الشرح
الكبير على متن المقنع كتاب الأيمان والأصل في مشروعيتها وثبوت
حكمها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقول الله سبحانه (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن
يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) الآية.
وقال تعالى (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم
بالحلف في ثلاثة مواضع فقال (ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي إنه لحق) وقال
سبحانه (قل بلى وربي لتأتينكم) وقال (قل بلى وربي لتبعثن) وأما السنة فقول
النبي صلى الله عليه وسلم " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى
غيرها خيرا منها إلا
أتيت الذي هو خير وتحللتها " متفق عليه.
وكان أكثر قسم النبي صلى الله عليه وسلم " ومصرف القلوب - ومقلب القلوب "
ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آي وأخبار سوى هذين كثير،
وأجمعت الأمة على مشروعيه اليمين وثبوت أحكامها ووضعها في الأصل لتوكيد
المحلوف عليه (فصل) وتصح من كل مكلف مختار قاصد إلى اليمين ولا تصح من غير
مكلف كالصبي والمجنون والنائم كالإقرار وفي السكران وجهان بناء على أن هذا
مكلف أو غير مكلف، ولا تنعقد يمين مكره وبه قال مالك والشافعي وقال أبو
حنيفة تنعقد لأنها يمين مكلف فانعقدت كيمين المختار ولنا ما روى أبو أمامة
وواثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس على مقهور
يمين " ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر (فصل) وتصح من
الكافر وتلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه،
(11/160)
وبه قال الشافعي وابو ثور وابن المنذر إذا
حنث بعد إسلامه وقال الثوري وأصحاب الرأي لا تنعقد يمينه لأنه ليس بمكلف
ولنا أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام فأمره النبي صلى
الله عليه وسلم بالوفاء بنذره ولأنه من أهل القسم بدليل قوله تعالى
(فيقسمان بالله) ولا نسلم أنه غير مكلف وإنما تسقط عنه العبادات بإسلامه
لأن الاسلام يجب ما قبله.
فأما ما التزمه بنذره أو يمينه فينبغي أن يبقى حكمه في حقه لأنه من جهته.
(فصل) والأيمان تنقسم خمسة أقسام (أحدها) واجب وهي التي ينجي بها إنساناً
معصوماً من هلكة كما روي عن سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد النبي صلى الله
عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدوله فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنا
أنه أخي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" صدقت المسلم أخو المسلم " رواه أبو داود فهذا وأشباهه واجب لأن انجاء
المعصوم واجب وقد تعين في اليمين فيجب وكذلك انجاء نفسه مثل أن تتوجه أيمان
القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ
(الثاني) مندوب وهو الحلف الذي تتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين أو
إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره أو في دفع شر فهذا مندوب لأن فعل
هذه الأمور مندوب إليه واليمين مفضية إليه، وإن حلف على فعل طاعة أو ترك
معصية ففيه وجهان (أحدهما) أنه مندوب إليه وهو قول بعض أصحابنا وأصحاب
الشافعي لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعات وترك المعاصي
(11/161)
(والثاني) ليس بمندوب إليه لأن النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك في الأكثر الأغلب ولا حث
النبي صلى الله عليه وسلم أحداً عليه ولا ندبهم إليه ولو كان ذلك طاعة لم
يخلوا به ولأن ذلك يجري مجرى النذر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
النذر وقال " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " متفق عليه.
(الثالث المباح الحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشئ هو صادق
فيه أو يظن أنه فيه صادق فإن الله تعالى قال (لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم) ومن صور اللغو أن يحلف على شئ يظنه كما حلف ويتبين بخلافه
(الرابع) المكروه وهو الحلف على مكروه أو ترك مندوب قال الله تعالى (ولا
تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) وروي أن أبا
بكر الصديق رضي الله عنه حلف لا ينفق على مسطح بعد الذي قال لعائشة ما قال
وكان من اهل الإفك فانزل الله تعالى (ولا يأتل أولو الفضل منكم) الآية، قيل
المراد بقوله (ولا يأتل) أي لا يمتنع ولأن اليمين على ذلك مانعة من فعل
الطاعة أو حاملة على فعل المكروه فتكون مكروهة، فإن قيل لو كانت مكروهة
لانكر النبي صلى الله عليه وسلم على الإعرابي الذي سأله عن الصلوات فقال هل
علي غيرها؟ فقال " لا إلا أن تتطوع " فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها
ولا أنقص منها ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال " أفلح الرجل
إن صدق " قلنا لا يلزم هذا فإن اليمين على تركها لا تزيد على تركها ولو
تركها لم ينكر عليه ويكفي في ذلك بيان إن ما تركه تطوع وقد بينه له النبي
صلى الله عليه وسلم بقوله " إلا أن تتطوع " ولأن هذه اليمين إن تضمنت ترك
المندوب فقد تناولت فعل الواجب والمحافظة عليه كله بحيث لا ينقص منه
(11/162)
منه شيئاً وهذا في الفضل يزيد على ما قابله
من ترك التطوع فيترجح جانب الاتيان بها على تركها فيكون من قبل المندوب
فكيف ينكر؟ ولأن في الإقرار على هذه اليمين بيان حكم يحتاج إليه وهو بيان
أن ترك التطوع غير مؤاخذ به ولو أنكر على الحالف هذا لحصل ضد هذا وتوهم
كثير من الناس لحوق الإثم بتركه فيفوت الغرض، ومن قسم المكروه الحلف في
البيع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة "
رواه ابن ماجه (القسم الخامس) المحرم وهو الحلف الكاذب فإن الله تعالى ذمه
بقوله سبحانه (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) ولأن الكذب حرام فإذا كان
محلوفاً عليه كان أشد في التحريم وإن أبطل به حقاً واقتطع به مال معصوم كان
أشد فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف على يمين فاجرة
يقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " متفق على معناه وأنزل الله
تعالى في ذلك (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا
خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم
ولهم عذاب أليم) ومن هذا القسم الحلف على معصية أو ترك واجب فإن المحلوف
عليه حرام فكان الحلف حراما لأنه وسيلة إليه والوسيلة تأخذ حكم المتوسل
إليه (فصل) ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم كان حلها محرماً لأن
حلها بفعل المحرم وهو محرم وإن كانت على مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه
وإن كانت على مباح فحلها مباح، فإن قيل فكيف يكون حلها مباحاً وقد قال الله
سبحانه وتعالى (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها - إلى قوله - تتخذون
أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) والعهد يجب الوفاء به بغير
تمين فمع اليمين أولى فإن الله تعالى قال (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم)
وقال (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ولهذا نهى عن نقض اليمين والنهي
يقتضي التحريم وذمهم عليه وضرب لهم مثل التي
(11/163)
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ولا خلاف في
أن المحل المختلف فيه لا يدخله شئ من هذا؟ وإن كانت على فعل مكروه أو ترك
مندوب فحلها مندوب إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا حلفت
على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وقال
عليه السلام " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا
منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك
واجب فحلها واجب لأن حلها بفعل الواجب وفعله واجب * (مسألة) * (واليمين
التي تجب بها الكفارة هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته) أجمع أهل
العلم على أن من حلف بالله تعالى فقال والله أو بالله أو تالله فحنث أن
عليه الكفارة، قال إبن المنذر وكان مالك وابو عبيد والشافعي وأبو ثور
وأصحاب الرأي يقولون من حلف باسم من أسماء الله تعالى فحنث فعليه الكفارة
ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله الذي لا يسمى بها سواه *
(مسألة) * (وأسماء الله تعالى قسمان) (أحدهما) مالا يسمى به غيره ونحو
والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شئ والآخر الذي ليس بعده شئ
وخالق الخلق ورزاق العالمين، فهذا القسم به يمين بكل حال وكذلك قوله ورب
العالمين، ورب السموات، والحي الذي لا يموت (الثاني) ما يسمى به غيره
وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالعظيم والرحيم والرب والمولى والرازق
ونحوه.
فأما الرحمن فذكره شيخنا من هذا القسم في الكتاب المشروح وذكره في كتاب
المغني من القسم الأول وهو أولى لأن ذلك إنما كان يسمى به غير الله تعالى
مضافا كقولهم في مسيلمة رحمان اليمامة أما إذا أطلق فلا ينصرف إلا إلى الله
تعالى، فهذا القسم الذي يسمى به غير الله مجازاً بدليل قوله تعالى (ارجع
إلى ربك - واذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) وقال (فارزقوهم منه)
وقال (بالمؤمنين رئوف رحيم)
(11/164)
* (مسألة) * (فهذا إن نوى بالقسم به اسم
الله تعالى أو اطاق كان يمينا لأنه باطلاقه ينصرف إليه بالنية) وهذا مذهب
الشافعي، وقال طلحة العاقولي إذا قال والرب والخالق والرازق كان يميناً على
كل حال كالأول لا يستعمل مع التعريف باللام إلا في اسم الله تعالى فأشبهت
القسم الأول * (مسألة) * (وأما مالا يعد من اسمائه كالشئ والموجود والحي
والعالم والمؤمن والكريم والشاكر فإن لم ينو به الله تعالى أو نوى غيره لم
يكن يميناً وإن نواه كان يمينا)
فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الإطلاق ففي الأول يكون يميناً وفي
الثاني لا يكون يميناً، وقال القاضي والشافعي في هذا القسم لا يكون يميناً
أيضاً وإن قصد به اسم الله تعالى لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الإسم فمع
الاشتراك لا يكون له حرمة والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين ولنا أنه
أقسم بالله قاصداً به الحلف فكان يميناً مكفرة كالقسم الذي قبله، وقولهم أن
النية المجردة لا تنعقد بها اليمين نقول به وما انعقد بالنية المجردة وإنما
انعقد بالإسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ
المحتمل إلى أحد محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات ولهذا لو نوى بالقسم
الذي قبله غير الله لم يكن يميناً لنيته * (مسألة) * (وإن قال وحق الله
وعهد الله وايم الله وأمانة الله وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله
وعزته ونحو ذلك فهو يمين) وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى
الله تعالى لم يكن يميناً إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يميناً،
وإن قال وحق الله فهي يمين مكفرة وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا
كفارة لها لأن حق الله طاعته ومفروضاته وليست صفة له ولنا أن لله حقوقا
يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الاستعمال
(11/165)
بالحلف بهذه الصفة فينصرف إلى صفة الله
تعالى كقوله وقدر الله، وإن نوى بذك القسم بمخلوق فالقول فيه كالقول في
الحلف بالعلم والقدرة إلا ان احتمال المخلوق بهذا اللفظ أظهر، وإن قال وعهد
الله وكفالته فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها وبهذا قال الحسن وطاوس
والشعبي والحارث العكلي وقتادة الحكم والاوزاعي ومالك، وقال عطاء وابن
المنذر وأبو عبيد لا يكون يمينا إلا أن ينوي وقال الشافعي لا يكون يميناً
إلا أن ينوي اليمين بعهد الله الذي هو صفته، وقال أبو حنيفة ليس بيمين
ولعلهم ذهبوا إلى أن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يميناً كما لو
قال وحق الله، وقد وافقنا أبو حنيفة في أنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه
ثم حنث أنه تلزمه الكفارة ولنا أن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به
ونهانا عنه لقوله (ألم أعهد إليكم يا بني آدم؟)
وكلامه قديم صفة له، ويحتمل أنه استحقاقه لما تعبدنا به وقد ثبت له عرف
الاستعمال فيجب أن يكون يميناً باطلاقه كما لو قال وكلام الله.
إذا ثبت هذا فإنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن أو قال وعهد الله
ميثاقه لاأفعلن فهو يمين * (مسألة) * (وإن قال وايم الله أو وايم الله فهي
يمين موجبة للكفارة) وهو كالحلف بعمر الله على ما نذكره، وقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم يقسم به وانضم إليه عرف الاستعمال فوجب أن ينصرف إليه،
واختلف في اشتقاقه فقيل هو جمع يمين وحذفت النون فيه في البعض تخفيفاً
لكثرة الاستعمال وقيل هو من اليمن فكأنه قال ويمن الله لأفعلن وألفه ألف
وصل * (مسألة) * (وإن قال وأمانة الله فقال القاضي لا يختلف المذهب في أن
الحلف بأمانة الله يمين مكفرة وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا تنعقد
اليمين بها إلا أن ينوي الحلف بصفة الله) لأن الأمانة تطلق على الفرائض
والودائع والحقوق قال الله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على
(11/166)
السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
وأشفقن منها وحملها الإنسان) وقال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات
إلى أهلها) يعني الودائع والحقوق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أد
الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " وإذا كان اللفظ محتملاً لم يصرف
إلى أحد محتملاته إلا ببينة أو دليل صارف إليه ولنا أن أمانة الله صفة من
صفاته بدليل وجوب الكفارة على من حلف بها إذا نوى حملها على ذلك عند
الإطلاق لوجوه (أحدها) أن حملها على غير ذلك صرف ليمين المسلم إلى المعصية
أو المكروه لكونه قسما بمخلوق والظاهر من حال المسلم خلافه (الثاني) إن
القسم في العادة يكون بالمعظم المحترم دون غيره وصفة الله أعظم حرمة وقدرا
(الثالث) إن ما ذكروه من الفرائض والودائع لم يعهد القسم بها ولا يستحسن
ذلك لو صرح به فلذلك لا يقسم بما هو عبارة عنه
(الرابع) أن أمانة الله المضافة إليه هي صفته وغيرها يذكر غير مضاف إليه
كما ذكر في الآيات والخبر (الخامس) إن اللفظ عام في كل أمانة الله لأن اسم
الجنس إذا أضيف إلى معرفة أفاد الاستغراق فتدخل فيه أمانة الله التي هي
صفته فتنعقد اليمين بها موجبة للكفارة كما لو نواها (فصل) والقسم بصفات
الله تعالى كالقسم بأسمائه، وصفاته ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) ما هو صفات
لذات الله تعالى لا يحتمل غيرها كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه
فهذه تنعقد بها اليمين في قولهم جميعاً وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي لأن
هذه من صفات ذاته ولم يزل موصوفاً بها، وقد ورد الأثر بالقسم ببعضها فروي "
أن النار تقول قط قط وعزتك " رواه
(11/167)
البخاري والذي يخرج من النار يقول " وعزتك
لا أسألك غيرها " وفي كتاب الله تعالى قال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين)
(الثاني) ما هو صفة للذات إلا أنه يعبر به عن غيرها مجازاً كعلم الله
وقدرته فهذه صفة للذات لم يزل موصوفاً بها، وقد تستعمل في المعلوم والمقدور
أقساماً كقولهم اللهم اغفر لنا علمك فينا ويقال اللهم قد أريتنا قدرتك
فأرنا عفوك ويقال انظروا إلى قدرة الله أي مقدوره فمتى أقسم بهذا كان
يميناً وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة اذا قال وعلم الله لا يكون يميناً
لأنه يحتمل المعلوم ولنا أن العلم من صفات الله تعالى فكانت اليمين به
يميناً موجبة للكفارة كالعظمة والعزة والقدرة وينتقض ما ذكروه بالقدرة فانه
قد سلموها وهي قرينتها، فأما إن نوى القسم بالمعلوم والمقدور احتمل أن لا
يكون يميناً وهو قول أصحاب الشافعي لأنه نوى بالإسم غير صفة الله تعالى مع
احتمال اللفظ ما نواه فأشبه ما لو نوى القسم بمخلوق في الأسماء التي يسمى
بها غير الله تعالى، وقد روي عن أحمد أن ذلك يكون يميناً بكل حال ولا يقبل
منه نية غير صفة الله كالعظمة وقد ذكر طلحة العاقولي إن أسماء الله تعالى
المعرفة بلام التعريف كالخالق والرازق أنها تكون يميناً بكل حال لأنها لا
تنصرف إلا إلى اسم الله تعالى كذا هذا (الثالث) ما لا ينصرف بإطلاقه إلى
صفة الله تعالى لكن ينصرف بإضافته إلى الله سبحانه لفظاً
(11/168)
أو نية كالعهد والميثاق والأمانة فهذا لا
يكون يميناً مكفرة إلا بإضافته أو نيته وسنذكره إن شاء الله * (مسألة) *
(وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يميناً
إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يميناً) إذا قال والعهد والميثاق
والأمانة والعظمة والكبرياء والقدرة والجلال ونوى عهد الله كان يميناً
وكذلك في سائرها لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله، وإن أطلق فقال القاضي
فيه روايتان [إحداهما] يكون يميناً لأن لام التعريف إن كانت للعهد يجب أن
تصرف إلى عهد الله تعالى لأنه الذي عهدت اليمين به وإن كانت للاستغراق دخل
فيه ذلك [والثانية] لا تكون يميناً لأنه يحتمل غير ما وجبت به الكفارة ولم
يصرفه إلى ذلك بنيته فلا تجب الكفارة لأن الأصل عدمها (فصل) ويكره الحلف
بالأمانة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف بالأمانة
فليس منا " رواه أبو داود، وروي زياد بن خدير أن رجلاً حلف عنده بالأمانة
فجعل يبكي بكاء شديداً فقال له الرجل هل كان هذا يكره؟ قال نعم كان عمر
ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي * (مسألة) * (وإن قال لعمر الله كان
يميناً وقال أبو بكر لا يكون يميناً إلا أن ينوي) .
ظاهر المذهب أن ذلك يمين موجبة للكفارة وإن لم ينو وبه قال أبو حنيفة وقال
أبو بكر ان قصد اليمين فهو يمين وإلا فلا وهو قول الشافعي لأنها إنما تكون
يميناً بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمر الله ما أقسم به فيكون مجازا
والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق.
ولنا أنه أقسم بصفة من صفات الله فكانت يميناً موجبة للكفارة كالحلف ببقاء
الله وحياته
(11/169)
ويقال العمر والعمر واحد وقيل معناه وحق
الله وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال قال الله تعالى (لعمرك إنهم لفي
سكرتهم يعمهون) .
وقال النابغة: فلا لعمر الذي قد زرته حججاً * وما أريق على الأنصاب من جسد
وقال آخر: إذا رضيت كرام بني قشير * لعمر الله أعجبني رضاها وهذا في الشعر
والكلام كثير، وأما احتياجه إلى التقدير فلا يضر فإن اللفظ إذا اشتهر في
العرف صار من الأسماء العرفية ويجب حمله فيه عند الإطلاق دون موضوعة الأصلي
على ما عرف من سائر الأسماء العرفية ومتى احتاج اللفظ إلى التقدير وجب
التقدير له ولم يجز اطراحه ولهذا يفهم مراد المتكلم به ومن غير إطلاع على
نية قائله وقصده كما يفهم أن مراد المتكلم من المتقدمين القسم ويفهم من
القسم بغير حرف القسم في اشعارهم في مثل قولهم.
فقلت يمين الله أبرح قاعداً ويفهم من القسم الذي حذف في جوابه حرف لأنه
مقدر مراد لهذا لبيت ويفهم من قول الله تعالى (واسئل القرية - وأشربوا في
قلوبهم العجل) التقدير فكذا ههنا وإن قال عمرك الله كما في قوله.
أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان؟ فقد قيل هو مثل قوله
نشدتك الله ولهذا ينصب اسم الله فيه وإن قال لعمري أو لعمرك أو عمرك فليس
بيمين في قول أكثرهم، وقال الحسن في قوله لعمري عليه الكفارة.
ولنا أنه أقسم بحياة مخلوق فلم تلزمه كفارة كما لو قال وحياتي وذلك لأن هذا
اللفظ يكون قسماً بحياة الذي أضيف إليه العمر فإن التقدير لعمرك قسمي أو ما
أقسم به والعمر الحياة والبقاء.
(11/170)
* (مسألة) * (وإن حلف بكلام الله أو
بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه عليه بكل آية كفارة.
) وجملة ذلك أن الحلف بكلام الله أو بالقرآن أو بآية منه يمين منعقدة تجب
الكفارة بالحنث فيها، وبه قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأبو
عبيد وعامة أهل العلم، وقال أبو حنيفة واصحابه ليس بيمين ولا تجب به كفارة
فمنهم من زعم أنه مخلوق ومنهم من قال لا تعهد اليمين به.
ولنا أن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو
قال وجلال الله
وعظمته وقولهم هو مخلوق قلنا هذا كلام المعتزلة وإنما الخلاف مع الفقهاء
وقد روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " القرآن كلام الله
غير مخلوق " وقال ابن عباس في قوله تعالى (قرآنا عربيا غير ذي عوج) أي غير
مخلوق وأما قولهم لا تعهد اليمين به فيلزمهم قولهم: وكبرياء الله وعظمته
وجلاله إذا ثبت هذا فإن الحلف بآية منه كالحلف بجميعه لأنها من كلام الله
تعالى وكذلك الحلف بالمصحف تنعقد به اليمين وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم
يكره ذلك امامنا واسحاق، لأن الحلف بالمصحف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه
وهو القرآن فإنه بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين.
(فصل) فإن حلف بالقرآن أو بحق القرآن أو بكلام الله لزمته كفارة واحدة، ونص
أحمد على أنه تلزمه بكل آية كفارة وهو الذي ذكره الخرقي وهو قول ابن مسعود
والحسن، وقياس المذهب أنه تلزمه كفارة واحدة وهو قياس مذهب الشافعي وأبي
عبيد، لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر
من كفارة فالحلف بصفة من صفات الله أولى أن تجزئه كفارة واحدة.
ووجه الأول ما روى مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف
بسورة من
(11/171)
القرآن فعليه بكل آية كفارة يمين صبر فمن
شاء بر ومن شاء فجر " رواه الأثرم، ولأن ابن مسعود قال ذلك ولم نعرف له
مخالفاً في الصحابة قال أحمد وما أعلم شيئاً يدفعه، قال شيخنا ويحتمل كلام
أحمد أن في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه فإنه قال عليه بكل آية
كفارة لمن قدر عليها فان لم يمكنه فكفارة واحدة ورده إلى واحدة عند العجز
دليل على أن ما زاد عليه غير واجب وكلام ابن مسعود أيضاً يحمل على الاختيار
لكلام الله والمبالغة في تعظيمه كما روي عن عائشة أنها اعتقت أربعين رقبة
حين حلفت بالعهد وليس ذلك بواجب، فعلى هذا تجزئه كفارة واحدة لقول الله
تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته إطعام عشرة مساكين وهذه
يمين فتدخل في عموم الأيمان المنعقدة وإنها يمين واحدة فلم توجب كفارات
كسائر الأيمان، ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضي إلى المنع من البر
والتقوى والإصلاح بين الناس، لأن من علم أنه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها
يترك المحلوف عليه كائناً ما كان وقد يكون براً وتقوى وإصلاحاً فتمنعه
يمينه وقد
نهى الله تعالى عنه بقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا
وتصلحوا بين الناس) وإن قلنا بوجوب كفارات بعدد الآيات فلم يطق ذلك أجزأته
كفارة واحدة نص عليه أحمد.
* (مسألة) * (وإن قال أحلف بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم
بالله كان يمينا، وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يميناً إلا أن ينوي وعنه
يكون يميناً) .
هذا قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافاً وسواء نوى اليمين أو أطلق لأنه لو
قال بالله ولم يقل أقسم ولا أشهد ولم يذكر الفعل كان يميناً وإنما كان
يميناً بتقدير الفعل قبله، لأن
(11/172)
الباء تتعلق بفعل مقدر على ما ذكرناه فإن
أظهر الفعل ونطق بالمقدر كان أولى بثبوت حكمه وقد ثبت له عرف الاستعمال،
قال الله تعالى (فيقسمان بالله) وقال تعالى (وأقسموا بالله) وقال (فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) ويقول الملاعن في لعانه أشهد
بالله إني لمن الصادقين وتقول المرأة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين وأنشد
أعرابي * أشهد بالله لتفعلنه * وكذلك الحكم إن ذكر الفعل بلفظ الماضي فقال
أقسمت أو شهدت بالله قال عبد الله بن رواحة * أقسمت بالتنزلنه * إن أراد
بقوله أقسمت بالله الخبر عن قسم ماض أو بقوله أقسم بالله الخبر عن قسم يأتي
به فلا كفارة عليه وإن ادعى ذلك قبل منه، وقال القاضي لا يقبل في الحكم وهو
قول بعض أصحاب الشافعي لأنه خلاف الظاهر.
ولنا أن هذا حكم فيما بينه وبين الله تعالى فإذا علم من نفسه أنه نوى شيئاً
وأراده مع احتمال اللفظ إياه لم يلزمه شئ وإن قال شهدت بالله أني آمنت
بالله فليس بيمين وذكر أبو بكر في قوله أعزم بالله أنه ليس بيمين مع
الإطلاق وهو قول الشافعي لأنه لم يثبت له عرف الشرع ولا الاستعمال فظاهره
غير اليمين، لأن معناه اقصد الله لأفعلن، ووجه الأول أنه يحتمل اليمين وقد
اقترن به ما يدل عليه وهو جوابه بجواب القسم فيكون يميناً فأما إن نوى
بقوله غير اليمين لم يكن يميناً.
(فصل) وإن قال أولي بالله أو حلفت بالله أو آليت بالله أو ألية بالله أو
حلفاً بالله أو قسماً بالله فهو يمين سواء نوى به اليمين أو أطلق لما
ذكرناه في أقسم بالله وحكمه حكمه في تفصيله لأن الإيلاء والحلف والقسم واحد
قال الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وقال سعد بن معاذ
أحلف
بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به وقال الشاعر: أولي برب
الراقصات إلى منى * ومطارح الأكوار حيث تبيت وقال ابن دريد: الية باليعملات
ترتمي * بها النجاء بين اجواز الفلا
(11/173)
وقال: بل قسما من يعرب هل لمقسم من بعد هذا
منتهى؟ (فصل) فأما إن قال أقسمت أو آليت أو شهدت لأفعلن ولم يذكر اسم الله
فعن أحمد روايتان (إحداهما) أنها يمين سواء نوى اليمين أو أطلق وروي ذلك عن
عمر وابن عباس والنخعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وعن أحمد إن نوى اليمين
بالله كان يميناً وإلا فلا وهو قول مالك وإسحاق وابن المنذر لأنه يحتمل
القسم بالله وبغيره فلم يكن يميناً حتى يصرفه بنيته إلى ما تجب به الكفارة
وقال الشافعي ليس بيمين وإن نوى، وروي نحو ذلك عن عطاء والحسن والزهري
وقتادة وأبي عبيد لأنها عريت عن اسم الله تعالى وصفته فلم تكن يميناً كما
لو قال أقسمت بالبيت ولنا أنه قد ثبت لها عرف الشرع والاستعمال فان أبا بكر
قال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " لا تقسم يا أبا بكر " رواه أبو داود وقال العباس للنبي
صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه فبايعه النبي صلى
الله عليه وسلم وقال " أبررت قسم عمي ولا هجرة " وفي كتاب الله تعالى (إذا
جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله - إلى قوله - اتخذوا أيمانهم جنة
فصدوا عن سبيل الله) فسماها يميناً وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قسماً وقالت عاتكة بنت عبد المطلب حلفت لئن عادوا لنصطلمنهم * لجاءو تردي
حجرتيها المقانب وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فآليت لا تنفك عيني
حزينة * عليك ولا ينفك جلدي أغبرا وقولهم يحتمل القسم بغير الله قلنا إنما
يحمل على القسم المشروع ولهذا لم يكن مكروهاً ولو حمل
(11/174)
على القسم بغير الله كان مكروهاً ولو كان
مكروهاً لم يفعله أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبر النبي
صلى الله عليه وسلم
قسم العباس حين أقسم عليه (فصل) وإن قال أعزم أو عزمت لم يكن قسماً نوى به
القسم أو لم ينوه لأنه لم يثبت لهذا اللفظ عرف في الشرع ولا هو موضوع للقسم
ولا فيه دلالة عليه، ولذلك إن قال استعين بالله أو اعتصم بالله أو أتوكل
على الله أو علم الله أو عز الله أو تبارك الله أو نحو هذا لم يكن يميناً
نوى أو لم ينو لأنه ليس بموضوع للقسم لغة ولا ثبت له عرف في شرع ولا
استعمال فلم يجب به شئ كما لو قال سبحان الله وبحمده ولا إله إلا الله
والله أكبر (فصل) وحروف القسم ثلاثة: الباء والواو والتاء في اسم الله
تعالى خاصة والأصل في حروف القسم الباء وتدخل على المظهر والمضر جميعاً
كقولك بالله وبك والواو وهي بدل من الباء تدخل على المظهر دون المضمر وهي
أكثر استعمالا ولأنها جاءت في أكثر الأقسام في الكتاب والسنة، وإنما كانت
الباء الأصل لأنها الحرف الذي تصل به الأفعال القاصرة عن التعدي إلى
مفعولاتها والتقدير في القسم أقسم بالله كما قال الله سبحانه (وأقسموا
بالله جهد أيمانهم) والتاء بدل من الواو وتختص بإسم واحد من أسماء الله
تعالى وهو الله ولا تدخل على غيره فيقال تالله ولو قال تالرحمن أو تالرحيم
لم يكن قسماً فإذا أقسم باحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسماً صحيحاً
لأنه موضوع له وقد جاء في كتاب الله تعالى وكلام العرب قال الله تعالى
(تالله لتسئلن عما كنتم تفترون - تالله لقد آثرك الله علينا - تالله تفتؤ
تذكر يوسف - تالله لأكيدن أصنامكم) وقال الشاعر: تالله يبقى على الأيام ذو
حيد * بمشمخر به الضيان والآس
(11/175)
وإن قال ما أردت به القسم لم يقبل قوله
لأنه أتى باللفظ الصريح في القسم واقترنت به قرينة دالة عليه وهو الجواب
بجواب القسم فيمنع صرفه إلى غيره * (مسألة) * (ويجوز القسم بغير حرف القسم
فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب فإن قال الله لأفعلن بالرفع كان يمينا إلا
أن يكون عربياً ولا ينوي به اليمين) إذا أقسم بغير حرف القسم فقال الله
لأقومن بالجر والنصب فهو يمين وقال الشافعي لا يكون
يميناً إلا أن ينوي لأن ذكر الله تعالى بغير حرف القسم ليس بصريح في القسم
فلا ينصرف إلا بالنية ولنا أنه سائغ في العربية وقد ورد به عرف الاستعمال
في الشرع فروي أن عبد الله بن مسعود أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل
أبا جهل فقال " الله إنك قتلته؟ " قال الله إني قتلته ذكره البحاري وقال
لركانة ابن عبد يزيد " الله ما أردت إلا واحدة " قال الله ما أردت إلا
واحدة وقال امرؤ القيس * فقلت يمين الله أبرح قاعداً * - وقال أيضا * فقالت
يمين الله مالك حيلة * وقد اقترنت به قرينتان تدلان عليه (إحداهما) الجواب
بجواب القسم (والثانية) الجر والنصب واسم الله تعالى فوجب أن يكون يميناً
كما لو قال والله، فإن قال الله لأفعلن بالرفع ونوى اليمين فهو يمين إلا أن
يكون قد لحن كما لو قال والله بالرفع ولم ينو اليمين فقال أبو الخطاب تكون
يميناً لأن قرينة الجواب بجواب القسم كافية والعامي لا يعرف الإعراب فيأتي
به إلا أن يكون من أهل العربية فان عدوله عن إعراب القسم دليل على أنه لم
يرده، قال شيخنا ويحتمل أن لا يكون قسماً في حق العامي لأنه ليس بقسم في حق
أهل العربية فلم يكن قسماً في حق غيرهم كما لو لم يجبه بجواب القسم ويجاب
القسم بأربعة أحرف: حرفان للنفي وهما ما ولا وحرفان للإثبات وهما أن واللام
المفتوحة وتقوم أن الخفيفة المكسورة مقام ما النافية مثل قوله (وليحلفن إن
أردنا إلا الحسنى) وإن قال والله افعل بغير حرف فالمحذوف ههنا لا
(11/176)
ويكون يمينه على النفي لأن موضوعه في
العربية لذلك قال الله تعالى (تفتؤ تذكر يوسف) أي لا تفتؤ وقال الشاعر: *
تالله تبقى على الأيام ذو حيد * وقال آخر: * فقلت يمين الله أبرح قاعداً *
أي لا أبرح (فصل) وإن قال لاها لله ونوى اليمين كان يميناً لأن أبا بكر رضي
الله عنه قال في سلب قتيل أبي قتادة لاها لله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله
يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق
" وإن لم ينو اليمين فالظاهر أنه لا يكون يميناً لأنه لم يقترن به صرف ولا
نية ولا في جوابه حرف يدل على القسم وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (ويكره
الحلف بغير الله تعالى ويحتمل أن يكون محرما وذلك نحو أن يحلف بأبيه أو
بالكعبة أو بصحابي أو إمام أو غيره قال الشافعي أخشى أن يكون معصية قال ابن
عبد البر هذا أمر مجتمع عليه وقيل لا يكره ذلك لأن الله تعالى أقسم
بمخلوقاته فقال (والصافات صافا - والمرسلات عرفا) وقال النبي صلى الله عليه
وسلم للأعرابي الذي سأل عن الصلاة " أفلح وأبيه إن صدق " وقال في حديث أبي
العشراء " وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزأك " ولنا ما روى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه وهو يحلف بأبيه فقال " إن الله
ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " قال عمر
فو الله ما حلفت بها بعد ذلك ذاكراً ولا آثراً متفق عليه يعني ولا حاكياً
عن غيري
(11/177)
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " من حلف بغير الله فقد أشرك " قال الترمذي هذا حديث حسن فأما قسم الله
بمصنوعاته فأنما أقسم دالا على قدرته وعظمته ولله تعالى أن يقسم بما شاء
ولا وجه للقياس على إقسامه وقد قيل إن في إقسامه اضمار القسم برب هذه
المخلوقات فقوله (والضحى) أي ورب الضحى وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم
للإعرابي " أفلح وأبيه إن صدق " فقال ابن عبد البر هذا اللفظ غير محفوظ من
وجه صحيح وحديث أبي العشراء قال أحمد لو كان يثبت يعني أنه لم يثبت، ثم إن
لم يكن الحلف بغير الله محرماً فهو مكروه لأن من حلف بغير الله فقد عظم
غيره تعظيماً يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى ولهذا سمي شركا لكونه اشرك غير
الله مع الله تعالى في تعظيمه بالقسم به، فعلى هذا يستغفر الله إذا أقسم
بغير الله قال الشافعي من حلف بغير الله فليقل استغفر الله * (مسألة) *
(ولا تجب به الكفارة سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه
ورزقه وبيته أو لم يضفه كقوله والكعبة وأبي) ويعني لا تجب الكفارة بالحنث
فيها وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء * (مسألة) * (وقال
أصحابنا تجب الكفارة بالحنث برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة) وروى عن
أحمد أنه قال إذا حلف بحق رسول الله فحنث فعليه الكفارة ولانه أخذ شرطي
الشهادة فالحلف به موجب للكفارة كالحلف بالله تعالى والأول أولى لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " من كان حالفاً
فليحلف بالله أو ليصمت " ولأنه حلف بغير الله تعالى فلم توجب الكفارة
بالحنث فيه كسائر الأنبياء ولأنه مخلوق فلم تجب الكفارة بالحلف به كالحلف
بابراهيم عليه السلام ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص ولا
يصح قياس إسم غير الله على إسمه لعدم الشبه وانتفاء المماثلة وكلام أحمد
يحمل على الاستحباب
(11/178)
(فصل) ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط
(أحدها) أن تكون اليمين منعقدة وهي التي يمكن فيها البر والحنث وذلك الحلف
على مستقبل ممكن قال ابن عبد البر اليمين التي فيها الكفارة بإجماع
المسلمين هي التي على المستقبل من الأفعال كمن حلف ليضربن غلامه أو لا
يضربه فإن فعل فعليه الكفارة وذهبت طائفة إلى أن الحنث إذا كان طاعة لم
يوجب كفارة، وقال قوم من حلف على فعل معصية فكفارتها تركها، وقال سعيد بن
جبير اللغو أن يحلف فيما لا ينبغي له يعني فلا كفارة عليه في الحنث وقد روى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا
نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم،
ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن
تركها كفارة " رواه أبو داود ولأن الكفارة إنما تجب لدفع الإثم ولا إثم في
الطاعة ولأن اليمين كالنذر ولا نذر في معصية الله ولنا قول النبي صلى الله
عليه وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير
وليكفر عن يمينه " وقال " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى
غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني " أخرجه البخاري
وحديثهم لا يعارض حديثنا لأن حديثنا أصح منه وأثبت ثم أنه يحتمل أن تركها
كفارة لاثم الحلف والكفارة المختلف فيها كفارة المخالفة وقولهم إن الحنث
طاعة قلنا فاليمين غير طاعة فتلزمه الكفارة للمخالفة ولتعظيم اسم الله
عزوجل إذا حلف به ولم تبر يمينه، إذا ثبت ذلك نظرنا في يمينه فإن كان على
ترك شئ ففعله حنث ووجبت الكفارة، وإن كانت على فعل شئ فلم يفعله وكانت
يمينه مؤقتة بلفظ أو بنية أو قرينة حاله ففات الوقت حنث، وإن كانت مطلقة لم
يحنث إلا بفوات وقت الامكان لأنه مادام في الوقت والفعل
ممكن فيحتمل أنه يفعل فلا يحنث * (مسألة) * (فأما اليمين على الماضي فليست
منعقدة وهي نوعان: الغموس وهي التي يحلف بها
(11/179)
كاذباً عالماً بكذبه وعنه فيها الكفارة،
ومثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه)
ظاهر المذهب أن يمين الغموس لا كفارة فيها نقله الجماعة عن أحمد وهو قول
أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن ومالك والاوزاعي
والثوري والليث وابو عبيد وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي من أهل الكوفة.
وإنما سميت هذه يمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم قال ابن مسعود كنا
نعد اليمين التي لا كفارة لها اليمين الغموس، وعن سعيد بن المسيب قال هي من
الكبائر وهي أعظم من أن تكفر، وروى عن أحمد أن فيها الكفارة وروي ذلك عن
عطاء والزهري والحكم والبتي وهو قول الشافعي لأنه وجدت منه اليمين بالله
والمخالفة مع القصد فلزمته الكفارة ولنا أنها يمين غير منعقدة فلا توجب
الكفارة كاللغو أو يمين على ماض أشبهت اللغو، وبيان أنها غير منعقدة كونها
توجب برا ولا يمكن فيها ولأنه قارنها ما ينافيها فلم تنعقد كالنكاح الذي
قارنه الرضاع ولأن الكفارة لا ترفع إثمها فلا تشرع فيها، ودليل أنها كبيرة
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من الكبائر الإشراك بالله
عقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس " رواه البخاري وروي فيه " خمس من
الكبائر لا كفارة لهن: الإشراك بالله والفرار من الزحف وبهت المؤمن وقتل
النفس بغير حق والحلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم " ولا يصح
القياس على المستقبلة لأنها يمين منعقدة يمكن حلها والبر فيها وهذه غير
منعقدة فلا حل لها وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فليكفر عن يمينه وليأت
الذي هو خير " يدل على أن الكفارة إنما تجب على فعل يفعله فيما يستقبله
قاله ابن المنذر (فصل) والمستحيل نوعان (أحدهما) مستحيل عقلا كقتل الميت
وإحيائه وشرب ماء الكوز
(11/180)
ولا ماء فيه فقال أبو الخطاب لا تنعقد
يمينه ولا تجب بها كفارة وهذا مذهب مالك لأنها يمين قارنها
مالا يتصور فلم تنعقد كيمين الغموس لأن اليمين إنما تنعقد على متصور أو
متوهم التصور وليس ههنا واحد منهما وقال القاضي ينعقد موجباً للكفارة في
الحال وهذا قول أبي يوسف والشافعي لأنه حلف على فعل نفسه في المستقبل ولم
يفعل فهو كما لو حلف ليطلقن امرأته فمات قبل طلاقها وبالقياس على المستحيل
عادة، ولا فرق بين أن يعلم أو لا يعلم مثل أن يحلف ليشربن الماء الذي في
الكوز ولا ماء فيه فالحكم واحد فيمن علم أنه لا ماء فيه ومن لم يعلم، ذكر
شيخنا في الكتاب المشروح إحياء الميت وقتله في المستحيل عقلا وإحياء الميت
متصور عقلا وإنما هو مستحيل عادة فهو من النوع الثاني.
فأما قتل الميت فإن اراد قتله حال موته فهو من المستحيل عقلا فيه من الخلاف
ما ذكرنا، وإن حلف ليقتلن فلانا وهو ميت فهو كالمستحيل عادة فإنه يتصور أن
يحييه الله فيقتله فتنعقد يمينه على ما نذكره في المستحيل عادة (النوع
الثاني) المستحيل عادة كصعود السماء والطيران وقطع المسافة البعيدة في
المدة القليلة فإذا حلف على فعله انعقدت يمينه ذكره القاضي وأبو الخطاب
لأنه يتصور وجوده فإذا حلف عليه انعقدت يمينه ولزمته الكفارة في الحال لأنه
مأيوس من البر فيها فوجبت الكفارة كما لو حلف ليطلقن امرأته فماتت.
(فصل) إذا قال والله ليفعلن فلان كذا أو لا يفعل كذا أو حلف على حاضر فقال
والله لتفعلن كذا فأحنثه ولم يفعل فالكفارة على الحالف كذلك قال ابن عمر
وأهل المدينة وعطاء وقتادة والاوزاعي وأهل العراق والشافعي لأن الحالف هو
الحانث فكانت الكفارة عليه كما لو كان هو الفاعل لما يحنثه
(11/181)
ولأن سبب الكفارة إما اليمين أو الحنث أو
هما وأي ذلك قدر فهو موجود في الحالف، وإن قال اسألك بالله لتفعلن واراد
اليمين فهي كالتي قبلها وإن أراد الشفاعة إليه بالله فليس بيمين ولا كفارة
على واحد منها، وإن قال بانه لتفعلن فهي يمين لأنه أجاب بجواب القسم إلا أن
ينوي ما يصرفها وإن قال بالله أفعل فليست يميناً لأنه لم يجبها بجواب القسم
ولذلك لا يصلح أن يقول والله أفعل ولا تالله أفعل وإنما صلح ذلك في الباء
لانه لا تختص القسم فيدل على أنه سؤال فلا تجب به كفارة
* (الثاني) * لغو اليمين وهو أن يحلف على شئ يظنه حقا فيبين بخلافه فلا
كفارة فيها أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها قاله ابن
المنذر يروى هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك وزرارة بن أوفى والحسن
والنخعي ومالك وأبي حنيفة والثوري وممن قال هذا لغو اليمين مجاهد وسليمان
بن يسار والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وأكثر أهل العلم على أن لغو
اليمين لا كفارة فيه وقال ابن عبد البر أجمع المسلمون على هذا وقد حكي عن
النخعي في اليمين على شئ يظنه حقا فيبين بخلافه أنه من لغو اليمين وفيه
الكفارة وهو أحد قولي الشافعي وروي عن أحمد أن فيه الكفارة وليس هو من لغو
اليمين لأن اليمين بالله وجدت مع المخالفة فأوجبت الكفارة كاليمين على
مستقبل.
ولنا قول الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ولأنها يمين غير
منعقدة فلم تجب فيها كفارة كيمين الغموس ولأنه غير قاصد للمخالفة فأشبه ما
لو حلف ناسياً، وفي الجملة لا كفارة في يمين على ماض لأنها تنقسم ثلاثة
أقسام ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا وما تعمد الكذب فيه فهو يمين
(11/182)
الغموس لا كفارة فيها لأنها أعظم من أن
تكون فيها كفارة وقد ذكرنا الخلاف فيها وما يظنه حقا فيبين بخلافه فلا
كفارة فيها لأنها من لغو اليمين * (فصل) * (الشرط الثاني أن يحلف مختاراً،
فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه) وبه قال مالك والشافعي وذكر فيها أبو
الخطاب روايتين [إحداهما] تنعقد وهو قول أبي حنيفة لأنها يمين مكلف فانعقدت
كيمين المختار ولأن هذه الكفارة لا تسقط بالشبهة فوجبت مع الإكراه ككفارة
الصيد ولنا ما روى أبو أمامة وواثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " ليس على مقهور يمين " ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح مع الإكراه
ككلمة الكفر، وإما كفارة لصيد فلا تجب مع الإكراه فهي كمسئلتنا.
* (مسألة) * (وإن سبقت اليمين على لسانه كقوله لا والله وبلى والله في عرض
حديثه فلا كفارة عليه) هذا قول أكثر أهل العلم لأنها من لغو اليمين نقل عبد
الله عن أبيه أنه قال اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك والرجل
يحلف فلا يعقد قلبه على شئ وممن قال أن اللغو اليمين
التي لا ينعقد عليها قلبه عمر وعائشة رضي الله عنهما وبه قال عطاء والقاسم
وعكرمة والشعبي والشافعي لما روي عن عطاء قال قالت عائشة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال يعني في اللغو في اليمين " هو كلام الرجل في بيته لا
والله وبلى والله " أخرجه أبو داود قال ورواه الزهري وعبد الله بن أبي
سليمان ومالك بن
(11/183)
مغول عن عطاء عن عائشة موقوفاً، وروى
الزهري أن عروة حدثه عن عائشة قالت إنما اللغو ما كان في المراء والهزل
والمزاحة والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب، وأيمان الكفارة كل يمين حلف
عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن فذاك عقد الأيمان
التي فرض الله عزوجل فيها الكفارة ولأن اللغو في كلام العرب غير المعقود
عليه وهذا كذلك، وممن قال لا كفارة في هذا ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك
وزرارة بن أوفى والحسن والنخعي ومالك وهو قول من قال أنه من لغو اليمين ولا
نعلم في هذا خلافاً ووجه ذلك قول الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين) فجعل
الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها ونفى المؤاخذة باللغو فيلزم انتفاء الكفارة
ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة بدليل أنها تجب في
الأيمان التي لا يأتم فيها وإذا كانت المؤاخذة إيجاب الكفارة فقد نفاها في
اللغو فلا تجب لأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم
فكان أجماعاً ولأن قول عائشة في تفسير اللغو وبيان الأيمان التي فيها
الكفارة خرج منها تفسيراً لكلام الله تعالى وتفسير الصحابي مقبول: * (فصل)
* (الشرط الثالث في الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف عن تركه أو يترك ما حلف
عن فعله مختاراً ذاكراً وإن فعله مكرهاً أو ناسياً فلا كفارة عليه وعنه على
الناسي كفارة) إذا حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً فلا كفارة عليه، نقله عن
أحمد الجماعة إذا كان في غير الطلاق والعتاق وهذا ظاهر المذهب، اختاره
الخلال وصاحبه فأما الطلاق والعتاق فإنه يحنث فيهما في ظاهر المذهب وعنه لا
يحنث في الطلاق والعتاق أيضاً، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار واسحاق وهو
ظاهر مذهب الشافعي لقوله تعالى (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما
تعمدت قلوبكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(11/184)
" إن الله تجاوز عن الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه " ولأنه غير قاصد للمخالفة فلم يحنث كالنائم والمجنون لأنه
أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد كحالة الانتهاء بها وعن أحمد رواية أخرى
انه يحنث وتلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد
والزهري وقتادة وربيعة ومالك وأصحاب الرأي والقول الثاني للشافعي لأنه خالف
ما حلف عليه قاصداً لفعله فلزمه الحنث كالذاكر وكما لو كانت اليمين بالطلاق
والعتاق ولنا على أن الكفارة لا تجب في اليمين المكفر (1) ما تقدم من الآية
والخبر، ولأنها تجب لمحو الإثم ولا إثم على الناسي، وأما الطلاق والعتاق
فهو معلق بشرط فيقع بوجود شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق إن طلعت
الشمس أو قدم الحاج (فصل) فإن فعله غير عالم بالمحلوف عليه كرجل حلف لا
يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبياً أو حلف لا يفارقه حتى يستوفي حقه
فأعطاه ففارقه ظنا منه أنه قد برأ فوجده معيباً أو رديئاً أو حلف لا بعت
لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير
علمه فهو كالناسي لأنه غير قاصد للمخالفة أشبه الناسي (فصل) والمكره على
الفعل ينقسم قسمين (أحدهما) أن يلجأ إليه مثل من حلف لا يدخل دارا فحمل
فأدخلها أو لا يخرج منها فأخرج محمولاً ولم يمكنه الامتناع فلا يحنث في قول
الأكثرين وبه قال أصحاب الرأي وقال مالك إن دخل مربوطاً لم يحنث وذلك لأنه
لم يفعل الدخول والخروج فلم يحنث كما لو لم يوجد ذلك (الثاني) أن يكره
بالضرب والتهديد بالقتل ونحوه فقال أبو الخطاب فيه روايتان كالناسي
وللشافعي قولان وقال أبو حنيفة ومالك يحنث لأن الكفارة لا تسقط بالشبهة
فوجبت مع الإكراه والنسيان ككفارة الصيد
__________
(1) أي في النسيان
(11/185)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي
لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه نوع إكراه
فلم يحنث به كما لو حمل ولم يمكنه الامتناع لأن الفعل لا ينسب إليه فأشبه
من لم يفعله ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره * (مسألة) *
(فإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث فعل أو ترك إذا كان متصلاً بيمينه)
وجملة ذلك أن الحالف إذا قال إن شاء الله مع يمينه فهذا يسمى استثناء.
قال ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف فقال إن شاء
الله لم يحنث فعل أو ترك " رواه أبو داود، وأجمع العلماء على تسميته
استثناء وأنه متى استثنى في يمينه لم يحنث فيها لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " رواه الترمذي وروى أبو داود " من
حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك " ولأنه متى قال لأفعلن إن شاء الله
فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشاء الله ذلك فإن ما شاء
الله كان وما لم يشاء لم يكن.
إذا ثبت هذا فإنه يشترط أن يكون الاستثناء متصلا باليمين بحيث لا يفصل
بينهما بكلام أجنبي ولا يسكت بينهما سكوتاً يمكنه الكلام فيه فأما السكوت
لانقطاع نفسه أو صوته أوعي أو عارض من عطشة أو شئ غيرها فلا يمنع صحة
الاستثناء وثبوت حكمه وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد واسحاق وأصحاب
الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف فاستثنى " وهذا يقتضي
كونه عقيبه ولان الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله به كالشرط وجوابه
وخبر المبتدأ والاستثناء بالا، ولأن الحالف إذا سكت ثبت حكم يمينه وانعقدت
موجبة لحكمها وبعد ثبوته لا يمكن رفعه ولا تغييره، قال أحمد حديث النبي صلى
الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا
منها فكفر عن يمينك " ولم يقل فاستثن ولو جاز الاستثناء في كل حال لم
(11/186)
يحنث حالف به، وعن أحمد رواية أخرى أنه
يجوز الاستثناء إذا لم يطل الفصل بينهما قال في رواية المروذي حديث ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والله لأغزون قريشاً " ثم سكت ثم
قال " إن شاء الله " إنما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره، ونقل
عنه اسماعيل بن سعيد مثل هذا وزاد ولا أقول فيه بقول هؤلاء يعني لم ير ذلك
إلا متصلا ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء
كلام ولم يشترط اتصال الكلام وعدم السكوت وهذا قول الأوزاعي قال في رجل قال
لا أفعل
كذا كذا ثم سكت ساعة لا يتكلم ولا يحدث نفسه بالاستثناء فقال له إنسان قل
إن شاء الله أيكفر عن يمينه؟ قال أراه قد استثنى وقال قتادة له أن يستثني
قبل أن يقوم أو يتكلم، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى بعد
سكوته إذ قال " والله لأغزون قريشاً " ثم سكت ثم قال " إن شاء الله " احتج
به أحمد ورواه أبو داود، وقال الوليد بن مسلم لم يغزهم، ويشترط على هذا
الرواية أن لا يطيل الفصل بينهما ولا يتكلم بينهما بكلام أجنبي، وحكى ابن
أبي موسى عن بعض أصحابنا أنه قال يصح الاستثناء مادام في المجلس وحكي ذلك
عن الحسن وعطاء.
وعن عطاء أنه قال قدر حلب الناقة العزوزة، وعن ابن عباس أن له أن يستثني
بعد حين وهو قول مجاهد وهذا القول لا يصح لما ذكرناه وتقديره بمجلس أو غيره
لا يصح لأن التقديرات بابها التوقيف فلا يصار إليه بالتحكم (فصل) ويشترط أن
يستثني بلسانه ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم منهم
الحسن والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو ثور
وأبو حنيفة وابن المنذر ولا نعلم فيه مخالفاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " والقول هو النطق ولأن اليمين لا
تنعقد بالنية وكذلك الاستثناء، وقد روي عن أحمد إن كان مظلوماً فاستثنى
(11/187)
في نفسه رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه
فهذا في حق الخائف على نفسه لأن يمينه غر منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول
وأما في حق غيره فلا (فصل) واشترط القاضي قصد الاستثناء فلو أراد الجزم
فسبق لسانه إلى الاستثناء من غير قصد أو كانت بمادته جاربة بالاستثناء فجرى
على لسانه من غير قصد لم يصح لأن اليمين لما لم تنعقد من غير قصد فكذلك
الاستثناء وهذا مذهب الشافعي وذكر بعضهم أنه لا يصح الاستثناء حتى يقصده مع
ابتدائه، فلو حلف غير قاصد للاستثناء ثم عرض له بعد فراغه من اليمين
فاستثنى لم ينفعه وهذا القول يخالف عموم الخبر هو قوله عليه السلام " من
حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " فلا يصح ولأن لفظ الاستثناء يكون عقيب
يمينه فكذلك نيته (فصل) ويصح الاستثناء في كل يمين مكفرة كاليمين بالله
تعالى والظهار والنذر قال ابن أبي موسى
من استثنى في يمين تدخلها كفارة فله ثنياه لأنها أيمان مكفرة فدخلها
الاستثناء كاليمين بالله تعالى فلو قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله أو
لله علي أن أتصدق بمائة درهم إن شاء الله لم يلزمه شئ لأنها أيمان فتدخل في
عموم قوله " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " (فصل) فإن قال والله لاشربن
اليوم إلا أن يشاء الله أو لا أشرب إلا أن يشاء الله لم يحنث بالشرب ولا
تركه لما ذكرنا في الإثبات ولا فرق بين تقديم الاستثناء وتأخيره في هذا
كله، فإذا قال والله إن شاء الله لا أشرب اليوم أو لا أشربن ففعل أو ترك لم
يحنث لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء قال الله تعالى (ان امرؤ هلك ليس له ولد
وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) (فصل) فإن قال والله
لاشربن اليوم إن شاء زيد فشاء زيد ولم يشرب حتى مضى اليوم حنث
(11/188)
وإن لم يشأ زيد تلزمه يمين، فإن لم تعلم
مشيئته لغيبة أو جنون أو موت انحلت اليمين لأنه لم يوجد الشرط، وإن قال
والله لا أشرب إلا أن يشاء زيد فقد منع نفسه الشرب إلا أن توجد مشيئة زيد
فإن شاء فله الشرب وإن لم يشأ لم يشرب، وإن خفيت مشيئته لغيبة أو موت أو
جنون لم يشرب وإن شرب حنث لأنه منع نفسه إلا أن توجد المشيئة (1) فيكذب
ولكن غفر الله له بتوحيده، وأما الإفراط في الحلف فإنه إنما كره لأنه لا
يكاد يخلو من الكذب والله أعلم وأما قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة
لأيمانكم) فمعناه لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى
والإصلاح بين الناس وهو أن يحلف بالله أن لا يفعل براً ولا تقوى ولا يصلح
بين الناس ثم يمتنع من فعله ليبر في يمينه ولا يحنث فيها فنهوا عن المضي
فيها، قال أحمد وذكر حديث ابن عباس بإسناده في قوله تعالى (ولا تجعلوا الله
عرضة لأيمانكم) الرجل يحلف أن لا يصل قربته وقد جعل الله له مخرجاً في
التكفير فأمره أن لا يعتل بالله وليكفر وليبر وقال النبي صلى الله عليه
وسلم " لأن يستلج أحدكم في يمينه آثم له عند الله من أن يؤدي الكفارة التي
فرض الله عليه " وإن كان النهي عاد إلى اليمين فالمنهي عنه الحلف على ترك
البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا على كل يمين فلا حجة فيها لهم إذاً *
(مسألة) * (فإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب له افتداء يمينه
فإن حلف فلا بأس)
قال أصحابنا تركه أولى فيكون مكروهاً وبه قال أصحاب الشافعي لما روى أن
المقداد وعثمان تحاكما الى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على
المقداد فردها على عثمان فقال عمر: لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد
ولم يحلف وقال خفت إن يوافق قدر بلاء فيقال بيمين عثمان.
والصحيح أنه لا يكره بل مباح فعله كتركه لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه
عليه السلام بالحلف على الحق في ثلاثة
__________
(1) كذا في الاصل وفيه نقص يراجع في المغني في مظنته
(11/189)
مواضع فقال (ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي
إنه لحق) والثاني قوله (قل بلى وربي لتأتينكم) والثالث (قل بلى وربي
لتبعثن) وروى محمد بن كعب القرظي أن عمر قال على المنبر وفي يده عصا يا
أيها الناس لا يمنعكم اليمين من حقوقكم فو الذي نفسي بيده إن في يدي لعصا،
وروى الشعبي أن عمرو أبيا احتكما إلى زيد في نخل ادعاه أبي فتوجهت اليمين
على عمر فقال زيد أعف أمير المؤمنين فقال عمر ولم يعفي أمير المؤمنين؟ إن
عرفت شيئاً استحققته بيميني وإلا تركته والذي لا إله إلا هو إن النخل لنخلي
وما لأبي فيه حق فلما خرجا وهب النخل لأبي فقيل له يا أمير المؤمنين هلا
كان هذا قبل اليمين؟ فقال خفت أن لا أحلف فلا يحلف الناس على حقوقهم بعدي
فتكون سنة ولأنه حلف صدق على حق فأشبه الحلف عن غير الحاكم * (فصل) * قال
رحمه الله: وإن حرم أمته أو شيئاً من الحلال لم يحرم وعليه كفارة يمين أن
فعله ويحتمل أن يحرم تحريماً تزيله الكفارة وقال أبو حنيفة يحرم لقول الله
تعالى (لم تحرم ما أحل الله لك؟) وقوله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)
ولأنه تحريم للحلال فحرم كتحريم الزوجة ولنا أنه إذا أراد التكفير فله فعل
المحلوف عليه وحل فعله مع تركه محرما تناقض، والعجب أن أبا حنيفة لا يجيز
التكفير إلا بعد الحنث وقد فرض الله تعالى تحلة اليمين، فعلى قوله يلزم كون
المحرم مفروضاً أو من ضرورة المفروض لأنه لا تحصل التحلة إلا بفعل المحلوف
وهو عنده محرم وهذا غير جائز، ولأنه لو كان محرماً لوجب تقديم الكفارة عليه
كالظهار ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك
" فأمر بفعل المحلوف عليه ولو كان محرماً لم يأمر بفعله وسماه خيراً
والمحرم ليس بخير
(11/190)
وأما الآية فالمراد بها قوله هو علي حرام
أو منع نفسه منه وذلك ليس يسمى تحريماً قال الله تعالى (يحلونه عاما
ويحرمونه عاما) وقال (وحرموا ما رزقهم الله) ولم يثبت فيه التحريم حقيقة
ولا شرعا فإذا قال هذا حرام علي إن فعلت وفعل أو ما أحل الله علي حرام إن
فعلت ثم فعل فهو مخير إن شاء ترك ما حرمه على نفسه وإن شاء كفر، وإن قال
هذا الطعام حرام علي فهو كالحالف على تركه، ويروى نحو هذا عن ابن مسعود
والحسن وجابر بن زيد وقتادة واسحاق وأهل العراق وقال سعيد بن جبير فيمن قال
الحل علي حرام يمين من الأيمان يكفرها، وقال الحسن هي يمين إلا أن ينوي
امرأته، وعن إبراهيم مثله، وعنه إن نوى طلاقاً وإلا فليس بشئ، وعن الضحاك
أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا الحرام يمين، وقال طاوس هو ما نوى، وقال
مالك والشافعي ليس بيمين ولا شئ عليه لأنه قصد تغيير المشروع فلغا ما قصده
كما لو قال هذه ابنتي ولنا قوله الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك - إلى قوله - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) سمى تحريم ما أحل الله
يميناً وفرض له تحلة وهو الكفارة.
وقالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب
عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم
فلتقل إني أجد منك ريح مغافير فدخل على إحدانا فقالت له ذلك فقال " لا بل
شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود " فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما
أحل الله لك؟) متفق عليه فإن قيل إنما نزلت الآية في تحريم مارية القبطية
كذلك قال الحسن وقتادة قلنا ما ذكرناه أصح فإنه متفق عليه وقول عائشة صاحبه
القصة الحاضرة للتنزيل المشاهدة للحال أولى والحسن وقتادة لو سمعا قول
عائشة لم يعدلا به شيئاً ولم يصيرا إلى غيره فكيف يصار إلى قولهما ويترك
قولها؟
(11/191)
وقد روي عن ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه جعل تحريم الحلال يميناً ولو ثبت أن
الآية نزلت في تحريم مارية كان حجة لنا لأنها من الحلال الذي حرم وليست
زوجة فوجوب الكفارة بتحريمها يقتضي وجوبها بتحريم كل حلال بالقياس عليها
لأنه حرم الحلال فأوجب الكفارة كتحريم الأمة المزوجة وما ذكروه يبطل
بتحريمها.
إذا ثبت هذا فعليه أن فعله كفارة يمين لقوله عليه السلام " إذا حلفت على
يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " متفق عليه
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم العسل أو مارية أنزل الله سبحانه
(قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) قال الحسن سمى تحريم ما أحل الله يميناً
وفرض له تحلة وهي الكفارة ويحتمل أن يحرم تحريماً تزيله الكفارة لأنه تحريم
يوجب الكفارة بالفعل فحرم ما حرمه كالظهار * (مسألة) * (وإن قال هو يهودي
أو نصراني أو برئ من الله تعالى أو من القرآن أو الإسلام أو النبي عليه
السلام) إن فعل ذلك فقد فعل محرما لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " من حلف على ملة غير الاسلام كاذبا معتمدا فهو كما قال " متفق عليه،
وفي لفظ " من حلف انه برئ من الإسلام فإن كان قد كذب فهو كما قال، وإن كان
صادقاً لم يرجع إلى الإسلام سالماً " * (مسألة) * (وعليه كفارة إن فعل في
إحدى الروايتين) اختلفت الرواية عن احمد في الحالف بالخروج من الإسلام مثل
أن يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا، وهو برئ من الإسلام أو من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول هو يعبد الصليب أو يعبد غير الله إن
فعل أو نحو هذا إن فعل فعن أحمد عليه الكفارة.
إذا حنث يروى هذا عن
(11/192)
طاوس والحسن والشعبگ والثوري والاوزاعي
واسحاق وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه (والثانية) لا
كفارة عليه وهو قول مالك والشافعي والليث وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم
يحلف باسم الله ولا صفته فلم تلزمه كفارة كما لو قال عصيت الله فيما أمرني
به ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الرواية الأولى على الندب دون الإيجاب فإنه
قال في رواية حنبل إذا قال أكفر بالله أو أشرك
بالله فأحب إلي أن يكفر كفارة يمين إذا حنث - ووجه الرواية الأولى ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو
مجوسي أو برئ من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء؟ قال "
عليه كفارة يمين " أخرجه ابو بكر، ولا البراءة من هذه الأشياء توجب الكفر
بالله فكان الحلف بها يميناً كالحلف بالله تعالى.
قال شيخنا والرواية الثانية أصح إن شاء الله تعالى فإن الوجوب من الشارع
ولم يرد في هذه اليمين نص ولا هي في قياس المنصوص فإن الكفارة إنما وجبت
بالحلف باسم الله تعظيماً لإسمه وإظهاراً لشرفه وعظمته ولا تتحقق التسوية *
(مسألة) * (وإن قال أنه أستحل الزنا ونحوه فعلى وجهين) وكذلك إن قال أنا
أستحل ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام فهو كالحلف بالبراءة من الإسلام لأن
استحلال ذلك يوجب الكفر فيخرج على الروايتين في المسألة قبلها * (مسألة) *
(وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني به أو محوت المصحف إن
فعلت كذا وحنث فلا كفارة)
(11/193)
نص عليه أحمد وبه قال عطاء والثوري وابو
عبيد وأصحاب الرأي، وقال طاوس والليث عليه الكفارة وبه قال الأوزاعي إذا
قال عليه لعنة الله ولنا أن هذا لا يوجب الكفر أشبه ما لو قال محوت المصحف،
وإن قال لا يراني الله في موضع كذا إن فعلت وحنث فقال القاضي عليه كفارة،
وذكر أن أحمد نص عليه والصحيح أن هذا لا كفارة فيه لأن إيجابها في هذا
ومثله تحكم بغير نص.
لا قياس صحيح * (مسألة) * (وإن قال عبد فلان حر لافعلن فليس بشئ وعنه عليه
كفارة إن حنث) أما إذا قال عبد فلان حر من غير تعليق لم يلزمه شئ وكذلك إن
علقه لان تعليق الشئ بالشرط أثره في أن يصير عند الشرط كالمعلق فإذا كان
المعلق لا يوجب شيئاً فكذلك المعلق، ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف لأنه
لا يعتق بغير تنجيز العتق فالتعليق أولى وهل تلزمه كفارة؟ فيه روايتان
عن أحمد ذكرهما ابن أبي موسى (إحداهما) عليه كفارة لأنه حلف بالعتق فيما لا
يقع بالحنث فلزمته كفارة كما لو قال فلله علي أن أعتق فلاناً (والثانية) لا
كفارة عليه لأنه حلف بإخراج مال غيره فلم يلزمه شئ كما لو قال مال فلان
صدقة إن دخلت الدار ولأنه تعليق للعتق على صفة فلم تجب به كفارة كسائر
التعليق، أما إذا قال لله علي إن أعتق عبداً فإنه نذر فأوجب الكفارة بكون
النذر كاليمين وتعليق العتق خلافه (فصل) وإن قال إن فعلت كذا فمال فلان
صدقة أو فعلى فلان حجة أو فمال فلان حرام عليه
(11/194)
أو هو برئ من الإسلام وأشباه هذا فليس ذلك
بيمين ولا تجب به كفارة لا نعلم بين أهل العلم فه خلافاً لأنه لم يرد الشرع
فيه بكفارة ولا هو في معنى ما ورد الشرع به * (مسألة) * (وإن قال أيمان
البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق
والعتاق وصدقة المال فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقد يمينه بما فيها
وإلا فلا شئ عليه، ويحتمل أن لا تنعقد إلا في الطلاق والعتاق) قال أبو عبد
الله بن بطة كنت عند أبي القاسم الخرقي وقد سأله رجل عن أيمان البيعة فقال
لست أفتي فيها بشئ ولا رأيت أحداً من شيوخنا يفتي في هذه اليمين قال وكان
أبي رحمه الله يعني الحسين يهاب الكلام فيها، قال أبو القاسم إلا أن يلتزم
الحالف بها بجميع ما فيها من الأيمان فقال له السائل عرفها أم لم يعرفها؟
قال نعم وكانت اليمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصافحة فلما
ولي الحجاج رتبها أيماناً تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق
وصدقة المال فمن لم يعرفها لم تنعقد يمينه بشئ مما فيها لأن هذا ليس بصريح
في القسم والكناية لا تصح إلا بالنية ومن لم يعرف شيئاً لم يصح أن ينويه
وإن عرفها ولم ينو عقد اليمين بما فيها لم يصح أيضاً لما ذكرناه ومن عرفها
ونوى اليمين بما فيها انعقد في الطلاق والعتاق لأن اليمين بها تنعقد
بالكناية، وما عدا الطلاق والعتاق كاليمين بالله تعالى وصدقة المال فقال
القاضي تنعقد يمينه ههنا أيضاً لأنها يمين فتنعقد بالكناية المنوية كالطلاق
والعتاق وكما لو لفظ بكل واحدة وحدها وقال في موضع لا تنعقد اليمين بالله
بالكناية، وهو مذهب الشافعي، لأن الكفارة إنما وجبت
فيها لما ذكر فيها من اسم الله تعالى المعظم المحترم ولا يوجد ذلك في
الكناية.
* (مسألة) * (وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه
كفارة يمين) .
(11/195)
لما روى ابن عامر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين " قال الترمذي هذا
حديث صحيح.
* (فصل) * في كفارة اليمين قال الشيخ رحمه الله: والأصل في كفارة اليمين
الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (لا يؤاخذكم الله
باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته إطعام عشرة
مساكين من أوسط ما تطعمون اهيكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) الآية، وأما السنة فقول النبي صلى
الله عليه وسلم " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو
خير وكفر عن يمينك " في أخبار سوى هذا، وأجمع المسلمون على مشروعية الكفارة
في اليمين بالله تعالى.
* (مسألة) * (وهي تجمع تخييراً وترتيباً فيخير بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة
مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة) لما ذكرنا في الآية.
وقد سبق شرح العتق والإطعام في كفارة الظهار، كسوة المساكين للرجل ثوب
يجزئه إن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار ولا خلاف في أن كسوة أحد أصناف
الكفارة لنص الله عليها في كتابه بقوله (أو كسوتهم) وتتقدر الكسوة بما تجزئ
الصلاة فيه على ما ذكرنا، وهذا قول مالك، وممن قال لا تجزئه السراويل وحدها
الاوزاعي وأبو يوسف وقال إبراهيم ثوب جامع، وقال الحسن كل مسكين حلة ازار
ورداء، وقال ابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وأصحاب الرأي يجزئه ثوب ثوب
ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة، وروى الحسن قال تجزئ العمامة، وقال سعيد بن
المسيب عباءة وعمامة، وفي القلنسوة وجهان، واحتجوا بأن ذلك يقع عليه اسم
الكسوة فأجزأ كالذي تجوز الصلاة فيه.
(11/196)
ولنا أن الكسوة أحد أنواع الكفارة فلم يجز
فيه ما يقع عليه الإسم كالإطعام والإعتاق ولأن التكفير عبادة تعتبر فيها
الكسوة فلم يجز فيه أقل مما ذكرناه كالصلاة ولأنه مصروف للمساكين في
الكفارة فيقدر كالإطعام، ولأن اللابس ما لا يستر عورته يسمى عريانا فلم
يجزئه لقول الله تعالى (أو كسوتهم) إذا ثبت هذا فإنه إذا كسا امرأة أعطاها
درعا وخماراً على ما ذكرنا لأنه أقل ما يستر عورتها وتجزئها الصلاة فيه،
وإن أعطاها ثوبا واسعا يمكنها أن تستر به بدنها ورأسها أجزأه ذلك والرجل
يجزئه إذا كساه ثوب أو قميص يمكنه أن يستر به عورته ويجعل على عاتقه منه
شيئاً أو ثوبين يأتزر باحدهما ويرتدي بالآخر، ولا يجزئه مئزر وحده ولا
سراويل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يصلي أحدكم في ثوب واحد ليس
على عاتقه منه شئ " ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة من القطن والكتان
والصوف والشعر والوبر والخز والحرير، لأن الله تعالى أمر بكسوتهم ولم يعين
جنسها فأي جنس كساهم منه خرج عن العهدة لوجود الكسوة المأمور بها، ويجوز أن
يكسوهم جديداً ولبيسا إلا أن يكون قد بلي وذهبت منفعته فلا يجوز لأنه معيب
فهو كالحب المعيب والرقبة إذا ذهبت منفعتها وسواء كان ما أعطاهم مصبوغا
أولا أو خاما أو مقصوراً لأنه تحصل به الكسوة المأمور بها والمنفعة
المقصودة بها.
(فصل) والذي تجزئ كسوتهم هم المساكين الذين يجزئ إطعامهم، لأن الله تعالى
قال (فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) فينصرف
الضمير إليهم.
و* (مسألة) * (فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة إن شاء قبل الحنث وإن
شاء بعده ولا يجوز تقديمها على اليمين) .
إذا عجز عن العتق والإطعام والكسوة أجزأه صيام ثلاثة أيام للآية وقد ذكرنا
صفة العجز
(11/197)
في كفارة الظهر في العجز عن الرقبة، ويشترط
التتابع في صوم الأيام الثلاثة وعنه لا يشترط لأن الأمر بصومها مطلق فلم
يجز بغير دليل والأول ظاهر المذهب لأن في قراءة أبي وابن مسعود (فصيام
ثلاثة أيام متتابعات) والظاهر أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيكون خبراً ولأنه صوم في كفارة فلا ينتقل
عنه إلا بعد العجز عن العتق فوجب التتابع كصوم المظاهر.
* (مسألة) * (وهو مخير في التكفير إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده) سواء كان
صوماً أو غيره فيما سوى الظهار في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وممن روي
عنه تقديم التكفير على الحنث عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وسلمان الفارسي
ومسلمة بن مخلد رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وابن سيرين وربيعة والاوزاعي
والثوري وابن المبارك واسحاق وأبو عبيد وأبو خيثمة وسليمان بن داود، وقال
أصحاب الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث لأنه تكفير قبل وجود سببه فأشبه ما
لو كفر قبل اليمين، ودليل ذلك أن سبب التكفير الحنث وهو هتك الإسم المعظم
المحترم ولم يوجد وقال الشافعي كقولك في الإعتاق والإطعام والكسوة وكقولهم
في الصيام من أجل أنه عبادة بدنية فلم يجز فعله قبل وجوبه لغير مشقة
كالصيام.
ولنا ما روى عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير
" رواه أبو داود وقد روى أبو هريرة وأبو الدرداء وعدي بن حاتم رضي الله
عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، رواه الأثرم وعن أبي موسى عن
النبي
(11/198)
صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني إن شاء
الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها لا كفرت عن يميني وأتيت الذي
هو خير، أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني " رواه البخاري ولأنه كفر بعد
وجود السبب فأجزأ كما لو كفر بعد الجرح وقبل الزهوق والسبب هو اليمين بدليل
قوله تعالى (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وقوله سبحانه (قد فرض الله لكم
تحلة أيمانكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وكفرت عن يميني فكفر عن
يمينك " وتسمية الكفارة كفارة اليمين وبهذا ينفصل عما ذكروه وعلى هذا
فالحنث شرط وليس بسبب، ولأن تعجيل حق الله تعالى في المال بعد وجود سببه
قبل وجود شرطه جائز بدليل تعجيل الزكاة بعد وجوب النصاب وقبل الحول وكفارة
القتل بعد الجرح وقبل الزهوق، قال ابن عبد البر العجب من أصحاب أبي حنيفة
أجازوا تعجيل الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار الواردة في تقديم
الكفارة وأبوا تقديم الكفارة ههنا مع كثرة الرواية الواردة فيها والحجة
في السنة ومن خالفها محجوج بها، فأما أصحاب الشافعي فهم محجوجون بالأحاديث
مع أنهم قد احتجوا بها في البعض وخالفوها في البعض، وفرقوا ما جمع بينه
النص ولأن الصيام نوع تكفير فجاز قبل الحنث كالتكفير بالمال، وقياس الكفارة
على الكفارة أولى من قياسها على الصلاة المفروضة بأصل الوضع، أما تقديمها
على اليمين فلا يجوز عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه فلم يجز
كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب وكفارة القتل قبل الجرح.
(فصل) والتكفير قبل الحنث وبعده سواء في الفضيلة، وقال ابن أبي موسى بعده
أفضل عند أحمد وهو قول مالك والثوري والشافعي لما فيه من الخروج من الخلاف
وحصول النفس ببراءة الذمة.
ولنا أن الأحاديث الواردة فيه فيها التقديم مرة والتأخير أخرى وهذا دليل
التسوية، ولأنه
(11/199)
تعجيل مال يجوز تعجيله قبل وجوبه فلم يكن
التأخير أفضل كتعجيل الزكاة وكفارة القتل وما ذكروه معارض بتعجيل النفع
للفقراء والتبرع بما لم يجب عليه، والخلاف المخالف لا يوجب تفضيل المجمع
عليه كترك الجمع بين الصلاتين.
(فصل) فإن كان الحنث في اليمين محظوراً فجعل الزكاة قبله ففيه وجهان
(أحدهما) يجزئه لأنه عجل الكفارة قبل سببها فأجزأته كما لو كان الحنث مباحا
(والثاني) لا يجزئه لأن التعجيل رخصة فلا يستباح بالمعصية كالقصر في سفر
المعصية والحديث لم يتناول المعصية فإنه قال " إذا حلفت على يمين فرأيت
غيرها خيرا منها " ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كما ذكرنا * (مسألة) *
(ومن كرر أيمانا قبل التكفير فكفارة واحدة وعنه لكل يمين كفارة) وإذا كرر
أيمانا قبل التكفير مثل أن قال والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً
والله لأغزون قريشاً فحنث فليس عليه إلا كفارة واحدة، وكذلك إن حلف بأيمان
كقوله والله وعهد الله وميثاقه وقدرته وكلامه وكبريائه على شئ واحد روي نحو
هذا عن ابن عمر وبه قال الحسن وعروة واسحاق، وروي أيضاً عن عطاء وعكرمة
والنخعي وحماد والاوزاعي، وقال أبو عبيد فيمن قال علي عهد الله وميثاقه
وكفالته
ثم حنث فعليه ثلاث كفارات، وقال أصحاب الرأي عليه لكل يمين كفارة إلا أن
ينوي التأكيد أو التفهيم ونحوه عن الثوري وأبي ثور، وعن أحمد مثل ذلك وعن
الشافعي قولان كالمذهبين، وعن عمرو بن دينار إن كان في مجلس واحد كقولنا
وإن كان في مجالس كقولهم، واحتجوا بأن أسباب الكفارات تكررت فتكرر في
الكفارات كالقتل لآدمي أو صيد حربي ولأن اليمين الثانية مثل الأولى فتقتضي
ما تقتضيه ولنا أنه حنث واحد أوجب جنساً واحداً من الكفارات فلم يجب به
أكثر من كفارة كما
(11/200)
لو قصد التأكيد، قولهم أنها أسباب تكررت
ممنوع فإن السبب الحنث وهو واحد سلمنا فينتقض بما إذا كرر الوطئ في رمضان
في أيام وبالحدود إذا تكررت أسبابها، ولا يصح القياس على الصيد الحرمي لأن
الكفارة بدل ولذلك تزداد بكبر الصيد وتقدر بقدره فهي كدية القتل ولا على
كفارة قتل الآدمي لأنها أجريت مجرى البدل أيضاً لحق الله تعالى لأنه لما
أتلف آدمياً عابداً لله تعالى ناسب أن يوجد عبداً يقوم مقامه في العبادة
فلما عجز عن الإيجاد لزمه إعتاق رقبة لأن العتق إيجاد للعبد بتخليصه من رق
العبودية وشغلها إلى فراغ البال للعبادة بالحرية التي حصلت بالإعتاق ثم
الفرق ظاهر لأن السبب ههنا تكرر بكماله وشروطه وفي محل النزاع لم يوجد ذلك
لأن الحنث، إما أن يكون هو السبب أو جزءاً منه أو شرطاً له بدليل توقف
الحكم على وجوده وأياما كان فلم يتكرر فلم يجز وإن صح القياس فقياس كفارة
اليمين على مثلها أولى من قياسها على القتل لبعد ما بينهما * (مسألة) *
(والظاهر فيما إذا كرر الأيمان أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة وإن
كانت على أفعال فعلية لكل يمين كفارة) ولأنها إذا كانت على فعل واحد كان
سببها واحداً فالظاهر أنه أراد التوكيد لذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم
" والله لأغزون قريشا " قالها ثلاثاً وإن كانت على أفعال فعلية لكل يمين
كفارة وهو ظاهر كلام الخرقي ورواه المروذي عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم
وقال أبو بكر تجزئه كفارة واحدة رواها ابن منصور عن أحمد قال القاضي هي
الصحيحة وقال أبو بكر ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد الله، ومذهبه
أن كفارة واحدة تجزئه وهو قول إسحاق لأنها كفارات من
(11/201)
جنس واحد فتداخلت كالحدود من جنس واحد وإن
اختلفت محالها بأن سرق من جماعة أو زنى بنساء ولنا أنهن أيمان لا يحنث في
إحداهن بالحنث في الأخرى فلم تكفر إحداهما بكفارة الأخرى كما لو كفر عن
إحداهما قبل الحنث في الأخرى وكالأيمان المختلفة الكفارة وبهذا فارق
الأيمان على شئ واحد فإنه متى حنث في إحداهما كان حانثاً في الأخرى فلما
كان الحنث واحداً كانت الكفارة واحدة وههنا تعذر الحنث فتعذرت الكفارات،
وفارق الحدود فإنها وجبت للزجر وتندرئ بالشبهات بخلاف مسئلتنا ولأن الحدود
عقوبة بدنية والموالاة بينها ربما أفضى إلى التلف فاجتزئ بإحداها وههنا
إخراج مال يسير أو صيام ثلاثة أيام فلا يلزم الضرر الكبير بالموالاة فيه
ولا يخشى منه التلف (فصل) إذا حلف يميناً واحدة على أجناس مختلفة فقال
والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست فحنث في الجميع فكفارة واحدة لا نعلم فيه
خلافا لأن اليمين واحدة والحنث واحد فإنه يحنث بفعل واحد من المحلوف عليه
وتنحل يمينه، وإن حلف أيماناً على أجناس فقال والله لا أكلت والله لا شربت
والله لا لبست فحنث في واحدة منها فعليه كفارة، فإن أخرجها ثم حنث في يمين
أخرى لزمته كفارة أخرى لا نعلم في هذا خلافاً لأن الحنث في الثاني تجب به
الكفارة بعد أن كفر عن الأولى فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ مرة
أخرى فإن حنث في الجميع قبل التكفير ففيه روايتان ذكرناهما في المسألة قبل
هذا الفصل * (مسألة) * (وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين
بالله فلكل يمين كفارتها مثل أن يحلف بالله تعالى وبالظهار وبعتق عبده فإذا
وجبت فعليه كفارة يمين وكفارة ظهار ويعتق العبد)
(11/202)
لأن تداخل الأحكام إنما يكون مع اتحاد
الجنس كالحدود من جنس فأما الكفارات فمن أجناس وأسبابها مختلفة فلم تتداخل
كحد الزنا والسرقة والقذف والشرب * (مسألة) * (وكفارة العبد الصيام وليس
لسيده منعه منه ومن بعضه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار) لا خلاف في أن
العبد يجزئه الصيام في الكفارة ولأن ذلك فرض المعسر من الأحرار وهو
أحسن حالاً من العبد فإنه لم يملك في الجملة ولأن العبد داخل في قول الله
تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (فصل) فإن إذن السيد لعبده في التكفير
بالمال لم يلزمه لأنه ليس يملك لما أذن له فيه وهل يجزئه بإذن السيد؟ فيه
روايتان [إحداهما] لا يجزئه وهو ظاهر كلام الخرقي ولا يجزئه إلا الصيام
[والثانية] يجزئه لأن المنع لحق السيد وقد أذن أشبه ما لو أذن له أن يتصدق
بالمال وقد ذكرنا ذلك في الظهار والاختلاف فيه، وذكر القاضي أن أصل هذين
عنده الروايتان في ملك العبد بالتمليك فإن قلنا يملك بالتمليك فملكه سيده
وأذن له بالتكفير بالمال جاز لأنه مالك لما يكفر به وإن قلنا لا يملك
بالتمليك ففرضه الصيام لأنه لا يملك شيئاً يكفره، وكذلك إن قلنا إنه يملك
ولم يأذن له سيده في التكفير بالمال ففرضه الصيام وإن ملك لأنه محجور عليه
ممنوع من التصرف فيما في يديه قال أصحابنا يجعلون في العبد روايتين مطلقاً
سواء قلنا يملك أو لا يملك ثم على الرواية التي تجيز له التكفير بالمال له
أن يطعم،
(11/203)
وهل له أن يعتق؟ على روايتين [إحداهما] ليس
له ذلك لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث وليس ذلك للعبد وهذا رواية
عن مالك وبه قال الشافعي على القول الذي يجيز له التكفير بالمال أو الثانية
له التكفير بالعتق لأن من صح تكفيره بالمال صح تكفيره بالعتق كالحرية ولأنه
يملك العبد فصح تكفيره بإعتاقه كالحر، وقولهم أن العتق يقتضي الولاء
والولاية ممنوع إذا عتق في الكفارة على ما أسلفناه وإن سلمنا فتخلف بعض
الأحكام لا يمنع ثبوت المقتضي فإن الحكم يتخلف لتخلف سببه لا لتخلف أحكامه
كما أنه يثبت لوجود سببه، ولأن تخلف بعض الأحكام مع وجود المقتضي أنما يكون
لمانع ويجوز أن يختص المنع بها دون غيرها وهذا السبب المقتضي لهذه الأحكام
ولا يمنع ثبوته تخلفها عنه في الرقيق على أن الولاء يثبت إعتاق العبد لكن
لا يرث به كما لو اختلف ديناهما وهذا اختيار أبي بكر ويفرع عليه إذا أذن له
سيده فأعتق نفسه ففيه قولان [أحدهما] يجزئه لانه رقبة تجزئ عن غيره فأجزأت
عنه كغيره [والآخر] لا يجزئه لأن الأذن له في الإعتاق ينصرف إلى إعتاق غيره
وهذا التعليل يدل على
أن سيده إذا أذن له في إعتاق نفسه عن كفارته جاز ومتى أطلق الأذن في
الإعتاق فليس له أن يعتق إلا أقل قبة تجزئ عن الواجب وليس له إعتاق نفسه
إذا كان مما يجزئ وهذا من أبي بكر يقتضي أن لا يعتبر في التكفير أن يملكه
سيده ما يكفر به لأنه لا يملك نفسه بل متى أذن له في التكفير بالإطعام أو
الإعتاق أجزأه لأنه لو اعتبر التمليك لما صح له أن يعتق نفسه لأنه لا
يملكها ولأن التمليك لا يكون إلا في معين فلا يصح أن يأذن فيه مطلقاً
(11/204)
(فصل) إذا أعتق العبد عبداً عن كفارته بإذن
سيده وقلنا أن الإعتاق في الكفارة يثبت به الولاء، لمعتقه ثبت ولاؤه للعبد
الذي اعتقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ويرث
به لأنه ليس من اهل الميراث وانتفاء الإرث لا يمنع ثبوت الولاء كما لو
اختلف ديناهما أو قتل المعتق عتيقه فإنه لا يرثه مع ثبوت الولاية عليه فإن
عتق المعتق ورث بالولاء لزوال المانع كما إذا كانا مختلفي الدين فأسلم
الكافر منها ذكر هذا طلحة العاقولي، ومقتضى هذا ان سيد العبد لا يرث عتيقه
في حياة عبده كما لا يرث ولد عبده وإن أعتق عبده ثم مات ورث السيد مولى
عبده لأنه مولى مولاه كما أنه لو أعتق العبد وله ولد عليه الولاء لمولى أمه
يجر ولاءه ويرثه سيده إذا مات أبوه * (مسألة) * (وليس للسيد منع عبده من
التكفير بالصيام سواء كان الحنث والحلف بإذنه أو بغير إذنه وسواء أضربه
الصيام أو لم يضربه) وقال الشافعي إن حنث بغير إذنه والصوم يضربه فله منعه
لأن السيد لم يأذن له فيما ألزم نفسه مما يتعلق به ضرر على السيد فكان له
منعه وتحليله كما لو احرم بالحج بغير إذنه ولنا أنه صوم واجب لحق الله
تعالى فلم يكن لسيده منعه كصيام رمضان وقضائه، ويفارق الحج لأن ضرره كثير
لطول مدته وغيبته عن سيده وتفويت خدمته ولهذا ملك تحليل زوجته منه ولم يملك
منعها صوم الكفارة، فأما صوم التطوع فإن كان فيه ضرر عليه فللسيد منعه منه
لأنه يفوت حقه وليس بواجب عليه وإن كان لا يضر به لم يكن لسيده منعه منه
لأنه يعبد ربه بما لا مضره فيه فأشبه ذكر الله تعالى وصلاة النافلة في غير
وقت خدمته، وللزوج منع زوجته منه في كل حال لأنه يفوت حقه من
الاستمتاع ويمنعه منه
(11/205)
(فصل) ومن نصفه حر فحكمه في الكفارة حكم
الأحرار، متى ملك لجزئه الحر ما يكفر به لم يجز له الصيام وله التكفير بأحد
الأمور الثلاثة وظاهر كلام الشافعي أن له التكفير بالإطعام والكسوة دون
الإعتاق لأنه لا يثبت له الولاء ومنهم من قال لا يجزئه إلا الصيام لأنه
منقوص بالرق أشبه القن ولنا قول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام)
وهذا واجد ولأنه يملك ملكاً تاماً فأشبه الحر الكامل ولا نسلم أنه لا يثبت
له الولاء ثم إن امتناع بعض أحكامه لا يمنع صحته كعتق المسلم رقيقه الكافر
[فصل] والكفارة في حق الحر والعبد والمسلم والكافر سواء لأن الله تعالى ذكر
الكفارة بلفظ عام في جميع المخاطبين فدخل الكل في عمومه إلا أن الكافر لا
يصح منه التكفير بالصيام لأنه عبادة وليس هو من أهلها ولا بالإعتاق لأن من
شرطه الأيمان في الرقبة ولا يجوز لكافر شراء مسلم إلا أن يتفق إسلامه في
يديه أو يرث مسلماً فيعتقه فيصح إعتاقه وإن لم يتفق ذلك فتكفيره بالإطعام
أو الكسوة فإذا كفر ثم أسلم لم تلزمه إعادة التكفير وإن أسلم قبل التكفير
كفر بما يجب عليه في تلك الحال من إعتاق أو إطعام أو كسوة أو صيام ويحتمل
على قول الخرقي أنه لا يجزئه الصيام لأنه إنما يكفر بما وجب عليه حين الحنث
ولم يكن الصيام مما وجب عليه [فصل] إذا حلف رجل بالله لا يفعل شيئاً فقال
له آخر يميني في يمينك لم يلزمه شئ لأن يمين
(11/206)
الأول ليست ظرفاً ليمين الثاني، وإن نوى
أنه يلزمني من اليمين ما يلزمك لم يلزمه حكمها قاله القاضي وهو مذهب
الشافعي لأن اليمين بالله لا تنعقد بالكناية لأن تعليق الكفارة بها لحرمة
اللفظ باسم الله المحترم أو صفة من صفاته ولا يوجد ذلك بالكناية.
فأما إن حلف بطلاق فقال آخر يميني في يمينك ينوي أنه يلزمني من اليمين ما
يلزمك انعقدت يمينه نص عليه أحمد وسئل عن رجل حلف بالطلاق لا يكلم رجلاً
فقال رجل وأنا على مثل يمينك فقال عليه مثل الذي حلف لأن الكناية تدخل في
الطلاق، وكذلك يمين العتق وإن لم ينو شيئاً لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا
تقبل بغير نية وليس قوله
هذا بصريح وإن كان المقول له لم يحلف بعد وإنما أراد أنه يلزم الآخر يميناً
يحلف بها فحلف المقول لم تنعقد يمين القائل وإن كان في الطلاق والعتاق لانه
لابد أن يكون هناك ما يكنى عنه وليس ههنا ما يكنى عنه (فصل) وإذا قال حلفت
ولم يكن حلف فقال أحمد هي كذبة وليس عليه يمين وعنه عليه الكفارة لأنه أقر
على نفسه والأول المذهب لأنه حكم فيما بينه وبين الله فإن كذب في الخبر به
لم يلزمه حكمه كما لو قال ما صليت وقد صلى، ولو قال علي يمين فهي كالتي
قبلها وإن نوى القسم فقال أبو الخطاب هي يمين وهو قول أصحاب الرأي وقال
الشافعي ليس بيمين لأنه لم يأت باسم الله المعظم ولا صفته فلم يكن يميناً
كما لو قال حلفت وهذا أصح إن شاء الله تعالى فإن هذه ليست صيغة اليمين
والقسم وإنما هي صيغة الخبر فلا يكون بها حالفاً وإن قدر ثبوت حكمها لزمه
أقل ما تناوله الاسم وهو يمين ما وليست كل يمين موجبة للكفارة فلا يلزمه
شئ، ووجه الأول أنه كناية عن اليمين وقد نوى بها اليمين فتكون يميناً
كالصريح [فصل] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإبرار المقسم أو
القسم رواه البخاري وهذا والله
(11/207)
أعلم على سبيل الندب لا سبيل الإيجاب بدليل
أن أبا بكر رضي الله عنه قال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بما أصبت مما
أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقسم يا أبا بكر " ولم يخبره
ويحتمل أن يجب ابراره إذا لم يكن فيه ضرر ويكون امتناع النبي صلى الله عليه
وسلم من إبرار أبي بكر لما علم من الضرر فيه، وإن أجابه إلى صورة ما أقسم
عليه دون معناه عند تعذر المعنى فحسن فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
إن العباس جاءه برجل ليبايعه على الهجرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "
لا هجرة بعد الفتح " قال العباس أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه فوضع
النبي صلى الله عليه وسلم يده في يده فقال " أبررت قسم عمي ولا هجرة "
فأجابه إلى صورة المبايعة دون ما قصد بيمينه [فصل] وتستحب إجابة من حلف
بالله لما روى ابن عمر قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم
بالله فأعطوه ومن استجار بالله فأجيروه ومن أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن
لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " وعن أبي ذر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله: أما الذين
يحبهم الله فرجل سأل قوما فسألهم بالله ولم يسألهم
بقرابة بينه وبينهم فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته الا
الله عزوجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم
مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم فقام يتملقني ويتلو كتابي، ورجل كان في سرية
فلقوا العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له، والثلاثة الذين
يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم " رواهما النسائي
(11/208)
|