العدة شرح العمدة

كتاب الوصايا روي «عن سعد قال: قلت: يا رسول الله، قد بلغ بي الجهد ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ فقال: " لا " قلت: فالشطر؟ قال: " لا " قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس»
(1) ويستحب لمن ترك خيرًا الوصية بخمس ماله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الوصايا]
وهي الأمر بالتصرف بعد الموت. والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت، فروى ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» متفق عليه. وروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» رواه سعيد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. و (روي «عن سعد بن أبي وقاص قال: " جاءني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بمالي كله؟ قال: لا، قال: بالثلثين؟ قال: لا، قلت: فبالشطر يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: بالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» يعني يطلبون من الناس بأكفهم. متفق عليه.

مسألة 1: (ويستحب لمن ترك خيرًا الوصية بخمس ماله) ودليل استحبابها قوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] نسخ الوجوب وبقي

(1/321)


(2) وتصح الوصية والتدبير من كل من تصح هبته
(3) ومن الصبي العاقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الاستحباب. وروى ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقول الله: يا ابن آدم، جعلت لك نصيبًا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك به وأزكيك» وقوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] الخير: المال الكثير، فأما الفقير فلا يستحب له وصية، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» وقال: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وقال رجل لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " إن لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي؟ فقالت: اجعل الثلاثة للأربعة"، ولأن الله سبحانه إنما كتب الوصية على من ترك خيرًا، فلما نسخ الوجوب بقي الاستحباب في محل الوجوب لا يعدوه. واختلفوا في القدر الذي إذا ملك لا يستحب معه الوصية، فروي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من ترك دون الألف لا يستحب له الوصية. وعن علي: أربعمائة دينار، وقال ابن عباس: من ترك ستين دينارًا لم يترك خيرًا. وقال طاوس: الخير ثمانون دينارًا. وقال النخعي: ألف وخمسمائة.

[فصل في مقدار الوصية] 1
فصل: والأفضل أن لا يستوعب الثلث بالوصية لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثلث، والثلث كثير» وأكثرهم على استحباب الوصية بالخمس، وروي عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أوصى بالخمس وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه. وعن علي قال: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع. وروى سعيد عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع. وعن العلاء قال: أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصية، فتتابعوا على الخمس.

مسألة 2: (وتصح الوصية والتدبير من كل من تصح هبته) لأنها تبرع أشبهت الهبة.

مسألة 3: (وتصح من الصبي والعاقل) قال أبو بكر: لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته، ومن له دون السبع لا تصح، وأما بين السبع والعشر فعلى روايتين. وقال ابن إسحاق: إذا بلغ اثنتي عشرة سنة. وحكاه ابن المنذر عن أحمد. وروى شعبة أن صبيًا من غسان له عشر سنين أوصى لأخواله، فرفع ذلك إلى عمر فأجاز وصيته، ولا يعرف له مخالف. وروى مالك في الموطأ أن عمرو بن سليم أخبر أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن هاهنا غلامًا يفاعا لم يحتلم من غسان ورثته بالشام، وهو ذو مال وليس له هاهنا إلا ابنة عم، فقال عمر: فليوص لها، فأوصى لها بمال يقال له بئر حسم. قال

(1/322)


(4) والمحجور عليه لسفه
(5) ولكل من تصح الهبة له
(6) وللحمل إذا علم أنه كان موجودًا حين الوصية له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عمرو: فبعت ذلك المال بثلاثين ألفًا. وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم. قال أبو بكر: وكان الغلام ابن عشر أو اثنتي عشرة، ولأنه محض نفع للصبي تصح منه كالصلاة، لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد استغنائه عن ملكه ولا يلحقه ضرر بها في الدنيا، بخلاف الهبة والعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما هو محتاج إليه، فإذا ردت رجع إليه.

مسألة 4: (وتصح من المحجور عليه لسفه) لأنه بمنزلة الصبي العاقل. وقال أبو الخطاب: في وصيته وجهان: أحدهما: لا تصح، لأنه محجور عليه في تصرفاته أشبه الهبة. والثاني: تصح، لأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله له، وليس في وصيته إضاعة لماله، لأنه إن عاش فهو له، وان مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصل له.

مسألة 5: (وتصح لكل من تصح الهبة له) من مسلم وذمي ومرتد وحربي، نص عليه؛ لأن هؤلاء لو وهبهم لصحت الهبة لهم، فكذلك الوصية.

مسألة 6: (وتصح للحمل إذا علم أنه كان موجودًا حين الوصية له) بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيدها يطأها، ولأقل من أربع سنين إن لم تكن كذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر لأقل من سنتين، ولا نعلم في الوصية للحمل خلافًا لأنها أوسع من الميراث لأنها تصح للكافر وللعبد، والحمل يرث فتصح الوصية له بطريق الأولى، فإن وضعته ميتًا بطلت الوصية لاحتمال أنه لم يكن حيًا حين الوصية فلا تثبت له الوصية بالشك، وإن وضعته حيًا صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حين الوصية.
قال الخرقي: إذا أتت به لأقل من ستة أشهر منذ تكلم بالوصية، وليس ذلك مشترطًا مطلقًا، لكن إن كانت فراشًا لزوج أو لسيدها فأتت به لستة أشهر فما دونها علمنا وجوده حين الوصية، وإن كان لأكثر منها لم تصح الوصية له لاحتمال حدوثه بعد الوصية، وإن كانت بائنًا فأتت به لأكثر من أربع سنين من حين الفرقة لم تصح الوصية، لأن الولد يعلم وجوده إن كان لستة أشهر فما دون، ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين الفرقة.

(1/323)


(7) وتصح بكل ما فيه نفع مباح ككلب الصيد والغنم وبما فيه نفع من النجاسات
(8) وبالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته
(9) وتصح بما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء
(10) وبما لا يملكه كمائة درهم لا يملكها
(11) وبغير معين كعبد من عبيده، ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا، وبالمجهول كحظ من ماله أو جزء ويعطيه الورثة ما شاءوا
(12) وإن وصى له بمثله نصيب أحد ورثته فله مثل أقلهم نصيبا يزاد على الفريضة)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 7: (وتصح الوصية بكل ما فيه نفع مباح ككلب الصيد والغنم وما فيه نفع من النجاسات) كالزيت النجس لأنه يجوز اقتناؤه والانتفاع به فجاز نقل اليد إليه بالوصية.

مسألة 8: (وتصح بالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته) لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية.

مسألة 9: (وتصح بما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء) واللبن في الضرع، لأن الموصى له يخلف الموصي في الموصى به كخلافة الورثة في باقي المال، والوارث يخلفه في هذه الأشياء كذلك الموصى له.

مسألة 10: (وتصح بما لا يملكه كمائة درهم لا يملكها) كما تصح بحمل أمته أو شجرته، فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها وإلا بطلت لأن الموصى به عدم، والوصية كالهبة فلما عدم الموهوب بطلت الهبة، فكذلك الوصية.

مسألة 11: (وتصح بغير معين كعبد من عبيده ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا) لأنه يتناوله الاسم سواء كان صحيحًا أو معيبًا أو ذكرًا أو أنثى، كما لو أوصى له بحظ أو نصيب، وعنه يستحق أحدهم بالقرعة إذا خرج من الثلث وإلا ملك منه بقدر الثلث لأنه يستحق واحد غير معين، وليس واحد بأولى من واحد، فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق واحدًا منهم غير معين.

مسألة 12: (وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته فله مثل أقلهم نصيبًا يزاد على الفريضة) فلو خلف ابنًا وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين سهمًا لكل امرأة سهم، وللموصى له سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة وثلاثين سهمًا: للموصى له سهم، ولكل امرأة سهم، وما بقي فهو للابن، وإنما جعل له أقل أنصبائهم لأنه المتعين وما زاد مشكوك

(1/324)


(13) فلو خلف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم فله الربع، فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشر، وزدت عليها بمثل نصيب ابن فصارت من ثلاثة وعشرين
(14) ولو وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بسدس باقي المال جعلت صاحب سدس الباقي كذي فرض وصححتها كالتي قبلها
(15) فإن كانت وصية الثاني بسدس باقي الثلث صححتها كما قلنا سواء، ثم زدت عليها مثليها فتصير تسعة وستين تعطي صاحب السدس سهما واحدا والباقي بين البنين، والوصي الآخر أرباعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فيه، ولو كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم يزاد على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم، وأما إن كانوا يتفاضلون جعل له مثل ما لأقلهم نصيبًا يزاد على الفريضة لما ذكرناه.

مسألة 13: (ولو خلف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم فله الربع) لذلك (فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشر، وزدت عليها مثل نصيب ابن فصارت من ثلاثة وعشرين) لأن له مثل نصيب ابن فزاد على الفريضة فكان له خمسة من ثلاثة وعشرين ولكل ابن خمسة وللأم ثلاثة.

مسألة 14: (ولو وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بسدس باقي المال جعلت صاحب سدس الباقي كذي فرض وصححتها كالتي قبلها) وطريق ذلك بالنصيب أنا نجعل المال كله ستة أسهم ونصيبًا، فندفع النصيب للموصى له به، وندفع إلى الآخر سهمًا من ستة، يبقى خمسة أسهم نقسمها على ثلاثة بنين، يخرج لكل ابن سهم وثلثا سهم وذلك هو النصيب، فيكون المال جميعه سبعة أسهم وثلثي نصيب، نضربها في ثلاثة ليزول الكسر فيكون ثلاثة وعشرين: للموصى له بالنصيب خمسة، وللآخر سدس باقي المال ثلاثة، يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة.

مسألة 15: (وإن كانت وصية الثاني بسدس باقي الثلث صححتها كما قلنا) ، يعني من ثلاثة وعشرين (ثم تزيد عليها مثليها فتصير تسعة وستين، تعطي صاحب السدس سهمًا واحدًا والباقي بين البنين والموصى له على أربعة) والطريق في ذلك بالنصيب أنَّا نجعل المال كله ثمانية عشر سهمًا وثلاثة أنصباء، فيكون الثلث ستة أسهم ونصيبًا فتدفع للموصى له بالنصيب نصيبًا وللموصى له الآخر سهمًا؛ لأنه سدس باقي الثلث، يبقى معنا سبعة عشر

(1/325)


(16) وإن زاد البنون على ثلاثة زدت صاحب سدس الباقي بقدر زيادتهم، فإن كانوا أربعة أعطيته مما صحت منه المسألة سهمين
(17) وإن كانوا خمسة فله ثلاثة
(18) وإن كانت الوصية بثلث باقي الربع والبنون أربعة فله سهم واحد، وإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سهمًا ونصيبان، ندفع النصيبين لابنين يبقى سبعة عشر سهمًا هي للابن الآخر، فعلم أن النصيب سبعة عشر، فإذا جمعنا ثلاثة أنصباء إلى سبعة عشر كان الجميع تسعة وستين، لصاحب السدس منها سهم ويبقى الباقي على البنين والموصى له أرباعًا لكل واحد سبعة عشر كما ذكر.

مسألة 16: (وإن زاد البنون على ثلاثة زدت صاحب سدس الباقي بقدر زيادتهم فإذا كانوا أربعة أعطيته مما صحت منه المسألة سهمين) وذلك لما ذكرناه من أنَّا نجعل المال ثمانية عشر سهمًا وثلاثة أنصباء، فإذا دفعنا إلى الموصى له بالنصيب نصيبًا وإلى ابنين نصيبين وإلى الموصى له بالسدس سهمًا بقي سبعة عشر على اثنين فيكون النصيب ثمانية ونصفًا، فإذا جمعنا ذلك كان ثلاثة وأربعين ونصفًا فنحتاج أن نضرب ذلك في اثنين ليزول الكسر، فيصير كل من له شيء من ثلاثة وأربعين ونصف مضروبًا في اثنين وصاحب السدس له سهم مضروب في اثنين باثنين.

مسألة 17: (ولو كان البنون خمسة فله ثلاثة) لأنا نحتاج أن نقسم السبعة عشر على ثلاثة بنين، يخرج النصيب خمسة أسهم وثلثي سهم، فإذا جمعنا السبعة عشر إلى ثمانية عشر كان المجموع خمسة وثلاثين: للموصى له بالسدس سهم، ويبقى أربعة وثلاثون على ستة لكل واحد خمسة أسهم وثلثا سهم، فنضرب ذلك في ثلاثة ليزول الكسر يصير المجموع مائة وخمسة، ثم كل من له شيء من خمسة وثلاثين مضروب في ثلاثة، وصاحب السدس له سهم مضروب في ثلاثة فيصير له ثلاثة كما ذكر.

مسألة 18: (وإن كانت الوصية بثلث باقي الربع والبنون أربعة فله سهم واحد) وذلك أنه يكون قد خلف أربعة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وللآخر بثلث باقي الربع، فالطريق أنا نجعل المال كله اثني عشر سهمًا وأربعة أنصباء نعطي الموصى له بالنصيب نصيبًا وللموصى له الآخر ثلث باقي الربع سهمًا، يبقى معنا ثلاثة أنصباء وأحد

(1/326)


(وإن وصى بضعف نصيب وارث أو ضعفيه فله مثلا نصيبه، وثلاثة أضعاف ثلاثة أمثاله)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عشر سهمًا نعطي كل ابن نصيبًا ويبقى أحد عشر سهمًا هي للابن الرابع، فبان أن النصيب أحد عشر فيكون المال كله ستة وخمسين سهمًا للموصى له بالنصيب أحد عشر، ولصاحب ثلث باقي الربع سهم، صار الجميع اثني عشر ويبقى أربعة وأربعون على أربعة بنين لكل واحد أحد عشر (فإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهمًا) لأنهم إذا كانوا خمسة والموصى له بالنصيب صاروا ستة ومعنا أربعة أنصباء واثنا عشر إذا أخذ الموصى له بالنصيب نصيبًا وكل ابن نصيبًا، وأخذ الموصى له بثلث باقي الربع سهمًا بقي أحد عشر سهمًا وبقي من البنين اثنان، فتبين أن النصيب خمسة ونصف، فإذا ضربنا المسألة وهي أربعة وثلاثون في اثنين صار كل من له شيء من ذلك مضروبًا في اثنين، وصاحب ثلث الربع له سهم مضروب في اثنين فيصير له اثنان. وإن زاد البنون واحدًا على خمسة ضربنا في ثلاثة في المسألة وهي ستة وعشرون وثلثان، ثم كل من له شيء منها مضروب في ثلاثة، والموصى له بثلث باقي الربع له منها سهم في ثلاثة فتصح له ثلاثة، وكلما زاده واحدًا زاد نصيبه واحدًا كما ذكر، إلى أن يصير البنون أربعة عشر ابنا، فإن المسألة تصح من ستة عشر سهمًا فيكون للموصى له بالنصيب سهم وللموصى له بثلث باقي الربع سهم ولكل ابن سهم، لأنا إذا فرضنا المال جميعه أربعة أنصباء أو اثنا عشر سهمًا فإنا نعطي الموصى له بمثل النصيب نصيبًا والآخر لثلاثة بنين ويبقى أحد عشر، فبان أن النصيب سهم، وصحت من ستة عشر لأنها لم تحتج إلى ضرب، والله تعالى أعلم.

مسألة 19: (فإن وصى بضعف نصيب وارث أو بضعفيه فله مثله مرتين، وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله) قال شيخنا: هذا هو الصحيح عندي، لأن الله سبحانه قال: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] وقال: {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة: 265] وقال عطاء: أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين، وقال عكرمة: تحمل كل عام مرتين. وثلاثة أضعاف ثلاثة أمثال، فإن أهل العربية لا يعرفون في كلامهم غير ذلك. وروى ابن الأنباري بإسناده عن هشام بن معاوية النحوي قال: العرب تتكلم بالضعف مثنى، فتقول: إن أعطيتني درهمًا فلك ضعفاه، يريدون مثليه. قال: وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن. وقال

(1/327)


(19) وإن وصى بجزء مشاع كثلث أو ربع أخذته من مخرجه وقسمت الباقي على الورثة
(20) وإن وصى بجزءين أخذتهما من مخرجهما، وهو اثنا عشر وقسمت الباقي على الورثة، فإن ردوا جعلت سهام الوصية ثلث المال وللورثة ضعف ذلك
(22) وإن وصى بمعين من ماله فلم يخرج من الثلث فللموصى له قدر الثلث إلا أن يجيز الورثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أصحابنا: ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، كلما زاد ضعفًا زاد مرة واحدة، فالضعف ضم مثله إليه، والضعفان ضم مثليه إليه، وقال أبو عبيدة: ضعف الشيء هو ومثله، وضعفاه هو ومثلاه. وقال في قَوْله تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] يعني يجعل العذاب ثلاثة أعذبة، والأول أولى. قال ابن عرفة: لا أحب قول أبي عبيدة في {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] ؛ لأن الله سبحانه قال في الآية الأخرى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] فاعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين.

مسألة 20: (وإن وصى بجزء مشاع كثلث أو ربع أخذته من مخرجه وقسمت الباقي على الورثة) إن انقسم، وإلا ضربت مسألة الورثة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح، مثاله خلف ابنين ووصى بثلث ماله لرجل، فالمخرج ثلاثة ندفع للموصى له سهمًا ويبقى سهمان لكل ابن سهم، وإن كان البنون ثلاثة بقي سهمان على ثلاثة لا تصح ولا توافق، تضربها في مخرج الوصية ثلاثة تصير تسعة، للموصى له بالثلث سهم مضروب في ثلاثة بثلاثة ويبقى ستة على ثلاثة لكل ابن سهمان. وإن كان البنون أربعة بقي سهمان على أربعة لا تصح ولا توافق بالنصف، فتضرب اثنين في ثلاثة بستة للموصى له سهمان ولكل ابن سهم.

مسألة 21: (وإن وصى بجزءين كثلث وربع أخذتهما من مخرجهما وقسمت الباقي على المسألة) على ما مر (وإن رد الورثة جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال ودفعت الثلثين إلى الورثة) فإذا وصى بثلث المال وربعه وخلف ابنين أخذت ذلك من مخرجه سبعة من اثني عشر، يبقى للابنين خمسة إن أجازا، وإن ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من أحد وعشرين، للموصى لهما سبعة، لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة، ولكل ابن سبعة.

مسألة 22: (وإن وصى بمعين من ماله) مثل إن وصى له بعبد معين (فلم يخرج من

(1/328)


(23) وإن زادت الوصايا على المال كرجل وصى بثلث ماله لرجل ولآخر بجميعه ضممت الثلث إلى المال فصار أربعة أثلاث وقسمت التركة بينهما على أربعة إن أجيزت لهما، والثلث على أربعة إن رد عليهما
(24) ولو وصى بمعين لرجل ثم وصى به لآخر
(25) أو أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهو بينهما
(26) وإن قال: ما أوصيت به للأول فهو للثاني بطلت وصية الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الثلث فللموصى له من ذلك العبد مقدار الثلث) مثاله أوصى بعبد يساوي مائتين وله غيره بمائة فله نصفه لأن ذلك قدره الثلث (إلا أن يجيز الورثة) فيأخذ العبد كله.

مسألة 23: (وإن زادت الوصايا على المال كرجل أوصى بماله كله لرجل ولآخر بثلث ضممت الثلث إلى المال فصار أربعة أثلاث وقسمت المال بينهما على أربعة إن أجيز لهما، والثلث على أربعة إن رد عليهما) ومثاله في الفرائض في مسائل العول امرأة خلفت زوجًا وأختًا وأمًا، فإن الزوج والأخت لو انفردا أخذا المال كله، فجاءت الأم وفرضها هاهنا الثلث فتزيده على المال فيصير لها الربع، وكذلك الوصية بجميع المال وثلثه، فإن رد الورثة جعلنا ثلث المال أربعة فيصير المال كله اثني عشر: للموصى لهما أربعة، ولصاحب الكل ثلاثة، ولصاحب الثلث سهم.

مسألة 24: (وإن وصى بمعين لرجل ثم أوصى به لآخر فهو بينهما) ولا يكون رجوعًا عن وصية الأول لاحتمال أن يكون ناسيًا أو قاصدًا للتشريك بينهما، وقد ثبتت وصية الأول يقينًا فلا نبطلها بالشك.

مسألة 25: (وإن أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهما وصيان) كالتي قبلها لذلك.

مسألة 26: (فإن قال: ما وصيت به للأول فهو للثاني بطلت وصية الأول) لأنه صرح بالرجوع.
1 -
مسألة 27: ويجوز الرجوع في الوصية بإجماع منهم، لأنها عطية تتنجز بالموت، فجاز له الرجوع فيها قبل تنجزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل تقبيضه.

(1/329)


(فصل: إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة، فلو وصى أن يشترى عبد زيد بمائة فيعتق، فمات، أو لم يبعه سيده، فالمائة للورثة)
(28) وإن وصى بمائة تنفق على فرس حبيس فمات الفرس فهي للورثة
(29) ولو وصى أن يحج عنه زيد بألف فلم يحج فهي للورثة، وإن قال الموصى له: أعطوني الزائد على نفقة الحج لم يعط شيئا
(30) ولو مات الموصى له قبل موت الموصي
(31) أو رد الوصية ردت إلى الورثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[فصل في حكم بطلان الوصية]
(فصل: إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة، فلو وصى أن يشترى عبد زيد بمائة فيعتق، فمات، أو لم يبعه سيده، فالمائة للورثة) وذلك أنه متى تعذر شراؤه لامتناع سيده من بيعه، أو لموته، أو لكونه يعجز الثلث عن ثمنه، أو أن المائة لا تبلغ ثمنه، فالثمن للورثة؛ لأن الوصية بطلت لتعذر العمل بما أمر به، أشبه ما لو وصى لرجل فمات الموصى له، ولا يلزمهم أن يشتروا عبدًا آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره، وأما إذا اشتروه بأقل فالباقي للورثة لأن المقصود بالوصية عتقه وقد حصل.

مسألة 28: (وإن وصى بمائة تنفق على فرس حبيس فمات الفرس فهي للورثة) وهذه المسألة كالتي قبلها وعلتها علتها. ولو أنفق بعض المائة ثم مات الفرس فالباقي للورثة، كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر قبل شرائه يرجع ثمنه إلى الورثة، كذا هاهنا.

مسألة 29: (وإن وصى أن يحج عنه زيد بألف فلم يحج فهي للورثة) لذلك (ولو قال الموصى له: أعطوني الزائد على نفقة الحج) فإنه موصى لي به (لم يعط شيئًا) لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج، فإذا لم يفعل لم يوجد الشرط فلم يستحق شيئًا.

مسألة 30: (ولو مات الموصى له قبل موت الموصي رد إلى الورثة) لأن الوصية عطية بعد الموت، فإذا صادفت حال العطية ميتًا لم تصح كما لو وهب ميتًا أو أوصى له.

مسألة 31: (وإن رد الموصى له الوصية) بعد موت الموصي (بطلت أيضًا) لا نعلم في ذلك خلافًا، لأنه أسقط حقه في حال تملك قبوله وأخذه والمطالبة به فأشبه الشفيع يعفو عن الشفعة بعد البيع، وإذا بطلت الوصية رجع إلى الورثة كالمسائل التي قبلها.

(1/330)


(32) ولو وصى لحي وميت فللحي نصف الوصية
(33) ولو وصى لوارثه ولأجنبي بثلث ماله فللأجنبي السدس ويوقف سدس الوارث على الإجازة
باب الموصى إليه (تجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث بما يجوز للموصي فعله: من قضاء ديونه، وتفريق وصيته، والنظر في أمر أطفاله)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 32: (ولو وصى لحي وميت فللحي نصف الوصية) لأنه لم يوص له إلا بالنصف، بدليل ما لو كان الآخر حيًا، هذا إذا لم يعلم موته، فإن علم موته فالكل للحي لأنه شرك بين من يستحق ومن لا يستحق عالمًا بأنه لا يستحق فيدل ذلك على أنه جعل الكل لمن يستحق وهو الحي.

مسألة 33: (وإن وصى لوارثه وأجنبي بثلث ماله فللأجنبي السدس ويوقف سدس الوارث على الإجازة) لأنه أوصى لكل واحد منهما السدس فلم يصح له إلا ذلك، كما لو كانت الوصية لأجنبيين، وإن أجازوا للوارث جاز كما لو أجازوا لأجنبي بزيادة على الثلث.

[باب الموصى إليه]
(تجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث بما يجوز للموصي فعله: من قضاء ديونه، وتفريق وصيته، والنظر في أمر أطفاله) فأما الوصية إلى المسلم العاقل العدل فتصح إجماعًا، ولا تصح وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف، ولا الوصية إلى المجنون والطفل لأنهما ليسا من أهل التصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما، والكافر ليس من أهل الولاية على المسلم.
1 -
مسألة 34: وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثرهم، لما روي أن عمر وصى إلى حفصة، ولأنها من أهل الشهادة أشبهت الرجل، فهؤلاء تصح الوصية إليهم فيما ذكرنا من قضاء ديونه واقتضائها وتفريق وصيته ورد ودائعه؛ لأنه يجوز له فعل ذلك بنفسه فجاز توصيته لأنه أقامه مقام نفسه.
1 -
مسألة 35: فأما الفاسق فلا تصح الوصية إليه، وعنه ما يدل على صحتها. وقال الخرقي: إذا كان الوصي خائنًا ضم إليه أمين لأنه عاقل بالغ فصحت الوصية إليه كالعدل، ولأنه من أهل التصرف وله نظر وتصح استنابته في حال الحياة فكذلك بعد الموت، ويمكن

(1/331)


(37) ومتى أوصى إليه بولاية أطفاله أو مجانينه ثبتت ولايته عليهم، ونفذ تصرفه لهم بما لهم فيه الحظ: من البيع والشراء، وقبول ما يوهب لهم، والإنفاق عليهم وعلى من تلزمهم مؤنته بالمعروف، والتجارة لهم، ودفع أموالهم مضاربة بجزء من الربح
(38) وإن اتجر لهم بنفسه فليس له من الربح شيء
(39) وله أن يأكل من مالهم عند الحاجة بقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
تحصيل نظره مع حفظ المال بأمين. ووجه الأولى أنه لا يجوز إفراده بالوصية فلا تجوز الوصية إليه كالمجنون.
1 -
مسألة 36: أما النظر لورثته في أموالهم فإن كان ذا ولاية عليهم كأولاده الصغار فله أن يوصي إلى من ينظر لهم في أموالهم بحفظها والتصرف لهم فيها، وإن لم يكن ذا ولاية عليهم كالعقلاء الراشدين أو ممن لا ولاية له كالأخ والعم وسائر من عدا الأب لم تصح وصيته بذلك عليهم، ولا نظر له في أموالهم في الحياة فكذلك لا نظر لنائبه بعد الممات، وهذا لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم.

مسألة 37: (ومتى أوصى إليه بولاية أطفاله أو مجانينه ثبتت له ولايتهم وينفذ تصرفه لهم بما لهم فيه الحظ: من البيع والشراء، وقبول ما يوهب لهم، والإنفاق عليهم وعلى من تلزمهم مؤنته بالمعروف، والتجارة لهم، ودفع أموالهم مضاربة بجزء من الربح) لأنه إنما يتصرف لمصلحتهم وهذا من مصلحتهم، ولأن العقلاء البالغين يفعلون ذلك لأنفسهم فكذلك هذا لهؤلاء.

مسألة 38: (إن اتجر لهم بنفسه فليس له من الربح شيء) وذلك أنه يستحب لمن ولي يتيمًا أن يتجر بماله، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ولي يتيمًا فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة» (رواه الترمذي) ، وروي ذلك عن عمر وهو أصح من المرفوع، ولأن ذلك أحفظ لليتيم لتكون نفقته من فاضله كما يفعل البالغون في أموالهم. وإذا اتجر لهم فالربح كله لليتيم، لأن الولي وكيل اليتيم بالشرع وتصرف الوكيل نفع للموكل، ولا يستحق الوكيل من الربح شيئًا إلا أن يجعل له.

مسألة 39: (وله أن يأكل من مالهم عند حاجته بقدر عمله، ولا غرم عليه، ولا يأكل

(1/332)


عمله ولا غرم عليه، ولا يأكل إذا كان غنيا لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]
(40) وليس له أن يوصي بما أوصى إليه به
(41) ولا أن يبيع ويشتري من مالهم لنفسه، ويجوز ذلك للأب
(42) فلا يلي الصبي والمجنون إلا الأب أو وصيه أو الحاكم
فصل ولوليهم أن يأذن للمميز من الصبيان بالتصرف ليختبر رشده، والرشد هنا الصلاح في المال، فمن آنس رشده دفع إليه ماله إذا بلغ وأشهد عليه ذكرا كان أو أنثى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إذا كان غنيًا لقوله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] فله أقل الأمرين من أجرته أو قدر كفايته، لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعًا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه كلاهما، فإذا أكل منه ذلك القدر ثم أيسر فإن كان أبًا لم يلزمه عوضه رواية واحدة، وإن كان غير الأب فهل يلزمه؟ على روايتين: إحداهما: يلزمه لأنه استباحه بالحاجة من مال غيره فلزمه قضاؤه كمن اضطر إلى طعام غيره، والأخرى: لا يقضي لأن الله سبحانه أمر بالأكل ولم يذكر عوضًا، ولأنه عوض جعل له عن عمله فلم يلزمه بدله كالأجير والمضارب.

مسألة 40: (وليس له أن يوصي بما أوصى إليه به) لأنه تصرف بولاية فلم يكن له التفويض كالوكيل، ويخالف الأب لأنه يلي بغير تولية، وعنه له أن يوصي إلى غيره لأن الأب أقامه مقام نفسه فكان له الوصية كالأب.

مسألة 41: (وليس للوصي أن يبيع ويشتري لهم من مالهم لنفسه) ، كما لا يجوز ذلك للوكيل، ولأنه متهم في ذلك، (ويجوز ذلك للأب) لأنه غير متهم فيه.

مسألة 42: (ولا يلي مال الصبي والمجنون إلا الأب أو وصيه أو الحاكم) فيلي الأب مال أولاده الصغار والمجانين لكمال شفقته عليهم وحسن نظره، ووصيه قائم مقامه، وبعدهما الحاكم لأن ولايته عامة.

[إذن الولي للصبي المميز في التصرف ليختبر رشده]
(فصل: ولوليهم أن يأذن للمميز من الصبيان في التصرف ليختبر رشده، فمن آنس رشده دفع إليه ماله إذا بلغ وأشهد عليه، ذكرًا كان أو أنثى) لقوله سبحانه:

(1/333)


(43) فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر
(44) ولا ينظر في ماله إلا الحاكم
(45) ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه
(46) ولا يقبل إقراره في المال
(47) ويقبل في الحدود والقصاص والطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فاشترط إيناس الرشد والبلوغ، فلا يجوز الدفع إليهم بدونهما، ولم يفرق بين الذكر والأنثى.

مسألة 43: (فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر) لأن ذلك إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وروى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعًا فأتى الزبير فقال: قد ابتعت بيعًا، وإن عليًا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي. فقال الزبير: أنا شريكك في البيع. فأتى عليّ عثمان فقال: إن ابن جعفر قد ابتاع بيعًا فاحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه في البيع، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ قال أحمد: لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف. وهذه قصة يشتهر مثلها ولم يخالف ذلك أحد، فكان إجماعًا. ولأن هذا سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ سفيهًا، فإن العلة التي اقتضت الحجر عليه سفهه وهي موجودة، ولأن التبذير لو قارن البلوغ منع دفع المال إليه، فإذا حدث أوجب انتزاع المال منه كالمجنون.

مسألة 44: (ولا ينظر في ماله إلا الحاكم) لأن الحجر يفتقر إلى حكم حاكم وزواله يفتقر إلى ذلك، فكذلك النظر في ماله.

مسألة 45: (ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه) لأنه حجر بحكمه فلا ينفك إلا به، ولأنه يحتاج إلى تأمل في معرفة رشده، وزواله بتدبيره، وفارق الصبي والمجنون، فإن الحجر عليهما بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه.

مسألة 46: (ولا يقبل إقراره في المال) لأن المقصود من الحجر عليه منعه من التصرف في المال ليحفظ عليه ماله، ولو قبلنا إقراره في المال لزال المقصود الذي جعل الحجر من أجله، ولأنه محجور عليه لحفظه ولا يقبل إقراره بالمال كالصبي، فإذا فك الحجر عنه لزمه إقراره لا يكلف أمرًا بما لا يلزمه في الحال، فلزم بعد فك الحجر عنه، كالعبد يقر بدين والراهن يقر على الرهن بجناية ونحوها.

مسألة 47: (ويقبل إقراره في الحدود والقصاص والطلاق) قال ابن المنذر: أجمع

(1/334)


(48) فإن طلق أو أعتق نفذ طلاقه دون إعتاقه
فصل: وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره، ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أذن له فيه
(49) وإن رآه سيده أو وليه يتصرف فلم ينهه لم يصر بهذا مأذونا له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه جائز إذا كان إقراره بزنا أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قتل، وإن الحدود تقام عليه، وذلك أنه غير متهم في حق نفسه، والحجر إنما تعلق بماله فيقبل إقراره على نفسه بما لا يتعلق بالمال. وإن طلق نفذ طلاقه لأنه ليس بتصرف في المال ولا يجري مجراه فلا يمنع منه، كالإقرار بالحد والقصاص، ودليل أنه لا يجري مجرى المال أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال.

مسألة 48: (فإن طلق أو أعتق نفذ طلاقه) لما سبق (ولا ينفذ عتقه) لأنه تصرف في المال فلا ينفذ كما لو أقر بمال، وذكر أبو الخطاب عنه رواية: يصح عتقه لأنه عتق من مال مكلف أشبه الراهن.

[فصل في حكم تصرفات العبد المأذون له في التجارة]
(فصل: وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره، ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أذن له فيه) لا نعلم فيه خلافًا، ولا يصح فيما زاد، نص عليه؛ لأنه متصرف بالإذن فاختص تصرفه بمحل الإذن كالوكيل وما يلزمه من الذي يتعلق بذمة السيد رواية واحدة، لأنه إذا أذن له في التجارة فقد غر الناس بمعاملته وأذن فيها فصار ضامنًا كما لو قال لهم داينوه.

مسألة 49: (وإن رآه سيده يتصرف ولم ينهه لم يصر بهذا مأذونًا له) لأنه إذا رآه يتصرف فسكت يحتمل أن يكون إذنًا ويحتمل غير ذلك، فلا يثبت له الإذن بالشك، ولأن الإذن إنما يحصل بقوله: أذنت لك في كذا أو ما يدل عليه، والسكوت ليس بقول فلا يدل عليه لما ذكرنا.

(1/335)