وادعى المصاب عليه أنه لم يكن السهم في موضع وراءه ما يمنع فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الإصابة مع احتمال ما يقوله المصيب وإن أنكر أن يكون خرق فالقول قوله أيضاً مع يمينه لما ذكرنا (فصل) إذا شرطا خاسقاً فوقع السهم في نقب في الغرض أو موضع بال فنقبه وثبت في الهدف

(11/157)


معلقا في الغرض فإن كان الهدف صلباً كصلابة الغرض حسب له لأنه علم أنه لو كان الغرض صحيحاً لثبت فيه وإن كان الهدف ترابا أهيل لم يحسب له ولا عليه لأنا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو أصاب موضعاً منه قوياً أولا؟ وإن صادف السهم في نقب الغرض قد ثبت في الهدف مع قطعة من الغرض
فقال الرامي خسقت وهذه الجلدة قطعها سهمي لشدة الرمية فأنكر الآخر وقال بل كانت مقطوعة فإن علم أن الغرض كا ن صحيحاً فالقول قول الرامي وإن اختلفا فذكر القاضي أنها كالتي قبلها إن كان الهدف رخواً وإن كان قوياً صلباً اعتد به، وإن وقع سهمه في سهم ثابت في الغرض اعتدله به إن كان شرطهما خواصل وإن كان خواسق لم يحسب له ولا عليه لأنا لا نعلم يقيناً أنه لولا فوق السهم الثابت لخسق وإن أصاب السهم ثم سبح عنه فخسق احتسب له به * (مسألة) * (وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحسب عليه بالسهم) إذا أخطأ لعارض مما ذكرنا أو حيوان اعترض بين يديه أو ريح شديدة ترد السهم عرضا يحسب عليه بذلك السهم لأن خطأه للعارض لا لسوء رميه قال القاضي ولو أصاب لم يحسب لأنه إذا لم يحسب عليه لم يحسب له لأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف الرمي الشديد فيخطئ يجوز أن تصرف السهم المخطئ عن خطئه فيقع مصيباً فتكون إصابته بالريح لا بحذق رميه، فأما إن وقع السهم في حائل بينه وبين الغرض فمرقه وأصاب الغرض حسب له لأن اصابته لسداد رميه ومروقه لقوته فهو أولى من غيره وإن كانت الريح لينة لا ترد السهم عادة لم يمنع لأن الجو لا يخلو من ريح ولأن الريح اللينة لا تؤثر إلا في الرمي الرخو الذي لا ينتفع به (فصل) إذا قال رجل لآخر ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم صح وكان جعالة لأنه بذل مالاً في فعل له فيه غرض صحيح ولم يكن نضالا لأن النضال يكون بين اثنين أو جماعة على أن يرموا جميعا ويكون الجعل لبعضهم إذا كان سابقاً، وإن قال إن أصبت به فلك درهم وإن أخطأت فعليك درهم لم يصح لأنه قمار وإن قال ارم عشرة أسهم فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم صح لأنه جعل الجعل في مقابلة اصابة معلومة فإن أكثر العشرة أقله ستة وليس ذلك مجهولاً لأنه بالأقل يستحق

(11/158)


الجعل، وإن قال إن كان صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم صح وكذلك إن قال ارم عشرة ولك بكل سهم أصبت به منها درهم.
أو قال فلك بكل سهم زائد على النصف من المصيبات درهم لأن الجعل معلوم بتقديره بالإصابة فأشبه ما لو قال استق لي من هذا البئر ولك بكل دلو تمرة
أو قال من رد عبداً من عبيدي فله بكل عبد درهم، وإن قال إن كان خطؤك أكثر فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لأنه قمار وإن قال ارم عشرة فإن أخطأتها فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لأن الجعل يكون في مقابلة عمل ولم يوجد من القابل عمل فيستحق به شيئاً ولذلك لو قال الرامي لأجنبي أن أخطأت فلك درهم لم يجز لذلك (فصل) وإن شرط أن يرميا أرشاقاً كثيرة جاز لأنه إذا جاز على القليل جاز على الكثير ولابد أن تكون معلومة فإن شرطا أن يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز لأن الغرض في ذلك صحيح فإنهما أو أحدهما قد يضعف عن الرمي كله مع حذقه، وإن أطلقا العقد جاز وحمل على التعجيل والحلول كسائر العقود فيرميان من أول النهار إلى آخره إلا أن يعرض عذر يمنع من مرض أو عذر كريح يشوش السهام أو لحاجة إلى طعام أو شراب أو صلاة أو قضاء حاجة لأن هذه مستثناة بالعرف وإذا جاء الليل تركاه لأن العادة ترك الرمي بالليل فحمل العقد عليه مع الإطلاق إلا أن يشترطاه ليلا فيلزم فإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفي بذلك وإلا رميا بضوء شمعة أو مشعل * (مسألة) * (وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي) لأن المطر يرخي الوتر ويفسد الريش وإن عرض ظلمة كمجئ الليل تركا الرمي إلى الغد لأن العادة الرمي نهاراً إلا أن يشترطا الرمي ليلاً فيأخذ أحدهما صاحبه بذلك وقد ذكرناه في الفضل قبله ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما وزهرهته إذا أصاب وعيبه إذا أخطأ لما فيه من كسر قلب صاحبه وقد ذكرناه

(11/159)