الفروع و
معه تصحيح الفروع كتاب الصيام
تعريف الصوم لغة
وشرعا
مدخل
...
كتاب الصيام
الصوم لغة: الإمساك، ومنه: {إِنِّي نَذَرْتُ
لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: 26] ويقال
للفرس: صائم، لإمساكه عن الصهيل في موضعه،
وكذا عن العلف.
وشرعا: إمساك مخصوص.
قيل: سمي رمضان لحر جوف الصائم فيه ورمضه،
والرمضاء: شدة الحر، وقيل: لما نقلوا أسماء
الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي
وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر
ورمضه، وقيل: لأنه يحرق الذنوب، وقيل: موضوع
لغير معنى كسائر الشهور، كذا قيل، وقيل في
الشهور معان أيضا، وقيل غير ذلك.
وجمعه: رمضانات وأرمضة ورماضين1 وأرمض ورماض
ورماضي وأراميض.
والمستحب قول شهر رمضان كما قال الله تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185]، ولا يكره
قول: رمضان، بإسقاط الشهر "و هـ" وأكثر
العلماء2. وذكر الشيخ: يكره إلا مع قرينة
الشهر وفاقا لأكثر الشافعية، وذكر شيخنا وجها:
يكره وفاقا للمالكية، وقاله مجاهد وعطاء،
وقالا: لعله اسم من أسماء الله تعالى. وفي
المنتخب: لا يجوز، وروى ابن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س" وهامش الأصل: "رمضانين".
2 في الأصل: "الشافعية".
(4/403)
عدي والبيهقي
وغيرهما1 من رواية أبي معشر وهو ضعيف عندهم عن
المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: "لا تقولوا
رمضان فإنه اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر
رمضان". قال ابن الجوزي: موضوع، ولم يذكره أحد
من أسمائه تعالى، ولا يجوز أن يسمى به "ع"
وقال صاحب المحرر: لو صح من أسمائه لم يمنع
استعماله في غيره، كالأسماء التي وقعت فيها
المشاركة.
وعن أبي هريرة مرفوعا: "من قام رمضان إيمانا
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام
رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من
ذنبه". متفق عليه2. زاد أحمد3 في رواية عن
عفان عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة: "وما تأخر". وحماد له
أوهام، ومحمد تكلم فيه. وعن أبي هريرة مرفوعا:
"إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب
النار، وصفدت الشياطين" 4 وفي لفظ: "فتحت
أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت
الشياطين" . متفق عليه5. وللبخاري6 أيضا:
"فتحت أبواب السماء" . يحتمل أنه على ظاهره،
ويحتمل أن المراد كثرة الخير أو كثرة أسبابه.
ومعنى صفدت غلت، والصفد: الغل، وهو معنى
سلسلت، والمراد المردة، فليس فيه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ابن عدي في "الكامل" 7/2517، والبيهقي في
"السنن الكبرى" 4/201، وذكره ابن أبي حاتم في
"العلل" "1/250"، وأورده الحافظ في "الفتح"
4/113 وقال: حديث ضعيف.
2 البخاري "37"، ومسلم "759" "173" و"760"
"175".
3 في مسنده "9001".
4 أخرجه مسلم "1079" "1".
5 أخرجه البخاري "3277"، ومسلم "1079" "1".
6 في صحيحه "1899".
(4/404)
إعدام الشر، بل
قلته، لضعفهم، ولهذا روى الترمذي وابن ماجه1
من حديث أبي هريرة: "صفدت الشياطين ومردة
الجن". وللنسائي2 من حديثه: "وتغل فيه مردة
الشياطين". فلا يرد قول القائل: إن المجنون
يصرع فيه وقد قال عبد الله لأبيه هذا، فقال:
هكذا الحديث ولا تكلم في ذا.
وروى أحمد3: حدثنا يزيد أنبأنا هشام بن أبي
هشام عن محمد بن محمد بن الأسود عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت أمتي خمس
خصال في رمضان لم تعطه أمة قبلهم4: خلوف فم
الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر له
الملائكة حتى يفطر، ويزين الله كل يوم جنته ثم
يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم
المئونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة
الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون
إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة" ، قيل:
يا رسول الله: أهي ليلة القدر؟ قال: "لا، ولكن
العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله". قال ابن
ناصر الحافظ: حديث حسن أسناده عدول.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الترمذي "682"، وابن ماجه "1642".
2 في المجتبى 4/129.
3 في مسنده "7917".
4 في الأصل و"ط": "من الأمم قبلها".
(4/405)
فصل صوم رمضان
فرض
(ع) فرض في السنة الثانية للهجرة (ع) فصام
رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات(ع).
(4/405)
ويجب صومه
برؤية هلاله، فإن لم ير مع الصحو ليلة
الثلاثين من شعبان أكملوه ثلاثين ثم صاموا
وصلوا التراويح "و" كما لو رأوه، وإن حال دون
مطلعه1 غيم أو قتر أو غيرهما ليلة الثلاثين من
شعبان وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب،
وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد عليه، كذا
قالوا، ولم أجد عن أحمد أنه صرح بالوجوب ولا
أمر به، فلا تتوجه إضافته إليه، ولهذا قال
شيخنا: لا أصل للوجوب في كلام أحمد ولا في
كلام أحد من الصحابة رضي الله عنهم. واحتج
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "منظره".
(4/406)
الأصحاب بحديث
ابن عمر وفعله1، وليس بظاهر في الوجوب، وإنما
هو احتياط قد عورض بنهي، واحتجوا بأقيسة تدل
على أن العبادات يحتاط لها، واستشهدوا بمسائل،
وهي إنما تدل على الاحتياط فيما ثبت وجوبه أو
كان الأصل، كثلاثين2 رمضان، وفي مسألتنا لم
يثبت الوجوب، والأصل بقاء الشهر.
ومما ذكروه: الشك في انقضاء مدة المسح يمنع
المسح، وإنما كان لأن الأصل الغسل، فمع الشك
يعمل به. ويأتي: هل يتسحر مع الشك في طلوع
الفجر3؟.
قال القاضي وغيره: وإنما لم تجب الطهارة مع
الشك احتياطا للعبادة، لأنه حق لآدمي، فلا
يبطله بالشك، فيقال: وجواز الأكل والجماع حق
لآدمي فلا يحرمه بالشك. وقال القاضي وابن
شهاب: وغيرهما لأن الطهارة غير مقصودة في
نفسها، وقد قال القاضي وغيره في أنه لا يلزم
النفل بالشروع: الطهارة مقصودة؟ في نفسها،
ولهذا يستحب تجديدها، بخلاف إزالة النجاسة،
وتأتي فيما يفعل عن الميت، وقيل لمن نظر من
الأصحاب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 حديثه أخرجه مسلم "1080" "4": "صوموا
لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم،
فاقدروا له ثلاثين" . وأما فعله: فقد أخرج أبو
داود "2320" من حديث نافع: فكان ابن عمر إذا
كان شعبان تسعا وعشرين، نظر له، فإن رئي،
فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا
قترة، أصبح مفطرا، فإن حال دون منظره سحاب أو
قترة، أصبح صائما.
2 بعدها في "ب": "أي: يجب كمال رمضان بالعدد،
فإذا غم ليلة الثلاثين - لأن الأصل بقاؤه -
فله إسفار".
3 5/31.
(4/407)
في كتب الخلاف:
صوم يوم الغيم يلزم عليه نذر صوم رجب أو
شعبان: فإنه إذا غم أوله لم يلزم، فقال: كذلك
قال أصحابنا: والنذور لا تبنى إلا على أصولها
من الفروض، كذا قال ويتوجه: يلزم، لأنه فرض
شرعي عندهم، فعلى هذا يصومه حكما ظنيا بوجوبه
احتياطا، ويجزئه. وقيل للقاضي: لا يصح إلا
بالنية ومع الشك فيها لا يجزم بها، فقال: لا
يمتنع التردد فيها للحاجة، كالأسير وصلاة من
خمس، كذا قال. وذكر في الانتصار أنه يجزئه إن
لم تعتبر نية التعيين، وإلا فلا، كذا قال.
وتصلى التراويح ليلتئذ، في اختيار ابن حامد
والقاضي وجماعة، قال صاحب المحرر: وهو أشبه
بكلام أحمد في رواية الفضل: القيام قبل الصيام
احتياطا لسنة قيامه ولا يتضمن محذورا، والصوم
نهي عن تقدمه.
واختار أبو حفص العكبري والتميميون وغيرهم لا
تصلى، اقتصارا
ـــــــ
...............................
(4/408)
على النص "م
1".
ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ووقوع
المعلقات وانقضاء العدة ومدة الإيلاء وغير
ذلك. وذكر القاضي احتمالا: تثبت كما يثبت
الصوم وتوابعه من النية وتبييتها ووجوب
الكفارة بالوطء فيه ونحو ذلك، والأول أشهر،
عملا بالأصل خولف للنص واحتياطا لعبادة عامة،
وعنه: ينويه حكما جازما بوجوبه، وذكره ابن أبي
موسى عن بعض أصحابنا، فيصلي التراويح إذن.
وقيل: لا، وعنه: لا يجب صومه قبل رؤية هلاله
أو إكمال شعبان، اختاره صاحب التبصرة وشيخنا.
وقال: هو مذهب أحمد المنصوص
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ويصلي التراويح ليلتئذ في
اختيار ابن حامد والقاضي وجماعة، قال صاحب
المحرر: وهو أشبه بكلام أحمد واختار أبو حفص
العكبري والميموني وغيرهم: لا تصلى، اقتصارا
على النص، انتهى. القول الأول هو الصحيح، قال
في المستوعب في صلاة التطوع، والحاوي الكبير:
هذا الأقوى عندي قال في تجريد العناية: وتصلي
التراويح ليلتئذ في الأظهر. قال ابن تميم:
فعلت في أصح الوجهين، قال ابن الجوزي: هذا
ظاهر كلام الإمام أحمد واختيار أكثر مشايخنا
المتقدمين، ذكره في كتاب "درء الضيم في صوم
يوم الغيم" واختاره القاضي أبو الحسين،
واختاره أيضا ابن حامد والقاضي وغيرهما، كما
قال المصنف.
والقول الثاني: جزم به ابن عبدوس في تذكرته
وصاحب المنور، قال في التلخيص: وهو أظهر، قال
الناظم: وهو أشهر القولين، وصححه في تصحيح
المحرر، واختاره أيضا من ذكره المصنف،
وأطلقهما المجد في شرحه ومحرره، وصاحب
الرعايتين والحاوي الصغير والفائق والقواعد
الفقهية والزركشي وغيرهم.
(4/409)
الصريح عنه، "و
هـ" وأوجب طلب الهلال ليلتئذ، وعنه: الناس تبع
للإمام، فإن صام وجب الصوم وإلا فلا، فيتحرى
في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها، وإخباره بمن
لا يكتفى به وغير ذلك من القرائن، ويعمل بظنه،
ويأتي: المنفرد برؤيته هل يصومه؟ وعنه: صومه
منهي عنه، اختاره أبو القاسم بن منده
الأصفهاني1، وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم،
فقيل: يكره، وذكره ابن عقيل رواية، وعمل أيضا
في موضع من الفنون بعادة غالبة، كمضي شهرين
كاملين فالثالث ناقص، وأنه معني التقدير. وقال
أيضا: البعد مانع كالغيم، فيجب على كل حنبلي
يصوم مع الغيم،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو القاسم، عبد الرحمن بن محمد بن
إسحاق بن مندة الأصبهاني الإمام المحدث. ت
"170 هـ". "سير أعلام النبلاء" 18/354.
(4/410)
أن يصوم مع
البعد، لاحتماله، والشهور كلها مع رمضان في حق
المطمور كاليوم الذي يشك فيه من الشهر في
التحرز وطلب التحقيق، ولا أحد قال بوجوب الصوم
عليه، بل بالتأخير، ليقع أداء أو قضاء، كذا لا
يجوز تقديم يوم لا يتحقق من رمضان، وقال في
مكان آخر: أو يظنه، لقبولنا شهادة واحد.
وقيل: النهي عنه للتحريم، ونقله حنبل، ذكره
القاضي "م 2" "و م ش" وأوجب "م" الصوم على من
شكت في انقطاع حيضها قبل الفجر، وإذا لم يجب
صومه وجب أداء الشهادة بالرؤية وإن لم يسأل
عنها.
ـــــــ
مسألة - 2: قوله وعنه: صومه منهي عنه يعني صوم
يوم ليلة الغيم اختاره أبو القاسم بن منده
الأصفهاني وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم،
فقيل: يكره. وذكره ابن عقيل رواية وقيل: النهي
عنه1 للتحريم، ونقله حنبل، ذكره القاضي.
انتهى. وأطلقهما الزركشي وصاحب الفائق فقال:
وإذا لم يجب فهل هو مباح أو مندوب أو مكروه أو
محرم؟ على أربعة أوجه، اختار شيخنا الأول،
انتهى. وقال الزركشي: اختار أبو العباس أنه
يستحب صومه، انتهى. وقال في الاختيارات: حكي
عن أبي العباس أنه كان يميل أخيرا إلى أنه لا
يستحب. انتهى.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، المثبت من "ط".
(4/411)
ومن نواه
احتياطا بلا مستند شرعي فبان منه فعنه: لا
يجزئه "و م ش" وعنه: بلى "و هـ". وعنه: يجزئه،
ولو اعتبر نية التعيين، وقيل: في الإجزاء
وجهان1، وتأتي المسألة "م 3". ويدخل فيها قوله
في الرعاية: من صام بنجوم أو حساب لم يجزئه
وإن أصاب، ولا يحكم بطلوع الهلال
ـــــــ
قلت: ظاهر النهي التحريم إلا أنه يصرفه عن ذلك
دليل، 2"فتجيء في صيامه الأحكام الخمسة، قال
الزركشي: وقول سادس بالتبعية"2.
مسألة - 3: قوله: ومن نواه احتياطا بلا مستند
شرعي فبان منه فعنه: لا يجزئه، وعنه: بلى،
وعنه: يجزئه ولو اعتبر نية التعيين، وقيل: في
الإجزاء وجهان وتأتي المسألة، انتهى.
قلت: قال المصنف في باب نية الصوم3: فإن لم
يردد نيته بل نوى ليلة الثلاثين من شعبان أنه
صائم غدا من رمضان بلا مستند شرعي كصحو أو غيم
ولم نوجب الصوم به فبان منه فعلى الروايتين
فيمن تردد أو نوى مطلقا، انتهى.
والصحيح من المذهب والروايتين: أنه لا يصح مع
التردد، والإطلاق قدمه المصنف في باب نية
الصوم وغيره، فكذا الصحيح من المذهب في مسألة
المصنف الأولى أنه لا يصح، إذا علم ذلك،
فالظاهر أن هذه المسألة مراده بقوله: "وتأتي
المسألة" ويحتمل أنه أراد بالمسألة الأولى إذا
نوى احتياطا بغير مستند شرعي الصوم بنجوم أو
حساب ونحوه، وأراد في المسألة الثانية بغير
المستند الشرعي الصوم في يوم الثلاثين من
شعبان إذا كانت السماء مصحية أو كان غيم ولم
نوجب الصوم به كما مثل المصنف، وفيه بعد، وعلى
كلا الاحتمالين في إطلاق المصنف نظر، لأن
الصحيح من المذهب في هذه المسائل عدم الإجزاء،
فكان الأولى أنه يقدم في مسألة عدم الإجزاء،
والله أعلم.
ـــــــ
1 في "س": "روايتان".
2 ليست في "ح".
3 ص 455 - 456.
(4/412)
بهما ولو كثرت
إصابتهما وهذا معنى كلامه في منتهى الغاية،
قال: لأنه ليس بمستند شرعي.
ـــــــ
.........................................
(4/413)
فصل:وإن رأى
الهلال نهارا
قبل الزوال أو بعده أول الشهر أو آخره فهو
لليلة المقبلة "و" هذا المشهور، فلا يجب به
صوم، ولا يباح به فطر، وعنه: بعد الزوال
للمقبلة، اختاره أبو بكر والقاضي، وعنه: بعد
الزوال آخر الشهر للمقبلة، وعنه: آخر الشهر
قبل الزوال وبعده للمقبلة. ويقال من الصباح
إلى الزوال: رأيت الليلة، كما في قوله عليه
السلام في حديث الرؤيا: "رأيت الليلة" 1. وبعد
الزوال يقال: رأيت البارحة، قاله ثعلب وغيره،
قالوا: وهي مشتقة من برح إذا زال، وفي
الصحيحين2 عن سمرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا صلى الصبح قال: "هل رأى أحد منكم
البارحة رؤيا؟" "*" فيكون مراد ثعلب وغيره
الحقيقة، وإلا فالمنع مطلقا باطل، وبعض العوام
يحذف الهاء من البارحة، واللغة إثباتها.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2085".
2 البخاري "7047"، ومسلم "2275" "23".
(4/413)
فصل: وإن ثبتت رؤيته بمكان قريب أو بعيد
لزم جميع البلاد الصوم، وحكم من لم يره كمن
رآه ولو اختلفت المطالع، نص عليه، "و" ذكره
جماعة؛
ـــــــ
تنبيهان:
"*" الأول: قوله في الصحيحين عن سمرة أنه صلى
الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح قال: "هل
رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟" ليس في البخاري
ذكر البارحة.
ـــــــ
(4/413)
فصل: ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد
نص عليه "و ش" وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء
لحديثي ابن عباس وابن عمر1؛ ولأنه خبر ديني،
وهو أحوط، ولا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر،
ولاختلاف أحوال الرائي والمرئي، ولهذا لو حكم
حاكم بشهادة واحد وجب العمل بها "و هـ" وفي
الرعاية: وقيل حتى مع غيم وقتر، فيفهم منه أن
المقدم خلافه، والمذهب التسوية، وقال أبو بكر:
إن جاء من خارج المصر أو رآه فيه لا في جماعة
قبل واحد، وإلا اثنان، وحكى رواية. وفي
الرعاية هذه الرواية إلا أنه قال: لا في جمع
كثير، ولم يقل: وإلا اثنان لا في جمع
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 حديث ابن عباس أخرجه أبو داود "2340"،
والترمذي "691"، والنسائي في "المجتبى"
"4/132" بلفظ: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال – قال الحسن
في حديثه: يعني رمضان – فقال: "أتشهد أن لا
إله إلا الله؟" قال: نعم، قال: "أتشهد أن
محمدا رسول الله؟" قال: نعم، قال: "يا بلال
أذن في الناس فليصوموا غدا" . وحديث ابن عمر
أخرجه أبو داود "2342 بلفظ: تراءى الناس
الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه.
(4/416)
كثير قبل وإلا
فلا. ومذهب "هـ" يقبل واحد في غيم أو رآه
خارجه أو أعلى مكان منه كالمنارة، ومع الصحو
التواتر، وعن أحمد رحمه الله: يعتبر عدلان "و
م ق" فعلى الأول وهو المذهب: هو خبر، فتقبل
المرأة والعبد ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم من
سمعه من عدل، زاد بعضهم: ولو رد الحاكم قوله،
ولا يعتبر لفظ الشهادة، وذكر القاضي فيه في
شهادة القاذف أنه شهادة لا خبر، وذكر بعضهم
وجهين، فتنعكس الأحكام، وهذا أصح للشافعية،
ويتوجه في المستور والمميز الخلاف، وجزم في
المستوعب وغيره: لا يقبل صبي. وفي الكافي1:
يقبل العبد، لأنه خبر، وفي المرأة وجهان:
أحدهما: يقبل لأنه خبر.
والثاني: لا، لأن طريقه الشهادة، ولهذا لا
يقبل فيه شاهد الفرع، مع إمكان شاهد الأصل،
ويطلع عليه الرجال، كهلال شوال، كذا قال.
وإذا ثبت بقول الواحد ثبتت بقية الأحكام، جزم
به صاحب المحرر في مسألة الغيم. وقال القاضي
في مسألة الغيم مفرقا بين الصوم وبين غيره: قد
يثبت الصوم بما لا يثبت الطلاق والعتق ويحل
الدين
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 2/228.
(4/417)
وهو شهادة عدل.
ويأتي: إذا علق طلاقها بالحمل فشهد به امرأة
هل تطلق1؟.
ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان "و م ش" لا
واحد، حكاه الترمذي "ع" خلافا لأبي ثور وغيره.
وفي الرعاية: وعنه: يقبل في هلال شوال قول عدل
واحد بموضع ليس فيه غيره، لا رجل وامرأتان
"هـ" لأنه يقبل ذلك في غير العقوبات، ولا
يعتبر التواتر في العيدين مع الغيم "هـ".
ـــــــ
1 9/115.
(4/418)
فصل:ومن صام
بشاهدين ثلاثين يوما
ولم يره إذن أحد أفطر، وقيل: لا، مع صحو،
واختاره في المستوعب وأبو محمد بن الجوزي "*"
لأن عدم الهلال يقين، فيقدم على الظن وهي
الشهادة، وعلى الأول فيمن صام
ـــــــ
"*" الثاني: قوله ومن صام بشاهدين ثلاثين يوما
ولم يره إذن أحد أفطر، وقيل: لا، مع صحو،
واختاره في المستوعب وأبو محمد بن الجوزي،
انتهى. ليس كما قال عن صاحب المستوعب، فإنه
قال فيه: وإن صاموا بشهادة عدلين أفطروا وجها،
واحدا ولم يزد عليه اللهم إلا أن يكون ذكر ذلك
في غير هذا المحل أو في غير الكتاب، 1"أو وجد
في نسخة، ثم وجدته في بعض النسخ"1. والله
أعلم.
ـــــــ.
1 ليست في "ص".
(4/418)
بقول1 واحد
وجهان، وقيل: روايتان "م 4" وقيل: لا فطر مع
الغيم، اختاره صاحب المحرر "و هـ" والأصح
للشافعية، وإن صاموا لأجل الغيم، لم
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: ومن صام بشاهدين ثلاثين يوما
ولم يره إذن أحد أفطر، وقيل: لا، مع صحو. وعلى
الأول فيمن صام بقول واحد وجهان، وقيل
روايتان، انتهى. وأطلقهما في المغني2 والكافي3
والمقنع4 والشرح4 والرعايتين والفائق وغيرهم:
أحدهما: لا يفطرون، وهو الصحيح، صححه في
التصحيح والمذهب والخلاصة والبلغة والنظم، قال
في القواعد الفقهية: لا يفطرون، في أشهر
الوجهين، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وجزم
به في العمدة والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم،
وقدمه في الهداية والفصول والمستوعب والهادي
والتلخيص والمحرر وشرح ابن رزين وغيرهم.
والوجه الثاني: يفطرون، اختاره أبو بكر، وجزم
به في الوجيز والتسهيل، وظاهر كلامه في
الحاويين أن على هذا الأصحاب، فإنه قال فيهما:
ومن صام بشهادة اثنين ثلاثين يوما ولم يره مع
الغيم أفطر، ومع الصحو يصوم الحادي والثلاثين،
هذا هو
ـــــــ
1 في "س": "بشهادة".
2 4/420.
3 2/232.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/344.
(4/419)
يفطروا، لأن
الصوم إنما كان احتياطا، فمع موافقته للأصل
وهو بقاء رمضان أولى، وقيل: بلى، قال صاحب
الرعاية: إن صاموا جزما مع الغيم أفطروا وإلا
فلا، فعلى الأول إن غم هلال شعبان وهلال رمضان
فقد نصوم اثنين وثلاثين يوما، حيث نقصنا رجبا
وشعبان وكانا كاملين، وكذا الزيادة إن غم هلال
رمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان وكانا
ناقصين. وفي المستوعب: وعلى هذا فقس، وليس
مراده مطلقا، قال في شرح مسلم. قالوا يعني
العلماء لا يقع النقص متواليا في أكثر من
أربعة أشهر، وفي الصحيحين1 من حديث أبي بكر:
"شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة". نقل
عبد الله والأثرم وغيرهما: لا يجتمع نقصانهما
في سنة واحدة، ولعل المراد: غالبا، وأنكر أحمد
تأويل من تأوله على السنة التي قال النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك فيها. ونقل أبو داود: لا
أدري ما هذا؟ قد رأيناهما ينقصان. وقال
إبراهيم الحربي: معناه ثواب العامل فيهما على
عهد أبي بكر الصديق واليوم واحد، ويتوجه
احتمال لا ينقص ثوابهما وإن نقص العدد، وفاقا
لإسحاق وجماعة من العلماء. وقاله ابن هبيرة،
قال: ويزيدهما فضلا إن كانا كاملين، قال
القاضي: الأشبه الأول، لأن فيه دلالة على
معجزة النبوة، لأنه أخبر بما يكون في الثاني،
وما ذهبوا إليه فإنما هو
ـــــــ
الصحيح، وقال أصحابنا: له الفطر بعد إكمال
الثلاثين، صحوا كان أو غيما، وإن صام بشهادة
واحد فعلى ما ذكرنا في شهادة الاثنين، وقيل:
لا يفطر بحال. انتهى.
ـــــــ
1 البخاري "1912"، ومسلم "1089" "31".
(4/420)
إثبات حكم كذا
قال. وإن صاموا ثمانية وعشرين ثم رأوا هلال
شوال قضوا يوما فقط، نقله حنبل، واحتج بقول
علي رضي الله عنه، ولبعد الغلط بيومين. ويتوجه
تخريج واحتمال.
ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه
الصوم وحكمه "و" للعموم، وكعلم فاسق بنجاسة
ماء أو دين على موروثه، ولأنه يلزمه إمساكه لو
أفطر فيه، ويقع طلاقه وعتقه المعلق بهلال
رمضان وغير ذلك من خصائص الرمضانية، ولهذا
فارق غيره من الناس، وليست الكفارة عقوبة
محضة، بل هي عبادة أو فيها شائبة العبادة،
بخلاف الحد، ويأتي في صوم المسافر أن الخلاف
ليس شبهة في إسقاطها1. ذكر ذلك في منتهى
الغاية. وفي المستوعب وغيره على رواية حنبل:
لا يلزمه صوم لا يلزمه شيء من أحكامه.
وحديث أبي هريرة: "صومكم يوم تصومون". رواه
الترمذي2، وقال: حسن غريب، وفيه عبد الله بن
جعفر، وهو ثقة عندهم، وتكلم فيه ابن حبان،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 444.
2 أبو داود "2324"، والترمذي "697"، وابن ماجه
"1660".
(4/421)
وقد رواه أبو
داود وابن ماجه، والإسناد جيد، فذكر الفطر
والأضحى فقط، ومذهب "هـ" إن وطئ فيه فلا كفارة
عليه، وذكره ابن عبد البر قول أكثر العلماء،
كذا قال، ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم، اختاره
شيخنا. قال: ولا غيره. وعلى الأول هل يفطر يوم
الثلاثين من صيام الناس؟ فيه وجهان ذكرهما أبو
الخطاب "م 5"، ويتوجه عليهما وقوع طلاقه وحل
دينه المعلقين به، واختار صاحب الرعاية يقع
ويحل.
وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر، نقله الجماعة
"و هـ م" للخبر السابق، وقاله عمر1 وعائشة2،
واحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط.
قال شيخنا: وكما لا يعرف وحده ولا يضحي وحده،
قال: والنزاع
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: من رأى هلال رمضان وحده وردت
شهادته لزمه الصوم فعليه هل يفطر يوم الثلاثين
من صيام الناس؟ فيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب،
انتهى، قال في الرعايتين والفائق: قلت: فعلى
الأول هل يفطر مع الناس أو قبلهم؟ يحتمل
وجهين، انتهى:
أحدهما: لا يفطر: قلت: وهو الصواب، قياسا على
ما إذا رأى هلال شوال وحده، 3"وقواعد الشيخ
تقي الدين تقتضيه، وقد ذكر المصنف كلامه بعد
ذلك"3.
والوجه الثاني: يفطر، للزومه بالصوم في أوله
برؤيته.
ـــــــ
1 سيورده صاحب الحاشية ص 424 تعليق رقم "2".
2 لم أقف عليه.
3 ليست في "ح".
(4/422)
مبني على أصل
وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في السماء
وإن لم
ـــــــ
...............................
(4/423)
يشتهر ولم ير
أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار،
كما يدل عليه
ـــــــ
...............................
(4/424)
وقال أبو حكيم:
يتخرج أن يفطر، واختاره أبو بكر.
قال ابن عقيل: يجب أن يفطر سرا "و ش" لأنه
يتيقنه يوم العيد، وعلل ابن عقيل بما فيه من
المفسدة، كتركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم
وقتل المنافقين، قال: ولأن الحقوق يحكم بها
عليه فيما يخصه، كذا الفطر، ولما احتج على
القاضي بثبوت الحقوق التي عليه أجاب بأنا لا
نعرف الرواية في ذلك، ثم فرق بأنها عليه
والفطر حق له، كاللقيط إذا أقر بأنه عبد يقبل
فيما عليه وهو الرق، ولم يقبل فيما له من
إبطال العقود.
قيل لابن عقيل: فيجب منع مسافر ومريض وحائض من
الفطر
ـــــــ
...............................
(4/425)
ظاهرا، لئلا
يتهم، فقال: إن كانت أعذارا خفية منع من
إظهاره، كمرض لا أمارة له ومسافر لا علامة
عليه، وذكر القاضي أنه ينكر على من أكل في
رمضان ظاهرا، وإن جاز هناك عذر فظاهره المنع
مطلقا، وقد قال أحمد رحمه الله: أكره المدخل
السوء. وفي الرعاية فيمن رأى هلال شوال. وعنه:
يفطر، وقيل: سرا، كذا قال. وقال صاحب المحرر:
لا يجوز إظهار الفطر "ع".
قال: والمنفرد بمفازة ليس بقربه بلد يبني على
يقين رؤيته، لأنه لا يتيقن مخالفة الجماعة بل
الظاهر الرؤية بمكان آخر. وإن رآه عدلان ولم
يشهدا عند الحاكم أو شهدا فردهما لجهله
بحالهما لم يجز لأحدهما ولا لمن عرف عدالتهما
الفطر بقولهما، في قياس المذهب، قاله صاحب
المحرر، لما سبق، ولما فيه من الاختلاف وتشتيت
الكلمة وجعل مرتبة الحاكم لكل إنسان، وجزم
الشيخ بالجواز، لقوله عليه السلام: "فإن شهد
شاهدان فصوموا وأفطروا" رواه أحمد والنسائي1.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد في "مسنده" "18895"، والنسائي 4/133،
من حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.
(4/427)
فصل: وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير
والمطمور ومن بمفازة ونحوهم تحرى وصام، فإن
وافق الشهر أو ما بعده أجزأه "و" فلو وافق
رمضان السنة القابلة فقال صاحب المحرر: قياس
المذهب لا يجزئه عن واحد
ـــــــ
...............................
(4/427)
منهما إن
اعتبرنا منه التعيين، وإلا وقع الثاني وقضى
الأول، وإن وافق قبله لم يجزئه، نص عليه "و"
لا أنه، إن تكرر قبله يقضي السنة الأخيرة فقط
"هـ"، ولو صام شعبان 1"ثلاث سنين"1 متوالية ثم
علم صام ثلاثة أشهر، كل شهر على أثر شهر،
كالصلاة إذا فاتته، نقله مهنا، وذكره أبو بكر
في التنبيه.
ومرادهم - والله أعلم - أن هذه المسألة كالشك
في دخول وقت الصلاة، على ما سبق2، وسبق في باب
النية: تصح نية القضاء بنية الأداء وعكسه إذا
بان خلاف ظنه للعجز عنها، وإن تحرى وشك وقع
قبله أو بعده أجزأه، كمن تحرى في الغيم وصلى،
ومن صام بلا اجتهاد فكمن خفيت عليه القبلة،
وإن ظن أن الشهر لم يدخل فصام لم يجزئه ولو
أصاب، وسبق فيه في القبلة وجه3، وكذا لو شك في
دخوله. وقال صاحب الرعاية: يحتمل وجهين، كذا
قال. ونقل مهنا: إن صام لا يدري هو رمضان أو
لا فإنه يقضي إذا كان لا يدري، ويأتي حكم
القضاء في بابه4.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": ثلاثين يوما.
2 2/136.
3 2/129.
4 5/63.
(4/428)
فصل:صوم رمضان
فرض على كل مسلم
بالغ عاقل قادر مقيم "ع"، وسبق حكم الكافر أول
كتاب الصلاة1، ولا يجب على صبي "و"،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/401 وما بعدها.
(4/428)
وعنه: بلى إن
أطاقه، اختاره أبو بكر وابن أبي موسى. وقاله
عطاء والأوزاعي وعبد الملك بن الماجشون
المالكي، وأطلق ابن عقيل الروايتين، والمراد
المميز، كما ذكر جماعة. وحد ابن أبي موسى
طاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا يضره، لخبر
مرسل، وعنه: يلزم من بلغ عشر سنين وأطاقه، وقد
قال الخرقي: يؤخذ به إذن.
قال الأكثر: يؤمر به الصبي إذا أطاقه "م"
ويضرب عليه ليعتاده، أي يجب على الولي ذلك،
ذكره جماعة، وذكر الشيخ قول الخرقي وقال:
اعتباره بالعشر أولى، لأمره عليه السلام
بالضرب على الصلاة عندها1.
وقال صاحب المحرر: لا يؤخذ به، ويضرب عليه
فيما دون العشر كالصلاة، وإن أسلم الكافر
الأصلي في 2"أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما سبق
منه خلافا لعطاء وعكرمة.
وإن أسلم الكافر"2 أو بلغ الصبي أو أفاق
المجنون في النهار لزمه إمساك ذلك اليوم "م ش"
وقضاؤه "خ" في ظاهر المذهب، لأمره عليه السلام
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "494".
2 ليست في "ب".
(4/429)
بإمساك يوم
عاشوراء1، ولحرمة الوقت "و هـ"2، وكقيام بينة
فيه بالرؤية، كما تجب الصلاة بآخر وقتها،
وكالمحرم يلزمه صوم يوم عن بعض مد في الفدية،
وعنه: لا يجبان، ويأتي الكلام في المجنون: هل
يقضي3؟ وإن قلنا يجب الصوم على الصبي عصى
بالفطر وأمسك، ويقضي كالبالغ. وإن نوى المميز
الصوم ثم بلغ في النهار بسن أو احتلام وقلنا
يقضي لو بلغ مفطرا فلا قضاء عليه عند القاضي،
كنذره إتمام نفل، وعند أبي الخطاب: يلزمه
القضاء، كقيام البينة يوم الثلاثين وهو في نفل
معتاد "م 6". وسبق
ـــــــ
مسألة - 6: قوله: وإن نوى المميز الصوم ثم بلغ
في النهار بسن أو احتلام وقلنا يقضي لو بلغ
مفطرا فلا قضاء عليه عند القاضي، كنذره إتمام
نفل، وعند أبي الخطاب: يلزمه القضاء، كقيام
البينة يوم الثلاثين وهو في نفل معتاد. انتهى.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمغني4،
والكافي5 والمقنع6، والهادي، والمجد في شرحه
ومحرره، والنظم والرعايتين والشرح6 وشرح ابن
منجى والحاويين والفائق وغيرهم. قول القاضي هو
الصحيح، قال في الخلاصة والبلغة: لا قضاء في
الأصح، وقدمه في المستوعب والتلخيص وشرح ابن
منجى والحاويين والفائق وشرح ابن رزين وغيرهم.
ـــــــ
1 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" من حديث معبد
القرشي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم
بقديد، فأتاه رجل، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم: "أطعمت اليوم شيئا؟" - ليوم
عاشوراء - قال: لا، إلا أني شربت ماء، قال:
"فلا تطعم حتى مغرب الشمس، وأمر من وراءك أن
يصوم هذا اليوم".
2 ليست في "ب" و"س" و"ط".
3 ص 435.
4 4/414.
5 2/221.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/361.
(4/430)
الوجوب في
أحدهما وتجدده في الآخر ملغى بما لو كانا
مفطرين، وكبلوغه في صلاة وحج، فعلى هذا هو
كمسافر قدم صائما يلزمه الإمساك وحكي قول هنا،
وعلى الأول هو كبلوغه مفطرا "*".
وإن طهرت حائض أو نفساء، أو قدم مسافر أو أقام
مفطرا، أو برئ مريض مفطرا، لزمهم الإمساك على
الأصح "و هـ" كالقضاء "ع" وكمقيم تعمد الفطر
"و"1 سافر، أو حاضت المرأة أو لا. نقله ابن
القاسم وحنبل، ويعايى بها، ويتوجه: لا إمساك
مع حيض، ومع السفر خلاف. وفي المستوعب رواية
في صائم أفطر عمدا أو لم ينو الصوم حتى أصبح:
لا إمساك عليه، كذا قال. وأطلق جماعة2
الروايتين في الإمساك. وقال في
ـــــــ
قلت: وهو الصواب، وما قيس عليه في الوجه
الثاني لا يشابه مسألتنا، والله أعلم، وقول
أبي الخطاب جزم به في الإفادات والوجيز.
تنبيهان:
"*" 3"الأول: قوله بعد ذلك: فعلى هذا هو
كمسافر قدم صائما يلزمه الإمساك وعلى الأول،
هو كبلوغه مفطرا، انتهى، هذا سهو، وصوابه:
فعلى الأول، وهو قول القاضي، هو كمسافر قدم
صائما، وعلى الثاني وهو قول أبي الخطاب، هو
كبلوغه مفطرا. وهو واضح، وصرح به المجد
وغيره"3.
ـــــــ
1 ليست في "س" و"ب".
2 في "س": "الحلواني".
3 ليست في "ح".
(4/431)
الفصول: يمسك
من لم يفطر وإلا فروايتان. وذكر الحلواني: إذا
قال المسافر: أفطر غدا، كقدومه مفطرا. وجعله
القاضي محل وفاق، وإذا لم يجب الإمساك فقدم
مسافر مفطرا فوجد امرأته طهرت من حيضها له أن
يطأها، وإن برئ مريض صائما أو قدم مسافر أو
أقام صائما لزمه الإتمام "و" وأجزأ "و" كمقيم
صائم مرض ثم لم يفطر حتى عوفي "و" ولو وطئها
فيه كفرا، نص عليه "هـ" كمقيم وطئ ثم سافر،
وإن علم مسافر أنه يقدم غدا لزمه الصوم، نقله
أبو طالب وأبو داود، كمن نذر صوم يوم يقدم
فلان وعلم قدومه في غد، بخلاف الصبي يعلم أنه
يبلغ في غد، لأنه غير مكلف، وقيل: يستحب "و"
لوجود سبب الرخصة، قال صاحب المحرر: وهو أقيس،
لأن المختار أن من سافر في أثناء يوم له
الفطر، وإن قامت بينة بالرؤية في يوم منه أمسك
"و" وقضى "و" وذكر أبو الخطاب رواية: لا يلزم
الإمساك، وقاله عطاء، وخرج في المغني على قول
عطاء من ظن أن الفجر لم يطلع وقد طلع ونحو
ذلك. وقال شيخنا: يمسك ولا يقضي، وأنه لو لم
يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب لم يقض.
والردة تمنع صحة الصوم "ع" فلو ارتد في يوم ثم
أسلم فيه أو بعده أو ارتد في ليلته ثم أسلم
فيه فجزم الشيخ وغيره بقضائه.
وقال صاحب المحرر: ينبني على الروايتين فيما
إذا وجد الموجب في بعض اليوم، فإن قلنا يجب
وجب هنا وإلا فلا، ومذهب "هـ" لا يقضي، لوجوب
المسقط، ومذهب "ش" يقضي، لأن الردة لا تمنع
الوجوب عنده.
ـــــــ
...............................
(4/432)
وإن حاضت
المرأة في يوم فقال أحمد: تمسك، كمسافر قدم،
وجعلها القاضي كعكسها1، تغليبا للموجب، ذكره
ابن عقيل في المنثور، وذكر في الفصول فيما إذا
طرأ المانع روايتين، وذكر صاحب المحرر - ويؤخذ
من كلام غيره - إن طرأ جنون وقلنا يمنع الصحة
وإنه لا يقضي أنه هل يقضي على الروايتين في
إفاقته2 في أثناء يوم، بجامع أنه أدرك جزءا من
الوقت؟.
وظاهر كلامهم لا إمساك مع المانع، وهو أظهر،
ولا يلزم الإمساك من أفطر في صوم واجب غير
رمضان، ذكره جماعة، وذكر صاحب المحرر ما ذكره
جماعة أنه يمسك إذا نذر صوم يوم قدوم زيد،
وأنه يدل على وجوبه، فإنهم إذا قالوه في هذا
المعذور فغير المعذور أولى، قال: ولا وجه له
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب": "كغسلها".
2 في "س": "إقامته".
(4/433)
عندي في
الموضعين، لأن الحرمة هنا للعبادة خاصة، وقد
فقدت، كذا قال، ولا يلزم التعيين زمن العبادة،
في النذر المعين، كرمضان، بخلاف غيره، وقال
فيها في الخلاف: وفي صوم النذر لا يلزم
الإمساك، قال: لأنه لا يلزمه لو أفطر عمدا بلا
عذر، لأنه لا تلحقه تهمة، بخلاف رمضان، كذا
قال.
ومن نوى الصوم ليلا ثم جن أو أغمي عليه جميع
النهار لم يصح صومه "هـ" لأن الصوم الإمساك مع
النية.
وفي المستوعب خرج بعض أصحابنا من رواية صحة
صوم رمضان بنية واحدة في أوله أنه لا يقضي من
أغمي عليه أياما بعد نيته المذكورة؛ وإن أفاق
المغمى عليه في جزء من النهار صح صومه، لدخوله
في قوله عليه السلام: "يدع طعامه وشرابه من
أجلي" 1. ومذهب "م ق"، إن كان مفيقا2 أول
اليوم صح، وإلا فلا، لأن الإمساك أحد ركني
الصوم، فاعتبر لأوله كالنية،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "7492"، ومسلم "1151" "160".
2 في "ط": "مقيما".
(4/434)
واعتبر بعض
المالكية إفاقته أكثر اليوم، ولا يفسد قليل
الإغماء الصوم "ق".
والجنون كالإغماء "و" وقيل: يفسد الصوم
بقليله، اختاره ابن البنا وصاحب المحرر "و ق"
الجديد، كالحيض، بل أولى، لعدم تكليفه.
وقال في الواضح: هل من شرط إفاقته جميع يومه
أو يكفي بعضه؟ فيه روايتان. وإن نام جميع
النهار صح صومه "و" خلافا للإصطخري الشافعي.
لأنه إجماع قبله، ولأنه معتاد إذا نبه انتبه،
فهو كذاهل وساه، وإذا لم يصح الصوم مع الإغماء
لزمه القضاء في الأصح "و" لأنه مرض، 1"ولأنه
يغطي العقل"1، ولا يرفع التكليف، ولا تطول
مدته، ولا ولاية على صاحبه، ويدخل على
الأنبياء؛ بخلاف الجنون. ولا يلزم المجنون
القضاء سواء فات بالجنون الشهر أو بعضه "و ش"
وعنه: يقضي "و م" وعنه: إن أفاق في الشهر قضى
وإن أفاق بعده لم يقض "و هـ" لعظم مشقة
القضاء.
ومن جن في صوم قضاء وكفارة ونحو ذلك قضاه
بالوجوب السابق.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "يعطى العقد".
(4/435)
فصل:يكره الصوم
وإتمامه
لمريض يخاف زيادة مرضه أو طوله، والصحيح1 مرض
في يومه أو خاف مرضا بعطش أو غيره "ع" ويجزئه
"و" كمريض يباح له ترك القيام أو الجمعة أو
يباح له التيمم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "والصحيح".
(4/435)
قال صاحب
المحرر: وقياس قول من قال: إن صوم المسافر لا
يعتد به أن المريض كذلك وأولى.
ومن لم يمكنه التداوي في مرضه "*" وتركه يضر
به فله التداوي، نقله حنبل في من به رمد يخاف
الضرر بترك الاكتحال لتضرره بالصوم كتضرره
بمجرد الصوم.
ـــــــ
"*" الثاني: قوله: "من لم يمكنه التداوي في
مرضه" كذا في النسخ ولعله ومن لم يمكنه
التداوي في صومه. أو: ومن لم يمكنه التداوي في
مرضه إلا1 بفطره، فيكون
ـــــــ
1 في "ح": "لا".
(4/436)
ولا يفطر مريض
لا يتضرر بالصوم "و" وجزم به في الرعاية في
وجع رأس وحمى ثم قال: قلت إلا أن يتضرر، كذا
قال، وقيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا
لم يستطع الصوم1. قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي
مرض أشد من الحمى؟ ومن خاف تلفا بصومه كره
وأجزأه. وقال في عيون المسائل والانتصار
والرعاية وغيرها: يحرم "و م" ولم أجد ذكروا في
الإجزاء خلافا، وذكر جماعة في صوم الظهار أنه
يجب فطره بمرض مخوف، وقيل للقاضي في الخلاف
يوم العيد يحرم صومه بخلاف سائر الأيام فقال:
هذا لا يمنع صحته، يدل عليه لو نذر صيام يوم
هو مريض فيه مرضا مخوفا فإنه يفطر وعليه
القضاء وإن كان معصية. وقال الآجري: من صنعته
شاقة فإن خاف تلفا أفطر وقضى، وإن لم يضره
تركها أثم، وإلا فلا، قال: هذا قول الفقهاء
رحمهم الله تعالى وسبق هذا المعنى في ترتيب
الصلوات2.
وإن خاف بالصوم ذهاب ماله فسبق أنه عذر في ترك
الجمعة
ـــــــ
فيه نقص، وهذا أولى من التقدير الأول.
ـــــــ
1 ليست في "س" و"ب".
2 1/440.
(4/437)
والجماعة1 وفي
صلاة الخوف2. وإن أحاط العدو ببلد والصوم
يضعفهم فهل يجوز الفطر "و م"؟ ذكر الخلال
روايتين. ويعايى بها.
وقال ابن عقيل: إن حصر3 العدو بلدا أو قصدوا
عدوا بمسافة قريبة لم يجز الفطر والقصر على
الأصح، ونقل حنبل: إذا كانوا بأرض العدو وهم
بالقرب أفطروا عند القتال "م 7"، وذكر جماعة
فيمن هو في الغزو وتحضر الصلاة والماء إلى
جنبه يخاف إن ذهب إليه على نفسه أو فوت
مطلوبه، فعنه: يتيمم ويصلي اختاره أبو بكر.
وعنه: لا يتيمم ويؤخر الصلاة. وعنه: إن لم يخف
على نفسه توضأ وصلى، وسبق في
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: وإن أحاط العدو ببلد والصوم
يضعفهم فهل يجوز الفطر؟ ذكر الخلال روايتين.
وقال ابن عقيل إن حصر3 العدو بلدا أو قصدوا
عدوا بمسافة قريبة لم يجز الفطر والقصر على
الأصح، ونقل حنبل إذا كانوا بأرض العدو وهو
بالقرب أفطروا عند القتال4، انتهى. قال المجد
في شرحه: قال القاضي: في ذلك روايتان، ذكرهما
الخلال في كتاب "السير"5، نقلت ذلك من خط
القاضي على ظهر الجزء العشرين من تعاليقه من
المسائل الجارية في النظر، والخط مقلوب،
انتهى:
إحداهما: يجوز الفطر والحالة هذه، وقد اختار
الشيخ تقي الدين الفطر، للتقوي على الجهاد
وفعله وأمر به لما نازل العدو دمشق، وقدمه في
الفائق. وقال: نص عليه في رواية حنبل من
الشافي، وهو الصواب، والله أعلم.
والرواية الثانية لا يجوز. قلت: وهو ظاهر كلام
أكثر6 الأصحاب.
ـــــــ
1 3/61.
2 3/131.
3 في "ص": "حضر".
4 في "ط": "القتل".
5 في "ط": "التيسير".
6 ليست في "ط".
(4/438)
التيمم1 "م 8"،
ومن به شبق يخاف تنشق مثانته جامع وقضى ولا
يكفر، نقله الشالنجي، قال الأصحاب: هذا إن لم
تندفع شهوته بدونه، وإلا لم يجز، وكذا إن
أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم يجز وإلا جاز
للضرورة، ومع الضرورة إلى وطء حائض وصائمة
فقيل: الصائمة أولى، لتحريم الحائض بالكتاب.
وقيل: يتخير لإفساد صومها "م 9"، وإن تعذر
قضاؤه لدوام شبقه فكالشيخ الهم2 على ما يأتي3.
ـــــــ
مسألة - 8: قوله: وذكر جماعة فيمن هو في الغزو
وتحضر الصلاة والماء إلى جنبه يخاف إن ذهب
إليه على نفسه أو فوت مطلوبه، فعنه: يتيمم
ويصلي، اختاره أبو بكر، وعنه: لا يتيمم ويؤخر
الصلاة، وعنه: إن لم يخف على نفسه توضأ وصلى،
وسبق في التيمم، انتهى.
قلت: الصحيح من المذهب التيمم والصلاة، وعليه
الأصحاب في الخائف على نفسه، وقدمه المصنف في
باب التيمم4 في الغازي إذا كان بقربه الماء
ويخاف إن ذهب على نفسه، وأطلق هناك في فوت
مطلوبه الروايتين في التيمم، وصححنا هناك
الروايتين، والمصنف رحمه الله إنما ذكر هذه
المسألة هنا على سبيل الاستشهاد للمسألة التي
قبلها، ولكن إتيانه بهذه الصيغة يحتمل أنه حكى
هذه الطريقة على صفتها5، ويحتمل أنه أتى بها
كذلك لقوة الخلاف من الجانبين، والله أعلم.
مسألة - 9: قوله: ومع الضرورة إلى وطء حائض
وصائمة، فقيل، الصائمة أولى، لتحريم الحائض
بالكتاب، وقيل: يتخير لإفساد صومها، انتهى:
ـــــــ
1 1/277.
2 في "ب": "الهرم". والهم: الشيخ الفاني.
"المصباح": "همم".
3 ص 445.
4 1/277.
5 في "ط": "ضعفها".
(4/439)
فصل:للمسافر
الفطر
"ع" وهو من له القصر "و" وإن صام أجزأه، نقله
الجماعة "و" ونقل حنبل: لا يعجبني، واحتج
بقوله عليه السلام: "ليس من البر الصوم في
السفر" 1. وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة2،
وقاله الظاهرية، ويروى عن عبد الرحمن بن عوف3،
وابن عمر4، وابن عباس5، والسنة الصحيحة ترد
هذا القول، ورواية حنبل تحتمل عدم
ـــــــ
أحدهما: وطء الصائمة أولى، وهو الصحيح، صححه
العلامة ابن رجب في القاعدة الثانية عشرة بعد
المائة، وقدمه ابن رزين في شرحه.
والقول الثاني: يتخير لإفساد صومها، وهما
احتمالان مطلقان في المغني6 والشرح7، والذي
يظهر أن المصنف تابع الشيخ في المغني، لأن ما
علل به المصنف بعينه، فحينئذ يبقى في إطلاقه
الخلاف شيء، والله أعلم.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1946"، ومسلم "1115" "92"،
من حديث جابر.
2 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" "4483" أن عمر
بن الخطاب أمر رجلا صام شهر رمضان في السفر أن
يقضيه. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/18 عن
المحرر عن أبي هريرة قال: صمت رمضان في السفر،
فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي.
3 أخرج النسائي في "المجتبى" 4/182، عن عبد
الرحمن بن عوف قال: الصائم في السفر كالمفطر
في الحضر.
4 أخرج أحمد في "مسنده" "5392" عن أبي طعمة
أنه قال: كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجل فقال:
يا أبا عبد الرحمن، إني أقوى على الصوم في
السفر. فقال له ابن عمر: من لم يقبل رخصة الله
كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.
5 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/18 عن أبن
عباس: أنه سئل عن رجل صام رمضان في سفره؟
فقال: لا يجزئه.
6 4/405.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/371.
(4/440)
الإجزاء،
ويؤيده كثرة تفرد حنبل، وحملها على رواية
الجماعة أولى، ولهذا نقل حرب: لا يصوم.
قال حرب: يقوله بتوكيد، ونقل أيضا: إن صام
أجزأه، ولكن ذلك يدل على أنه يكره. وسأله
إسحاق بن إبراهيم عن الصوم فيه لمن قوي فقال:
لا يصوم، وحكاه صاحب المحرر عن الأصحاب، قال:
وعندي لا يكره إذا قوي عليه، واختاره الآجري،
وظاهر كلام ابن عقيل في مفرداته وغيره1: لا
يكون بل تركه أفضل وليس الفطر أفضل "*" "خ"
وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها
تبرأ بها الذمة. ورد بصوم المريض، وبتأخير
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله في فصل: للمسافر الفطر وليس
الفطر أفضل صوابه وليس الصوم أفضل.
ـــــــ
1 ليست في "س" و"ب".
(4/441)
المغرب ليلة
المزدلفة، وسبق في القصر حكم من سافر ليفطر1.
ولا يجوز للمريض والمسافر أن يصوما في رمضان
عن غيره "و م ش" كالمقيم الصحيح "و" لأنه لو
قبل صوما من المعذور قبله من غيره، كسائر
الزمان المتضيق لعبادة، ولأن العزيمة تتعين
برد الرخصة، كترك الجمعة لعذر لا يجوز صرف ذلك
الوقت في غيره، فعلى هذا هل يقع صومه باطلا؟
"و م ش" أم يقع ما نواه؟ هي مسألة تعيين
النية، ومذهب "هـ" يجوز عن واجب للمسافر،
ولأصحابه خلاف في المريض، لأنه لا يخير، بل إن
تضرر لزمه الفطر وإلا لزمه الصوم.
والأصح عن "هـ" لا يصح النفل، ولنا قول:
للمسافر صوم النفل فيه، وعلى المذهب: لو قلب
صوم رمضان إلى نفل لم يصح له النفل ويبطل فرضه
إلا على رواية عدم التعيين.
ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر "و" بما شاء
"و هـ ش" لفطره 2"عليه السلام، في الأخبار
الصحيحة3، ولأن من له الأكل له الجماع، كمن لم
ينو"2، وذكر جماعة منهم الشيخ أنه يفطر بنية
الفطر، فيقع الجماع بعد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 3/84.
2 ليست في "ب".
3 منها: ما أخرجه البخاري "1944"، ومسلم
"1113" "88"، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج على مكة في رمضان فصام،
حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس. قال أبو
عبد الله: والكديد ماء بين عسفان وقديد.
(4/442)
الفطر، فعلى
هذا لا كفارة بالجماع "و هـ ش" اختاره القاضي
وأكثر أصحابنا، قاله صاحب المحرر، وذكر بعضهم
رواية: يكفر، وجزم به على هذا، وهو أظهر.
وعنه: لا يجوز بالجماع "و م" لأنه لا يقوى على
السفر، فعلى هذا إن جامع كفر "و م ر". وعنه:
لا، لأن الدليل يقتضي جوازه، فلا أقل من العمل
به في إسقاط الكفارة "و م ر"، لكن له الجماع
بعد فطره بغيره، كفطره بسبب مباح، ومذهب "م"
الأكل والشرب كالجماع.
والمريض الذي يباح له الفطر كالمسافر، ذكره
الشيخ وصاحب المحرر وغيرهما، وجعله القاضي
وأصحابه وابن شهاب في كتب الخلاف أصلا للكفارة
على المسافر بجامع الإباحة، وجزم جماعة
بالإباحة على النفل، ونقل مهنا في المريض يفطر
بأكل، فقلت: يجامع؟ قال: لا أدري، فأعدت عليه
فحول وجهه عني، والمرض الذي ينتفع فيه بالجماع
كمن يخاف تشقق أنثييه لا يكفر.
ومن نوى الصوم ثم سافر في أثناء اليوم طوعا أو
كرها فالأفضل أن لا يفطر، ذكره القاضي وابن
عقيل وابن الزاغوني وغيرهم، ويعايى بها، وله
الفطر، لظاهر الآية والأخبار الصريحة1،
وكالمرض الطارئ ولو بفعله، والصلاة لا يشق
إتمامها وهي آكد، لأنها متى وجب إتمامها لم
تقصر بحال، وكما يفطر بعد يوم سفره "و" خلافا
لعبيدة2، وسويد بن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدمت ص 440.
2 هو: أبو مسلم، عبيدة بن عمرو السلماني، اسم
قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم
يره، وكان من أعلم الناس بالفرائض. "ت 72 هـ".
"العبر" 1/79، "سير أعلام النبلاء" 4/40.
(4/443)
غفلة1، وأبي
مجلز2، فعلى هذا لا يفطر قبل خروجه، لأنه ليس
بمسافر، خلافا للحسن وإسحاق وعطاء، وزاد:
ويقصر. وعنه: لا يجوز "و". وعنه: لا يجوز
بجماع، فعلى المنع يكفر من وطئ "هـ م ر"
وجعلها بعضهم كمن نوى الصوم في سفره ثم جامع،
ودعوى أن الخلاف شبهة في إسقاط الكفارة ممنوع،
ولا دليل عليه، وأبطله صاحب المحرر بالوطء بعد
الفجر قبل طلوع الشمس، فإنه زمن مختلف في وجوب
صومه، فإن الأعمش وغيره لم يوجبوه، ويبطل عند
الحنفي بوطئه في مسيرة يومين، ويبطل عند
الحنفية وأكثر المالكية بالوطء قبل خروجه عند
إرادة سفره، وبعض المالكية قال: لا كفارة،
وبعضهم قال: وإن لم يسافر.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو أمية سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي
الكوفي، قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح
اليرموك، ثقة. "ت 80 هـ". "تقريب التهذيب" ص
201.
2 هو: أبو مجلز، لاحق بن حميد بن سعيد البصري.
تابعي ثقة، له أحاديث. "ت 100 هـ". "تقريب
التهذيب". ص 516.
(4/444)
فصل:من عجز عن
الصوم لكبر
وهو الهم والهمة، أو مرض لا يرجى برؤه فله
الفطر "ع" ويطعم عن كل يوم مسكينا "م" ما يجزئ
في الكفارة، لقول ابن عباس في قوله: {وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:
184] ليست بمنسوخة. هي للكبير لا يستطيع
الصوم. رواه البخاري1 - ومعناه عن ابن أبي
ليلى عن معاذ ولم يدركه ابن أبي ليلى - رواه
أحمد2، وكذا أبو داود3 - ورواه أيضا4، بإسناد
جيد عن ابن أبي ليلى: حدثنا أصحابنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
وإن كان كالكبير مسافرا أو مريضا فلا فدية
لفطره بعذر معتاد، ذكره في الخلاف، ولا قضاء،
للعجز عنه ويعايى بها، وإن أطعم ثم قدر على
القضاء فكمعضوب حج ثم عوفي "*"، جزم به صاحب
المحرر، وذكر بعضهم احتمالين: أحدهما هذا،
والثاني يقضي، كمن ارتفع حيضها لا تدري ما
رفعه تعتد بالشهور ثم تحيض، وفيها أيضا وجهان
"*".
ـــــــ
"*" وقوله في الفصل الذي بعده فكمغصوب حج ثم
عوفي صوابه حج عنه ثم عوفي.
"*" وقوله بعد ذلك في قياس الاحتمال الثاني:
كمن ارتفع حيضها لا تدري ما
ـــــــ
1 في صحيحه "4505".
2 في مسنده 24/22.
3 في سننه "2318" عن ابن عباس.
4 البخاري في "صحيحه" إثر حديث "1948" معلقا.
(4/445)
ويكره صوم
الحامل والمرضع مع خوف الضرر على أنفسهما أو
على الولد، ويجزئ "و" فإن أفطرتا قضتا "و"
لقدرتهما عليه، بخلاف الكبير.
قال أحمد: أقول بقول أبي هريرة1، يعني لا
أقول2 بقول ابن عمر3 وابن عباس4 في منع
القضاء. وخبر أنس بن مالك الكعبي5: "إن الله
وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى
والمرضع الصوم" 6. أي زمن عذرهما وذكر ابن
عقيل في النسخ: إن خافت حامل ومرضع على حمل
وولد حال الرضاع لم يحل الصوم وعليها الفدية.
وإن لم تخف لم يحل الفطر. ولا إطعام إن خافتا
على أنفسهما "و" كالمريض. وذكر بعضهم رواية:
إن خافتا على ولديهما أطعمتا7 عن كل
ـــــــ
رفعه تعتد8 بالشهور، ثم تحيض وفيها أيضا
وجهان، انتهى. قد ذكر المصنف الوجهين في باب
العدد9، وأطلقهما، ويأتي تصحيح ذلك إن شاء
الله تعالى.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 440.
2 ليست في الأصل و"ب" و"ط".
3 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "7561"، "2760"
عن ابن عمر قال: الحامل إذا خشيت على نفسها في
رمضان تفطر وتطعم ولا قضاء عليها.
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "7567"،
والطبري في "تفسيره" "2759"، عن ابن عباس أنه
كان يأمر وليدة له حبلى أن تفطر له في شهر
رمضان، وقال: أنت بمنزلة الكبير لا يطيق
الصيام، فأفطري وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من
حنطة.
5 هو: أبو أمية، أنس بن مالك الكعبي. نزل
البصرة، ليس له عن النبي صلى الله عليه وسلم
إلا هذا الحديث، وله فيه قصة. "الإصابة"
1/129.
6 أخرجه أبو داود "2408"، والترمذي "715"،
والنسائي في "المجتبى" 4/190.
7 في "ط": "أطعمتها".
8 في النسخ الخطية و"ط": "لا تعتد"، والتصويب
من عبارة "الفروع".
9 9/246.
(4/446)
يوم مسكينا ما
يجزئ في الكفارة، لظاهر قوله: {وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:
184]؛ ولأنه قول أبي هريرة وابن عمر وابن
عباس، ولا يعرف لهم مخالف، ولأنه إفطار بسبب
نفس عاجزة عن الصوم من طريق الخلقة كالشيخ
الهم1 "و ش" وله قول: لا إطعام "و هـ م ر"،
وقول ثالث: لا تطعم الحامل "و م ر" وخيرهما
إسحاق بين القضاء والإطعام لشبههما بمريض
وكبير.
ويجوز الفطر للظئر التي ترضع ولد غيرها، ذكره
الأصحاب، لأن السبب المبيح يسوى فيه، كالسفر
لحاجته ولحاجة غيره. وفي الرعاية قول: لا تفطر
الظئر إذا خافت على رضيعها، وحكاه في الفنون
عن قوم.
وإن قبل ولد المرضعة غيرها وقدرت تستأجر له أو
له ما2 يستأجر منه فلتفعل ولتصم وإلا كان لها
الفطر، ذكره صاحب المحرر، والإطعام على من
يمونه. وقال في الفنون: يحتمل أنه على الأم،
وهو أشبه، لأنه تبع لها، ولهذا وجب كفارة
واحدة، ويحتمل أنه بينها وبين من تلزمه نفقته
من قريب أو من ماله، لأن الإرفاق لهما، وكذلك
الظئر، فإن لم تفطر فتغير لبنها أو نقص خير
المستأجر. فإن قصدت الإضرار أثمت وكان للحاكم
إلزامها الفطر بطلب المستأجر، ذكره ابن
الزاغوني. وقال أبو الخطاب: إن تأذى الصبي
بنقصه أو تغييره لزمها الفطر، فإن أبت فلأهله
الفسخ.
ويؤخذ من هذا أن يلزم الحاكم إلزامها بما
يلزمها وإن لم تقصد الضرر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "الهرم".
2 في "س": "مال".
(4/447)
بلا طلب قبل
الفسخ، وهذا متجه.
ويجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة،
وظاهر كلامهم إخراج الإطعام على الفور،
لوجوبه، وهذا أقيس، وذكر صاحب المحرر: إن أتى
به مع القضاء جاز، لأنه كالتكملة له.
ولا يسقط الإطعام بالعجز، ذكره في المستوعب،
وهو ظاهر كلام أحمد، اختاره صاحب المحرر،
كالدين، وذكر ابن عقيل والشيخ: يسقط، وذكر
القاضي وأصحابه وجزم به في المحرر: يسقط في
الحامل والمرضع، ككفارة الوطء، بل أولى، للعذر
هنا، ولا تسقط عن الكبير والمأيوس، لأنها بدل
عن نفس الصوم الواجب الذي لا يسقط بالعجز،
فكذا بدله. وكذا إطعام من أخر قضاء رمضان
وغيره غير كفارة الجماع.
ومن وجد آدميا معصوما في مهلكة كغريق ونحوه
ففي فتاوى ابن الزاغوني: يلزمه إنقاذه ولو
أفطر، ويأتي في الديات1 - إن شاء الله تعالى -
أن بعضهم ذكر في وجوبه وجهين، 2"وذكر بعضهم
هنا على المنقذ وجهين وهل تلزمه الكفارة
كالمرضع؟ يحتمل وجهين"2. وهل يرجع بها على
المنقذ؟.
قال صاحب الرعاية: يحتمل وجهين "م 10، 12".
ويتوجه أنه كإنقاذه
ـــــــ
مسألة - 10 - 12 : قوله: ومن وجد آدميا معصوما
في مهلكة كغريق ونحوه ففي فتاوى ابن الزاغوني:
يلزمه إنقاذه ولو أفطر، ويأتي في الديات أن
بعضهم ذكر في وجوبه وجهين، وذكر بعضهم هنا
وجهين، وهل تلزمه الكفارة كالمرضع؟ يحتمل
وجهين، وهل يرجع بها على المنقذ؟ قال صاحب
الرعاية: يحتمل وجهين، انتهى.
ـــــــ
1 9/431.
2 ليست في "ب".
(4/448)
من الكفار،
ونفقته على الآبق.
ـــــــ
اشتمل كلامه على مسائل:
المسألة الأولى - 10: وهي مسألة إنقاذ الغريق
ونحوه هل يلزمه أم لا؟ قال ابن الزاغوني في
فتاويه: يلزمه الإنقاذ مع القدرة عليه ولو
أفطر قلت: وهو الصواب وقيل: لا يلزمه، قال في
التلخيص بعد أن ذكر جواز الإفطار للحامل
والمرضع للخوف على جنينهما1: وهل يلحق بذلك من
افتقر2 إلى الإفطار لإنقاذ غريق؟ يحتمل وجهين.
انتهى. قلت: الصواب أن إفطاره أولى من إفطار
الحامل والمرضع والحالة هذه. وهو مراد المصنف3
بقوله: وذكر بعضهم هنا وجهين، وقد ذكر الأصحاب
فيما إذا قدر على إنقاذه ولم يفعل حتى مات في
ضمانه وجهين، والذي جزم به في المنور قدمه في
الرعايتين والحاوي الضمان، والذي اختاره صاحب
المغني والشارح وغيرهما عدم الضمان، ولعل
الخلاف مبني على لزوم الإنقاذ وعدمه.
المسألة الثانية - 11: هل يلزمه كفارة إذا
أفطر؟ ذكر المصنف أنه يحتمل وجهين. قلت: قال
في القاعدة السابعة والعشرين: لو نجى غريقا في
رمضان فدخل الماء في حلقه وقلنا يفطر به فعليه
الفدية، وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه
فأفطر فلا فدية4، كالمريض في قياس المسألة
التي قبلها، يعني بها مسألة الحامل والمرضع،
ثم ذكر كلام صاحب التلخيص، انتهى.
قلت: ما ذكره ابن رجب أولا هو الصواب، قياسا
على الحامل والمرضع.
المسألة الثالثة - 12: إذا قلنا عليه الكفارة
وكفر، فهل يرجع بها على المنقذ؟ قال صاحب
الرعاية: يحتمل وجهين، ذكره المصنف وأقره
عليه، وقوله: ويتوجه أنه كإنقاذه من الكفار
ونفقته على الآبق، انتهى.
ـــــــ
1 في "ط": "جنينها".
2 في "ط": "اضطر".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 بعدها في "ص": "عليه".
(4/449)
...............................
ـــــــ
قلت: بل هنا أولى بلا شك من إنقاذه من الكفار،
وأولى من المرضع إذا خافت على ولدها، وقالوا
في حق المرضع: إن الصحيح وجوب الكفارة على من
يمون الولد، وكون إنقاذ الغريق وإنقاذ من في
مهلكة أولى من هؤلاء لا شك فيه، والقول بعدم
الرجوع ضعيف جدا، والله أعلم. فهذه اثنتا عشرة
مسألة قد فتح الله بتصحيحها.
(4/450)
باب نية الصوم
وما يتعلق بها
باب نية الصوم وما
يتعلق بها
...
باب نية الصوم وما
يتعلق بها
لا يصح صوم إلا بنية، ذكره بعضهم "ع" كالصلاة
والزكاة والحج، وخالف زفر في صوم رمضان في حق
المقيم الصحيح.
ومن نسي النية أو أغمي عليه حتى طلع الفجر لم
يصح.
وتعتبر النية من الليل لكل صوم واجب "و م ش"
لقوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يجمع
الصيام من الليل" . رواه الخمسة1.
قال الدارقطني والخطابي والبيهقي: رفعه عبد
الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وهو من
الثقات، ولم يثبت أحمد رفعه بل عن حفصة وابن
عمر، وصحح الترمذي2 وقفه على ابن عمر،
وللدارقطني3 عن أبي بكر أحمد بن محمد حدثنا
روح بن الفرج أبو الزنباع، حدثنا عبد الله بن
عباد، حدثنا المفضل بن فضالة، حدثني يحيى بن
أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمر، عن عائشة، وعن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يبيت
الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" .
قال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن عباد عن
المفضل بهذا الإسناد، وكلهم ثقات، وذكر بعضهم
أنه ضعيف، ثم قال: قال ابن حبان: روى عنه أبو
الزنباع روح نسخة موضوعة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد 6/287، وأبو داود "2454"؛ والترمذي
"730"، والنسائي في "المجتبى" 4/196، وابن
ماجه "1700"، من حديث ابن عمر عن حفصة رفعته.
2 في سننه إثر حديث "730".
3 في سننه 2/172.
(4/451)
ورواه مالك
والنسائي1 عنها موقوفا، وعن حفصة وعن ابن عمر
موقوفا والله أعلم.
ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة والحج،
وعند بعض الشافعية تجزئ النية مع طلوع الفجر،
وأبطله صاحب المحرر بالخبر2، وبأن الشرط يسبق
المشروط، قال: وكذا القول في الصلاة وغيرها لا
بد أن توجد النية قبل دخوله فيها، كذا قال،
وسبق كلامه وكلام غيره: الأفضل مقارنة النية
للتكبير "*". ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه يجزئ
رمضان والنذر المعين بنية قبل الزوال، وعند
الأوزاعي يجزئ كل صوم بنية قبل الزوال وبعده،
وحكي عن ابن المسيب.
وإن أتى بعد النية بما يبطل الصوم لم يبطل، نص
عليه "و" خلافا لابن حامد وبعض الشافعية،
لظاهر الخبر، ولأن الله أباح الأكل إلى آخر
الليل، فلو بطلت به النية فات محلها.
وإن نوت الحائض صوم الغد وقد عرفت الطهر ليلا
فقيل: 3"يصح، لمشقة المقارنة، وقيل"3: لا،
لأنها ليست أهلا "م 1" للصوم.
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: وسبق كلامه أي كلام المجد
وكلام غيره: الأفضل مقارنة النية للتكبير. لم
يسبق شيء من ذلك والذي قاله في النية: ويجوز
تقديمها على التكبيرين بزمن يسير. فيفهم من
ذلك المقارنة لا أنه صرح به.
مسألة - 1: قوله: وإن نوت الحائض صوم الغد وقد
عرفت الطهر ليلا فقيل: يصح، لمشقة المقارنة،
وقيل: لا، لأنها ليست أهلا. انتهى.
ـــــــ
1 الموطأ 1/288، والنسائي في "المجتبى" 4/196
- 197.
2 يعنى الخبر السابق، ومحل الشاهد فيه قوله:
"من الليل".
3 ليست في "ط".
(4/452)
ولا تصح النية
في نهار يوم لصوم الغد "و" للخبر، وكنيته من
الليل صوم بعد غد، وعنه: يصح؛ نقلها ابن
منصور، وفيها: لم ينوه من الليل، فبطل به
تأويل القاضي، وهي في قضاء رمضان، فيبطل به
تأويل ابن عقيل، على أنه يكفي لرمضان نية في
أوله، وأقرها1، أبو الحسين على ظاهرها.
وتعتبر لكل يوم نية مفردة، لأنها عبادات، لأنه
لا يفسد يوم بفساد آخر، وكالقضاء، وعنه: يجزئ
في أول رمضان نية واحدة لكله2 "و م" نصرها أبو
يعلى الصغير، وعلى قياسه النذر المعين ونحوه.
فعليها لو أفطر يوما بعذر أو غيره لم يصح صيام
الباقي بتلك النية، جزم به في المستوعب وغيره،
وقيل: يصح "و م" مع بقاء التتابع، وقدمه في
الرعاية فقال: وقيل: ما لم يفسخها أو يفطر فيه
يوما.
ويجب تعيين النية في كل صوم واجب "و م ش" وهو
أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو
نذره أو كفارته، نص عليه. قال في
ـــــــ
أحدهما: يصح قلت: وهذا هو الصحيح والصواب،
لمشقة المقارنة.
والقول الثاني: لا يصح، لما علله به المصنف.
وقال في الرعاية: فإن نوت حائض صوم فرض ليلا
وقد انقطع دمها أو تمت عادتها قبل الفجر صح
صومها وإلا فلا، انتهى.
ـــــــ
1 في الأصل: "أمرها".
2 في الأصل: "لكل يوم".
(4/453)
الخلاف:
اختارها أصحابنا أبو بكر وأبو حفص وغيرهما،
واختاره القاضي أيضا والأصحاب منهم صاحب
المغني1، لقوله: "وإنما لكل امرئ ما نوى" 2،
وكالقضاء والكفارة، والتعيين مقصود في نفسه،
لاعتباره لصلاة يضيق وقتها كغيرها.
ومن عليه صلاة فاتته فنوى مطلق الصلاة الفائتة
ولم يعين لم يجزئه، والحج يخالف العبادات.
وعنه: لا يجب تعيين النية لرمضان "و هـ" لأن
التعيين يراد للتمييز، وهذا الزمان متعين،
وكالحج، فعليها يصح بنية مطلقة، ونية نفل "و
هـ" ليلا، ونية فرض تردد فيها، واختار صاحب
المحرر: يصح بنية مطلقة، لتعذر صرفه إلى غير
نية رمضان، فصرف إليه لئلا يبطل قصده وعمله،
لا بنية مقيدة بنفل أو نذر أو غيره، لأنه ناو
تركه، فكيف يجعل كنية الفعل.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 4/333.
2 تقدم تخريجه 1/163.
(4/454)
وهذا اختيار
الخرقي في شرحه للمختصر، واختاره شيخنا إن كان
جاهلا، وإن كان عالما فلا، قال: كمن دفع وديعة
رجل إليه على طريق التبرع ثم تبين أنه كان حقه
فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان، بل يقول له:
الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي.
وقال صاحب الرعاية فيما وجب من الصوم1 في حج
أو عمرة: يتخرج أن لا تجب نية التعيين،
وقولهم: نية فرض تردد فيها، بأن نوى ليلة
الشك: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، وإن لم
يكن فهو نفل، لا يجزئه على الرواية الأولى حتى
يجزم بأنه صائم غدا من رمضان "و م ش" وعلى
الثانية يجزئه "و هـ".
قال صاحب المحرر: ونقل صالح عن أحمد رواية
ثالثة بصحة النية المترددة والمطلقة مع الغيم
دون الصحو، لوجوب صومه، وإن نوى إن كان غدا من
رمضان فصومي عنه وإلا فهو عن واجب عينه بنيته
لم يجزئه عن ذلك الواجب، وفي إجزائه عن رمضان
إن بان منه الروايتان، وإن قال: وإلا فأنا
مفطر، لم يصح، وفيه2 ليلة الثلاثين من رمضان
وجهان، للشك والبناء على الأصل "م 2" "و ش"
وإن لم يردد نيته بل نوى ليلة الثلاثين من
ـــــــ
مسألة - 2: قوله. وإن نوى إن كان غدا من رمضان
فصومي عنه وإلا فهو عن واجب عينه بنيته لم
يجزئه، وإن قال: وإلا فأنا مفطر لم يصح، وفي
ليلة الثلاثين من رمضان وجهان، للشك والبناء
على الأصل، انتهى.
ـــــــ
1 في الأصل: "الصدقة".
2 في الأصل: "وافية".
(4/455)
شعبان أنه صائم
غدا من رمضان بلا مستند شرعي كصحو أو غيم ولم
نوجب الصوم به1، فبان منه، فعلى الروايتين
فيمن تردد أو نوى مطلقا "و" وظاهر رواية صالح
والأثرم تجزئه، مع اعتبار التعيين لوجودها،
وإن نوى الرمضانية عن مستند شرعي أجزأه،
كالمجتهد في الوقت.
ومن قال: أنا صائم غدا إن شاء الله، فإن قصد
بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد فسدت
نيته، وإلا لم تفسد، ذكره في التعليق والفنون؛
لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة الله
تعالى وتوفيقه وتيسيره، كما لا يفسد الإيمان
بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله، غير متردد في
الحال، وللشافعية وجهان. ثم قال القاضي: وكذا
نقول: سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في
نيتها.
ومن خطر بقلبه ليلا أنه صائم غدا فقد نوى، قال
في الروضة ومعناه لغيره: الأكل والشرب بنية
الصوم نية عندنا، وكذا قال شيخنا: هو حين
يتعشى، يتعشى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق
بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان.
ولا يعتبر مع التعيين نية2 الفرضية في فرضه
والوجوب في واجبه، خلافا لابن حامد، وللشافعية
وجهان، وإن نوى خارج رمضان قضاء ونفلا
ـــــــ
أحدهما: يصح، قدمه وهو الصحيح في الرعاية، قال
في القاعدة الثامنة والستين: صح صومه في أصح
الوجهين، لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله، ولا
يقدح تردده، لأنه حكم صومه مع الجزم.
والوجه الثاني: لا يجزئه، اختاره أبو بكر،
انتهى.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 ليست في الأصل و"ب" و"ط".
(4/456)
أو كفارة ظهار
فنقل إلغاء لهما بالتعارض، فتبقى نية أصل
الصوم، وجزم به صاحب المحرر. وقيل: عن أيهما
يقع فيه وجهان، وأوقعه أبو يوسف عن القضاء
لتعيينه وتأكده، لاستقراره في الذمة، ووافق لو
نوى قضاء وكفارة قتل أو كفارة قتل وظهار أنه
يقع نفلا.
ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال
وبعده، نص عليه، اختاره الأكثر منهم القاضي في
أكثر كتبه، لفعله عليه السلام، وأقوال الصحابة
وفعلهم رضي الله عنهم، وعنه. لا يجوز بنية بعد
الزوال، اختاره في المجرد وابن عقيل "و هـ ق"
لأن فعله عليه السلام إنما هو في الغداء، وهو
قبل الزوال، ومذهب مالك وداود هو كالفرض،
تسوية بينهما، كالصلاة والحج.
ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت
النية، نقله أبو طالب، قال صاحب المحرر: وهو
قول جماعة من أصحابنا منهم القاضي في المناسك
من تعليقه، واختاره الشيخ وغيره، وهو أظهر.
وفي المجرد والهداية من أول1 النهار، واختاره
صاحب المحرر وفاقا للحنفية وأكثر الشافعية،
وقاله حماد2 وإسحاق إن نواه قبل الزوال، فعلى
الأول؛ يصح3 تطوع حائض طهرت وكافر أسلم في يوم
ولم يأكلا بصوم بقية اليوم، وعلى الثاني لا،
لامتناع تبعيض صوم اليوم وتعذر تكميله بفقد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "آخر".
2 هو: أبو إسماعيل، حماد بن مسلم الكوفي مولى
الأشعريين الأصبهاني شيخ الإمام أبي حنيفة "ت
120 هـ". "سير أعلام النبلاء" 5/231.
3 ليست في "س" و"ب".
(4/457)
الأهلية في
بعضه، ويتوجه: يحتمل أن لا يصح عليهما، لأنه
لا يصح منهما صوم، كمن أكل ثم نوى صوم بقية
يومه "و" وخالف فيه أبو زيد الشافعي1. وإنما
لم يصح لعدم حصول حكمة2 الصوم ولأن عادة
المفطر الأكل بعض النهار وإمساك بعضه، وقوله
عليه السلام في عاشوراء: "من كان أكل فليصم
بقية يومه" 3. أي ليمسك، لقوله في لفظ آخر:
"فليمسك" وإمساكه واجب إن كان صومه واجبا.
وإلا استحب لمن أكل ثم علم به إمساكه، للخبر،
وذكره القاضي وتبعه صاحب المحرر.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو زيد، محمد بن أحمد بن عبد الله بن
محمد المروزي. شيخ الشافعية. "ت 371 هـ". "سير
أعلام النبلاء" 16/313.
2 في الأصل: "حكم".
3 رواية البخاري "1960"، ومسلم: "1136" "135"
عن الربيع بنت معوذ.
(4/458)
ومن نوى
الإفطار أفطر، نص عليه "و ش و م"1 وزاد في
رواية: يكفر إن تعمده، لاقتضاء الدليل اعتبار
استدامة حقيقة النية. وإنما اكتفى بدوامه حكما
للمشقة ولا مشقة هنا، والحج آكد، وعند ابن
حامد وبعض المالكية وبعض الشافعية: لا يبطل
صومه كالحج، مع بطلان الصلاة عندهم، ومذهب
"هـ" لا يبطل سواء قطع النية قبل الزوال وبعده
لقوة الدوام، وقولنا: أفطر، أي صار كمن لم ينو
لا كمن أكل، فلو كان في نفل ثم عاد نواه جاز،
نص عليه "و ش" وكذا لو كان في نذر أو كفارة أو
قضاء فقطع نيته ثم نوى نفلا جاز، ولو قلب نية
نذر وقضاء إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاة
إلى نفلها، وعلى المذهب: لو تردد في الفطر، أو
نوى أنه سيفطر ساعة أخرى أو إن2 وجدت طعاما
أكلت وإلا أتممت، فكالخلاف في الصلاة، قيل:
يبطل لأنه لم يجزم بالنية، ولهذا لا يصح
ابتداء الصوم بمثل هذه النية، وكمن تردد في
الكفر، نقل الأثرم: لا يبطل، لأنه لم يجزم
بنية الفطر، والنية لا يصح تعليقها "م 3".
ـــــــ
مسألة - 3: قوله. ومن نوى الإفطار أفطر، نص
عليه فعليه: لو تردد في الفطر، أو نوى أنه
سيفطر ساعة أخرى، أو إن وجدت طعاما أكلت وإلا
أتممت، فكالخلاف في الصلاة، قيل: يبطل، لأنه
لم يجزم بالنية نقل الأثرم: لا يجزئه من
الواجب حتى يكون عازما على الصوم يومه كله،
وقيل: لا يبطل، لأنه لم يجزم بنية الفطر،
والنية لا يصح تعليقها. انتهى.
ـــــــ
1 في "ط" "و ش ر م".
2 ليست في "ط".
(4/459)
...............................
ـــــــ
وأطلقهما الزركشي. قلت1: قد قال المصنف هنا:
إن الحكم هنا كالحكم في نية الصلاة، وقد أطلق
المصنف الخلاف في الصلاة2 فيما إذا تردد في
النية أو عزم على فسخها.
وتقدم الكلام على ذلك مستوفى محررا، وذكرنا أن
الصحيح عدم الصحة، فكذا الصحيح هنا عدم الصحة،
والله أعلم، فهذه ثلاث مسائل في هذا الباب قد
صححت.
ـــــــ
1 ليست في "ط" و"ص".
2 2/139.
(4/460)
المجلد الخامس
تابع كتاب الصوم
باب مايفسد الصوم
, ويوجب الكفارة
مدخل
...
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
وما يحرم فيه أو يكره أو يجب أو يسن أو يباح
من أكل أو شرب أفطر "ع" خلافا للحسن بن صالح1
فيما ليس بطعام ولا شراب, مثل أن يستف ترابا,
وخلافا لبعض المالكية فيما لا يغذي ولا يماع
في الجوف كالحصاة, وإن استعط بدهن أو غيره
فوصل إلى حلقه "و" أو دماغه "م" أفطر.
وقال في الكافي2: إلى خياشيمه, لنهيه صلى الله
عليه وسلم الصائم عن المبالغة في الاستنشاق3,
وعن علي: الصائم لا يستعط4, وكالواصل إلى
الحلق, وعند الحسن بن صالح وداود: لا يفطر
بواصل من غير الفم, لأن النص إنما حرم الأكل
والشرب والجماع,
وإن اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور5 إثمد
مطيب فعلم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي وهو
حيان بن شفي بن هني الهمداني "ت 169 هـ" سير
أعلام النبلاء "7/371".
2 "2:239".
3 أخرجه أبو داود "2366" والترمذي "788"
والنسائي في المجتبى "1/66" وابن ماجو "407"
من حديث لقيط ابن صبرة ونصه "وبالغ في
الاستنشاق إلا أن تكون صائما".
4 لم نقف عليه.
5 الذرور: ما يذر في العين القاموس "ذرر".
(5/5)
وصول شيء من
ذلك إلى حلقه أفطر, نص عليه, وهو المعروف,
وجزم في منتهى الغاية: إن وصل يقينا أو ظاهرا
أفطر, كالواصل من الأنف, لأن العين منفذ,
بخلاف المسام, كدهن رأسه, ولذلك يجد طعمه في
حلقه ويتنخعه على صفته, ولا أثر كون العين
ليست منفذا معتادا, كواصل بحقنة وجائفة.
ولأبي داود1 عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر
بالإثمد المروح عند النوم وقال: " ليتقه
الصائم" قال أحمد وابن معين: حديث منكر,
واختار شيخنا: لا يفطر "و م ش".
وإن قطر في أذنه شيئا فدخل دماغه أفطر, خلافا
للأوزاعي والليث والحسن بن صالح وداود, ومذهب
"م" إن دخل حلقه أفطر وإلا فلا.
وإن داوى جرحه أو جائفته فوصل الدواء إلى جوفه
"م" وأبي يوسف ومحمد, أو داوى مأمومته فوصل
إلى دماغه "م" وأبي يوسف ومحمد, أو
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2377".
(5/6)
أدخل إلى مجوف
فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء شيئا من أي
موضع كان ولو كان خيطا ابتلعه كله "و هـ ش" أو
بعضه "هـ" أو طعن نفسه, أو طعنه غيره بإذنه
بشيء في جوفه فغاب1 هو "و هـ ش" أو بعضه "هـ"
فيه, أو احتقن بشيء "م ر" أفطر, لوصوله إلى
جوفه باختياره, كغيره, ولأن غير المعتاد
كالمعتاد2 في الواصل, 3فكذا في المنفذ, وفساد
الصوم متعلق بهما, ويعتبر العلم بالواصل3,
وجزم في منتهى الغاية بأنه يكفي الظن, كما
سبق, كذا قال.
واختار شيخنا: لا يفطر بمداواة جائفة ومأمومة
ونحو ذلك, ولا بحقنة, وعند أبي ثور: يفطر
بالسعوط فقط. وإن حجم أو احتجم أفطر, نص عليه
"خ" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم
والمحجوم" 4 قال أحمد فيه: غير حديث ثابت,
وقال إسحاق: ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: وحديث شداد5 صحيح
تقوم به الحجة, وصحح الترمذي6 حديث رافع,
وذكر7 عن البخاري أنه صحح حديث ثوبان وشداد,
وصححهما أحمد. وعنه: إن علما النهي. وله نظائر
سبقت, ولم يذكر الخرقي "حجم" وذكر "احتجم" كذا
قال ولعل مراده ما اختاره شيخنا أنه يفطر
الحاجم إن مص القارورة وإلا فلا. وظاهر كلام
أحمد والأصحاب رحمهم الله: لا فطر إن لم يظهر
دم, وهو متجه, واختاره شيخنا وضعف خلافه, وذكر
ابن عقيل أنه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "فغار".
2 ليست في "ط".
3 3 ليست في "ط".
4 أخرجه أبو داود "2369" والترمذي "774" وابن
ماجه "1679" عن رافع بن خديج.
5 حديث شداد في مسند أحمد برقم "177112" وحديث
رافع برقم "22371" وحديث ثوبان "15828"
والأحاديث كلها بلفظ واحد.
6 في سننه إثر حديث "774".
7 أي الترمذي في العلل الكبير "1/362".
(5/7)
يفطر وإن لم
يظهر دم, وجزم به في المستوعب والرعاية.
ومن جرح نفسه لا للتداوي بدل الحجامة لم يفطر,
لأن النهي لا يختص الصيام, وكخروج الدم يفطر
على وجه القيء لا على غير وجه القيء, ذكره في
الخلاف, ولا يفطر بالفصد, جزم به القاضي وصاحب
المستوعب والمحرر فيه وغيرهم, لأن القياس لا
يقتضيه. وذكر في التلخيص أن هذا أصح الوجهين,
والثاني يفطر, جزم به ابن هبيرة عن أحمد.
وذكر شيخنا أنه هذا أصح في مذهب أحمد, فعلى
هذا قال صاحب الرعاية: يحتمل التشريط وجهين,
وقال: الأولى إفطار المفصود والمشروط دون
الفاصد والشارط, وظاهر كلامهم لا فطر بغير
ذلك.
واختيار شيخنا أنه يفطر من أخرج دمه برعاف
وغيره, وقاله الأوزاعي في الرعاف. ومعنى
الرعاف: السبق, تقول العرب: فرس راعف إذا تقدم
الخيل, ورعف فلان الخيل أي إذا تقدمها فسمي
الدم رعافا لسبقه الأنف. وهو بفتح العين في
الماضي, وفتحها وضمها في المستقبل, وضمها
فيهما شاذ, ويقال: رماح رواعف: لما يقطر منها
الدم, أو لتقدمها في الطعن. والراعف: طرف
الأرنبة.
وإن استقاء فقاء "و" أي شيء كان "و م ش" أفطر,
لخبر أبي هريرة "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء
ومن استقاء عمدا فليقض"1 وهو
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "2380" والترمذي "720"
والنسائي في الكبرى "3130" وابن ماجه "1676"
وأحمد "10463".
(5/8)
ضعيف عند أحمد
والبخاري والترمذي والدارقطني وغيرهم, ويتوجه
احتمال: لا يفطر, وذكره البخاري1 عن أبي
هريرة, ويروى عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة,
وقاله بعض المالكية, وعنه يفطر بملء الفم,
اختاره ابن عقيل "و هـ" وعنه: أو نصفه, كنقض
الوضوء, وعنه: إن فحش أفطر, وقاله القاضي,
وذكر ابن هبيرة أنه الأشهر, وذكر الشيخ وغيره:
الأول ظاهر المذهب, وذكره صاحب المحرر وغيره:
أصح الروايات, كسائر المفطرات.
واحتج القاضي بأنه لو تجشأ لم يفطر, وإن كان
لا يخلو أن يخرج معه أجزاء نجسة, لأنه يسير,
كذا هنا, كذا قال: ويتوجه ظاهر كلام غيره إن
خرج معه نجس, فإن قصد به القيء فقد استقاء
فيفطر, وإن لم يقصد لم يستقئ2 فلم يفطر وإن
نقض الوضوء, وذكر ابن عقيل في مفرداته أنه إذا
قاء بنظره إلى ما يغثيه يفطر, كالنظر والفكر.
وإن قبل أو لمس أو باشر دون الفرج فإن لم يخرج
منه شيء فيأتي فيما يكره للصائم3, وإن أمنى
أفطر "و" للإيماء في أخبار التقبيل4, كذا ذكره
الشيخ5 وغيره, وهي دعوى, ثم إنما فيها أنها قد
تكون وسيلة وذريعة إلى الجماع, واحتج صاحب
المحرر بأن إباحة الله تعالى مطلق مباشرة
النساء ليالي الصوم يدل على التحريم نهارا,
والأصل في التحريم الفساد,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه إثر حديث "1937".
2 في النسخ "يستق".
3 ص "25".
4 ومن هذه الأخبار ما رواه البخاري "322"
ومسلم "296" عن عائشة رضي الله عنها كان
يقتلها وهو صائم وكان أملككم لإربه وما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد
"138" أن عمر سأله عن القبلة للصائم؟ فقال:
النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأبت لو تمضمضت
بماء وأنت صائم......" الحديث. ومعنى الإيماء
هنا: إشارة النصوص.
5 في المغني "4/3261".
(5/9)
خرج منه
المباشرة بلا إنزال, لدليل, كذا قال, والمراد
بالمباشرة الجماع, كما روي عن ابن عباس
وغيره1, يؤيده أنه هو الذي كان محرما ثم نسخ,
لا ما دونه, مع أن الأشهر لا يحرم ما دونه,
ويتوجه احتمال: لا يفطر بذلك, وقاله داود, وإن
صح إجماع قبله كما قد ادعى تعين القول به, وعن
أبي يزيد الضني2 عن ميمونة3 مولاة النبي صلى
الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان, قال: "قد
أفطرا" رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني4 وقال:
لا يثبت هذا. وأبو يزيد 5الضني ليس بمعروفوكذا
قال البخاري وغيره: حديث منكر وأبويزيد5
مجهول.
وإن مذى بذلك أفطر أيضا, نص عليه "و م" واختار
الآجري وأبو محمد الجوزي وأظن وشيخنا: لا
يفطر, وهو أظهر "و هـ ش"6 عملا بالأصل, وقياسه
على المني لا يصح, لظهور الفرق. وفي الرعاية
قول: يبطل بالمباشرة دون الفرج فقط, كذا قال.
وإن استمنى فأمنى أو مذى فكذلك على الخلاف
وفاقا, وإن كرر النظر فأمنى أفطر "هـ ش" خلافا
للآجري, وإن مذى لم يفطر في ظاهر المذهب "م"
والقول بالفطر أقيس على المذهب, كاللمس, لأن
الضعيف إذا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه الطبري في تفسير "2953" و"20611"
و"2962" عن ابن عباس ومجاهد وعطاء.
2 في النسخ الخطية و"ط" الضبي وهو أبو يزيد
الضني روى له حديثان في النسائي وابن ماجه وهو
رجل مجهول تهذيب الكمال "34/408".
3 هي ميمونة بنت سعد خادم النبي صلى الله عليه
وسلم روت عنه وحديثها في السنن تهذيب الكمال
"35/314".
4 أحمد "27625" وابن ماجه "1686" والدارقطني
"2/184.
5 5 ليست في "ط".
6 في الأصل "وش".
(5/10)
تكرر قوي,
كتكرار الضرب بصغير في القود, وإن لم يكرر
النظر لم يفطر "و هـ ش" لعدم إمكان التحرز.
وقيل: يفطر "و م" ونص أحمد يفطر بالمني لا
بالمذي: وكذا الأقوال إن فكر فأنزل أو مذى,
فلهذا قال ابن عقيل: مذهب أحمد ومالك سواء,
لدخول الفكر تحت النهي, وظاهر كلامه لا يفطر
"م" وهو أشهر, لأنه دون المباشرة وتكرار
النظر, ويخالف ذلك في التحريم إن تعلق
بأجنبية, زاد صاحب المغني1: أو الكراهة إن كان
في زوجة, كذا قالوا. ولا أظن من قال يفطر به
وهو أبو حفص البرمكي وابن عقيل يسلم ذلك, وقد
نقل أبو طالب عن أحمد: لا ينبغي فعله, وسيأتي
إن شاء الله فيما يكره للصائم2, وفي الكفارة
عن مالك روايتان, والمراد النية المجردة,
والله أعلم. وقد ذكر ابن عقيل أنه لو استحضر
عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أو ذكر أنه
يأثم, وذكره في الرعاية أول كتاب النكاح.
ولا فطر ولا إثم بفكر غالب "و" وفي الإرشاد3
احتمال فيمن هاجت شهوته فأمنى أو مذى يفطر,
وذكر صاحب المحرر قول أبي حفص المذكور ثم قال:
وذكره ابن أبي موسى احتمال.
ويفطر بالموت فيطعم من تركته في نذر وكفارة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "4/364".
2 ص "26".
3 ص "152".
(5/11)
فصل : وإنما
يفطر بجميع ما سبق إذا فعله عامدا ذاكرا لصومه
مختارا
, فلا يفطر ناس "م" نقله الجماعة, ونقله الفضل
في الحجامة, 1وذكره ابن عقيل في مقدمات
الجماع, وذكره الخرقي في الإمناء بقبلة أو
تكرار نظر وأنه يفطر بوطئه دون الفرج 2ناسيا.
وفي المستوعب: المساحقة كالوطء دون الفرج2,
وكذا من استمنى فأنزل المني, وذكر أبو الخطاب
أنه كالأكل في النسيان1, لخبر أبي هريرة "من
نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمم صومه فإنما
أطعمه الله وسقاه" متفق عليه3, وللدارقطني
معناه وزاد: "ولا قضاء عليه" وفي لفظ "من أفطر
يوما من رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة"
رواه الدارقطني4 وقال: تفرد به ابن مرزوق وهو
ثقة عن الأنصاري, وللحاكم5 وقال: على شرط
مسلم: "من أكل في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه
ولا كفارة" ولأنه يختص النهي عنه بالعبادة لا
حد في جنسه, فلا يؤثر بلا قصد, كطيران الذباب
إلى حلقه, بخلاف الردة والجماع, وكصوم النفل
"و م" وفي الرعاية: لا قضاء في الأصح وعنه:
يفطر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 2 ليست في "ب".
3 البخاري "1933" مسلم "1151" "160".
4 في سننه "2/178".
5 في المستدرك "1/430".
(5/12)
بحجامة ناس,
اختاره في التذكرة, لظاهر الخبر وندرة النسيان
فيها وقيل: واستمناء ناس, والمراد ومقدمات
الجماع, وذكر في الرعاية الفطر بمباشرة دون
الفرج قال: وقيل: عامدا, وكذا إن أمنى بغيرها
مطلقا, وقيل: عامدا, أو مذى بغيرها عامدا,
وقيل: أو ساهيا.
ولا يفطر مكره, سواء أكره على الفطر حتى فعله
أو فعل به بأن صب في حلقه الماء مكرها أو
نائما أو دخل فيه ماء المطر, نص عليه, كالناسي
بل أولى, بدليل الإتلاف. وفي الرعاية, لا
قضاء, في الأصح. وقيل: يفطر إن فعل بنفسه,
كالمريض, ومذهب الحنفية يفطر, لندرة الإكراه
فلا تعم البلوى, بخلاف النسيان, والنص فيه,
ومذهب "م" يفطر, كالناسي عنده, ومذهب "ش" لا
يفطر إن فعل به, وإن فعل بنفسه فقولان.
ويفطر الجاهل بالتحريم "و" نص عليه في
الحجامة, لأنه عليه السلام مر برجل يحجم رجلا
فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم"1 وكالجهل بالوقت
والنسيان يكثر. وفي الهداية والتبصرة لا يفطر
لأنه لم يتعمد المفسد, كالناسي, وجمع بينهما
في الكافي2 بعد التأثيم.
وإن أوجر المغمى عليه معالجة لم يفطر, وقيل:
يفطر, لرضاه به ظاهرا, فكأنه قصده, وللشافعية
وجهان.
ومن أراد الفطر فيه بأكل أو شرب وهو ناس أو
جاهل فهل يجب إعلامه؟ فيه وجهان, ويتوجه ثالث:
إعلام جاهل لا ناس "م 1" ويتوجه
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: ومن أراد الفطر فيه بأكل أو
شرب وهو ناس أو جاهل فهل
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص ط7".
2 "2/244".
(5/13)
مثله إعلام مصل
أتى بمناف لا يبطل وهو ناس أو جاهل, وسبق1 أنه
يجب على المأموم تنبيه الإمام فيما يبطل لئلا
يكون مفسدا للصلاة مع قدرته.
ـــــــ
يجب إعلامه؟ فيه وجهان, ويتوجه ثالث: إعلام
جاهل لا ناس, انتهى وأطلقهما في الرعاية
الكبرى,
أحدهما يلزمه إعلامه "قلت": وهو الصواب, لا
سيما الجاهل, لفطره به على المنصوص, ولأن
الجاهل بالحكم يجب إعلامه به, وهذا مما يقوي
توجيه المصنف للوجه الثالث.
والوجه الثاني لا يلزمه.
"تنبيه" قال المصنف هنا: ويتوجه مثله إعلام
مصل أتى بمناف لا يبطل وهو ناس
ـــــــ
1 "2/282 – 283".
(5/14)
فصل : ولا
كفارة بغير جماع ومباشرة
على ما يأتي, نص عليه "و ش" عملا بالأصل, ولا
دليل, والجماع آكد, ونقل حنبل: يقضي ويكفر
للحقنة2, ونقل محمد بن عبدك3: يقضي ويكفر من
احتجم في رمضان وقد بلغه الخبر, وإن لم يبلغه
الخبر قضى, قال صاحب المحرر: فالمفطرات المجمع
عليها أولى, وقال: قال ابن البنا على هذه
الرواية: يكفر بكل ما فطره بفعله, كبلع حصاة
وقيء وردة وغير ذلك. وفي الرعاية بعد رواية
محمد بن عبدك: وعنه يكفر من أفطر بأكل أو شرب
أو استمناء, اقتصر على هذا, وخص الحلواني
رواية الحجامة بالمحجوم, وذكر ابن الزاغوني
على
ـــــــ
يجب إعلامه؟ فيه وجهان, ويتوجه ثالث: إعلام
جاهل لا ناس, انتهى وأطلقهما في الرعاية
الكبرى,
أحدهما يلزمه إعلامه "قلت": وهو الصواب, لا
سيما الجاهل, لفطره به على المنصوص, ولأن
الجاهل بالحكم يجب إعلامه به, وهذا مما يقوي
توجيه المصنف للوجه الثالث.
والوجه الثاني لا يلزمه.
"تنبيه" قال المصنف هنا: ويتوجه مثله إعلام
مصل أتى بمناف لا يبطل وهو ناس
ـــــــ
2 في "ب" للحنفية.
3 هو محمد بن عبدك بن سالم القزاز روى عن
الإمام أحمد وكان ثقة "ت 276 هـ" تاريخ بغداد
"2/384".
(5/14)
رواية الحجامة
كما ذكره ابن البنا, لأنه أتى بمحظور الصوم
كالجماع وفاقا لعطاء وأبي ثور, وهذا ظاهر
اختيار أبي بكر الآجري, وصرح به في أكل أو
شرب, وقيل: يكفر للحجامة, كحامل ومرضع, ومذهب
"م" يكفر من أكل أو شرب, وحكي عنه أيضا في
القيء وبلع الحصاة التكفير وعدمه, ومذهبه أن
الكفر يمنع وجوب الكفارة والقضاء, ومذهب "هـ"
يكفر للأكل والشرب إن كان مما يتغذى به أو
يتداوى به.
(5/15)
فصل : وإن طار
إلى حلقه غبار طريق أو دقيق أو دخان لم يفطر
"و" كالنائم يدخل حلقه شيء. وفي الرعاية. في
الصورة الأولى: وقيل: في حق الماشي, وفي
الثانية: وقيل: في حق النخال. وفي الثالثة:
وقيل في حق الوقاد. كذا قال, ووجهه لندرته,
فلا يفرد بحكم, وله نظائر, وكذا إن طار إلى
حلقه ذباب لم يفطر "و" خلافا للحسن بن صالح.
وإن احتلم أو أمنى من وطء ليل أو أمنى ليلا من
مباشرته نهارا لم يفطر "و" وظاهره ولو وطئ رجل
قرب الفجر, ويشبهه من اكتحل إذاً
ـــــــ
أو جاهل, انتهى. "قلت": ظاهر كلام الأصحاب
الأعلام1, ومما يؤيده ما إذا قام الإمام إلى
خامسة, فإنه صرح في المغني2 وغيره بأنه يلزم
المأمومين تنبيهه, ولم يذكره المصنف في موضعه
ولا في غيره, ولهذه المسألة نظائر.
"منها" لو علم نجاسة ماء فأراد جاهل به
استعماله هل يلزمه إعلامه؟ قدمه في الرعاية,
أو لا يلزمه إن قيل إزالتها شرط؟ فيه أقوال.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 "2/410".
(5/15)
ولا يفطر من
ذرعه القيء "و" ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره
"هـ"1 خلافا لأبي يوسف, ولو أعاده عمدا ولم
يملأ الفم أو قاء ما لا يفطر به ثم أعاده عمدا
أفطر "هـ ر" خلافا لأبي يوسف, كبلعه بعد
انفصاله عن الفم "و" وإن أصبح في فيه طعام
فرماه, أو شق رميه فبلعه مع ريقه بغير قصد أو
جرى ريقه ببقية طعام تعذر رميه, أو بلع ريقه
عادة, لم يفطر "و" وإن أمكنه لفظه بأن تميز عن
ريقه فبلعه عمدا أفطر, نص عليه, ولو كان دون
الحمصة "هـ م" قال أحمد رحمه الله فيمن تنخع
دما كثيرا2 في رمضان: أجبن عنه, ومن غير الجوف
أهون.
إن بصق نخامة بلا قصد من مخرج الحاء المهملة
ففي فطره وجهان, مع أنه في حكم الظاهر, كذا
قيل, وجزم به في الرعاية "م 2".
ـــــــ
"ومنها" لو دخل وقت صلاة على نائم هل يجب
إعلامه, أو لا يجب, أو يجب إن ضاق الوقت؟ جزم
به في التمهيد, وهو الصواب, فيه أقوال, لأن
النائم كالناسي, والقول بوجوب إعلامه بدخول
الوقت مطلقا ضعيف جدا.
"ومنها" لو أصابه ماء ميزاب وسأل, هل يلزم
الجواب المسئول أو لا يلزم أو يلزم إن كان
نجسا؟ اختاره الأزجي, وهو الصواب, فيه أقوال,
لكن ينبغي أن يكون المثال الصحيح في هذه
المسألة: لو أصابه الماء ولم يسأل, فهل يجب
على من يعلم نجاسته إعلامه أم لا؟ ولم أرها,
والله أعلم.
"مسألة 2" قوله: وإن بصق نخامة بلا قصد من
مخرج الحاء المهملة ففي فطره وجهان, مع أنه في
حكم الظاهر, كذا قيل, وجزم به في الرعاية.
انتهى, يعني جزم بما قاله المصنف كله,
ـــــــ
1 في "س": "هـ ر".
2 في الأصل: "كبدا".
(5/16)
وإن قطر في
ذكره دهنا لم يفطر, نص عليه "هـ ر و ش" وأبي
يوسف, لعدم المنفذ, وإنما يخرج البول رشحا,
كمداواة جرح عميق لم ينفذ إلى الجوف, وقيل:
بينهما منفذ, كمن وضع في فيه ماء لم يتحقق
نزوله في حلقه, وقيل: يفطر إن وصل مثانته وهي
العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف. فإذا
كان لا يستمسك بوله قيل مثن الرجل بكسر الثاء
فهو أمثن والمرأة مثناء. وقال الكسائي يقال:
رجل مثن وممثون.
ومن أصبح جنبا ثم اغتسل صح صومه "و" مع أنه
يسن قبل الفجر, وعليه يحمل نهيه عليه السلام
في الصحيحين1, أو أنه منسوخ2, لأن الله تعالى
أباح الجماع وغيره إلى طلوع الفجر, احتج به
ربيعة والشافعي وجماعة, ولفعله عليه السلام,
متفق عليه3, وكذا إن أخره يوما صح وأثم "و"
وفي المستوعب: يجيء على الرواية التي تقول
يكفر بترك صلاة إذا تضايق وقت التي بعدها أن
يبطل إذا تضايق وقت الظهر قبل غسله وصلاة
الفجر,
ـــــــ
أحدهما لا يفطر بذلك "قلت": وهو الصواب, بل
هذا مما لا شك فيه,
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1925" ومسلم "1109" "75" عن
أبي هريرة: "من أدرك الفجر جنبا فلا
يصم......" الحديث.
2 بعدها في الأصل: "ولئن أصبح جنبا ثم غسل صح
صومه".
3 أخرجه البخاري "1925" ومسلم "1109" "75" عن
عائشة وأم سلمة............ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من
أهله ثم يغتسل ويصوم....." الحديث.
(5/17)
كذا قال, وسبق
في ترك الصلاة1, ومراده ما ذكره في الرعاية:
إن فاته شيء من الصلوات وقلنا يكفر بتركها
بشرطه بطل صومه, وكذا الحائض تؤخره, وسبق في
الحيض2, ونقل صالح في الحائض تؤخره بعد الفجر:
تقضي.
وإن تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه بلا قصد
لم يفطر "هـ م" وإن زاد على الثلاث في أحدهما
أو بالغ فيه فوجهان, واختار صاحب المحرر: يبطل
بالمبالغة, للنهي الخاص3 وعدم ندرة الوصول
فيها, بخلاف المجاوزة وأنه ظاهر كلام أحمد في
المجاوزة: يعجبني أن يعيد "م 3" وإن تمضمض أو
استنشق لغير طهارة فإن كان لنجاسة ونحوها
ـــــــ
والوجه الثاني يفطر "قلت": وهو ضعيف جدا.
"مسألة 3" قوله: وإن تمضمض أو استنشق فدخل
الماء حلقه بلا قصد لم يفطر, وإن زاد على
الثلاث في أحدهما أو بالغ فيه فوجهان, واختار
صاحب المحرر يفطر بالمبالغة, للنهي الخاص وعدم
ندرة الوصول فيها, بخلاف المجاوزة, وأنه ظاهر
كلام أحمد في المجاوزة, يعجبني أن يعيد,
انتهى, وأطلق الوجهين في الهداية والمستوعب
والخلاصة والمغني4 والكافي5 والمقنع6 والهادي
والتلخيص والبلغة وشرح المجد ومحرره والشرح6
وشرح ابن منجا والرعايتين والحاويين والنظم
والفائق وغيرهم,
ـــــــ
1 "1/422".
2 "1/383".
3 وهو قوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن ضبرة:
"وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" تقدم
تخريجه ص "5".
4 "4/356".
5 "2/245".
6 المنقع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/432".
(5/18)
فكالوضوء, وإن
كان عبثا أو لحر أو عطش كره, نص عليه "م".
وفي الفطر به الخلاف في الزائدة على الثلاث,
وكذا إن غاص في الماء في غير غسل مشروع, أو
أسرف, أو كان عابثا "وقال صاحب المحرر: إن
فعله لغرض صحيح فكالمضمضة المشروعة وإن كان
عبثا" فكمجاوزة الثلاث, ونقل صالح: يتمضمض إذا
أجهد. ولا يكون للصائم أن يغتسل "هـ" للخبر1,
قال صاحب المحرر: ولأن فيه إزالة
ـــــــ
أحدهما لا يفطر بذلك, وهو الصحيح, صححه في
التصحيح, قال في العمدة: ولو تمضمض أو استنشق
فوصل إلى حلقه ماء لم يفسد صومه, وجزم به في
الإفادات ونظم المفردات وقال:
بنيتها على الصحيح الأشهر.
وقال في الوجيز والمنور: ولو دخل حلقه ماء
طهارة ولو بمبالغة لم يفطر, انتهى.
والوجه الثاني يفطر, صححه في المذهب ومسبوك
الذهب, وقدمه ابن رزين في شرحه, وجزم ابن عقيل
في الفصول بالفطر بالمبالغة, وقال به إذا زاد
على الثلاث, وقد ذكر المصنف اختيار المجد.
"تنبيهان"
الأول : قوله: وإن تمضمض أو استنشق لغير طهارة
فإن كان لنجاسة ونحوها فكالوضوء, وإن كان عبثا
أو لحر أو عطش كره, نص عليه, وفي الفطر به
الخلاف في الزائد على الثلاث, وكذا إن غاص في
الماء في غير غسل مشروع, أو أسرف, أو كان
عابثا. انتهى, مراده بالخلاف المتقدم في التي
قبلها, وقد صرح به, وقد علمت الصحيح من ذلك,
فكذا في هذه المسائل.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1925" ومسلم "1109" عن عائشة
وأم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.
(5/19)
الضجر من
العبادة, كالجلوس في الظلال الباردة بخلاف قول
المخالف: إن فيه إظهار التضجر بالعبادة,
وقوله: إن الصوم مستحق فعله على ضرب من
المشقة, فإذا زال ذلك بما لا ضرورة به إليه
كره, كما لو استند المصلي في قيامه إلى شيء,
واختار صاحب المحرر أن غوصه في الماء كصب
الماء عليه "و ش" ونقل حنبل: لا بأس به إذا لم
يخف أن يدخل الماء حلقه أو مسامعه, وكرهه
الحسن والشعبي ومالك, وجزم به بعضهم. وفي
الرعاية. يكره, في الأصح, فإن دخل حلقه ففي
فطره وجهان, وقيل: له ذلك ولا يفطر, ونقل ابن
منصور وأبو داود وغيرهما: يدخل الحمام ما لم
يخف ضعفا, ورواه أبو بكر عن ابن عباس وغيره,
قال في الخلاف: ما يجري به الريق لا يمكنه
التحرز منه, وكذا ما يبقى من أجزاء الماء بعد
المضمضة, 1كالذباب والغبار ونحو ذلك, فإن قيل:
يمكنه التحرز من أجزاء الماء بعد المضمضة1 بأن
يبزق أبدا حتى يعلم أنه لم يبق
ـــــــ
"الثاني" قوله بعد ذلك في غوص الماء: وفي
الرعاية يكره, في الأصح, فإن دخل حلقه ففي
فطره وجهان, انتهى. إطلاق الوجهين هنا من تتمة
كلام صاحب الرعاية, ولكن المصنف لم يذكر حكم
ما لو دخل الماء إلى حلقه في الغسل الواجب أو
المستحب, والصواب أن حكمه حكم الوضوء.
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
(5/20)
منها شيء, قيل:
هذا يشق, وليس في لفظ ما يمكن لفظه مشقة, يعني
ما يبقى في فيه ولم1 يجر به1 الريق, وهذا معنى
كلام صاحب المحرر هنا, وقال في ذوق الطعام: لا
يفطر إن بصق واستقصى, كالمضمضة, ويأتي كلام
الشيخ أول الفصل بعده إن شاء الله تعالى.
فصل
يكره للصائم أن يجمع ريقه ويبلعه, فإن جمعه ثم
بلعه قصدا لم يفطر "و" كما لو بلعه قصدا ولم
يجمعه; بخلاف غبار الطريق, وقيل: يفطر, فيحرم
ذلك, كعوده2 وبلعه من بين شفتيه. وفي منتهى
الغاية: ظاهر شفتيه, لإمكان التحرز منه عادة,
كغير الريق, وإن أخرج من فيه حصاة أو درهما أو
خيطا ثم أعاده فإن كان ما عليه كثيرا فبلعه
أفطر, وإن قل لم يفطر, في الأصح "ش" لأنه لا
يتحقق انفصاله ودخوله حلقه, كالمضمضة, ولو كان
لسانه3 لم يفطر, أطلقه الأصحاب "و" لأن الريق
لم يفارق محله, وقال ابن عقيل: يفطر.
وإن تنجس فمه أو خرج إليه قيء أو قلس فبلعه
أفطر, نص عليه, وإن قل, لإمكان التحرز منه,
وإن بصقه وبقي فمه نجسا فبلع ريقه فإن تحقق
أنه بلع شيئا نجسا أفطر وإلا فلا, وصفة غسل
فمه سبق في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 في "ب" يجزيه.
2 في الأصل "لعوده" وفي "ب" بعوده".
3 يعني: لو أخرج لسانه ثم أدخله فيه بما عليه
وبلعه لم يفطر المقنع مع الشرح الكبير
والإنصاف "7/476".
(5/21)
الفصل الثاني
من إزالة النجاسة1.
وهل يفطر ببلع النخامة. "و ش" كالتي من جوفه
لأنها من غير الفم كالقيء أم لا؟ لاعتبارها في
الفم كالريق, فيه روايتان "م 4" وعليهما2
ينبني التحريم.
وفي المستوعب أن القاضي وغيره ذكروا في
النخامة روايتين ولم يفرقوا. وذكر ابن أبي
موسى3: يفطر بالتي من دماغه, وفي التي من صدره
روايتان.
ويكره ذوق الطعام, ذكره جماعة وأطلقوا "و م"
وقد قال أحمد: أحب أن يجتنب ذوق الطعام, فإن
فعل فلا بأس, وذكر صاحب المحرر أن المنصوص عنه
لا بأس به لحاجة ومصلحة, واختاره في التنبيه
وابن
ـــــــ
"مسألة 4" قوله: وهل يفطر ببلع النخامة كالتي
من جوفه لأنها من غير الفم كالقيء أم لا؟
لاعتيادها في الفم كالريق, فيه روايتان,
انتهى, وذكر المصنف في هذه المسألة ثلاثة طرق
في محل الخلاف, ولكن الصحيح4 هذا الذي ذكرناه
هنا, وهو الذي قدمه, وهي:
"الطريقة الأولى"
إحداهما يفطر إذا بلعها بعد أن تصل إلى فمه,
وهو الصحيح. كالتي من جوفه, جزم به ابن عبدوس
في تذكرته, وصاحب المنور, وقدمه في المحرر
والشرح5, وهو الصواب, فعلى هذا بلعها حرام
عليه,
ـــــــ
1 "1/331"
2 في "ب" و"ط" "عليها".
3 في الإرشاد ص "152".
4 ليست في "ح".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/477".
(5/22)
عقيل "و هـ ش"
وحكاه أحمد والبخاري عن ابن عباس1, وكالمضمضة
المسنونة, فعلى هذا عليه أن يستقصي في البصق,
ثم إن وجد طعمه في حلقه لم يفطر كالمضمضة, وإن
لم يستقص في البصق أفطر, لتفريطه وعلى الأول
يفطر مطلقا, لإطلاق الكراهة, ذكره صاحب المحرر
و جزم جماعة بفطره مطلقا, ويتوجه الخلاف في
مجاوزة الثلاث.
ـــــــ
والرواية الثانية لا يفطر, فيكره بلعها, جزم
به في الوجيز وصححه في الفصول.
"الطريقة الثانية" في بلع النخامة من غير
تفريق روايتان, وهي طريقة القاضي وغيره, قاله
في المستوعب, وجزم بها في المذهب ومسبوك الذهب
والمجد في شرحه ومحرره والمغني2 والمقنع3
والنظم وغيرهم, وقدمها في المستوعب والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم.
إحداهما يفطر بذلك, وهو الصحيح, جزم به ابن
عبدوس في تذكرته وصاحب المنور, وقدمه في
المحرر والشرح4.
والرواية الثانية لا يفطر به, صححه في الفصول,
وجزم به في الوجيز, وأطلقهما في المذهب ومسبوك
الذهب والمغني5 والمقنع3 والمستوعب والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم.
"الطريقة الثالثة" إن كانت من دماغه أفطر قولا
واحدا, وإن كانت من صدره فروايتان, وهي طريقة
ابن أبي موسى "قلت": الصواب الإفطار أيضا.
ـــــــ
1 رواه البخاري تعليقا قبل حديث "1930" وذكره
في المغني "4/359" من قول أحمد.
2 "4/355".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/475".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/477".
5 "4/355".
(5/23)
ويكره مضغ
العلك الذي لا1 يتحلل منه أجزاء, نص عليه "و"
لأنه يجلب الغم ويجمع الريق ويورث العطش,
ويتوجه احتمال, لأنه يروى عن عائشة وعطاء2,
وكوضع الحصاة في فيه, قال أحمد فيمن وضع في
فيه درهما أو دينارا: لا بأس به ما لم يجد
طعمه في حلقه وما يجد طعمه فلا يعجبني.
وقال في الصائم يفتل الخيط: يعجبني أن يبزق,
فعلى الأول هل يفطر إن وجد طعمه في حلقه أم
لا؟ لأن مجرد الطعم لا يفطر, كمن لطخ باطن
قدمه بحنظل "ع" بخلاف الكحل فإنه تصل أجزاؤه
إلى الحلق, على وجهين "م 5" فدل أنه يفطر
بأجزائه, وقيل في3 تحريم ما3 لا يتحلل غالبا
وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه وجهان, وقيل:
يكره بلا حاجة.
ويحرم مضغ العلك الذي تتحلل منه أجزاء "ع" وفي
المقنع4: إلا أن لا يبتلع ريقه, وفرض بعضهم
المسألة في ذوقه, وإن وجد طعمه في حلقه أفطر,
وسبق السواك في بابه5. قال في المستوعب وغيره:
ويكره أن
ـــــــ
"مسألة 5" قوله: ويكره مضغ العلك الذي لا
يتحلل منه أجزاء, نص عليه فعليه. هل يفطر إن
وجد طعمه في حلقه أم لا؟ على وجهين, انتهى.
وأطلقهما في المغني6 والكافي7 والمجد في شرحه
والشرح8
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 أورده البخاري تعليقا في صحيحه إثر حديث
"1934" بلفظ: "ولا يمضغ العلك فإن ازداد ريق
العلك لا أقول إنه يفطر ولكن ينهي عنه .....
حديث.
3 3 في الأصل "تحريمع بما".
4 المقنع مع الشرح الكير والإنصاف "7/475".
5 "1/145".
6 "4/358".
7 "2/257".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/480".
(5/24)
يدع بقايا
الطعام بين أسنانه وشم ما لا يأمن أن يجذبه
نفسه إلى حلقه, كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوه.
وتكره القبلة لمن تحرك شهوته فقط "و هـ" لقول
عمر بن أبي سلمة: يا رسول الله, أيقبل الصائم؟
فقال له سل هذه لأم سلمة, فأخبرته أنه يفعل
ذلك, فقال: يا رسول الله, قد غفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر, فقال: "أما والله إني
لأتقاكم لله وأخشاكم له" رواه مسلم1. ونهى
النبي صلى الله عليه وسلم عنها شابا, ورخص
لشيخ, حديث حسن رواه أبو داود2 من حديث أبي
هريرة, ورواه سعيد عن أبي هريرة وأبي الدرداء,
وكذا عن ابن عباس3 بإسناد صحيح, وعنه: تكره
لمن تحرك شهوته ولغيره "و م ر" لاحتمال حدوث
الشهوة, 4وكالإحرام4, وعنه: تحرم على من تحرك
شهوته, وجزم به في المستوعب وغيره "و م ش" كما
لو ظن الإنزال معها,
ـــــــ
والرعاية الكبرى, قال في الرعاية الصغرى
والحاويين: وفي تحريم ما لا يتحلل وجهان:
أحدهما لا يفطر, وهو ظاهر كلامه في المقنع5
وغيره, وإليه مال في المغني6 والشرح5.
والوجه الثاني يفطر, جزم به في الوجيز وغيره,
وقدمه ابن رزين في شرحه, وهو الصواب
ـــــــ
1 في صحيحه "1108" "74".
2 في سننه "2387".
3 أخرجه مالك في الموطأ "1/293".
4 4 ليست في الأصل.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/480".
6 "4/358".
(5/25)
وذكره صاحب
المحرر بلا خلاف, ثم إن خرج منه مني أو مذي
فقد سبق أول الباب1, وإن لم يخرج منه شيء لم
يفطر, ذكره ابن عبد البر "ع" لما سبق.
وحكى ابن المنذر عن ابن مسعود: يفطر, وحكاه
الخطابي عنه وعن ابن المسيب, وحكاه الطحاوي عن
ابن شبرمة, وقاله ابن القاسم المالكي, ويأتي
في الغيبة2 هل يفطر بها وبكل محرم؟ ومراد من
اقتصر من الأصحاب على ذكر القبلة دواعي
الجماع, ولهذا قاسوا على الإحرام, وقالوا:
عبادة تمنع الوطء فمنعت دواعيه, كالإحرام.
وفي الكافي3: واللمس وتكرار النظر كالقبلة,
لأنهما في معناها. وفي الرعاية بعد أن ذكر
الخلاف في مسألة القبلة وكذا الخلاف في تكرار
النظر والفكر في الجماع: فإن أنزل أثم وأفطر.
والتلذذ باللمس والنظر والمعانقة والتقبيل
سواء. هذا كلامه, وهو معنى المستوعب. واللمس
لغير شهوة كلمس اليد ليعرف مرضها ونحوه4 لا
يكره "و" كالإحرام.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "10".
2 ص "27".
3 "2/257".
4 بعدها في "س" "وعنه".
(5/26)
فصل: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه
...
فصل : قال أحمد رحمه الله تعالى: ينبغي للصائم
أن يتعاهد صومه من لسانه
يماري, ويصون صومه; كانوا إذا صاموا قعدوا في
المساجد وقالوا نحفظ صومنا, ولا يغتاب أحدا,
ولا يعمل عملا يجرح1 به صومه.
قال الأصحاب رحمهم الله: يسن له كثرة القراءة
والذكر والصدقة, وكف لسانه عما يكره, ويجب كفه
عما يحرم من الكذب والغيبة والنميمة والشتم
والفحش ونحو ذلك "ع" وذكر بعض أصحابنا وغيرهم
قول النخعي: تسبيحة في رمضان خير من ألف
تسبيحة في غيره, وذكره الآجري وجماعة عن
الزهري.
ولا يفطر بالغيبة ونحوها, نقله الجماعة "و"
وقال أحمد أيضا: لو كانت الغيبة تفطر ما كان
لنا صوم: وذكره الشيخ "ع" لأن فرض الصوم بظاهر
القرآن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع,
وظاهره صحته إلا ما خصه دليل ذكره صاحب
المحرر. وقال عمار2: رواه "الإمام" أحمد
والبخاري من حديث أبي هريرة "من لم يدع قول
الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع
طعامه وشرابه"3 معناه الزجر والتحذير, لم
يأمر4 من اغتاب بترك صيامه. قال: والنهي عنه
ليسلم من نقص الأجر ومراده أنه قد يكثر فيزيد
على أجر الصوم وقد يقل وقد يتساويان, قال
شيخنا: هذا "مما" لا نزاع فيه بين الأئمة.
وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة ونحوها, ومراده
ما
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" و" ب" "يخرج".
2 في "ط": "عمار".
3 أحمد "9839" والبخاري "1903".
4 في "س" و"ب" "ويؤمر".
(5/27)
سبق, وإلا
فضعيف, وقيل لأحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم
عن قولهم في تأويل حديث الحجامة: كانا
يغتابان, فقال: الغيبة أيضا أشد للصائم, بفطره
أجدر1 أن تفطره الغيبة وذكر شيخنا أن بعض
أصحابنا ذكر رواية ثالثة: يفطر بسماع الغيبة.
وذكر أيضا وجها في الفطر بغيبة ونميمة
ونحوهما.
فيتوجه منه احتمال: يفطر بكل محرم, ويتوجه
احتمال تخريج من بطلان الأذان بكل محرم وفي
الصحيحين2 من حديث أبي هريرة "إذا كان يوم صوم
أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب, فإن شاتمه أحد
أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" واختاره ابن
حزم: يفطر بكل معصية, واحتج بأشياء منها: وقال
حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عبيد مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتى على امرأتين صائمتين
تغتابان الناس فقال لهما: "قيآ فقاءتا قيحا
ودما ولحما عبيطا" , ثم قال: "إن هاتين صامتا
عن الحلال وأفطرتا على الحرام" ورواه أحمد في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "أحذر".
2 البخاري "1094" ومسلم "1151" "163".
(5/28)
مسنده1 عن يزيد
عن سليمان التيمي. حدثني رجل في مجلس أبي
عثمان النهدي عن عبيد, فذكره.
وقال وكيع عن حماد البكاء عن ثابت البناني عن
أنس: إذا اغتاب الصائم أفطر,2 وعن إبراهيم
قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم. وذكر
صاحب المحرر أن صاحب الحلية ذكر عن الأوزاعي
أن من شاتم فسد صومه, لظاهر النهي.
قال الأصحاب: ويسن لمن شتم أن يقول إني3 صائم,
قال في4 الرعاية: يقوله مع نفسه, يعني يزجر
نفسه ولا يطلع الناس عليه للرياء. واختاره
صاحب المحرر إن كان في غير رمضان. وإلا جهر
به, للأمن من الرياء, وفيه زجر من يشاتمه
بتنبيهه على حرمة الوقت المانعة من ذلك.
وذكر شيخنا لنا ثلاثة أوجه: هذين, والثالث وهو
اختياره يجهر به مطلقا "م 6" لأن القول
"المطلق" باللسان, والله "سبحانه" أعلم.
ـــــــ
"مسألة 6" "قوله": ويسن لمن شتم أن يقول: إني
صائم, قال في الرعاية: يقوله مع نفسه, يعني
يزجر نفسه ولا يطلع الناس عليه للرياء,
واختاره صاحب المحرر إن كان في غير رمضان وإلا
جهر به وذكر شيخنا لنا ثلاثة أوجه: هذين,
والثالث وهو اختياره: يجهر به مطلقا, انتهى.
"قلت" وهو ظاهر الحديث وكلام الأصحاب.
ـــــــ
1 برقم "23653".
2 أخرجه هناد في الزهد "1204".
3 بعدها في "ب" "امرؤ".
4 في "س" "صاحب".
(5/29)
فصل : يسن
تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس
"ع" وتأخير السحور "ع" ما لم يخش طلوع الفجر
"و" ذكره أبو الخطاب والأصحاب, للأخبار1,
ولأنه أقوى على الصوم, وللتحفظ من الخطأ
والخروج من الخلاف, وظاهر كلام الشيخ: يستحب
السحور مع الشك في الفجر, وذكر أيضا قول أبي
داود: قال أبو عبد الله: إذا شك في الفجر يأكل
حتى يستيقن طلوعه, وأنه قول ابن عباس2 وعطاء
والأوزاعي, قال أحمد: يقول الله تعالى:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الآية,
وذكر الشيخ أيضا قول رجل لابن عباس: إني أتسحر
فإذا شككت أمسكت, فقال ابن عباس: كل ما شككت
حتى لا تشك3. وقول أبي قلابة: قال الصديق رضي
الله عنه وهو يتسحر: يا غلام أجف4 حتى5 لا
يفجأنا الفجر, رواهما سعيد6. ولا يعرف لهما
مخالف, ولعل مراد غير الشيخ الجواز وعدم المنع
بالشك, وكذا جزم ابن الجوزي وغيره أنه يأكل
حتى يستيقن, وأنه ظاهر كلام أحمد, وكذا خص
الأصحاب المنع بالمتيقن, كشكه في نجاسة طاهر.
وقال الآجري وغيره: لو
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 منها ما روى زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى
الصلاة قلت: كم كان قدر ذلك؟ قال: خمسون آية
أخرجه البخاري "1921" ومسلم "1097" "47".
2 سيوردة المصنف قريبا.
3 أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "3/25" والبيهقي
في السنن الكبرى "4/222".
4 في "ب": "أحقه" ومعنى قوله: أجف: أي رد
الباب.
5 في الأصل: "عنا".
6 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7618".
(5/30)
قال لعالمين
ارقبا الفجر, فقال أحدهما: طلع, وقال الآخر:
لا1 يطلع أكل حتى يتفقا, وأنه قول أبي بكر2
وعمر3 وابن عباس وغيرهم. واحتج من لم ير صوم
يوم ليلة الغيم بالأكل مع الشك في الفجر.
وأجاب القاضي وغيره بأن البناء على الأصل هنا
لا يسقط العبادة, والبناء على الأصل في مسألة
الغيم يسقط الصوم, وللمشقة هنا, لتكراره,
والغيم نادر. واقتصر صاحب المحرر في الجواب
على المشقة مع ما في الغيم من الخبر. وذكر ابن
عقيل في الفصول: إذا خاف طلوع الفجر وجب عليه
أن يمسك جزءا من الليل ليتحقق4 له صوم جميع
اليوم, وجعله أصلا لوجوب صوم يوم ليلة الغيم,
وقال: لا فرق. ثم ذكر هذه المسألة في موضعها
وأنه لا يحرم الأكل مع الشك في الفجر, وزاد:
بل يستحب, كذا قال.
وفي المستوعب والرعاية: الأولى أن لا يأكل مع
شكه في طلوعه. وكذا جزم صاحب المحرر مع جزمه
بأنه لا يكره. ولا يستحب تأخير الجماع "و"
لأنه لا يتقوى به, ويكره مع الشك في الفجر,
ولا يكره الأكل والشرب مع الشك فيه. نص على
المسألتين.
ولا يجب إمساك جزء من الليل في أوله وآخره, في
ظاهر كلام جماعة, وهو ظاهر ما سبق أو صريحه,
وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين "م ر"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ط" "لم يطلع".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/25".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/26".
4 في الأصل و"ب" و"ط" "يتحقق".
(5/31)
وقطع جماعة
بوجوبه في أصول الفقه وفروعه, وأنه مما لا يتم
الواجب إلا به, وذكره في الفنون وأبو يعلى
الصغير وفاقا في صوم يوم ليلة الغيم, وهذا
يناقض ما ذكروه هنا, وذكره القاضي في الخلاف
في النية من الليل ظاهر كلام أحمد, وأنه
مذهبنا, لئلا يفوت بعض النهار عن النية,
والصوم يدخل فيه بغير فعله, فلا يمكنه مقارنة
النية حال الدخول فيه, بخلاف الصلاة, كذا قال
وسبق في النية من الليل.
والمراد بالفجر الصادق, وهو البياض المعترض,
فيحرم الأكل وغيره بطلوعه "و" في قول عامة
العلماء, لحديث عدي بن حاتم في قوله تعالى:
{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] إنما ذلك سواد
الليل وبياض النهار, ولحديث ابن عمر وعائشة:
"إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن
ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"
متفق عليهما1, ولأحمد ومسلم وأبي داود2 عن
عائشة; أن رجلا قال: يا رسول الله, تدركني
الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال: "وأنا تدركني
الصلاة وأنا جنب فأصوم" فقال: لست مثلنا يا
رسول الله, قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر, فقال: "والله إني لأرجو أن أكون
أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى" , يدل على أن
وقت صلاة الفجر من وقت الصوم, وذكر أحمد في
رواية عبد الله قوله عليه السلام: "لا يمنعنكم
من السحور أذان بلال والفجر المستطيل" 3 وقال
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الأول البخاري "1916" ومسلم "1090" "33"
الثاني البخاري "1918" ومسلم "1092" "36".
2 أحمد "24385" ومسلم "1110" "79" وأبو داود
"2388".
3 أخرجه الترمذي "706".
(5/32)
عن قيس بن طلق
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس
الفجر الأبيض المعترض, ولكنه الأحمر" كذا
وجدته, ولفظه في مسنده1 "ليس الفجر بالمستطيل
في الأفق ولكنه المعترض الأحمر" ولأبي داود,
والترمذي2 وقال: حسن غريب "كلوا واشربوا حتى
يعترض لكم الأحمر" فيحتمل أن أحمد قال به,
وأنه رواية عنه, ولكن قيسا عنده ضعيف.
وعن عاصم عن زر: قلت لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع
النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو النهار إلا
أن الشمس لم تطلع, رواه ابن ماجه3. ورواه
النسائي4 أيضا من حديث شعبة عن عدي بن ثابت عن
زر, وعن أبي يعفور عن إبراهيم عن صلة ولم
يرفعاه, وقال: لا يعلم أحدا رفعه غير عاصم,
فإن كان رفعه صحيحا فمعناه أنه قرب النهار,
ولفظ أحمد5: قلت: أبعد الصبح؟ قال: نعم, هو
الصبح غير أن لم تطلع الشمس. وعاصم في حديثه
اضطراب ونكارة, فرواية الإثبات أولى, وقال ابن
عمر: إن ابن أم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 برقم "16291".
2 أبو داود "2348" والترمذي "705".
3 في سننه "1695".
4 في الكبرى "2152".
5 في مسنده "23369".
(5/33)
مكتوم كان لا
يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت. متفق عليه1,
ومعناه قرب الصبح وعن أبي هريرة مرفوعا: "إذا
سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه
حتى يقضي حاجته منه" رواه أبو داود2, فمعناه
أنه لم يتحقق طلوع الفجر. وقال مسروق3: لم
يكونوا يعدون الفجر فجركم, إنما كانوا يعدون
الفجر الذي يملأ البيوت والطرق. ذكره ابن
المنذر وغيره, فإن صح فهو رأي طائفة, مع
احتمال معناه تحقق طلوع الفجر.
والمذهب: له الفطر بالظن "و" لأن الناس أفطروا
في عهده صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس,
وكذا أفطر عمر والناس في عهده كذلك4, ولأن ما
عليه أمارة يدخله التحري, ويقبل فيه قول
الواحد, كالوقت والقبلة, بخلاف الصلاة. وقال
في التلخيص: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول
اليوم, ولا يجوز في آخره إلا بيقين ولو أكل
ولم يتيقن لزمه القضاء في الآخر, ولم يلزمه في
الأول, وقاله بعض الشافعية.
وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر الصائم حكما
وإن لم يطعم, ذكره في المستوعب وغيره, وقوله
عليه السلام: "إذا أقبل الليل5 من هاهنا5
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "617" ومسلم "1092" "36".
2 في سننه "2350".
3 هو أبو عائشة مسروق بن الأجدع بن مالك
الوادعي الهمداني من كبار التابعين "ت 62 هـ"
سيرأعلام النبلاء "4/63".
4 سيأتي في الصفحة "38".
5 5 ليست في "س" و"ب".
(5/34)
وأدبر النهار
من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" 1 أي
أفطر شرعا, فلا يثاب على الوصال, كما هو ظاهر
المستوعب, وقد يحتمل أنه يجوز له الفطر.
والعلامات الثلاث متلازمة, ذكره في شرح مسلم2
عن العلماء, وإنما جمع بينها لئلا يشاهد غروب
الشمس فيعتمد على غيرها, كذا قال: ورأيت بعض
أصحابنا يتوقف في هذا ويقول: يقبل الليل مع
بقاء الشمس؟ ولعله ظاهر المستوعب. والله أعلم.
والفطر قبل الصلاة أفضل "و" لفعله عليه
السلام3, وكان عمر وعثمان رضي الله عنهما لا
يفطران حتى يصليا المغرب وينظرا إلى الليل
الأسود. رواه مالك4.
ولا يجب السحور حكاه ابن المنذر وغيره "ع".
وتحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب, لحديث أبي
سعيد "ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء" وفيه
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وهو ضعيف, رواه
أحمد وغيره5, ورواه ابن أبي عاصم وغيره من
حديث
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1954" ومسلم "1100" "79".
2 "7/209".
3 أخرجه الترمذي "696" وأبو داود "2356" عن
أنس ونصه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفطر على رطبات قبل أن يصلي.
4 في الموطأ "1/289".
5 في مسنده "11396".
(5/35)
أنس من رواية
عبد الرحمن بن ثابت, قال العقيلي: لا يتابع
عليه, فيتوجه أن يخرج القول بهذا على العمل
بالحديث الضعيف في الفضائل, وقد سبق في صلاة
التطوع1, ولأحمد2 من حديث جابر "من أراد أن
يصوم فليتسحر ولو بشيء" قال صاحب المحرر
والظاهر أنه مراد غيره: وكمال فضيلته بالأكل,
لحديث عمرو بن العاص "إن فصل ما بين صيامنا
وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" رواه أحمد ومسلم
وغيرهما3.
ويسن أن يفطر على الرطب, فإن لم يجد فعلى
التمر فإن لم يجد فعلى الماء, لفعله صلى الله
عليه وسلم, رواه أحمد وأبو داود, والترمذي
وحسنه, من حديث أنس4, ورووا أيضا وصححه
الترمذي5 من حديث سلمان الضبي "إذا أفطر أحدكم
فليفطر على تمر, فإن لم يجد فعلى ماء فإنه
طهور" .
وأن يدعو عند فطره, روى ابن ماجه, والترمذي6
وحسنه من حديث أبي هريرة "ثلاث لا ترد دعوتهم:
الإمام العادل, والصائم حتى يفطر, ودعوة
المظلوم" . ولابن ماجه7 من حديث عبد الله بن
عمرو "للصائم عند
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/405".
2 في المسند "14950".
3 أحمد "17762" ومسلم "1096" "46" والترمذي
"709" والنسائي "4/146".
4 أحمد "12676" وأبو داود "2356"
والترمذي."606".
5 أحمد "16225" وأبو داود "2355" والترمذي
"658".
6 الترمذي "3598" وابن ماجه "1752".
7 في سننه "1753".
(5/36)
فطره دعوة لا
ترد" واقتصر جماعة على قول: "اللهم لك صمت,
وعلى رزقك أفطرت, سبحانك وبحمدك, اللهم تقبل
مني إنك أنت السميع العليم" رواه الدارقطني1
من حديث أنس, ومن حديث ابن عباس, وفيهما "تقبل
منا" وذكره أبو الخطاب وغيره, وهو أولى, وذكر
بعضهم أيضا قول ابن عمر: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ,
وابتلت العروق, وثبت الأجر إن شاء الله" رواه
أبو داود والنسائي, والدارقطني2 وقال: إسناده
حسن, والحاكم3 وقال: على شرط البخاري. والعمل
بهذا الخبر أولى.
"ومن فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص
من أجره شيء" , صححه الترمذي4 من حديث زيد بن
خالد, وظاهر كلامهم: أي شيء كان, كما هو ظاهر
الخبر, وكذا رواه ابن خزيمة5 من حديث سلمان
الفارسي وذكر فيه ثوابا عظيما إن أشبعه.
وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2/185".
2 أبو داود "2357" والنسائي في الكبرى "3329"
والدارقطني في سننه "2/185".
3 في المستدرك "1/422".
4 في سننه "807".
5 في صحيحه "1887".
(5/37)
فصل : من أكل
شاكا في غروب الشمس ودام شكه
, أو أكل يظن بقاء النهار; قضى "ع" وإن بان
ليلا لم يقض, وعبارة بعضهم: صح صومه. وإن أكل
(5/37)
يظن الغروب ثم
شك ودام1 شكه لم يقض, وإن أكل شاكا في طلوع
الفجر ودام شكه لم يقض "م" وزاد: ولو طرأ شكه,
لما سبق في الفصل قبله, ولأن الأصل بقاء
الليل, فيكون زمان الشك منه. وإن أكل يظن طلوع
الفجر فبان ليلا ولم يجدد2 نية صومه الواجب
قضى, كذا جزم به بعضهم, وما سبق من أن له
الأكل حتى يتيقن طلوعه يدل على أنه لا يمنع
نية الصوم, وقصده غير اليقين, والمراد والله
أعلم اعتقاد طلوعه, ولهذا فرض صاحب المحرر هذه
المسألة فيمن اعتقده نهارا فبان ليلا, لأن
الظان شاك, ولهذا خصوا المنع باليقين,
واعتبروه بالشك في نجاسة طاهر, ولا أثر للظن
فيه, وقد يحتمل أن الظن والاعتقاد واحد, وأنه
يأكل مع الشك والتردد ما لم يظن ويعتقد
النهار.
وإن أكل يظن3 أو يعتقد أنه ليل4 فبان نهارا في
أوله أو آخره فعليه القضاء "و" لأن الله أمر
بإتمام الصيام, ولم يتمه, وقالت أسماء: أفطرنا
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم
غيم 5ثم طلعت5 الشمس. قيل لهشام بن عروة وهو
راوي الخبر: أمروا بالقضاء:؟ قال: 6لا بد6 من
قضاء. رواه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "فدام".
2 في الأصل "يحدد".
3 في "ب" "بظن".
4 في "س" "نهار".
5 5 في "س" "فطلعت".
6 6 في الأصل و"س" "بد".
(5/38)
أحمد
والبخاري1, ولأنه جهل وقت الصوم "فهو" كالجهل
بأول رمضان.
وصوم المطمور2 ليلا بالتحري, بل أولى, 3لأن
إمكان3 التحرز4 من الخطأ هنا أظهر, والنسيان
لا يمكنه التحرز منه, وكذا سهو المصلي بالسلام
عن نقص, ولا علامة ظاهرة, ولا أمارة سوى علم
المصلي, وهنا علامات, ويمكن الاحتياط والتحفظ,
وتأتي رواية: لا قضاء على من جامع جاهلا
بالوقت. واختاره شيخنا وقال: هو قياس أصول
أحمد وغيره.
وسبق قوله فيمن أفطر فبان رمضان, واختار صاحب
الرعاية إن أكل يظن بقاء الليل فأخطأ لم يقض,
لجهله, وإن ظن دخوله فأخطأ قضى, وصح عن عمر
رضي الله عنه في الصورة الثانية روايتان:
إحداهما القضاء والأمر به5. والثانية لا نقضي
ما تجانفنا الإثم6, وقال: قد كنا جاهلين7
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد في المسند "26927" والبخاري "1959".
2 المطمور: المسجون في المطمور وهي الحفيرة
تحت الأرض.
3 3 في "س" "لإمكان".
4 في "ب" "التحري".
5 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/23- 24"
والبيهقي في السنن "4/217" عن حنظلة قال: كنت
عند عمر في رمضان فأفطر وأفطر الناس فصعد
المؤذن فقال: يا أيها الناس هذه الشمس لم تغب
...ثم قال عمر رضي الله عنه من كان أفطر فليصم
يوما مكانه.
6 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/24"
والبيهقي في السنن "4/217" عن زيد بن وهب قال:
بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان
والسماء متغيمة فرأينا أن الشمس غابت وأنا قد
أمسينا فأخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة
فشرب عمر وشربنا فلم نلبث أن ذهب السحاب وبدت
الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض نقضي يوما هذا
فسمع ذلك عمر فقال: والله لا نقضيه وما
تجانفنا لإثم.
7 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/25" من حديث
زيد عن أخيه عن أبيه قال: أفطر عمر وفيه قال:
خطب يسير قد كنا جاهدين.
(5/39)
فعلى هذا لا
قضاء في الصورة الأولى, وقاله: فيهما الحسن
وإسحاق والظاهرية, وقاله في الأولى مجاهد
وعطاء وبعض الشافعية, والله أعلم.
ولو أكل ناسيا فظن أنه قد أفطر فأكل عمدا
فيتوجه أنها مسألة الجاهل بالحكم, فيه الخلاف
السابق. وقال صاحب الرعاية: يصح صومه, ويحتمل
ضده, كذا قال.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "كعنين".
(5/40)
فصل : من جامع
في صوم رمضان بلا عذر
لزمه القضاء والكفارة "و" ومرادهم ما صرح به
غير واحد بذكر أصلي في قبل أصلي أنزل أم لا,
لأنه مظنة الإنزال, أو لأنه باطن كالدبر. كما
سبق في الاستنجاء. وأنه لو أولج خنثى مشكل
ذكره في قبل خنثى مثله, أو قبل امرأة, أو أولج
رجل ذكره في قبل خنثى مشكل, لم يفسد صوم واحد
منهما إلا أن ينزل, كالغسل, وأن الخصي كغيره1
إن أولج. وللشافعي قول: لا يقضي من
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "كعنين".
(5/40)
جامع كجماع
زائد, أو به بلا إنزال, وعن سعيد بن جبير
والنخعي: لا كفارة أيضا وقال الأوزاعي: إن كفر
بالصوم لم يقض, وإلا قضى. ويأتي قول شيخنا في
"فصل القضاء": والناسي كالعامد, نقله الجماعة,
واختاره الأصحاب "و م" والظاهرية. وعنه: لا
يكفر, اختاره ابن بطة "و م ر". وعنه: لا يقضي
اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي وشيخنا "و هـ
ش". وذكره في شرح مسلم1 قول جمهور العلماء.
وكذا من جامع يعتقده ليلا فبان نهارا يقضي,
جزم به الأكثر, وجعله جماعة أصلا للكفارة.
وفي الرعاية رواية: لا يقضي, واختاره شيخنا,
وتأتي رواية ابن القاسم, وهل يكفر كما اختاره
أصحابنا؟ قاله صاحب المحرر, وأنه قياس من
أوجبها على الناسي, وأولى أم لا يكفر "و" فيه
روايتان "م 7" وعلى الثانية إن علم في الجماع
أنه نهارا2 ودام عالما بالتحريم لزمته
الكفارة, بناء على من وطئ بعد إفساد صومه, على
ما يأتي.
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: وكذا من جامع يعتقده ليلا
فبان نهارا يقضي, جزم به الأكثر. وهل يكفر كما
قاله أصحابنا, قال صاحب المحرر: إنه قياس من
أوجبها على الناسي, وأولى, أم لا يكفر؟ فيه
روايتان, انتهى. والصحيح من المذهب ما قاله
الأصحاب, وكونه يطلق الخلاف مع اختيار الأصحاب
لإحدى الروايتين فيه شيء, وقد تقدم الجواب عن
ذلك في المقدمة أول الكتاب3, والله أعلم,
وأطلقهما المجد في شرحه, فتبعه المصنف على
ذلك.
ـــــــ
1 "7/225".
2 في الأصل و"ب" "نهار".
3 "1/8" وما بعدها.
(5/41)
وإن أكل ناسيا
واعتقد الفطر به ثم جامع فكالناسي والمخطئ,
إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر في الأشهر,
كما يأتي. وكذا من أتى بما لا يفطر به فاعتقد
الفطر وجامع "و م ش" خلافا للحنفية في
الاحتلام وذرع القيء لا يكفر, للاشتباه
بنظيرهما وهو إخراج القيء والمني عمدا.
والمكره كالمختار "و هـ م" في ظاهر المذهب.
ونقل ابن القاسم: كل أمر غلب عليه الصائم فليس
عليه قضاء ولا كفارة. قال الأصحاب: وهذا يدل
على إسقاط القضاء مع الإكراه والنسيان. قال
ابن عقيل في مفرداته: الصحيح في الأكل والوطء
إذا غلب عليهما لا يفسدان, فأنا أخرج في الوطء
رواية من الأكل, وفي الأكل رواية من الوطء.
وقيل: يقضي من فعل لا من1 فعل به من نائم
وغيره "و ق" وقيل: لا قضاء مع النوم فقط,
وذكره بعضهم نص أحمد فيه, لعدم حصول مقصود.
وإن فسد الصوم بذلك فهو في الكفارة كالناسي "و
ش" وقيل: يرجع بالكفارة على من أكرهه. وقيل:
يكفر من فعل بالوعيد. والمرأة المطاوعة يفسد
صومها وتكفر "و هـ م ق" كالرجل. وعنه: لا
كفارة عليها "و ش" لأن الشارع لم يأمرها بها
ولفطرها بتغييب بعض الحشفة, فقد سبق جماعها
المعتبر. ومنع هذا صاحب المحرر, لأنه ليس لهذا
القدر حكم الجوف والباطن, ولذلك يجب أو يستحب
غسله من حيض وجنابة ونجاسة. وعنه: تلزمه كفارة
واحدة عنهما "و ق" خرجها أبو الخطاب من الحج,
وضعفه غير واحد, لأن الأصل عدم التداخل.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
(5/42)
وإن طاوعته1 أم
ولده صامت, وقيل: يكفر عنها. ويفسد صوم
المكرهة على الوطء, نص عليه "و هـ م" وعنه: لا
"و ق" وقيل: يفسد إن فعلت, لا2 المقهورة
والنائمة "و ق" وأفسد ابن أبي موسى3 صوم غير
النائمة, لحصول مقصود الوطء لها, ولا كفارة في
حق المكرهة إن فسد صومها, في ظاهر المذهب "و"
نص عليه. وذكر القاضي رواية: تكفر, وذكر أيضا
أنها مخرجة من الحج "و م" في المستيقظة. وعنه:
ترجع بها على الزوج, لأنه الملجئ لها إلى ذلك.
وقال ابن عقيل: إن أكرهت حتى مكنت لزمتها
الكفارة, وإن غصبت أو كانت نائمة فلا.
وإن جامعت ناسية فكالرجل "و" ذكره القاضي, لأن
عذرها بالإكراه أقوى وقال أبو الخطاب وجماعة:
لا كفارة عليها4, وهو أشهر "و" لقوة جنبة
الرجل, ويتخرج: أن لا يفسد صومها مع النسيان
وإن فسد صومه, لأنه مفسد لا يوجب كفارة,
كالأكل, وكذا الجاهلة ونحوها5.6 وعنه: يكفر عن
المعذورة بإكراه أو نسيان وجهل ونحوها6. كأم
ولده إذا أكرهها, والمراد: وقلنا تلزمها
الكفارة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "أطاعته".
2 في "س" "إلا".
3 الإرشاد ص "146".
4 في "س" "عليها".
5 ليست في الأصل.
6 6 ليست في "ب".
(5/43)
ولو أكره
الزوجة على الوطء دفعته بالأسهل فالأسهل, ولو
أفضى إلى نفسه, كالمار بين يدي المصلي, كذا
ذكره في الفنون.
والوطء في الدبر كالقبل يقضي ويكفر "و" ويتوجه
فيه تخريج من الغسل ومن الحد, وقد قاس جماعة
عليهما, لكن يفسد صومه إن أنزل "و" وعن أبي
حنيفة رواية: لا كفارة.
وإن1 أولج في بهيمة فكالآدمية, نص عليه احتج
الأصحاب بوجوب الغسل: وسواء وجب الحد كالزنا
أو لا, كالزوجة والأمة, وخرج أبو الخطاب في
الكفارة وجهين بناء على الحد, وكذا2 خرجه
القاضي رواية بناء على الحد, ويأتي قول ابن
شهاب: لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل "و هـ"
ولا فطر "و هـ" ولا كفارة "و هـ" كذا قال, وإن
أولج في ميت فكالحي, وسبق وجه في الغسل. وقيل
هنا: في آدمي حي أو ميت أو بهيم حي, وقيل: أو
ميت, كذا قيل وفي المستوعب: إن أولج في بهيمة
أو آدمي ميت ففي الكفارة وجهان.
ومن طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام فعليه
القضاء "و" والكفارة "هـ" لأنه منع صحة الصوم
بجماع أثم فيه, لحرمة الصوم, كمن وطئ في أثناء
النهار, ولأنه لو جامع في النهار ناسيا ثم ذكر
واستدام قضى وكفر, وإنما أفسد صومه بالاستدامة
دون الابتداء عند الحنفية, ولم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "لو".
2 في الأصل "لذا".
(5/44)
يوجبوا عليه
كفارة, وأما الحد على مجامع طلق ثلاثا ودام
فإنه يجب في وجه, ثم الحد عقوبة محضة يسقط
بالشبهة, بخلاف الكفارة. وقاس غير واحد على من
استدام الوطء حال الإحرام. وإن نزع في الحال
مع أول طلوع الفجر فكذلك عند ابن حامد
والقاضي, لأن النزع جماع يلتذ به كالإيلاج,
بخلاف مجامع حلف لا يجامع فنزع, لتعلق اليمين
بالمستقبل أول أوقات الإمكان. وقال أبو حفص:
لا قضاء عليه ولا كفارة "و هـ ش" وذكر القاضي
أن أصل ذلك اختلاف الروايتين في جواز وطء من
قال لزوجته إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي قبل1
كفارة الظهار, فإن جاز فالنزع ليس بجماع وإلا
كان جماعا. وقال ابن أبي موسى2: يقضي, قولا
واحدا وفي الكفارة عنه خلاف "م 8"
ـــــــ
"مسألة 8" قوله: ومن طلع عليه الفجر وهو مجامع
فاستدام فعليه القضاء والكفارة وإن نزع في
الحال مع أول طلوع الفجر فكذلك عند ابن حامد
والقاضي. وقال أبو حفص: لا قضاء عليه ولا
كفارة وقال ابن أبي موسى: يقضي, قولا واحدا.
وفي الكفارة عنه خلاف, انتهى. وأطلق الوجهين
في الإيضاح, والمبهج في موضع من كلامه,
والهداية والمذهب والمستوعب والمغني3 والهادي
والتلخيص والمحرر والشرح4 والرعايتين
والحاويين وغيرهم, أحدهما عليه القضاء
والكفارة, اختاره ابن حامد والقاضي, كما قال
المصنف, ونصره ابن عقيل في الفصول, وجزم به في
المبهج في موضع آخر, والمنور ونظم المفردات,
قال في الخلاصة: فعليه القضاء والكفارة, في
ـــــــ
1 في "ب" "قيل".
2 الإرشاد ص "147".
3 "4/379".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/463".
(5/45)
قال صاحب
المحرر: وهذا يقتضي روايتين: إحداهما يقضي
فقط, قال1: وهو أصح عندي "و م" لحصوله مجامعا
أول جزء من اليوم2 أمر بالكف عنه بسبب سابق من
الليل, فهو كمن ظنه ليلا فبان نهارا, لكن لما
كان ذلك على وجه فيه عذر صار كوطء الناسي ومن
ظنه ليلا. وفي الكفارة بذلك روايتان, كذا هذا.
ومن جامع وهو صحيح ثم مرض لم تسقط الكفارة
عنه, نص عليه "هـ ق" أو جن "هـ ق" أو حاضت
المرأة "هـ ق" أو نفست "هـ ق" لأمره عليه
السلام الأعرابي بالكفارة, ولم يسأله3, وكما
لو سافر "و" وقولهم لأنه4 لا يبيح الفطر
ممنوع, ويؤثر عندهم في منع الكفارة ولا يسقطها
بعد وجوبها, تفرقة بين كونه مقارنا5 وطارئا.
ولا يقال: تبينا أن الصوم غير مستحق عند
الجماع, لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض أو
يموت لم يجز الفطر. والصوم لا تتجزأ صحته, بل
لزومه كصائم صح أو أقام. وفي الانتصار وجه:
يسقط بحيض ونفاس "و ق" لمنعهما
ـــــــ
الأصح, والوجه الثاني لا قضاء عليه ولا كفارة,
اختاره أبو حفص, كما قال المصنف, واختاره
الشيخ تقي الدين, قاله في القواعد, واختاره
أيضا صاحب الفائق, وقدمه ابن رزين في شرحه,
وكلام ابن أبي موسى واختيار المجد ذكره المصنف
"قلت": الصواب أنه إن تعمد فعل الوطء قريبا من
طلوع الفجر مع علمه بذلك فعليه القضاء
والكفارة, وإلا فلا كفارة والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "س" "الليل".
3 سيورده المصنف ص "54".
4 في "س" "أنه".
5 ليست في "س".
(5/46)
الصحة, ومثلهما
موت, وكذا جنون إن منع طريانه الصحة, وأشهر
أقوال الشافعي كقولنا "و م".
ومن وطئ ثم كفر ثم عاد فوطئ في يومه فعليه
كفارة ثانية1, نص عليه, لما سبق فيمن استدامه
وقت1 طلوع الفجر, 2وكالحج2, وذكر الحلواني
رواية لا كفارة عليه "و" وخرجه3 ابن عقيل من
أن الشهر عبادة واحدة وذكره ابن عبد البر "ع"
بما يقتضي دخول أحمد فيه. وإن لم يكفر عن
الأول فكفارة واحدة على الأصح, وذكره الشيخ
بغير خلاف, فعلى الأول تعدد4 الواجب وتداخل
موجبه, ذكره صاحب الفصول والمحرر وغيرهما,
وعلى الثاني لم5 يجب بغير الوطء الأول شيء,
وكذا أكل6 واطئ يلزمه الإمساك "و" ونص أحمد في
مسافر قدم مفطرا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 2 ليست في "س".
3 في "س" "وخرج".
4 في "س" "تعداد".
5 ليست في الأصل.
6 في "ط" "أكل".
(5/47)
ثم جامع: لا
كفارة عليه, قال القاضي وأبو الخطاب, هذا على
رواية أنه لا يلزمه الإمساك, واختار صاحب
المحرر حمله على ظاهره, وهو وجه في كتاب
المذهب, لضعف هذا الإمساك, لأنه سنة عند أكثر
العلماء, وفي تعليق القاضي وجه فيمن لم ينو
الصوم: لا كفارة عليه, لأنه لم يلتزمه.
وألزمه مالك بالكفارة بمجرد ترك نية الصوم
عمدا بلا أكل ولا جماع.
وإن أكل ثم جامع فالخلاف وسبق هل تجب الكفارة
بأكل؟
وإن جامع في يومين, فإن كفر عن الأول كفر عن
الثاني "و" وذكره ابن عبد البر "ع" وفيه رواية
عن "هـ" وكذا إن لم يكفر عن الأول, في اختيار
ابن حامد والقاضي وغيرهما, وحكاه ابن عبد البر
عن أحمد "و م ش" لأن كل يوم عبادة, وكيومين من
رمضانين, وفيه رواية عن "هـ" وظاهر كلام
الخرقي كفارة واحدة1, واختاره أبو بكر وابن
أبي موسى "م 9" "و" كالحدود.
ـــــــ
"تنبيه" قوله: وإن أكل ثم جامع فالخلاف,
انتهى. لعله أراد به الخلاف الذي في الوطء
الذي يلزمه الإمساك "في" المسألة التي قبلها,
وقد قطع أكثر الأصحاب بوجوب الكفارة على
الواطئ بعد الأكل.
"مسألة 9" قوله: وإن جامع في يومين فإن كفر عن
الأول كفر عن الثاني.
ـــــــ
1 ليست في "ب".
(5/48)
قال صاحب
المحرر: فعلى قولنا بالتداخل لو كفر بالعتق في
اليوم الأول عنه ثم في اليوم الثاني عنه ثم
استحقت الرقبة الأولى, لم يلزمه بدلها وأجزأته
الثانية عنهما, ولو استحقت الثانية وحدها لزمه
بدلها, ولو استحقتا جميعا أجزأه بدلهما رقبة1
واحدة, لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل
أداء موجب الأول2, ونية التعيين لا تتغير
فتلغو وتصير كنية مطلقة, هذا قياس مذهبنا,
وقاله الحنفية, وهو مذهب المالكية في نظيره,
وهو كل موضع قضى فيه بتداخل الأسباب في
الكفارة إذا نوى
ـــــــ
وكذا إن لم يكفر عن الأول, في اختيار ابن حامد
والقاضي وغيرهما, وحكاه ابن عبد البر عن أحمد
وظاهر كلام الخرقي كفارة واحدة, واختاره أبو
بكر وابن أبي موسى, انتهى, وأطلقهما في
الهداية والفصول والمغني3 والكافي4 والمقنع5
والهادي والشرح6 وشرح ابن منجى والنظم
والزركشي وغيرهم,
ـــــــ
1 في "ب" "وفيه".
2 في ألأصل: "الأولى".
3 "4/386".
4 "2/249".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/458".
6 ليست في "د".
(5/49)
التكفير عن
بعضها فإنه يقع عن جميعها, مثل من قال
لزوجاته: أنتن علي كظهر أمي ثم وطئ واحدة وكفر
عنها أجزأه عن الكل, ونحو ذلك ووجدت أنا في
كلام الحنفية: لو أطعم إلا فقيرا فوطئ أطعمه
فقط عنهما, كحد القذف عندهم.
وإن جامع دون الفرج فأمنى وعبارة بعضهم:
فأفطر, وفيها نظر فعنه1: يكفر, اختاره الخرقي
وأبو بكر وابن أبي موسى والأكثر "و م" كالوطء
في الفرج, والفرق واضح, وعنه: لا كفارة عليه
"و هـ ش" اختاره جماعة, منهم صاحب النصيحة
والمغني2 والمحرر,
ـــــــ
أحدهما يلزمه كفارتان, وهو الصحيح, اختاره ابن
حامد والقاضي في خلافه وجامعه وروايتيه,
والشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في خلافيهما,
وابن عبدوس في تذكرته, ونصره المجد في شرحه,
قال في الخلاصة: لزمه كفارتان, في الأصح, قال
في المذهب ومسبوك الذهب: هذا المشهور في
المذهب, قال في التلخيص: هذا أصح الوجهين, قال
في تجريد العناية: لزمه ثنتان, في الأظهر,
وجزم به في الإيضاح والإفادات والمنور ومنتخب
الآدمي وغيرهم, وقدمه في المذهب ومسبوك الذهب
والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
والوجه الثاني لا يلزمه إلا كفارة واحدة, وهو
ظاهر كلام الخرقي, اختاره أبو بكر وابن أبي
موسى, قال في المستوعب: واختاره القاضي, وقدمه
هو3 وابن رزين في شرحه.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 "4/383 – 374".
3 ليست في "ص".
(5/50)
وهي أظهر "م
10" وعلى الأول: الناسي كالعامد, ذكره في
التبصرة, ويدل عليه اعتباره بالفرج, وقال صاحب
المغني1 والروضة وغيرهما: عامدا.
وكذا إذا أنزل المجبوب بالمساحقة. وكذا
امرأتان2 إن قلنا يلزم المطاوعة كفارة, وإلا
فلا كفارة.
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: وإن جامع دون الفرج فأمنى
وعبارة بعضهم: فأفطر, وفيها نظر فعنه: يكفر
اختاره الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى
والأكثر, كالوطء في الفرج, والفرق واضح, وعنه:
لا كفارة "عليه" اختاره جماعة, منهم صاحب
النصيحة والمغني1 والمحرر, وهي أظهر, انتهى
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والكافي3 والتلخيص والمحرر
والرعايتين وغيرهم:
إحداهما لا تجب الكفارة, وهي الصحيحة على ما
اصطلحناه, اختاره صاحب
ـــــــ
1 "4/372".
2 بعدها في "س" "و".
3 "4/376".
(5/51)
والقبلة واللمس
ونحوهما كالوطء دون الفرج, في رواية اختارها
القاضي "و م" وفي رواية: لا كفارة, اختارها
الأصحاب1 "و".
ونص أحمد: إن قبل فمذى لا يكفر "م 11" وإن كرر
النظر فأمنى فلا كفارة "م" كما لو لم يكرره
"و" وعنه: بلى, كاللمس, وأطلق في الهداية
وغيرها الروايتين, وقيل: إن أمنى بفكرة أو
نظرة واحدة عمدا أفطر, وفي الكفارة وجهان.
وسبق حكم من جامع في يوم رأى الهلال في ليلته
وردت شهادته, وجماع المسافر والمريض.
ويختص وجوب الكفارة برمضان "و" لأن غيره لا
يساويه, خلافا لقتادة في قضائه فقط. وفي
الرعاية قول يكفر إن أفسد قضاء رمضان,
ـــــــ
النصيحة والمغني2 والخلاصة والمحرر والشرح3
والفائق وغيرهم, قال ابن رزين في شرحه: وهي
أصح, قال المصنف هنا: وهي أظهر, وقدمها في
النظم.
والرواية الثانية تجب الكفارة, اختارها
الأكثر, كما قال المصنف, منهم الخرقي وأبو بكر
وابن أبي موسى والقاضي, قال الزركشي: هي
المشهورة من الروايتين, حتى إن القاضي في
التعليق لم يذكر غيرها, وجزم به في الوجيز
والإفادات وغيرهما, وقدمه في الفائق وشرح ابن
رزين وغيرهما.
"مسألة 11" قوله: والقبلة واللمس ونحوهما
كالوطء دون الفرج, في رواية اختارها القاضي.
وفي رواية: لا كفارة, اختارها الأصحاب, ونص
أحمد: إن قبل
ـــــــ
1 ليسن في "ب".
2 "4/372".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/452".
(5/52)
وسبق أول الباب
هل تختص بالجماع1.
ـــــــ
فمذى لا يكفر. انتهى. ما اختاره القاضي جزم به
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والتلخيص والمحرر والإفادات وغيرهم. وقال في
الرعاية الكبرى: ومن باشر دون الفرج بوطء أو
قبلة أو لمس أو استمناء أو تكرار نظر فمذى أو
أمنى ببعض ذلك بطل صومه مطلقا. وفي الكفارة
روايات, الوجوب, وعدمه, والثالثة: يجب في
الوطء المذكور فقط, وكذا قال المجد في شرحه,
وصاحب الحاوي الكبير. وقال في الرعاية الصغرى:
ومن وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس أو كرر النظر
فأمنى أفطر مطلقا, وفي الكفارة روايتان, وقيل
من أمنى ناسيا بقبلة أو لمس أو تكرار نظر لم
يفطر, وكذا قال في الحاوي الصغير, فالمقدم في
الرعاية الصغرى والحاوي الصغير أن القبلة
واللمس ونحوهما كالوطء دون الفرج, كما اختاره
القاضي, وأطلق الخلاف كالمصنف المجد وابن
حمدان في الرعاية الكبرى وصاحب الحاوي الكبير.
والرواية الثانية لا كفارة في ذلك, وهو
الصحيح. قال المصنف هنا: اختارها الأصحاب,
وقدمها في المغني2, قال الشارح: وفي الكفارة
روايتان, أصحهما لا تجب, نقلها الأثرم وأبو
طالب, واختارها الخرقي وأبو بكر وابن أبي
موسى, واختارها من اختار عدم وجوب الكفارة
بالوطء دون الفرج.
"تنبيه" الذي يظهر أن في كلام المصنف نظرا من
أوجه:
أحدها كونه خصص القاضي بإلحاق القبلة واللمس
ونحوهما بالوطء دون الفرج, والحاصل أن كثيرا
من الأصحاب قال بمقالته وقطع بها.
الثاني نسبة القول الثاني إلى الأصحاب, وكثير
من الأصحاب على خلاف ذلك, بل أكثرهم, ولم نر
أحدا غيره نسب ذلك إليهم مثل صاحب المغني3
والمجد في
ـــــــ
1 ص "14".
2 "4/376".
3 "4/374".
(5/53)
والكفارة على
الترتيب, فيجب عتق رقبة, فإن لم يجدها صام
شهرين متتابعين, فإن 1لم يستطع1 أطعم ستين
مسكينا, مثل2 كفارة الظهار, في ظاهر المذهب "و
هـ ش" ويأتي فيها اعتبار سلامة الرقبة وكونها
مؤمنة, ولا يحرم هنا الوطء قبل التكفير, ولا
في ليالي صوم الكفارة, ذكره في الرعاية, وأظنه
في التلخيص وغيره, ككفارة القتل, ذكره فيها3
القاضي وأصحابه, وحرمه ابن الحنبلي في كتابه
أسباب النزول, عقوبة, وعنه: إنها على التخيير
بين العتق والصيام والإطعام, فبأيها كفر أجزأه
"و م ر" لأن في الصحيحين4 من حديث مالك عن
الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن
رجلا أفطر في رمضان, فأمره النبي صلى الله
عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة. وفيهما من حديث
ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أفطر في
رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو
يطعم ستين مسكينا, وتابعهما أكثر من عشرة,
وخالفهم أكثر من ثلاثين, فرووه عن الزهري بهذا
الإسناد أن إفطار ذلك الرجل كان بجماع, وأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "هل تجد ما
تعتق رقبة؟" قال: لا, قال: "هل تسطيع أن تصوم
شهرين متتابعين؟" . قال: لا, قال: "هل تجد
ـــــــ
شرحه والشارح والزركشي وغيرهم, بل الذي اختار
الفرق الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى وناس من
المتأخرين.
الثالث كونه نسب القول الأول إلى القاضي, ولم
يذكر عنه غيره, وقد قال في
ـــــــ
1 1 في "ب" و"س" "لم يجد".
2 في "ب" "قيل".
3 ليست في "س".
4 لم نجد رواية التخيير عند البخاري وأخرجهما
مسلم "1111" "83" و"84".
(5/54)
ما تطعم ستين
مسكينا؟" قال: لا. ثم جلس فأتي للنبي صلى الله
عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: "تصدق بهذا" .
قال: على أفقر منا؟ قال: "اذهب فأطعمه أهلك"
وفي أوله: هلكت يا رسول الله, قال: "وما
أهلكك" ؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. متفق
عليه1, وهو أولى, لأنه لفظ النبي صلى الله
عليه وسلم, ومشتمل على زيادة, ورواه الأكثر,
وللدارقطني2: هلكت وأهلكت. وضعف هذه الزيادة
البيهقي, وصنف الحاكم ثلاثة أجزاء في إبطالها.
ولأبي داود3 بإسناد جيد من حديث هشام بن سعد
عن الزهري عن أبي سلمة عنه "وصم يوما مكانه"
وقال: فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا,
وله4 من حديث عائشة: فيه عشرون صاعا, وهشام
تكلم فيه, وروى له مسلم, وتابعه عبد الجبار بن
عمر في الصوم, وهو ضعيف, ورواه
ـــــــ
التعليق: إن الكفارة تجب بالوطء دون الفرج
قولا واحدا, وخص الروايتين باللمس والقبلة
ونحوهما, كما حكاه المصنف عن الأصحاب, مع أن
المصنف جعل الوطء دون الفرج والقبلة واللمس
ونحوها على حد سواء فيما إذا كان محرما في
الحج.
فهذه إحدى عشرة مسألة قد يسر الله تعالى
بتصحيحها.
ـــــــ
1 البخاري "1936" ومسلم "1111" "81".
2 في العلل "10/232".
3 في سننه "2393".
4 أي ولأبي داود في سننه "2395".
(5/55)
ابن ماجه1,
وتابعه أبو أويس عن الزهري عن حميد وفيه كلام,
روى ذلك الدارقطني2 وتابعه إبراهيم بن سعد عن
الليث عن الزهري. وبحر بن كثير3 عن الزهري,
ذكره البيهقي4, وأشار هو وغيره إلى صحة5 هذه
الزيادة6, والله أعلم, وعن ابن عباس: عتق رقبة
أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا7, وعن
8الحسن: عتق رقبة أو إهداء بدنة أو إطعام
عشرين صاعا أربعين مسكينا8, وعن عطاء نحوه,
ولمالك في الموطإ9 عن عطاء الخراساني عن ابن
المسيب مرسلا نحوه, ولم يذكر عدد المساكين,
وفيه: وصم يوما. ومذهب "م" هذه الكفارة إطعام
فقط, كذا قال. والإطعام كما يأتي في كفارة
الظهار10 إن شاء الله تعالى.
وإن قدر على العتق في الصيام لم يلزمه
الانتقال, نص عليه, ويلزم من قدر قبله, ويأتي
ما يتعلق بذلك في الظهار.
وتسقط هذه الكفارة بالعجز, في ظاهر المذهب, نص
عليه "و ق"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "1671".
2 في العلل "10/232".
3 في النسخ الخطية و"ط": كثير ولعل الصواب ما
أثبته وهو بحر بن كنيز النعروف بـ: السقاء.
تهذيب الكمال "4/12".
4 في السنن الكبرى "4/226".
5 لييت في الأصل,
6 في "ب" الرواية.
7 أورده ابن عبد البر في الاستذكار "10/102".
8 8 ليست في "س".
9 "1/207".
10 "9/167".
(5/56)
زاد بعضهم:
بالمال, وقيل: والصوم كذا قال, لأنه عليه
السلام لم يأمر الأعرابي بها أخيرا, ولم يذكر
له بقاءها في ذمته, وكصدقة الفطر, وعنه: لا
تسقط "و هـ ش" لأنه صلى الله عليه وسلم أمر
بها الأعرابي لما جاءه العرق بعدما أخبره
بعسرته, ولعل هذه الرواية أظهر.
قال بعضهم: فلو كفر غيره عنه بإذنه وقيل: أو
دونها فله أخذها. وعنه: لا يأخذها. وأطلق ابن
أبي موسى: هل يجوز له أكلها أم كان خاصا بذاك
الأعرابي؟ على روايتين, ويتوجه احتمال أنه صلى
الله عليه وسلم رخص
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
(5/57)
للأعرابي فيه
لحاجته, ولم يكن كفارة.
ولا تسقط غير هذه الكفارة بالعجز, مثل كفارة
الظهار واليمين
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
(5/58)
وكفارات الحج
ونحو ذلك, نص عليه, قال صاحب المحرر وغيره
وعليه أصحابنا لعموم أدلتها حالة الإعسار,
ولحديث سلمة بن صخر1 في الظهار, ولأنه القياس
خولف في رمضان للنص2, كذا قالوا: للنص, وفيه
نظر, ولأنها لم تجب بسبب الصوم, قال القاضي
وغيره: وليس الصوم سببا للكفارة وإن لم تجب
إلا بالصوم والجماع, لأنه لا يجوز اجتماعهما.
وعنه: تسقط, ومذهب "ش" هي كرمضان, إلا جزاء
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هو سلمة بن صخر بن الصمة الأنصاري الخزرجي
المدني له صحبة وهو أحد البكائين وحديثه أخرجه
أبو داود "2213" والترمذي "1200" وابن ماجه
"2062" قال: كنت امرأ أصيب من النساء ما لا
يصيب غيري... وفيه بعدها ذكر رسول الله صلى
الله عليه وسلم عدم استطاعته للعتق والصيام
والصدقة قال له عليه الصلاة والسلام: "اذهب
إلى صاحب صداقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك
فأطعم عنك منها...."
2 في "ب" "النص".
(5/59)
الصيد, لأن فيه
معنى العقوبة والغرامة, وذكر غير واحد أنه
تسقط كفارة وطء الحائض بالعجز, على الأصح,
وعنه: بالعجز عن كلها, لأنه لا بدل فيها. وقال
ابن حامد: تسقط مطلقا, كرمضان. وأكله الكفارات
بتكفير غيره عنه كرمضان, وعنه: تختص بالوطء في
رمضان, اختاره أبو بكر.
وإن ملكه ما يكفر به وقلنا له أخذه هناك فله
هنا أكله, وإلا أخرجه عن نفسه. وقيل: هل له
أكله أو يلزمه التكفير به؟ على روايتين.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
(5/60)
باب حكم قضاء الصوم وغيرة وما يتعلق به
باب حكم قضاء
الصوم وغيرة وما يتعلق به
...
باب حكم قضاء الصوم وغيره وما يتعلق بذلك
يستحب التتابع في قضاء رمضان "و" قال
البخاري1: قال ابن عباس: لا بأس أن يفرق, لقول
الله عز وجل {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
[البقرة: 184] وعن ابن عمر مرفوعا "قضاء رمضان
إن شاء فرق وإن شاء تابع" رواه الدارقطني2
وقال: لم يسنده غير سفيان بن بشر, قال صاحب
المحرر: لا نعلم أحدا طعن فيه, والزيادة من
الثقة مقبولة. وللدارقطني3 من رواية الواقدي
وهو ضعيف عن عبد الله بن عمر: وسئل النبي صلى
الله عليه وسلم عن قضاء رمضان قال: "يقضيه
تباعا وإن فرقه أجزأه" . وله4 أيضا وقال إسناد
حسن5 عن ابن المنكدر6 مرسلا قال: "ذلك إليك,
أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم
والدرهمين ألم يكن قضاء؟ فالله أحق أن يعفو
ويغفر" . وخبر أبي هريرة "فليسرده ولا يقطعه"
رواه ابن المنذر والدارقطني3 من رواية عبد
الرحمن بن إبراهيم القاص7,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه باب متى يقضي قضاء رمضان قبل حديث
"1950".
2 في سننه "2/193".
3 في سننه "2/192".
4 أي للدارقطني في سننه "2/194".
5 في "ب" "جيد".
6 في "ب" "المنذر".
7 في "ب" "القاضي".
(5/61)
ضعفه ابن معين
والدارقطني, وقواه أحمد وغيره, فإن صح
فللاستحباب, وقول عائشة نزلت "فعدة من أيام
أخر متتابعات" فسقطت "متتابعات" رواه
الدارقطني1 وقال: إسناد صحيح يصلح لسقوط الحكم
والتلاوة, فيحمل عليهما, ولأنه وقت موسع له
كصوم المسافر أداء, وإنما لزم التتابع فيه في
صوم مقيم لا عذر له للفور, وتعيين الوقت لا
لوجوب التتابع في نفسه, فنظيره لو لم يبق من
شعبان إلا ما يتسع له, وفي التتابع خروج من
الخلاف, وهو أنجز لبراءة الذمة, وأشبه
بالأداء, فكان أولى, وذكر القاضي في الخلاف في
الزكاة على الفور: أن قضاء رمضان على الفور,
واحتج بنصه في الكفارة, ويجوز أن يقال: القضاء
على التراخي, واحتج بنصه فيه, كذا ذكر. وقال
صاحب المحرر: يجوز تأخير قضاء رمضان بلا عذر
ما لم يدرك رمضان ثان, ولا نعلم فيه خلافا,
وعند أكثر الشافعية: إن أفطر بسبب محرم حرم
التأخير, قال في التهذيب لهم: حتى بعذر2
السفر, وأوجب داود المبادرة في أول يوم بعد
العيد, وهل يجب العزم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2/191".
2 بعدها في الأصل "في".
(5/62)
على فعله؟
يتوجه الخلاف في الصلاة ولهذا قال ابن عقيل في
الفصول. في الصلاة: لا ينتفي إلا بشرط العزم
على الفعل في ثاني الوقت, قال: وكذا كل عبادة
متراخية.
قال في مسلم1: الصحيح عند محققي الفقهاء وأهل
الأصول فيه وفي كل واجب موسع إنما يجوز تأخيره
بشرط العزم على فعله.
وعن علي وابن عمر2 وعروة والحسن والشعبي
والنخعي: يجب التتابع, وكذا قال داود
والظاهرية: يجب ولا يشترط للصحة كأدائه, وأجاز
جماعة من الصحابة3 وغيرهم الأمرين, قال
الطحطاوي: لا فضل للتتابع على التفريق, لأنه
لو أفطر يوما من رمضان يقضيه بيوم ولا يستحب
له قضاء شهر.
ومن فاته رمضان تاما أو ناقصا لعذر أو غيره
قضى عدد أيامه مطلقا اختاره جماعة منهم صاحب
المحرر والمغني والمستوعب "و هـ ش" كأعداد
الصلوات, وعند القاضي: إن قضى شهرا هلاليا
أجزأه
ـــــــ
"تنبيه" قوله: و هل يجب العزم على فعله يعني
فعل الصوم يتوجه الخلاف في الصلاة, انتهى,
يعني هل يجب العزم على فعل الصوم المقضي قبل
الدخول فيه أو لا يجب؟ يتوجه أنه كالعزم على
الصلاة إذا دخل وقتها قبل فعلها, وفيه في
الصلاة وجهان, والصحيح من المذهب وجوب العزم
على فعل الصلاة, وقد قدمه المصنف في كتاب
الصلاة من هذا الكتاب, فيكون الصحيح في الصوم
كذلك على هذا التوجيه, والله أعلم, وقد ذكر
المصنف كلام ابن عقيل.
ـــــــ
1 "8/23".
2 أخرجهما البيهقي في السنن الكبرى "4/259".
3 مر آنفا.
(5/63)
مطلقا, وإلا
تمم ثلاثين يوما, وهو ظاهر 1الخرقي, وذكره
صاحب المحرر1 ظاهر كلام أحمد, وقاله الحسن بن
صالح وبعض الشافعية, وحكي عن مالك. فعلى
الأول: من صام من أول شهر كامل أو من أثناء
شهر تسعة وعشرين يوما وكان رمضان الفائت ناقصا
أجزأه عنه اعتبارا بعدد الأيام. وعلى الثاني:
يقتضي يوما تكميلا للشهر بالهلال أو العدد
ثلاثين "يوما".
ويحرم تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بلا عذر
"و" نص عليه, واحتج بقول عائشة رضي الله عنها:
ما كنت أقضي ما علي من رمضان إلا في شعبان,
لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم2. وكما لا
تؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية, فإن فعل أطعم
عن كل يوم مسكينا "و م ش" رواه سعيد بإسناد
جيد عن ابن عباس, ورواه الدارقطني3 عن أبي
هريرة وقال: إسناد صحيح, ورواه4 مرفوعا بإسناد
ضعيف, وذكره غيره5 عن جماعة من الصحابة, ولا
أحسبه يصح عنهم, ويتوجه احتمال: لا يلزمه
إطعام "و هـ" لظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وكتأخير
أداء رمضان عن وقته عمدا, وذكر الطحطاوي من
رواية عبد الله العمري وفيه ضعف عن عبد الله
بن عمر:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في "ب".
2 أخرجه البخاري "1950" ومسلم "1146" "151".
3 في سننه "2/197".
4 أي الدارقطني في سننه "2/196".
5 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/253" عن
ابن عباس في رجل أدركه رمضان وعليه آخر قال:
يصوم هذا ويطعم عن ذك كل يوم مسكينا ويقضيه.
(5/64)
يطعم بلا
قضاء1.
ويطعم ما يجزئ كفارة "و", ويجوز قبل القضاء
ومعه وبعده, لقول ابن عباس: فإذا قضى أطعم.
رواه سعيد بإسناد جيد, قال صاحب المحرر:
الأفضل تقديمه عندنا, مسارعة إلى الخير,
وتخلصا من آفات التأخير. ومذهب "م" الأفضل
معه.
وإن أخره بعد رمضان ثان فأكثر لم يلزمه لكل
سنة فدية, لأنه إنما لزمه لتأخيره عن وقته
وقول الصحابة. وللشافعية وجهان.
ومن دام عذره بين الرمضانين فلم يقض ثم زال
صام الشهر الذي أدركه ثم قضى ما فاته ولا
يطعم, نص عليه "و" وعن ابن عباس2 وأبي هريرة3
وسعيد بن جبير وقتادة: يطعم بلا قضاء. فعلى
قولنا إن كان أمكنه قضاء البعض قضى الكل وأطعم
عما أمكنه صومه. وإن أخر القضاء حتى مات فإن
كان لعذر فلا شيء عليه, نص عليه "و" لعدم
الدليل. وفي التلخيص رواية: يطعم عنه, كالشيخ
الهم4, والفرق أنه يجوز ابتداء الوجوب عليه,
بخلاف الميت. وقال في الانتصار: يحتمل أن يجب
الصوم عنه أو التكفير, كمن نذر صوما. وقال في
الرعاية: إن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7623" من طريق
معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: من
تتابعه رمضان آخر وهو مريض لم يصح قضى الآخر
منهما بصيام وقضى الأول منهما بإطعام مد من
حنطة ولم يصم.
2 الاستذكار "10/227".
3 أورده البيهقي في السنن الكبرى "4/253".
4 في "ب" "الهرم".
(5/65)
أخره الناذر
لعذر حتى مات فلا فدية. على الأصح, ذكره عقب
الحج, وإنما مراده والله أعلم الصوم.
وإن كان تأخير قضاء رمضان لغير عذر فإن مات
قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل1 يوم
مسكين "و" رواه الترمذي2 عن ابن عمر مرفوعا
بإسناد ضعيف, وقال: الصحيح عن ابن عمر موقوف.
وسئلت عائشة عن القضاء قالت: لا بل يطعم, رواه
سعيد بإسناد جيد, وكذا قال ابن عباس3, وإنه إن
نذر قضى عنه وليه, فالراوي أعلم بما روى.
قال الأصحاب: ولأنه لا تدخله النيابة في
الحياة, فكذا بعد الموت, كالصلاة. وقال في
الانتصار في مسألة صحة الاستنابة في الحج عند
طريان العضب والكبر على من وجب عليه: وإنه إذا
حج النائب وقع الحج عن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "بكل"
2 في السنن "718".
3 أخرجه أبو داود "2451" أن ابن عباس قال: إذا
مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه
ولم يكن عليه قضاء وإن كان عيه نذر قضى عنه
وليه.\
(5/66)
المستنيب "و م
ش" ومذهب "هـ" يقع الحج تطوعا, ولا يقع عن
المستنيب إلا ثواب النفقة, فنحن نقول: أقيم حج
نائبه مقام حجه, ففعل الغير للحج بدل عن فعله
فيما1 يبذل, إلا المؤدي وهو الفاعل, وعندهم
البدل هو سعيه بما له في تحصيل حج الغير,
فالبدل عنده متبدل ليس هو فعل الحج, وإنما هو
بذل المال لتحصيل حج النائب حتى لو تبرع أجنبي
وحج عنه بإذنه لم يجز عنه, لأن السعي ببذل
المال مفقود, فالواجب المؤدي هو المبتذل2.
واحتج لهم بأن سائر العبادات لا تصح النيابة
فيها, وقال: فأما سائر العبادات فلنا رواية أن
الوارث ينوب عنه في جميعها من الصوم والصلاة,
ولا يختلف المذهب في نيابة الوارث في الزكاة,
ثم الصوم يقابل فائته عند العجز بالموت
بالإطعام, والصلاة لا يتصور العجز فيها عندنا,
بخلاف الحج, ولأن الزكاة مقصودها تحصيل المال
للفقراء مواساة, وتعاطي التكليف مقصود
للامتحان, فعند العجز يستقل3 بأحد المقصودين
ويلتحق بالدين, والحج الامتحان فيه مقصود,
وفيه مقصود آخر سوى الفعل, فإنه وضع على مثال
حضرة الملوك وحرمتهم وقد يقصد
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "مما".
2 في "ب" "المنبدل".
3 في "س" "يستحل".
(5/67)
الملك أن تكون
عتبته مخدومة بأصحابه, فإن عجزوا فبنوابهم
لإقامة الخدمة. والصلاة لا مقصود فيها إلا محض
التكليف بالفعل امتحانا فإذا فعل غيره "ذلك"
فات كل المقصود, فلم يكن في معنى الدين, يصحح
ما ذكرناه أن الخصم أقام للحج بدلا وإن خالفنا
في صفته, ولم يقم للصلاة بدلا. واحتج لهم أيضا
بالقياس على الصلاة والصيام وقال: قد تقدم
الجواب بالمنع والتسليم, ثم هناك لا يلزم أن
ينوي عن غيره, ولا يؤمر ببذل المال لتحصيل
الصوم والصلاة, ثم ذكر بعدها من بلغ معضوبا
تلزمه الاستنابة, واحتج للمخالفة بالصلاة,
وأجاب بأن الصلاة لا نسلمها ونقول: يصلي عنه
بعد الموت, ثم الصلاة لا يتصور عجزه عنها إلا
أن يموت أو يزول عقله, بخلاف الحج, ولو وصى
بها لم تصل عنه, بخلاف الحج عندهم, ولا مدخل
للمال في جبرانها, والبدل جبران, بخلاف الحج,
ثم هو قياس يعارض النصوص. ثم ذكر بعدها: لا
يصير مستطيعا ببذل غيره, كسائر العبادات, فقيل
له: لا تدخلها النيابة بخلاف الحج, فقال: لا
نسلم, بل النيابة تدخل الصلاة والصيام إذا
وجبت وعجز عنها بعد الموت, فذكر في هاتين
المسألتين النيابة في الصلاة1 والصيام بعد
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "ب".
(5/68)
الموت, وكلامه
في المسألة الأولى, والرواية المذكورة تقتضي:
وفي الحياة أيضا, كالحج, فعلى هذا يتوجه, إن
عجز أن يكبر للصلاة كبر عنه رجل, وقاله إسحاق,
ونقله عن إبراهيم والحكم والله أعلم.
وذكر في عيون المسائل ما ذكره غيره من قياس
النيابة في الحج على الزكاة, ثم قال: ولا يلزم
الصلاة والصيام فإنا إن قلنا تدخلهما النيابة
فإنهما كمسألتنا وإن قلنا لا تدخلهما1 النيابة
قلنا هناك لم يؤمر2 أن ينويهما عن غيره, بخلاف
مسألتنا. ومال صاحب النظم إلى صوم رمضان عنه
بعد موته فقال: لو قيل لم أبعد, فعلى هذا:
الظاهر أن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "تدخله".
2 في "س" "يؤمن".
(5/69)
المراد: لا
يطعم, كقول طاوس وقتادة, ورواية عن الحسن
والزهري, والشافعي في القديم, وأبي ثور وداود;
لقوله عليه السلام: "من مات وعليه صيام صام
عنه وليه" . متفق عليه1 من حديث عائشة, ومعناه
من حديث ابن عباس2, وقد يتوجه احتمال أن
المراد التخيير. وقال في شرح مسلم: من يقول
بالصيام يجوز عنده الإطعام, وقد قال شيخنا: إن
تبرع بصومه عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت
وهما معسران يتوجه جوازه, لأنه أقرب إلى
المماثلة من المال, وكذا عن الأوزاعي والثوري3
رواية: يصومه عن الميت إذا لم يجد ما يطعم
عنه, وكذا ذكر القاضي في صوم النذر نحو قول
شيخنا فذكر ما ذكره الأصحاب أن صوم النذر لا
يفعل عن عاجز في حياته, بل يطعم, ثم جعل هذا
حجة للمخالف في عدم فعله بعد الموت. قال:
والجواب أنه لا يمتنع أن نقول يصح الصوم عنه,
كما نقول في الحج إذا عجز عنه في حال الحياة
يحج عنه, وحكى القاضي عن داود: لا يصام عنه
ولا يطعم, خلاف ما سبق عنه, وذكر القاضي عياض
والشافعية الإجماع أنه لا يصام عن أحد في
حياته. والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "69".
2 أخرجه البخاري "1953" ومسلم "1148" "155" عن
ابن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها
صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمك
دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم قال: "فدين
الله أحق أن يقضى" .
3 في "ب" "النووي".
(5/70)
والإطعام من
رأس ماله, أوصى أو لا "و ش" 1لا أنه1 إنما يجب
من الثلث إن أوصى "هـ م" كالزكاة على أصلهما.
وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فأكثر2 أجزأه
إطعام مسكين لكل يوم, نص عليه, وقيل: لكل يوم
فقيران, لاجتماع التأخير والموت بعد التفريط.
قال أحمد رحمه الله فيما رواه أبو هريرة3
مرفوعا: "من أفطر يوما من رمضان من غير عذر لم
يجزئه صيام الدهر ولو صامه" لا يصح, وإنما
يريد نفس يوم من رمضان لا يكون, وكذا ضعفه غير
واحد.
ولا يلزمه عن يوم سوى يوم "و" وعند شيخنا: لا
يقضي متعمد بلا عذر "خ" صوما ولا صلاة, قال:
ولا يصح منه, وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا
بل يوافقه وضعف أمره عليه السلام المجامع
بالقضاء4, لعدول البخاري ومسلم عنه.
ولا يجزئ صوم كفارة عن ميت وإن أوصى به, نص
عليه "و" خلافا لأبي ثور, وعلله القاضي بأنه
يجب على طريق العقوبة, لارتكاب مأثم, فهي
كالحدود5, فإن كان موته بعد قدرته عليه وقلنا
الاعتبار
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1في "س" "لأنه".
2 ليست في "ب".
3 أورده البخاري تعليقا قبل حديث "1935" قال:
ويذكر عن أبي هريرة رفعه وأخرجه أبو داود في
سننه "2396" والترمذي في سننه "723" وابن ماجه
في سننه "1672".
4 تقدم نصه وتخريجه ص "55" وما بعدها.
5 في "ب" "كامحدود".
(5/71)
بحالة 1الوجوب1
أطعم عنه2 ثلاثة مساكين لكل يوم مسكين, ذكره
القاضي.
ولو مات وعليه صوم شهر من كفارة أطعم عنه
أيضا, نقله حنبل, ففيه جواز الإطعام عنه بعض
صوم الكفارة, لأن الإطعام هنا ليس هو بالمأمور
به في الكفارة, لكنه بدل الصوم ولو مات وعليه
صوم المتعة يطعم عنه أيضا, نص عليه, قال
القاضي: لأن هذا الصوم وجب بأصل الشرع, كقضاء
رمضان.
وصوم النذر عن الميت كقضاء رمضان, على ما سبق
عند الكل "و" واختاره ابن عقيل, ونص أحمد
وعليه الأصحاب: يفعله الولي عنه بخلاف رمضان,
وفاقا لليث وأبي عبيد وإسحاق. وسبق قول ابن
عباس3.
ويجوز أن يصوم غير الولي بإذنه وبدونه, جزم به
القاضي والأكثر,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1في "ب" "بحاله للوجوب".
2 ليست في "ب".
3 ص "65 – 66".
(5/72)
لأنه عليه
السلام شبهه بالدين1, وقيل: لا يصح إلا بإذنه
"و ش" لأنه خلاف القياس, فلا يتعدى النص, وذكر
صاحب المحرر أنه ظاهر نقل حرب, يصوم أقرب
الناس إليه: ابنه أو غيره, فيتوجه: يلزم من
الاقتصار على النص: لا يصوم بإذنه, وكذا
الوجهان في الحج, واختار عدم الصحة فيه في
الانتصار, كحال الحياة, واختار صاحب الفصول
والمحرر الصحة, لعدم استفصاله عليه السلام.
وهل يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد ويجزئ عن
عدتهم من الأيام؟ نقل أبو طالب: يصوم واحد,
قال في الخلاف: فمنع الاشتراك كالحجة المنذورة
تصح النيابة فيها من واحد لا من جماعة. وحكى
أحمد
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 سبق تخريجه ص "70".
(5/73)
عن طاوس
الجواز, وحكاه البخاري1 عن الحسن, وهو أظهر,
واختاره صاحب شرح المهذب من الشافعية وقال: لم
يذكر المسألة أصحابهم, واختاره صاحب المحرر "م
1" وحمل ما سبق على صوم شرطه2 التتابع, وتعليل
القاضي يدل عليه, فإن ما جاز تفريقه كل يوم
كحجة مفردة, فدل ذلك أن من أوصى بثلاث حجج
جاز3 صرفها إلى ثلاثة يحجون عنه في سنة واحدة,
وجزم ابن عقيل بأنه لا يجوز, لأن نائبه مثله,
وليس له أن
ـــــــ
"مسألة 1" قوله في صوم النذر عن الميت: "ويجوز
أن يصوم غير الولي بإذنه وبدونه, جزم به
القاضي والأكثر. وقيل: لا يصح إلا بإذنه. وكذا
الوجهان في الحج" , ثم قال بعد ذلك: وهل يجوز
صوم جماعة عنه في يوم واحد ويجزئ عن عدتهم من
الأيام؟ نقل أبو طالب: يصوم واحد. قال في
الخلاف: فمنع الاشتراك, كالحجة المنذورة تصح
النيابة فيها من واحد لا من جماعة. وحكى أحمد
عن طاوس الجواز. وهو أظهر واختاره صاحب
المحرر, انتهى. ما اختاره المجد هو
ـــــــ
1 في صحيحه تعليقا قبل حديث "1952".
2 في "س" "شرط".
3 في "س" "صار".
(5/74)
يحج ثلاث حجات
في عام واحد, وذكره في الرعاية قولا, ولم يذكر
قبله ما يخالفه, وذكره في فصل استنابة المغصوب
من باب الإحرام, وهو قياس ما ذكره القاضي في
الصوم, وهو لم يفرق بينهما, ولا فرق. ويأتي في
تفريق الاعتكاف. ويستحب للولي فعله عنه, ولا
يجب "و" خلافا للظاهرية, كالدين لا يلزمه إذا
لم يكن "له" تركة, وله أن يصوم, وله أن يدفع
إلى من يصوم عنه من تركته عن كل يوم مسكينا,
فإن لم تكن "له" تركة لم يلزمه شيء.
قال القاضي وغيره: كالحج الوارث بالخيار بين
الحج بنفسه وبين دفع نفقة إلى من يحج عنه.
وقال صاحب المحرر: إن القاضي في المجرد لم
يذكر أن الورثة إذا امتنعوا يلزمهم استنابة
ولا إطعام. وذكر في المستوعب وغيره أن مع عدم
صوم الورثة يجب إطعام مسكين من ماله عن كل
يوم, ومع صوم الورثة لا يجب, وجزم الشيخ في
مسألة من نذر صوما فعجز عنه أن صوم النذر لا
إطعام فيه بعد الموت, بخلاف رمضان, ولم أجد في
كلامه خلافه.
ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام, واختار
شيخنا أن الصوم عنه بدل مجزئ بلا كفارة, ويأتي
كلامهم في الصلاة المنذورة, وسبق
ـــــــ
الصحيح, واختاره المصنف هنا, وقدمه الزركشي.
والرواية الثانية يصوم واحد, وهو ظاهر كلام
القاضي في الخلاف.
(5/75)
كلامه1 في
الانتصار في تأخير قضاء رمضان لعذر, وأوجبها
في المستوعب, قال: كما لو عين بنذره صوم شهر
فلم يصمه فإنه يجب القضاء والكفارة. وفي
الرعاية كالمستوعب, فإنه قال: إن لم يقضه عنه
ورثته أو غيرهم أطعم عنه من تركته لكل يوم
فقير مع كفارة يمين, وإن قضى كفته كفارة يمين
وعنه. مع العذر المتصل بالموت. وهذه الرواية
والله أعلم هي رواية حنبل, فإنه نقل: إذا نذر
صوم شهر فحال بينه مرض أو علة حتى يموت صام
عنه وليه وأطعم لكل يوم مسكينا, لتفريطه, هذا
كله فيمن أمكنه صوم ما نذره فلم يصمه ومات,
ولو أمكنه صوم بعض ما نذره قضى عنه ما أمكنه
صومه فقط "و م" ذكره القاضي
ـــــــ
"تنبيه" مراده بقوله2 "وكذا الوجهان في الحج"
المذكوران في صوم غير الولي بغير إذنه اللذان
في أول المسألة.
ـــــــ
1 في "ط" "كلامهم".
2 تقدم ص "72".
(5/76)
وبعض أصحابنا,
ذكره صاحب المحرر, وذكره ابن عقيل أيضا, لأن
رمضان يعتبر فيه إمكان الأداء, والنذر يحمل
على أصله في الفرض. وأجاب القاضي بأنا لا نسلم
أن النذر المطلق يثبت في ذمته مطلقا, بل بشرط
الإمكان, كالنذر المعلق بشرط, والنذر في حال
المرض, وقضاء رمضان; ومذهب "هـ ش" يلزم أن
يقضي عنه كله, لثبوته في ذمته صحيحة في الحال,
كالكفارة, بخلاف من دام مرضه حتى مات لأنه لا
ذمة له يثبت فيها الصوم, وذكر القاضي في مسألة
الصوم عن الميت: أن من نذر صوم شهر وهو مريض
ومات قبل القدرة عليه يثبت الصيام في ذمته,
ولا يعتبر إمكان الأداء, ويخير وليه 1بين أن1
يصوم عنه أو ينفق على من يصوم; وفرق بينهما
بأن النذر محله الذمة, فلا يعتبر فيه إمكان
الأداء كالكفارة, وذكر نص أحمد في رواية عبد
الله في رجل مرض في رمضان: إن استمر به المرض
حتى مات ليس عليه شيء, وإن كان نذرا صام عنه
وليه إذا "هو" مات. قال: وأومأ إليه في رواية
الميموني والفضل وابن منصور, واختار صاحب
المحرر أنه يقضي عن الميت ما تعذر فعله بالمرض
دون المتعذر بالموت, لأن النذر وإن تعلق
بالذمة يتعلق بالأيام الآتية بعد النذر, فإذا
مات قبل مضي المدة المقدرة تبينا أن قدر ما
بقي منها صادف نذره حالة موته, وهو يمنع
الثبوت في ذمته, كما لو نذر صوم شهر معين فمات
قبله أو جن ودام جنونه حتى انقضى, بخلاف القدر
الذي أدركه حيا وهو
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1في "س" "بأن".
(5/77)
مريض, لأن
المرض لا ينافي ثبوت الصوم في الذمة, بدليل
أنه يقضي رمضان, ويقضي من نذر صوم شهر بعينه
فلم يصمه لمرض1, وإذا ثبت في ذمة المريض
والنيابة تدخله بعد الموت فلا معنى لسقوطه به,
وإنما سقط قضاء رمضان لأن النيابة لا تدخله,
ولم يجب الإطعام لأنه وجب عقوبة للتفريط ولم
يوجد. قال: ويؤيد ذلك أمره عليه السلام بقضائه
عن الميت2, ولم يستفصل هل تركه لمرض أو غيره.
هذا كله في النذر في الذمة. فأما إن نذر صوم
شهر بعينه فمات قبل دخوله لم يصم ولم يقض عنه.
قال صاحب المحرر: وهو مذهب سائر الأئمة, ولا
أعلم فيه خلافا, وإن مات في أثنائه سقط باقيه
فإن لم يصمه لمرض حتى انقضى ثم مات في مرضه
فعلى الخلاف السابق فيما إذا كان في الذمة,
وسبق كلامه في الانتصار والرعاية فيما إذا أخر
قضاء رمضان لعذر حتى مات, والله أعلم.
وإن مات وعليه حج منذور فعل عنه, نص عليه "و
ش" لصريح خبر ابن عباس, رواه البخاري وغيره3
من غير وجه, ومن اعتذر عن ترك القول بذلك هنا
أو في الصوم باضطراب الأخبار فهو عذر باطل,
لصحة ذلك عند أئمة الحديث. ومذهب "هـ م"
كقولهما في الزكاة وحج الفرض. وفي الرعاية
قول: لا يصح, كذا قال, ولا يعتبر تمكنه من
الحج في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 سبق في ص "73".
3 تقدم تخريجه ص "70".
(5/78)
حياته, لظاهر
الخبر1, وكنذر الصدقة والعتق, وهذا مذهب "هـ"
لكن الواجب عنده الإيصاء بقضائه, وقيل: يعتبر
"و ش" كحجة الإسلام, قال صاحب المحرر: هذه
المسألة شبيهة بمسألة أمن الطريق وسعة الوقت
هل هو في حجة الفرض شرط للوجوب أو للزوم
الأداء؟ والله أعلم. وكذا العمرة. وإن مات
وعليه اعتكاف منذور فعل عنه, نقله الجماعة "و
ق" ونقل ابن إبراهيم وغيره: ينبغي لأهله أن
يعتكفوا عنه.
قال سعد بن عبادة للنبي صلى الله عليه وسلم:
إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه, فقال: "اقضه
عنها" حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي2 من
حديث ابن عباس, ومعناه متفق عليه3, ولأنه يروى
عن عائشة وابن عمر وابن عباس4 ولم يعرف لهم
مخالف من الصحابة وقاسه جماعة على الصوم,
فلهذا في الرعاية قول: لا يصح "و" فيتوجه على
هذا أن يخرج عنه كفارة يمين. ويحتمل أن يطعم
عنه لكل يوم مسكينا "و" ولو لم يوص به
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "70".
2 أبو داود في سننه "3307" والنسائي في
المجتبى "7/21".
3 البخاري "2761" ومسلم "1638" "1" بلفظه لا
بمعناه فقط؟.
4 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/94" عن عامر
ين مصعب أن عائشة اعتكفت عن أختها بعدما مات.
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أمه
نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال
ابن عباس: اعتكف عن أمك.
(5/79)
"هـ م"1 و2
يكون من ثلثه "هـ م" واعتبر بعض الشافعية
اليوم بليلته, واستشكله بعضهم, فإن كل لحظة
عبادة, وما قاله محتمل, وعلى الأول إن لم
يمكنه فعله حتى مات فالخلاف كالصوم. قيل:
يقضي, وقيل: لا, ويسقط إلى غير بدل "و" فيسقط
عندهم الإطعام الواجب مع التفريط, والله أعلم.
وإن مات وعليه صلاة منذورة فنقل الجماعة: لا
تفعل عنه "و" لأنها عبادة بدنية محضة لا
يخلفها مال ولا يجب بإفسادها, ونقل حرب: تفعل
عنه, اختاره الأكثر, قال القاضي: اختارها أبو
بكر والخرقي, وهي الصحيحة "م 2" رواه أحمد عن
ابن عباس, وذكره البخاري عنه. وعن
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: وإن مات وعليه صلاة منذورة
فنقل الجماعة: لا تفعل عنه ونقل حرب: تفعل
عنه, اختاره الأكثر, قال القاضي: اختارها أبو
بكر والخرقي وهي الصحيحة, انتهى. وأطلقهما في
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والمقنع3 والهادي والتلخيص والبلغة
وشرح المجد ومحرره والشرح4 والرعايتين
والحاويين والفائق والزركشي وغيرهم.
إحداهما تفعل عنه, وهو الصحيح, وعليه الأكثر,
وجزم به في الإفادات والوجيز والمنور ومنتخب
الآدمي, وهو ظاهر ما جزم به في العمدة, وصححه
في التصحيح والنظم وغيرهما, وقدمه في المغني5
وغيره, واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره,
ـــــــ
1 في "س" "م".
2 في الأصل و"س" ولا.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف:7/506".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف:7/11 -
512".
5 "13/655".
(5/80)
ابن عمر1,
وقاله الأوزاعي, وعلى هذا تصح وصيته بها. وحيث
جاز فعل غير الصوم فلا كفارة مع فعله, لظاهر
النصوص, ولأنه قائم مقام فعله شرعا, فكأنه
أداه بنفسه, وإلا أخرج عنه كفارة يمين, لترك
النذر. زاد صاحب المحرر: إن كان قد فرط, وإلا
ففي الكفارة الروايتان فيمن نذر صوم شهر بعينه
فلم يصمه, لأن فوات أيام الحياة فيما إذا أطلق
كفوات الوقت المعين إذا عين, والله أعلم.
ومذهب "هـ" يلزمه أن يوصي بأن يطعم عنه إن
أمكنه فعلها. وقال البغوي الشافعي: لا يبعد2
تخريج الإطعام من الاعتكاف إلى الصلاة, فيطعم
عن كل صلاة مدا, أما صلاة الفرض فلا تفعل,
وسبق الكلام فيها في قضاء رمضان3, وقد قال
القاضي عياض: والشافعية أجمعوا أنه لا يصلي
عنه صلاة فائتة, والله أعلم. قال في الإيضاح:
من نذر4 طاعة فمات فعلت, وكذا في المستوعب:
يصح أن يفعل عنه كل ما كان عليه من "نذر"
طاعة, إلا الصلاة فإنها على روايتين. وقال في
منتهى الغاية: إن قصة سعد بن عبادة المذكورة
تدل على أن كل نذر يقضى, وكذا ترجم
ـــــــ
والرواية الثانية لا تفعل عنه, نقلها الجماعة,
قال ابن منجى في شرحه: هذه أصح, قال في إدراك
الغاية: لا تفعل, في الأشهر, قال في نظم
النهاية: لا تفعل, في الأظهر.
ـــــــ
1 ذكرهما البخاري تعليقا قبل حديث "6698".
2 في "س" "يتعد".
3 ص "68".
4 ليست في "س".
(5/81)
عليها أيضا في
المنتقى بقضاء1 كل المنذورات عن الميت: وقال
ابن عقيل وغيره: لا تفعل طهارة منذورة عنه مع
لزومها بالنذر, ويتوجه في فعلها عن الميت
ولزومها بالنذر ما سبق في صوم يوم الغيم2 هل
هي مقصودة في نفسها أم لا؟ مع أن قياس عدم فعل
الولي لها أن لا تلزم بالنذر, وإن لزمت لزم
فعل صلاة ونحوها بها, كنذر المشي إلى مسجد
تلزم تحيته صلاة ركعتين, كما يأتي في النذر3.
وهل يفعل طواف منذور؟ ظاهر كلامهم أنه كصلاة
"م 3".
وفي الموطإ4 عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته
أنها حدثته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى
مسجد قباء ولم تقضه, فأفتى عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما ابنتها أن تمشي عنها.
ـــــــ
"مسألة 3" قوله: "وهل يفعل طواف منذور؟ ظاهر
كلامهم أنه كصلاة" يعني منذورة. فيه الخلاف
المطلق, وقد تقدم حكمها قبل ذلك5, وعلمت
الصحيح من المذهب فيها, فكذا في هذه, فهذه
ثلاث مسائل قد صححت بحمد الله تعالى.
ـــــــ
1 في الأصل "تقضى".
2 "4/410".
3 ص "149".
4 ليست في "س" والأثر في الموطأ برقم "2192"
وفيه: فأفتى ابنها أن يمشي عنها.
5 ص "80".
(5/82)
باب صوم التطوع وذكر ليلة القدر وما يتعلق
بذلك
مدخل
...
باب صوم التطوع وذكر ليلة القدر
وما يتعلق بذلك
أفضل صوم التطوع 1صيام داود1 نص عليه قوله صلى
الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "صم يوما
وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو
أفضل الصيام" . فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك
فقال: "لا أفضل من ذلك" متفق عليه2, ويستحب
صوم ثلاثة أيام من كل شهر "و" وأيام البيض
أفضل "و ش" نص على ذلك للأخبار الصحيحة في ذلك
وأنه صوم الدهر3, وفي بعضها: كصوم الدهر4.
قال شيخنا وغيره: مراده أن من فعل هذا حصل له
أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر من غير حصول
المفسدة, والله أعلم.
وأيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
سميت بذلك لابيضاض ليلها, وذكر أبو الحسن
التميمي أن الله تاب فيها على آدم وبيض
صحيفته. وعن مالك: يكره صومها.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1ليست في الأصل.
2 البخاري "1976" ومسلم "1159" "181".
3 أخرجه البخاري "3419" ومسلم "1162" "197" من
حديث عبد الله بن عمرو.
4 أخرجه البخاري "3419" من حديث عبد الله ين
عمرو.
(5/83)
ويستحب صوم
الاثنين والخميس, نص عليه. 1ويستحب إتباع
رمضان بست من شوال1 ولمسلم وغيره2 من رواية
سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت
عن أبي أيوب مرفوعا "من صام رمضان ثم أتبعه
ستا من شوال فذاك صيام الدهر" سعد مختلف فيه,
وضعفه أحمد, ورواه أبو داود3 عن النفيلي عن
عبد العزيز هو الدراوردي عن صفوان بن سليم,
وسعد بن سعيد عن عمر, فذكره, وهو إسناد صحيح,
وكذا رواه النسائي4 عن خلاد بن أسلم عن
الدراوردي, ورواه أيضا5 من حديث يحيى بن سعيد
عن عمر, لكن فيه عتبة بن أبي حكيم, مختلف فيه,
ورواه أحمد6 أيضا من حديث جابر مرفوعا, وكذا
من حديث ثوبان, وفيه: "وستة أيام بعد الفطر" 7
فلذلك استحب أحمد والأصحاب رحمهم الله لمن صام
رمضان أن يتبعه بصوم ستة أيام من شوال.
قال جماعة منهم صاحب المغني والمحرر: وإنما
كره صوم الدهر لما فيه من الضعف والتشبه
بالتبتل, ولولا ذلك لكان فيه فضل عظيم,
لاستغراق الزمان بالطاعة والعبادة, والمراد
بالخبر التشبيه به في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1ليست في الأصل.
2 مسلم "1164" "204" وأحمد "23533" والترمذي
"759" وابن ماجه "1716".
3 في سننه "2433".
4 في السنن الكبرى "2863".
5 النسائي في السنن الكبرى "2866".
6 في المسند "14302".
7 أحمد "22412".
(5/84)
حصول العبادة
به على وجه لا مشقة فيه, كما قال عليه السلام
في أيام البيض1. وهي مستحبة, قال في المغني2:
بغير خلاف, قال: وكذا نهى عبد الله بن عمرو عن
قراءة القرآن في أقل من ثلاث3, وقال: "من قرأ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنما قرأ ثلث
القرآن"4 أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل
لا في كراهة الزيادة عليه, وتحصل فضيلتها
متتابعة ومتفرقة, ذكره جماعة, وهو ظاهر كلام
أحمد, وقال: في أول الشهر وآخره, واستحب بعضهم
تتابعها, وهو ظاهر الخرقي وغيره,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه الترمذي "762" والنسائي في المجتبى
"4/219" وابن ماجه "1708" عن أبي ذر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام ثلاثة
أيام من كل شهر فذلك صوم الدهر" .
2 "4/445".
3 أخرجه أبو داود "1390" والترمذي "2949" وابن
ماجه "1347" عن عبد الله بن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "لم يفقه من قرأ
القرآن في أقل من ثلاث".
4 أخرجه البخاري "5013" من حديث أبي سعيد
الخدري ومسلم "811" "259" من حديث أبي الدرداء
بنحوه.
(5/85)
وبعضهم: عقب
العيد, واستحبهما ابن المبارك والشافعي
وإسحاق, وهذا أظهر, ولعله مراد أحمد والأصحاب,
لما فيه من المسارعة إلى الخير, وإن حصلت
الفضيلة بغيره, وسمى بعض الناس الثامن عيد
الأبرار.
واختاره شيخنا الأول, لظاهر الخبر, وذكره قول
الجمهور وقال: ولا يجوز اعتقاد ثامن شوال
عيدا, فإنه ليس بعيد إجماعا ولا شعائره شعائر
العيد, والله أعلم.
ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها1 في غير
شوال, وفاقا لبعض العلماء, ذكره القرطبي, لأن
فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها, كما في خبر
ثوبان, ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم
لاعتياده2 رخصة, والرخصة أولى. ويتوجه تحصيل
فضيلتها لمن صامها وقضاء رمضان وقد أفطره
لعذر, ولعله مراد الأصحاب, وما ظاهره خلافه
خرج على الغالب المعتاد, والله أعلم.
وكره أبو حنيفة ومالك صوم ستة أيام من شوال,
وذكر مالك أن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون
بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه, قال
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "بغيرها".
2 في الأصل و"س" و"ط" "لعتياده".
(5/86)
أصحابنا
وغيرهم: يوم الفطر فاصل, بخلاف يوم الشك.
ويستحب صوم عشر ذي الحجة1, وآكده التاسع, وهو
يوم عرفة إجماعا. قيل: سمي بذلك للوقوف بعرفة
فيه.
وقيل: لأن جبريل حج بإبراهيم عليهما السلام,
فلما أتى عرفة قال: قد عرفت؟ 2قال: قد عرفت2
وقيل: لتعارف آدم وحواء بها "م 1" ثم
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: ويستحب صوم عشر ذي الحجة,
وآكدها التاسع, وهو يوم عرفة إجماعا. قيل: سمي
بذلك للوقوف بعرفة, وقيل: لأن جبريل حج
بإبراهيم عليه السلام, فلما أتى عرفة قال: قد
عرفت, وقيل: لتعارف آدم وحواء بها, انتهى.
هذه الأقوال للعلماء, وليست مخصوصة بمذهب,
ولكن المصنف رحمه الله لما لم يظهر له صحة
أحدهما أتى بهذه الصيغة ليدل على قوة الخلاف,
والله أعلم.
قال البغوي في تفسيره: واختلفوا في المعنى
الذي لأجله سمى الموقف عرفات, واليوم عرفة,
فقال عطاء: كان جبريل يري إبراهيم المناسك
ويقول: عرفت, فيقول: عرفت. فسمى ذلك المكان
عرفات, واليوم عرفة.
وقال الضحاك: لما أهبط آدم عليه السلام وقع
بالهند وحواء بجدة, فاجتمعا بعرفات يوم عرفة
وتعارفا, فسمي اليوم عرفة, والموضع عرفات.
وقال السدي: لما أذن إبراهيم عليه السلام في
الناس بالحج فأجابوه بالتلبية وأتاه من أتاه
أمره أن يخرج إلى عرفات, ونعتها له, فخرج إلى
أن وقف بعرفات,
ـــــــ
1 المراد به الأيام التسعة التي آخرها يوم
عرفة وسميت التسع عشرا من إطلاق الكل على
الأكثر لأن العاشر لا يصام المطلع ص "154".
2 2ليست في "ب" و"س" والأثر أخرجه ابن أبي
شيبة في مصنفه الجزء العمري ص "291".
(5/87)
الثامن وهو يوم
التروية. قيل: سمي بذلك لأن عرفة لم يكن بها
ماء, فكانوا يتروون من الماء إليها وقيل: لأن
إبراهيم صلى الله عليه وسلم رأى ليلة التروية
الأمر بذبح ابنه, فأصبح يتروى هل هو من الله
أو حلم "م 2" فلما رآه الليلة الثانية عرف أنه
من الله. ولا وجه لقول بعضهم: آكده الثامن ثم
التاسع. ولعله أخذه من قوله في الهداية
وغيرها: آكده يوم التروية وعرفة.
ولا يستحب للحاج بعرفة صوم يوم عرفة "و م ش"1
وفطره أفضل, وكرهه جماعة, "لفطره صلى الله
عليه وسلم بعرفة وهو يخطب الناس" . متفق
عليه2,
ـــــــ
فعرفها بالنعت, فسمي الوقت عرفة, والموضع
عرفات. وعن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام
رأى ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه, فلما
أصبح روى يومه أجمع, ثم رأى ذلك ليلة عرفة
ثانيا, فلما أصبح عرف أن ذلك من الله, فسمى
اليوم عرفة, وقيل: سمي بذلك من العرف وهو
الطيب, وقيل: سمي بذلك لأن الناس يعترفون في
ذلك اليوم بذنوبهم, انتهى.
"مسألة 2" قوله: ثم الثامن وهو يوم التروية,
قيل: سمي بذلك لأن عرفة لم يكن بها ماء
وكانوا3 يتروون من الماء إليها, وقيل: لأن
إبراهيم عليه السلام رأى ليلة التروية الأمر
بذبح ولده فأصبح يتروى هل هو من الله أو حلم,
انتهى. وهذا أيضا من جنس ما تقدم, وقد تقدم في
المقدمة الجواب عن هذا والذي قبله وغيره,
والقول الثاني رواه أبو صالح عن ابن عباس, كما
تقدم في التي قبلها.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 البخاري "5636" ومسلم "1123" "110" من حديث
أم الفضل.
3 في النسخ الخطية و"ط" "وكانوا" والمثبت من
الفروع.
(5/88)
ولأحمد وابن
ماجه1 النهي عنه من حديث أبي هريرة من رواية
مهدي الهجري وفيه جهالة, ووثقه ابن حبان
وليتقوى على الدعاء, وعن عقبة مرفوعا "يوم
عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل
الإسلام وهي أيام أكل وشرب" رواه أحمد وأبو
داود والنسائي, والترمذي وصححه2.
قال صاحب المحرر والمراد به كراهة صومه في حق
الحاج, واستحبه أبو حنيفة وإسحاق, إلا أن
يضعفه عن الدعاء. واختاره الآجري, قال صاحب
المحرر: وحكى الخطابي عن إمامنا نحوه, وجزم في
الدعاء بما ذكره بعضهم أن الأفضل للحاج الفطر
يوم التروية ويوم عرفة بها.
ويستحب صوم المحرم, قال صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل, وأفضل
الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" رواه
مسلم وغيره3 من حديث أبي هريرة, ولعله عليه
السلام لم يكثر الصوم فيه لعذر, أو لم يعلم
فضله إلا أخيرا.
قال ابن الأثير: إضافته إلى الله تعظيما
وتفخيما, كقولهم بيت الله, وآل الله لقريش,
قال: والشهر: الهلال, سمي به لشهرته وظهوره,
وأفضله عاشوراء وهو العاشر, وفاقا لأكثر
العلماء, ثم تاسوعاء وهو
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "8031" وابن ماجه "1732".
2 أحمد "17379" وأبو داود "2419" والنسائي في
المجتبى "5/252" والترمذي "773".
3 مسلم "1163" "202" ورواه النسائي في الكبرى
"1312" وهو في مسند أحمد "8026".
(5/89)
التاسع ممدودان
وحكي قصرهما وعن ابن عمر: يكره صوم عاشوراء,
وعن بعض السلف: فرض. وهما آكده, ثم العشر, روى
مسلم1 عن أبي قتادة مرفوعا في صيام يوم عرفة
"إني لأحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله
والسنة التي بعده" .
وقال في صيام عاشوراء: "إني أحتسب على الله أن
يكفر السنة التي قبله" 2 والمراد به الصغائر,
حكاه في شرح مسلم عن العلماء فإن لم تكن "له"
صغائر رجا التخفيف من الكبائر, فإن لم تكن
رفعت درجات, وعن الحسن عن ابن عباس قال: أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء
يوم العاشر من المحرم. إسناده ثقات, رواه
الترمذي3 وقال: حسن صحيح. وقال ابن المديني:
لم يسمع الحسن من ابن عباس وقال: مرسلات الحسن
التي رواها عنه الثقات صحاح, وعن معقل بن يسار
وغيره: يوم عاشوراء هو اليوم التاسع, لأن
الحكم بن عبد الله الأعرج سأل ابن عباس عن
صومه أي يوم؟ قال: إذا رأيت هلال المحرم
فاعدد, فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح منها صائما,
قلت: أكذلك كان يصومه محمد صلى الله عليه
وسلم؟ قال: نعم. رواه مسلم4, ومعناه: أهكذا
كان يأمر بصيامه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه "1162" "196".
2 رواه مسلم "1162" "196".
3 في سننه "755" و"من المحرم" ليست من لفظ
الحديث.
4 في صحيحه "1133" "132".
(5/90)
أو يحث عليه؟
جمعا بينه وبين غيره, ذكره صاحب المحرر.
وعن ابن عباس القولان, واختارت طائفة صوم
اليومين, صح عن ابن عباس وقال: خالفوا اليهود
وعن أبي رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين,
وقاله الشافعي وأحمد وإسحاق. وقول ابن عباس:
لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: إنه يوم تعظمه
اليهود والنصارى وفي لفظ أبي داود: تصومه
اليهود والنصارى فقال "فإذا كان العام المقبل
إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" فلم يأت العام
المقبل حتى توفي. رواه مسلم وأبو داود1, وهو
يدل على أنه لم يكن يصوم التاسع بل العاشر
وأنه عاشوراء, وقصد صوم التاسع مع العاشر
مخالفة لليهود ليس يدل على اقتصاره على
التاسع, وقد روى الخلال في العلل: حدثنا محمد
بن إسماعيل أنبأنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن
القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير مولى ابن
عباس, عن ابن عباس مرفوعا "لئن بقيت إلى قابل
لأصومن التاسع والعاشر" 2 إسناده جيد. واحتج
به أحمد في رواية الأثرم. وبقول ابن عباس:
صوموا التاسع والعاشر. ولا يكره إفراد العاشر
بالصوم. وقد أمر أحمد بصومهما, ووافق شيخنا
المذهب أنه لا يكره, وقال: مقتضى كلام أحمد
يكره, وهو قول ابن عباس "و هـ" ولم يجب صوم
عاشوراء, اختاره الأكثر, منهم القاضي,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 مسلم "1134" وأبو داود "2445".
2 رواه مسلم "1134" "134" بلفظ "لئن بقيت إلى
قابل لأصومن التاسع" .
(5/91)
قال صاحب
المحرر: هو الأصح من قول أصحابنا "و ش" وعن
أحمد: وجب ثم نسخ, اختاره شيخنا, ومال إليه
الشيخ "و هـ" للأمر به, وقد روى أبو داود أنه
صلى الله عليه وسلم أمر من أكل بالقضاء1, ثم
لا يلزم من عدم القضاء عدم وجوبه, بدليل
الخلاف فيمن صار أهلا للوجوب في أثناء يوم "من
رمضان" وحديث معاوية "لم يكتب عليكم صيامه" 2
فمعاوية أسلم عام الفتح. وقيل: في عمرة
القضية, وقيل: زمن الحديبية, فإنما سمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقول ذلك بعد هذا,
وعاشوراء إنما وجب في العام الثاني من الهجرة,
فوجب يوما ثم نسخ برمضان ذلك العام, والأخبار
في ذلك مشهورة ومن اختار الأول حمل الأمر قبل
رمضان على تأكيده وكراهة تركه, فلما فرض رمضان
بقي أصل الاستحباب, والله أعلم.
سأل ابن منصور أحمد: هل سمعت في الحديث "من
وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر
السنة" 3 "فقال: نعم, رواه سفيان بن عيينة عن
جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر
وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه أن من وسع
على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر
سنته" .
قال ابن عيينة: قد جربناه منذ خمسين أو ستين
سنة فما رأيناه إلا خيرا, وذكره ابن الجوزي في
العلل المتناهية من حديث ابن عمر, قال
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أبو داود "2447".
2 رواه البخاري "2003".
3 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان "3791".
(5/92)
الدارقطني
منكر, ومن حديث أبي هريرة والإسناد ضعيف, وعن
جابر مرفوعا مثله, وفيه: "على نفسه وأهله"
ذكره ابن عبد البر في الاستذكار, قال جابر:
جربناه فوجدناه كذلك. وقال أبو الزبير مثله,
وقال شعبة مثله, وعن الليث بن سعد عن يحيى بن
سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب "رضي
الله عنه" مثله, ولفظه: "من وسع على أهله" 1.
قال يحيى بن سعيد: جربنا ذلك فوجدناه حقا,
وكره شيخنا ذلك وغيره سوى صومه, قال: وقول,
إبراهيم بن محمد بن المنتشر أنه بلغه, لم يذكر
عمن بلغه, وبعض الجهال والنواصب2 ونحوهم وضع3
في ذلك قبالة الرافضة, قال: ولم يستحب أحد من
الأئمة فيه غسلا ولا كحلا وخضابا, ونحو ذلك,
والخبر بذلك كذب اتفاقا, وغلط من صحح إسناده,
واستحب ذلك صاحب التلخيص في كتابه الخطب,
والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه الطبراني في الأوسط "9298" من حديث أبي
سعيد الخدري.
2 النواصب والناصبية وأهل النصب: المتدينون
ببغضة علي رضي الله عنه لأنهم نصبوا له: أي
عادوه القاموس "نصب".
3 أي وضع أحاديث موضوعة في مقابلة الأحاديث
التي وضعها الرافضة.
(5/93)
فصل : يكره صوم
الدهر إذا أدخل فيه يومي العيدين
وأيام التشريق, ذكره القاضي وأصحابه, والكراهة
كراهة تحريم, ذكره صاحب المغني والمحرر
وغيرهما, وهو واضح. وإن أفطر أيام النهي جاز,
خلافا
(5/93)
للظاهرية, وسبق
كلام ابن عقيل في إعادة الصلاة, ولم يكره
والمراد ما ذكره صاحب المحرر وغيره إذا لم
يترك به حقا ولا خاف منه ضررا.
نقل حنبل: إذا أفطر أيام النهي فليس ذلك صوم
الدهر. ونقل صالح: إذا أفطرها رجوت أن لا بأس
به, وهذا اختيار القاضي وأصحابه وصاحب المحرر
والأكثر "و م ش" وذكر مالك أنه سمع أهل العلم
يقولونه, لقول حمزة بن عمرو: يا رسول الله,
إني أسرد الصوم, أفأصوم في السفر؟ قال: "إن
شئت فصم" متفق عليه1, ولأن أبا طلحة وغيره من
الصحابة وغيرهم فعلوه, ولأن الصوم مطلوب
للشارع إلا ما استثناه, وأجابوا عن حديث عبد
الله بن عمرو2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا
صام من صام الدهر" رواه البخاري3, بأنه عليه
السلام خشي عليه ما سبق, ولذلك
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1942" "1943" ومسلم "1121".
2 الذي مر في أول باب صوم التطوع.
3 البخاري "1979" ومسلم "1159" "182".
(5/94)
قال: ليتني
قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم1,
بعدما كبر, واختار صاحب المغني: يكره, وهو
ظاهر رواية الأثرم, وللحنفية قولان.
وقال شيخنا: الصواب قول من جعله تركا للأولى
أو كرهه, فعلى الأول صوم يوم وفطر يوم أفضل
منه, خلافا لطائفة من الفقهاء والعباد, ذكره
شيخنا, وهو ظاهر حال من سرده, ومنهم أبو بكر
النجاد من أصحابنا, حملا لخبر عبد الله بن
عمرو عليه وعلى من في معناه, لأنه عليه السلام
لم يرشد حمزة بن عمرو إلى يوم ويوم, قال أحمد:
ويعجبني أن يفطر منه أياما, يعني أنه أولى,
للخروج من الخلاف, وجزم به جماعة. وقاله
إسحاق, وليس المراد الكراهة, فلا تعارض.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1975" ومسلم "1159" "182".
(5/95)
فصل : يكره
الوصال
, وهو أن لا يفطر بين اليومين, لأن النهي رفق
ورحمة,
(5/95)
ولهذا واصل صلى
الله عليه وسلم بهم1 وواصلوا بعده. وقيل:
يحرم, واختاره ابن البناء, وحكاه ابن عبد البر
عن الأئمة الثلاثة وغيرهم, وللشافعية وجهان.
قال أحمد: لا يعجبني, وأومأ أحمد أيضا إلى
إباحته لمن يطيقه, روي عن عبد الله بن الزبير
وابنه عامر وغيرهما, فنقل حنبل أنه واصل
بالعسكر ثمانية أيام ما رآه طعم فيها ولا شرب
حتى كلمه في ذلك فشرب سويقا, قال أبو بكر:
يحتمل أنه فعله حيث لا يراه, لأنه لا يخالف
النبي صلى الله عليه وسلم, كذا قال. قال صاحب
المحرر: لا خلاف أن الوصال لا يبطل الصوم, لأن
النهي ما تناول وقت العبادة, ولأنه صلى الله
عليه وسلم لم يأمر الذين واصلوا بالقضاء.
وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها, لأن الأكل
مظنة القوة, وكذا بمجرد الشرب, على ظاهر ما
رواه المروذي عنه أنه كان إذا واصل شرب شربة
ماء, خلافا للشافعية. ولا يكره الوصال إلى
السحر, نص عليه. وقاله إسحاق, لقوله عليه
السلام في حديث أبي سعيد: "فأيكم أراد أن
يواصل فليواصل إلى السحر" رواه البخاري2. لكن
ترك الأولى, لتعجيل الفطر, وذكر القاضي عياض
المالكي أن أكثر العلماء كرهه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 لحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم
نهاهم عن الوصال في الصوم ...فلما أبوا أن
ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم
رأوا الهلال فقال: "لو بأخر لزدتكم" كالتنكيل
لهم حتى أبوا أن ينتهوا البخاري "1965" وذكر
أبو الخطاب من الشافعية أن الوصال من الخصائص
التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وحرمت على الأمة..واحتج الجمهور بعموم النهي
ومن أراد الاستزاد ينظر شرح مسلم للنووي
"7/212".
2 في صحيحه "1963".
(5/96)
فصل : يكره
استقبال رمضان بيوم أو يومين
ذكره الترمذي عن أهل العلم, وجزم به الأصحاب,
مع ذكرهم في يوم الشك ما يأتي3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 ص "106".
(5/96)
وقد قال أحمد
رحمه الله تعالى في رواية أبي داود1 وغيره:
إنه إذا لم يحل دونه سحاب أو فتر يوم شك, ولا
يصام. وكذا نقل الأثرم: ليس ينبغي أن يصوم إذا
لم يحل دون الهلال شيء من سحاب ولا غيره, فهذا
من أحمد للتحريم, على ما سبق في خطبة الكتاب
"و ش" ولم أجد عن أحمد خلافه, إلا ما حكاه
الترمذي في يوم الشك عن أكثر أهل العلم منهم
أحمد الكراهة, والأظهر أنه لا تعارض, وأن قوله
في رواية أبي داود يوم شك فيه نظر, إلا أن
يكون المراد: لم يحل دونه شيء وتقاعدوا عن
الرؤية وفيه نظر, فإن كان أراده فيوم الشك
محرم عنده, لقول عمار: من صام اليوم الذي يشك
فيه فقد عصى أبا القاسم2. فتقدمه باليوم
واليومين أولى عنده بالتحريم, لصحة النهي فيه,
ولا معارض. ووجه تحريم "يوم"3 الشك فقط أن قول
عمار صريح, والنهي يحتمل الكراهة, ووجه تحريم
استقباله فقط النهي, وفيه زيادة على الشرع
وصوم الشك احتياط
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2320".
2 رواه أبو داود "2334" والترمذي "686"
والنسائي "4/153".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
(5/97)
للعبادة, وقول
عمار في إسناده أبو إسحاق وهو مدلس, وروي من
غير طريقه بإسناد أثبت منه موقوف. والله أعلم.
ولا يكره التقديم بأكثر من يومين, نص عليه,
لظاهر حديث أبي هريرة "لا يتقدمن أحدكم رمضان
بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما
فليصمه" 1 وقيل: يكره بعد نصف شعبان, وحرمه
الشافعية, لحديث أبي هريرة "إذا انتصف شعبان
فلا تصوموا" رواه الخمسة2, وضعفه أحمد وغيره
من الأئمة, وصححه الشيخ وحمله على نفي
الفضيلة, وحمل غيره على الجواز.
قال في المستوعب: آكده يوم النصف, قال شيخنا:
وليلة النصف لها فضيلة في المنقول عن أحمد,
وقد روى أحمد وجماعة من أصحابنا وغيرهم في
فضلها أشياء مشهورة في كتب الحديث.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه البخاري "1914".
2 أبو داود "2337" والترمذي "738" والنسائي
"2911" وابن ماجه "1651" أحمد "9707".
(5/98)
فصل : يكره
إفراد رجب بالصوم
"خ" نقل حنبل: يكره, ورواه عن عمر وابنه وأبي
بكرة, قال أحمد: يروى فيه عن عمر أنه كان يضرب
على صومه3, وابن عباس قال: يصومه إلا يوما أو
أياما, وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى عن صيام رجب, رواه ابن ماجه4 وأبو
بكر من أصحابنا من
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/102".
4 في سننه "1743".
(5/98)
رواية داود بن
عطاء, ضعفه أحمد وغيره, ولأن فيه إحياء لشعار
الجاهلية بتعظيمه, ولهذا صح عن عمر أنه كان
يضرب فيه ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه
الجاهلية1. وتزول الكراهة بالفطر أو بصوم شهر
آخر من السنة, قال صاحب المحرر: وإن لم يله.
قال شيخنا: من نذر صومه كل سنة أفطر بعضه
وقضاه. وفي الكفارة الخلاف, قال: ومن صامه
معتقدا أنه أفضل من غيره 2من الأشهر2 أثم
وعزر, وحمل عليه فعل عمر. وقال أيضا: في تحريم
إفراده وجهان, ولعله أخذه من كراهة أحمد. وفي
فتاوى ابن الصلاح الشافعي: لم يؤثمه أحد من
العلماء فيما نعلمه.
ولا يكره إفراد شهر غير رجب, قال صاحب المحرر:
لا نعلم فيه خلافا للأخبار, منها أنه كان صلى
الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان3, وأن
معناه: أحيانا. ولم يداوم كاملا على غير
رمضان. ولم يذكر الأكثر استحباب صوم رجب
وشعبان, واستحبه في الإرشاد4.
وقال شيخنا: في مذهب أحمد وغيره نزاع, قيل:
يستحب, وقيل: يكره, فيفطر ناذرهما بعض رجب.
واستحب الآجري صوم شعبان, ولم يذكره غيره,
وسبق كلام صاحب المحرر, وكذا قال ابن الجوزي
في كتاب أسباب الهداية: يستحب صوم الأشهر
الحرم 5وشعبان كله, وهو ظاهر ما ذكره صاحب
المحرر في الأشهر الحرم5, وشعبان كله وقد روى
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة "3/102" والطبراني في
الأوسط "8/310".
2 2ليست في الأصل.
3 رواه ابن ماجه "1649".
4 ص "526".
5 5 ليست في "س".
(5/99)
أحمد وأبو داود
وغيرهما1 من رواية مجيبة الباهلي ولا يعرف عن
رجل من باهلة أنه عليه السلام أمره بصوم
الأشهر الحرم, وفي الخبر اختلاف, وضعفه بعضهم,
ولهذا والله أعلم لم يذكر استحبابه الأكثر,
وصوم شعبان كله إلا قليلا في الصحيحين2 عن
عائشة, وقيل: قولها: كله. قيل: غالبه, وقيل:
يصومه كله في وقت, وقيل: يفرق صومه كله في
سنتين, ولأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي3 عن
عائشة: لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قرأ القرآن كله في ليلة, ولا قام ليلة حتى
أصبح ولا صام شهرا كاملا غير رمضان.
قال في شرح مسلم4: قال العلماء: إنما لم
يستكمل غيره لئلا يظن وجوبه. وعنها أيضا:
والله إن صام شهرا معلوما سوى رمضان حتى مضى
لوجهه ولا أفطره حتى يصيب منه. ولمسلم: منذ
قدم المدينة. وعن ابن عباس: ما صام شهرا كاملا
قط غير رمضان. ولمسلم: منذ قدم المدينة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "20323" وأبو داود "2428" وابن ماجه
"1741".
2 البخاري "1969" ومسلم "1156" "176" ولفظه:
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر من
شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله.
3 أحمد "24269" ومسلم "746" "141" وأبو داود
"1342" والنسائي في المجتبى "4/199".
4 8/38".
(5/100)
متفق عليهما1,
وصوم شعبان كله في السنن عن أم سلمة2, ورواهما
أحمد, ولعل ظاهر ما ذكره الآجري أنه أفضل من
المحرم وغيره, ووجهه قول أسامة بن زيد: لم يكن
عليه السلام يصوم من شهر ما يصوم من شعبان,
وقال: ذلك شهر يغفل الناس عنه3. رواه أبو بكر
البزار وأبو بكر بن أبي شيبة4.
وفي لفظه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم
عن ذلك فقال: "ترفع فيه أعمال الناس, فأحب أن
لا يرفع عملي إلا وأنا صائم" وروى اللفظين
أحمد والنسائي5, والإسناد جيد.
وروى سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد
بن عبد الله بن أسامة بن الهاد قال: أظنه عن
محمد بن إبراهيم التيمي أن أسامة بن زيد كان
يصوم شهر المحرم, فأمره رسول الله صلى الله
عليه وسلم بصيام شوال, فما زال أسامة يصومه
حتى لقي الله. إسناد جيد, إلا أنه قال: أظنه
ورواه ابن ماجه6 عن محمد بن الصباح عنه, ولم
يشك. وفيه أنه كان يصوم الأشهر الحرم. فقال له
"صم شوالا" فتركها ولم يزل يصومه حتى مات.
وللترمذي7 وقال:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1971" ومسلم "1157" "0000".
2 أبو داود "2336" والترمذي "736" والنسائي في
المجتبى "4/200" وابن ماجه "1648".
3 رواه أحمد "21753" والنسائي "4/201".
4 مسند البزار "2617" المصنف لابن أبي شيبة
"3/103".
5 أحمد الر قم "21753" والنسائي في المجتبى
"4/201".
6 في سننه "1744".
7 في سننه "663".
(5/101)
غريب وأبي يعلى
الموصلي وابن حبان1 من رواية صدقة الدقيقي وهو
ضعيف عن ثابت عن أنس, سئل عليه السلام عن أفضل
الصيام قال: "شعبان تعظيما لرمضان وأي الصدقة
أفضل؟ قال: صدقة في رمضان" . وذكرت امرأة
لعائشة أنها تصوم رجبا فقالت: إن كنت صائمة
شهرا لا محالة فعليك بشعبان فإن فيه الفضل.
رواه حميد بن زنجويه الحافظ وأبو زرعة
الرازي2.
وسأل رجل عائشة عن الصيام فقالت: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله. رواه أحمد
في مسنده3, وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصوم شعبان كله, فقلت: أرأيت
أحب الشهور إليك الصوم في شعبان؟ فقال: إن
الله يكتب في شعبان حين يقسم من يميته تلك
السنة فأحب أن يأتي أجلي وأنا صائم4 رواه أبو
الشيخ الأصباني من رواية مسلم بن خالد الزنجي
عن طريف.
قال العقيلي في طريف: لا يتابع على حديثه وروى
يحيى بن صاعد وابن البناء من أصحابنا هذا
المعنى من حديث عائشة. والله أعلم.
وقد قال ابن هبيرة في كون أكثر صومه عليه
السلام في شعبان قال: ما أرى هذا إلا من طريق
الرياضة, لأن الإنسان إذا هجم بنفسه على أمر
لم يتعوده صعب ذلك عليها, فدرجها بالصوم في
شعبان لأجل شهر رمضان, كذا قال. وذكر في
الغنية أنه يستحب صوم أول يوم من رجب وأول
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أبو يعلى في مسنده "3421".
2 لم نجده في باريخ أبي زرعة ولا في الأموال
لابن زنجويه.
3 برقم "24967".
4 رواه أبو يعلى "4911".
(5/102)
خميس منه
والسابع والعشرين, وآخر السنة وأولها, وصوم
أيام الأسبوع وصلاة في لياليها, وذكر أشياء,
واحتج بأخبار ليست بحجة, واعتمد على ما جمعه
أبو الحسن بن البناء من أصحابنا في هذا الباب,
بروايته عن أبي نصر محمد بن أبي الحسن المذكور
عن أبيه, وذكر ابن الجوزي ذلك أو بعضه في بعض
كتبه ككتابه أنس المستأنس في ترتيب المجالس
وذكر أخبارا وآثارا واهية, وكثير منها موضوع.
والعجب أنه يذكر في كتابه الموضوعات ما هو
أمثل منها ويذكرها بصيغة الجزم فيقول: قال
النبي صلى الله عليه وسلم كذا, وقال فلان
الصحابي كذا, والموضوع لا يحتج به بالإجماع:
ولهذا لم يذكر الأصحاب شيئا من ذلك, وقال في
كتابه هذا: إنه يثاب على صوم عاشوراء ثواب صوم
سنة ليس فيها صوم عاشوراء, والله أعلم.
(5/103)
فصل : يكره أن
يتعمد إفراد يوم الجمعة بصوم
نص عليه "م 5" لحديث أبي هريرة: "لا تصوموا
يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم" متفق
عليه1, ولمسلم2: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام
من بين الليالي, ولا تختصوا3 يوم الجمعة بصيام
من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه
أحدكم" .
قال الداودي المالكي4: لم يبلغ "م" الحديث,
قال في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1985" ومسلم "1144" "147".
2 في صحبحه "1144" "148" من حديث أبي هريرة.
3 في النسخ الخطية: "تخصوا" والمثبت من "ط".
4 في الأصل و"ب" و"ط" الداوودي والصحيح ما
أثبتناه وفقا لـ "س" وهو: أبو محمد عبد العزيز
بن محمد الدراوردي الفقيه المحدث الثقة الثبت
صحب مالكا وكتب عليه الحديث "ت 186 هـ"
بالمدينة شجرة النور الزكية ص "55".
(5/103)
شرح مسلم1: فيه
النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة, وهو متفق
على كراهته, قال: واحتج به العلماء على كراهة
صلاة الرغائب. وعن جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى أن ينفرد بصوم, ودخل عليه
السلام على جويرية في يوم جمعة وهي صائمة فقال
لها: أصمت أمس؟ قالت: لا, قال: تصومين غدا؟,
قالت: لا, قال فأفطري رواهما البخاري2, ويحمل
ما روي من صومه والترغيب فيه على صومه مع
غيره, فلا تعارض.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "8/20".
2 الأول برقم "1984" والثاني برقم "1986"
ولفظه: "تريدين أن تصومي غدا" .
(5/104)
فصل : وكذا
إفراد يوم السبت بالصوم
عند أصحابنا "م" لحديث عبد الله بن بشر عن
أخته واسمها الصماء: "لا تصوموا يوم السبت إلا
فيما افترض عليكم" رواه أحمد: حدثنا أبو عاصم
حدثنا ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله.
فذكره, إسناده جيد, ورواه أبو داود وقال: هذا
منسوخ. وقال: قال مالك: هذا كذب. والترمذي
وحسنه, والنسائي وقال: هذه أحاديث مضطربة,
والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري3.
وقال صاحب شرح مسلم4: صححه الأئمة, ولأنه يوم
تعظمه اليهود, ففي إفراده تشبه بهم, قال
الأثرم. قال أبو عبد الله: قد جاء فيه حديث
الصماء, وكان يحيى بن سعيد يتقيه وأبى أن
يحدثني به قال
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "8/20".
2 الأول برقم "1984" والثاني برقم "1986"
ولفظه: "تريدين أن تصومي غدا".
3 أحمد "27075" أبو داود "2421" الترمذي "744"
الحاكم "1/435" النسائي في السنن الكبرى
"2762".
4 لم نقف عليه في شرح النووي وشرح القاضي
عياض.
(5/104)
الأثرم وحجة
أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن
الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بشر,
منها حديث أم سلمة, يعني أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد ويقول: "هما
عيدان للمشركين فأنا أحب أن أخالفهما" رواه
أحمد والنسائي1, وصححه جماعة, وإسناده جيد,
واختار شيخنا أنه لا يكره, وأنه قول أكثر
العلماء, وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته,
وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض
ليستثنى, فالحديث شاذ أو منسوخ, وأن هذه طريقة
قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه, كالأثرم وأبي
داود, وأن أكثر أصحابنا فهم من كلام أحمد
الأخذ بالحديث, ولم يذكر الآجري غير صوم يوم
الجمعة, فظاهره لا يكره غيره, ويأتي كلام
القاضي في الوليمة2.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "26750" النسائي "2776" وصححه ابن حبان
"3616".
2 "8/330 – 331".
(5/105)
فصل: وكذا يكره إفراد يوم النيروز والمهرجان
بالصوم
...
فصل : وكذا يكره إفراد يوم النيروز والمهرجان3
بالصوم
عند أصحابنا "خ" لما فيه من موافقة الكفار في
تعظيمها واختار صاحب المحرر: لا يكره, لأنهم
لا يعظمونها بالصوم, ولحديث أم سلمة, وكالأحد.
قال صاحب المحرر: لم نعلم أحدا ذكر صومه
بكراهة, وعلى قياس كراهة صومهما كل عيد للكفار
أو يوم يفردونه بالتعظيم, ذكره صاحب المغني
والمحرر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 النيروز: الشهر الرابع من شهور الربيع
والمهرجان: اليوم السابع عشر من الخريف وهما
عيدان للكفار المطلع ص "155".
(5/105)
فصل : ولا يحرم
صوم ما سبق من الأيام
, نص عليه الشافعي وأحمد في
(5/105)
فصل : قال
إسحاق بن إبراهيم: رأيت أبا عبد الله أعطى
ابنه درهم النيروز
وقال: اذهب به إلى المعلم, ذكره القاضي, ونقله
صاحب المحرر من خطه.
(5/106)
فصل : يوم الشك
إذا لم يكن في السماء علة
ولم يتراءى الناس الهلال, قال القاضي وغيره:
أو شهد به من رد الحاكم شهادته, قال: أو كان
في السماء علة وقلنا لا يجب صومه, فإن صامه
بنية الرمضانية احتياطا كره, على ما سبق2,
ذكره صاحب المحرر, وإن صامه تطوعا كره إفراده,
ويصح,
(5/106)
فصل :يحرم صوم
يومي العيدين
إجماعا للنهي المتفق عليه من حديثي عمر وأبي
هريرة2, ولا يصح فرضا "و م ش" ولا نفلا "و م
ش" وعنه: يصح
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 البخاري "1990 و 1993" ومسلم "1137 و 1138".
(5/107)
فرضا, نقله
مهنا في قضاء رمضان, لأنه إنما نهى عنه لأن
الناس أضياف الله وقد دعاهم, فالصوم ترك إجابة
الداعي, ومثل هذا لا يمنع الصحة, ولم يصح
النفل لأن الغرض به الثواب فنافته المعصية,
ولذلك لم يصح النفل في غصب وإن صح الفرض, كذا
ذكر صاحب المحرر, وقد سبق في الصلاة في ستر
العورة1, وفي "الواضح" رواية: يصح عن نذره
المعين. وسبق مذهب أبي حنيفة وصاحبيه: لا يصح
عن واجب في الذمة, ويصح عن نذره المعين,
والتطوع به مع التحريم, ولا يلزم بالشروع, ولا
يقضى عند أبي حنيفة, وعند أبي يوسف يلزم
ويقضي, وعن محمد كقولهما, ووجه انعقاده أن
النهي لا يرجع إلى ذات المنهي عنه, ولأنه دليل
التصور, لأن ما لا يتصور لا ينهى عنه, والتصور
الحسي غير منهي عنه إجماعا, ووجه الأول النهي,
ولمسلم2 من حديث أبي سعيد "لا يصلح الصيام في
يومين" وللبخاري3: "لا صوم في يومين" والنهي
دليل التصور حسا, كما في عقود الربا وبيع
الغرر ونكاح المحارم, وهو متحقق هنا, فإن من
أمسك فيه مع النية عاص إجماعا, ورد قولهم لا
يتأدى الكامل بالناقص بقضاء المكتوبة في الغصب
وفيه نظر, على ما سبق, لأن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/41".
2 مسلم "827".
3 البخاري "1995" من حديث أبي سعيد الخدري.
(5/108)
المحرم هناك
التصرف في ملك الغير وترك تنجية الغريق لا
خصوص الصوم, وبقضائها في حال القدرة على تنجية
الغريق فإنه يصح, وبأنه لو نذر صوم يوم عيد
بعينه فقضاه في يوم عيد آخر لم يصح, ولا نسلم
أن النهي لم يرجع إلى عين المنهي عنه, لأن
النص أضافه إلى صوم هذا اليوم كإضافة النهي
إلى الصلاة من حائض ومحدث.
(5/109)
فصل : وكذا صوم
أيام التشريق نفلا
"و" لما روى مسلم1 عن كعب بن مالك أن النبي
صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام
التشريق. فناديا إنه "لا يدخل الجنة إلا مؤمن,
وأيام منى أيام أكل وشرب" . ولمسلم2 من حديث
نبيشة الهذلي "أيام التشريق أيام أكل وشرب
وذكر الله" . ولأحمد3 النهي عن صومها من حديث
أبي هريرة وسعد بإسنادين ضعيفين, ورواه أيضا4,
عن يونس بن شداد مرفوعا.
قال ابن الجوزي: يونس شبيه بالمجهول. وروى
الشافعي وأحمد5 النهي من حديث علي بإسناد جيد,
وهو في الموطإ6 عن أبي النضر عن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه "1142".
2 في صحيحه "1141".
3 في مسنده "1456".
4 في مسنده "16706".
5 أحمد "567" ولفظه: "إن هذه أيام أكل وشرب
فلا يصومها أحد" وأخرجه الشافعي في الرسالة
"1127". بلفظ "إن هذه أيام طعام وشراب فلا
يصومن أحد" .
6 "1/376".
(5/109)
سليمان بن يسار
مرسلا: " ومن صامهن أو رخص فيه فلم يبلغه
النهي" , قال صاحب المحرر: أو تأوله على
إفرادها, فهذا يسوغ لهم, تشبيها بيوم الشك.
ولا يصح فرضا في رواية "و هـ ش" لكن صحح أبو
حنيفة صومها عن نذرها خاصة, كقوله في العيد,
ويصح في رواية, لقول ابن عمر وعائشة: لم يرخص
في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد
الهدي, رواه البخاري1, وذكر الترمذي عن أحمد:
يجوز صومها عن دم المتعة خاصة, وكذا ظاهر كلام
ابن عقيل تخصيص الرواية بصوم المتعة, وهو ظاهر
العمدة, واختاره صاحب المحرر "م 3" وفاقا
لمالك والأوزاعي وإسحاق وقول للشافعي.
ـــــــ
"مسألة 3" قوله: ولا يصح فرضا في رواية ويصح
في رواية. وذكر الترمذي عن أحمد: يجوز صومهما
عن دم المتعة خاصة, وكذا ظاهر كلام ابن عقيل
تخصيص الرواية بصوم المتعة, وهو ظاهر العمدة,
واختاره صاحب المحرر, انتهى, يعني صوم أيام
التشريق, والصحيح الرواية الثالثة, صححه في
الفائق في باب أقسام النسك, قال ابن منجى في
شرحه في باب الفدية: هذا المذهب. وقدمه في
المقنع2 والشرح2 والنظم هناك, وقدمه في
الرعاية الكبرى في آخر باب الإحرام, وجزم به
في الإفادات, واختاره المجد في شرحه, وهو ظاهر
العمدة, كما قال المصنف, قال الزركشي: خص ابن
أبي موسى الخلاف بدم المتعة. والرواية الثانية
يجوز مطلقا, صححه في التصحيح والنظم, واختاره
ابن عبدوس في تذكرته, وجزم به في المنور,
وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى في باب صوم
النذر والتطوع. والرواية الأولى لا يجوز
مطلقا, اختاره ابن أبي موسى والقاضي, قال في
المنهج: وهي الصحيحة, وقدمها الخرقي وابن رزين
في شرحه, قال الزركشي: وهي التي ذهب إليها
أحمد أخيرا,
ـــــــ
1 في صحيحه "1997".
2 2المقنع مع شرح الكبير والإنصاف "7/543".
(5/110)
فصل : وهل يجوز
لمن عليه صوم فرض أن يتطوع بالصوم؟
فيه روايتان, إحداهما لا يجوز ولا يصح, لحديث
أبي هريرة: "من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء
لم يقضه لم يتقبل منه, ومن صام تطوعا وعليه من
رمضان شيء لم يقضه لم يتقبل منه حتى يصومه"
رواه أحمد1 من رواية ابن لهيعة, قال صاحب
المحرر: ثم يحمل على ما إذا ضاق وقت القضاء
عنه. وقال في المغني2: في سياقه ما هو متروك,
يعني: من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم
يتقبل منه. وكالحج.
والثانية يجوز "م 4" "و" للعموم, وكالتطوع
بصلاة في وقت فرض
ـــــــ
وجزم به في الوجيز والمنتخب, وأطلق الجواز
وعدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والمغني3 والكافي4
والمقنع5 والتلخيص والبلغة وشرح المجد والشرح5
والرعاية الصغرى وشرح ابن منجى هنا, والزركشي
والحاوي الكبير وغيرهم.
"مسألة 4" قوله: وهل "يجوز" لمن عليه صوم فرض
أن يتطوع بالصوم؟ فيه روايتان, إحداهما لا
يجوز ولا يصح والثانية يجوز, انتهى. وأطلقهما
في الهداية
ـــــــ
1 في مسنده "8621".
2 "4/402".
3 "4/427".
4 "2/269".
5 5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/543".
(5/111)
متسع قبل فعله,
وكذا يخرج في التطوع بالصلاة ممن عليه القضاء,
واختار جماعة منهم صاحب المغني والمحرر عدم
الصحة, لوجوبها على الفور. وسبق في قضاء
الفوائت1. ويبدأ بفرض الصوم قبل نذر لا يخاف
فوته.
نقل حنبل وأبو الحارث فيمن نذر صيام أيام
وعليه من صوم رمضان أيام: يبدأ بالنذر, وهو
محمول على أنه كان النذر معينا بوقت يخاف
فوته, وقضاء رمضان موسع الوقت, كمن نذر ركعتين
عقب2 الزوال, يبدأ بهما قبل الظهر, لسعة
وقتها, وتعيين النذر بذلك الوقت. ويبدأ
بالقضاء إن كان النذر مطلقا, وقد صرح أحمد في
موضع بتقديم قضاء رمضان على النذر والنفل,
فيجمع بين الروايتين: تلك على ضيق الوقت وهذه
على سعة الوقت, ذكره القاضي وابن عقيل, فإن
قلنا بالرواية الأولى إنه لا يجوز التطوع
بالصوم قبل فرضه لم يكره قضاء رمضان في عشر
"ذي" الحجة, بل
ـــــــ
والمغني وشرح المجد والشرح والفائق وغيرهم.
إحداهما لا يجوز ولا يصح, وهو الصحيح في
المذهب, نص عليه في رواية حنبل, قال في
الحاويين: لم يصح في أصح الروايتين, واختاره
ابن عبدوس في تذكرته, وجزم به في المذهب
ومسبوك الذهب والإفادات والمنور وغيرهم, وقدمه
في المستوعب والخلاصة والمحرر وشرح ابن رزين
والرعايتين وغيرهم.
والرواية الثانية يجوز ويصح, قدمه في النظم,
قال في القاعدة الحادية عشرة: جاز على الأصح,
"قلت" وهو الصواب.
ـــــــ
1 "1/438".
2 في "س" "قبل".
(5/112)
يستحب إذا لم
يكن قضاه قبله, وإن قلنا بالجواز. فعنه: يكره,
كقول الحسن والزهري, وروي عن علي ولا يصح عنه
لينال فضيلتها. وعنه: لا يكره "م 5" "و" روي
عن عمر, لظاهر الآية, وكعشر المحرم, والمبادرة
إلى إبراء الذمة من أكبر العمل الصالح. وقيل:
يكره القضاء على الثانية ولا يكره على الأولى
بل يستحب, والطريقة الأولى أصح, لأنا إذا
حرمنا التطوع قبل الفرض كان أبلغ من الكراهة
فلا يصح تفريعها عليه, والله أعلم.
ـــــــ
"مسألة 5" قوله: فإن قلنا بالرواية الأولى إنه
لا يجوز التطوع بالصوم قبل فرضه لم يكره قضاء
رمضان في عشر ذي الحجة بل يستحب إذا لم يكن
قضاه قبله, وإن قلنا بالجواز فعنه: يكره. وعنه
لا يكره, انتهى.
وأطلقهما في المغني1 وشرح المجد والشرح2
والفائق وغيرهم, قال المصنف: وقيل يكره القضاء
على الثانية ولا يكره على الأولى بل يستحب,
والطريقة الأولى أصح, لأنا إذا حرمنا التطوع
قبل الفرض كان أبلغ من الكراهة, فلا يصح
تفريعها عليه, انتهى.
الطريقة الأولى هي الصحيحة, لما علله به
المصنف, وتبع في ذلك المجد, قال في المغني3:
وهذا أقوى عندي, فعلى هذه الطريقة أطلق المصنف
الروايتين على القول بالجواز.
ـــــــ
1 "2/402".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/505".
3 "4/403".
(5/113)
فصل من دخل في
صوم تطوع استحب له إتمامه ولم يجب, وإن أفسده
لم يلزمه قضاء, نص عليه, وهو المذهب "و ش"
لقول عائشة: يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال:
"أرينيه فلقد أصبحت صائما" وفي أوله أنه دخل
عليها يوما فقال: "هل عندكم شيء" ؟ قلنا: لا,
قال: "فإني إذا صائم" رواه مسلم والخمسة1.
وزاد النسائي بإسناد جيد, ثم قال: "إنما مثل
صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن
شاء أمضاها وإن شاء حبسها" . وله أيضا بإسناد
حسن: "إنما منزلة من صام في غير رمضان أو في
التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها
بما شاء فأمضاه, وبخل منها بما شاء فأمسكه" 2
وسبق في الجمعة حديث جويرية3. وعن أم هانئ أن
النبي صلى الله عليه وسلم دعا بشراب فشرب ثم
ناولها فشربت فقالت أما إني كنت صائمة, فقال:
"الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن
ـــــــ
إحداهما لا يكره "قلت": وهو الصواب, وقد قال
في الرعايتين والحاويين: ويباح قضاء رمضان في
عشر ذي الحجة, وعنه: يكره, انتهى. والرواية
الثانية يكره, وقد علل بأن القضاء فيه يفوت به
فضل صيامه تطوعا, وبهذا علل الإمام أحمد
وغيره, ذكره ابن رجب في اللطائف, وقال: وقد
قيل: إنه يحصل به فضيلة صيام التطوع أيضا,
انتهى.
ـــــــ
1 مسلم "169 – 170" وأبو داود "2455" والترمذي
"733 – 734" والنسائي "4/193" وابن ماجه
"1701".
2 أخرجه النسائي "4/193".
3 ص "104".
(5/114)
شاء أفطر" له
طرق, فيه كلام يطول, رواه أحمد وصححه, وأبو
داود والنسائي وضعفه, والترمذي1 وقال: في
إسناده مقال, وضعفه أيضا البخاري, كصوم مسافر
في رمضان له الخروج لكونه كان مخيرا حالة
دخوله فيه. وكفعل الوضوء والاعتكاف, سلمه أبو
حنيفة على الأصح عنه, وكشروعه في أربع
بتسليمة, له أن يسلم من ركعتين "و" خلافا لأبي
يوسف وغيره, وكدخوله فيه ظانا أنه عليه فلم
يكن, سلمه أبو حنيفة وصاحباه وأشهب وعن أحمد:
يجب إتمام الصوم ويلزم القضاء, ذكره ابن
البناء. وفي الكافي2 "و هـ م" لقوله تعالى:
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]
ولقوله عليه السلام لعائشة وحفصة وقد أفطرتا
"لا عليكما صوما يوما مكانه" رواه أبو داود
وغيره3, وضعفوه, ثم هو للاستحباب, لقوله: "لا
عليكما" وعن شداد مرفوعا "أتخوف على أمتي
الشرك والشهوة الخفية" وفيه: "والشهوة الخفية:
أن يصبح أحدهم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "26893" وأبو داود "2456" والترمذي
"732" والنسائي في السنن الكبرى "3302".
2 "2/271".
3 أبو داود "2457" بلفظ "لا عليكما صوما مكانه
يوما آخر" وابن حبان "3517".
(5/115)
صائما فتعرض له
شهوة من شهواته فيترك صومه" رواه أحمد1 من
رواية عبد الواحد بن زيد وهو شيخ الصوفية
متروك بالاتفاق وكالحج والعمرة, وسبق ما يبين
الفرق, ولأن نفل الحج كفرضه في الكفارة وتقرير
المهر بالخلوة معه, بخلاف الصوم.
ونقل حنبل: إن أوجبه على نفسه فأفطر بلا عذر
أعاد, قال القاضي: أي نذره, وخالفه ابن عقيل,
وذكره أبو بكر في النفل وقال: تفرد به, وجميع
أصحابه لا يقضي, وعند أبي حنيفة يقضي المعذور,
وهو رواية في الرعاية وغيرها, وعند مالك لا
يقضي, وعن مالك: فيمن أفطر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "17120".
(5/116)
لسفر روايتان.
ولو أكل ناسيا لم يلزمه شيء عندهما, لصحة صومه
عند أبي حنيفة, وعذره عند مالك, وذكر ابن عبد
البر: لا يقضي معذور إجماعا, ولعل مراده عذر
لا صنع له فيه كالحيض ونحوه, فإن غيره حكاه
إجماعا, وعلى المذهب: هل يكره خروجه؟ يتوجه لا
يكره لعذر, وإلا كره, في الأصح وفاقا
للشافعية.
وهل يفطر لضيفه؟ يتوجه كصائم دعي, وعند
الشافعية: يفطر, وصرح أصحابنا في الاعتكاف:
يكره تركه بلا عذر. وصلاة التطوع كصوم التطوع
"و" وعنه: تلزمه بخلاف الصوم, قال في الكافي1:
ومال إليه أبو إسحاق الجوزجاني وقال: الصلاة
ذات إحرام وإحلال كالحج, قال صاحب المحرر:
وللرواية التي حكاها ابن البناء في الصوم تدل
على عكس هذا القول, لأنه خصه وعلل رواية لزومه
بأنه عبادة تجب بإفسادها الكفارة العظمى
كالحج, والمذهب التسوية بينهما, ولم يذكر أكثر
الأصحاب سوى الصلاة والصوم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/271".
(5/117)
وقيل: الاعتكاف
كالصوم, على الخلاف, يعني "أنه" إذا دخل في
الاعتكاف وقد نواه مدة لزمته ويقضيها "و م"
وذكره ابن عبد البر إجماعا, لا بالنية, وإن لم
يدخل, خلافا لبعض العلماء, ذكره ابن عبد البر.
نقل ابن منصور: المعتكف يجامع يبطل وعليه
الاعتكاف من قابل, ولعله في النذر, والأصح عند
أبي حنيفة كقولنا, وقول الشافعي لا يلزمه,
وعنه أيضا: يلزمه أقل الاعتكاف عنده يوم, ورد
صاحب المحرر والمغني على كلام ابن عبد البر:
وصلى صلى الله عليه وسلم الصبح مريدا للاعتكاف
في المسجد, وكله موضع له, ثم قطعه لما رأى
أخبية نسائه قد ضربت فيه ولم يقضين1, ومجرد
قضائه لا يدل على وجوبه, بدليل قطعه, وما في
السنن2 أنه كان إذا ترك الاعتكاف لسفر اعتكف
من العام المقبل عشرين.
ولو نوى الصدقة بمال مقدر وشرع في الصدقة
فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه, إجماعا,
قاله الشيخ وغيره "قال:" وهو نظير
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه البخاري "2041".
2 أبو داود "2463" وابن ماجه "1770" عن أبي بن
كعب.
(5/118)
الاعتكاف,
قالوا: وما مضى من اعتكافه لا يبطل "بترك"
اعتكاف المستقبل. وقال في الكافي1: وسائر
التطوعات من الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم
إلا الحج والعمرة, ثم ذكر ما سبق في الصلاة2,
والله أعلم.
ولو شرع في صلاة تطوع قائما لم يلزمه إتمامها
قائما بلا خلاف في المذهب "و" خلافا لأبي يوسف
ومحمد والحسن بن صالح.
وذكر القاضي وجماعة أن الطواف كالصلاة في
الأحكام إلا ما خصه الدليل فظاهره أنه كالصلاة
هنا "و م" وهو ظاهر كلام الحنفية, ويتوجه على
كل حال أن في طواف شوط أو شوطين أجرا, وليس من
شرطه تمام الأسبوع, كالصلاة ولهذا قال عبد
الرزاق: رأيت سفيان يفر من أصحاب الحديث, إذا
كثروا عليه دخل الطواف فطاف شوطا أو شوطين ثم
يخرج ويدعهم.
ولا تلزم الصدقة والقراءة والأذكار بالشروع
وفاقا. وقال ابن الجوزي في قوله:
{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} الآية
[الحديد: 27]: قال القاضي أبو يعلى: والابتداع
قد يكون بالقول, وبما ينذره ويوجبه على نفسه,
وقد يكون بالفعل بالدخول فيه, وعموم الآية
يقتضي الأمرين, فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع
قربة قولا أو فعلا فعليه رعايتها وإتمامها,
كذا قال. ويلزم إتمام نفل الحج والعمرة "و"
لانعقاد الإحرام لازما, لظاهر آية الإحصار,
فإن أفسدهما أو فسد لزمه القضاء "و"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/270".
2 ص "115".
(5/119)
قال صاحب
المحرر: لا أعلم أحدا قال بخلافهم. وفي
الهداية والانتصار وعيون المسائل لابن شهاب
رواية: يلزم القضاء, قال صاحب المحرر: لا
أحسبها إلا سهوا, ويأتي في الحج1.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "204".
(5/120)
فصل :سبق في
الصلاة في المغصوب هل يثاب على العبادة على
وجه محرم
أو مكروه, وسبق كلام شيخنا في صلاة التطوع2,
وسبق هناك هل يعمل بالخبر الضعيف في هذا؟ وذلك
مبسوط في آداب القراءة والدعاء من الآداب
الشرعية نحو نصف الكتاب, والكلام على الأخبار
في ذلك, كحديث أبي هريرة "ما جاءكم عني من خير
قلته أو لم أقله فأنا أقوله, وما أتاكم من شر
فأنا لا أقول الشر" رواه أحمد والبزار3 من
رواية أبي معشر واسمه نجيح فيه لين مع أنه
صدوق حافظ, وكحديث جابر "من بلغه عن الله شيء
له فيه فضيلة فأخذه إيمانا به ورجاء ثوابه
أعطاه الله عز وجل ذلك وإن لم يكن كذلك" رواه
الحسن بن عرفة في جزئه, ويتوجه أن إسناده حسن,
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات4 من طرق, ولم
يذكره من الطريق التي ذكرها ابن عرفة, والله
أعلم.
أما إذا قطع الصلاة أو الصوم فهل انعقد الجزء
المؤدي وحصل به قربة أم لا؟ وعلى الأول هل بطل
حكما لا أنه أبطله؟ كمريض صلى
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "204".
2 "2/405".
3 أحمد "10269" والبزار كشف الأستار "188".
4 "2/337".
(5/120)
جمعة بعد ظهره,
أو لا يبطل؟ اختلف كلام أبي الخطاب في
الانتصار وكلام غيره في ذلك. وفي كلام جماعة
بطلانه وعدم صحته "م 5" وحمل أبو المعالي
وغيره حديث عبادة فيمن ترك من الصلاة شيئا على
من ترك واجبا كخشوع وتسبيح, فلم يذكروا ترك
ركن وشرط, وذكر الأصحاب أن ترك ركن وشرط
كتركها كلها, قال جماعة: لأن الصلاة مع ذلك
وجودها كعدمها, ومرادهم بالنسبة إلى الصلاة لا
أنه لا يثاب على قراءة وذكر ونحو ذلك. وقال
شيخنا في رده على الرافضي1: جاءت السنة بثوابه
على ما فعله وعقابه على ما تركه, ولو كان
باطلا كعدمه ولا ثواب فيه لم يجبر بالنوافل
شيء. والباطل في عرف الفقهاء ضد الصحيح في
عرفهم, وهو ما أبرأ الذمة, فقولهم بطلت صلاته
وصومه وحجه لمن ترك ركنا بمعنى وجب القضاء, لا
بمعنى أنه لا يثاب عليها بشيء في الآخرة, إلى
أن قال: فنفى الشارع الإيمان عمن ترك واجبا
منه أو فعل محرما فيه كنفي غيره, كقوله: "لا
صلاة إلا بأم القرآن" 2 وقوله للمسيء: "فإنك
لم تصل" 3 و "لا صلاة لفذ" 4 وقال شيخنا أيضا
في قوله تعالى:
ـــــــ
"مسألة 6" قوله: أما إذا قطع الصلاة أو الصوم
فهل انعقد الجزء المؤدى وحصل به قربة أم لا؟
وعلى الأول هل بطل حكما لا أنه أبطله؟ كمريض
صلى جمعة بعد ظهره, أو لا يبطل؟ اختلف كلام
أبي الخطاب في الانتصار وكلام غيره في ذلك وفي
كلام جماعة بطلانه وعدم صحته, انتهى. في ضمن
كلام المصنف مسألتان.
ـــــــ
1 منهاج السنة "3/51".
2 أخرجه بنحوه أبو داود في سننه "824"
والنسائي في المجتبى "2/141".
3 تقدم "2/255".
4 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "3/105"
بنحوه.
(5/121)
{وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]:
البطلان هو بطلان الثواب, ولا نسلم بطلان
جميعه, بل قد يثاب على ما فعله, فلا يكون
مبطلا لعمله, والله أعلم.
(5/122)
فصل : من دخل
في واجب موسع,
كقضاء رمضان كله قبل رمضان, والمكتوبة في أول
وقتها, وغير ذلك, كنذر مطلق وكفارة إن قلنا:
يجوز تأخيرهما حرم خروجه منه بلا عذر "و".
قال الشيخ: بغير خلاف. وقال صاحب المحرر: لا
نعلم فيه خلافا, لأن الخروج من عهدة الواجب
متعين, ودخلت التوسعة في وقته رفقا ومظنة
الحاجة, فإذا شرع تعينت المصلحة في إتمامه,
وجاز للصائم في السفر الفطر, لقيام المبيح وهو
السفر, كالمرض, وخالفه جماعة شافعية في الصوم,
ووافقوا على المكتوبة أول وقتها, وإذا بطل فلا
كفارة, ولا يلزمه غير ما كان عليه قبل شروعه
فيه, قال في الرعاية: وقيل: ويكفر إن أفسد
قضاء رمضان.
(5/122)
فصل : ليلة
القدر ليلة شريفة معظمة,
زاد في المستوعب وغيره: والدعاء فيها
ـــــــ
"المسألة الأولى 6" إذا قطعها فهل انعقد الجزء
المؤدى وحصل به قربة أم لا.
"المسألة الثانية 7" على الأول هل بطل حكما أم
لا؟ "قلت": الصواب في ذلك انعقاد الجزء المؤدى
وحصول الثواب به للمعذور والبطلان حكما, وفي
كلام الشيخ تقي الدين والمصنف ما يدل على ذلك,
والله أعلم.
(5/122)
فصل : وليلة
القدر أفضل الليالي,
وهي أفضل من ليلة الجمعة, للآية, وذكره
الخطابي إجماعا وذكر ابن عقيل روايتين:
إحداهما هذا, والثانية ليلة الجمعة أفضل,
وعلله بأنها تتكرر, وبأنها تابعة لما هو أفضل
الأيام وهو يوم الجمعة, قال صاحب المحرر: وهي
اختيار ابن بطة وأبي الحسن الخرزي
(5/128)
وأبي حفص
البرمكي. واحتجوا بأن الليلة تابعة ليومها,
وفيه ما لم يذكر في فضل يوم ليلة القدر,
ولبقاء فضلها في الجنة, لأن في قدر يومها تقع
الزيارة إلى الحق سبحانه, كما رواه الترمذي
وابن ماجه1 من حديث أبي هريرة, وإسناده حسن.
وقال أبو الحسن التميمي: ليلة القدر التي أنزل
فيها القرآن أفضل من ليلة الجمعة, فأما
أمثالها من ليالي القدر فليلة الجمعة أفضل,
وذكر أبو بكر بن العربي المالكي في المعارضة
وذكر غيره أن يوم الجمعة أفضل الأيام.
وقال شيخنا: هو أفضل أيام الأسبوع إجماعا,
وقال: يوم النحر أفضل "أيام" العام, وكذا ذكر
جده صاحب المحرر في صلاة العيد من شرحه منتهى
الغاية أن يوم النحر أفضل, وظاهر ما ذكره أبو
حكيم أن يوم عرفة أفضل, وهذا أظهر, وقاله أكثر
الشافعية, وبعضهم: يوم الجمعة, وظهر مما سبق
أن هذه الأيام أفضل من غيرها, ويتوجه على
اختيار شيخنا بعد يوم النحر يوم القر الذي
يليه, لأنه احتج بقوله صلى الله عليه وسلم:
"أعظم الأيام عند الله
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الترمذي "2549" ابن ماجه "4336" بلفظ "إن
أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا الدنيا فيزورون
ربهم....." الحديث.
(5/129)
يوم النحر ثم
يوم القر" 1 قال في الغنية: إن الله اختار من
الأيام أربعة: الفطر والأضحى وعرفة ويوم
عاشوراء, واختار منها يوم عرفة. وقال أيضا: إن
الله اختار للحسين الشهادة في أشرف الأيام
وأعظمها وأجلها وأرفعها عنده منزلة, والله
أعلم
وعشر ذي الحجة أفضل, على ظاهر ما في العمدة
وغيرها وسبق كلام شيخنا في صلاة التطوع2. وقال
أيضا: قد يقال ذلك وقد يقال: ليالي عشر رمضان
الأخير وأيام ذلك أفضل, قال: والأول أظهر,
لوجوده, وذكرها. ورمضان أفضل, ذكره جماعة,
وذكره ابن شهاب فيمن زال عذره, وذكروا أن
الصدقة فيه أفضل, وعللوا ذلك.
قال شيخنا ويكفر من فضل رجبا عليه. وقال في
الغنية: إن الله اختار من الشهور أربعة: رجبا
وشعبان ورمضان والمحرم, واختار منها شعبان,
وجعله شهر النبي صلى الله عليه وسلم, فكما أنه
أفضل الأنبياء فشهره أفضل الشهور, كذا قال,
قال ابن الجوزي: قال القاضي أبو يعلى في قوله
تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:
36] إنما سماها حرما لتحريم القتال فيها,
ولتعظيم انتهاك المحارم فيها أشد من تعظيمه في
غيرها, وكذلك تعظيم الطاعات, ثم ذكر ابن
الجوزي أحد القولين في قوله تعالى: {فَلا
تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:
36] أي في الأربعة, وأن أحد الأقوال أن الظلم
المعاصي, قال فتكون فائدة تخصيص بها أن شأن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "19075" عن عبد الله بن قرط.
2 "2/338".
(5/130)
تعظيم المعاصي
فيها أشد من تعظيمه في غيرها, وذلك لفضلها على
ما سواها, كتخصيص جبريل وميكائيل, وقوله:
{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي
الْحَجِّ} [البقرة: 197] وكما أمر بالمحافظة
على الصلاة الوسطى, وقال: وهذا قول الأكثرين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــ
.......................................
(5/131)
باب الإعتكاف
مدخل
...
باب الاعتكاف
الاعتكاف لغة لزوم الشيء ومنه {يَعْكُفُونَ
عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يقال:
عكف بفتح الكاف يعكف بضمها وكسرها, قراءتان.
وشرعا لزوم مسجد بصفة مخصوصة قال ابن هبيرة:
وهذا الاعتكاف لا 1يحل أن1 يسمى خلوة, ولم يزد
على هذا, ولعل الكراهة أولى, ويسمى جوارا,
لقول عائشة رضي الله عنها, عنه عليه السلام:
وهو مجاور في المسجد. متفق عليه2, وفيهما3 من
حديث أبي سعيد قال: كنت أجاور هذه العشر يعني
الأوسط ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر
الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه.
وهو سنة "ع" ويجب بنذره "ع".
وإن علقه أو غيره4 بشرط, فله شرطه, نحو لله أن
أعتكف شهر رمضان إن كنت مقيما أو معافى, فكان
فيه مريضا أو مسافرا لم يلزمه شيء. وهل يلزم
بالشروع أو بالنية؟ سبق آخر الباب قبله5.
ولا يختص بزمان6 إلا ما نهي عن صيامه,
للاختلاف في جوازه بغير
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في "س".
2 البخاري "2028" ومسلم "297".
3 البخاري "2018" ومسلم "1167" "213".
4 أي العبادات المنذورة معونة أولي النهى
"3/113".
5 ص "118".
6 في "س" "بمكان".
(5/132)
صوم, وآكده
رمضان, "ع" وآكده العشر الأخير "ع" ولم يفارق
الأصحاب بين الثغر وغيره, وهو واضح, ونقل أبو
طالب: لا يعتكف في الثغر لئلا يشغله نفير.
ولا يصح إلا بالنية "و" ويجب تعيين المنذور
بالنية ليتميز, وإن نوى الخروج منه فقيل:
يبطل, لأنه يخرج منه بالفساد, كالصلاة, وقيل:
لا1, لتعلقه2 بمكان, كالحج "م 1" وللشافعية
وجهان, وإن خرج لما لا يبطل ولم يكن نوى مدة
مقدرة ابتداء النية, وإلا فلا, ذكره في
الترغيب وغيره, وظاهر كلام جماعة: لا يبتدئها.
ولا يصح من كافر ومجنون وطفل, كصلاة وصوم, قال
صاحب المحرر: لا أعلم فيه خلافا, وكذا ذكر
غيره, لخروجه3 بالجنون عن كونه من أهل المسجد,
على ما سبق في باب الغسل4, لكن يتوجه: هل
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: ويجب تعيين المنذور بالنية
ليتميز, وإن نوى الخروج منه فقيل: يبطل, لأنه
يخرج منه بالفساد, كالصلاة, وقيل: لا, لتعلقه
بمكان, كالحج, انتهى, وأطلقهما المجد في شرحه
فقال: لأصحابنا. وجهان, وعللهما بما قاله
المصنف, وأطلقهما أيضا في الرعاية الكبرى.
أحدهما يبطل, لأنه يخرج بالفساد منه, فهو
كالصلاة والصيام "قلت": وهو الصواب, وهو ظاهر
كلام أكثر الأصحاب.
والثاني لا يبطل, لما علله المصنف.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ب" "كتعلقه".
3 في "ب" "كخروجه".
4 "2/262".
(5/133)
يبني أو يبتدئ؟
الخلاف في بطلان الصوم.
ولا يبطل بإغماء, جزم به في الرعاية وغيرها,
ويأتي في النذر نذر الكافر1 والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "142".
(5/134)
فصل: ولا يجوز أن يعتكف العبد بلا إذن سيده,
...
فصل : ولا يجوز أن يعتكف العبد 2بلا إذن2
سيده,
ولا المرأة بلا إذن زوجها, "و", لتفويت
منافعهما3 المملوكة لهما, فإن شرعا في نذر أو
نفل بلا إذن فلهما تحليلهما, وفاقا, لحديث أبي
هريرة "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من
غير رمضان إلا بإذنه" إسناده جيد, رواه
الخمسة4, وحسنه الترمذي. وضرر الاعتكاف أعظم,
والحج آكد, وخرج5 في منتهى الغاية: لا يمنعان
من اعتكاف منذور, كرواية في المرأة في صوم وحج
منذورين, ذكرها في المجرد والتعليق, ونصرها في
غير موضع, والعبد يصوم النذر, ويأتي هذا الوجه
في الواضح في النفقات6, قال: ويتخرج وجه ثالث:
منعهما وتحليلهما من نذر مطلق فقط, لأنه على
التراخي, كوجه لأصحابنا في صوم وحج منذورين,
قال: ويتخرج وجه رابع: منعهما وتحليلهما إلا
من منذور معين قبل النكاح والملك, كوجه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "142".
2 2 في "س" "إلا بإذن".
3 في "ب" "منافعها".
4 أحمد "7343" وأبو داود "2458" والترمذي
"782" والنسائي في السنن الكبرى "2920" وابن
ماجه "1761".
5 في "س" "جزم".
6 "9/265".
(5/134)
لأصحابنا في
سقوط نفقتها1, ويتوجه: إن لزم بالشروع فيه
فكالمنذور, وقاله الأوزاعي,
فعلى الأول إن لم يحللاهما صح وأجزأ "و", وقال
في منتهى الغاية: قال جماعة من أصحابنا منهم
ابن البنا: يقع باطلا, لتحريمه, كصلاة في
مغصوب, وجزم به في المستوعب, وكذا في الرعاية,
وذكره نص أحمد في العبد.
وإن أذنا لهما ثم أرادا تحليلهما فلهما ذلك إن
كان تطوعا, وإلا فلا "و ش" لأنه صلى الله عليه
وسلم أذن لعائشة وحفصة وزينب في الاعتكاف ثم
منعهن منه بعد أن دخلن فيه2, ولأن حقهما واجب,
والتطوع لا يلزم بالمشروع, على ما سبق, فهي
هبة منافع تتجدد, ولا يلزم منها ما لم يقبض,
على ما يأتي في العارية3.
ومذهب "م" منع تحليلهما مطلقا, للزومه بالشروع
عنده.
ومذهب "هـ" له تحليل العبد فيهما لأنه لا يملك
بالتمليك, و4يكره لإخلافه الوعد, ولا يملك
تحليل الزوجة فيهما, لملكها بالتمليك4.
ولو رجعا بعد الإذن قبل الشروع جاز "ع", بخلاف
حق الشفعة والقصاص فإنه إسقاط لأمر مضى لا
يتجدد, واختار صاحب المحرر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" و"ط" "نفقتها".
2 أخرجه البخاري "2045" من حديث عائشة رضي
الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان
فاستأذنه عائشة فاستأذن لها وسألت حفصة عائشة
أن تستأذن لها ففعلت ....." الحديث.
3 7/275".
4 4 ليست في "ب" و"س".
(5/135)
في النذر
المطلق الذي يجوز تفريقه كنذر عشرة أيام
متفرقة أو متتابعة إذا اختارا فعله متتابعا
وأذن لهما في ذلك يجوز له تحليلهما منه 1عند
منتهى1 كل يوم, لجواز الخروج له منه إذن,
كالتطوع, قال: وتعليل أصحابنا يدل عليه, وهذا
متوجه, وظاهر كلامهم المنع كغيره. وفي
الرعاية: لهما تحليلهما في غير نذر, وقيل: في
غير وقت معين2, وللشافعية وجهان.
والإذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذر زمنا
معينا بالإذن, وإلا فلا, "و ش" لأن زمن الشروع
لم يقتضه الإذن السابق وقدم الشيخ منع
تحليلهما أيضا, كالإذن في الشروع.
وللمكاتب أن يعتكف بلا إذن, نص عليه, لملكه
منافعه, كحر مدين, بخلاف أم الولد والمدبر,
قال جماعة: ما لم يحل نجم, وله أن يحج بلا إذن
نص عليه, كالاعتكاف, وأولى, لإمكان التكسب
معه, ولا يمنع من إنفاقه للمال فيه,
كالاعتكاف, وكتركه التكسب مدة, وينفق فيها
عليه مما قد جمعه, واختار الشيخ: يجوز إن لم
يحتج أن ينفق فيه مما قد جمعه ما لم يحل نجم,
ونقل الميموني: له الحج من المال الذي جمعه ما
لم يأت نجمه, وحمله القاضي وابن عقيل و الشيخ
على إذنه له, ويجوز بإذنه,
ـــــــ
"تنبيه" قوله: وله أن يحج بلا إذن يعني
المكاتب يأتي في باب الكتابة بيان أن المصنف
ناقض في كلامه من وجهين, وتحرير ذلك3.
ـــــــ
1 1 ليست في "س".
2 بعدها في الأصل "غير".
3 "8/123".
(5/136)
أطلقه1 جماعة
وقالوا: نص عليه أحمد. ولعل المراد ما لم يحل
نجم, وصرح به بعضهم, وعنه: المنع مطلقا, "و
ق".
ومن بعضه حر إن كان بينه وبين السيد مهايأة2
فله أن يعتكف ويحج في نوبته بلا إذنه, لأن
منافعه له فيها, وإلا فلسيده منعه. والله
أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "نقله".
2 المهايأة: المناوبة بأن يكون لسيده يوما
ولنفسه يوما أو لسيده أسبوعا ومثله لنفسه
وهكذا.
(5/137)
فصل: ولا يصح من رجل تلزمه الصلاة جماعة في
مدة اعتكافه إلا في مسجد تقام فيه الجماعة,
ولو من رجلين معتكفين,
...
فصل : ولا يصح من رجل تلزمه الصلاة3 جماعة في
مدة اعتكافه إلا في مسجد تقام فيه الجماعة, "و
هـ", ولو من رجلين معتكفين,
وإلا صح منه في مسجد غيره, وفي الانتصار: ولا
يصح من الرجل مطلقا إلا في مسجد تقام فيه
الجماعة, قال صاحب المحرر: وهو ظاهر رواية ابن
منصور, وظاهر قول الخرقي, ووجه المذهب ما رواه
سعيد4: حدثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن
شقيق بن سلمة عن حذيفة أنه قال لابن مسعود:
لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" أو
قال "في مسجد جماعة" حديث صحيح, وعن عائشة رضي
الله عنها قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود
مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا
يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه,
5ولا اعتكاف إلا بصوم5,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 ليست في الأصل.
4 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8016" وأخرجه
عبد الرزاق في مصنفه "8009" أيضا عن علي ين
أبي طالب قال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.
5 5 ليست في "ب".
(5/137)
ولا اعتكاف,
إلا في مسجد جامع. رواه أبو داود1 وقال: غير
عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت:
السنة, يعني أنه موقوف, وعبد الرحمن مختلف
فيه, وروى له مسلم, ورواه الدارقطني2 بإسناد
جيد من حديث الزهري عن عروة وابن المسيب عن
عائشة في حديث عنها, وفيه "وإن السنة" وذكره.
وفي آخره ويأمر من اعتكف أن يصوم وقال: يقال:
"إن السنة" إلى آخره من قول الزهري, ومن أدرجه
في الحديث فقد وهم, ورواه أبو بكر النجاد
وغيره عن علي وغيره, ولأن الجماعة واجبة,
فيحرم تركها.
ويفسد الاعتكاف بتكرار الخروج, وظهر من هذا إن
قلنا لا تجب الجماعة يصح في كل مسجد, "و م ش",
لظاهر الآية3.
ولا يصح إلا في مسجد, إجماعا, حكاه ابن عبد
البر, وجوزه بعض المالكية وبعض الشافعية في
مسجد بيته. ويصح في المساجد الثلاثة, إجماعا,
حكاه ابن المنذر, وعن حذيفة4 وابن المسيب: لا
اعتكاف إلا فيها. والله أعلم.
ورحبة المسجد ليست منه, في رواية, وهي ظاهر
كلام الخرقي, وعنه:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2473".
2 في سننه "2/201".
3 وهي قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
4 تقدم في الصفحة السابقة.
(5/138)
بلى, جزم به
بعضهم, وفاقا, وجزم به القاضي في موضع, وجمع
بين الروايتين في موضع, فقال: إن كانت محوطة
فهي منه, وإلا فلا, قال صاحب المحرر: ونقل
محمد بن الحكم ما يدل على صحته فقال: إذا سمع
أذان العصر في رحبة مسجد الجامع انصرف ولم
يصل, ليس هو بمنزلة المسجد, حد المسجد الذي
جعل عليه حائط وباب. وقدم هذا في المستوعب,
وصححه أيضا وقال: ومن أصحابنا من جعل المسألة
على روايتين "م 2" وفي كلام الشافعية: الرحبة
المتصلة به منه. والله أعلم.
وظهر المسجد منه "و هـ ش", ومذهب "م" لا يعتكف
فيه ولا في بيت قناديله. وقال "م" أيضا: يكره,
والله أعلم.
ـــــــ
مسألة 2 قوله: ورحبة المسجد ليست منه, في
رواية, وهي ظاهر كلام الخرقي وعنه: بلى, جزم
به بعضهم, وجزم به القاضي في موضع, وجمع بين
الروايتين في موضع, فقال: إن كانت محوطة فهي
منه, وإلا فلا, قال صاحب المحرر: ونقل محمد بن
الحكم ما يدل على صحته فقال: إذا سمع أذان
العصر في رحبة مسجد الجامع انصرف ولم يصل, ليس
هو بمنزلة المسجد, حد المسجد هو الذي عليه
حائط وباب, وقدم هذا في المستوعب وصححه أيضا
وقال: ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين
انتهى كلام المصنف وأطلق الروايتين الأولتين
في الفائق والزركشي.
إحداهما ليست من المسجد, وهو الصحيح, وهو ظاهر
كلام الخرقي وجماعة منهم الشارح وصاحب
الرعايتين والحاويين في موضع من كلامهم, وقدمه
المجد في شرحه, وهو ظاهر ما قدمه الشارح في
موضع, ونص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم,
قال الحارثي في إحياء الموات: اختاره الخرقي
وصاحب المحرر, انتهى والرواية الثانية هي من
المسجد, قال المصنف: جزم به بعضهم "قلت" جزم
به
(5/139)
والمنارة التي
للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي منه,
بدليل منع جنب والأشهر عن مالك: يكره, وقاله
الليث. وإن كان بابها خارجا منه بحيث لا
يستطرق إليها إلا خارج المسجد أو كانت خارج
المسجد والمراد والله أعلم وهي قريبة منه كما
جزم "به" بعضهم فخرج للأذان بطل اعتكافه, لأنه
مشى حيث يمشي جنب, لأمر منه بد, كخروجه إليها
لغير الأذان, وقيل: لا يبطل, واختاره ابن
البنا وصاحب المحرر. وقال القاضي: لأنها بيتت
له, فكأنها منه. وقال أبو الخطاب: لأنها1
كالمتصلة به. وقال صاحب المحرر: لأنها بنيت
للمسجد لمصلحة الأذان, فكأنها منه فيما بنيت
له, ولا يلزم منه "ثبوت" بقية أحكام المسجد,
لأنها لم تبن له, وللشافعية وجهان, وثالث: إن
ألف الناس صوت المؤذن جاز, للحاجة وإلا فلا,
وإن كانت في الرحبة فهي منها 2"وإلا فلا"2
والله أعلم.
والأفضل اعتكاف الرجل في الجامع إذا كان
اعتكافه تتخلله جمعة, ولا يلزم وفاقا لأكثر
العلماء, منهم أبو حنيفة وظاهر مذهب الشافعي,
وحكاه في شرح مسلم عن مالك, لما سبق, ولأنه
خرج لما لا بد منه, وكأنه
ـــــــ
في الرعاية الصغرى والحاويين في موضع فقالا:
ورحبة المسجد كهو, وجمع القاضي بينهما في موضع
من كلامه بما ذكره المصنف وغيره, وقدمه في
المستوعب وقال: ومن أصحابنا من جعل المسألة
على روايتين, والصحيح أنها رواية واحدة على
اختلاف الحالين, انتهى. وقدمه الرعاية الكبرى
في موضع, وكذا في الآداب الكبرى والوسطى.
ـــــــ
1 في الأصل "كأنها".
2 2 ليست في "ب" و"س".
(5/140)
استثنى الجمعة,
ولا1 تتكرر, بخلاف الجماعة. وفي الانتصار وجه:
يلزم, فإن اعتكف في غيره بطل بخروجه إليها, "و
م", لأنه أمكنه أن يحترز منه, كالخارج من صوم
الشهرين المتتابعين إلى صوم رمضان, ونحن
نمنعه, على ما يأتي, فأما إن عين بنذره المسجد
الجامع تعين موضع الجمعة, وإن عين غير موضعها
لم يتعين موضعها, ولا يصح إن وجبت الجماعة
بالاعتكاف فيما تقام فيه الجمعة وحدها, ويصح
عند مالك والشافعي ولمن لا تلزمه الجمعة أن
يعتكف في غير الجامع, وتبطل بخروجه إليها إلا
أن يشترطه, كعيادة المريض.
ويصح من المرأة في كل مسجد, للآية, والجماعة
لا تلزمها. وفي الانتصار: في مسجد تقام فيه
الجماعة, وهو ظاهر رواية ابن منصور, وظاهر
رواية الخرقي. لما رواه حرب وغيره2 بإسناد جيد
عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة
جعلت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها في بيتها,
فقال: بدعة, وأبغض الأعمال إلى الله البدع,
فلا اعتكاف إلا في مسجد. تقام فيه الجماعة,
ولا يصح في مسجد بيتها وهو ما اتخذته لصلاتها
لما سبق3,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/316"
بنحوه عن علي الأزدي عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
3 ص "138".
(5/141)
وهذا ليس بمسجد
حقيقة ولا حكما, ويصح عند أبي حنيفة, وأنه
أفضل, وفي كتبهم كالمختار1: المرأة تعتكف في
بيتها, قال الأصحاب: فلم2 ينبه أزواجه على
ذلك؟ وإنما خاف عليهن التنافس في الكون معه,
وترك المستحاضة فيه والطست تحتها3, قال صاحب
المحرر: إننا نكرهه لها إذا لم تتحفظ بخباء
ونحوه, واستحبه غيره, وأن لا يكون بموضع
الرجال, نقل أبو داود وغيره: يعتكفن في
المساجد ويضربن لهن فيها الخيم, قال الشيخ
وغيره: ولا بأس أن يستتر الرجل أيضا, لفعله
عليه السلام, لأنه أخفى لعمله, ونقل ابن
إبراهيم وغيره: لا4 إلا لبرد شديد, ونقل صالح
وابن منصور: لبرد "والله أعلم".
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هو لابن مودود الموصلي وشرحه المسمى
"الاختيار".
2 بعدها في "ب" و"س" "لم"
3 أخرجه البخاري "2037" عن عائشة قالت: اعتكفت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من
أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة
فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي.
4 ليست في "ب" و"س".
(5/142)
فصل : ويصح
بغير صوم,
هذا المذهب"و ش", لأن عمر سأله صلى الله عليه
وسلم: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة وفي
لفظ لمسلم: يوما في المسجد الحرام, قال أوف
بنذرك زاد البخاري: "فاعتكف ليلة" 5, ولحديث
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
5 البخاري "2042" ومسلم "1656" "27" من حديث
عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما.
(5/142)
ابن عباس "ليس
على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" رواه
الدارقطني1 وقال: رفعه السوسي أبو بكر2, وغيره
لا يرفعه, قال صاحب المحرر: هو ثقة فيقبل رفعه
وزيادته. قاله الخطيب: دخل بغداد وحدث أحاديث
مستقيمة. ولأنه لا دليل. وتفرد عبد الله بن
بديل وله مناكير بقوله صلى الله عليه وسلم
لعمر: "اعتكف وصم" رواه أبو داود3, وضعفه
وزيادته أبو بكر النيسابوري والدارقطني
وغيرهما4, ثم أمره استحبابا أو نذره مع
الاعتكاف, بدليل قوله: إنه نذر أن يعتكف في
الشرك ويصوم, قال الدارقطني: إسناد حسن تفرد
به سعيد بن بشير, وأقوال الصحابة مختلفة.
فعلى هذا أقله5 تطوعا, أو نذر اعتكافا وأطلق
ما يسمى به معتكفا لابثا, فظاهره ولو لحظة
وفاقا للأصح للشافعية, وأقله عندهم مكث يزيد
على طمأنينة الركوع أدنى زيادة, وفي كلام
جماعة أقله ساعة لا لحظة, ولا يكفي عبوره,
خلافا لبعض الشافعية, ويصح الاعتكاف في أيام
النهي التي لا يصح صومها. ولو صام ثم أفطر
عمدا لم يبطل اعتكافه.
وعنه: لا يصح الاعتكاف بغير صوم, و هـ م",
فعلى هذا لا يصح ليلة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2/199".
2 هو أبو بكر بن إسحاق بن عبد الرحيم السوسي
نسبة إلى السوس بلدة من كور الأهواز من بلاد
خورستان الأنساب "7/190".
3 في سننه "2474".
4 سنن الدارقطني "2/200" والكامل في الضعفاء
لابن عدي "4/1529".
5 في "س" "فله".
(5/143)
مفردة, وفي
أقله وجهان قال في منتهى الغاية: أحدهما يوم,
اختاره أبو الخطاب وفاقا لرواية عن أبي حنيفة,
لأنه أقل ما يتأتى فيه الصوم. الثاني أقله ما
يقع عليه الاسم إذا وجد "في" الصوم, لوجود
اللبث بشرطه, وجزم بهذا غير واحد "م 3" وهو
أصح عن أبي حنيفة. وجزم في المستوعب والرعاية
وغيرهما: إن نذر اعتكافا وأطلق يلزمه يوم,
ومرادهم إذا لم يكن صائما, كما ذكره في
المستوعب فيما إذا نذر اعتكاف يوم يقدم فلان
أجزأه بقية النهار إن كان صائما, وجزموا في
النذر على الأول بأن يوما وليلة أولى, لا يوما
"ش" ليخرج من الخلاف, ومذهب مالك يوم وليلة
وعنه أيضا: ثلاثة.
ـــــــ
"مسألة 3" قوله: ويصح بغير صوم, هذا المذهب
وعنه: لا يصح "الاعتكاف" بغير صوم, فعلى هذا
لا يصح في ليلة مفردة, وفي أقله وجهان, قاله
في منتهى الغاية: أحدهما يوم, قاله أبو
الخطاب. والثاني أقله ما يقع عليه الاسم إذا
وجد في الصوم, لوجود اللبث بشرطه, وجزم بهذا
غير واحد, انتهى.
الوجه الأول اختاره1 أبو الخطاب, وقدمه في
المغني2 والشرح3 والفائق, وهو ظاهر ما جزم به
في الهداية والمذهب والمقنع4 والتلخيص وغيرهم.
والوجه الثاني جزم به في المحرر والإفادات
والرعايتين والحاويين والنظم وغيرهم, واختاره
في الفائق "قلت" وهو الصواب, وأطلقهما المجد
في شرحه والزركشي, وذكر المصنف كلامه في
المستوعب والرعاية وغيرهما, وبين مرادهم.
ـــــــ
1 في ا لنسخ الخطية و"ط" "قاله" والمثبت من
"الفروع".
2 "4/461".
3 المقنع مع الشرح الكبير والانصاف "7/569 –
570".
4 المقنع مع الشرح الكبير والانصاف "7/566".
(5/144)
ولا يصح في
أيام النهي التي لا يصح صومها "و هـ م"
واعتكافها نذرا ونفلا كصومها نذرا ونفلا, فإن
أتى عليه يوم العيد في أثناء اعتكاف متتابع,
فإن قلنا يجوز الاعتكاف فيه فالأولى أن يثبت
مكانه, ويجوز خروجه لصلاة العيد, ولا يفسد
اعتكافه, خلافا للشافعي وعبد الملك المالكي,
وإن قلنا لا يجوز خرج إلى المصلى إن شاء وإلى
أهله, وعليه حرمة العكوف ثم يعود قبل غروب
الشمس من يومه لتمام أيامه, هذا قول مالك,
قاله صاحب المحرر.
ولا يشترط أن يصوم للاعتكاف ما لم ينذر له
الصوم, لظاهر الآية والخبر. وكما يصح أن يعتكف
في رمضان تطوعا أو بنذر عينه به "و",
ـــــــ
.......................................
(5/145)
وشرطه الحنفية
للاعتكاف الواجب في الذمة. فلو نذر اعتكاف رجب
فتركه واعتكف رمضان أو نذر اعتكاف رمضان فتركه
واعتكف رمضان المقبل لم يجزئه. وكذا عندهم
الاعتكاف المطلق إذا فعله في رمضان, لوجوب صوم
في ذمته, فلا يتأدى برمضان, كنذر الصوم
المفرد. وأجيب بالمنع. وأن الواجب أن يعتكف في
أي صوم كان. كمن نذر صلاة وهو محدث ثم تطهر
لمس المصحف له أن يصليها به. ولأنه لو نذر أن
يعتكف رمضان فأفطره لعذر فقضاه واعتكف مع
القضاء أجزأه "و".
وإن نذر أن يعتكف رمضان ففاته لزمه شهر غيره
"و" خلافا لأبي يوسف وزفر, لأن كل قربة معلقة
"بزمن" لا تسقط بفواته كنذر صلاة في يوم معين,
أو الصدقة, وكنذر اعتكاف مدة معينة غير رمضان,
وخالف فيه بعض الشافعية, لفوات الملتزم, ويبطل
هذا بالصوم المعين "ع" والله أعلم. ثم إذا لزم
شهر غيره فقدم بعضهم لا يلزمه صوم1, لأنه لم
يلتزمه, وقيل: يلزمه, قال في الرعاية: وهو
أولى, ثم قال: وقيل: إن شرطناه فيه لزمه2,
وإلا فلا, وهذا هو الذي في المستوعب ومنتهى
الغاية, تحقيقا لشرط الصحة "م 4".
ـــــــ
"مسألة 4" قوله: وإن نذر أن يعتكف رمضان ففاته
لزمه شهر غيره. ثم إذا لزم شهر غيره فقدم
بعضهم لا يلزمه صوم, لأنه لم يلتزمه, وقيل:
يلزمه, قال في الرعاية: وهو أولى, ثم قال:
وقيل, إن شرطناه فيه لزمه, وإلا فلا, وهذا
"هو" الذي في المستوعب ومنتهى الغاية, تحقيقا
لشرط الصحة, انتهى, فقوله "قدم بعضهم لا يلزمه
صوم" البعض صاحب الرعايتين والحاويين والفائق
ـــــــ
1 ليس في الأصل.
2 في الأصل "لزم".
(5/146)
ويجزئ مع شرط
الصوم رمضان آخر. وذكر القاضي وجها1: لا
يجزئه, وهو كقول الحنفية السابق, وأطلق بعضهم
وجهين, ولم يذكر القاضي خلافا في نذر الاعتكاف
المطلق أنه يجزئه صوم رمضان وغيره, وهذا خلاف
نص أحمد. ومتناقض, لأن المطلق أقرب إلى التزام
الصوم, فهو أولى, ذكره صاحب المحرر, ولم يرد
القاضي هذا وإن دل عليه كلامه, والقول به في
المطلق متعين, وعلل في المستوعب
ـــــــ
"قلت": الصواب ما قاله صاحب المستوعب والمجد
في شرحه, وليس ذلك بمناف لما قدمه في
الرعايتين والحاويين والفائق, والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
(5/147)
الإجزاء بأنه
لم يلزمه بالنذر صيام, وإنما أوجب ذلك عن شهر
رمضان وعلل عدمه بأنه لما فاته لزمه اعتكاف
شهر بصوم, فلم يقع صيامه عنه, والله أعلم.
وإن نذر اعتكاف عشره الأخير فنقص أجزأه وفاقا,
بخلاف نذر عشرة أيام من آخر الشهر فنقص يقضي
يوما, "و".
وإن فاته العشر فقضاه خارج رمضان جاز, ذكره
القاضي, وفاقا, لقضائه صلى الله عليه وسلم في
العشر الأول من شوال1, متفق عليه2, وكقضاء نذر
صوم عرفة أو عاشوراء في غيره. وقال ابن أبي
موسى3: يلزمه مثله من قابل, وهو ظاهر رواية
حنبل وابن منصور في المعتكف يقع على امرأته
عليه الاعتكاف من قابل, لاشتماله على ليلة
القدر, وسبق أن من نذر قيامها لزمه, فكذا
اعتكافها, ذكره صاحب المحرر. وقال في الرعاية:
يلزمه مثله من رمضان الآتي, في الأشهر, قال من
عنده, ويحتمل "أن يجزئه" مثله من شهر غيره.
ويتوجه من تعيين العشر تعيين رمضان في التي
قبلها, ولهذا لما ذكر في المستوعب المسألة
الأولى قال: وقد ذكر ابن أبي موسى. فذكر قوله
ولم يزد, ولعل الثاني أظهر, لأن فعله صلى الله
عليه وسلم تطوع, والصوم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "شعبان".
2 البخاري "2034" ومسلم "1173" "6" من حديث
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان
الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية: خباء عائشة
وخباء حفصة وخباء زينب فقال: "البر تقولون
بهن" ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من
شوال واللفظ للبخاري.
3 في الإرشاد ص "155".
(5/148)
يجزئ المفضول
فيه عن الفاضل, بدليل أيام الأسبوع والأشهر
والله أعلم.
(5/149)
فصل : من قال:
لله علي أن أعتكف صائما
أو بصوم لزماه معا, فلو فرقهما أو اعتكف وصام
فرض رمضان ونحوه لم يجزئه, لظاهر قوله صلى
الله عليه وسلم: "ليس على المعتكف صيام إلا أن
يجعله على نفسه" 1 ولأن الصوم صفة مقصودة فيه,
كالتتابع وكالقيام في صلاة التطوع. وذكر صاحب
المحرر عن بعض أصحابنا: يلزمه الجميع لا
الجمع, فله فعل كل منهما منفردا. وقاله بعض
الشافعية كما لو نذر أن يصلي صائما أو بالعكس,
قال صاحب المحرر: لا نسلمه ونقول: يلزمه الجمع
كما قال, ثم سلمه وهذا هو المعروف, لكون كل
منهما ليس بمقصود في الآخر ولا سبته. وإن نذر
أن يصوم معتكفا فالوجهان لنا وللشافعية في
التي قبلها, قاله صاحب المحرر, وفرق في
التلخيص بينهما بأن الصوم ليس من شعاره
الاعتكاف,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه "143".
(5/149)
واختاره بعض
الشافعية. وإن نذر أن يعتكف مصليا فالوجهان في
المذهبين. وفيهما وجه ثالث: لا يلزمه الجمع
هنا, لتباعد ما بين العبادتين, وكل واحد من
الصوم والاعتكاف كف يعتبر بالزمان, فلزم الجمع
بينهما بالنذر, كالحج والعمرة, ولا يلزمه أن
يصلي جميع الزمان, ذكر ذلك صاحب المحرر,
والمراد ركعة أو ركعتان, ولم يذكر هذه الصورة
في التلخيص والرعاية, وذكر أن يصلي معتكفا
وأنه لا يلزم, ولا فرق بينهما.
وإن نذر أن يصلي صلاة ويقرأ فيها سورة بعينها
لزمه الجمع, فلو قرأها خارج الصلاة لم يجزئه,
ذكره في الانتصار, وللشافعي قولان: أحدهما
يجوز التفريق, قال صاحب المحرر: ويتخرج لنا
مثله, وقالت الحنفية: لا يلزم حال الناذر في
جميع هذه المسائل إذا كانت عبادة مفردة, فإذا
نذر أن يصلي معتكفا أو بالعكس, 1أو نذر أن
يصوم مصليا أو بالعكس, أو نذر أن يحج معتكفا
أو بالعكس1, ونحوه, لزمه الأول لا
ـــــــ
"تنبيه" قوله: "وإن نذر أن يصوم معتكفا
فالوجهان" وكذا قوله: "وإن نذر أن يعتكف مصليا
فالوجهان" يعني المتقدمين قبل, والمصنف قد قدم
أنهما يلزمانه معا فيما إذا نذر أن يعتكف
صائما أو يصوم, فكذا هنا, والله أعلم.
ـــــــ
1 1 ليست في "ب".
(5/150)
الثاني, لا
منفردا ولا مع الأول, لأنه لم يلتزمه1 منفردا,
وليس بصفة مقصودة ليلزم بالنذر, وإن نذر أن
يعتكف صائما لزمه الصوم2, لكونه شرطا فيه على
أصلهم, وإن نذر أن يصوم معتكفا فلهم وجهان:
أحدهما لا يلزمه سوى الصوم3, كما سبق, والثاني
يلزمه الاعتكاف, لأنه ليس عبادة مستقلة, فجاز
جعله شرطا في العبادة التي جعلت شرطا له. ونصر
صاحب المحرر وجوب الجمع في ذلك كله, لأنه
التزمه كذلك فيدخل في قوله صلى الله عليه
وسلم: "من نذر نذرا أطاقه فليف به" 4 ولأنه
طاعة, لاستباقه إلى الخيرات, ولكونه أشق. قال:
وما علل به المخالف يبطل بالتتابع في الصوم
يلزم بالنذر, وكل يوم عبادة مستقلة. والله
أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "س" "يلزمه".
2 ليست في الأصل.
3 في "ب" و"س" "الأول".
4 أخرجه أبو داود "3323" وابن ماجه "2128" من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(5/151)
فصل : من نذر
الاعتكاف
أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد
الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو
المسجد الأقصى لم يجزئه في غيرها "هـ" لفضل
العبادة فيها على غيرها, وللشافعي قول: يتعين
المسجد الحرام فقط. وإن عين المسجد الحرام لم
يجزئه غيره, لأنه أفضلها, احتج به أحمد
والأصحاب, فدل إن قلنا إن المدينة أفضل أن
مسجدها أفضل "ر م" وهذا ظاهر كلام صاحب المحرر
وغيره, وصرح به صاحب الرعاية.
(5/151)
وإن عين مسجد
المدينة لم يجزئه غيره, لأنه دونه, إلا المسجد
الحرام على ما سبق. وإن عين المسجد الأقصى
أجزأه المسجدان فقط, نص عليه, لأفضليتهما عليه
"م" في مسجد المدينة. وإن عين مسجدا غير هذه
الثلاثة لم يتعين, لحديث أبي هريرة: "لا تشد
الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" وذكرها, متفق
عليه1, ولمسلم2 في رواية: "إنما يسافر إلى
ثلاثة مساجد" فلو تعين احتاج إلى شد رحل, كذا
ذكره الأصحاب, وهو صحيح فيما إذا احتاج إلى
ذلك, وخالف فيه الليث, ويتوجه إلا مسجد قباء,
وفاقا لمحمد بن مسلمة المالكي, لقول ابن عمر:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور قباء
راكبا وماشيا. وفي رواية: كان يأتي قباء كل
سبت, كان يأتيه راكبا وماشيا ويصلي فيه
ركعتين. وكان ابن عمر يفعله, متفق عليه3.
وللنسائي "وابن ماجه"4 من حديث سهل بن حنيف:
"إن من خرج حتى يأتيه فيصلي فيه كان له عدل
عمرة" , وعن أسيد بن ظهير مرفوعا: "الصلاة في
مسجد قباء كعمرة" رواه الترمذي5 وقال: غريب,
ولا نعرف لأسيد شيئا يصح
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1189" ومسلم "1397" "511".
2 في صحيحه "1397" "513".
3 البخاري "1191" "1193" ومسلم "1399" "515,
520, 521"
4 النسائي في المجتبى "2/37" وابن ماجه "412"
بنحوه.
5 في سننه "324".
(5/152)
غير هذا. وفيه
تخصيص بعض الأيام بالزيارة, وكرهه 1محمد بن
مسلمة المالكي. أما ما لم يحتج إلى شد رحل
فمفهوم كلامه في المغني2 يلزم فيه1, وهو ظاهر
الانتصار, فإنه قال: القياس لزومه تركناه
لقوله: "لا تشد الرحال...." 3. وذكره أبو
الحسين احتمالا في تعيين المسجد العتيق
للصلاة, وذكر صاحب المحرر أن القاضي ذكر
تعيينه لها, قال صاحب المحرر: لأنه أفضل, قال:
ونذر الاعتكاف مثله, وأطلق شيخنا وجهين في
تعيين ما امتاز بمزية شرعية, كقدم وكثرة جمع,
واختار في موضع آخر: يتعين, وصرح المالكية
بهذا في المسجد القريب, وقطع به ابن الجلاب
منهم, ورواه محمد بن المواز في الموازية عن
مالك, وذكره بعض الشافعية وجها, وبعضهم قولا
في تعيين المساجد للاعتكاف, واحتجوا لعدم
التعيين بأنه لا مزية لبعض المساجد على بعض
بمزية أصلية, وهذا يبطل بقباء, ثم هي طاعة,
فتدخل في الخبر, ثم ما الفرق؟ واحتج الأصحاب
بأن الله لم يعين لعبادته مكانا: ويبطل ببقاع
الحج. وقال القاضي وابن عقيل: الاعتكاف
والصلاة لا يختصان بمكان, بخلاف الصوم, كذا
قالا "م هـ" فعلى المذهب الأول يعتكف في غير
المسجد الذي
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 "4/493 – 494".
3 تقدم تخريجه ص "152".
(5/153)
عينه, وفي
الكفارة وجهان إن وجبت في غير المستحب. وكذا
الصلاة "م 6".
وظاهر كلام جماعة: يصلي في غير مسجد أيضا,
ولعله مراد غيرهم, وهو متجه. وإن أراد الذهاب
إلى ما عينه فإن احتاج إلى شد رحل خير
ـــــــ
"مسألة 5" قوله: وإن عين مسجدا غير هذه
الثلاثة لم يتعين. أما ما لم يحتج إلى شد رحل
فمفهوم كلامه في المغني يلزم فيه, وهو ظاهر
الانتصار, فإنه قال: القياس لزومه تركناه
لقوله: "لا تشد الرحال" 1, وذكره أبو الحسين
احتمالا في تعيين المسجد العتيق للصلاة, وذكر
صاحب المحرر أن القاضي ذكر تعيينه لها, قال
صاحب المحرر: لأنه أفضل, قال: ونذر الاعتكاف
مثله, وأطلق شيخنا وجهين في تعيين ما امتاز
بمزية شرعية, كقدم وكثرة جمع, واختار في موضع
آخر يتعين وقال القاضي وابن عقيل: الاعتكاف
والصلاة لا يختصان بمكان, بخلاف الصوم, كذا
قالا, انتهى كلام المصنف, وملخصه أنه إذا نذر
اعتكافا في مسجد ولم يحتج, إلى شد رحل فهل
يلزمه إتيانه ويتعين فيه أم لا؟.
والصحيح من المذهب أنه لا يتعين غير المساجد
الثلاثة ولو لم يحتج إلى شد رحل وهو ظاهر كلام
أكثر الأصحاب, بل هو كالصريح في كلام بعضهم,
وهو ظاهر ما قدمه المصنف في صدر المسألة,
والله أعلم.
"مسألة 6" قول: فعلى المذهب الأول يعتكف في
غير المسجد الذي عينه, وفي الكفارة وجهان إن
وجبت في غير المستحب, وكذا الصلاة, انتهى,
وأطلق الوجهين في الحاويين والفائق والمجرد,
ذكره في باب النذر.
إحداهما لا كفارة, وهو الصحيح, جزم به المقنع
في بعض النسخ, قال في الرعايتين: وعليه كفارة
يمين, في وجه, فدل على أن المقدم والمشهور لا
كفارة عليه "قلت": وهو ظاهر كلام كثير من
الأصحاب.
والوجه الثاني عليه الكفارة, جزم به ابن عبدوس
في تذكرته.
ـــــــ
1 تقدم ص "152".
(5/154)
عند القاضي
وغيره, وجزم بعضهم بإباحته, واختاره الشيخ في
القصير, واحتج بخبر قباء1, وحمل النهي على أنه
لا فضيلة فيه, وقاله أكثر الشافعية, وحكاه في
شرح مسلم عن جمهور العلماء, ولم يجوزه ابن
عقيل وشيخنا "م 7" "و م" وبعض أصحابه, وذكر
جماعة من أصحابه عنه: يكره, ولعله مراده في
التخليص وغيره بأنه لا يترخص, وذكر الشيخ زين
الدين2 في شرح المقنع: يكره إلى القبور
والمشاهد وهي المسألة, ونقل ابن القاسم وشندي
أن أحمد سئل عن الرجل يأتي المشاهد ويذهب
إليها: ترى ذلك؟ قال: أما على حديث ابن أم
مكتوم3 أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن
يصلي في بيته حتى يتخذ ذلك مصلى, وعلى نحو ما
كان يفعل ابن عمر يتبع مواضع النبي صلى الله
عليه وسلم وأثره4, فليس بذلك بأس, إلا أن
الناس أفرطوا في هذا جدا وأكثروا, قال ابن
القاسم, فذكر قبر
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: وإن أراد الذهاب إلى ما عينه
فإن احتاج إلى شد رحل خير عند القاضي وغيره,
وجزم بعضهم بإباحته, واختاره الشيخ في القصير
ولم يجوزه ابن عقيل وشيخنا, انتهى, ما اختاره
الشيخ الموفق هو الصواب, واختاره الشارح أيضا.
ـــــــ
1 تقدم ص "152".
2 يعني أبا البركات المنجا بن عثمان التنوخي
"ت 695 هـ" وشرحه يسمى "الممتع في شرح
المقنع".
3 كذا في النسخ ولعل الصواب: عتبان بن مالك
وحديثه في البخاري "667" ومسلم "33" "263"
بنحوه أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى
وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا
رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل
ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا
أتخذه مصلى فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: "أين تحب أن أصلي؟ فأشار إلى مكان من
البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ابن أم مكتوم فالمحفوظ عنه ما أخرجه أبو
داود في سننه " 552" أنه سأل النبي صلى الله
عليه وسلم أن يصلي في بيته فقال: "هل تسمع
النداء" ؟ قال: نعم قال: "لا أجد لك رخصة" .
4 أخرجه ابن سعد في طبقاته "4/145" عن عائشة
رضي الله عنها قالت: ما كان أحد يتبع آثار
النبي صلى الله عليه وسلم في منازله كما كان
يتبعه ابن عمر.
(5/155)
الحسين وما
يفعل الناس عنده, وحكى شيخنا وجها: يجب السفر
المنذور إلى المشاهد, ومراده والله أعلم
اختيار صاحب الرعاية. وقال شيخنا أيضا: ما شرع
جنسه والبدعة اتخاذه عادة كأنه واجب كصلاة
وقراءة "ودعاء" وذكر جماعة وفرادى وقصد بعض
المشاهد ونحوه يفرق بين الكثير الظاهر منه
والقليل الخفي والمعتاد وغيره. قال: ويترتب
على استحبابه وكراهته حكم نذره وشرطه في وقف
ووصية ونحوه, والله أعلم. أما ما لم يحتج إلى
شد رحل فيخير, ذكره القاضي وابن عقيل. وقال في
الواضح: الأفضل الوفاء, وهذا أظهر.
(5/156)
فصل :من نذر
اعتكافا معينا متتابعا
ليلا أو نهارا مطلقا, أو1 شرط تتابعه, أو نواه
في يومين أو ليلتين أو أكثر, أو أطلق وقلنا
يجب تتابعه في وجه كما يأتي لزمه ما بينهما من
يوم وليلة فقط, نص عليه "و ش" لأن اليوم اسم
لبياض النهار, والليلة اسم لسواد الليل,
والتثنية والجمع تكرار الواحد, وإنما يدخل ما
تخلله من الأيام أو1 الليالي تبعا للزوم
التتابع ضمنا, وخرج ابن عقيل: لا يلزمه ما
تخلله, لأن لفظه لم يتناوله, واختاره أبو حكيم
وخرجه من اعتكاف يوم لا يلزمه معه ليلة, وهو
الأصح
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "و".
(5/156)
للشافعية, وحكي
لنا قول: لا يلزمه ليلا, ومذهب "هـ م" يلزمه
بعدد ما لفظ به, لأن ذكر العدد من أحد جنسي
الأيام والليالي عبارة عنهما مع الإطلاق,
لقوله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ
النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم: 10]
وقال: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41]
وأجيب بأن الله نص عليهما, كما يعمل بالنية في
اللزوم وعدمه "و".
ومن نذر أن يعتكف يوما معينا أو مطلقا دخل
معتكفه قبل فجره الثاني وخرج بعد غروب شمسه "و
هـ ش" لأنه اسم اليوم, قاله الخليل, ولا تلزمه
الليلة التي قبله "م" لأن الليلة ليست من
اليوم, وحكى ابن أبي موسى رواية: يدخل معتكفه
قبل وقت صلاة الفجر, وكذا عند مالك إن نذر أن
يعتكف ليلة لزمته بيومها. وتلزمه عندنا الليلة
فقط, فيدخل قبل الغروب, ويخرج بعد فجرها
الثاني "و ش" وإن اعتبرنا الصوم لم يلزمه شيء
"و هـ".
ومن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه بساعات من
الأيام "و هـ م" لأنه
ـــــــ
.......................................
(5/157)
يفهم منه
التتابع, كقوله: متتابعا. وللشافعية وجهان,
وإن قال في وسط النهار: لله علي أن أعتكف يوما
من وقتي هذا لزمه من ذلك الوقت إلى مثله,
لتعيينه ذلك بنذره. وفي دخول الليل الخلاف
السابق. واختار الآجري إن نذر اعتكاف يوم فمن
الوقت إلى مثله.
وإن نذر اعتكاف شهر بعينه دخل معتكفه قبل غروب
الشمس من أول ليلة منه وخرج بعد غروب الشمس من
آخره, نص عليه "و" وعنه: أو يدخل قبل فجرها
الثاني, روي عن الليث وأبي يوسف وزفر.
وإن نذر عشرا معينا دخل قبل ليلته الأولى "و"
وعنه: أو قبل فجرها الثاني, وعنه: أو بعد
صلاته.
ومن أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعا دخل قبل
ليلته الأولى, نص عليه, لرؤياه صلى الله عليه
وسلم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين, في حديث
أبي سعيد1, وحض أصحابه رضي الله عنهم على
اعتكاف العشر, وليلته الأولى كغيرها
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2027" ومسلم "1167" "213" أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في
العشر الأواسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا
كانت ليلة إحدى وعشرون وهي الليلة التي يخرج
من صبحتها من اعتكافه قال: "من اعتكف معي
فليعتكف العشر الأواخر وقد أريت هذه الليلة ثم
أنسيها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من
صبحتها....." فبصرت عيناي رسول الله صلى الله
عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح
إحدى وعشرون.
(5/158)
وهو عدد مؤنث
وعنه: بعد صلاة الفجر أول يوم منه, وقاله
الأوزاعي والليث وإسحاق وابن المنذر, لقول
عائشة: كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم
دخل معتكفه, متفق عليه1, وحمله صاحب المحرر
على الجواز. وقال القاضي: يحتمل أنه كان يفعل
ذلك في يوم العشرين ليستظهر ببياض يوم زيادة
قبل دخول العشر, قال: ونقل هذا عنه, ثم ذكره
من حديث عمرة عن عائشة, ولم أجده في الكتب
المشهورة.
ويخرج بعد فراغ مدة الاعتكاف "ع" فإن اعتكف
رمضان أو العشر الأخير استحب أن يبيت2 ليلة
العيد في معتكفه, ويخرج منه إلى المصلى, نص
عليه, وقال: هكذا حديث عمرة عن عائشة, وقاله
مالك وذكر أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه
وسلم, وذكر أيضا أنه بلغه عن أهل الفضل الذين
مضوا3. وقال سعيد: حدثنا فضيل بن عياض عن
مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال: كانوا
يستحبون ذلك4, قال صاحب المحرر: ليصل طاعة
بطاعة, قال في الكافي5: ولأنها ليلة تتلو
العشر, ورد الشرع
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "2033" ومسلم "1173" "6".
2 في الأصل "يلبث" وفي "س" يثبت".
3 الموطأ "1/315 – 316".
4 أخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه "3/92".
5 "2/295".
(5/159)
بالترغيب في
قيامها1 فأشبهت ليالي العشر, وأوجبه ابن
الماجشون وسحنون وقال: إنه السنة المجمع
عليها, فإن خرج ليلة العيد بنيتة2 فسد اعتكافه
قال ابن عبد البر لم يقل بقولهما أحد من
العلماء إلا رواية عن مالك, ولم يستحبه
الأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي, لانقضاء المدة,
كالعشر الأول أو الأوسط والله أعلم.
وإن نذر أن يعتكف أيام العشر لزمه ما يتخلله3
من لياليه لا ليلته الأولى, نص عليه, وفيها
وفي لياليه المتخللة الخلاف السابق أول الفصل,
وفي الكافي4: إن نذر أيام الشهر أو لياليه أو
شهرا بالليل أو بالنهار لزمه ما نذره فقط,
وذكره في الرعاية قولا, وإن نذر شهرا مطلقا
لزمه تتابعه, نص عليه "و هـ م" لأنه معنى يصح
ليلا ونهارا,
ـــــــ
تنبيهان:
أحدهما قوله: فإن خرج ليلة العيد بنية. فسد
اعتكافه, انتهى. قال ابن نصر الله في حواشيه.
كذا في النسخ, ولعله إلى بيته, انتهى, "قلت":
يحتمل أن
ـــــــ
1 أخرجه أبن ماجه في سننه "1782" عن أبي أمامة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام
ليلتي العيدين محتسبا لله لم يمت قبله يوم
تموت القلوب" .
2 ليست في الأصل وفي "ب" بيته".
3 في "ب" و"س" تخلله".
4 "2/282".
(5/160)
كمدة العدة
والعنة والإيلاء, ولأنه يفهم من إطلاقه, بدليل
فهمه من إطلاقه في العدة والإيلاء, فعلم أن
التصريح به في الكفارة تأكيد وعنه: لا يلزمه,
اختاره الآجري, وصححه ابن شهاب وغيره "و ش"
لأنه يصح إطلاقه على ذلك, ولهذا يصح تقييده
بالتتابع, ولا يلزمه الشروع فيه عقب النذر,
بخلاف لا كلمت زيدا شهرا.
ويدخل معتكفه قبل الغروب من أول ليلة منه.
وعنه: أو وقت صلاة المغرب, وذكره ابن أبي
موسى. وعنه: أو قبل الفجر الثاني من أول يوم
منه. ولا يخرج إلا بعد غروب شمس آخر أيامه.
ويكفي شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثين يوما
بلياليها1. قال صاحب المحرر على رواية لا يجب
التتابع: يجوز إفراد الليالي عن الأيام إذا لم
نعتبر الصوم, وإن اعتبرناه لم يجز ووجب اعتكاف
كل يوم مع ليلته المتقدمة عليه. وإن ابتدأ
الثلاثين في أثناء النهار فتمامه في مثل تلك
الساعة من اليوم الحادي والثلاثين "وإن ابتدأه
في أثناء الليل تم في مثل تلك الساعة من
الليلة الحادية والثلاثين" إن لم نعتبر الصوم,
وإن اعتبرناه فثلاثين ليلة صحاحا بأيامها
الكاملة, فيتم اعتكافه بغروب شمس الحادي
والثلاثين في الصورة
ـــــــ
يكون هنا نقص, وتقديره بنية إقامته, أو بنية
قطعه, ونحوهما مما يصح به الحكم على مذهب من
قال بالوجوب فإنه مبني عليه.
ـــــــ
1 بعدها في "ب" "ثلاثين ليلة".
(5/161)
الأولى, أو
الثاني والثلاثين في الثانية, لئلا يعتكف بعض
يوم أو بعض ليلة دون يومها الذي يليها, والله
أعلم.
وإن نذر اعتكاف أيام أو1 ليال معدودة لم يلزمه
التتابع إلا أن ينويه لعدم دلالتها عليه, وكذا
احتج ابن عباس2 في قضاء رمضان بقوله:
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:
184] واحتج غيره في الكفارة بقوله: {
فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]
وعند القاضي: يلزمه "و هـ م" كلفظ الشهر,
وقيل: يلزمه إلا في ثلاثين يوما, للقرينة, لأن
العادة فيه لفظ الشهر, فإن تابع لزمه ما
يتخللها من ليل أو نهار, في الأشهر.
ويدخل في الأيام معتكفه قبل الفجر الثاني,
وعنه: أو بعد صلاته.
وإن نذر شهرا متفرقا فله تتابعه "و ش" قال
صاحب المحرر: لأنه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "و".
2 أخرجه البخاري في صحيحه معلقا إثر حديث
"1949".
(5/162)
أفضل كاعتكافه
في المسجد الحرام من نذر غيره, قال: وهو قياس
قول أهل الرأي, فإنهم قالوا فيمن أوصى بحجتين
في عامين فأخرجا في عام: جاز, فهذا أولى
ويحتمل أن يقال: فقد سوى بينهما في القياس,
فدل على مخالفة لفظ الموصي للأفضلية لمصلحته,
فمع إطلاقه أولى, وسبق في الصوم عن الميت1,
ويأتي كلام أحمد والأصحاب أنه يعمل بلفظ
الموصي, وسبق في الفصل قبله كلام شيخنا2.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "74".
2 ص "156".
(5/163)
فصل : من لزمه
تتابع اعتكافه
من لزمه تتابع اعتكافه لم يجز خروجه إلا لما
لا بد منه, فيخرج لبول وغائط "ع" وقيء بغتة,
وغسل متنجس يحتاجه3, وله المشي على عادته وقصد
بيته إن لم يجد مكانا يليق به لا ضرر "عليه"
فيه ولا منة, كسقاية لا يحتشم مثله منها ولا
نقص عليه, قالوا: ولا مخالفة لعادته, وفي هذا
نظر, ويلزمه قصد أقرب منزليه لدفع حاجته به4,
بخلاف من اعتكف في المسجد الأبعد منه, لعدم
تعيين أحدهما قبل دخوله للاعتكاف, وإن بذل له
صديقه أو غيره منزلة القريب لقضاء حاجته لم
يلزمه, للمشقة بترك المروءة والاحتشام منه.
ويحرم بوله في المسجد في إناء, ولعموم قوله
عليه السلام: "إن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 في "س" "يعتاده".
4 ليست في "ب".
(5/163)
المساجد لم تبن
لهذا إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة
القرآن" 1 أو كما قال ويتوجه احتمال, وصح عن
أبي وائل2 أنه فعله, واحتمال آخر: لكبر وضعف
وفاقا لإسحاق, وكذا فصد وحجامة, فيخرج لحاجة
كثيرة, وإلا لم يجز, كمرض يمكنه احتماله, وذكر
ابن عقيل احتمالا: يجوز في إناء "و ش"
كالمستحاضة "و" مع أمن تلويثه, والفرق أنه لا
يمكنها التحرز منه إلا بترك الاعتكاف, وقيل:
الجواز لضرورة, وكذا النجاسة في هواء المسجد,
كالقتل على نطع, ودم في قنديل, أظنه في
الفصول.
قال ابن تميم: يكره الجماع فوق المسجد والتمسح
بحائطه والبول عليه, نص عليه, قال ابن عقيل في
الإجارة في الفصول في التمسح بحائطه: مراده
الحظر فإن بال خارجا وجسده فيه لا ذكره كره,
وعنه: يحرم, وقيل: فيه وجهان, والله أعلم.
ويخرج المعتكف لغسل جنابة, وكذا غسل جمعة إن
وجب, وإلا لم يجز "و" كتجديد الوضوء, ويخرج
للوضوء لحدث, نص عليه وإن قلنا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "285" "100" من حديث أنس بن مالك
رضي الله عنه.
2 هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي خزيمة
الكوفي شيخها في زمانه مخضرم أدرك النبي صلى
الله عليه وسلم وما رآه "ت 82 هـ" سير أعلام
النبلاء "4/161".
(5/164)
لا يكره "فيه"
فعله فيه بلا ضرر, وسبق في آخر باب الوضوء1,
ويخرج ليأتي بمأكول ومشروب يحتاجه إن لم يكن
له من يأتيه به, نص عليه "و هـ ش" وعند "م" لا
يخرج ولا يعتكف حتى يعد ما يصلحه, كذا قال.
ولا يجوز خروجه لأكله وشربه في بيته, في ظاهر
كلامه, واختاره جماعة منهم صاحب المغني2
والمحرر "و هـ" لعدم الحاجة لإباحته ولا نقص
فيه, وذكر القاضي أنه يتوجه الجواز, واختاره
أبو حكيم, وحمل كلام أبي الخطاب عليه "و ش"
لما فيه من ترك المروءة ويستحي أن يأكل وحده
ويريد أن يخفي جنس قوته. وقال ابن حامد: إن
خرج لما لا بد منه إلى منزله أكل فيه يسيرا
كلقمة ولقمتين, لا كل أكله. وله غسل يده في
إناء من وسخ وزفر ونحوهما, وذكر صاحب المحرر:
وفي غير إناء, ولا يجوز خروجه لغسلها, وسبق
أول الباب3 هل يخرج للجمعة؟ وله التكبير
إليها, نص عليه, وإطالة المقام بعدها "و هـ"
ولا يكره, لصلاحية الموضع للاعتكاف, ويستحب
ـــــــ
"الثاني" قوله: ولا يجوز خروجه لأكله وشربه
4في بيته4, في ظاهر كلامه, واختاره جماعة منهم
صاحب المغني والمحرر وذكر القاضي أنه يتوجه
الجواز, واختاره أبو حكيم, وحمل كلام أبي
الخطاب عليه, انتهى. ظاهر العبارة إطلاق
الخلاف, والصحيح من المذاهب عدم الجواز, وعليه
الأكثر, وقطع به أكثرهم.
ـــــــ
1 "1/189".
2 "4/467 – 468".
3 ص "140".
4 4 ليست في "ص".
(5/165)
عكس ذلك, ذكره
القاضي, وهو ظاهر كلام أحمد, وذكر الشيخ
احتمالا: يخير في الإسراع إلى معتكفه. وفي
منتهى الغاية احتمال تبكيره أفضل, وأنه ظاهر
كلام أبي الخطاب في باب الجمعة, لأنه لم يستثن
المعتكف. وفي الفصول: يحتمل أن يضيق الوقت.
وأنه إن تنفل بعدها فلا يزيد على أربع, ونقل
أبو داود في التبكير: أرجو. وأنه يرجع بعدها
عادته, وإنما جاز التبكير كحاجة الإنسان
وتقديم وضوء الصلاة ليصلي به في أول الوقت.
ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب, وظاهر ما سبق
يلزمه, كقضاء الحاجة, قال بعض أصحابنا: الأفضل
خروجه كذلك وعوده في أقصر طريق لا سيما في
النذر, والأفضل سلوك أطول الطرق إن خرج لجمعة
وعيادة وغيرها, والله أعلم.
ويخرج لمرض يتعذر معه القيام فيه, أو لا يمكنه
إلا بمشقة شديدة. بأن يحتاج إلى خدمة وفراش
"و" وإن كان خفيفا كالصداع والحمى الخفيفة لم
يجز "و" إلا أن يباح به الفطر فيفطر فإنه يخرج
إن قلنا باشتراط الصوم وإلا فلا, وتخرج المرأة
لحيض ونفاس "و" فإن لم يكن "للمسجد" رحبة رجعت
إلى بيتها, فإذا طهرت رجعت إلى المسجد "و" وإن
كان له رحبة يمكنها ضرب خباء فيها بلا ضرر
فعلت ذلك, فإذا طهرت عادت
ـــــــ
.......................................
(5/166)
إلى المسجد,
ذكره الخرقي وابن أبي موسى, لما روى ابن بطة:
حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا زهير بن محمد
وأحمد بن منصور, قال ابن بطة: حدثنا إسماعيل
بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور الرمادي
قالا: حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن
المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: كن
المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بإخراجهن عن المسجد وأن يضربن
الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن1, إسناد
جيد, ورواه أبو حفص العكبري أيضا, ونقله يعقوب
بن بختان عن أحمد.
وقال أحمد: النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر
أن تضرب قبة في رحبة المسجد, رواه ابن بطة
بإسناده عن يعقوب, قال صاحب المحرر: وهذا من
أحمد دليل على ثبوت الخبر عنده, ونقل محمد بن
الحكم: تذهب إلى بيتها فإذا طهرت بنت على
اعتكافها, ورواه أحمد في رواية عبد الله عن
الحسن, وكبقية الأعذار, والفرق أن مقصود تلك
الأعذار لا يحصل مع الكون في الرحبة, وعلى
الأول: إقامتها في الرحبة استحباب, في اختيار
صاحب المحرر والمغني وغيرهما, وجزم به في
المستوعب والرعاية وغيرهما, لأن أحمد قال: كان
لها المضي إلى منزلها, ذكره في المجرد, قال
صاحب المحرر: وهو شبيه بالحائض تودع البيت تقف
بباب المسجد فتدعو, فكذا هنا, لتقرب من محل
العبادة, واختار صاحب الرعاية يسن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أورده ابن قدامة في المغني "4/487" هكذا وقد
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/94" عن أبي
قلابة قال: المعتكفة تضرب ثيابها على باب
المسجد إذا حاضت.
(5/167)
أن تجلس في
الرحبة غير المحوطة. وإن خافت تلويثه فأين
شاءت, والله أعلم.
ولا يخرج لشهادة "و" إلا أن يتعين عليه أداؤها
فيلزم الخروج "م" لظواهر الآيات1, وكالخروج
إلى الجمعة, ولا يبطل اعتكافه "م" ولو لم يعين
عليه التحمل "ش" كالنفاس, ولو كان سببه
اختياريا: واختار صاحب الرعاية إن كان تعين
عليه تحمل الشهادة وأداؤها خرج لها وإلا فلا
ويلزم المرأة أن تخرج لعدة الوفاة في منزلها,
لوجوبه شرعا "م" كالجمعة, وهو حق لله ولآدمي
لا يستدرك إذا ترك ولا يبطل اعتكافه "ق".
ويلزمه الخروج إن احتيج إليه لجهاد متعين, ولا
يبطل اعتكافه, لما ذكرنا, وكذا إن تعين خروجه
لإطفاء حريق أو إنقاذ غريق ونحوه, وإن وقعت
فتنة خاف منها إن أقام في المسجد على نفسه أو
حرمته أو ماله نهبا أو حريقا ونحوه فله
الخروج, ولا يبطل اعتكافه, لأنه عذر في ترك
الجمعة, فهنا أولى.
ومن أكرهه السلطان أو غيره على الخروج لم يبطل
اعتكافه ولو بنفسه "ق" كحائض, ومريض, وخائف أن
يأخذه السلطان ظلما فخرج
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الآيات كقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ
الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]
وقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}
[البقرة: 283]
(5/168)
واختفى "و ش"
وإن أخرجه لاستيفاء حق عليه فإن أمكنه الخروج
منه بلا عذر بطل اعتكافه "و" وإلا لم يبطل "م"
لأنه خروج واجب, وللشافعية وجهان: إن ثبت الحق
بإقراره وإلا لم يبطل. وإن خرج من المسجد
ناسيا لم يبطل اعتكافه, كالصوم. ذكره في
المجرد وذكر في الخلاف والفصول: يبطل,
لمنافاته الاعتكاف, كالجماع, وذكر صاحب المحرر
أحد الوجهين: لا ينقطع ويبني, كمرض وحيض,
واختاره أيضا, وذكره قياس مذهبنا في المظاهر
يطأ في نهار صومه غير المظاهر منها ناسيا, أو
يأكل فيه معتقدا أنه ليل فيبين نهارا يقضي
اليوم ولا ينقطع تتابعه, جعلا له بالنسيان
والخطأ كالمريض. فكذا هنا, وفرق أصحابنا بأن
الاعتكاف عبادة واحدة متصلة بالليل والنهار,
كصوم اليوم الواحد, وأجاب صاحب المحرر بأن
الخروج لعذر موجب للقضاء لا يبطل الماضي من
الاعتكاف, بخلاف صوم اليوم الواحد, فعلم أنه
كعبادات, قال: فنظير صوم اليوم من الاعتكاف أن
يطأ في يوم منه ناسيا وهو صائم وقلنا من شرطه
الصوم فإنه يفسد عليه اعتكاف ذلك اليوم كله,
ولا يفسد ما مضى, على ما اخترناه, وجزم صاحب
المحرر: لا ينقطع تتابع المكره, كما سبق1,
وأطلق بعضهم فيهما وجهين, ولا فرق.
ومتى زال العذر رجع وقت إمكانه, فإن أخره بطل
ما مضى, على ما يأتي فيمن خرج لما له منه بد2,
ولا يبطل بدخوله لحاجته تحت سقف "و"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "168".
2 ص "181".
(5/169)
وعن ابن عمر:
لا يدخل تحت سقف1, وقاله عطاء والنخعي وإسحاق,
وعن الثوري وغيره: يبطل, وقيده الحسن والثوري
والحسن بن صالح وإسحاق بسقف ليس فيه ممره, لأن
له منه بد, فهو كالقول الأول, ومن أراد المنع
مطلقا فلا وجه لا, والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/90" عن عطاء
قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يعتكف ضرب خباء
أو فسطاطا فقضى فيه حاجته ولا يأتي أهله ولا
يدخل سقفا.
(5/170)
فصل : والمعتاد
من هذه الأعذار
وهو حاجة الإنسان "ع" وطهارة الحدث "ع"
والطعام والشراب "ع" والجمعة, كما لا يبطل
الاعتكاف, فلا تنقص مدته ولا يقضي شيئا منه,
لأن الخروج له كالمستثنى2, لكونه معتادا, ولا
تلزمه كفارة.
وبقية الأعذار إن لم تطل, فذكر الشيخ لا يقضي
الوقت الفائت بذلك, لكونه يسيرا مباحا أو
واجبا, كحاجة الإنسان, ويوافقه كلام القاضي في
الناسي, في الفصل قبله, وعلى هذا يتوجه: لو
خرج بنفسه مكرها أن يخرج بطلانه على الصوم,
وإنما منعه صاحب المحرر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 في الأصل "كالمشي".
(5/170)
لقضاء زمن
الخروج فيه بالإكراه, وفي الصوم يعتد بزمن
الإكراه, وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه يقضي,
واختاره صاحب المحرر "و ش" كما لو طالت "م 8"
وذكر أن كلام الخرقي المذكور موهم, وأنه لا
يعلم به قائلا, وأنه أراد البناء مع قضاء زمن
الخروج, قال: وكنذره اعتكاف يوم فخرج لبقية
الأعذار وقد بقي منه زمن يسير, كذا قال, وظاهر
كلام الشيخ خلافه, كما لو خرج لحاجة الإنسان,
قال: وكالأجير مدة معينة لا تتناول العقد
المعتاد, بخلاف غيره, كذا هنا, والله أعلم.
وإن تطاول ذلك والاعتكاف منذور فله أحوال:
أحدها, نذر أياما متتابعة غير معينة, فيخير
بين البناء والقضاء و م ش" مع كفارة يمين,
لكون النذر حلفة "م ش" وبين الاستئناف بلا
كفارة "و" كما قلنا فيمن نذر صوم شهر غير معين
وشرع ثم أفطر لعذر,
ـــــــ
"مسألة 8" قوله: والمعتاد من هذه الأعذار وهو
حاجة الإنسان وطهارة الحدث والطعام والشراب
والجمعة وبقية الأعذار إن لم تطل, فذكر الشيخ
لا يقضي الوقت الفائت بذلك, لكونه يسيرا مباحا
أو واجبا ويوافقه كلام القاضي في الناسي.
وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه يقضي, واختاره
صاحب المحرر, كما لو طالت, انتهى.
ما اختاره الشيخ الموفق هو الصواب, وهو ظاهر
كلام أكثر الأصحاب واختاره أيضا الشارح وغيره.
(5/171)
وذكر في
الرعاية: يبني, وفي الكفارة الخلاف, وقيل: أو1
يستأنفه إن شاء كذا قال. ومذهب "هـ" يلزم
الاستئناف بعذر المرض, كمذهبه في المرض في
شهري الكفارة, ويتخرج كقوله في مرض يباح الفطر
به2, ولا يجب, بناء على أحد الوجهين في انقطاع
صوم الكفارة مما يبيح الفطر ولا يوجبه ووافقت
الحنفية على عذر الحيض هنا وفي شهري الكفارة,
واختار في المجرد أن كل خروج لواجب كمرض لا
يؤمن مع تلويث المسجد لا كفارة فيه, وإلا ففيه
الكفارة, واختار الشيخ: تجب الكفارة إلا لعذر
حيض ونفاس, لأنه معتاد كحاجة الإنسان, وضعفهما
صاحب المحرر بأنا سوينا في نذر الصوم بين
الأعذار, وبأن زمن الحيض يجب قضاؤه لا زمن
حاجة الإنسان, كذا قال.
وظاهر كلام الشيخ: لا يقضي, ولعله أظهر ويتوجه
من قول القاضي هنا في الصوم, ولا فرق, والله
أعلم.
ـــــــ
تنبيهان :
الأول : قوله بعد هذه المسألة: ويتخرج كقول
أبي حنيفة في مرض يباح الفطر به ولا يجب, بناء
على أحد الوجهين في انقطاع صوم الكفارة بما
يبيح الفطر ولا يوجبه, انتهى, هذان الوجهان
ليسا من الخلاف المطلق, وإنما ذكر ذلك
استشهادا, والصحيح من المذهب أنه لا ينقطع
التتابع, قدمه المصنف وغيره في باب الظهر3.
"الثاني" قوله: "وظاهر كلام الشيخ لا يقضي,
ولعله أظهر" قال ابن نصر الله في حواشيه: صرح
في المغني4 بأن الحائض إذا طهرت رجعت فأتمت
اعتكافها
ـــــــ
1 في الأصل "و".
2 في الأصل "فيه".
3 "9/175".
4 "4/487".
(5/172)
والثانية: نذر
اعتكافا معينا فيقضي ما تركه ويكفر, لتركه في
النذر في وقته, نص أحمد على الكفارة في الخروج
لفتنة, وذكره الخرقي فيها والخروج لنفير وعدة,
وذكره ابن أبي موسى1 في عدة, وعن أحمد فيمن
نذر صوم شهر بعينه فمرض فيه أو حاضت فيه
المرأة في الكفارة مع القضاء روايتان,
والاعتكاف مثله, هذا معنى كلام أبي الخطاب
وغيره, وقاله صاحب المحرر والمستوعب وغيرهما.
قال: فيتخرج جميع الأعذار في الاعتكاف على
روايتين2 عدم وجوب الكفارة "و م ش" كرمضان
ـــــــ
وقضت ما فاتها ولا كفارة عليها, نص عليه, هذا
لفظ بحروفه, فكيف يقول: ظاهر كلام الشيخ لا
يقضي؟ انتهى.
"الثالث" قوله: "فيتخرج جميع الأعذار في
الكفارات في الاعتكاف على روايتين عدم وجوب
الكفارة" صوابه روايتي عدم, بإسقاط النون
للإضافة.
"الرابع" قوله فيما إذا نذر اعتكافا معينا
وخرج وتطاول: يقضي ما تركه ويكفر, لتركه النذر
في وقته, نص أحمد على الكفارة في الخروج لفتنة
وذكره الخرقي فيها وفي الخروج لنفير وعدة,
وذكره ابن أبي موسى في عدة, ثم قال المصنف:
وعن أحمد فيمن نذر صوم شهر بعينه فمرض فيه أو
حاضت فيه المرأة في الكفارة مع القضاء
روايتان, والاعتكاف مثله, هذا معنى كلام أبي
الخطاب وغيره. وقال صاحب المحرر والمستوعب
وغيرهما, قال: فيتخرج جميع الأعذار في
الاعتكاف على روايتين عدم وجوب الكفارة
كرمضان, انتهى, الصحيح من المذهب وجوب الكفارة
في الجميع مع القضاء وعليه أكثر الأصحاب, وقد
قدمه المصنف,
ـــــــ
1 في اٌلإرشاد ص "155".
2 في النسخ الخطية "روايتين" والتصويب من
"تصحيح الفروع".
(5/173)
والفرق أن فطره
لا كفاره فيه لعذر أو غيره, ونقل المروذي
وحنبل عدم الكفارة في الاعتكاف. وحمله صاحب
المحرر على رواية عدم وجوبها في الصوم وسائر
المنذورات, وكلام القاضي والشيخ والحنفية هنا
أيضا.
وإن ترك اعتكاف1 الزمن المعين لعذر أو غيره
قضاه متتابعا "و م ش" بناء على التتابع في
الأيام المطلقة, أو لأنه مقتضى لفظ الناذر,
لأنه المفهوم من الشهر المعين المطلق فتضمن
نذره التتابع والتعيين, والقضاء يحكى الأداء
فيما يمكن, وعنه: لا يلزمه التتابع إلا بشرطه
أو بنيته "و ش" كرمضان, وعند زفر وبعض
الشافعية: لا يلزمه تتابع ولو شرطه, لأن ذكره
في المعين لغو ومذهب "م" لا يقضي معذور. فعلى
المذهب الأول
ـــــــ
ونص أحمد على وجوب الكفارة في الخروج لأجل
الفتنة, والخرقي فيها وفي النفير والعدة,
وليست هذه المسألة مما نحن بصدده, ولكن المصنف
استشهد بما يعطي أن المسألة على روايتين في
المذهب, والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ب" "الاعتكاف".
(5/174)
ما خرج عن
المدة المعينة يقضيه متتابعا "ش" متصلا بها
"ش". الحالة الثالثة نذر أياما مطلقة, فإن
قلنا يجب التتابع على قول القاضي السابق
فكالحالة الأولى, وإن قلنا لا يجب تمم ما بقي
عليه, لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله
ليكون متتابعا ولا كفارة عليه لإتيانه
بالمنذور على وجهه.
وقال صاحب المحرر: قياس المذهب يخير بين ذلك
وبين البناء على بعض اليوم, ويكفر, وقياس مذهب
"ش" يبني بلا كفارة.
(5/175)
فصل : قد سبق
أنه لا يجوز خروج المعتكف إلا لما لا بد منه,
فلا يخرج لكل قربة لا تتعين كعيادة مريض
وزيارة وشهود جنازة وتحمل شهادة وأدائها
وتغسيل ميت وغيره, نص عليه, واختاره الأصحاب
"و" لما سبق أول الباب1, ولأن منه بدا كغيره,
ولأنه لا يجوز ترك فريضة وهو النذر لفضيلة,
وعنه: له ذلك, روى أحمد عن أبي بكر بن عياش عن
أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال:
المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة ويشهد
الجمعة2. إسناد صحيح, قال أحمد: عاصم حجة وعن
أنس مرفوعا "المعتكف يتبع الجنازة ويعود
المريض" , رواه ابن ماجه3 من حديث عنبسة بن
عبد الرحمن وهو متروك.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "137" وما بعدها.
2 لم نجد في مسند أحمد وأخرجه عبد الرزاق في
مصنفه بنحوه "4/356" وابن أبي شيبة في مصنفه
"3/87 – 88".
3 في سننه "1777".
(5/175)
وروى سعيد1:
حدثنا هشيم حدثنا مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا
يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له إن
لم يشترط عيادة المريض. ولا يدخل سقفا ويأتي
الجمعة ويشهد الجنازة ويخرج في الحاجة وقاس
الشيخ على المشي في حاجة أخيه ليقضيها, كذا
قال, فعلى الأول إن كان الاعتكاف تطوعا فله أن
يخرج منه لذلك, لأنه لا يلزم بالشروع, ومقامه
على اعتكافه أفضل, لأنه صلى الله عليه وسلم
كان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان2, ولقول عائشة
إنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعرج يسأل عن
المريض, رواه أبو داود3. وقال الشافعية: خروجه
لجنازة أفضل, لأنها فرض كفاية.
وإن تعينت صلاة جنازة خارج المسجد أو دفن ميت
وتغسيله فكشهادة متعينة, على ما سبق4.
وإن شرط ذلك فله فعله, نص عليه, ذكره الترمذي5
وغيره عن بعض الصحابة, والثوري وابن المبارك
وإسحاق, ورواه عبد الرزاق6 عن عطاء والنخعي
وقتادة, وذكره البغوي عن الشافعي, جمعا بين ما
سبق, ولأن في رواية الأثرم من قول علي: وليأت
أهله وليأمرهم بالحاجة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/88" بنحوه.
2 أخرجه البخاري "2029" ومسلم "297" "6" من
حديث عائشة رضي الله عنها.
3 في سننه "2472".
4 ص "168".
5 في سننه إثر حديث "805" ونصه: رأى بعض أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وغيرهم أن يعود المريض ويشيع الجنازة ويشهد
الجمعة إذا اشترط ذلك وهو قول سفيان الثوري
وابن المبارك.
6 في مصنفه "8043" "8046" "8042" على الترتيب
المذكور.
(5/176)
وهو قائم. وذكر
الترمذي وابن المنذر عن أحمد المنع "و" لما
سبق. فعلى الأول لا يقضي زمن الخروج إذا نذر
شهرا مطلقا, في ظاهر كلام أصحابنا, كما لو عين
الشهر, قال صاحب المحرر: لو قضاها صار الخروج
المستثنى والمشروط في غير الشهر. وعند بعض
الشافعية: يقضي, لإمكان حمل شرطه على نفي
انقطاع التتابع فقط, فنزل على الأقل.
فأما إن شرط ما له منه بد وليس بقربة ويحتاجه
كالعشاء في منزله والمبيت "فيه" فعنه: يجوز,
جزم به الشيخ وغيره, لأنه يجب بعقده, كالوقف,
لأنه يصير كأنه نذر ما أقامه, ولتأكد الحاجة
إليها وامتناع النيابة فيها ذكره صاحب المحرر
وأطلق غيره. وعنه: المنع, وجزم به القاضي وابن
عقيل "وغيرهما" واختاره صاحب المحرر وغيره "م
9" لمنافاته الاعتكاف صورة ومعنى, كشرط ترك
الإقامة في المسجد والنزهة والفرجة, لأنه زمن
الخروج في حكم المعتكف, لأنه لا يجوز أن يفعل
فيه غير المشروط. وشرطه ما فيه قربة يلائم
الاعتكاف بخلاف هذا, والوقف لا يصح فيه شرط ما
ينافيه, فكذا الاعتكاف.
ـــــــ
"مسألة 9" قوله: فأما إن شرط ماله منه بد وليس
بقربة ويحتاجه كالعشاء في منزله والمبيت,
فعنه: يجوز, جزم به الشيخ وغيره, وعنه: المنع,
وجزم به القاضي وابن عقيل وغيرهما, واختاره
صاحب المحرر وغيره, انتهى.
إحداهما الجواز, وهو الصحيح, جزم به الشيخ
الموفق والشارح وصاحب الرعايتين والحاويين
وغيرهم, وهو الصواب, والرواية الثانية لا
يجوز, اختاره من ذكره المصنف.
(5/177)
وإن "شرط
الخروج للبيع والشراء للتجارة", أو التكسب
بالصناعة في المسجد, لم يجز, بلا خلاف عن
أحمد1 وأصحابه, قاله صاحب المحرر, سأل أبو
طالب لأحمد: المعتكف يعمل عمله من الخياطة
وغيرها, قال: ما يعجبني, قلت: إن كان يحتاج؟
قال: إن كان يحتاج فلا يعتكف. وسبق قول
النخعي, وأجاز هو وعطاء وقتادة شرط البيع
والشراء ونحوه, والله أعلم.
وإن قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت, فله
شرطه "م" أطلقه الشيخ وغيره, كالشرط في
الإحرام. وقال صاحب المحرر: فائدة الشرط هنا
سقوط القضاء في المدة المعينة, فأما المطلقة,
كنذر شهر متتابع لا يجوز الخروج منه إلا لمرض,
فإنه يقضي زمن المرض, لإمكان حمل شرطه هنا على
نفي انقطاع التتابع فقط, فنزل على الأقل,
ويكون الشرط أفاد هنا 2البناء مع سقوط2
الكفارة, على أصلنا, وهذا القول معنى قول بعض
الشافعية السابق, فيتوجه تخريجهما على
الوجهين.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "لأحمد" والمثبت من "ط" كما
في الإنصاف "7/612".
2 2 في الأصل "التتابع".
(5/178)
فصل : وإن خرج
لما لا بد منه
فسأل عن المريض أو غيره ولا وجه لقوله في
الرعاية: وقيل: أو غيره في طريقه ولم يعرج جاز
"و" لما سبق3, وكبيعه وشرائه ولم يقف لذلك,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 ص "175".
(5/178)
فأما إن وقف
لمسألته بطل اعتكافه "و" وللشافعية وجه: لا
بأس بقدر صلاة الجنازة, وعن مالك: إن خرج
لحاجة الإنسان فلقيه ولده أو شرب ماء وهو قائم
أرجو أن لا بأس, ولم ير أبو سلمة بن عبد
الرحمن بأسا إذا خرج لحاجة الإنسان فلقيه رجل
أن يقف عليه فيسأله, قال صاحب المحرر: المسألة
هذه فيما لا بد منه من حاجة الإنسان ومعناها,
والخروج لمرض وحيض له الوقفة والتعريج
وغيرهما, فالخروج لما لا بد منه لا يجوز معه
ما يزاد به زمانه مما منه بد, لأنه يفوت به
جزءا مستحقا من اللبث بلا عذر, كما لو خرج له,
ويجوز معه ما لا يزداد به زمانه غير المباشرة1
لأنه لا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "المباشر".
(5/179)
يفوت به حقا,
فأما المباشرة فلا تجوز فيه إن كان مما لا
يقضى وقته, وخالف فيه بعض الشافعية, وهو محجوج
بالإجماع قبله, وإلا جازت "م" كغيرها, 1لأنه
غير معتكف1, بدليل أن هذه المدة, لا تحتسب له
ويقضيها, بخلاف حاجة الإنسان, ولهذا لو حلف أن
يعتكف شهرا فخرج لعذر يقضي زمنه 2غير أنه2 لم
يبر ما لم 3يعتكف ذلك, ولأن الصوم المتتابع لا
يمنع الوطء في لياليه ما لم3 يكن من مدته, كذا
هنا, والله أعلم.
وإن خرج لما لا بد منه فدخل مسجدا يتم اعتكافه
فيه جاز إن كان الثاني أقرب إلى مكان حاجته من
الأول "و ش" لأنه لم يترك لبثا مستحقا,
كانهدامه أو إخراجه فخرج إلى مسجد آخر فأتم
فيه, أو خرج للجمعة وأقام في الجامع يوما
وليلة, وإن كان أبعد أو خرج إليه ابتداء بلا
عذر بطل اعتكافه "و" لتركه لبثا مستحقا. ولم
يبطله أبو يوسف ومحمد في الحالتين, بناء على
أصلهما في الزمن اليسير, على ما يأتي4. وأبطله
أبو حنيفة فيهما, لتعين المسجد, كتعيين يوم
بشروعه في صوم والفرق أن المسجد لا يتعين
بنذره, بخلاف الصوم, والصوم لا يمكن البناء مع
نقله, بخلاف الاعتكاف.
ولو تلاصق مسجدان فانتقل من أحدهما إلى الآخر,
فإن مشى في انتقاله خارجا منهما بطل, وإلا
فلا, ويبطل عند أبي حنيفة مطلقا, وعند أبي
يوسف ومحمد عكسه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 2 ليست في الأصل وفي "ب" "عشرا".
3 3 ليست في "ب".
4 ص "181".
(5/180)
فصل : وإن خرج
لما له منه بد
فإن كان مكرها أو ناسيا فقد سبق في الأعذار1,
وإن أخرج بعض جسده لم يبطل, في المنصوص "و"
لأن عائشة كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم
وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها
رأسه, متفق عليه2.
وإن أخرج جميعه مختارا عمدا بطل وإن قل "و"
كالجماع, لتحريمهما, وكما لو زاد على نصف يوم,
وأبطله أبو يوسف ومحمد بأكثر من نصف يوم فقط,
وأبطله الثوري والحسن بن صالح إن دخل تحت سقف
ليس ممره فيه, والله أعلم.
ثم إن كان متتابعا بشرط أو نية, أو قلنا تتابع
في المطلق, استأنف "و" لإمكانه أن يأتي
بالمنذور على صفته3 كحالة الابتداء, وكمن عليه
صوم شهرين في كفارة, أو نذر في الذمة ولا
وكفارة "و". وقال في الرعاية: يستأنف المطلق
المتتابع بلا كفارة, وقيل: أو يبني ويكفر, كذا
قال وإن كان متتابع متعينا كنذره شعبان
متتابعا, استأنف: "و م ش" كالقسم قبله. وقد
صرح بهما, والتتابع أولى من الوقت, لكونه قربة
مقصودة, ويكفر "م ش". ومذهب "هـ" وصاحبيه يبني
ولا يستأنف, لأن التعيين أصل, والتتابع وصف,
وحفظ الأصل أولى, ولا كفارة عندهم إلا أن يريد
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "169".
2 البخاري "2028" ومسلم "297" "6".
3 في "س" "صفة".
(5/181)
به اليمين
فيكفر مع القضاء, وعند أبي يوسف إن أراد
اليمين كفر بلا قضاء, والله أعلم.
وإن كان متعينا ولم يقيده بالتتابع كنذره
اعتكاف شهر شعبان فقيل: يبني "و هـ ش" لأن
التتابع هنا حصل ضرورة التعيين, فسقط بفواته
كقضاء رمضان, ووافق أبو حنيفة وصاحباه على
تتابع قضائه إذا فوته, وقيل: يستأنف لتضمن
نذره التتابع, ولأنه أولى من المدة المطلقة,
ولهذا قال مالك: يستأنف هنا دون الصوم, لعدم
تقييد الأيام المطلقة فيه بالتتابع عنده.
وذكر صاحب المحرر أن هذا الوجه أصح في المذهب,
وأنه قياس قول الخرقي, وأصل الوجهين من نذر
صوم شهر بعينه فأفطر فيه فإن فيه روايتين "م
10" ويكفر رواية واحدة "م ش" لتركه المنذور في
وقته المعين, ومذهب الحنفية كما سبق1.
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: وإن كان متعينا ولم يقيده
بالتتابع كنذر اعتكاف شهر شعبان فقيل: يبني.
وقيل: يستأنف وذكر صاحب المحرر أن هذا الوجه
أصح في المذهب, وأنه قياس قول الخرقي, وأصل
الوجهين من نذر صوم شهر بعينه فأفطر فيه فإن
فيه روايتين, انتهى. وأطلق القولين في المقنع
والمجد في شرحه, والشارح, وابن منجى في شرحه,
وصاحب المستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم,
ـــــــ
1 آنفا.
(5/182)
فصل :وإن وطئ
المعتكف في الفرج عمدا
بطل اعتكافه "ع" للآية2,
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: وإن كان متعينا ولم يقيده
بالتتابع كنذر اعتكاف شهر شعبان فقيل: يبني.
وقيل: يستأنف وذكر صاحب المحرر أن هذا الوجه
أصح في المذهب, وأنه قياس قول الخرقي, وأصل
الوجهين من نذر صوم شهر بعينه فأفطر فيه فإن
فيه روايتين, انتهى. وأطلق القولين في المقنع
والمجد في شرحه, والشارح, وابن منجى في شرحه,
وصاحب المستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم,
ـــــــ
1 آنفا.
2 وهي قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا}
[البقرة: 187].
(5/182)
والنهي للفساد,
وكذا إن وطئ ناسيا, نص عليه, لقول ابن عباس:
إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه, رواه حرب
بإسناد صحيح1, وكالعمد وكالحج, وخرج صاحب
المحرر من الصوم أنه لا يبطل. وقال: الصحيح
عندي "أنه" يبني, وقد سبق في الإعذار2, وفي
الفصل بعدها الوطء زمن العذر.
ولا كفارة بالوطء في ظاهر المذهب "و" نقله أبو
داود وهو ظاهر ما نقله ابن إبراهيم, واختاره
جماعة منهم صاحب المغني3 والمحرر,
ـــــــ
أحدهما يستأنف, وهو الصحيح, اختاره المجد, كما
تقدم, وصححه في التصحيح, وقدمه في الهداية
والخلاصة. والقول الثاني يبني.
ـــــــ
1 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8081" وابن أبي
شيبة في مصنفه "3/92".
2 ص "169".
3 "4/473".
(5/183)
لعدم الدليل,
وكالصلاة وأنواع الصوم غير رمضان, واختار
القاضي وأصحابه وجوب الكفارة, كرمضان والحج,
والفرق واضح, واحتجوا برواية حنبل, والأولى
أنه لا حجة فيها, على ما قاله صاحب المحرر
وغيره, ومال إليه الشيخ,
ـــــــ
.......................................
(5/184)
وخص القاضي
وجماعة الوجوب بالمنذور, وذكر في الفصول أنها
تجب في التطوع, في أصح الروايتين, قال صاحب
المحرر: لا وجه له, ولم يذكرها القاضي ولا
وقفت على لفظ يدل عليها عن أحمد, فهذه ثلاث
روايات, وهي في المستوعب وفي التنبيه عليه
كفارة يمين, وحكى رواية, ومراده ما اختاره
صاحب المغني1 والمحرر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "4/474 – 475".
(5/185)
والمستوعب
وغيرهم أنه أفسد المنذور بالوطء, وهو كما
أفسده بالخروج لما له منه بد, على ما سبق1,
وهذا معنى كلامه في الجامع الصغير, وذكر بعضهم
أنه قيل: إن هذا الخلاف في نذر, وقيل: معين,
فلهذا قيل: تجب الكفارتان, وكما لو نذر أن يحج
في عام بعينه فأحرم ثم أفسد حجه بالوطء يلزمه
كفارة للوطء وكفارة يمين للنذر.
ولا تحرم المباشرة في غير الفرج بلا شهوة "و"
وذكر القاضي احتمالا: تحرم, كشهوة, 2في
المنصوص "و" ومتى أنزل بها فسد اعتكافه "ق"
وإلا فلا2 "م ق" كالصوم, ومتى فسد خرج في
كفارة الوطء
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "181".
2 2 ليست في "ط".
(5/186)
الخلاف, ذكره
ابن عقيل وقال صاحب المحرر: يتخرج وجه ثالث:
يجب بالإنزال عن وطء لا عن لمس وقبلة, قال:
ومباشرة الناسي كالعامد, على إطلاق أصحابنا "و
هـ م" واختار صاحب المحرر هنا لا يبطله,
كالصوم
(5/187)
فصل : وإن سكر
في اعتكافه فسد1,
ولو سكر ليلا "هـ" لخروجه عن كونه من أهل
المسجد كالحيض. ولا يبني, لأنه غير معذور, وإن
ارتد "فيه"2 فسد, كالصوم وغيره, ومذهب "ش" لا
يفسد ويبني, لأنه من أهل المقام في المسجد,
3ومنعه صاحب المحرر3, ولعل المراد أنه فيه
كذمي, على ما يأتي في أحكامهم4. وإن شرب خمرا
ولم يسكر أو أتى كبيرة فقال صاحب المحرر: ظاهر
كلام القاضي لا يفسد, لأنه من أهل العبادة
والمقام فيه, ومذهب "م" يفسد, وحكاه بعضهم عن
"هـ ش" وقال عطاء والزهري: إن أتى ذنبا فسد.
ـــــــ
"تنبيهان" : الأول قوله: ومتى فسد خرج في
كفارة الوطء الخلاف, ذكره ابن عقيل. مراده
بالخلاف الخلاف الذي في الصوم. ذكره المجد في
شرحه.
ـــــــ
1 في الأصل "بطل".
2 ليست في "ب" و"س".
3 3 ليست في الأصل.
4 "10/309" وما بعدها.
(5/187)
فصل : يستحب
للمعتكف التشاغل بفعل القرب
واجتناب ما لا يعنيه "و" من جدال ومراء وكثرة
كلام وغيره, قال الشيخ: لأنه مكروه في غير
الاعتكاف ففيه أولى, ولا بأس أن تزوره زوجته
في المسجد وتتحدث معه وتصلح رأسه أو غيره, ما
لم يلتذ بشيء منها, وله أن يتحدث مع من يأتيه,
ما لم يكثر, لأن صفية زارته صلى الله عليه
وسلم فتحدثت معه1, ورجلت عائشة رأسه2, ولا بأس
أن يأمر بما يريد خفيفا لا يشغله, نص عليه "و"
وليس الصمت من شريعة الإسلام, قال ابن عقيل:
يكره الصمت إلى الليل, قال في المغني3 ومنتهى
الغاية: وظاهر الأخبار تحريمه, وجزم به في
الكافي4, رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه
امرأة لا تتكلم فقيل له: حجت مصمتة, فقال لها:
تكلمي فإن هذا لا يحل, هذا من عمل5 الجاهلية,
رواه البخاري6. وروى أبو داود7: حدثنا أحمد بن
صالح حدثنا يحيى بن حمد المديني حدثنا عبد
الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن
سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع شيوخا من
بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أحمد
قال: قال علي: حفظت عن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2035" ومسلم "2175" "24".
2 تقدم ص "181".
3 "4/481".
4 "2/293"
5 في "ب" "أعمال".
6 في صحيحه "3834" من حديث قيس بن أبي حازم.
7 في سننه "2873".
(5/188)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم "لا يتم بعد احتلام ولا صمات
يوم إلى الليل" حديث حسن وقال الأزدي في عبد
الله بن خالد: لا يكتب حديثه.
وإن نذره لم يف به "و" لما سبق1. وقال أبو ثور
وابن المنذر: له فعله إذا كان أسلم, لقوله صلى
الله عليه وسلم: "من صمت نجا" 2 وهو محمول على
الصمت عما لا يعنيه. ولا يجوز أن يجعل القرآن
بدلا من الكلام, ذكره ابن عقيل, وتبعه صاحب
المغني3 والمحرر, لأنه استعمال له في غير ما
هو له, كتوسد المصحف أو الوزن به, وجاء: لا
تناظر بكتاب الله4. قيل: معناه لا تتكلم به
عند الشيء تراه, مثل أن ترى رجلا جاء في وقته
فتقول: و {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى}
[طه: 40] ذكر أبو عبيد نحو هذا المعنى, وجزم
في التلخيص والرعاية بأنه يكره, وذكر شيخنا إن
قرأ عند الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه
ونحوه فحسن كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه: {مَا
يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا}
[النور: 16] وقوله عندما أهمه: {إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}
[يوسف: 86] وفي الصحيحين5 أن أنس بن مالك حدث
ثابت وجماعة حديث الشفاعة, فدخلوا على الحسن
فحدثوه الحديث فقال: هيه بكسر الهاء وإسكان
الياء وكسر الهاء
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "188".
2 أخرجه الترمذي "2501" من حديث عبد الله بن
عمرو رضي الله عنهما.
3 "4/482".
4 أورده ابو عبيد في غريب الحديث "4/475"
والزمخشري في الفائق "3/446" من كلام الزهري.
5 البخاري "7510" ومسلم "193" "326".
(5/189)
الثانية, قال
أهل اللغة: يقال في استزادة الحديث: إيه,
ويقال هيه بالهاء بدل الهمزة, قال الجوهري:
إيه اسم سمي به الفعل لأن معناه الأمر, تقول
للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه بكسر
الهمزة, قال ابن السكيت: فإن وصلت نونت فقلت
إيه حدثنا, قال ابن السري: إذا قلت إيه, فإنما
تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود بينكما وإن
قلت إيه بالتنوين, كأنك قلت: هات حديثا ما,
لأن التنوين تنكير, فأما إذا أسكنته1 وكففته
قلت: إليها عنا قالوا للحسن: قلنا ما زادنا,
قال: قد حدثنا منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع,
أي مجتمع القوة والحفظ, ولقد ترك شيئا ما أدري
أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا, قلنا:
فحدثنا, فضحك وقال: {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ
عَجَلٍ} [الانبياء: 37] ما ذكرت لكم هذا إلا
وأنا أريد أن أحدثكموه.
قال في شرح مسلم2 فيه "إنه" لا بأس بضحك
العالم بحضرة أصحابه إذا كان بينه وبينهم أنس,
ولم يخرج ضحكه إلى حد يعد تركا للمروءة, وفيه
جواز الاستشهاد بالقرآن في مثل هذا الموطن,
وفي الصحيح3 مثله من فعله عليه السلام لما طرق
فاطمة وعليا رضي الله عنهما ثم انصرف وهو يقول
{وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ
جَدَلاً} [الكهف: 54] قال: ونظائره كثيرة,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" و"ط" "أسكنته".
2 "3/65" وفي العبارة بعض تصرف من المصنف –
وقد سقطت عبارة شرح مسلم من النسخة "ب".
3 البخاري "1127" ومسلم "775" "206" من حديث
علي رضي الله عنه.
(5/190)
ونزلت {خُلِقَ
الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الانبياء: 37] لما
استعجلت قريش العذاب, وقيل: المراد بالإنسان
النضر بن الحارث وقيل: آدم "عليه السلام" فعلى
هذا قال الأكثر: خلق عجولا فوجد في أولاده
وأورثهم العجلة, وقيل: خلق بعجل, استعجل بخلقه
قبل غروب الشمس من يوم الجمعة, وقيل: الإنسان
اسم جنس, فقيل: المعنى خلق عجولا.
قال الزجاج: العرب تقول للذي يكثر منه اللعب
إنما خلقت من لعب, يريدون المبالغة في وصفه
بذلك, وقيل: فيه تقديم وتأخير, والمعنى خلقت
العجلة في الإنسان, والآية الأخرى روي عن ابن
عباس أنها نزلت في النضر بن الحارث, وكان
جداله في القرآن1, وقيل في أبي بن خلف, وكان
جداله في البعث, قال الزجاج: كل ما يعقل من
الملائكة والجن يجادل, والإنسان أكثر هذه
الأشياء جدلا.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه الطبري في تفسيره "5/191".
(5/191)
فصل : ولا
يستحب للمعتكف إقراء القرآن والعلم
والمناظرة فيه ونحوه "و م" ذكره أبو الخطاب عن
أصحابنا, نقل المروذي: لا يقرئ في المسجد وهو
معتكف, ونقل المروذي أيضا: يقرئ "القرآن" أعجب
إلى من أن يعتكف, لأنه له ولغيره, قال صاحب
المحرر: لولا أن الإقراء يكره فيه لقال يعتكف
ويقرئ, قال أبو بكر: لا يقرئ ولا يكتب الحديث
ولا يجالس العلماء, لفعله عليه السلام, فإنه
كان يحتجب فيه, واعتكف في قبة, وكالطواف, وذكر
(5/191)
الآمدي في
استحباب ذلك روايتين, واختار أبو الخطاب وصاحب
المحرر وغيرهما يستحب "و هـ ش"1 لظواهر
الأدلة, وكالصلاة والذكر, ولا يتسع الطواف
لمقصود الإقراء ونحوه, بخلاف2 الاعتكاف. فعلى
الأول فعله لذلك أفضل من الاعتكاف, لتعدي
نفعه, كما سبق3.
قال صاحب المحرر: ويتخرج في كراهة القضاء
وجهان بناء على الإقراء فإنه 4في معناه4, وقال
مالك: لا يقضي إلا فيما خف.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "و هـ م ش".
2 بعدها في "ب" "الطواف والذي في الأصل الأصح"
3 ص "191".
4 4 في الأصل "مثله".
(5/192)
فصل : ولا بأس
أن يتزوج,
ويشهد النكاح لنفسه ولغيره, ويصلح بين القوم,
ويعود المريض, ويصلي على الجنازة, ويعزي,
ويهنئ ويؤذن, ويقيم, كل ذلك في المسجد "و ش"
وقاله الحنفية إلا في الصلاة على الجنازة,
لكراهتها عندهم فيه.
وقال مالك: لا يعود مريضا فيه إلا أن يصلي إلى
جنبه, ولا يقوم ليهنئ, أو يعزي أو يعقد نكاحا
فيه إلا أن يغشاه في مجلسه, ولا يصلح فيه بين
القوم إلا في مجلسه خفيفا, وأكره أن يقيم
الصلاة مع المؤذنين, لأنه يمشي, وهو عمل, ولا
يعجبني أن يصلي على جنازة فيه, والله أعلم.
(5/192)
ولعل ظاهر
الإيضاح: يحرم أن يتزوج أو يزوج.
(5/193)
فصل : يستحب له
ترك لبس رفيع الثياب,
قال صاحب المحرر: قال أصحابنا: والتلذذ بما
يباح له قبل الاعتكاف. وأن لا ينام إلا عن
غلبة ولو مع قرب الماء, وأن لا ينام مضطجعا بل
متربعا مستندا. ولا يكره شيء من ذلك, وكره له
ابن الجوزي وغيره "لبس"1 رفيع الثياب, ولا بأس
بأخذ شعره وأظفاره, في قياس مذهبنا قاله صاحب
المحرر وغيره, كغسل يده في طشت وترجيل شعره,
وكره مالك أخذ2 شعره وأظفاره ولو جمعه وألقاه,
لحرمة المسجد, وكره ابن عقيل إزالة ذلك في
المسجد مطلقا صيانة له. وذكر غيره: يسن ذلك,
وظاهره مطلقا, وإلا3 يحرم إلقاؤه فيه. ويكره
له أن يتطيب. نقل المروذي: لا يتطيب, ونقل
أيضا: لا يعجبني وقاله معمر بن راشد وقاله
عطاء في المعتكفة. ونقل ابن إبراهيم: يتطيب
"و" كالتنظف, ولظواهر الأدلة, وهذا أظهر, وقاس
أصحابنا الكراهية4 على الحج وعدم التحريم على
الصوم, وأطلق في الرعاية في كراهة لبس الثوب
الرفيع والتطيب وجهين.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في الأصل "أخذه".
3 في "س" "لا".
4 في الأصل و"ط" "الكراهية".
(5/193)
فصل : لا يجوز
البيع والشراء في المسجد للمعتكف وغيره,
نص عليه في رواية حنبل, وجزم به القاضي وابنه
أبو الحسين وصاحب الوسيلة والإفصاح وغيرهم,
كما روى أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن
عجلان حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع
والشراء في المسجد, وأن تنشد فيه الأشعار, وأن
تنشد فيه الضالة, وعن الحلق يوم الجمعة قبل
الصلاة. ورواه أبو داود وابن ماجه, والترمذي
وحسنه, والنسائي1 ولم يذكر إنشاد الضالة. وعن
أبي هريرة مرفوعا "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع
في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك"
إسناده جيد, رواه الترمذي2 وقال: حسن غريب.
قال صاحب المحرر: وصحت الأخبار بالمنع من
إنشاد الضالة, 3والبيع و3 الاعتكاف أولى, قال
ابن هبيرة: منع صحته وجوزه أحمد, وقيل: إن حرم
ففي صحته وجهان, وجزم في الفصول والمستوعب
بأنه يكره "و م ش"4 وقال أبو حنيفة يجوز.
ويكره إحضار السلع في المسجد على قولنا يكره
ويكره للمعتكف فيه اليسير "خ" كالكثير "و"
وقال ابن بطال المالكي: أجمع العلماء أن ما
عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه, كذا
قال,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "6676" وأبو داود "1079" والترمذي
"322" والنسائي في المجتبى "2/47 – 48" وابن
ماجه "749".
2 في سننه "1321".
3 3 في "ب" و"س" و"ط" "فالبيع".
4 في الأصل "و".
(5/194)
ونقل حنبل عن
أحمد ما يحتمل أنه يجوز أن يبيع ويشتري في
المسجد ما لا بد منه كما يجوز خروجه له إذا لم
يكن له من يأتيه به1, كما سبق في الأعذار فإنه
قال: لا يبيع ولا يشتري إلا ما لا بد له منه2,
فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز, فهذا
عام في المسجد وغيره, ذكره صاحب المحرر, وقاله
إسحاق, وظاهره المنع منه, ولو خرج لما لا بد
منه ولم يقف له وسبق جوازه في فصل له السؤال
عن المريض في طريقه ما لم يعرج3 فعلى المذهب
لا يجوز في المسجد ويخرج له, وعلى الثاني يجوز
فلا يخرج له "و" والله أعلم.
ولا يجوز له أن يتكسب بالصنعة في المسجد
كالخياطة وغيرها, والقليل والكثير والمحتاج
وغيره سواء, قاله القاضي وغيره "و م" وجزم به
ـــــــ
"الثاني" قوله: لا يجوز البيع والشراء في
المسجد للمعتكف وغيره, نص عليه. وجزم في
الفصول والمستوعب بأنه يكره, فعلى المذهب لا
يجوز في المسجد. ويخرج له4, وعلى الثاني يجوز
ولا يخرج له انتهى. لعله: فعلى المذهب لا يصح
في المسجد, وعلى الثاني يصح لأنه لا يجوز
ويجوز, لأنه قد صدر المسألة بلا يجوز وبيكره
فلو جعلنا البناء كذلك لكان عين الأول وتحصل
الحاصل وهو الصواب, فعلى هذا يكون قد قدم
المصف هنا أن البيع لا يصح, وقد أطلق
الروايتين في كتاب الوقف5, في الصحة وعدمها,
فيكون قد قدم حكما في مكان وأطلق الخلاف في
موضع آخر.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 ص "178".
3 ص "178".
4 في النسختين الخطيتين و"ط" "منه" والنثبت من
الفروع.
5 "7/383".
(5/195)
في المذهب
والإيضاح1 قال صاحب المحرر: قاله جماعة, ونقل
حرب التوقف في اشتراطه, فقيل له: يشترط أن
يخيط في المسجد؟ قال: لا أدري. وقال له
المروذي: ترى أن يخيط؟ قال: ما ينبغي أن يعتكف
إذا 2كان يريد2 أن يعمل, ونقل أبو طالب: ما
يعجبني أن يعمل فإن كان يحتاج فلا يعتكف. وقال
في الروضة: لا يجوز له فعل غير ما هو فيه من
العبادة ولا يجوز أن يتجر ولا يصنع الصنائع,
قال: وقد منع بعض أصحابنا من الإقراء وإملاء
الحديث, كذا قال. وقال ابن البناء: يكره أن
يتجر أو يتكسب بالصنعة, حكاه في منتهى الغاية,
وجزم به في المستوعب وغيره, وأباحه الحسن وأهل
الرأي كالكلام والنوم. وقاله الشافعي في
اليسير, وكره الكثير, والله أعلم.
وإن احتاج للبسه خياطة أو غيرها3 لا للتكسب
فقال ابن البناء: لا يجوز, وحكاه في منتهى
الغاية, واختاره هو والشيخ وغيرهما يجوز "م
11" قالوا: وهو ظاهر الخرقي, كلف عمامته
والتنظيف
ـــــــ
"مسألة 11" قوله: ولا يجوز له أن يتكسب
بالصنعة في المسجد كالخياطة وغيرها وإن احتاج
للبسه خياطة أو غيرها لا للتكسب فقال ابن
البناء لا يجوز, حكاه في منتهى الغاية,
واختاره هو والشيخ وغيرهما يجوز4 قالوا وهو
ظاهر كلام الخرقي انتهى.
5ما اختاره الشيخ والمجد وغيرهما5 هو الصحيح,
وعليه كثير من الأصحاب
ـــــــ
1 في الأصل و"ط" "الإفصاح".
2 2 في الأصل "أراد".
3 في الأصل "نحوها".
4 ليست في "ح".
5 5 ليست في "ط".
(5/196)
ولا يبطل
الاعتكاف بالبيع وعمل الصنعة للتكسب, لأنه
إنما ينافي حرمة المسجد, ولهذا أبيح في ممره,
وذكر في منتهى الغاية قولا: يبطل. إن حرم,
لخروجه1 بالمعصية عن وقوعه قربة, وقاله مالك
والشافعي 2في القديم2 مطلقا, لمنافاته
الاعتكاف, والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ب" "كخروجه".
2 2 ليست في الأصل.
(5/197)
فصل : ينبغي
لمن قصد المسجد للصلاة
أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه, لا
سيما إن كان صائما, ذكره ابن الجوزي في
المنهاج, ومعناه في الغنية, وفاقا للشافعية,
ولم يره شيخنا.
ـــــــ
وظاهر كلام كثير منهم أيضا, لأنهم قالوا: لا
يتكسب بالصنعة, وما اختاره ابن البناء سبقه
إليه القاضي فقال: لا تجوز الخياطة في المسجد
سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن, قل أو كثر,
انتهى, فجعله الشيخ والشارح في الخياطة مطلقا
سواء كانت للبسه أو غيره, ويأتي آخر الوقف3 هل
يجوز عمل الصنعة في المسجد؟ فإن المصنف أطلق
الخلاف هناك, وقدم هنا عدم الجواز فحصل الخلل
4إلا أن يفرق بين المعتكف وغيره4.
فهذه إحدى عشرة مسألة في هذا الباب تكلمنا
عليها, والله أعلم.
ـــــــ
3 "7/383".
4 لييست في "ح".
(5/197)
|