الفروع و معه تصحيح الفروع

كتاب المناسك
مدخل
حكم الحج والعمرة
...
كتاب المناسك
الحج بفتح الحاء لا بكسرها في الأشهر, وعكسه شهر الحجة. والحج
لغة : القصد إلى من تعظمه, وقيل: كثرة القصد إليه.
وشرعا : قصد مكة للنسك.
والعمرة
لغة الزيارة, يقال: اعتمره إذا زاره. وقيل: القصد.
وشرعا : زيارة البيت على وجه مخصوص.
والحج فرض على كل مسلم مكلف حر مستطيع1, في العمر مرة واحدة. وفرض الحج سنة تسع2 في قول الأكثر وقيل: سنة عشرة. وقال بعض العلماء: سنة ست, وبعضهم: سنة خمس:
والعمرة فرض كالحج, ذكره الأصحاب. وقال القاضي وغيره: أطلق أحمد وجوبها في مواضع, فيدخل فيه المكي وغيره. قال3: وهو قول شيخنا, فدل أن أحمد لم يصرح بوجوبها على المكي, وصرح بأنها لا تجب عليه وتجب على غيره.
وفرض العمرة قول أكثر العلماء من الصحابة4 وغيرهم وفاقا للشافعية
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 في الأصل "ستع".
3 ليست في "س".
4 في "ب" "أصحاب". وذكره البخاري تعليقا قبل الحديث "1773" قال ابن عمر رضي الله عنهما "ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها لقرينتها في كتاب الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]

(5/201)


في الجديد, وللمالكية قولان, لقول عائشة: يا رسول الله, هل على النساء من جهاد؟ قال: "نعم, عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" رواه أحمد وابن ماجه1 بإسناد صحيح. وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج 2ولا العمرة2 ولا الطعن, فقال: "حج عن أبيك واعتمر" إسناده جيد, رواه الخمسة وصححه الترمذي3. وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الإسلام؟ قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتحج البيت وتعتمر" وذكر الحديث, وهو من حديث عمر, رواه ابن خزيمة في صحيحه, والدارقطني4 وقال: إسناد صحيح, ورواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين, وعن الصبي5 بن معبد قال: أتيت عمر فقلت: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما, فقال عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. إسناده جيد, رواه النسائي
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "25322" وابن ماجه "2901".
2 2 ليست في "س".
3 أحمد في المسند "16184" وأبو داود "1810" والترمذي "930" والنسائي في المجتبى "5/111" وابن ماجه "2906".
4 صحيح ابن خزيمة "3065" وسنن الدارقطني "2/281".
5 في "ب" و"ط" الضبي بالضاد وهو الصبي بن معبد الكوفي تابعي ثقة وخضرم رأى عمر بن الخطاب وعامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تهذيب التهذيب "4/409 – 410".

(5/202)


وغيره1. واحتج أحمد وجماعة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
وعنه: العمرة سنة "و هـ م ق" اختاره شيخنا, لأن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زعم رسولك أن علينا. فذكر الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق" , فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن, فقال: "لئن صدق ليدخلن الجنة" رواه مسلم2, وأجيب بأن اسم الحج يتناول العمرة, روى مسلم3 من حديث ابن عباس: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" , وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم "وإن العمرة الحج الأصغر" رواه الأثرم والدارقطني4, وعن حجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا, وأن تعتمر خير لك" رواه أحمد, والترمذي5 وقال: حسن صحيح, كذا في بعض نسخه, وحجاج هو ابن أرطاة, ضعيف عندهم مدلس لا يحتج به اتفاقا.
6قال الدارقطني: ورواه يحيى بن أيوب عن حجاج وابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر موقوفا6 ..................
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 النسائي في المجتبى "5/147 – 148" ورواه أحمد "83" وأبو داود "1799".
2 في صحيحه "12" "10" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
3 في صحيحه "1241" "203".
4 سنن الدارقطني "2/284".
5 أحمد "14397" والترمذي "931".
6 6 ليست في الأصل و"س" و"ط" قال الدارقطني ورواه يحيى بن أيوب عن حجاج وابن جريج عن ابن المنكر عن جابر موقوفا والمثبت من السنن "2/294".

(5/203)


وللطبراني1 عن محمد بن عبد الرحيم 2عن سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير عن جابر2 مرفوعا مثله, ورواه الدارقطني3 عن ابن أبي داود عن محمد وجعفر بن مسافر ويعقوب بن سفيان عن ابن عفير, فذكره.
يحيى بن أيوب ثقة, روى له البخاري ومسلم, لكن له مناكير عندهم كهذا الحديث, مع أن أحمد "قد" قال فيه: سيئ الحفظ. وقال أبو حاتم وابن القطان: لا يحتج به. وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب.
وأما تضعيف خبر جابر لضعف عبيد الله كما ذكره في منتهى الغاية متابعة لأبي إسحاق الشيرازي فلا يتوجه, لأن عبيد الله ثقة عندهم, وثقه البخاري وغيره. وقال أبو حاتم: صدوق, ثم يحتمل أنه أراد عمرة القضية أو العمرة مع حجتهم فإنها لم تكن واجبة على من اعتمر.
وعن طلحة بن عبيد الله مرفوعا "الحج جهاد والعمرة تطوع" إسناده ضعيف, رواه ابن ماجه4, ورواه الشافعي5 عن أبي صالح الحنفي مرسلا وقال: ليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع. وقال ابن عبد البر: روي ذلك بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها الحجة, وعلى هذه الرواية يجب إتمامها, كما سبق آخر صوم التطوع6.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في المعجم الأوسط "6568" والمعجم الصغير "1015".
2 2ليست في "ب".
3 في السنن "2/285".
4 في سننه "2989".
5 في المسند "1/281".
6 ص "119".

(5/204)


وعنه رواية ثالثة: تجب إلا على المكي, نقلها عبد الله والأثرم والميموني وبكر بن محمد, اختاره الشيخ وقال شيخنا: عليه نصوصه وتأولها القاضي على أنه نفى عنهم دم التمتع, كذا قال, وقد سأله عبد الله وغيره: من أين يعتمر أهل مكة؟ قال: ليس عليهم عمرة, لأن ذلك قول ابن عباس1, لكنه من رواية إسماعيل بن مسلم المكي, وهو ضعيف, وقاله عطاء وطاوس, لأن معظمها الطواف وهم يفعلونه, وأجاب صاحب المحرر وغيره بأنه لا يصح في حق من لم يطف, ومن طاف يجب أن لا يجزئه عنها, كالآفاقي.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة "4/87 – 88" عن ابن عباس "لا يضركم يا أهل مكة أن لا تعتمروا قإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن الوادي وعنه: أنتم يا أهل مكة لا عمرة لكم إنما عمرتكم الطواف .... وأخرج الدارقطني "2/283" عنه الحج والعمرة فريضتان على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتكم الطواف.

(5/205)


فصل : لا يجب الحج على كافر أصلي
"ع" ويعاقب عليه وعلى سائر فروع الإسلام "و ش" كالتوحيد "ع". وعنه: لا, وهو الأشهر للحنفية وللمالكية وجهان
وعنه: يعاقب على النواهي لا الأوامر.
والمرتد مثله, "و" وهل يلزم الحج باستطاعة في ردته إذا أسلم, إن1 قلنا يقضي ما فاته من صلاة وصوم لزمه "و ش" وإلا فلا؟ "و هـ م" ولا تبطل استطاعته بردته إن قضى صلاة تركها قبل ردته "هـ م" وإن حج ثم ارتد ثم أسلم وهو مستطيع فهل يلزمه حج ثان؟ "و هـ م" أم لا؟ "و ش" فيه روايتان, وسبق ذلك في الصلاة "م 1".
ولا يصح الحج من كافر "ع" ويبطل إحرامه ويخرج منه بردته فيه "و هـ" كالصوم, والجماع قد يعتد بما فعله معه, وينعقد الإحرام معه ابتداء بخلاف الردة "ع" وللشافعية في خروجه منه وكونه كالمجامع وبقائه إذا أسلم أوجه
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وإن حج ثم ارتد ثم أسلم وهو مستطيع فهل يلزمه حج ثان أم لا؟ فيه روايتان, وسبق ذلك في الصلاة, انتهى.
"قلت": أطلق المصنف الخلاف في كتاب الصلاة أيضا2, وقد ذكرنا هناك الصحيح من المذهب ومن اختار كل رواية, فليراجع إذ لا حاجة إلى إعادته.
ـــــــ
1 في الأصل "و".
2 "2/17".

(5/206)


فصل: ولا يجب على مجنون
"ع" ولا تبطل استطاعته بجنونه "و" ولا يصح الحج منه إن عقده1 بنفسه "ع"2 وكذا إن عقده له الولي, اقتصارا على النص في الطفل, وقيل: يصح. وفي منتهى الغاية: اختاره أبو بكر "و م ش".
وهل يبطل الإحرام بالجنون لأنه لم يبق من أهل العبادات "م" أم لا؟ كالموت, فيه وجهان "م 3" فإن لم يبطل فكمن أغمي عليه, ذكره صاحب المحرر, وأطلق ابن عقيل وجهين في بطلانه بجنون وإغماء, والمعروف لا يبطل بإغماء, كالسكر, فيتوجه فيه مثله.
ـــــــ
1 في "س" "عقد".
2 ليست في الأصل و"ب".

(5/207)


فصل : ولا يجب على عبد
"و" كالجهاد, وفيه نظر, لأن القصد منه الشهادة, وللخبر الآتي في الأمر بإعادته إذا عتق, ولأنه لا يملك, ويصح منه "و" وكذا مكاتب ومدبر وأم ولد ومعتق بعضه "و".
ولا يجوز أن يحرم إلا بإذن سيده "و" لتفويت حقه, فإن فعل انعقد
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: وهل يبطل الإحرام بالجنون لأنه لم يبق من أهل العبادات أم لا؟ كالموت, فيه وجهان, انتهى. وأطلقهما ابن عقيل والمجد في شرحه, أحدهما لا يبطل "قلت": وهو قياس الصوم إذا أفاق جزءا من اليوم, والصحيح هناك الصحة, وهو قول الأئمة الثلاثة, وهو ظاهر ما قدمه في الرعايتين, والوجه الثاني يبطل, وهو قياس قول المجد في الصوم.

(5/207)


"و" خلافا لداود, كصلاة وصوم كذا ذكر الأصحاب. وقال ابن عقيل: ويتخرج بطلان إحرامه بغصبه لنفسه, فيكون قد حج في بدن غصب فهو آكد من الحج بمال غصب, وهذا متوجه ليس بينهما فرق مؤثر, فيكون هو المذهب, وسبق مثله في الاعتكاف1 عن جماعة, فدل على أنه لا يجوز له فعل عبادة قد تفوت حق السيد إلا بإذنه, وتعليلهم يدل عليه, ومنه صلاة وصوم, وقد يكون زمن الاعتكاف التطوع أقل, ولا يجوز صوم المرأة إلا بإذن الزوج, وحق السيد آكد, وقد سووا بينهما في الاعتكاف والحج بلا إذن لمعنى واحد, ودل اعتبار المسألة بالغصب على تخريج رواية: إن أجيز صح وإلا بطل.
وعلى الأول: لسيده تحليله, في رواية "و" اختارها ابن حامد والشيخ وجماعة, وجزم بها آخرون, لتفويت حقه, وقاس الشيخ على صوم يضر بدنه, ومراده لا يفوت به حق, وليس له تحليله, في رواية نقلها الجماعة, واختارها أبو بكر والقاضي وابنه وغيرهم "3 م" كتطوع نفسه, وقد ذكر ابن عقيل قول أحمد: لا يعجبني منع السيد عبده من المضي في الإحرام
ـــــــ
"مسألة 3" قوله عن العبد: ولا يجوز أن يحرم إلا بإذن سيده. فإن فعل انعقد فعلى هذه لسيده تحليله, في رواية اختارها ابن حامد والشيخ وجماعة, وجزم بها آخرون وليس له تحليله في رواية نقلها الجماعة, واختارها أبو بكر والقاضي وابنه وغيرهم, انتهى, وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب,
ـــــــ
1 ص "134".

(5/208)


زمن1 الإحرام والصلاة والصيام, وقال: إن لم يخرج منه وجوب النوافل بالشروع2 كان بلاهة.
وإن أذن له لم يجز له تحليله "هـ" للزومه, كنكاح وإعارة لرهن, وعنه: له تحليله.
وإن باعه فمشتريه كبائعه في تحليله, وله الفسخ إن لم يعلم إلا أن يملك بائعه تحليله فيحلله.
وإن علم العبد برجوع سيده عن إذنه فكما لو لم يأذن, وإلا فالخلاف في عزل الوكيل قبل علمه.
وإن نذر العبد الحج لزمه "و" قال صاحب المحرر: لا نعلم فيه
ـــــــ
إحداهما لسيده تحليله, وهو الصحيح, صححه في النظم وغيره, وجزم به في المقنع3 وشرح ابن منجى والوجيز والمنور وغيرهم, وقدمه في الرعاية الكبرى وشرح ابن رزين وغيرهما, واختاره ابن حامد والشيخ الموفق والشارح وغيرهم.
والرواية الثانية ليس له تحليله, نقلها الجماعة, واختارها أبو بكر والقاضي وابنه وغيرهم, قال ناظم المفردات: هذا الأشهر, وقدمه في المحرر وغيره.
ـــــــ
1 في "ب" "ومن".
2 في "ب" "بالشروح".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/27".

(5/209)


خلافا, وهل لسيده منعه منه إذا لم يكن نذره بإذنه "و ش" أم لا؟ لوجوبه عليه كواجب صلاة وصوم ولعل المراد بأصل الشرع1 فيه روايتان. وقيل: إن كان النذر على الفور لم يمنعه "م 4" وقد نقل ابن إبراهيم في مملوك قال: امرأته طالق ثلاثا إن لم يحرم أول يوم من رمضان, قال: يحرم ولا تطلق امرأته, قلت: فإن منعه سيده أن يخرج إلى مكة؟ قال: ليس له ذلك إذا علم منه رشدا. ذكره الخلال فيما يجب على المملوك من حق مولاه وما يجب من حق المملوك على سيده. وعنه ما يدل على خلافه, وهو ظاهر كلامهم, وسبق ذلك أول الجنائز2.
وإن أفسد العبد حجه بالوطء لزمه المضي فيه والقضاء "و ش" كالحر, ويصح القضاء في رقه, في الأصح, للزومه له, كالنذر, بخلاف حجة الإسلام. وليس لسيده منعه منه إن كان شروعه فيما أفسده بإذنه, لأن إذنه فيه إذن في موجبه, ومن موجبه قضاء ما أفسده على الفور.
وللمالكية قولان, وإن لم يكن بإذنه ففي منعه من القضاء وجهان,
ـــــــ
"مسألة 4" قوله: وإن نذر العبد الحج لزمه وهل لسيده منعه منه إذا لم يكن نذره بإذنه؟ أم لا؟ لوجوبه عليه كواجب صلاة وصوم فيه روايتان, وقيل: إن كان النذر على الفور لم يمنعه, انتهى. وأطلقهما المجد في شرحه, إحداهما له منعه منه, وهو الصحيح, اختاره ابن حامد والقاضي والشيخ الموفق والشارح وابن رزين وغيرهم, وقدمه في الرعاية الكبرى والنظم, "قلت": وهو الصواب, والرواية الثانية ليس له منعه, وجزم به المحرر.
ـــــــ
1 في "س" "الشروع".
2 "3/241".

(5/210)


كالمنذور "م 5" وهل يلزم العبد القضاء لفوات أو إحصار؟ فيه الخلاف, كالحر.
وإن أعتق قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك لزمه أن يبدأ بحجة الإسلام فإن خالف فحكمه كالحر يبدأ بنذر أو غيره قبل حجة الإسلام, وإن أعتق في الحجة الفاسدة في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة فإنه
ـــــــ
"مسألة 5" قوله: "وإن أفسد العبد حجه بالوطء لزمه المضي فيه والقضاء "كالحر" ويصح القضاء في رقه. وليس لسيده منعه إن كان شروعه فيما أفسده بإذنه وإن لم يكن بإذنه ففي منعه من القضاء وجهان, كالمنذور, وفيه مسألتان:
"المسألة الأولى 5" إذا كان الحج تطوعا وأفسده فهل للسيد منعه من القضاء إذا كان شروعه فيما أفسده بغير إذنه أم لا؟ أطلق الخلاف.
أحدهما له منعه, وهو الصحيح, وقد قدمه المصنف في هذا الكتاب في باب محظورات الإحرام1 في هذه المسألة بعينها, وهذه من جملة المسائل التي أطلق المصنف فيها الخلاف وقدم فيها حكما, كما تقدم التنبيه عليه في المقدمة2.
والوجه الثاني ليس له منعه.
"المسألة الثانية 6" إذا كان حجه منذورا وأفسده, وقد تقدم في كلام المصنف في المسألة التي قبلها ما يشابه هذه, ولكن تلك الخلاف في منعه من فعله, وهنا منعه من قضائه, وعلى كل حال الصحيح أن له منعه كالمسألة المقيسة والتي قبلها, والله أعلم.
ـــــــ
1 ص "455".
2 "1/18".

(5/211)


يمضي فيها, ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام والقضاء "و ش".
وقال ابن عقيل: عندي أنه لا يصح لأنه ليس من حيث لو صحت أجزأت يجب أن يكون قضاؤها كهي, كما قلنا فيمن نذر صوم يوم يقدم فلان, فقدم في يوم من رمضان, فإنه على الرواية التي تقول يجزئه عن النذر والفرض لو أفطر ذلك اليوم لزمه قضاء يومين, ولا يكون الاعتبار في القضاء بما كان في الأداء.
ويلزمه حكم جنايته, كحر معسر, وإن تحلل بحصر أو حلله سيده لم يتحلل قبل الصوم, وليس له منعه منه, نص عليه, وقيل في إذنه فيه وفي صوم آخر في إحرام بلا إذنه وجهان, كنذر, وسيأتي1, وعند المالكية: إن تعمد المأذون السبب فللسيد منعه إن أضر به في عمله, في الأشهر عندهم, ويتوجه احتمال مثله, وإن قلنا يملك بالتمليك ووجد الهدي لزمه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "226".

(5/212)


وإن مات العبد ولم يصم فلسيده أن يطعم عنه, ذكره في الفصول, وإن أفسد حجه صام, وكذا إن تمتع أو قرن, لأن الحج له كالمرأة, وذكر القاضي أنه على سيده إن أذن فيه, كما لو فعله نائب بإذن مستنيب.

(5/213)


فصل :ولا يجب على صبي,
ويصح منه, فإن كان مميزا أحرم بنفسه, وإلا أحرم وليه عنه, ويقع لازما, وحكمه كالمكلف, نص عليه "و م ش" لقول ابن عباس إن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم, ولك أجر" رواه مسلم1. وقال السائب بن زيد2: حج بي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين, رواه البخاري3, وقال ابن عباس: أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه حجة أخرى, وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى, وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى4. وانفرد محمد بن المنهال برفعه وهو يحتج به في الصحيحين وغيرهما, وكان آية في الحفظ ولهذا صححه جماعة منهم ابن حزم, وأجاب بنسخه لكون فيه الأعرابي.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1في صحيحه "1336" "410".2 هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة أبو عبد الله وأبو يزيد الكندي المدني بن أخب نمر وذلك شيء عرفوا به قال الزهري ما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا ولا أبو بكر ولا عمر حتى قال عمر للسائب ابن أخت نمر: لو روحت عني بعض الأمر "ت 91 هـ" سير أعلام النبلاء "3/437".3 في صحيحه "1858".4 أخرجه البيهقي في سننه "4/325". بلفظ

(5/213)


وقد قال أبو الوليد حسان بن محمد من ولد سعيد بن العاص, وهو إمام أهل الحديث في عصره بخراسان, قاله الحاكم في تاريخه وقال: درس الفقه على أبي العباس بن سريج. صنف المخرج على مذهب الشافعي, والمخرج على الصحيح لمسلم, وكان أزهد من رأيت من العلماء وأكثرهم تقشفا ولزوما لمدرسته وبيته وأكثرهم اجتهادا في العبادة, سمعت أبا الوليد وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "أيما أعرابي حج قبل أن يهاجر فعليه الحج إذا هاجر" قال: معناه قبل أن يسلم فعبر باسم الهجرة 1عن الإسلام لأنهم إذا أسلموا هاجروا, وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام باسم الهجرة1, وإنما سموا مهاجرين لأنهم هجروا الكفار إجلالا للإسلام. سمعت أبا الوليد سمعت ابن سريج سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: دخلت على المعتضد فدفع إلي كتابا نظرت فيه, وكان قد جمع له الزلل من رخص العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه, فقلت له: يا أمير المؤمنين, مصنف هذا الكتاب زنديق, فقال لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت, ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة. ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر, وما من عالم إلا وله زلة, ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه, فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب. والله أعلم.
وقال أبو الخطاب عن الخبر المذكور: ذكره هبة الله الطبري2 في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الشافعي اللالكائي الحافظ المجود مفيد بغداد في وقته صنف كتابا في السنة "ت 410 هـ" سير أعلام النبلاء "17/419".

(5/214)


سننه وقال: أخرجه ابن أبي حاتم.
ولأنه يصح وضوءه1 كالبالغ, بخلاف المجنون, ولأنه إذا صح إحرامه يجب أن يصح على حكم البالغ في الضمان, كالنكاح, ولأنه التزام بالفعل, وهو أقوى من القول, 2بخلاف نذره ويمينه.
وكفارة الحج تتعلق بالحج الفاسد وتحرم رفقة, المغمى عليه عنه عندهم2, بخلاف الصوم فيهما, ومذهب أبي حنيفة وأصحابه يصح إحرامه ولا يلزم, فلا تتعلق به كفارة. ويرتفض برفضه, ويجتنب الطيب استحبابا, وذكر ابن هبيرة عن بعض الحنفية أن هذا معنى قول أبي حنيفة لا أنه يخرجه من ثواب الحج, وسبق في كتاب الصلاة3, وهذا القول متجه أنه يصح إحرامه ولا يلزمه حكمه, ويثاب عليه إذا أتمه صحيحا, لأنه ليس من أهل الالتزام, وليس على لزومه دليل صحيح.
ويحرم مميز وهو ابن سبع بإذن وليه, كالبيع, وقيل: يصح منه بدونه, واختاره صاحب المحرر, كصلاة وصوم, فعلى هذا يحلله الولي منه إن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "صومه".
2 2 ليست في "س".
3 "1/411".

(5/215)


رآه ضررا, في الأصح, كعبد, وللشافعية كالوجهين.
ولا يحرم الولي عن مميز "و م ش" لعدم الدليل, والوالي من يلي ماله, ويصح عن الطفل ولو كان محرما أو لم يحج كعقد النكاح له, ولا يصح من غير الولي, ذكره القاضي وأنه ظاهر كلام أحمد, كالأجنبي, وظاهر رواية حنبل يصح من الأم أيضا "و ش" للخبر المذكور, واختاره جماعة. وقال بعضهم في عصبته كالعم وابنه وجهان, واختار بعضهم الصحة, والله أعلم.
وكل ما أمكنه فعله بنفسه كالوقوف والمبيت لزمه, وسواء أحضره1 الولي: فيها أو غيره, وما عجز عنه عمله عنه الولي, روي عن ابن عمر في الرمي, وعن أبي بكر أنه طاف بابن الزبير في خرقة, رواهما الأثرم2.
وكانت عائشة تجرد الصبيان للإحرام3, وفاقا لأكثر العلماء منهم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "حضره".
2 الأول أخرجه أيضا ابن أبي شيبة الجزء العمري ص "246" والثاني أخرجه أيضا عبد الرزاق في مصنفه "5/70".
3 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "407".

(5/216)


الشافعي, وقاله عطاء, إلا الصلاة, واستثنى مالك التلبية أيضا, وعن أشعث بن سوار وهو ضعيف عند الأكثر عن أبي الزبير عن جابر قال: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فأحرمنا عن الصبيان. رواه سعيد1, ولأحمد وابن ماجه2: فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. وللترمذي3: فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان.
ولا يجوز أن يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه, كالنيابة في الحج, فإن قلنا بالإجزاء هناك فكذا هنا, وإلا وقع الرمي عن نفسه إن كان محرما بفرض, وإن كان حلالا لم يعتد به, وإن قلنا يقع الإحرام باطلا هناك فكذا الرمي هنا.
وإن أمكن الصبي أن يناول النائب الحصى ناوله وإلا استحب أن توضع الحصاة في كفه ثم تؤخذ منه فترمى عنه. فإن وضعها النائب في يده ورمى بها فجعل يده كالآلة فحسن, وإن أمكنه أن يطوف فعله وإلا طيف به محمولا أو راكبا.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 وأخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "246".
2 أحمد "4370" وابن ماجه "3038".
3 في سننه "927".

(5/217)


وتعتبر النية من1 الطائف به وكونه ممن يصح أن يعقد له الإحرام, فإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي وقع عن الصبي, كالكبير يطاف به محمولا لعذر.
ويجوز أن يطوف عنه الحلال والمحرم, طاف عن نفسه أو لا "و م ش" لوجود الطواف من الصبي, كمحمول مريض, ولم يوجد من الحامل إلا النية كحالة الإحرام.
وذكر القاضي وجها لا يجزئ 2"عن الصبي"2 كالرمي عن الغير, فعلى هذا يقع عن الحامل, لأن النية هنا شرط, فهي كجزء3 منه شرعا, وقيل: يقع هنا عن نفسه, كما لو نوى الحج عن نفسه وعن غيره, والمحمول المعذور وجدت4 النية منه5, وهو أهل, ويحتمل أن تلغو نيته هنا لعدم التعيين, لكون الطواف لا يقع عن غير معين.
ونفقة الحج في مال وليه, في رواية اختارها أبو الخطاب وأبو الوفاء
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "عن".
2 2 ليست في "ب".
3 في الأصل "حزء".
4 في الأصل "وجوب".
5 ليست في الأصل.

(5/218)


والشيخ وغيرهم "و م ق" لأنه السبب فيه, قال ابن عقيل كإتلافه مال غيره بأمره له, ومنه: في ماله, اختاره جماعة, واختلف اختيار القاضي "م 7" لأنه لمصلحته كأجرة حامله إلى الجامع والطبيب ونحوه, ومحل1 الخلاف يختص بما يزيد على نفقة الحضر, وإنشاء السفر للحج به تمرينا على الطاعة. زاد صاحب المحرر: وماله كثير يحتمل ذلك,
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: ونفقة الحج في مال وليه, في رواية اختارها أبو الخطاب وأبو الوفاء والشيخ وغيرهم. وعنه: في ماله, اختاره جماعة, واختلف اختيار القاضي, انتهى وأطلقهما في المستوعب والكافي2 وشرح المجد والنظم وغيرهم.
إحداهما هي في مال وليه وهو الصحيح, جزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم, قال في المذهب ومسبوك الذهب: يلزم ذلك الولي, في أقوى الروايتين, واختاره أبو الخطاب في الهداية, والشيخ في المغني3, والشارح وصاحب الحاويين, قال ابن منجى في شرحه: هذا المذهب, وهو أصح, واختاره القاضي في بعض كتبه, وقدمه في المقنع4 والمحرر وشرح ابن رزين وغيرهم, قال ابن رزين: فعلى وليه إجماعا, ثم حكى الخلاف.
والرواية الثانية يكون في مال الصبي, قدمه في الهداية والخلاصة والهادي والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وإدراك الغاية ونظم المفردات وغيرهم, واختاره القاضي في الخلاف "قلت": وهو ضعيف, وما عللت به هذه الرواية غير مسلم, وإطلاق المصنف فيه نظر.
ـــــــ
1 في الأصل "ومشكل".
2 "2/308".
3 "5/54".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/24".

(5/219)


فأما سفره معه للتجارة أو خدمة أو إلى مكة لاستيطانها أو1 الإقامة بها لعلم أو غيره مما يباح له السفر به في وقت الحج وغيره ومع الإحرام وعدمه فلا نفقة على الولي, رواية واحدة, بل على الجهة الواجبة فيها بتقدير عدم الإحرام. ويؤخذ هذا من كلام غيره من التصرف لمصلحته. ويؤخذ من كلام الشافعية, وكذا المالكية وإن كانوا استثنوا خوف الضيعة عليه فقط.
وهل الفدية وجزاء الصيد على الولي كنفقته؟ أم عليه كحنايته؟ فيه روايتان "م 8"..........................
ـــــــ
"مسألة 8" "قوله" وهل الفدية وجزاء الصيد على الولي كنفقته؟ أم عليه كجنايته؟ فيه روايتان, انتهى. وأطلقهما في المستوعب والمغني2 والكافي3 وشرح المجد والنظم وغيرهم.
إحداهما يكون في مال وليه, وهو الصحيح, قال في المذهب, ومسبوك الذهب: يلزم الولي, في أقوى الروايتين, قال ابن منجى: هذا المذهب, وهو أصح, قال ابن عبدوس في تذكرته: نفقة الحج ومتعلقاته المجحفة بالصبي تلزم المحرم به, وقدمه في المقنع4 والمحرر وشرح ابن رزين, وحكاه إجماعا
ـــــــ
1 في الأصل "و".
2 "5/54".
3 "2/308".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/24".

(5/220)


وللشافعي والمالكية قولان, كذا ذكره الشيخ وغيره وسوى جماعة بينهما ويختص الخلاف بما فعله الصبي.
ويلزم البالغ كفارته مع خطأ ونسيان قال صاحب المحرر: أو فعله به الولي لمصلحته, كتغطية رأسه لبرد أو تطييبه1 لمرض. وإن فعله به الولي لا لعذر فالفدية عليه, وما لا يلزم البالغ كفارته مع خطأ ونسيان لا يلزم الصبي, لأن عمده خطأ.
ـــــــ
, كما تقدم, وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم, واختاره أبو الخطاب والشيخ الموفق والشارح وصاحب الحاويين وغيرهم.
والرواية الثانية يكون في مال الصبي, قدمه في الهداية والخلاصة والهادي والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم, واختاره القاضي في الخلاف.
"تنبيه" : حكم جزاء الصيد والفدية حكم نفقة الحج, خلافا ومذهبا, ولذلك جمعهما أكثر الأصحاب, وحكوا الخلاف في الجميع, وهو الصواب, وإليه ميل المصنف, لقوله عن الطريقة الأخرى "كذا ذكره الشيخ وغيره" ولنا طريقة أخرى وهي هل يلحقان بالنفقة فيكون فيهما الخلاف الذي فيها؟ أو يكونان كجنايته فيجب عليه قولا واحدا؟ وهي طريقة الشيخ الموفق وجماعة, وهو ظاهر ما قدمه المصنف, والذي يظهر أن هذه الطريقة ضعيفة.
ـــــــ
1 في "ب" "بطنه".

(5/221)


ومتى وجبت على الولي ودخلها الصوم صام عنه, لوجوبها عليه ابتداء, كصومها عن نفسه, ومذهب مالك. لا يفدي إلا بالمال, لأن الغير لا يصام عنه, والله أعلم.
ووطء الصبي كوطء البالغ ناسيا يمضي في فاسده ويلزمه قضاؤه. ولا يصح إلا بعد بلوغه, نص عليه, للجمع بين الدليلين, ونظيره احتلام المجنون يوجب الغسل ويعتبر لصحته إفاقته, لعدم أهليته. وقيل: يصح قبل بلوغه كالبالغ. وقيل: لا يلزمه القضاء, لئلا تلزمه عبادة بدنية, وعن الشافعي كالأقوال الثلاثة. وكذا قضاؤه لفوات أو1 إحصار, وصحته منه وهو في القضاء بعد بلوغه وإجزائه2 عنه وعن حجة الإسلام كما سبق في العبد3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "و".
2 في الأصل "وإحرامه".
3 ص "211".

(5/222)


فصل : وإن عتق العبد
أو بلغ الصبي بعد إحرامه قبل الوقوف بعرفة أو وهو بها أو بعده قبل فوت وقته فعاد فوقف بها أجزأه عن حجة الإسلام, وإلا فلا, نص على ذلك "و ش" واحتج بقول ابن عباس1, وكما لو أحرم إذن, ولأنها حالة تصلح لتعيين الإحرام, كحالة الإحرام, قال الشيخ وغيره: إنما اعتد له بإحرامه الموجود إذن وما قبله تطوع لم ينقلب فرضا, ومثله الوقوف.
وقال صاحب المحرر وغيره: ينعقد إحرامه موقوفا فتتبين الفرضية كزكاة معجلة, وكالصلاة أول الوقت عند الحنفية, وكذا في الخلاف إلا أنه لم يذكر الزكاة, وكذا في الانتصار, قالا: كما يقف على الوقوف في إدراك الحج وفواته, فقيل لهما: يلزم بعد فوات الوقوف, فأجاب القاضي بأن الأفعال وجدت في حال النقص, وهنا في الكمال.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله "975" عن ابن عباس قال إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه ذلك الحجة وإذا أعتق بجمع لم تجزئ عنه.

(5/223)


وأجاب1 أبو الخطاب بأن القياس يقتضي أنه يجزئ عن حجة الإسلام, تركناه لخبر ابن عباس. وأجاب أيضا عن أصل السؤال: بأن الإحرام ليس بركن بل شرط على وجه لنا. فهو كوضوء الصبي, وإن سلمنا فليس بركن مقصود في نفسه.
وعنه: لا يجزئه "و م" وقاله "هـ" في العبد. وقال في الصبي: إن جدد إحراما بعد بلوغه أجزأه وإلا فلا, لعدم لزومه عنده.
وإن كان أحدهما سعى قبل الوقوف بعد طواف القدوم وقلنا السعي ركن فقيل: يجزئه, لحصول الكمال في معظم الحج, وقيل: لا يجزئه اختاره صاحب المحرر, قال: وهو أشبه بتعليل أحمد "م 9": الإجزاء
ـــــــ
"مسألة 9" قوله: وإن كان أحدهما سعى قبل الوقوف بعد طواف القدوم وقلنا السعي ركن فقيل: يجزئه, لحصول الكمال في معظم الحج, وقيل: لا يجزئه, اختاره صاحب المحرر, قال: وهو أشبه بتعليل أحمد, وذكره, انتهى وأطلقهما المجد في شرحه والزركشي.
أحدهما يجزئه, وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب, واختاره القاضي في التعليق, وأبو الخطاب وغيرهما, وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى والنظم وغيرهم.
والوجه الثاني لا يجزئه, وهو الصحيح, اختاره المجد في شرحه, والقاضي في المحرر وقال: وهو قياس المذهب, وابن عقيل وغيرهم, وجزم به في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم
ـــــــ
1 في "ب" "فأجاب".

(5/224)


باجتماع الأركان حال الكمال, فعلى هذا لا يجزئه إن أعاد السعي, ذكره صاحب المحرر, لأنه لا يشرع مجاوزة1 عدده ولا تكراره, واستدامة الوقوف مشروع, ولا قدر له محدود. وقال في الترغيب: يعيده, على الأصح.
وإن عتق أو بلغ في العمرة قبل طوافها أجزأه, على الخلاف "و" وإلا فلا "و" وفي أثناء طوافها "و" ولا أثر لإعادته "و" وحيث قلنا بالإجزاء فلا دم "ق" لنقصهما في ابتداء الإحرام كاستمراره "و ش" والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ب" "مجاورة".

(5/225)


فصل : وليس لولي السفيه المبذر منعه من حج الفرض
ولا تحليله, ويدفع نفقته إلى ثقة لينفق عليه في الطريق, وإن أحرم بنفل وزادت نفقته على "نفقة" حضره ولم يكتسب الزائد فقيل كعبد بلا إذن, وقيل: له في الأصح منعه منه2 وتحليله بصوم, وإلا فلا "م 10" فإن منعه فأحرم فهو كمن ضاعت نفقته.
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: وإن أحرم أي السفيه المبذر بنفل وزادت نفقته على نفقة حضره ولم يكتسب الزائد فقيل كعبد بلا إذن, وقيل: له في الأصح منعه.
وتحليله بصوم, وإلا فلا "انتهى".
أحدهما حكمه حكم العبد إذا أحرم بلا إذن سيده.
والقول الثاني له منعه منه وتحليله بصوم, وهو الصحيح من المذهب, صححه الناظم في أواخر باب الحجر, قال في الرعاية الكبرى: فله في الأصح منعه منه
ـــــــ
2 ليست في الأصل.

(5/225)


فصل : وللزوج تحليل المرأة من حج التطوع
في رواية "و" اختاره جماعة, وذكره الشيخ ظاهر المذهب, وتكون كالمحصر, كالعبد يحرم بلا إذن, وظاهره حكمها حكمه في التحريم والصحة, وهو متجه, وقاس الشيخ على المدينة تحرم بلا إذن غريمها على وجه يمنعه إيفاء1 دينه الحال عليها, ومراده له تحليلها, أي منعها, ولا يجوز لها التحلل, وعنه: لا يملك تحليلها, اختاره أبو بكر القاضي وابنه أبو الحسين وغيرهم "م 11" كما لو أذن لها "و" وله الرجوع ما لم تحرم,
ـــــــ
وتحليله بصوم, وإلا فلا, انتهى. وقال في المغني والشرح في باب الحجر: فإن لم يكن له كسب فلوليه تحليله, لما في مضيه فيه من تضييع ماله, ويتحلل بالصيام كالمعسر, لأنه ممنوع من التصرف في ماله, ويحتمل أن لا يملك تحليله بناء على العبد إذا أحرم بغير إذن سيده, انتهى.
"مسألة 11" قوله: وللزوج تحليل المرأة من حج التطوع, في رواية اختارها جماعة, وذكره الشيخ ظاهر المذهب وعنه: لا يملك تحليلها, اختاره أبو بكر والقاضي وابنه أبو الحسين وغيرهم, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والرعايتين والحاويين والقواعد الفقهية والزركشي وغيرهم.
إحداهما له تحليلها, وهو الصحيح, قال الشيخ والشارح: هذا ظاهر المذهب, واختارهما ابن حامد, وهو ظاهر كلام الخرقي, وصححه في الكافي والنظم, وجزم به في المقنع والإفادات والوجيز وشرح ابن منجى والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم,
ـــــــ
1 في الأصل و "ب" "إيقاء".

(5/226)


فعلى الأول في الحج المنذور روايتان وقيل: يفرق بين المعين وغيره "م 12".
وإن حللها فلم تقبل أثمت, وله مباشرتها, وذكره المالكية, وله منعها من الخروج لحجة الإسلام والإحرام بها إن لم تكمل شروطها,
ـــــــ
والرواية الثانية لا يملك تحليلها, اختاره أبو بكر والقاضي وابنه وغيرهم, قال ناظم المفردات: هذا أشهر, قال الزركشي: هي أصرحهما, وقدمه في المحرر.
"مسألة 12" قوله: فعلى الأول في الحج المنذور روايتان, وقيل: يفرق بين المعين وغيره, انتهى. وأطلقهما في المغني والشرح1 والرعايتين والحاويين والقواعد وغيرهم.
إحداهما لا يملك تحليلها, وهو الصحيح, وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب, وجزم به في المحرر وشرح ابن رزين قال في المغني2 في مكان: وليس له منعها من الحج المنذور, قال الزركشي: وهو المنصوص, وبه قطع الشيخان, انتهى. ولم يطلع على إطلاقه الخلاف في المغني في مكان آخر, واعتمد على القطع به في المكان الآخر.
والرواية الثانية يملك تحليلها, وهو ظاهر كلام بعضهم.
"تنبيه" قوله: "وقيل: يفرق بين المعين وغيره".
قال في الرعاية الكبرى: فإن أحرمت به لم يملك تحليلها إن كان وقته معينا وإلا ملكه, انتهى, مع أنه أطلق الروايتين قبل ذلك, فمراده فيهما غير ما جزم به, بخلاف غيره ممن أطلق من غير استثناء فإنه يشمل هذه المسألة, والله أعلم.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/35".
2 "5/35".

(5/227)


فلو أحرمت إذن بلا إذنه لم يملك تحليلها, في الأصح, وإن كملت شروطها لم يملك منعها ولا تحليلها "و" ونفقتها عليه1 قدر نفقة الحضر. ويستحب أن تستأذنه, ونقل صالح: ليس له منعها, ولا ينبغي أن تخرج حتى تستأذنه, ونقل أبو طالب: إن كان غائبا كتبت إليه, فإن أذن وإلا حجت بمحرم, وعنه: له تحليلها, فيتوجه منه منعها, وهو قول للمالكية والشافعي, والأول المذهب كأداء الصلاة أول الوقت "و" وقضاء رمضان "و"2 وظاهره ولو أحرمت قبل الميقات, والأشهر للمالكية له تحليلها.
ومن أحرمت بواجب فحلف زوجها بالطلاق الثلاث لا تحج العام لم يجز أن تحل, ونقل ابن منصور, هي بمنزلة المحصر, ورواه عن عطاء, واختاره3 ابن أبي موسى كما لو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها, ونقل مهنا وسئل عن المسألة فقال: قال عطاء: الطلاق هلاك4, هي بمنزلة المحصر, وسبق ` أول الجنائز5.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ب" "وفاقا فيهما".
3 في "س" "واختار".
4 ليست في "س".
5 "3/240".

(5/228)


فصل : لا يجوز لوالد منع ولده من حج واجب,
ولا تحليله منه, ولا يجوز للولد طاعته فيه, وله منعه من التطوع, كالجهاد, فدل أنه لا يجوز له سفر
ـــــــ
.......................................

(5/228)


مستحب بلا إذن, وهو ظاهر ما ذكره الشيخ في بحث مسألة الجهاد, ويتوجه: يستحب استئذانه. فإن ظن أنه ينضر به وجب وأنه1 واجب للجهاد لأنه يراد للشهادة بخلاف غيره, كما فرق الأصحاب بين السفر له ولغيره في مسألة المدين.
ولا يجوز تحليله منه, لوجوبه بشروعه. وقال أحمد في الفرض: إن لم تأذن لك أمك وكان عندك زاد وراحلة فحج ولا تلتفت إلى إذنها واخضع لها ودارها.
ويلزمه طاعة والديه في غير معصية, ويحرم فيها, ولو أمره بتأخير الصلاة ليصلي به أخرها, نص على ذلك كله, قال في المستوعب وغيره: ولو كانا فاسقين, وهو إطلاق كلام أحمد.
وقال شيخنا: هذا فيما فيه نفع لهما ولا ضرر عليه, فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا, وإنما لم يقيده أبو عبد الله لسقوط فرائض الله بالضرر, وعلى هذا بنينا تملكه من ماله, فنفعه كماله, فليس الولد بأكثر من العبد, هذا كلامه.
ونقل أبو الحارث فيمن تسأله أمه شراء ملحفة للخروج إن كان
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الضمير يعود على الاستئذان.

(5/229)


خروجها في بر وإلا فلا يعينها على الخروج, ونقل جعفر: إن أمرني أبي بإتيان السلطان له علي طاعة؟ قال: لا, فيحمل في هذا والذي قبله أنه وسيلة ومظنة في المحرم, فلا مخالفة لما سبق, وظاهرهما المخالفة, وأنه1 لا طاعة إلا في البر.
ونقل المروذي: ما أحب أن يقيم معهما على الشبهة, لأنه عليه السلام قال: "من ترك الشبهة فقد استبرأ لدينه وعرضه" 2 ولكن يداري, فظاهره لا طاعة في مكروه, ونقل غيره فيمن تعرض عليه أمه شبهة بأكل فقال: إن علم أنه حرام بعينه فلا يأكل.
وقال أحمد: إن منعاه3 الصلاة نفلا4 يداريهما ويصلي, فظاهره لا طاعة في ترك مستحب. وقال: إن نهاه أبوه عن الصوم لا يعجبني صومه ولا أحب لأبيه5 أن ينهاه, فظاهره لا تجب طاعته في تركه.
وذكر صاحب المحرر وتبعه ابن تميم لا يجوز منع ولده من سنة راتبة وأن مثله المكتري والزوج والسيد, فيحتمل أنه بناه على الإثم بترك سنة "راتبة" ويأتي في العدالة في الشهادة6, وسبق كلام القاضي في الصلاة على الميت وفي زيارة القبور وإهداء القرب7, وقوله: ندب إلى طاعة أبيه,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "ولأنه".
2 أخرجه بنحوه البخاري "52" ومسلم "1599" "107" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
3 في "ب" "معناه".
4 في "س" "فلا".
5 في "ب" لابنه".
6 "11/317".
7 "3/427".

(5/230)


وقول أحمد فيمن يتأخر من الصف الأول1 لأجل أبيه: لا يعجبني, هو يقدر يبر أباه بغير هذا, ويأتي أول الطلاق "إن شاء الله تعالى2" "كلام أحمد" فيمن يأمره أحد أبويه بالطلاق, وكلام شيخنا في أمره بنكاح معينة.
وقال في الغنية: يجوز ترك النوافل لطاعتهما3, بل الأفضل طاعتهما, والمسألة مذكورة في الآداب الشرعية4 نحو ثلث الكتاب, والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 "9/5".
3 في "ب" "طاعتها".
4 "1/460 – 482".

(5/231)


فصل : الشرط الخامس لوجوب الحج والعمرة ملك الزاد والراحلة,
نص عليه "و هـ ش" وأكثر العلماء. وقاله بعض المالكية, ومذهب "م" لا يشترط ذلك إلا لمن يعجز عن السفر ولا حرفة له, فإن أمكنه المشي والتكسب بالصنعة فعليه الحج, وفيمن عادته السؤال والعادة إعطاؤه قولان للمالكية, واعتبر ابن الجوزي في كشف المشكل الزاد والراحلة في حق من يحتاجهما كقول مالك.
قال في الرعاية: وقيل: من قدر أن يمشي عن مكة مسافة القصر لزمه الحج والعمرة, لأنه مستطيع, فيدخل في الآية5, ولأن القدرة على الكسب كالمال في حرمان الزكاة ووجوب الجزية ونفقة القريب الزمن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
5 وهي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97].

(5/231)


والمدين لوفاء دينه, فكذا هنا.
وعندنا وعند الأولين يستحب لمن أمكنه المشي والكسب بالصنعة, ويكره لمن حرفته المسألة: وقد قال أحمد فيمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة لا أحب له ذلك يتوكل على أزواد الناس, واختلف الأصحاب في قوله: لا أحب, هل هو للتحريم؟ والتوكل على الله واجب. قال شيخنا: باتفاق أئمة الدين.
واحتجوا بما رواه سعيد: حدثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن مرسلا قيل: يا رسول الله, ما السبيل؟ قال: "لزاد والراحلة" ورواه أيضا عن هشيم حدثنا يونس عن الحسن مرسلا, ورواه أحمد1 عن هشيم, سأل مهنا أحمد: هل شيء يجيء عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو صحيح ما نكاد نجدها إلا صحيحة ولا سيما مثل هذا المرسل, فلا يضر قوله في رواية الفضل بن زياد: ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء, كأنهما كانا يأخذان من كل, ولعله أراد مرسلات خاصة.
عن قتادة عن أنس مرفوعا مثله, له غير طريق. وبعضها جيد, رواه أبو بكر بن مردويه والدارقطني, والحاكم2 وقال: حديث صحيح, والبيهقي وقال: المحفوظ عن قتادة وغيره عن الحسن مرسلا3 كذا قال.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه عنه ابنه عبد الله في مسائله "910".
2 سنن الدارقطني "2/216" والمستدرك "1/441 – 442".
3 السنن الكبرى "4/330".

(5/232)


وقال الحافظ ضياء الدين: بعض طرقه لا بأس بها. وقال صاحب المحرر: إسناده جيد, وقد روى الدارقطني1 وغيره هذا الخبر عن جماعة كثيرة من الصحابة مرفوعا, ولا يصح منها شيء, وتوقف صاحب المحرر في غير حديث منها, وردد النظر فيه, وليس الأمر كذلك, ورواه الترمذي2 من حديث ابن عمرو قال: والعمل عليه عند أهل العلم, وحسنه الترمذي وليس بحسن فإنه من رواية إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك, ورواه ابن ماجه3 من حديث ابن عباس, وفيه عمر بن عطاء بن وراز4 وهو ضعيف.
قياسا على الجهاد. وعند المالكية لا يعتبر فيه زاد ولا راحلة,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2/215 – 218" عن جابر بن عبد الله وعمر وبن شعيب عن أبيه عن جده وعبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنه.
2 في سننه "813".
3 في سننه "2897".
4 في الأصل و"ب" "وراد".

(5/233)


فالدليل عليه قوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92] الآية, ولا تجب الزكاة والكفارة بالقدرة على الكسب, فكذا الحج, وقد تزول القدرة في الطريق فيفضي إلى ضرر كثير, بخلاف ما ذكروه, والله أعلم.
ويعتبر الزاد قربت1 المسافة أو بعدت "و هـ ش" والمراد إن احتاج إليه, ولهذا قال ابن عقيل في الفنون: الحج بدني محض, ولا يجوز دعوى أن المال شربط في وجوبه, لأن الشرط لا يحصل المشروط دونه, وهو المصحح للمشروط. ومعلوم أن المكي يلزمه ولا مال, وقاله الحنفية.
وتعتبر الراحلة مع بعدها وهو مسافة القصر فقط, "و هـ ش" إلا مع عجز, كشيخ كبير, لأنه لا يمكنه, قال في الكافي2: لا حبوا ولو أمكنه, وهو مراد غيره.
ويعتبر ملك3 الزاد, فإن وجده في المنازل لم يلزمه حمله, وإلا لزمه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "قريب".
2 "2/303".
3 في "ب" "مالك".

(5/234)


"و هـ ش" 1وأن يجده بثمن مثله, وإن وجده بزيادة فهي كمسألة شراء الماء للوضوء, كما سبق2 "و هـ ش"1 وفرق أبو الخطاب فاشترط لوجوب بذل3 الزيادة كونها يسيرة في الماء, لتكرر عدمه, وله بدل, بخلاف الحج, ولأنه التزم فيه المشاق, فكذا زيادة ثمن لا يجحف, لئلا يفوت, وهو الذي في المستوعب والكافي4 والرعاية وغيرها.
وتعتبر القدرة على وعاء الزاد, لأنه لا بد منه, وتعتبر الراحلة وما يحتاج من آلتها بشراء أو كراء صالحا لمثله عادة, لاختلاف أحوال الناس, لأن اعتبار الراحلة للقادر على المشي لدفع المشقة, كذا ذكره بعضهم, كالشيخ, ولم يذكره بعضهم, لظاهر النص, واعتبر في المستوعب إمكان الركوب, مع أنه قال: راحلة تصلح لمثله.
إن لم يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبر من يخدمه, لأنه من سبيله, كذا ذكره الشيخ, وظاهره لو أمكنه "لزمه"5 عملا بظاهر النص, وكلام غيره يقتضي أنه كالراحلة, لعدم الفرق, 6والمراد بالزاد أن لا يحصل معه ضرر لرداءته.
أما عادة مثله فقد يتوجه احتمال كالراحلة6, وظاهر كلامهم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في "ب".
2 "1/278".
3 "2/301".
4 في "ب" "بدل".
5 ليست في الأصل.
6 6 ليست في "س".

(5/235)


يلزمه, لظاهر النص, ولئلا يفضي إلى ترك الحج, بخلاف الراحلة.
ويعتبر الزاد والراحلة1 لذهابه وعوده, خلافا لبعض الشافعية إن لم يكن له في بلده أهل لم يعتبر للعود, لأنه وإن تساوى المكانان فإنه يستوحش الوطن والمقام بالغربة "و هـ ش".
ويعتبر أن يجد الماء والعلف في المنازل التي ينزلها بحسب العادة بثمن مثله أو بالزيادة المذكورة, ولا يلزمه حمله لجميع سفره, لمشقته عادة, وذكر ابن عقيل: يلزمه حمل علف البهائم إن أمكنه, كالزاد, وأظن أنه ذكره في الماء أيضا.
ويعتبر كون ذلك فاضلا عما يحتاجه لنفسه وعائلته من مسكن "و ش" وخادم وما لا بد منه "و هـ ش" خلافا لبعض الشافعية, ويشتريهما بنقد بيده, خلافا لأبي يوسف في المسكن, لأن ذلك لا يلزمه في دين الآدمي, على ما يأتي, وتضرره بذلك فوق مشقة المشي2 في حق القادر عليه. وإن فضل من ثمن ذلك ما يحج به بعد شرائه منه ما يكفيه لزمه.
ويعتبر كونه فاضلا عن قضاء دين حال أو مؤجل لآدمي أو لله, ونفقة عياله إلى أن يعود "و هـ ش" وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته وكفاية عياله3 على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة, جزم به صاحب
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 في "ب" "الشيء".
3 في "ب" و"س" "عائلته".

(5/236)


الهداية ومنتهى الغاية وجماعة, لتضرره بذلك, كما سبق1. وكالمفلس "على" ما يأتي "إن شاء الله"2 وقال في الروضة والكافي3: إلى أن يعود فقط, وقدمه في الرعاية "و هـ ش" فيتوجه أن المفلس مثله وأولى. وقد نقل أبو طالب: يجب عليه الحج إذا كان معه نفقة تبلغه مكة ويرجع, ويخلف نفقة لأهله حتى يرجع.
ويقدم النكاح من خاف العنت, نص عليه "و هـ ش" لوجوبه إذن, زاد صاحب المحرر: بالإجماع, ولحاجته إليه. وقيل: يقدم الحج "و م" كما لو لم يخفه "ع" ولأنه أهم الواجبين, ويمكن تحصيل مصالحه بعد إحراز الحج, قال الشيخ: ومن احتاج إلى كتبه لم يلزمه بيعها. ومن استغنى بإحدى نسختين بكتاب باع الأخرى, وسبق ذلك وحكم الحلي أول زكاة الفطر4, "والله أعلم".
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "236".
2 "6/465".
3 "2/302".
4 "4/212".

(5/237)


فصل : ويشترط أن يجد طريقا آمنا
ولو كان غير الطريق المعتاد ويمكن سلوكه برا أو بحرا "خلافا لقول الشافعي" غالبه السلامة, لحديث عبد الله بن عمرو "لا يركب البحر 5إلا حاجا أو معتمرا أو غاز5 في سبيل الله" رواه أبو داود6
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
5 5 في النسخ الخطية "إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا" والمثبت من مصدر التخريج.
6 في سننه "2489" وتمامه "فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا" .

(5/237)


وسعيد بن منصور, قال البخاري: لا يصح. وقال ابن عبد البر: لا يصححه أهل العلم, رواته مجهولون لا يعرفون.
وقال الخطابي: ضعفوه, ورواه ابن أبي شيبة عن مجاهد, وذكر مالك عن عمر1 وعمر بن عبد العزيز أنهما منعا من ركوبه مدة زمانهما, وضعفه بعضهم, قال صاحب المحرر: ولأنه يجوز سلوكه بأموال اليتامى, فأشبه البر.
وإن سلم فيه قوم وهلك2 قوم ولا غالب, فذكر ابن عقيل عن القاضي: يلزمه, ولم يخالفه, وجزم الشيخ وغيره: لا يلزمه. وقال في منتهى الغاية: الظاهر يخرج على الوجهين إذا استوى الحرير والكتان "م 13".
وقال ابن الجوزي: العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال
ـــــــ
تنبيه : قوله "وإن سلم فيه قوم وهلك قوم" ليس هذا في نسخة المصنف وإنما فيها "وإن سلم قوم ونجا قوم" فأصلح كما ترى وهو صحيح والله أعلم.
"مسألة 13" قوله: وإن سلم فيه قوم وهلك قوم ولا غالب فذكر ابن عقيل عن القاضي: يلزمه, ولم يخالفه, وجزم الشيخ وغيره: لا يلزمه. وقال في منتهى الغاية: الظاهر يخرج على الوجهين إذا استوى الحرير والكتان, انتهى ما قاله القاضي ولم يخالفه ابن عقيل جزم به في التلخيص والنظم, وما جزم به الشيخ الموفق وغيره جزم به في الشرح3, وهو الصواب, قال في الرعاية الكبرى: ويركب البحر مع أمنه غالبا.
ـــــــ
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/284" أن عمر قال: لا يسألني الله عن ركوب المسلمين البحر أبدا.
2 في الأصل "مجا".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/67".

(5/238)


السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها, واختاره شيخنا وقال: أعان على نفسه فلا يكون شهيدا, وإن غلب الهلاك لم يلزمه سلوكه, كذا ذكروه وذكره صاحب المحرر إجماعا في البحر, وأن عليه يحمل ما رواه أحمد1 مرفوعا: "من ركب البحر عند ارتجاجه2 فمات برئت منه الذمة" ويعتبر أن لا يكون في الطريق خفارة, لأنها رشوة, ولا يتحقق الأمن ببذلها3.
وقال ابن حامد: إن كانت الخفارة لا تجحف بماله لزمه بذلها, وقيده في منتهى الغاية باليسيرة, وأمن الغدر من المبذول له, لتوقف إمكان الحج عليها, كثمن الماء, والله أعلم.
وقال شيخنا: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر, ولا يجوز مع عدمها, كما يأخذه السلطان من الرعايا.
ويشترط كون الوقت متسعا يمكنه الخروج إليه فيه والسير حسب ما جرت به العادة, واختلفت الرواية في أمن الطريق وسعة الوقت بحسب العادة, فعنه: هما من شرائط الوجوب. وقاله أبو الخطاب وغيره "و هـ ش" لعدم الاستطاعة, ولتعذر فعل الحج معه, كعدم الزاد والراحلة فلو حج وقت وجوبه فمات في الطريق تبينا عدمه "و هـ ش" وعنه: من
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في المسند "20748" من حديث أبي عمران الجوني عن رجل.
2 في "س" "ارتجاعه" وارتجاع البحر: اضطرابه.
3 في الأصل "ببذلها".

(5/239)


شرائط لزوم الأداء, اختاره أكثر أصحابنا "م 14" وهو الأصح للمالكية وقاله بعض الحنفية, لأنه عليه السلام فسر السبيل بالزاد والراحلة1, ولأنه يتعذر الأداء دون القضاء, كالمرض المرجو برؤه, وعدم الزاد والراحلة يتعذر معه الجميع, فعلى هذا هل يأثم إن لم يعزم 2على الفعل إذا قدر؟ يتوجه الخلاف الذي في الصلاة, قال ابن عقيل: يأثم إن لم يعزم2 كما
ـــــــ
"مسألة 14" قوله: واختلفت الرواية في أمن الطريق وسعة الوقت بحسب العادة, فعنه: هما من شرائط الوجوب. وقاله أبو الخطاب وغيره. "وعنه": من شرائط لزوم الأداء, اختاره أكثر أصحابنا, انتهى. وأطلقهما في المبهج والإيضاح والمستوعب والمغني3 والكافي4 والشرح5 وشرح المجد وغيرهم, إحداهما هما من شرائط الوجوب, وهو الصحيح, جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي وغيرهم, قال الزركشي: هذا ظاهر كلام ابن أبي موسى والقاضي في الجامع, واختاره أبو الخطاب وغيره, والرواية الثانية هما من شرائط لزوم الأداء, قال المجد في شرحه وتبعه المصنف هنا: اختاره أكثر أصحابنا, وجزم به في الوجيز وغيره, وهو ظاهر كلام الخرقي, وصححه في النظم وغيره, وقدمه في المقنع5 والتلخيص وشرح ابن منجى وابن رزين وغيرهم.
"قلت": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب, وهو الصواب.
ـــــــ
1 تقدم في ص "232".
2 2 في "س" جاءت هذه العبارة بعد قوله "في عدم الإثم".
3 "5/7".
4 "2/303".
5 5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/66".

(5/240)


نقول في طرآن1 الحيض وتلف الزكاة قبل إمكان الأداء, والعزم في العبادات مع العجز يقوم مقام الأداء في عدم الإثم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" "طريان".

(5/241)


فصل : ويشترط للمرأة محرم, نقله الجماعة
وأنه قال: المحرم من السبيل, وصرح في رواية الميموني وحرب بالتسوية بين الشابة والعجوز "وفاقا وأنكر في رواية الميموني التفرقة فقال: من فرق بين الشابة والعجوز؟" .
لحديث ابن عباس "لا تسافر امرأة إلا مع محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" فقال رجل: يا رسول الله, إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج, قال: "اخرج معها" عزاه بعضهم إلى الصحيحين, والظاهر أنه لفظ أحمد2, وفيهما3: إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا, قال: " انطلق فحج معها" .
وعن أبي هريرة مرفوعا "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن4 تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم" رواه البخاري ولفظ مسلم5:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 في المسند "1934" وهو في البخاري "1862" وبنحوه في مسلم "1341" "424".
3 البخاري "3061" ومسلم "1341"424".
4 ليست في "ب".
5 البخاري "1088" ومسلم "1339" "421".

(5/241)


"ذو محرم منها" وله1 أيضا 2 "مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها" وله3 أيضا2 "مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها" ولأبي داود نحوه إلا أنه قال "بريدا" وصححه الحاكم والبيهقي4, ولمسلم5 أيضا "ثلاثا" .
وهذا مع ظاهر الآية6 بينهما عموم وخصوص, وخبر ابن عباس خاص, وروى الدارقطني7: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي الرجال حدثنا أبو حميد سمعت حجاجا يقول: قال ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس أو عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: "لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم" أبو حميد هو عبد الله بن محمد بن تميم, وحجاج هو ابن محمد, ثقتان, والظاهر أنه خبر حسن. ورواه أبو بكر8 في الشافي, وكالسفر لحج التطوع "و" والزيارة "و" والتجارة "و" ولأن تقييد الآية بما سبق أولى من مجرد الرأي. ويأتي حكم سفر الهجرة وتغريب الزانية9.
وعنه: المحرم من شرائط لزوم الأداء. وقاله بعض الحنفية, لوجود
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أي مسلم في صحيحه "1339" "420".
2 2 ليست في "س".
3 أي مسلم في صحيحه "1339" "419".
4 سنن أبي داود "1725" في المستدرك "1/442". السنن الكبرى "3/139 – 140".
5 في صحيحه "1339" "422".
6 وهي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]
7 في سننه "2/222 – 223".
8 يعني عبد العزيز بن جعفر المعروف بـ غلام الخلال.
9 "10/43".

(5/242)


السبب فهو كسلامتها من مرض, فعلى هذا يحج عنها لموت أو مرض لا يرجى برؤه. ويلزمها أن توصي به, وظاهر الخرقي أن المحرم شرط للوجوب دون أمن الطريق وسعة الوقت, حيث شرطه دونهما وقدمه في المقنع1 وغيره, وشرطهما في الهداية للوجوب.
وذكر في المحرم2 هل هو من شرائط الوجوب؟ روايتين, قال صاحب المحرر: والتفرقة على كلا الطريقتين مشكلة. والصحيح التسوية بين3 هذه الشروط الثلاثة إما نفيا وإما إثباتا, لما سبق, وما قاله صحيح, ولذا سوى ابن عقيل وغيره بين الثلاثة, وأشار إلى أنها تراد للحفظ, والراحلة تراد4 لنفس السعي ونقل الأثرم: لا يشترط المحرم في الحج الواجب, قال أحمد: لأنها تخرج مع النساء ومع كل من أمنته.
وقال ابن سيرين: مع مسلم لا بأس به. وقال الأوزاعي: مع قوم عدول. وقال مالك: مع جماعة من النساء. وقال الشافعي: مع حرة مسلمة ثقة. وقال بعض أصحابه: وحدها مع الأمن, والصحيح عندهم يلزمها مع نسوة ثقات, ويجوز لها مع واحدة لتفسيره صلى الله عليه وسلم السبيل بالزاد والراحلة.
وقوله لعدي بن حاتم "إن الظعينة ترتجل من الحيرة5 حتى تطوف
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "8/77".
2 في "س" "المحرر".
3 في "ب" و"س" "من".
4 ليست في "ب" و"س".
5 في "س" "الحرة".

(5/243)


بالكعبة لا تخاف إلا الله " متفق عليه1, وإنما هو خبر عن الواقع. واحتج ابن حزم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" 2 وقوله: "إذا استأذنتكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن" 3 وقال4 عن سفر المرأة في خبر ابن عباس السابق: لم يأمر بردها, ولا عاب سفرها, وجوابه أنه عرف من النهي, ولم يأمر بردها لأمر الزوج بالسفر معها.
وقال صاحب المحرر: وعنه رواية رابعة: لا يشترط المحرم في القواعد من النساء اللاتي لا يخشى5 منهن ولا عليهن فتنة.
سئل في رواية المروذي عن امرأة عجوز كبيرة ليس لها محرم ووجدت قوما صالحين فقال: إن تولت هي النزول والركوب ولم يأخذ رجل بيدها فأرجو لأنها تفارق غيرها في جواز النظر إليها, للأمن من المحذور, فكذا هنا, كذا قال6, فأخذ من جواز النظر الجواز هنا, فتلزمه في شابة قبيحة7 وفي كل سفر والخلوة, كما يأتي في آخر العدد, مع أن الرواية فيمن ليس لها محرم. وقال بعض المالكية كما قاله صاحب المحرر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "3595" والحديث بهذه الجملة ليس في مسلم.
2 أخرجه البخاري "900" ومسلم "442" "136" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
3 أخرجه البخاري "865" ومسلم "442" "137" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4 يعني ابن جزم.
5 في "ب" "يخشى".
6 ليست في الأصل.
7 بعدها في "س" و"ب" "لا" وبعدها في "ب" بياض.

(5/244)


وعند شيخنا: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم, وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة, كذا قال, ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع, وقاله بعض أصحابه1 فيه وفي كل سفر غير واجب, كزيارة وتجارة, وقاله الباجي المالكي في كبيرة غير مشتهاة, وذكر أبو الخطاب رواية المروذي ثم قال: وظاهره جواز خروجها بغير محرم, ذكره شيخنا في مسألة العجوز تحضر الجماعة, هذا كلامه.
وعنه: لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر "و هـ" كما لا يعتبر في أطراف البلد مع عدم الخوف "و" وعن ابن عمرو مرفوعا "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم" متفق عليه2.
وفي رواية أيضا "ثلاثة" 3 وفي رواية "فوق ثلاث" 4 وفي البخاري5 في بعض طرقه "ثلاثة أيام" ولمسلم6 من حديث أبي سعيد "يومين" وله7 أيضا "ثلاثة" وله8 أيضا "أكثر من ثلاث" .
والظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم, فخرجت
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "أصحابنا".
2 البخاري "1087" ومسلم "1338" "414" واللفظ لمسلم.
3 البخاري "1086" ومسلم "1338" "413".
4 أخرجه مسلم "1338" "413".
5 في صحيحه "1086".
6 في صحيحه "827" "416".
7 في صحيحه "827" "417".
8 في صحيحه "827" "418".

(5/245)


جوابا. والمراد بقولهم: يعتبر المحرم للمرأة من لعورتها حكم, وهي بنت سبع, على ما سبق في غسل الميت1. ويأتي في النكاح وآخر العدد2 "إن شاء الله تعالى" .
قال القاضي: اعتبر أحمد المحرم فيمن يخاف أن ينالها الرجال, فقيل له في رواية أحمد بن إبراهيم: متى لا يحل سفرها إلا بمحرم؟ قال: إذا صار لها سبع سنين, أو قال: تسع. والله أعلم.
قال شيخنا: إماء المرأة يسافرن معها ولا يفتقرن إلى محرم, لأنه لا محرم لهن في العادة الغالبة. فأما عتقاؤها من الإماء. وبيض لذلك. ويتوجه احتمال أنهن كالإماء, على ما قال إن لم يكن لهن محرم, واحتمال عكسه لانقطاع التبعية وملك أنفسهن بالعتق, فلا حاجة, بخلاف الإماء, وظاهر كلامهم اعتبار المحرم للكل, وعدمه كعدم المحرم للحرة, لما سبق, والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "3/283".
2 "8/161".

(5/246)


فصل: والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد
بنسب أو سبب مباح, كرضاع ومصاهرة ووطء مباح بنكاح أو غيره, ورابها وهو زوج أمها وربيبها وهو ابن زوجها نص عليهما "و" خلافا لمالك في ابن زوجها.
ونقل الأثرم في أم امرأته3 يكون محرما لها في حج الفرض
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "3/283".
2 "8/161".
3 في الأصل "امرأة".

(5/246)


فقط "خ" قال الأثرم: كأنه ذهب إلى أنها لم تذكر في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الآية, وعنه الوقف في نظر شعرها وشعر الربيبة, لعدم ذكرهما في الآية, "خ".
ولا محرمية بوطء شبهة أو زنا, فليس بمحرم لأم الموطوءة وابنتها, لأن السبب غير مباح, قال الشيخ وغيره: كالتحريم باللعان, وأولى, لأن المحرمية تعمه فاعتبر إباحة سببها كسائر الرخص, وعنه: بلى, واختاره في الفصول في وطء الشبهة لا الزنا, واختاره شيخنا وذكره قول أكثر العلماء, لثبوت جميع الأحكام فيدخل في الآية, بخلاف الزنا.
والمراد والله أعلم بالشبهة ما جزم به جماعة: الوطء الحرام مع الشبهة كالجارية المشتركة1 ونحوها, لكن ذكر في الانتصار في مسألة تحريم المصاهرة وذكره شيخنا أن الوطء في نكاح في فاسد كالوطء بشبهة, وليس بمحرم, للملاعنة, مع دخولها في إطلاق بعضهم, فلهذا قيل: سبب مباح لحرمتها, وذكره من أصحابنا المتأخرين صاحب الوجيز والآدمي البغداديان, ولم أجد الحنفية استثنوها بل الشافعية. قال شيخنا وغيره: وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية "و".
وليس العبد بمحرم لسيدته, نقله الأثرم وغيره, لأنها لا تحرم أبدا, ولا يؤمن عليها, كالأجنبي, ولا يلزم من النظر المحرمية, وروى سعيد وغيره2
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "المشركه".
2 وأخرجه البزار في "1076" "زوائد" والطبراني في الأوسط "6635".

(5/247)


عن إسماعيل بن عياض عن بزيع بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر مرفوعا "سفر المرأة مع عبدها ضيعة" بزيع ضعفه أبو حاتم.
وعنه: هو محرم, قال صاحب المحرر: لأن القاضي ذكر في شرح المذهب أن مذهب أحمد أنه محرم "و ش".
ويشترط كون المحرم ذكرا مكلفا مسلما "هـ ش" نص عليه, لأن الكافر لا يؤمن عليها, كالحضانة1, وكالمجوسي, لاعتقاده حلها "و" ويتوجه أن مثله مسلم لا يؤمن, وذكره في المحيط للحنفية, ويتوجه أن لا يعتبر إسلامه إن أمن عليها, لما سبق, والحضانة2 ينافيها الكفر, لأنها ولاية, ولهذا نافاها الفسق3, ولأنه يربيه4 وينشأ على طريقته, بخلاف هذا.
وقال صاحب الرعاية: يحتمل أن الذمي الكتابي5 محرم لابنته المسلمة إن قلنا يلي نكاحها كالمسلم.
ونفقة المحرم عليها, نص عليه, لأنه من سبيلها. وذكره القدوري الحنفي, فيعتبر أن تملك زادا وراحلة لهما, وذكر الطحطاوي الحنفي: لا نفقة له6 ولا يلزمها حج, وإن بذلت النفقة لم يلزم المحرم غير عبدها
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "كالحضانة".
2 في "ب" "والحضانة".
3 في "ب" "العتق".
4 في الأصل و"ط" "ولا".
5 ليست في "ب".
6 في "ب" "لها".

(5/248)


السفر بها, على الأصح, للمشقة, كحجه عن مريضه.
ووجه الثانية أمره صلى الله عليه وسلم للزوج في خبر ابن عباس1. وجوابه أنه أمر بعد حظر, أو أمر تخيير2 وعلم صلى الله عليه وسلم من حاله أنه يعجبه أن يسافر.
وإن أراد أجرة فظاهر كلامهم لا يلزمها, ويتوجه: كنفقته, كما ذكروه في التغريب في الزنا وفي قائد الأعمى, فدل ذلك كله على أنه لو تبرع لم يلزمها, للمنة, ويتوجه أن يجب للمحرم أجرة مثله لا النفقة, كقائد الأعمى, ولا دليل يخص وجوب النفقة والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم في ص "241".
2 في "ب" "يختبر".

(5/249)


فصل: فإن حجت المرأة بلا محرم
حرم وأجزأ "و" وإن أيست منه فيأتي في المعضوب3, لأنه لحفظها. ومن ترك حقا يلزمه مما4 سبق من دين وغيره حرم وأجزأ, لتعلقه بذمته.
ويصح من معضوب وأجير خدمة بأجرة أو لا, وتاجر5 ولا إثم6. نص على ذلك "و". وقال في الفصول والمنتخب وغيرهما: والثواب
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 ص "257" وجاء في "س" "المغصوب" و"ب" "المغضوب".
4 في الأصل "كما".
5 في "ب" "وبأجر".
6 في "ب" "أتم".

(5/249)


بحسب الإخلاص, قال أحمد: لو لم يكن معك تجارة كان أخلص, ورخص في التجارة والعمل في الغزو ثم قال: ليس كمن لا يشوب غزوه بشيء من هذا. وسبق فيما يبطل الصلاة1. وسبق في ستر العورة2 الحج بمال مغصوب, والأبوان كغيرهما إلا من له أن يتملك فيتملك. وقيل3: ما فعل بمال ابنه جاز "والله أعلم"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/297" وما بعدها.
2 "2/46".
3 في الأصل و"ر" "وقيل".

(5/250)


فصل: يلزم الأعمى أن يحج بنفسه بالشروط المذكورة,
...
فصل: يلزم الأعمى أن يحج بنفسه "هـ" بالشروط المذكورة,
لقدرته عليه, كالبصير4, بخلاف الجهاد, ويعتبر له قائد, كبصير يجهل الطريق, وقائده كالمحرم, ذكره ابن عقيل وابن الجوزي وأطلقوا القائد.
وقال في الواضح: يشترط للأداء قائدا يلائمه, أي يوافقه. وقد قال ابن أم مكتوم للنبي صلى الله عليه وسلم: لي قائد لا يلائمني5, وأمره بالجماعة, فقد يحتمل مثله هاهنا, والفرق أظهر, ويلزمه أجرة قائد بأجرة مثله, وقيل: وزيادة يسيرة, وقيل: وغير مجحفة, ولو بتبرع لم6 يلزمه, للمنة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
4 في "ب" "كالتصبير".
5 أخرجه أبو داود في سننه "552" وابن ما جه "792".
6 ليست في الأصل.

(5/250)


فصل: من لزمه الحج أو العمرة,
لم يجز تأخيره, بل يأتي به على الفور, نص عليه "و هـ م ر" وأبي يوسف وداود, بناء على أن الأمر على الفور, ولحديث ابن عباس "تعجلوا إلى الحج" يعني الفريضة, وحديثه أو حديث الفضل "من أراد الحج فليتعجل" رواهما أحمد1, ولابن ماجه الثاني2, وفيهما أبو إسرائيل الملائي إسماعيل بن خليفة ضعيف عندهم إلا رواية عن ابن معين, ولأحمد وأبي داود3 من حديث ابن عباس مثله, رواه عنه مهران, تفرد عنه الحسن بن عمرو, ووثقه ابن حبان.
ولما يأتي في الفوات والإحصار, وكالجهاد وكحج المعضوب4 بالاستنابة عند الشافعي كذا احتج به بعضهم, ولأنه لو مات عاصيا, للأخبار5, وهو الأصح للشافعية, وقيل: لا. وقيل: لا, في الشاب. وكذا الخلاف لهم في صحيح لم يحج حتى زمن, قالوا: فإن عصى استنيب عنه على الفور, لخروجه بتقصيره عن استحقاق الترفه, وقيل: لا, كمن بلغ معضوبا. ويعصي عندهم من السنة الآخرة من "آخر" سني الإمكان, لجواز التأخير إليها.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في المسند "2867" و"1834".
2 في سننه "2883".
3 أحمد "1973" وأبو داود "1732".
4 في "ب" "المغصوب".
5 أخرجه الترمذي في سننه "812" عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ملك زادا وراحلة تبلغه ألى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" وذلك أن الله يقول في كتابه {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97].

(5/251)


وقيل: من الأولى, لاستقرار الفرض فيها, وقيل: لا يسند عصيانه1 إلى سنة معينة, وحيث عصى لم يحكم بشهادته قبل موته, لبيان فسقه, وإن حكم بها فيما بين الأولى والآخرة. وقيل: يعصي, فقد بان فسقه, ففي نقضه القولان. والله أعلم.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخره, فإنه فرض سنة عشر, والأشهر سنة تسع, فقيل: أخره لعدم استطاعته, وقيل: لأنه كره رؤية المشركين عراة2 حول البيت3, وقيل: بأمر الله لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان4 وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها "م 15"
ـــــــ
"مسألة 15" قوله: وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخره فإنه فرض سنة عشر, والأشهر سنة تسع: فقيل: أخره لعدم الاستطاعة وقيل: لأنه كره رؤية المشركين عراة5 حول البيت, وقيل: بأمر الله تعالى لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها, انتهى.
القول الأول حكاه الشيخ في المغني6 والمجد في شرحه والشارح
ـــــــ
1 في "س" "عصابة".
2 في "ب" "غزاة".
3 أخرجه البخاري "1622" ومسلم "1347" "435" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
4 أخرجه البخاري "4406" ومسلم "1679" "29" عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض....." في حجة الوداع.
5 في "ح" "غزاة".
6 "8/37".

(5/252)


وظاهر قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] يقتضي الإتمام
ـــــــ
احتمالا, قال المجد: حكى ذلك جدي1 في تفسيره. فقال: يكون تأخيره لاحتمال عدم الاستطاعة, إما في حقه وحق الله لخوفه على المدينة من المنافقين واليهود, وإما لحاجة وفقر في حقه منعه من الخروج, ومنع أكثر أصحابنا خوفا عليه, انتهى ما حكاه المجد عن جده.
والقول الثاني احتمال أيضا للشيخ في المغني2 والمجد في شرحه والشارح وغيرهم, وقواه المجد واستدل له بأشياء ومال إليه "والقول الثالث" احتمال أيضا لمن ذكرنا, ومال إليه الشيخ الموفق والشارح "قلت": وهو قوي جدا, "3قال المجد3": وقاله4 أبو زيد الحنفي.
"قلت": تأخير ذلك بأمر الله تعالى, وهذا مما لا شك فيه, وفي تأخيره حكم كثيرة, منها: لئلا يرى المشركين وغير ذلك, فتكون حكمة الله في تأخيره لمجموع ذلك, والله أعلم بالصواب, ويحتمل أنه إنما أخره لأنه قد حج قبل الهجرة5, فاكتفى به في حقه, عليه أفضل الصلاة والسلام خاصة لاختصاصه بالدين الحنيفي, فكملت أركانه بالنسبة إليه, ولم يعتبر ذلك بالنسبة إلى غيره, لعدم حج غيره بعد إسلامه قبل فرضه, ذكره ابن نصر الله في حواشيه.
ـــــــ
1 هكذا في النسخ الخطية و"ط" ولعله عمه فخر الدين محمد بن الخضر ابن تيمية المفسر له التفسير الكبير في أكثر من ثلاثين مجلد ذيل طبقات الحنابلة "2/151".
2 "8/37".
3 ليست في "ص".
4 في "ح" "وقال".
5 أخرجه الترمذي "815" وابن ماجه "3076" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر.

(5/253)


بعد الشروع, ولهذا قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] ولا حصر قبل الشروع, وسبب النزول إحرامهم بالعمرة وحصرهم عنها, فبين حكم النسكين.
ويحمل1 قول علي وابن مسعود: إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك2 على الندب عندهما, وذكر ابن أبي موسى وجها ذكره ابن حامد رواية أنه يجوز تأخيره, زاد صاحب المحرر: مع العزم على فعله في الجملة "و ش" ومحمد بن الحسن, لما سبق3, ولأنه لو أخره4 لم يسم قضاء, وأجيب بأنه يسمى فيه وفي الزكاة, وذكره في الرعاية وجها ثم يبطل بتأخيره إلى سنة يظن موته فيها, وسبق العزم في الصوم والصلاة5.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "ويحتمل".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/341" عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن إتمام الحج فقال: تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك. وأورد في نفس الموضع عن ابن مسعود رضي الله عنه.
3 ص "251".
4 في "ب" "أجره".
5 ص "63" و "1/410".

(5/254)


فصل:ومن عجز عن ذلك لكبر
أو مرض لا يرجى برؤه, زاد الشيخ وغيره:
ـــــــ
.......................................

(5/254)


أو1 كان نضو الخلق لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة قال أحمد: أو كانت المرأة ثقيلة لا يقدر مثلها يركب إلا بمشقة شديدة, وأطلق أبو الخطاب وغيره عدم القدرة, ويسمى المعضوب2 ووجد زادا وراحلة, جاز وصح أن يستنيب من يأتي به عنه "م" ويلزمه أيضا "و هـ ر ش" لقول ابن عباس: إن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله, إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره, أفأحج عنه؟ قال: "فحجي عنه" متفق عليه3.
وسبق خبر أبي رزين في العمرة4, وخبر: ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة" 5 وكالصوم يفدى من عجز عنه, سواء وجب عليه حال العجز "هـ ر م" أو قبله "م" ويلزمه على الفور "ش" كنفسه, من حيث وجب أو من الميقات, كما يأتي,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "لو".
2 في "ب" "المغصوب".
3 تقدم ص "202".
4 تقدم ص "232".
5 في "د" "حج".

(5/255)


وإن وجد نفقة راجل لم يلزمه, خلافا لصاحب الرعاية والأصح للشافعية. وإن وجد مالا ولم يجد نائبا ففي وجوبه في ذمته وجهان, بناء على إمكان المسير "م 16" زاد صاحب المحرر: فإن قلنا يثبت في ذمته كان المال المشترط في الإيجاب على المعضوب1 بقدر ما نوجبه عليه لو كان صحيحا, وإن قلنا لا يثبت في ذمته اشترط للمال الموجب عليه أن لا ينقص عن نفقة المثل للنائب, لئلا يكون النائب باذلا للطاعة في البعض. واعتبر الشافعية وجود مال يستأجر من يحج به فاضلا عن حاجته لو حج بنفسه, ولم يعتبروا مؤنة أهله بعد فراغ النائب من الحج, والأصح لهم: ولا مدة ذهابه, لإمكانه تحصيل نفقتهم. وإن لم يستنب فلهم في الحاكم وجهان, وهي محتملة, وعندهم: إن طلب الأجير أكثر من أجرة2 مثله لم يلزم الاستئجار, ويلزم إن رضي بأقل.
وتنوب امرأة عن رجل, خلافا للحسن بن صالح, وأضعف منه قول النخعي وابن أبي ذئب: لا يحج أحد عن أحد. ولا إساءة ولا كراهة في
ـــــــ
"مسألة 16" قوله: وإن وجد مالا ولم يجد نائبا ففي وجوبه في ذمته وجهان, بناء على إمكان المسير, انتهى. تقدم الصحيح من الخلاف في سعة الوقت هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم الأداء, قريبا3, فليعاود.
ـــــــ
1 في "ب" "المغصوب".
2 في الأصل و"س" "نفقة".
3 ص "239".

(5/256)


نيابتها عنه "و م ش" خلافا للحنفية, ويتوجه احتمال مثله1 لفوات رمل وحلق ورفع صوت بتلبية ونحوها.
ويجزئ الحج عن المعضوب2 ولو عوفي, نص عليه "هـ ش" لأنه أتى بما أمر, والمعتبر لجواز الاستنابة الإياس ظاهرا. ولو اعتدت من ارتفع حيضها لم تبطل عدتها بعوده, قال صاحب المحرر3: وهي نظير مسألتنا, فدل على خلاف هنا للخلاف هناك, كما سبق في الصوم4 وإن عوفي قبل فراغه أجزأه, في الأصح, لأن الشروع5 هنا ملزم, وإن برئ قبل إحرام النائب لم يجزئه و".
6ليس لمن يرجى زوال علته أن يستنيب, فإن فعل لم يجزئه "و"6 خلافا لما حكاه القاضي عن "هـ" ولا يكون مراعى "هـ" وقاله أصحابه أيضا في محبوس دام حبسه, وبعضهم في المرأة لعدم محرم ودام عدمه, لأنه يرجو الحج بنفسه, فهو كصحيح موسر افتقر بعد وجوبه عليه "و" ولأن الأصل فعله بنفسه, وليس هو مثل المنصوص عليه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في "ب" "المغصوب".
3 بعدها في "س" "وغيره".
4 ص "66" و ما بعدها.
5 قي "س" "المشروع".
6 6 ليست في الأصل.

(5/257)


فصل: وإن أيست المرأة من محرم
وقلنا يشترط للزوم السعي, أو كان وجد وفرطت بالتأخير حتى عدم, فنقل إسحاق بن إبراهيم في المرأة لا محرم لها
ـــــــ
.......................................

(5/257)


هل تدفع إلى رجل يحج عنها؟ قال: إذا كانت يئست من المحرم فأرى أن تجهز رجلا يحج عنها, وكذا نقل محمد بن أبي حرب: تعطي من يحج عنها في حياتها. وعنه ما يدل على المنع, نقل المروذي في امرأة لها خمسون سنة لا محرم لها: لا تخرج إلا مع محرم, وأرجو أن ترزق زوجا "م 17".
قال صاحب المحرر: يمكن حمل المنع على أن تزوجها1 لا يبعد عادة والجواز على من أيست منه ظاهرا وعادة, لزيادة سن أو مرض أو غيره مما يغلب على ظنها عدمه. ثم إن تزوجت أو استنابت من لها محرم ثم فقد فكالمعضوب2, وإن جهلت المحرم ثم ظهر لها رحم محرم. وبيض3 صاحب المحرر. ويتوجه إن ظنت عدمه أجزأها, على ما سبق "4وإلا فلا, أو كجهل المتيمم الماء, على ما سبق54", وقد قال
ـــــــ
"مسألة 17" قوله: وإن أيست المرأة من محرم وقلنا يشترط للزوم السعي, أو كان وجد وفرطت بالتأخير حتى عدم, فنقل إسحاق بن إبراهيم في المرأة لا محرم لها هل تدفع إلى رجل يحج عنها؟ قال: إذا كانت يئست من المحرم فأرى أن تجهز رجلا يحج عنها, وكذا نقل محمد بن أبي حرب: تعطي من يحج عنها في حياتها, وعنه ما يدل على المنع, نقل المروذي في امرأة لها خمسون سنة لا محرم لها: لا تخرج إلا مع محرم, وأرجو أن ترزق زوجا, انتهى. وأطلقهما المجد في شرحه.
"قلت": الصواب أن لها أن تستنيب من يحج عنها كالمعضوب ويؤيده ما قاله الآجري وأبو الخطاب في الانتصار, وهو في كلام المصنف.
ـــــــ
1 في الأصل "تزويجها".
2 في "ب" و"س" "فكالمغصوب".
3 في "ب" "وبنص".
4 4 ليست في "س".
5 "1/284".

(5/258)


الآجري: إن لم يكن محرم سقط فرض الحج ببدنها1 ووجب2 أن يحج عنها غيرها, وكذا قاله في الانتصار, وكلامهما محمول على الإياس. وقال في التبصرة: إن لم تجد محرما فروايتان والله أعلم لتردد3 النظر في حصول الإياس منه "والله أعلم".
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "ببذلها".
2 في "س" "وأوجب".
3 في الأصل "لتردد".

(5/259)


فصل: ولا يصير مستطيعا ببذل غيره
"و هـ م" لما سبق في الاستطاعة4, وكالبذل في الزكاة, وكذا الكفارة, بلا خلاف, للمنة, وهي هنا, وفيه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
4 ص "231".

(5/259)


نظر, لأنه تملك, ولا يجب, بخلاف الحج, وكتمكنه1 من حيازة مال مباح, ولا يلزم بذل2 إعانة المعضوب3 في وضوئه, لأنا لا نسلمه, ثم الفرق أنه يلزمه لو وجده مباحا, ذكره في منتهى الغاية, وجزم القاضي وغيره: بلزومه لأنها لا تراد لنفسها, ولأن الوضوء يجب عند بذل4 الماء5 بالحدث السابق, فلم تؤثر طاعة غيره في الوجوب, ولأن الأصل عدم دليل الوجوب,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "وكتمكنه".
2 في "س" و"ط" "بدل".
3 في "ب" و"س" "المغصوب".
4 في "ب" "بدل".
5 في "س" "المال".

(5/260)


ومذهب الشافعي يلزم هذا المعضوب1 ببذل ولده له أن يحج عنه إذا كان الولد يجد زادا وراحلة وقد أدى عن نفسه فرض الحج, ويلزمه. أن يأمره به, ولأصحابه فيما إذا كان الباذل فقيرا يمكنه المشي أو أجنبيا أو بذل المال وجهان, والأصح عندهم جواز الرجوع للباذل ما لم يحرم, ولا وجه لتمسكهم بأن الاستطاعة مطلقة وبخبر الخثعمية2, وكقدرته بنفسه, لما سبق والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" و"س" "المغصوب".
2 بقدم بخريجه ص "255".

(5/261)


فصل: من لزمه حج أو عمرة فتوفي قبله
وجب قضاؤه فرط أو لا من
ـــــــ
.......................................

(5/261)


رأس ماله كالزكاة والدين, ولو لم يوص به, وسبق في الزكاة1 وفي فعله عن الميت2.
وللبخاري3 عن ابن عباس أن امرأة قالت: يا رسول الله, إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج "4حتى ماتت4", أفأحج عنها؟ قال: "نعم حجي عنها, أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء" .
ويخرج عنه حيث وجب, نص عليه لأن القضاء بصفة الأداء كصلاة وصوم. وقاس القاضي على معضوب5 أحج عن نفسه.
ويستناب من أقرب وطنيه6 لتخيير المنوب عنه, وقيل: من لزمه بخراسان فمات ببغداد أحج منها, نص عليه, كحياته, وقيل: هذا هو الأول7, لكن احتسب له سفره8 من بلده, وفيه نظر, لأنه متجه لو سافر للحج.
ويجزئ دون الواجب دون مسافة قصر, لأنه كحاضر, وإلا9 لم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "3/485".
2 "3/423 – 424".
3 في صحيحه "1852".
4 4 ليست في "س".
5 في "ب" و"س" "المغصوب".
6 في الأصل و"س" "وطنه".
7 في الأصل و"ب" "الأولى".
8 في "ب" و"س" "سفره".
9 في الأصل "وإن".

(5/262)


يجزئه لأنه لم يكمل الواجب, وجزم به في الرعاية أنه "1لا يصح1" دون محل وجوبه وقيل: يجزئه, كمن أحرم دون ميقات, وقيل: يجزئ أن2 "يحج عنه من ميقاته لا3 من حيث وجب "و م ش" ويقع الحج عن المحجوج" عنه
وتجوز النيابة "4بلا مال4" "و م ش" للخبر السابق "وتشبيهه بالدين وللحنفية كقولنا: "5قال في الهداية لهم: هو ظاهر المذهب5" ولهم6:
ـــــــ
تنبيهان: "الأول" قوله: وقيل "يجزئ يحج عنه من ميقاته" كذا في النسخ والصواب "وقيل: يجزئ أن يحج" بزيادة أن.
ـــــــ
1 1 ليست في "س".
2 ليست في "ب".
3 في "ب" و"ط" "لأنه".
4 4 ليست في "س".
5 5 ليست في "ب".
6 في الأصل "ولم".

(5/263)


يقع الحج للحاج, وللمحجوج عنه ثواب النفقة فقط. ثم في إجزائه للحاج قولان. وعندهم: يجب أن يحج عنه من ثلثه1 من بلده راكبا, ولا يجزئه ماشيا إلا أن لا يبلغ منه إلا ماشيا, فعن أبي حنيفة: يخير راكبا من حيث بلغ, وماشيا من بلده, وعن محمد: راكبا. ولو أوصى ببعيره لرجل ليحج عنه فأكراه الرجل وأنفقه في طريقه وحج عنه ماشيا جاز استحسانا2. ثم يرد البعير إلى ورثته.
ويكره "حجه" على حمار, كذا قالوا وإن مات هو أو نائبه في الطريق حج عنه من حيث مات فيما بقي نص عليه مسافة وفعلا وقولا. وعن أبي حنيفة: من منزله, وخالفه صاحباه بناء على أن سفره هل بطل أم لا؟ قال أبو حنيفة: ويحج بثلث ما بقي من جميع ماله, وعند أبي يوسف: مما3 بقي من الثلث الأول, وعند محمد: بما بقي من المال الذي أخذه, وإلا بطلت4 وجديد قولي الشافعي: إن مات الحاج عن نفسه بطل ما أتى به إلا في الثواب, ولا بناء بعد التحليلين, عندهم, ويجبر بدم, ومعناه في الرعاية وغيرها, وإن صد فعندنا: فيما بقي, لأنه أسقط بعض الواجب.
ومن ضاق ماله أو لزمه دين أخذ للحج بحصته وحج به من حيث يبلغ, نص عليه, لقدرته5 على بعض المأمور به, وعنه: يسقط الحج عين فاعله أم لا.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" "يليه" وقوله ولهم يعني للحنفية قول آخر: يقع.............إلخ.
2 في "ب" "استحبابا".
3 في "ب" و"س" "ما".
4 في الأصل "بطل" وبطلت أي: الوصية كما في البناية شرح الهداية "3/861".
5 في "ب" "كقجته".

(5/264)


وعنه: يقدم الدين, لتأكده, وعند الحنفية: إن سمى الموصي ما لا يبلغ لم يصح قياسا, وحج به من حيث يبلغ استحسانا. ومن وصى بحج نفل أو1 أطلق جاز من ميقات, نص عليه, وعليه الأصحاب, ما لم تمنع قرينة2, وقيل: من محل وصيته, وقدمه في الترغيب, كحج واجب, ومعناه للشيخ.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" و"س" "و".
2 في "ب" "قريبه".

(5/265)


فصل:من ناب بلا إجارة ولا جعل جاز,
نص عليه "و" كالغزو, وقال أحمد أيضا: لا يعجبني أن يأخذ دراهم ويحج عن غيره إلا أن يتبرع, ومراده الإجارة أو حجة بكذا, وقد يحتمل حمله على إطلاقه, لم يفعله السلف.
والنائب أمين, يركب وينفق بالمعروف منه أو مما اقترضه3 أو استدانه لعذر على ربه, أو ينفق من نفسه وينوي رجوعه به, وعند أكثر الحنفية: يرجع إن أنفق4 بحاكم5, وكذا ينبغي عند الشافعية, ويتوجه لنا الخلاف فيمن أدى عن غيره واجبا, ولو تركه وأنفق من نفسه فظاهر كلام أصحابنا يضمن. "6وفيه نظر, وعند الحنفية: إن كان من نفسه أكثر أو مشى أكثر الطريق ضمن, وإلا فلا. قال الأصحاب6": ويضمن ما زاد على
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 في "س" "أقرضه".
4 في "ب" "اتفق".
5 في الأصل "الحاكم".
6 6 ليست في "ب" و"س".

(5/265)


المعروف, ويرد ما فضل إلا أن يؤذن له فيه, لأنه لم يملكه بل أباحه. فيؤخذ منه: لو أحرم ثم مات مستنيبه أخذه الورثة, وضمن ما أنفق بعد موته, وقاله1 الحنفية, ويتوجه: لا2, للزوم ما أذن فيه, قال في الإرشاد3 وغيره في: حج عني بهذا فما فضل فلك ليس له أن يشتري "به"4 تجارة قبل حجه. وكذا قال الحنفية, قالوا: فإن فعل لم يضمن, وأجزأ عند أبي حنيفة وأبي يوسف. ويتوجه: يجوز له صرف نقد بآخر لمصلحة وشراء ماء لطهارة وتداو ودخول حمام, ومنع ذلك الحنفية, ولهم في دهن سراج خلاف. قال بعضهم: وينفق على خادمه إن كان مثله لا يخدم نفسه, وهذا متجه.
وإن مات أو ضل أو صد أو مرض5 "أو تلف" بلا تفريط أو أعوز بعده لم يضمن. ويتوجه من كلامهم: يصدق إلا أن يدعي أمرا ظاهرا فيبينه, وله نفقة رجوعه, خلافا لبعض الحنفية, وعنه: إن رجع لمرض رد ما أخذ, كرجوعه لخوفه مرضا, ويتوجه فيه احتمال, وإن سلك ما يمكنه أقرب منه بلا ضرر ضمن ما زاد, قال الشيخ: أو تعجل عجلة يمكنه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"س" و"ط" "وقال".
2 في "س" "إلا".
3 ص "179".
4 ليست في "ب".
5 ليست في "ب".

(5/266)


تركها "1كذا قال1" ونقل الأثرم: يضمن ما زاد على ما أمر بسلوكه, ولو جاوز الميقات محلا ثم رجع ليحرم ضمن نفقة تجاوزه ورجوعه, وإن أقام بمكة فوق مدة قصر بلا عذر ويتوجه احتمال: ولا عادة به, كبعض2 الحنفية فمن ماله, وله نفقة رجوعه, خلافا لما في الرعاية الكبرى وأبي يوسف, إلا أن يتخذها دارا ولو ساعة فلا, لسقوطها فلم تعد إنفاقا3.
نقل أبو داود فيمن ضمن أن يحج عن امرأته فاستؤجر لحمل متاع إلى منى يبيعه بعد الموسم قال: لا ينفق في إقامته عليه من مالها. وظاهره: كثرت إقامته أو لا, وأن له نفقة رجوعه.
وهل الوحدة عذر إن قدر أن يخرج وحده؟ يتوجه خلاف كالحنفية,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في "ب".
2 في الأصل "لبعض".
3 في الأصل "إنفاقا".

(5/267)


وظاهر كلام أصحابنا مختلف, والأولى أنه عذر, ومعناه في الرعاية وغيرها, للنهي, وحمله على الخوف "1فيه نظر1" لأن منه المبيت وحده, وظهر من هذا: يضمن إن خرج, وذكر الشيخ إن شرط المؤجر على أجيره أن لا يتأخر عن القافلة أو2 لا يسير في آخرها أو وقت القائلة أو ليلا فخالف ضمن, فدل أنه لا يضمن بلا شرط, والمراد مع الأمن.
ومتى وجب القضاء فمنه عن المستنيب, ويرد ما أخذ, لأن الحجة لم تقع عن مستنيبه3, لجنايته وتفريطه, كذا معنى كلام الشيخ, وكذا في الرعاية: نفقة الفاسد والقضاء على النائب, ولعله ظاهر المستوعب وفيه نظر, وعند الحنفية: يضمن, فإن حج من قابل بمال نفسه أجزأه, ومع عذر ذكر الشيخ إن فات بلا تفريط احتسب له بالنفقة. فإن قلنا يجب القضاء فعليه, كدخوله4 في حج ظنه عليه فلم يكن وفاته.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في "ب".
2 في "ب" و"ط" "و".
3 في "ب" "مشيئته".
4 في "ب" "لدخوله".

(5/268)


وجزم جماعة: إن فات بلا تفريط فلا قضاء عليهما إلا واجبا على مستنيب فيؤدي عنه بوجوب سابق, وعند الحنفية: لا يضمن إن فات, لعدم المخالفة, بل إن أفسده. وعليه فيهما الحج من قابل بمال نفسه, والدماء عليه, والمنصوص: ودم تمتع وقران, كنهيه1 عنه, وعلى مستنيبه إن أذن, خلافا للحنفية كدم الإحصار, خلافا لأبي يوسف, وأطلق في المستوعب في دم إحصار وجهين.
ونقل ابن منصور: إن أمر مريض من يرمي عنه فنسي المأمور أساء والدم على الآمر. ويتوجه أن ما سبق من نفقة تجاوزه2 ورجوعه والدم مع عذر على مستنيبه, كما ذكروه في النفقة في فواته بلا تفريط, ولعله مرادهم.
وإن شرط أحدهما أن الدم3 الواجب عليه على غيره لم يصح شرطه4, كأجنبي. ويتوجه: إن شرطه على نائب لم يصح, اقتصر عليه في الرعاية, فيؤخذ منه: يصح عكسه.
وفي صحة الاستئجار لحج5 أو عمرة روايتا الإجارة على القرب
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "لنهيه".
2 في "ب" "مجاورة".
3 بعدها في "س" "على".
4 بعدها في "س" "على غيره".
5 في "ب" "كحج".

(5/269)


أشهرهما لا يصح "م ش" لاختصاص كون فاعله مسلما, كصلاة وصوم وكعتق بعوض لا يجزئ عن كفارة, فلا يصح أن يقع إلا عبادة, فيخرج عنها بالأجرة1, بخلاف بناء مسجد, ولا يلزم من استنابة إجارة, بدليل استنابة قاض وفي عمل مجهول ومحدث في صلاة, كذا قالوا, ويأتي في إجارة2.
واختار أبو إسحاق بن شاقلا: يصح, لأنه لا يجب على أجير بخلاف أذان ونحوه, وذكر في الوسيلة الصحة عنه وعن الخرقي, فعلى هذا تعتبر شروط إجارة, وإن استأجره بنفسه فتأتى, والمنع قول "ش".
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "فالأجرة".
2 "7/147 – 148".

(5/270)


والجواز قول "م". وإن استأجر عينه لم يستنب, ويتوجه كتوكيل وأن يستنيب لعذر. وإن ألزم1 ذمته تحصيل حجة له استناب, فإن قال بنفسك فيتوجه في بطلان الإجارة تردد, فإن صحت لم يجز أن يستنيب, كما سبق2.
قال الشافعية: إجارة العين: استأجرتك لتحج3 عني أو عن ميتي, فإن قال: بنفسك, فتأكيد. والذمة: ألزمت ذمتك تحصيل الحج وكل منهما قد يعين زمن العمل وقد لا. فإن عين غير السنة الأولى صح إلا في إجارة العين, على أصلهم في استئجار الدار للشهر المستقبل, إلا أن تكون المسافة بعيدة لا يمكن قطعها في سنة, وإن أطلق فيهما4 حمل على السنة الأولى, ولا يستنيب في إجارة العين, ويجوز في الذمة, فإن قال فيها: بنفسك, لم يجز, في وجه, وفي آخر: تبطل الإجارة, لتناقض الذمية5 مع الربط بمعين, كمن أسلم في ثمرة بستان بعينه.
ـــــــ
"الثاني" قوله في النيابة "ولا يستنيب في إجارة العين6, ويجوز في الذمة فإن قال فيها: بنفسك, لم يجز في وجه, وفي آخر تبطل الإجارة, لتناقض الذمية7 مع الربط بمعين, كمن أسلم في ثمرة بستان بعينه" انتهى, 8هذا والله أعلم من تتمة كلام الشافعية, بدليل قول المصنف بعد ذلك: وما ذكروه حسن8.
ـــــــ
1 في "ب" و"ط" "لزم".
2 ص "270".
3 في الأصل "للحج".
4 في "س" "فيها".
5 في الأصل "الذمة".
6 في النسخ الخطية و"ط" "المعين" والمثبت من "الفروع".
7 في النسخ الخطية و"ط" "الذمة" والمثبت من "الفروع".
8 8 ليست في "ح".

(5/271)


وما ذكروه حسن قال الآجري: وإن استأجره فقال: يحج عنه من بلد كذا لم يجز حتى يقول يحرم عنه من ميقات كذا "وإلا"1 فمجهولة2, فإذا وقت مكانا يحرم منه فأحرم قبله فمات فلا أجرة, والأجرة من إحرامه مما عينه إلى فراغه, ويتوجه: لا جهالة, ويحمل على عادة ذلك البلد غالبا, ومعناه كلام أصحابنا ومرادهم "و ش" ويتوجه: إن لم يكن للبلد إلا ميقات واحد جاز, فعلى قوله يقع الحج عن المستنيب وعليه أجرة مثله.
ويعتبر تعيين النسك وانفساخها بتأخير يأتي في الإجارة3, وإن قدم فيتوجه4 جوازه لمصلحة, وعدمه بعدمها, وإلا فاحتمالان, أظهرهما يجوز. وأطلق الشافعية يجوز, وأنه زاد خيرا, ومعناه كلام الشيخ وغيره.
ويملك ما يأخذه ويتصرف, ويلزمه الحج; ولو أحصر أو ضل أو تلف ما أخذه فرط أو لا, ولا5 يحتسب له بشيء, واختار صاحب الرعاية: لا يضمن بلا تفريط. والدماء عليه6 "وأطلق في المستوعب في دم إحصار وجهين" ومثله من ضمن الحجة, وإن أفسده كفر ومضى فيه وقضاه. وقال الشافعية: إن كانت إجارة عين انفسخت وقضاه الأجير عنه7, وإن كانت في الذمة فعنه أيضا في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 في "ب" "فمجهول".
3 "7/155".
4 في "ب" "ويتوجه".
5 ليست في الأصل.
6 بعدها في "ط" وأطلق الشافعية في المستوعب في دم إحصار وجهين.
7 في "ب" "الآخرة.

(5/272)


أصح القولين, لوقوع الأداء عنه, فيلزمه حجة أخرى للمستأجر, وإن1 أحصر, فإن تحلل فما2 أتى به عن المستأجر, في أصح الوجهين, فيلزمه الدم والأجرة, كموته, وإن لم يتحلل انقلب إليه بأحكامه, وإن فات بغير حصر انقلب إليه, ولا شيء للأجير هنا عندهم. وما فضل له, وينفسخ بموته, كبهيمة, وعنه وارثه مثله, وتجب أجرة مسافة قبل إحرامه, جزم به جماعة "و م" وقيل: لا "و ش" وأطلق بعضهم وجهين, وعلى الأول: قسط ما ساره, لا أجرة المثل, خلافا لصاحب الرعاية, وإن مات بعد ركن لزمه أجرة الباقي, ويستحق عند الشافعي في أظهر قوليه, فيقسط على السير3, وقيل: على العمل, فإن كان على العين انفسخت. ولا يستأجر المستأجر من يبني في جديد قوليه, وفي الذمة: تبني ورثته4, إن جاز البناء, وإلا استأجروا من يستأنفه, فإن تأخر إلى "5السنة القابلة5" فللمستأجر الخيار.
ومن ضمن الحجة بأجرة أو جعل فلا شيء له, ويضمن ما
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ب" "فيما".
3 في "ب" "اليسير".
4 في "ب" "ورتبة".
5 5 في الأصل "سنة قابلة".

(5/273)


تلف بلا تفريط, كما سبق1.
وعند الحنفية: إن مات بعد وقوفه بعرفة أجزأ, لوجود أكثره, قالوا: لو رجع قبل طواف الزيارة فمحرم أبدا عن النساء, فيرجع بنفقته2, ويقضي ما بقي, لأنه من جنايته3 وقال الآجري: وإن استؤجر من ميقات فمات قبله فلا, وإن أحرم منه ثم مات احتسب منه إلى موته4. ومن استؤجر عن ميت فهل تصح الإقالة أم لا وفاقا للشافعية لأن الحق للميت؟ يتوجه احتمالان "18 م".
ـــــــ
5 "مسألة 18" قوله: ومن استؤجر عن ميت فهل تصح الإقالة أم لا لأن الحق للميت؟ يتوجه احتمالان, انتهى5, يعني إذا قلنا تصح الإجارة "قلت":
ـــــــ
1 ص "272".
2 في "س" "بنفسه".
3 ليست في "ب" و"س".
4 في "ب" "فوته".
5 5 ليست في "ح".

(5/274)


فصل: في مخالفة النائب
من أمر بحج فاعتمر لنفسه ثم حج فقال القاضي وغيره: يرد كل النفقة, لأنه لم يؤمر به "و هـ" ونص أحمد واختاره1 الشيخ وغيره: إن أحرم به2 من ميقات فلا "و ش" ومن مكة يرد من النفقة ما بينهما "م 19".
وظاهر مذهب الشافعي: توزع الأجرة على حجة من البلد إحرامها من الميقات, وعلى حجة من البلد إحرامها من مكة, فإذا كانت الأولى مائة والثانية خمسين حط نصف المسمى ويلزمه3 دم لميقاته.
ـــــــ
الصواب الجواز لأنه قائم مقامه, فهو كالشريك والمضارب, والصحيح جواز4 الإقالة منهما, فكذا هنا.
"مسألة 19" قوله في مخالفة النائب: من أمر بحج فاعتمر لنفسه ثم حج فقال القاضي وغيره: يرد كل النفقة ونص أحمد واختاره الشيخ وغيره: إن أحرم به من ميقات فلا, ومن مكة يرد من النفقة ما بينهما. انتهى.
ما قاله القاضي وغيره جزم به في الحاوي الكبير والرعاية الكبرى في باب الإحرام, وقال هو وصاحب الحاوي: تقع الحجة عن نفسه دون المستنيب, وضمن جميع ما أنفق, هذا إن كان المنوب عنه حيا, فأما إن كان ميتا وقعت الحجة عنه وضمن النائب جميع النفقة أيضا, انتهى.
والصحيح من المذهب ما نص عليه الإمام أحمد, واختاره الشيخ في المغني5 وغيره, وقدمه في الشرح6 ونصره, وكذلك ابن رزين في شرحه.
ـــــــ
1 في "س" "اختار".
2 بعدها في "ب" "لا".
3 في "س" "يلزم".
4 ليست في "ص".
5 "5/27".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/63".

(5/275)


ومن أمر بإفراد فقرن لم يضمن "هـ" ووافقنا صاحباه, لأنه زاد, لوقوع العمرة عنه كتمتعه1 كبيع وكيل2 بأكثر مما سمى. وفي الرعاية: وقيل هدر, كذا قال, واحتج الحنفية بمخالفته لأمره بنفقته في سفره للحج فقط. ولا تقع العمرة للميت, كذا قالوا, وعند الشافعية: إن كانت الإجارة على عين والعمرة في غير وقتها, وإلا لزم الأجير الدم, وفي جبر الخلل به الخلاف. وكذا إن تمتع3, إلا أن يكون على العين وقد أمره بتأخير العمرة فيرد حصتها, فعلى الأول إن كان أمره بعد حجة بعمرة فتركها رد بقدرها من النفقة.
ومن أمر بتمتع فقرن لم يضمن. وقال الشافعية: إن لم تتعدد4 أفعال
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "ليمنعه" وفي "س" "لتمنعه".
2 ليست في "ب".
3 في "ب" يمنع".
4 في الأصل "يتعدد".

(5/276)


النسكين ففي نقص1 الأجرة وأيهما2 يلزم الدم وجهان. وقال القاضي وغيره: يرد نصف النفقة, لفوات فضيلة التمتع. وعمرة مفردة كإفراده ولو اعتمر, لأنه أخل بها من الميقات.
وقال الشافعية: إن كانت إجارة عين انفسخت في العمرة, لفوات وقتها المعين, وإن كانت على الذمة فإن لم يعد إلى الميقات لزمه دم. وفي نقص الأجرة الخلاف.
ومن أمر بقران فتمتع أو أفرد فللآمر. ويرد نفقة قدر ما تركه, من إحرام النسك المتروك من الميقات, ذكره الشيخ وغيره. وفي الفصول وغيرها: يرد نصف النفقة, وأن من تمتع لا يضمن, لأنه زاده خيرا, وقال الشافعية: إن تمتع فإن كانت إجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر, وإن كانت على الذمة فمخالف, في الأصح, فيلزمه الدم, وفي نقص1 الأجرة الخلاف.
وإن حج ثم اعتمر فإن كانت على عين رد حصتها من الأجرة,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "بعض" وفي الأصل "نقض".
2 في "ب" "وأنهما".

(5/277)


لتأخير العمل عن الوقت المعين, وإن كانت في الذمة فإن لم يعد إلى الميقات لزمه دم. وفي نقص1 الأجرة الخلاف.
وإن استنابه "واحد" في حج وآخر في عمرة فقرن ولم يأذنا "له"2 صحا له وضمن الجميع, كمن أمر بحج فاعتمر أو عكسه, ذكره القاضي وغيره, واختار الشيخ وغيره3: يقع عنهما ويرد نصف نفقة من لم يأذن, لأن المخالفة في صفته, وفي القولين نظر, لأن المسألة تشبه من أمر بالتمتع فقرن, والتفرقة بأن النسكين هناك عن واحد لا أثر له. وسبق قولهما في ذلك, فيتوجه منها4: لا ضمان هنا, وهو متجه5 إن عدد أفعال النسكين وإلا فاحتمالان "م 20".
ـــــــ
"مسألة 20" قوله: وإن استنابه في حج وآخر في عمرة فقرن ولم يأذنا له صحا له وضمن الجميع, كمن أمر بحج فاعتمر أو عكسه, ذكره القاضي وغيره, واختار الشيخ وغيره: يقع عنهما ويرد نصف نفقة من لم يأذن, لأن المخالفة في صفته, وفي القولين نظر, لأن المسألة تشبه من أمر بالتمتع فقرن, والتفرقة بأن
ـــــــ
1 في"ب" "بعض" وفي الأصل "نقض".
2 ليست في "ب" و"س".
3 ليست في "س".
4 في "س" "منها".
5 في الأصل و"ب" "متجه".

(5/278)


وإن أمر بحج أو عمرة فقرن لنفسه فالخلاف. وإن فرغه ثم حج أو اعتمر لنفسه صح ولم يضمن وعليه نفقة نفسه مدة مقامه لنفسه, فإن أرادوا1 إقامة تمنع2 القصر فواضح, وإلا فظاهره يخالف ما سبق, لأنه لا فرق بين إقامته عبثا3 أو لمصلحته4 ولعل مرادهم التفرقة بذلك, وفيه نظر.
ـــــــ
النسكين هناك عن واحد لا أثر له, وسبق قولهما في ذلك, فيتوجه منها5: لا ضمان هنا, وهو متجه إن عدد أفعال النسكين, وإلا فاحتمالان, انتهى.
ما اختاره الشيخ وغيره قدمه ابن رزين في شرحه, والشارح ونصره.
وما اختاره القاضي وغيره قدمه في الرعاية الكبرى, وجزم به في الحاوي الكبير "قلت": وهو الصواب, وما وجهه المصنف قوي يقابل قوليهما في القوة, والله أعلم, وأولى الاحتمالين الضمان.
ـــــــ
1 في الأصل "زادوا".
2 في "ب" و"س" "تمتع".
3 في "ب" "عينا".
4 في الأصل "لمصلحة".
5 في "ح" "منهما".

(5/279)


فصل: وإن أمر بإحرام من ميقات
فأحرم قبله أو من غيره أو من بلده فأحرم من ميقات أو في عام أو في شهر فخالف, فقال ابن عقيل: أساء لمخالفته وذكر الشيخ: يجوز, لإذنه فيه1 في الجملة. وفي الانتصار: لو نواه بخلاف ما أمره به وجب رد ما أخذه. وفيه2 في ذبح الأضحية بلا أمره لا يضمن بتفويت الفضل مع حصول المقصود, كحبسه عن تبكير الجمعة, وقوله: اشتر لي أفضل الرقاب وأعتق عن كفارتي فاشترى ما يجزئه, ويتوجه المنع في تركه الأفضل شرعا, ومنع ما ذكره في الانتصار في أمره بشراء أفضل رقبة.
فعلى هذا "المختار" يحتمل أن يجب دم للمخالفة, وفيه نظر, لأنه لا دليل, ويحتمل أن يقع النسك للنائب ويرد ما أخذه, لأن المخالفة تمنع وقوعه عن المستنيب, كتصرف3 الوكيل مع المخالفة, ويحتمل وقوعه عن المستنيب وتنجبر المخالفة بنقص4 النفقة بقسطه, ويحتمل أن لا يرد شيئا, لأنه كعيب يسير فلا أثر له, والله أعلم "م 21".
ـــــــ
"مسألة 21" قوله: وإن أمر بإحرام من ميقات فأحرم قبله أو من غيره أو من بلده فأحرم من ميقات أو في عام أو في شهر فخالف, فقال ابن عقيل: أساء لمخالفته, وذكر الشيخ يجوز, لإذنه "فيه" في الجملة, وفي الانتصار: لو نواه بخلاف
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 يعني "الانتصاف".
3 في "س" "لتصرف".
4 في "س" "بنقض".

(5/280)


ويشبه شرط الإحرام من مكان أو زمان, أو نظيره شرط الوقوف بعرفة راكبا أو اللبث فيها أو المبيت جميع الليل أو1 أكثره, ونحو ذلك, فيخالف. قال أصحابنا: وإن لزمه بمخالفته زيادة فمن النائب, وعند الحنفية: إن أخذ طريقا أبعد وأكثر نفقة وهي مسلوكة جاز.
ولو عين سنة فحج بعدها جاز, كبعه2 غدا فيبيعه بعده, وفيه خلاف زفر, ولو وصى أن يحج عنه بثلثه كل سنة حجة فعن محمد كإطلاقه يحج عنه في سنة واحدة حججا3, وهو أفضل, للمسارعة إلى
ـــــــ
ما أمره وجب رد ما أخذه, قال المصنف ويتوجه المنع في تركه الأفضل شرعا فعلى هذا المختار يحتمل أن يجب دم, للمخالفة. وفيه نظر, لأنه لا دليل, "4يحتمل أن4" يقع النسك للنائب ويرد ما أخذه, لأن المخالفة تمنع وقوعه عن المستنيب, كتصرف الوكيل مع المخالفة, ويحتمل وقوعه عن المستنيب وتنجبر المخالفة بنقص النفقة بقسطه, ويحتمل أن لا يرد شيئا, لأنه كعيب يسير فلا أثر له, والله أعلم, انتهى, جزم بما قاله الشيخ الشارح وابن رزين في شرحه وابن حمدان في الرعاية الكبرى "قلت": الصواب ما قاله ابن عقيل إلا فيما إذا كان ما فعله أفضل, ولعله كما لو أمر بالإحرام من بلده فأحرم من الميقات فإنه لا إساءة في ذلك, لأنه فعل الأفضل, والله أعلم.
والاحتمال الثالث هو الصواب على ما بناه المصنف, والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل "و".
2 في "س" "كبيعه".
3 في "ب" "حجا".
4 4 ليست في "ح".

(5/281)


الطاعة وأداء الأمانة. وفي الينابيع1 من كتبهم: إن كان بأمر الحاكم وإلا ضمن الوصي, وفي المحيط من كتبهم: أنه لا عبرة بالمسمى, فلو أحج2 الوصي عنه بأقل منه جاز, لأن الموصى به وهو الحج لا يختلف.
وفي عمدة الفتاوى من كتبهم: أحجوا من ثلثي حجتين يكتفي بواحدة, وما فضل لورثته. وقال الحنفية: إن جامع بعد الوقوف لم يفسد حجه ولم يضمن النفقة, لحصول مقصود الآمر3, وعلى الحاج دم جنايته4, لأنه الجاني عن اختيار, وكذا سائر دماء الكفارات, وللشافعية خلاف: هل المشروط كالشرعي؟ فلو عينا الكوفة لزم الأجير الدم بمجاوزتها, في الأصح المنصوص, فلا ينجبر به الخلل حتى لا تنقص الأجرة, في أصح القولين, فيوزع المسمى على حجة من بلده5 الكوفة إحرامها منه, وعلى حجة من بلدة6 إحرامها من حيث أحرم, وإن لم يلزم الدم نقص قسط من الأجرة. وكذا لو لزمه دم7 بترك مأمور.
ولا تنقص بفعل محظور, وإن شرط الإحرام أول شوال فأخره
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هو الينابيع في معرفة الأصول والتفاريع للشيخ أبي عبد الله محمد بن رمضان الرومي الحنفي شرح فيه مختصر القدوري لأبي الحسن أحمد بن محمد القدوري وهو في مجلد كشف الظنون "2/1634".
2 في الأصل "حج".
3 في "ب" و"س" و"ط" "الأمر".
4 في الأصل و"س" "حناية".
5 ليست في "س".
6 في "ب" و"س" "بلده".
7 في الأصل "دين".

(5/282)


فالخلاف, وكذا لو شرط أن يحج ماشيا فحج راكبا, لأنه ترك مقصودا, كذا خصوا هذه المسألة بالذكر, وينبغي أن يكون عكسها مثلها وأولى, لأن الحج راكبا أفضل عندهم, ولهم فيه قصد صحيح.
قالوا: ولو صرف إحرامه إلى نفسه ظنا منه ينصرف1 "2وأتم الحج2" على هذا لم يضر, وقيل: لا يستحق أجرة, لإعراضه عنها, وسبق قولهم فيما إذا عين عاما فقدم عليه. ويتوجه أن المال المأخوذ لعمل قربة على وجه النفقة والرزق أو إجارة أو جعالة أو وصية أو وقف سواء, فإما أن يعتبر الشرط والصفة فيه أو لا, أو يعتبر الأفضل شرعا لا المفضول.
ولا يظهر للتفرقة بين هذه الأبواب وجه شرعي, ولم أجدهم تعرضوا له. وهذا إلزام للحنفية فإن باب الوصية والوقف واحد, وقد ذكروا ما سبق في الوصية, ونحن والشافعية لا نقول به, وليس الوقف عندهم كذلك, فما الفرق؟ ونفرض المسألة فيمن وقف على الحج عنه كل عام, أو شرط الإحرام من مكان أو في زمان, فإن قيل فيه ما ذكروه هنا فهو المطلوب ويجب تعميمه في كل وقف على عمل قربة, وإلا فلا فرق, ويظهر أنه عسر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "بتصرف".
2 2في "س" "واثم بالحج".

(5/283)


جدا, يؤيد ذلك ما يأتي في الوقف1 من الخلاف فيما أخذ منه2 لعمل قربة هل هو إجارة أو جعالة أو رزق وإعانة فما3 خرج حكمه عن ذلك. وهذا عند تأمل العالم المنصف قاطع, فإن لم يسو بين الجميع أعطي حكم كل باب ما في الآخر بالنقل والتخريج, وظهر من ذلك حيث اعتبر في وقف لا يكون تركه مانعا "4من استحقاق شيء رأسا, كما قاله بعض الناس, وقد يقال: إنما يوزع وينقص بقدره4", والله أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "7/347".
2 بعدها في "ب" "لا".
3 في "ب" "مما".
4 4 ليست في "ب".

(5/284)


فصل: من لزمه الحج فأحرم به عن غيره
حي أو ميت فرضا أو نذرا أو نفلا لم يجز ويقع عن فرض نفسه, هذا المذهب "و ش" لحديث عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "رضي الله عنهما" أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة, قال: "حججت عن نفسك" ؟ قال: لا, قال: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" 5 إسناده جيد, احتج به أحمد في رواية صالح, قال البيهقي: إسناد صحيح, ورواه أحمد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
5 لم نجده عند أحمد وأخرجه أبو يعلى في مسنده "2440" وابن حبان في صحيحه "3988" والطبراني ف يالمعجم الكبير "12419".وانظر التلخيص الحبير "2/223" والفتح الرباني "11/27".

(5/284)


والطبراني, ونقل الأثرم: ذاك خطأ, رواه عبدة موقوفا1, ونقل مهنا: لا يصح, إنما هو عن ابن عباس2, قال: ورواه إسماعيل عن ابن جريج عن عطاء مرسلا3, ورواه هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم4, "5ورواه إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس مرسلا6 5", ورواه هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن ابن عباس مرسلا7, قال له مهنا: سمع أبو قلابة من ابن عباس أو رآه؟ قال: لا, ولكن الحديث صحيح عنه.
ورواه سعيد في سننه عن سفيان عن ابن جريج. وعن سفيان عن أيوب, كما سبق, فمن يصححه يقول: تفرد برفعه متصلا عبدة وقد تابعه, غيره, وهو من رجال الصحيحين الأثبات, والزيادة مقبولة, وعزرة هو ابن ثابت كما في إسناد ابن ماجه8, وهو من رجال الصحيحين, ومن يضعفه يقول. رواه الأثبات موقوفا ومرسلا, وقتادة مدلس, وعزرة قيل: ليس بابن ثابت, وقيل: لا يعرف حاله. وممن ضعفه ابن المنذر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/337" والدارقطني في سننه "2/271".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/336".
4 أخرجه الدارقطني في سننه "2/270".
5 5ليست في "ب".
6 لم نجده عن ابن عباس بهذا الإسناد وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/337" من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس.
7 أخرجه الدارقطني في سننه "2/270" البيهقي في السنن الكبرى "4/337".
8 في سننه "2903".

(5/285)


ولكن من يحتج بقول الصحابي فالمرسل1 حجة عليه. وقوله: "حج عن نفسك" أي استدمه. كقوله للمؤمن: آمن. ولهذا روى الدارقطني2 من طريقين وفيه ضعف "هذه عنك وحج عن شبرمة" وخبر الخثعمية3 قضية في عين, ولأن, الإحرام ركن, فبقاؤه يمنع أداءه عن غيره. كطواف الزيارة, وبه يفرق بينه وبين الزكاة. فإنه لا يطوف من لم يطف عن نفسه, وينوب فيها من بقي عليه بعضها, لا يقال: الطواف موجب بالإحرام فلا يجوز صرفه إلى غيره بعد الإحرام, ويجوز قبله, كالصلاة لو أحرم بنية النفل لم يجز صرف موجبها من ركوع وسجود إلى الفرض, وله صرفها إليه قبل الإحرام, لأنه يقال: موجبها يتبع إحرامها, لأنه4 لا5
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" و"س" "فالمرسل".
2 في سننه "2/268 – 269".
3 تقدم ص "255".
4 ليست في الأصل.
5 ليست في "ب".

(5/286)


ينفرد بنية ووقت ومكان, بخلاف الطواف, والقياس على الصبي لا يتجه. وقال أبو حفص العكبري: ينعقد عن المحجوج عنه ثم يقبله الحاج عن نفسه, نقل إسماعيل الشالنجي: لا يجزئه, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن لبى1 عن غيره وهو صرورة2: "اجعلها عن نفسك" رواه ابن ماجه3 من حديث عبدة السابق, وأجاب القاضي: أراد التلبية, لقوله: "هذه عنك" .
ولم يجز فسخ حج إلى حج, وعنه: يقع باطلا, نقله الشالنجي,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "أتى".
2 في النسخ الخطية و"ط" "ضرورة" بالضاد المعجمة والمثبت من حاشية ابن قندس.
3 تقدم ص "284.

(5/287)


اختاره أبو بكر, لتعيين1 النية لطواف الزيارة, وهذا لا يلزم منه بطلان إحرامه, وعنه: يجوز عن غيره ويقع عنه, جعلها القاضي ظاهر نقل محمد بن ماهان فيمن عليه دين لا مال له: أيحج2 عن غيره حتى يقضي دينه؟ قال: نعم "و هـ م" وداود, وفي الانتصار رواية: عما نواه بشرط عجزه عن حجه لنفسه, وقاله الثوري. فعلى الأول: لا ينوب من لم يسقط فرض نفسه. ويتوجه ما قيل ينوب في نفل عبد وصبي ويحرم, كقول الشافعي, وجزم به في الرعاية الصغرى, ورجح غير واحد المنع.ومتى وقع الحج للحاج لم يأخذ شيئا. وفي الفصول احتمال, كمن بنى حائطا يعتقده الباني لنفسه لم تسقط الأجرة باعتقاده, كذا قال: ومذهب الشافعي: لا يستحق المسمى ويستحق أجرة المثل, في أصح القولين, قال المتولي3 من أصحابه: وإن لم يجهل الأجير فساد الإجارة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "كتعيين".2 في النسخ الخطية "الحج" والمثبت من "ط" و" المبدع" "3/103".3 لعله أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي أحد أئمة الشافعية برع في المذهب وبعد صيته له من المصنفات التتمة على إبانة شيخه الفوراني وله مختصر في الفرائض وكتاب في الخلاف "ت 478 هـ" طبقات الشافعية "5/106".

(5/288)


لم يستحق شيئا, بلا خلاف, قال: والمسألة مفروضة في المعضوب1, فإن أوصى الميت بنفل وقلنا لا نيابة وقع حج الأجير عن نفسه ولا أجرة له, بلا خلاف, كذا قال. ولم أجد خلافه, وتتوجه لنا التفرقة بين الجاهل وغيره وبعدمه من الشروط "في البيع"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "المغصوب".

(5/289)


فصل: وإن أحرم من عليه حجة الإسلام بنذر أو نفل
لم يجز, ويقع عنها, هذا المذهب, نص عليه "و ش" لأنه قول ابن عمر وأنس2..................,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/339" عن زيد بن جبير قال: إني لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال: هذه حجة الإسلام فليلتمس أن يقضي نذره. يعني: من عليه الحج ونذر حجا.

(5/289)


فإن صح انبنى على قول الصحابي, وكإحرام مطلق على الأصح عن أبي حنيفة, وفرقوا بأنه مطلق, فانصرف إلى المعروف, كما في نقد غالب, فيلزم مثله في الصلاة, ولأنه عبادة تجب بإفسادها الكفارة, كصوم رمضان, وفرقوا بتعيينه1, بخلاف الحج, فيتوجه أن يدعي ويزاد في القياس, فإن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "بتبعيته".

(5/290)


منع استدل عليه. وعنه: عما نواه "و هـ م" لقوله "وإنما لامرئ ما نوى" 1 وأجيب: المراد: لا قربة إلا بنية, أو يحمل على غير الحج, لما سبق.
وعنه: "يقع" باطلا, ولم يذكرها بعضهم "هنا", فعلى الأول لا يجزئ عن المنذورة, نص عليه, لأنه "هنا" قول ابن عمر وأنس, وكنذر حجتين, فيحج واحدة, ونقل أبو طالب: تجزئه عنهما, وأنه قول أكثر العلماء, اختاره أبو حفص, ورواه سعيد عن ابن عباس وعكرمة. وقال: أرأيتم لو نذر أن يصلي أربع ركعات فصلى العصر أليس يجزئ عنهما؟ قال: وذكرت ذلك لابن عباس فقال: أصبت أو أحسنت كذا قال, فإن صح ذلك فالمنع واضح, ولا دليل, وغايته كمسألتنا, قال الشيخ بعد هذه الرواية: وصار كنذر صوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم من رمضان فنواه عن فرضه ونذره فإنه يجزئه في رواية, ذكره الخرقي2. كذا قال: نواه عن فرضه ونذره, والمنقول هنا: نواه عن نذره فقط. ويأتي ما ذكره في النذر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه "1/163".
2 في "ب" و"س" "الحربي".

(5/291)


ومذهب "م": إن نواهما فعن المنذورة, وإن أحرم بنفل من عليه نذر فالروايات. ويتوجه أن هذا وغيره الأشهر في أنه يسلك1 في بالنذر مسلك الواجب لا النفل.
والعمرة كالحج, فيما سبق2.
ومن أتى بواجب أحدهما فله فعل نذره ونفله قبل الآخر3, وقيل: لا, لوجوبهما على الفور.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ط" "سلك".
2 ص "289".
3 في "س" "الإحرام".

(5/292)


والنائب كالمنوب عنه, فلو أحرم بنذر أو نفل عمن عليه حجة الإسلام وقع عنها, على المذهب.ولو استناب عنه أو عن ميت واحدا في فرضه وآخر في نذره في سنة جاز, قال ابن عقيل: وهو أفضل من التأخير, لوجوبه على الفور كذا قال, فيلزمه وجوبه إذن, وليحرم بحجة الإسلام قبل الآخر, وأيهما أحرم أولا فعن حجة الإسلام ثم الأخرى عن النذر, وظاهر كلامهم: و1لو لم ينوه. وفي الفصول: يحتمل الإجزاء, لأنه قد يعفى عن التعيين في باب الحج وينعقد مبهما2 ثم يعين, قال: وهو أشبه, ويحتمل عكسه, لاعتبار تعيينه, بخلاف حجة الإسلام.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في الأصل "بهما" وفي "ب" منهما".

(5/293)


فصل:تصح الاستنابة عن المعضوب3
والميت في النفل "و" وللشافعي
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 في "ب" و"س" "المغصوب".

(5/293)


قول مرجوح: لا. وقول: ولو لم يكن الميت حج ولا لزمه. وفي تعليق القاضي والانتصار رواية: لا نيابة في نفل مطلقا لانه1 يثبت في الواجب للحاجة.
ويصح أن يستنيب القادر بنفسه فيه وفي بعضه, على الأصح "ش" كالصدقة. والخلاف في عجز مرجو الزوال, وذكر الشيخ: يجوز, لئلا يتأخر أو يفوت, وفي آخر الفصل قبل الفصل قبله ما يتعلق بهذا2.
ومن أوقع فرضا أو نفلا عن حي بلا إذنه أو لم يؤمر به كأمره بحج فيعتمر أو عكسه لم يجز, كالزكاة, فيقع عنه ويرد ما أخذه. ويجوز عن الميت ويقع عنه, لأنه عليه السلام أمر بالحج عنه ولا إذن له3, وكالصدقة, ذكره ابن عقيل وتبعه من بعده, قال: لأن الميت إذا عزي إليه العبادة وقعت عنه, ويصير كأنه مهد إليه ثوابها4, وهو عاجز عن الكسب, بخلاف الحي. وسوى القاضي في المجرد بينهما5, لعدم الإذن, والأولى ما سبق "في" آخر الجنائز في وصول القرب6, ويتعين النائب7 بتعيين وصي جعل إليه التعيين, فإن أبى عين غيره, ويكفي النائب أن ينوي المستنيب,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" "لا".
2 ص "288".
3 تقدم ذلك في حديث الخثعمية ص "255".
4 في "ب" "نواها".
5 في الأصل "بينها".
6 "3/423".
7 ليست في الأصل.

(5/294)


فلا تعتبر تسميته لفظا, نص عليه.
وإن جهل اسمه أو نسبه لبى عمن سلم إليه المال ليحج به عنه. وقد نقل محمد بن الحكم: إذا حج عن رجل فيقول أول ما يحرم, ثم لا يبالي أن يقول بعد. "ذلك" والمراد يستحب.

(5/295)


فصل: يستحب أن يحج عن أبويه,
قال بعضهم, إن لم يحجا, وقال بعضهم: وغيرهما, ويقدم أمه لأنها أحق بالبر. ويقدم واجب أبيه على نفلها, نص عليهما, نقل ابن إبراهيم: من حج ويريد الحج ولم يحج والده يجعل حجة التطوع عنهما, عن كل واحد حجة, نقل أبو طالب يقدم دين أبيه على نفله لنفسه, فأمه أولى, وقيل له في رواية أبي داود: أريد أن أحج عن أمي أترجو أن يكون لي أجر حجة أيضا, قال: "نعم, تقضي عنها دينا عليها" . وقيل له: أحج عنها فأنفق من مالي وأنوي عنها أليس جائزا؟ قال: "نعم" .
وعن زيد بن أرقم مرفوعا "إذا حج الرجل عنه وعن والديه تقبل1 منه ومنهما واستبشرت أرواحهما في السماء وكتب عند الله برا" فيه أبو أمية الطرسوسي وأبو سعيد2 البقال ضعيفان. وعن ابن عباس مرفوعا "من
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" و"ط" "قبل".
2 في النسخ الخطية و"ط" "أبو سعيد" والمثبت من سنن الدارقطني.

(5/295)


حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار" فيه صلة بن سليمان متروك, وعن عثمان بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو البصري عن عطاء عن جابر مرفوعا "من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج" ضعيف, رواهن الدارقطني1.
ولكل2 منهما منع ولده من نفل لا تحليله, للزومه بشروعه قال أحمد "3في الفرض3": إن لم تأذن لك أمك وكان عندك زاد وراحلة فحج ولا تلتفت إلى إذنها واخضع لها ودارها.
ويلزمه طاعتهما4 في غير معصية, ويحرم فيها, ولو أمره أبوه بتأخير الصلاة ليصلي به أخر5, نص على الجميع, وذكره جماعة. وقال شيخنا: هذا فيما فيه نفع6 لهما ولا ضرر عليه, فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا, ولم يقيده أبو عبد الله, لسقوط فرائض الله بالضرر, وعلى
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2/259 – 260".
2 من هنا إلى آخر الفصل سبق معظمه في فصل أوله: لا يجوز لوالد منع ولده.............ص "228" إلخ.
3 3 ليست في "س".
4 في "س" "طاعتها".
5 بعدها في "س" "الوقت".
6 في "ب" "يقع".

(5/296)


هذا بنينا1 تملكه من ماله, فنفعه كماله فليس الولد بأكثر من العبد. ونقل أبو الحارث فيمن تسأله أمه شراء ملحفة للخروج: إن كان خروجها في بر وإلا فلا يعينها على الخروج.
ونقل جعفر: إن أمرني أبي بإتيان السلطان, له علي طاعة؟ قال: لا, وهذا وما قبله خاصان, فلعله لمظنة الفتنة, فلا ينافي ما سبق وكذا ما نقل المروذي: ما أحب يقيم معهما2 على الشبهة, لأنه عليه السلام قال: "من ترك الشبهة فقد استبرأ لدينه وعرضه ولكن يداري" وهذا لقوله3 عليه السلام: "من وقع في الشبهات وقع في الحرام" متفق عليه4, ولهذا نقل غيره فيمن تعرض عليه أمه شبهة بأكل5 فقال: إن علم أنه حرام بعينه6 فلا يأكل. وقال أحمد: إن منعاه7 الصلاة نفلا يداريهما ويصلي. وقال: إن نهاه عن الصوم لا يعجبني صومه ولا أحب لأبيه أن ينهاه, وذكر صاحب المحرر وتبعه غير واحد: لا يجوز منع ولده من سنة راتبة. وأن مثله مكر وزوج وسيد, وهذا والله أعلم لإثمه بتركها, كما
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "شيئا".
2 في الأصل و"س" "معها".
3 في "ب" و"س" "لقوله".
4 تقدم ص "230".
5 في الأصل و"س" "يأكل".
6 ليست في "س".
7 في "ب" "منعناه".

(5/297)


يأتي في العدالة من الشهادة1 وإلا فلتغير أوضاع الشرع2, كأمره يسر في الفجر ويجهر في الظهر ونحوه, وسبق كلام القاضي في الصلاة على الميت. وقال في الغنية: يجوز ترك النوافل لطاعتهما, بل الأفضل طاعتهما. فإن أراد ظاهره فخلاف ما سبق.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "11/317".
2 ليست في "ب".

(5/298)


فصل: من أراد الحج فليبادر
وليجتهد في الخروج من المظالم ويجتهد في رفيق حسن. قال أحمد رحمه الله: كل شيء من الخير يبادر به. قال أبو بكر الآجري وغيره: يصلي ركعتين, ثم يستخير في خروجه, ويبكر, ويكون يوم خميس, ويصلي في منزله ركعتين, ويقول إذا نزل منزلا أو دخل بلدا ما ورد3, وكذا قال ابن الزاغوني وغيره, يصلي ركعتين يدعو بعدهما بدعاء الاستخارة, ويصلي في منزله ركعتين ثم يقول: اللهم هذا ديني وأهلي ومالي وديعة عندك. اللهم أنت الصاحب في السفر, والخليفة في الأهل والمال والولد. وإنه يخرج يوم خميس أو اثنين, وذكر شيخنا: يدعو قبل السلام أفضل, وما سبق من الاستخارة فهو ظاهر قول جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها. كما يعلمنا السورة من
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 يعني من الأدعية والأذكار المأثور من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه "2708" "55" من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلث فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه" .

(5/298)


القرآن. رواه البخاري1 ويستخير: هل يحج العام أو غيره, وإن كان الحج نفلا, أو لا يحج.
وتوديع المنزل بركعتين لم أجدها في السنة وقد روى أحمد والبخاري ومسلم2 عن ابن عمر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" . ويأتي في الأطعمة3 قول أحمد لا يقيم بها, وحكم مائها.
ـــــــ
"تنبيه" قوله في آخر الباب "ويستخير هل يحج العام أو غيره وإن كان نفلا أو لا يحج" كذا في النسخ "وإن" بزيادة واو, والصواب حذفها.
فهذه إحدى وعشرون مسألة في الباب.
ـــــــ
1 في صحيحه "1162".
2 أحمد "5342" والبخاري "3380" ومسلم "2980" "39".
3 "10/341".

(5/299)


باب المواقيت
مدخل
...
باب المواقيت
ذو الحليفة للمدينة, بينها وبين مكة عشرة أيام ويليه في البعد الجحفة وهي للشام ومصر والمغرب. ثم يلملم لليمن وقرن لنجد اليمن وبحد الحجاز والطائف. وذات عرق للعراق وخراسان والمشرق.
وهذه الثلاث من مكة ليلتان. وهذه المواقيت ثبتت بالنص "و" عند بعض العلماء, واختاره بعض الشافعية وقال الشافعي في الأم "وأومأ إليه أحمد" ذات عرق باجتهاد عمر, والظاهر أنه خفي النص فوافقه, فإنه موفق للصواب.
وليس الأفضل للعراقي أن يحرم من العقيق وهو واد وراء ذات عرق يلي الشرق "ش" وغيره, كبقية المواقيت, ولأحمد والترمذي وحسنه وأبي داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق1 تفرد به يزيد بن أبي زياد2, شيعي مختلف فيه. قال ابن معين وأبو زرعة: لا يحتج به. وقال الجوزجاني: سمعتهم يضعفونه. وقال أبو حاتم: ليس بقوي وقال ابن عدي3: مع ضعفه يكتب حديثه: وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه. وقال العجلي, جائز الحديث. قال ابن عبد البر: ذات عرق ميقاتهم بإجماع, والاعتبار بمواضعها.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "3205" والترمذي "832" وأبو داود "1740".
2 هو أبو عبد الله يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشي مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل رأى أنس بن مالك تهذيب الكمال "8/126".
3 في "س" "عبد البر".

(5/300)


وهن مواقيت لمن مر عليها من غير أهلها, كالشامي يمر بذي الحليفة يحرم منها, نص عليه, قال النواوي: بلا خلاف, كذا قال, ومذهب عطاء ومالك وأبي ثور: له أن يحرم من الجحفة, ويتوجه لنا مثله, فإنه قوله عليه السلام في خبر ابن عباس: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة, ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ, حتى أهل مكة من مكة" متفق عليه, يعم من ميقاته بين يدي هذه المواقيت التي مر بها ومن لا وقوله: لأهل الشام الجحفة1, يعم من مر بميقات آخر أو لا, والأصل عدم الوجوب, وعند داود: لا حج له, وعند الحنفية: يحرم أهل المدينة ومن مر بها من شامي وغيره من ذي الحليفة, ولهم أن يحرموا من الجحفة ولا شيء عليهم. وعن أبي حنيفة: عليه دم, وللشافعي2 أنبأنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين, مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة. وذكر بعض الحنفية ما ذكره ابن المنذر وغيره عن عائشة كانت إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة, وإذا أرادت العمرة من الجحفة3, قال ولو لم تكن الجحفة ميقاتا لذلك لما جاز تأخير إحرام العمرة; لأنه لا فرق للآفاقي. وفي كلام بعضهم هنا نظر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1524" ومسلم "1181" "11".
2 في مسند "1/380".
3 أورده ابن عبد البر في الاستذكار "11/84".

(5/301)


وقوله آفاقي, وصوابه أفقي, قيل بفتحتين وقيل بضمتين "م 1" نسبة إلى المفرد, والآفاق الجمع.
فأما إن مر الشامي أو المدني من غير طريق ذي الحليفة فميقاته الجحفة, للخبر1.
ومن عرج عن المواقيت أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه, ويستحب "له" الاحتياط, فإن تساويا في القرب إليه فمن أبعدهما عن مكة, وأطلق الآجري أن ميقات من عرج إذا حاذى المواقيت, قال في الرعاية والشافعية: ومن لم يحاذ ميقاتا أحرم عن مكة بقدر مرحلتين. وذكر الحنفية مثله إن تعذر معرفة المحاذاة. وهذا متجه, ومن منزله دونها فمنه للحج والعمرة.
ويجوز من أقربه إلى البيت, والبعيد أولى, وقيل: سواء, وكل ميقات فحذوه مثله. وعند الحنفية: من منزله دونها له تأخير إحرامه إلى الحرم,
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وصوابه أفقي قيل بفتحتين وقيل بضمتين, انتهى. ليس مما نحن فيه من الخلاف المطلق الذي اصطلح عليه المصنف في الخطبة, ولكن لعلماء اللغة فيه قولان, ولما كان أحدهما ليس أولى من الآخر أتى بهذه الصيغة, وتقدم الجواب عن ذلك في المقدمة2, والأفصح الضم. وقال بعضهم: إنما فتحوا ذلك تخفيفا, قاله ابن خطيب الدهشة
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "301".
2 "1/8".

(5/302)


ولا يجوز دخوله إلا محرما لمن قصد النسك, ولم يجيبوا عن الخبر السابق1.
وميقات من حج من مكة مكي أو لا منها. وظاهره: ولا ترجيح, وأظهر قولي الشافعي: من باب داره. ويأتي المسجد محرما والثاني: منه, كالحنفية, نقله حرب عن أحمد, ولم أجد عنه خلافه, ولم يذكره الأصحاب إلا في الإيضاح, قال: يحرم به من الميزاب, ويجوز من الحرم والحل, نقله الأثرم وابن منصور, ونصره القاضي وأصحابه "و م" كما لو خرج إلى الميقات الشرعي, وكالعمرة, ومنعوا وجوب إحرامه من الحرم ومكة. وعنه: عليه دم, وعنه: إن أحرم من الحل, وجزم به الشيخ, لإحرامه دون الميقات, قال: وإن مر في الحرم يعني قبل مضيه إلى عرفة فلا دم, لإحرامه قبل ميقاته, كمحرم. قبل المواقيت "و هـ ش" إلا أن الصحيح عنه كروايتنا قبل هذه نفس مكة, فيلزم لدم من أحرم مفارقا بنيانها إن لم يعد.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم ص "301".

(5/303)


وقد قال جابر: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحرم إذا توجهنا فأهللنا من الأبطح رواه مسلم1. وأبو حنيفة يعتبر مروره في الحرم ملبيا. ولم يعتبره صاحباه. وعن أحمد: المحرم من الميقات عن غيره إذا قضى نسكه ثم أراد أن يحرم عن نفسه واجبا أو نفلا, أو أحرم عن نفسه ثم أراد عن غيره أو عن إنسان ثم عن آخر, يخرج يحرم من الميقات. وإلا لزمه دم, اختاره جماعة, وجزم به القاضي وغيره.
وفي الترغيب: لا خلاف فيه, كذا قال; لأنه جاوز الميقات مريدا للنسك فأحرم "من" دونه, وإحرامه عن غيره كالمعدوم في حق نفسه, واختار الشيخ وغيره خلاف هذا, وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره, وكذا أحمد, لكن أوله بعضهم; لأن من كان بمكة كالمكي, كما سبق, وكالنسكين عن واحد, وفرق القاضي بأن الثاني تابع للأول, فكأنه أحرم بهما معا من الميقات, كذا قال, وعنه: من اعتمر في أشهر الحج أطلقه ابن عقيل. وزاد غير واحد: من أهل مكة أهل بالحج من الميقات, وإلا لزمه دم, وهي ضعيفة عند الأصحاب. وأولها. بعضهم بسقوط دم المتعة عن الآفاقي بخروجه إلى الميقات, وذكر ابن أبي موسى من "كان" بمكة من غير أهلها إن أراد عمرة واجبة فمن الميقات وإلا لزمه دم, كمن جاوز الميقات وأحرم دونه.
وإن أراد نفلا فمن أدنى الحل, والأصح أن ميقات من بمكة أو الحرم مكي وغيره من أدنى الحل, لأمره عليه السلام عبد الرحمن بن أبي بكر أن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه "1214" "139".

(5/304)


يخرج مع عائشة إلى التنعيم لتعتمر1 وليجمع في النسك بين الحل والحرم; لأن أفعالها في الحرم بخلاف الحج, قيل2 التنعيم أفضل "و هـ" وفي المستوعب وغيره: الجعرانة, لاعتماره صلى الله عليه وسلم منها, ثم منه, ثم من الحديبية3 "و ش", وظاهر كلام الشيخ سواء. "م 2" وعين مالك التنعيم لمن بمكة, والعلماء بخلافه.
وقد نقل صالح وغيره في المكي: أفضله البعد, هي على قدر تعبها قال في الخلاف: مراده من الميقات, بينه في رواية بكر بن محمد: يخرج
ـــــــ
"مسألة 2" قوله في أحكام العمرة: قيل التنعيم أفضل. وفي المستوعب وغيره: الجعرانة يعني أفضل وظاهر كلام الشيخ سواء, انتهى.
أحدهما التنعيم أفضل, وهو الصحيح, جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والشرح4 و"5شرح ابن منجا5" والمقنع4, رأيته في نسخة مقروءة على المصنف وعليها شرح الشارح وابن منجى. والوجه الآخر جزم به في المستوعب والتلخيص والبلغة والرعاية والحاويين والفائق وغيرهم.
"تنبيهات"
الأول قول المصنف: "وظاهر كلام الشيخ سواء" الظاهر أنه أراد في المغني ولم يطلع على نسخة المقنع التي فيها ذلك, مع أن كتاب المصنف المقنع وهو من حافظيه, والله أعلم
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1784ط ومسلم "1212" "135".
2 في النسخ الخطية "قيل" والمثبت من "ط".
3 أخرجه البخاري "1778" ومسلم "1253" "217".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/279".
5 5 ليست في "ص".

(5/305)


إلى المواقيت أحب إلي; لأنه عزيمة, ومن أدنى الحل رخصة للمكي, ومراده في الواجبة. كما ذكر ابن أبي موسى, كذا قال. وقد ذكر في رواية أبي طالب قوله عليه السلام لعائشة "هي على قدر سفرك ونفقتك" وهو في الصحيحين أو مسلم1, وقول علي: أحرم من دويرة أهلك2. محتجا بذلك.
وقال أحمد أيضا عن هذه العمرة أي شيء فيها؟ إنما العمرة التي تعتمر من منزلك, ومراده والله أعلم التي ينشئ لها السفر, وإحرامها من الميقات, كقوله في الحج: وما الفرق؟ وكفعله وفعل أصحابه في حجة الوداع, وحمله على ظاهره لا يتجه, وقد نص أحمد أنه يحرم من الميقات, وعليه الأصحاب, ونقل صالح: لا بأس قبله, ونقل "ابن" إبراهيم: كلما تباعدت فلك أجر, ومراده المكي.
وإن أحرم بالعمرة من مكة أو الحرم لزمه دم, خلافا لعطاء, ويجزئه إن خرج إلى الحل قبل طوافها, وكذا بعده, كإحرامه دون ميقات الحج به "والله أعلم" ولنا وللشافعي قول: لا3 "و م"; لأنه نسك فاعتبر فيه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1787" ومسلم "1211" "126" ولفظهما: "على قدر نفقتك أو نصبك" .
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "81" والبيهقي في السنن الكبرى "4/341".
3 ليستفي "ط" وفي "ب" و"س" "قولان".

(5/306)


الجمع بين الحل والحرم, كالحج, فيخرج1 ثم يعود يأتي بها, ولا عبرة بفعله قبله.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "فيحرم".

(5/307)


وإن حلق أو أتى محظورا فدى. وإن وطئ فدى ومضى في فاسدها وقضاها بعمرة من الحل ويجزئه عنها, ولا يسقط دم المجاوزة بخروجه, والمراد على الراجح "ش" وللحنفية الخلاف.
ـــــــ
.......................................

(5/308)


فصل: إذا أراد حر مسلم مكلف نسكا أو مكة نص عليه أو الحرم
لزمه إحرام من ميقاته "و هـ م" إلا أن أبا حنيفة يجوز لمن منزله الميقات أو داخله من أفقي وغيره دخول الحرم ومكة إلا أن يريد نسكا, ولا وجه للتفرقة, وظاهر مذهب الشافعي يجوز مطلقا لا أن يريد نسكا, وعن أحمد مثله, ذكرها القاضي وجماعة, وصححها ابن عقيل, وهي أظهر, للخبر السابق1. وينبني على عموم المفهوم والأصل عدم الوجوب. وجه الأول: روى حرب وغيره عن ابن عباس: لا يدخلن إنسان مكة إلا محرما إلا الحمالين والحطابين وأصحاب منافعها2, احتج به أحمد وقال: كان ابن عمر يقول: يدخل بغير إحرام3, وعن ابن عباس مرفوعا "لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام من أهلها وغيرهم" 4 فيه حجاج ضعيف
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "301".
2 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "200".
3 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "201".
4 رواه ابن عدي في الكامل "6/273".

(5/309)


مدلس, ومحمد بن خالد بن عبد الله الواسطي ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة, وابن عدي وقال: لا أعرفه مسندا إلا به من هذا الوجه. واقتصر الشيخ على لزوم الإحرام بنذر دخولها, وفيه الخلاف, ذكره ابن حزم وغيره, وهو متجه. ثم النذر قرينة في إرادة النسك المختص بها كالسبب الدال على النية, واحتج القاضي وابن العربي المالكي وغيرهما بتحريم الله ورسوله مكة, وذا في القتال, قال في الانتصار ومعناه في الخلاف: الإحرام شرط إباحة دخوله ولا توجيه1 لدخوله, لئلا يقال لا ينوب عنه إحرام بحجة أو عمرة, كما لم ينب عن منذورة, أي كما قاله زفر.
ومن تجاوزه بلا إحرام لم يلزمه قضاء الإحرام, ذكره القاضي في المجرد, وجزم به الشيخ وغيره "و م ش" كتحية المسجد راتبة ولا تقضى, احتج به ابن عقيل والشيخ وغيرهما, والمراد بعد انصرافه. وعند الشافعية: مطلقا, وسبق دخوله في خطبة الجمعة2, وكما لو لم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" و"س" "يوجبه".
2 "3/181".

(5/310)


يدخل الحرم. وذكر القاضي أيضا وأصحابه: يقضيه وأن أحمد أومأ إليه كنذر الإحرام, فإن أدى به نسكا من سنته سقط عنه, وإن أخره فدخلت السنة الثانية لم يجزئه ولزمه حج أو عمرة, لترك المأمور به "و هـ".
ومن أراد مكة لقتال مباح أو خوف أو حاجة تكرر, وتردد المكي إلى قريبه بالحل لم يلزمه, لدخوله عليه السلام هو وأصحابه يوم الفتح بلا إحرام1, قال ابن عقيل, وكتحية المسجد في حق قيمه لما تكرر للمشقة, وعند الحنفية المنع لمن كان خارج الميقات, والله أعلم.
ثم من لم يلزمه أو لم يرد الحرم إن بدا له أحرم حيث بدا له "و م ش" للخبر السابق2; ولأن من منزله دون الميقات لو خرج إليه ثم عاد لم يلزمه وعن أحمد: يلزمه كمن جاوزه مريدا للنسك, وعند الحنفية: يحرم حيث شاء من الحل, وكذا تجدد إسلام وعتق وبلوغ نص عليهن,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه مسلم "1358" "451" عن جابر.
2 ص "301".

(5/311)


واختاره جماعة منهم الشيخ; لأنه لا يجب الإحرام "منه" كالقسم قبله, وكالمجنون, قال القاضي: ولهذا نقول: لو أذن لهما الولي في الإحرام من الميقات فلم يحرما لزمهما دم, كذا قال, وكلام غيره خلافه. وعنه: يلزمه دم, كمن وجب عليه. وعنه: يلزم من أسلم, نصره القاضي وأصحابه; لأنه حر بالغ عاقل, كالمسلم, وهو متمكن من زوال المانع; ولهذا من لم يصل مع حدثه كتركها متطهرا. وعند الحنفية: على العبد دم, وعند الشافعية: على الكافر, وفيهما قولان, ومن جاوزه مريدا للنسك أو كان فرضه لزمه أن يرجع فيحرم منه إن لم يخف فوت الحج أو غيره, وأطلق في الرعاية وجهين, وظاهر المستوعب أنهما بعد إحرامه, وكل منهما
ـــــــ
.......................................

(5/312)


ضعيف, فإن رجع فأحرم منه فلا دم, وحكي فيه وجه.
وإن أحرم دونه لعذر أو غيره صح ولزمه دم "و". وعن عطاء والحسن والنخعي: لا يلزمه, وعن سعيد بن جبير والظاهرية: لا يصح نسكه, ولم أجد لمن احتج للصحة دليلا صحيحا, ثم لا يسقط الدم برجوعه إلى الميقات, نص عليه "و م" لظاهر ما روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا "من ترك نسكا فعليه دم" 1 ولأنه وجب لترك إحرامه من ميقاته; ولأن الأصل بقاؤه, وكما لو لم يرجع أو لم يطف أو لم يلب عند من سلم: وعن أحمد:. يسقط: وكذا عن الشافعي, وظاهر مذهبه: إن رجع قبل طواف قدوم أو عرفة سقط, وذكره بعض الحنفية عن أبي يوسف ومحمد, وقاله أبو حنيفة إن رجع إليه ملبيا, والجاهل والناسي كالعالم العامد, ولا يأثم ناس. وسبق حكم الجاهل آخر صلاة الجماعة2, وذكر الشافعية لا يأثم, ويتوجه أن لا دم على مكره, أو أنه كإتلاف.
وذكر بعض أصحابنا: يلزمه, وقال صاحب الرعاية: يحتمل أن لا يلزمه, ولو أفسد نسكه هذا لم يسقط دم المجاوزة, نص عليه, وعليه الأصحاب, كدم محظور; ولأنه الأصل, ونقل مهنا يسقط بقضائه "و هـ" لفعل المتروك وهو قضاء الإحرام من الميقات, وأجيب لم يفعله لدليل المسألة قبلها..
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الموقوف رواه مالك في الموطأ "1/319" والمرفوع عزاه ابن حجر في باب المواقيت في كتاب الحج لابن حجر التلخيص الحبير "2/229".
2 "2/449".

(5/313)


فصل: يكره الإحرام قبل الميقات
ويصح, قال أحمد: هو أعجب إلي, وقاله القاضي وأصحابه والمغني1 والمستوعب وغيرهم "و م" لأنه عليه السلام لم يحرم من دويرة أهله, وحج مرة واعتمر مرارا, وكذا عامة أصحابه, وأنكره عمر على عمران, وعثمان على عبد الله بن عامر, رواهما سعيد والأثرم2, قال البخاري, كرهه عثمان3, وكإحرامه قبل ميقاته الزماني, ولعدم أمنه من محظور, وفيه مشقة, كوصال الصوم, وكيف يتصور الأمن مع احتمال ما لا يمكن دفعه؟ وقال الشافعي: أنبأنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال: "يستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتي كذا وكذا" للمواقيت, ورواه. أبو يعلى الموصلي من حديث أبي أيوب4.
وقدم في الرعاية الجواز, والمستحب الميقات, هو ظاهر كلام جماعة. ونقل صالح. إن قوي على ذلك فلا بأس. وعند أبي حنيفة الأفضل من دويرة أهله. وقال بعض أصحابه: إن أمن محظورا, وللشافعي خلاف في الأفضل, واختلف أصحابه في الترجيح, وبعض أصحابه:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "5/65".
2 وأخرج الأول الطبراني في الكبير "18/107" والثاني البيهقي في السنن الكبرى "5/31" وأوردهما ابن عبد البر في الاستذكار "11/80".
3 أورده البخاري في صحيحه إثر حديث "1559" أن عثمان كره أن يحرم من خراسان أو كرمان.
4 مسند الشافعي "1/287" ولم نجده عند أبي يعلى في مسنده.

(5/314)


يكره, وبعضهم: يستحب إن أمن محظورا, لخبر "1أم حكيم عن1" أم سلمة مرفوعا "من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له" رواه ابن ماجه2 من رواية ابن إسحاق مدلس "الحديث" وصرح بالسماع ولأحمد3 من روايته وصرح بالسماع "من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه" فركبت أم حكيم عن ذلك الحديث حتى أهلت منه بعمرة. وفي لفظ له4 من رواية ابن لهيعة "من أحرم من بيت المقدس غفر له الله ما تقدم من ذنبه" وفي لفظ "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" 5 أو "وجبت له الجنة" شك عبد الله هو ابن عبد الرحمن أيتهما قال: إسناده جيد, ليس فيه ابن إسحاق, ولا وجه للكلام فيه من قبل ابن أبي فديك, فإنه ثقة عندهم يحتج به في الكتب الستة, وانفرد ابن سعد بقوله: ليس بحجة, فالجواب عن هذا الخبر. بتضعيفه نظر, وكذا جواب القاضي: قوله: "من أهل" معناه: من قصده من المسجد الأقصى ويكون إحرامه من الميقات. وقال الشيخ: يحتمل اختصاص هذا ببيت المقدس ليجمع بين الصلاة في المسجدين بإحرام واحد, ولذلك أحرم ابن عمر منه6 ولم
ـــــــ
"الثاني" قوله, رواه ابن ماجه من رواية ابن إسحاق مدلس, كذا في النسخ, وصوابه: وهو مدلس, أو وابن إسحاق مدلس.
ـــــــ
1 1 ليست في "ط".
2 في سننه "3001".
3 في مسنده "26558".
4 في مسنده "26557".
5 أخرجه أبو داود "1741".
6 أخرجه مالك في الموطأ "1/331" أن ابن عمر أهل من إيلياء.

(5/315)


يكن يحرم من غيره إلا من الميقات. وعند الظاهرية: لا يصح الإحرام قبل الميقات, وذكر ابن المنذر وغيره الصحة إجماعا; لأنه فعل من الصحابة والتابعين, ولم يقل أحد قبل المخالف: لا يصح.

(5/316)


فصل: يكره الإحرام بالحج قبل أشهره,
ويصح حجه "و هـ م" نقل أبو طالب وشندي: يلزمه الحج إلا أن يريد فسخه بعمرة فله ذلك. قال القاضي: بناء على أصله في فسخ الحج إلى العمرة, وعن أحمد: تنعقد عمرة, اختاره الآجري وابن حامد "و ش" وداود, ونقل عبد الله: يجعله عمرة, ذكره القاضي موافقا للأول, ولعله أراد إن صرفه إلى عمرة1 أجزأ عنها وإلا تحلل بعملها ولا يجزئ عنها. وقول: يتحلل بعملها ولا يجزئ عنها. ونقل ابن منصور: يكره, قال القاضي: أراد كراهة تنزيه, وذكر ابن شهاب العكبري رواية: لا يجوز, وجه الأول {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وكلها مواقيت. للناس, فكذا للحج,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 بعدها في "ب" "أخرى".

(5/316)


وأحد الميقاتين كميقات المكان, وقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أي معظمه فيها, كقوله: "الحج عرفة" 1, أو أراد حج المتمتع.
وإن أضمر الإحرام أضمرنا الفضيلة. والخصم يضمر الجواز, والمضمر لا يعم, وقول الخصم: الحج مجمل في القرآن بينه عليه السلام بفعله وقال: "خذوا عني مناسككم" 2 أجاب القاضي وغيره: بين عليه السلام الواجب والمستحب, ويجب علينا أخذ المسنون منه كالواجب, وقول ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في شهر الحج3, على الاستحباب, والإحرام تتراخى الأفعال عنه, فهو كالطهارة ونية الصوم, بخلاف الصلاة والصوم,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه أبو داود "1949" والترمذي "889" والنسائي في المجتبى "5/256, 264" وابن ماجه "3015" عن عبد الرحمن بن يعمر الديلمي.
2 أخرجه مسلم "1297" "310".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/343".

(5/317)


وأما أبو الخطاب فقال: الإحرام عندنا شرط; لأنه يحصل بالنية, وهي مجرد العزم أو القصد إلى فعل الحج, والعزم على الفعل غير الفعل, فلم يكن من جملة الفعل, وعند الشافعي ركن, فلم يتقدم على وقت العبادة كبقية الأركان.

(5/318)


فصل: أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر "ذي", الحجة. منه يوم النحر,
وهو يوم الحج الأكبر, نص على ذلك "أحمد", "و هـ" وعند الشافعي: آخره ليلة النحر, واختاره الآجري. وعند مالك: جميع الحجة منها. وجه الأول: روى البخاري1 عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن يوم النحر "يوم الحج الأكبر" , والبخاري عن ابن عمر "أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" 2 وللنجاد والدارقطني3 مثله عن ابن مسعود. وابن عباس وابن الزبير. ولا نسلم صحة خلافه عن غيرهم.
قال القاضي: والعشر بإطلاقه للأيام شرعا. قال تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] وقال هو والشيخ وغيرهما:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه تعليقا بعد حديث "1742".
2 رواه البخاري تعليقا قبل حديث "1560".
3 في سننه "2/226 – 227".

(5/318)


العرب تغلب التأنيث في العدد خاصة لسبق الليالي فتقول: سرنا1 عشرا: وقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] أي في أكثرهن, وإنما فات الحج بفجر يوم النحر لفوات الوقوف لا لخروج وقت الحج. وقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أي في بعضها, كقوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} [نوح: 16] ثم الجمع يقع على اثنين وعلى بعض آخر كعدة ذات القروء.
وعند مالك: شوال وذو القعدة وذو الحجة, واختاره ابن هبيرة من أصحابنا. وفائدة الخلاف تعلق الحنث به عندنا وعند الحنفية. وعند الشافعي جواز الإحرام فيها, ويتوجه مثله, على خلاف سبق2. وعند
ـــــــ
"الثالث" قوله: ثم الجمع يقع على اثنين وعلى بعض آخر. كذا في النسخ وصوابه يقع على اثنين وبعض آخر. بإسقاط "على" نبه عليه شيخنا, ففي هذا الباب مسألتان. والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ب" "سريا".
2 ص "316".

(5/319)


مالك: تعلق الدم بتأخير طواف الزيارة عنها. وقال المتولي من الشافعية: لا فائدة فيه إلا في كراهة العمرة عند مالك فيها. وحجة أبي بكر لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ذي الحجة, عند أحمد, واحتج بقول أبي هريرة: بعثني أبو بكر أنادي يوم الحج الأكبر1, قال أحمد: فهل هذا إلا في ذي الحجة, رواه البيهقي في مناقب أحمد.
والأشهر في ذي القعدة, وذكره شيخنا اتفاقا, فعلى هذا قال في الخلاف: من حج على ما كانوا عليه لم يسقط فرضه, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحج على وجه يقع به الإجزاء يقتدى به في المستقبل, وذكر القاضي أنه احتج من قال ليس على الفور بقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "من أحب أن يرجع بعمرة فليفعل" 2 فأجاب: يحتمل. أنه قاله لمن حج في سنة تسع مع أبي بكر, كذا قال, وهذا اللفظ لا نسلم صحته, والمعروف "من أحب أن يحرم في عمرة فليفعل" 3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه البيهقي في السنن الكبرى "9/186 – 207".
2 رواه الحاكم "1/484" وصححه وأقر الذهبي.
3 لم نقف عليه.

(5/320)


فصل: العمرة في رمضان أفضل,
في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس "عمرة في رمضان تقضي حجة" أو قال: "حجة معي" ورووا أيضا "تعدل" 4, ولأبي داود5 "تعدل حجة معي عمرة في رمضان" ,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 لم نقف عليه.
4 أحمد "2925" والبخاري "1863" ومسلم "1226" "221".
5 في سننه "1819".

(5/320)


قال بعضهم: في الثواب.
وقالت أم معقل لزوجها: قد علمت أن علي حجة, إلى أن قالت: يا رسول الله إني امرأة قد سقمت وكبرت, فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟ فقال: "عمرة في رمضان تجزئ حجة" رواه أحمد وأبو داود1.
وفي غير أشهر الحج أفضل عندنا, ذكره في الخلاف, قال: لأنه يكثر القصد إلى البيت في كل السنة ويتسع الخير على أهل الحرم, وحكي عن أحمد, نقل ابن إبراهيم "هي" في رمضان أفضل, وفي غير أشهر. الحج أفضل, وكذا نقله الأثرم, قال: لأنها أتم; لأنه ينشئ لها سفرا, وروي هذا المعنى عن عمر2 وعثمان3 وعلي, قال في الخلاف وابن عقيل في مفرداته: إنما قال أحمد ذلك في عمرة لا تمتع بها, بدليل ما قدمنا عنه من القول, وظاهر كلام جماعة التسوية.
وقال القاضي: وقيل: يحمل قوله: إذا ضاق الوقت عن العمرة في أشهر الحج يكون فعلها في غيرها أفضل; لأن التشاغل بالحج أفضل من العمرة, ولأبي داود4 بإسناد جيد عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "27107" وأبو داود "1988".
2 أخرجه مالك في الموطأ أم عمر بن الخطاب قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج.
3 أخرجه مالك في الموطأ "1/347" أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع.
4 في سننه "1991ط.

(5/321)


عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال.
وللشافعي1 بإسناد جيد عن علي: في كل شهر عمرة, وسبق في الفصل قبله كلام المتولي عن مالك2.
ولا يكره الإحرام بها يوم عرفة والنحر والتشريق, نقل أبو الحارث: يعتمر متى شاء "و م ش" وداود, كالإحرام بالحج, وكالطواف المجرد, وكبقية الأيام والأصل عدم الكراهة ولا دليل, وذكر بعضهم رواية: يكره "و هـ" رواه النجاد عن عائشة, وللأثرم عنها: يوم النحر ويومين من التشريق3, فقد اختلف وهو متروك الظاهر; لأن الكلام في إحرامها وليس منها وذكر بعضهم رواية: يكره أيام التشريق, ونقل ابن إبراهيم فيمن واقع قبل الزيارة: يعتمر إذا انقضت أيام التشريق.
قال القاضي: ظاهره لم ير العمرة فيها, والمذهب الأول, لقوله في رواية الأثرم: العمرة بعد الحج لا بأس بها, كذا قال, وإنما أراد أحمد لا يحرم بها مع المبيت والرمي, كما قال الشافعي وغيره. وقال مالك: لا يجوز لأهل منى في الخمسة الأيام المذكورة, ويجوز لغيرهم, والاختيار تركه..
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "1/379".
2 ص "320".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "86".

(5/322)


باب الإحرام
مدخل
...
باب الإحرام
وهو نية النسك, لا ينعقد إلا بنية, وللشافعي قول ضعيف: ينعقد بالتلبية.
ونية النسك كافية, نص عليه "و م ش" وفي الانتصار رواية: مع تلبية أو سوق هدي "و هـ" اختارها شيخنا, وقاله جماعة من المالكية, وحكى قولا للشافعي, وبعضهم حكى قولا: يجب, وحكي عن مالك وجماعة من الشافعية, وابن حبيب1 المالكي اعتبر مع النية التلبية. وجه الأول عبادة بدنية ليس في آخرها نطق واجب, فكذا أولها, كصوم, بخلاف الصلاة وبخلاف هدي وأضحية فإنه إيجاب مال, كالنذر.
ورفع الصوت بها لا يجب فلا يجب تابعه, ثم للندب, لما سبق,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي العباسي القرطبي المالكي "ت 23هـ" سير أعلام النبلاء "12/102".

(5/323)


ويتوجه احتمال: تجب التلبية, والاعتبار بما نواه لا بما سبق لسانه إليه "و" قال ابن المنذر: أجمع عليه كل من يحفظ عنه من أهل العلم. وقال مالك: الاعتبار بالعقد دون النية.
ويستحب لمن أراده التنظف له بأخذ شعر وظفر ونحوهما وقطع رائحة, قال إبراهيم: كانوا يستحبون ذلك. ثم يلبسون أحسن ثيابهم رواه سعيد. وسبق أنه يغتسل له1.
وهل يتيمم لعدم أم لا؟ ولا يضر حدثه بعد غسله قبل إحرامه. وفي جوامع الفقه للحنفية: لم ينل فضله, كالجمعة, كذا في كلامهم.
ويستحب له التطيب, سواء بقي عينه. كالمسك, أو أثره كالبخور "و هـ ش" ولفظ أحمد, لا بأس أن يتطيب قبل أن يحرم, لقول عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم, ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك2. ولمسلم3: كأني أنظر إلى وبيص
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "1/264".
2 البخاري "267" ومسلم "1191" واللفظ له.
3 في صحيحه "1190" "39". والوبيض: البرق.

(5/324)


الطيب في مفرقه وهو محرم وهذا في حجة الوداع, وكرهه مالك وجماعة. وروي عن عمر وابنه وعثمان1, وذكر القاضي وأصحابه عن مالك: لا يجوز. وإن استدامه فلا كفارة, لخبر يعلى بن أمية أن رجلا أحرم في جبة, متضمخ بالخلوق. وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أما الطيب فاغسله ثلاث مرات. وأما الجبة فانزعها" متفق عليه2, وهذا عام حنين سنة ثمان بلا خلاف, قاله ابن عبد البر, مع أن التزعفر منهي عنه للرجل مطلقا. ولا يلزم من منع ابتدائه منع استدامته, كالنكاح. والرجل والمرأة سواء. عن عائشة: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك3 المطيب عند الإحرام, فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها, فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا. رواه أبو داود4.
والمذهب: يكره تطييب ثوبه. وحرمه الآجري. وقيل: هو كبدنه, وهو أصح قولي الشافعي. وإن نقله من بدنه من مكان إلى آخر أو نقله عنه ثم رده أو مسه بيده أو نزعه ثم لبسه فدى, بخلاف سيلان بعرق وشمس.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أثر عمر أخرجه مالك في الموطأ "1/329" وأثر ابن عمر أخرجه أحمد "25421" وأما أثر عثمان فأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "197 – 198" وفيه أن إبراهيم رأى رجلا قد تطيب....... والصواب أن عثمان رأى رجلا قد تطيب..... انظر التمهيد "19/308".
2 البخاري "1536" مسلم "1180" "8".
3 في النسخ و"ط" "المسك" والمثبت من مصدر التخريج وحاشية ابن قندس.
4 في سننه "1830".

(5/325)


ويستحب لبسه1 إزارا ورداء أبيضين2 نظيفين, ونعلين, بعد تجرد الرجل عن المخيط, لفعله عليه السلام3, وعن ابن عمر مرفوعا "ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين" رواه أحمد4, قال ابن المنذر: ثبت ذلك. وفي تبصرة الحلواني: إخراج كتفه الأيمن من الرداء أولى, ويجوز إحرامه في ثوب واحد. وفي التبصرة: بعضه على عاتقه.

(5/326)


فصل: ثم يحرم عقيب مكتوبة أو نفل,
نص عليه "و هـ" قال ابن بطال5: هو قول جمهور العلماء. وقال البغوي: عليه العمل عند أكثر العلماء, وعنه: عقيبها, وإذا ركب وإذا سار سواء, واختار شيخنا عقب فرض إن كان وقته, وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه, وعند مالك: إذا ركب; لأنه أصح من غيره; لأنه في الصحيحين6 من حديث ابن عمر. وللبخاري7 من حديث جابر وقال: رواه أنس وابن عباس. وفي الموطإ8 عن عروة مرسلا: كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين, فإذا استوت به راحلته أهل, وذكره في شرح مسلم في الصحيح أظنه من حديث ابن عمر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "لبسها".
2 في "ب" "أبيض".
3 روى الترمذي "830" عن زيد بن ثابت قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بجرد لإهلاله واغتسل.
4 في مسنده "4899".
5 هو أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي ويعرف بابن اللحام "ت 449 هـ" سير أعلام النبلاء "8/4 7".
6 البخاري "1552" ومسلم "1187" "25".
7 في صحيحه "1515".
8 "1/332".

(5/326)


وإن استحباب الركعتين قول عامة العلماء, ولا يركعهما وقت نهي. ويتوجه فيه خلاف صلاة الاستسقاء ولا من عدم الماء والتراب, وأحد قولي الشافعي كقولنا, وأظهرهما إذا سار, روى أحمد وأبو داود والنسائي1 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل.
وجه الأول عن ابن إسحاق: حدثني خصيف الجزري عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس: عجبا "2لاختلاف أصحاب2" رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله, فقال: إني لأعلم الناس بذلك, خرج حاجا, فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أهل بالحج حين فرغ منهما, فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه, فلما استقلت به ناقته أهل, فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه, وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا, فقالوا: إنما أهل حين استقلت به ناقته, فلما علا على شرف البيداء أهل, فأدرك ذلك منه3 أقوام4 فقالوا إنما أهل حين علا على شرف البيداء. رواه أحمد وأبو داود5. وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في دبر الصلاة. رواه جماعة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "13153" وأبو داود "1774" والنسائي في المجتبى "5/127".
2 2 في النسخ الخطية "لأصحاب" والمثبت من "ط".
3 ليست في النسخ والمثبت من "ط".
4 في "ب" "قوم".
5 أحمد "2358" وأبو داود "1770".

(5/327)


منهم النسائي والترمذي1 من رواية خصيف من غير رواية ابن إسحاق وقال: هو الذي يستحبه أهل العلم أن يحرم دبر الصلاة, وأكثرهم يوثق ابن إسحاق ويخشى منه التدليس. وقد زال. وخصيف وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن سعد. وقال النسائي: صالح. وقال ابن عدي: إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به. وقال يحيى القطان: كنا نجتنبه. وضعفه أحمد, وفيه زيادة وجمع بين الأخبار وأحوط وأسرع إلى العبادة فهو أولى, ويتوجه احتمال إن كان للميقات مسجد استحب صلاة. الركعتين فيه, وقاله الشافعية وأنه يستحب أن يستقبل القبلة عند إحرامه, صح عن ابن عمر2. وقاله الحنفية والشافعية أيضا.
ويستحب تعيين النسك لفعله عليه السلام وفعل من معه في حجة الوداع3, وللشافعي قول: إطلاق الإحرام أفضل.
ويستحب "و هـ ش"4 قوله: اللهم إني أريد نسك كذا فيسره لي وتقبله "مني". ولم يذكروا هذا في الصلاة لقصر مدتها وتيسرها5 عادة وذكره بعض الحنفية فيها, وكلامه في الرعاية هنا فيه نظر.
ويستحب أن يشترط: ومحلي حيث حبستني أو معناه, نحو أريد كذا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 النسائي في المجتبى "5/162" والترمذي "819".
2 أخرجه البخاري "1553".
3 أخرجه البخاري "1557".
4 من أول باب الإحرام إلى هنا سقط من الأصل.
5 في الأصل و"س" "تيسيرها".

(5/328)


إن تيسر وإلا فلا حرج علي, أو قول عائشة لعروة: قل: اللهم إني أريد الحج فإن تيسر وإلا فعمرة "و ش" لقول ضباعة1: يا رسول الله, إني أريد الحج وأجدني وجعة, فقال: "حجي واشترطي, وقولي: اللهم محلي حيث حبستني" متفق عليه2, زاد النسائي3 في رواية إسنادها جيد "فإن لك على ربك ما استثنيت" , ولأحمد4 بإسناد جيد "فإن حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك" , فمتى حبس بمرض وخطإ طريق وغيره حل ولا شيء عليه, نص عليه.
قال في المستوعب وغيره: إلا أن يكون معه هدي فيلزمه نحره, ولو قال: فلي أن أحل خير, ولو شرط أن يحل متى شاء أو إن أفسده لم يقضه لم يصح, ذكره القاضي وغيره; لأنه لا عذر له في ذلك. وقيل: يصح اشتراطه بقلبه5, لأنه تابع للإحرام, وينعقد بالنية, فكذا هو, واستحب شيخنا الاشتراط للخائف6 خاصة, جمعا بين الأدلة. ونقل أبو داود: إن اشترط فلا بأس.
وعند أبي حنيفة ومالك: لا فائدة في الاشتراط, لأن ابن عمر كان ينكر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرات لها أحاديث يسيرة "ت بعد 40 هـ" سير أعلام النبلاء "2/274".
2 البخاري "5089" ومسلم "1207" "104".
3 في المجتبى "5/168".
4 في مسنده "6/419".
5 في الأصل "لقلبه".
6 في "ب" "للحالف".

(5/329)


الاشتراط في الحج ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه لم يشترط؟ رواه النسائي, وصححه الترمذي1.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 النسائي في السنن الكبرى "3750" والترمذي "942".

(5/330)


فصل: يخير بين التمتع والإفراد والقران ذكره جماعة إجماعا,
...
فصل: يخير بين التمتع والإفراد والقران "و" ذكره جماعة إجماعا,
قالت عائشة: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل, ومن أراد أن يهل بحج فليهلل, ومن أراد أن يهل بعمرة فليهلل" قالت: وأهل بالحج وأهل به ناس معه, وأهل معه ناس بالعمرة والحج, وأهل ناس بعمرة, وكنت فيمن أهل بعمرة متفق عليه2. وفي مسلم3 عنها لا نرى إلا الحج. وفيه أيضا4 خرجنا مهلين بالحج, وذكر بعضهم أنه الأكثر عنها. وفي الصحيحين5: "من أراد أن يهل بعمرة فليهلل, فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة" وفي الصحيحين6 عن جابر أنه أخبر عنها بعمرة, وعند طائفة من السلف والخلف: لا يجوز إلا التمتع, وقاله ابن عباس7 ومن وافقه من أهل الحديث, وطائفة من بني أمية ومن تبعهم نهوا عن التمتع وعاقبوا من تمتع. وكره التمتع عمر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 البخاري "1562" مسلم "1211" "114".
3 برقم "1211" "116".
4 برقم "1211" "123".
5 البخاري "1568" ومسلم "1211" "115".
6 البخاري "15698" ومسلم "1211" "136".
7 أخرجه الشافعي في مسنده "1/375".

(5/330)


وعثمان. ومعاوية وابن الزبير1 وغيرهم. وبعضهم: والقران, روى الشافعي2 عن ابن مسعود أنه كان يكرهه, وذكر ابن حزم أنهم اختلفوا فيهما, فمن موجب لذلك, ومن مانع, ومن كاره, ومن مستحب ومن مبيح.
وأفضل الأنساك التمتع ثم الإفراد ثم القران, قال في رواية صالح "وعبد الله" الذي يختار المتعة; لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم, وهو يعمل لكل واحد منهما على حدة. وقال أبو داود: سمعته يقول: نرى التمتع أفضل, وسمعته قال لرجل يريد أن يحج عن أمه: تمتع أحب إلي.
وقال إسحاق بن إبراهيم: كان اختيار أبي عبد الله الدخول بعمرة; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم" 3, وسمعته يقول: العمرة كانت آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم; لأن في الصحيحين وغيرهما4 من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هديا, وثبت على إحرامه لسوقه الهدي وتأسف, كما سبق, ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل, ولا يتأسف إلا عليه, فإن قيل: لم يأمرهم بالفسخ لفضل التمتع, بل لاعتقادهم عدم جواز العمرة في أشهر الحج, رد: لم يعتقدوه. ثم لو كان
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أما حديث عمر فأخرجه البخاري "1724" ومسلم "1221" "154" وأما حديث عثمان فأخرجه مسلم "1223" وأما حديث معاوية فأخرجه مسلم "1225" "164" وأما حديث ابن الزبير فأخرجه أحمد في مسنده "26962".
2 في مسنده "1/371".
3 أخرجه البخاري "2505" ومسلم "1216" "141".
4 البخاري "2505: ومسلم "1216" "144" وأبو داود "1783".

(5/331)


لم يخص به من لم يسق الهدي؟ لأنهم سواء في الاعتقاد, ثم لو كان, لم يتأسف لاعتقاده جوازها فيها وجعل العلة فيه سوق الهدي؟ ولأن التمتع في الكتاب دون غيره.
قال عمران: نزلت آية التمتع في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج, لم ينه عنها حتى مات صلى الله عليه وسلم, رواه مسلم وغيره1, وللبخاري2 معناه, ولإتيانه بأفعالهما3 كاملة على وجه اليسر, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما4, وقوله: "إن هذا الدين يسر" 5 وقوله: "بعثت بالحنيفية السمحة" 6.
وتجزئ عمرة التمتع, بلا خلاف, وفي عمرة الإفراد من أدنى الحل وعمرة القران الخلاف; ولأن عمل المفرد أكثر من القارن, فكان أولى; ولأن في التمتع زيادة على الإفراد وليس فيه ما يوازيه7 وهو الدم, وهو دم نسك لا جبران, وإلا لما أبيح له التمتع بلا عذر, لعدم جواز إحرام ناقص يحتاج أن يجبره8 بدم قال في رواية أبي طالب: إذا دخل بعمرة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 مسلم "1226" "165" وابن ماجه "2978".
2 في صحيحه "1571".
3 في الأصل و"ط" "بأفعالها".
4 أخرجه البخاري "3560" ومسلم "23327" عن عائشة.
5 أخرحه البخاري "39" عن أبي هريرة.
6 أخرجه أحمد "22291" وعلقه البخاري إثر حديث "39".
7 في "س" يوازيه.
8 في "ب" "يخيره".

(5/332)


يكون قد جمع الله له حجة وعمرة ودما.
فإن قيل: لو كان دم نسك لم يدخله الصوم كالهدي والأضحية, ولا يستوي فيه جميع المناسك, قيل: دخول الصوم لا يخرجه عن كونه نسكا; ولأن الصوم بدل والقرب يدخلها الإبدال, واختصاصه لا يمنع كونه نسكا, كالقران نسك ويقتصر على طواف وسعي; ولأن سبب التمتع من جهته, كمن نذر حجة يهدي فيها هديا, ثم إنما اختص لوجود1 سببه, وهو الترفه بأحد السفرين, فإن قيل: نسك لا دم فيه أفضل كإفراد لا دم فيه, رد: تمتع المكي وتمتع غيره الذي فيه الدم سواء عندك.
وإنما كان إفراد لا دم فيه أفضل; لأن ما يجب فيه الدم دم2 جناية; ولهذا إفراد فيه دم2 تطوع. أفضل, فإن قيل: في القران مسارعة إلى فعل العبادتين, وهو أولى للآية وكالصلاة أول وقتها, قيل: العبرة بمسارعة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "بوجود".
2 ليست في الأصل.

(5/333)


شرعية; ولهذا تختلف الصلاة أول وقتها وآخره, وتؤخر لطلب الماء أو الجماعة.
ونقل المروذي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل ثم التمتع; لأن في الصحيحين1 عن عائشة مرفوعا "من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا" اختاره شيخنا, قال: وإن اعتمر وحج في سفرتين أو اعتمر قبل أشهر الحج فالإفراد2 أفضل, باتفاق الأئمة الأربعة, ونص عليه أحمد في الصورة الأولى, وذكر في الخلاف وغيره, وهي أفضل من الثانية, نص عليه, وسبقت الثانية آخر الباب قبله3.
وقال شيخنا: ومن أفرد العمرة بسفرة ثم قدم في أشهر الحج فإنه متمتع لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم اعتمروا عمرة القضية ثم تمتعوا.
وعند 4أبي حنيفة4 القران أفضل, وعند مالك الإفراد, وهو ظاهر مذهب الشافعي أن الإفراد أفضل ثم التمتع ثم القران, وله قول:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1561" ومسلم "1211" "111".
2 في "ب" "والإفراد".
3 ص "321".
4 4 في "ب" و"س" "الحنفية".

(5/334)


التمتع, وقول: القران, ومذهبه: شرط أفضلية الإفراد أن يعتمر تلك السنة, فلو أخر العمرة عن سنته فالتمتع والقران أفضل منه, لكراهة تأخير العمرة عن سنة الحج, أما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف فيها بحسب المذاهب, حتى اختلف كلام القاضي وغيره: هل حل. من عمرته؟ وفيه1 وجهان, والأظهر قول أحمد: لا شك أنه كان قارنا والمتعة أحب إلي. قال شيخنا: وعليه متقدمو أصحابه2 وهو باتفاق علماء الحديث, كذا قال. وجه أنه كان متمتعا قال سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج, وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة. وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج, وتمتع الناس معه بالعمرة إلى الحج, فكان من الناس من أهدى ومنهم من لم يهد, فلما قدم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه, ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل تم ليهل بالحج وليهد, فمن لم يجد فصيام ثلاثه أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وعن عروة عن عائشة مثله وأمر ابن عباس بالمتعة3 وقال: سنة أبي القاسم. متفق عليهن4. وقال ناس لابن عمر:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "وفيها".
2 في "ب" "أصحابنا".
3 في "س" "بالعمرة".
4 الحديث الأول عن ابن عمر أخرجه البخاري "1691" ومسلم "1227" "174" والحديث الثاني عن عائشة أخرجه البخاري "1692" ومسلم "1228" "175" والحديث عن ابن عباس أخرجه البخاري "1688" ومسلم "1242" "204".

(5/335)


كيف تخالف أباك وقد نهى عنها؟ فقال: ويلكم ألا تتقون الله, إن كان عمر نهى عنها يبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم; فرسول الله, أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟ لم يقل لكم: إن العمرة في أشهر الحج حرام, ولكنه قال: إن أتم للعمرة أن تفردوها من أشهر الحج. رواه أحمد. وللترمذي والنسائي هذا المعنى1. ولمسلم وغيره2 عن ابن عباس قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة3, وأهل أصحابه بالحج, فلم يحل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم. ولأحمد والترمذي4 وحسنه عنه: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك, وأول من نهى عنها معاوية. فيه ليث بن أبي سليم ضعفه الأكثر5.
فإن قيل: قال أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا متفق عليه6, وفيهما أن ابن عمر أنكره, وأن أنسا قال: ما تعدونا إلا صبيانا7. ولمسلم8: أهل بهما جميعا "لبيك عمرة وحجا" وعن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصيقل عن أنس
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "5700" والترمذي "824" والنسائي في المجتبى "5/152".
2 مسلم "1239" "196" وأبو داود "1804".
3 في الأصل و"س" "بعمرة".
4 أحمد "2664" والترمذي "822".
5 في "ب" "الأثرم".
6 البخاري "4353" مسلم "1232" "185".
7 مسلم "1232" 186".
8 في صحيحه "1232" "185".

(5/336)


مرفوعا "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة, ولكن سقت الهدي وقرنت بين الحج والعمرة" 1 أبو أسماء تفرد عنه أبو إسحاق. وقال عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال: "صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة" وفي رواية "قل عمرة وحجة" رواهما البخاري وغيره2. وأهل الصبي بن معبد بهما جميعا, وقال له عمر: هديت لسنة نبيك. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه3, قيل: يحتمل أن أنسا سمعه يلقن قارنا تلبيته فظنه يلبي بهما عن نفسه; أو سمعه في وقتين, أو في وقت واحد لما أدخل الحج على العمرة, أو قرن بهما أي فعل الحجة بعدها, ويسمى قرانا لغة. وخبر عمر يحتمل أنه أراد عمرة داخلة في حجة كقوله: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" 4 وخبر الصبي5 فيه أن القران سنة, وإنما الخلاف في الأفضل, فإن قيل عن عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج, رواه مسلم6, وللشافعي والنسائي7: أهل بالحج, ولمسلم والترمذي8 عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا. وفي
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه أحمد "12502".
2 البخاري "1534" وأبو داود "1800".
3 تقدم تخريجه عند أحمد وأبي داود والنسائي ص "213" وابن ماجه "2970".
4 أخرجه مسلم "1218" "147".
5 في "ط" "الضبي".
6 في صحيحه "1211" "122".
7 الشافعي في مسنده "1/376" والنسائي في المجتبى "5/145".
8 مسلم "1231" "184" والترمذي "820".

(5/337)


الصحيحين1 عن جابر قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج, وهو فيهما2 عن ابن عباس. وسبق خبر عائشة "لولا أني أهديت لأهللت بعمرة" 3 قيل: أفرد عمل الحج عن عمل العمرة, أو4 أهل بالحج فيما بعد. وأكثر الروايات عن جابر إنما ذكر الصحابة فقط, وسبق خبر ابن عباس أيضا, وأجاب أحمد في رواية أبي طالب فقال: كان هذا في أول الأمر بالمدينة, ومعناه أنه في ابتداء إحرامه بالمدينة أحرم بالحج, فلما وصل إلى مكة فسخ. على أصحابه وتأسف على التمتع لأجل سوق الهدي, فكان المتأخر أولى ثم أخبار التمتع أكثر وأصح وأصرح, فكانت أولى. على أن قوله عليه السلام السابق أولى من فعله, لاحتماله5 اختصاصه به.
ومن العجب قول القاضي عياض واختاره النووي قد أكثر الناس الكلام على هذه الأخبار, وأوسعهم نفسا الطحطاوي, تكلم فيه في زيادة على ألف ورقة, وتكلم معه الطبري. قال القاضي عياض: وأولى ما يقال على ما فحصناه من كلامهم أنه أحرم مفردا بالحج ثم أدخل عليه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1568" ومسلم "1216" "141".
2 البخاري "564" ومسلم "1240" "198".
3 سبق تخريجه ص "331".
4 في الأصل "و".
5 في الأصل "س" "لاختمال".

(5/338)


العمرة مواساة لأصحابه وتأنيسا لهم في فعلها في أشهر الحج, لكونها كانت منكرة عندهم فيها, ولم يمكنه التحلل بسبب الهدي. واعتذر إليهم, فصار قارنا آخر أمره.
وأما كراهة عمر ففي مسلم1 أنه قال لأبي موسى: لقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه, ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون إلى2 الحج تقطر رءوسهم. وفي الصحيحين3 أن أبا موسى كان يفتي بذلك في إمارته وإمارة عمر, وذكر الخبر, إلى أن قال لعمر: ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال: إن تأخذ بكتاب الله فإن الله قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وإن تأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي. فهذا رأي منه كما قال عثمان لما قال له علي وكان يأمر بالمتعة: أنت تنهى عن المتعة؟4 فقال: هذا رأي5. وقد روي عن عمر من طرق اختيار التمتع, رواه أبو عبيد والأثرم والنجاد وغيرهم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 برقم "1222" "157".
2 في "ب" و"س" "في".
3 البخاري "1559" ومسلم "1221" "155".
4 في "س" "العمرة".
5 أخرجه البخاري "1563" "ومسلم "1223" "158".

(5/339)


وأما معاوية فأنكر عليه سعد1 وعجب منه ابن عباس2. والنبي صلى الله عليه وسلم حجة على الجميع, ولهذا روى أحمد وغيره3 عن ابن عباس: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم, فقال عروة: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقيل ذلك لابن عباس فقال: أراهم سيهلكون, أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقول: نهى أبو بكر وعمر.
فإن قيل: قال أبو ذر. كانت متعة الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة, رواه مسلم4, وعن الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه قلت يا رسول الله, فسن الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: "بل لنا خاصة" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه, وأبو داود5 ولفظه "لكم خاصة" . وعن أبي عيسى الخراساني عن ابن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج6 قيل: قال أحمد في رواية أبي داود: ليس يصح حديث في أن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1225" "164" عن غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن المتعة؟ فقال: فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرس يعني بيوت مكة.
2 أخرجه أحمد "2664" عن ابن عباس قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات وكان أول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجب منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص.
3 أحمد "3121" والترمذي "822".
4 في صحيحه "1228" "160".
5 أحمد "15853" والتسائي في المجتبى "5/179" وابن ماجه "2984" وأبو داود "1808".
6 أخرجه أبو داود "1793".

(5/340)


الفسخ كان لهم خاصة. وقال في رواية الأثرم عن قول أبي ذر: من يقول هذا والمتعة في كتاب الله وأجمع الناس عليها؟
وقال أحمد: لا يثبت حديث بلال ولا يعرف الحارث, ولم يروه إلا الدراوردي. وقال الدارقطني: تفرد به ربيعة, وتفرد به الدراوردي عنه, ولم أجد من وثق أبا عيسى سوى ابن حبان, ولا يخفى تساهله. ولو صح هذا عند عمر احتج به في موضع وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.
ويدل على ضعف1 ذلك قول جابر, أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحل, فقال سراقة: يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: "بل هي للأبد" متفق عليه2 زاد مسلم3: "دخلت العمرة في الحج" مرتين "لا بل لأبد أبد" .
وفي مسلم4 عن ابن عباس مرفوعا "هذه عمرة استمتعنا بها, فمن لم يكن معه الهدي فليحلل الحل كله, فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة" وصح هذا المعنى عن علي وسعد بن أبي وقاص وأسماء وعمران وابن عمر وابن عباس وغيرهم5 "وهم" أكثر وأعلم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "ضعفه".
2 البخاري "1785" ومسلم "1216" 141".
3 في صحيحه "1218" "147".
4 في صحيحه "1241" "203".
5 حديث علي أخرجه مالك في الموطأ "1/336" وأما حديث سعد فأخرجه مسلم "1225" "164" وأما حديث أسماء فأخرجه مسلم أيضا "1238" "194" وأما حديث عمران فأخرجه البخاري "1571" ومسلم "1226" "169" وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري "1640" ومسلم "1230" "180" وأما حديث ابن غباس فأخرجه مسلم "1239" "196" وفيه عن جابر أخرجه مسلم "1216" "146".

(5/341)


وأصح ومعهم الكتاب والسنة, فالعمل بذلك أحق وأولى, والله أعلم.

(5/342)


فصل: التمتع أن يحرم بالعمرة,
أطلقه جماعة, وجزم آخرون من الميقات أي ميقات بلده, أطلقه جماعة منهم الكافي1, ومرادهم ما جزم به آخرون في أشهر الحج, وهو نص أحمد; لأن العمرة عنده في الشهر الذي يهل "2يها" فيه2", وروي معناه بإسناد جيد عن جابر, لا الشهر الذي يحل منها فيه,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/331".
2 2 في "ب" "هل به فيها".

(5/342)


قال الأصحاب: ويفرغ منها, قال في المستوعب: ويتحلل, قالوا: ثم يحرم بالحج من عامه, زاد جماعة: من مكة, زاد بعضهم: أو قربها, ونقله حرب وأبو داود.
والإفراد أن يحج ثم يعتمر, ذكره جماعة والشافعية, قال جماعة: يحرم به من الميقات, ثم يحرم بها من أدنى الحل, زاد بعضهم: وعنه: بل من الميقات. وفي المحرر أن لا يأتي في أشهر الحج بغيره, قال القاضي وغيره: ولو تحلل منه في يوم النحر ثم أحرم فيه بعمرة فليس بمتمتع, في ظاهر ما نقله ابن هانئ: ليس على معتمر بعد الحج هدي; لأنه في حكم ما ليس من أشهره, بدليل فوت الحج فيه, وكذا في مفردات ابن عقيل, فدل أنه لو أحرم بعد تحلله1 من الأول صح.
وفي الفصول: الإفراد أن يحرم بالحج في أشهره, فإذا تحلل منه أحرم بالعمرة من أدنى الحل.
والقران أن يحرم بهما معا, قال جماعة: من الميقات, أو بالعمرة
ـــــــ
تنبيهات:
"الأول" قوله: فدل أنه لو أحرم بعد تحلله من2 الأول صح, انتهى, لعله "بعد تحلله الأول" بإسقاط "من" أو يقال: وتقديره بعد تحلله من النسك الأول
ـــــــ
1 في الأصل "تحليه".
2 ليست في "ح".

(5/343)


منه ثم بالحج, قال جماعة: من مكة أو "من" قربها. وإن شرع في طوافها لم يصح "و ش" كما لو سعى, إلا لمن معه هدي فيصح ويصير قارنا, بناء على المذهب أنه لا يجوز له التحلل, ولا يعتبر لصحة إدخاله الإحرام به في أشهره, على المذهب, واعتبره الشافعية على أصلهم, ولهم وجهان لو أدخله فيها وكان أحرم بها قبلها, لتردد النظر هل هو أحرم به قبل أشهره؟
ومن أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح ولم يصر قارنا, بناء. على أنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء "و م ش" وفيه خلاف لنا, والصحة1 قول الحنفية مع أنه أخطأ السنة وأساء عندهم, قالوا: فإن كان طاف للحج طواف القدوم فعليه دم, لجمعه بينهما; لأنه بان أفعال العمرة على أفعال الحج من وجه. ويستحب أن يرفضها لتأكد الحج بفعل بعضه, وعليه لرفضها دم ويقضيها.
ومذهبنا أن عمل القارن2 كالمفرد في الإجزاء, نقله الجماعة3, ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج, كما يتأخر4 الحلاق إلى يوم النحر, فوطؤه قبل طوافه لا يفسد عمرته, قالت عائشة: وأما الذين جمعوا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "ولصحيح".
2 في "س" "القادر".
3 من هنا بدأ السقط من "ب".
4 في الأصل "لو أخر".

(5/344)


الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا, متفق عليه1, وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "يسعك طوافك لحجك وعمرتك فأبت, فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج" . وفي لفظ "يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك" رواهما مسلم2. وفي الصحيحين3 من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعا قالت: أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت, قال فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم" زاد مسلم4: "وكان رجلا سهلا, إذا هويت الشيء تابعها عليه" .
وعن ابن عمر مرفوعا "من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد" إسناده جيد, رواه أحمد "وأبو داود" وابن ماجه5. وفي لفظ " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1638" ومسلم "1211" "111".
2 في صحيحه "1211" 123" "133".
3 البخاري "1785" ومسلم "1213" "136".
4 في صحيحه "1213" 137".
5 أحمد "5350" وابن ماجه "2975".

(5/345)


جميعا" إسناده جيد, رواه النسائي, والترمذي1 وقال: حسن غريب. وقال: رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع غير واحد ولم يرفعوه, وهو أصح, كذا قال, ورفعه جماعة عن نافع من رواية النسائي وغيره. وكعمرة المتمتع, وكما يجزئه الحج.
وعن أحمد: على القارن طوافان وسعيان "و هـ" رواه سعيد والأثرم عن علي, وفي صحته نظر, مع أنه لا يرى إدخال العمرة على الحج, فعلى هذه الرواية يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج "و هـ" كمتمتع ساق هديا, فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها2 فقيل: تنتقض عمرته ويصير مفردا بالحج يتمه ثم يعتمر3 "و هـ", وقيل: لا تنتقض, فإذا رمى الجمرة طاف لها ثم سعى ثم طاف له ثم سعى "م 1" ويأتي فيمن حاضت فخشيت4 فوات الحج بعد "فصل" فسخ القارن والمفرد5.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وعن أحمد: على القارن طوافان وسعيان فعلى هذه الرواية يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج, كمتمتع ساق هديا, فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها ثم سعى ثم طاف له ثم سعى, انتهى. "القول الأول" قدمه في الرعاية الكبرى.
"والقول الثاني" لم أر من اختاره "قلت": وهو الصواب, وظاهر كلام أكثر الأصحاب.
ـــــــ
1 النسائي في المجتبى "5/158" والترمذي "948".
2 في "س" "لها".
3 ليست في "س".
4 في الأصل "وخشيت".
5 ص "376".

(5/346)


وعن أحمد: على القارن عمرة مفردة, اختارها أبو بكر وأبو حفص, لعدم طوافها, ولاعتمار عائشة, وسبق رواية ضعيفة: لا تجزئ العمرة من أدنى الحل, والحج يجزئ للمتمتع من مكة, فالعمرة للمفرد من أدنى الحل أولى.

(5/347)


فصل: يلزم المتمتع دم, بالإجماع,
وهو دم نسك لا جبران, وسبق في أفضلية التمتع1, وإنما يجب بشروط:
"أحدها" أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج, قال أحمد: عمرته في الشهر الذي أهل واحتج بقول جابر السابق2; ولأن الإحرام نسك يعتبر للعمرة أو من أعمالها, فاعتبر في أشهر الحج, كالطواف.
فإن قيل: ليس منها, وإنما يتوصل به إليها ثم استدامته كابتدائه كحرية العبد بعرفة. قيل: من أعمالها أنه يعتبر له ما يعتبر لها, وينافيه ما ينافيها, وليس. استدامته كابتدائه, كما لو أحرم بالصلاة قبل وقتها واستدامه. وإنما أجزأه إذا أعتق; لأن عرفة معظم الحج لا لأن ابتداءه كاستدامته, وعند مالك: عمرته في الشهر الذي يحل فيه, وعند أبي حنيفة: إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهره فليس بمتمتع, وإلا فمتمتع, لأمنه إفسادها بوطء بعد الأربعة, عنده, والأظهر, عن الشافعي: إن أتى بأفعالها أو بعضها في أشهره لم يلزمه دم. ثم قيل عندهم: يلزمه دم الإساءة, لإحرامه بالحج
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "331".
2 ص "345".

(5/347)


من مكة, والأصح: لا, لأنه جاوز الميقات محرما.
"الثاني" أن يحج من عامه "و" خلافا للحنفية; لأن ظاهر الآية الموالاة; ولأنه أولى لو اعتمر في غير أشهره ثم حج من عامه, لكثرة التباعد.
"الثالث" أن لا يسافر بين العمرة والحج, فإن سافر مسافة قصر فأكثر أطلقه جماعة, ولعل مرادهم: فأحرم به. فلا دم عليه, نص "عليه" وروي عن عمر رضي الله عنه: من رجع فليس بمتمتع1. وهو عام; ولأنه مسافر لم يترفه بترك أحد السفرين كمحل الوفاق. ولا يلزم المفرد; لأن عمرته في غير أشهره. وفي الفصول والمذهب والمحرر: فإن أحرم به من الميقات فلا دم. نص عليه أحمد "و ش" وحمله القاضي على أن بينه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواه أبو حفص العكبري كما ذكر ذلك الزركشي في شرحه "3/298".

(5/348)


وبين مكة مسافة قصر. وقال ابن عقيل: بل هو رواية كمذهب "ش" وفي الترغيب: إن سافر إليه فأحرم منه فوجهان; لأن الدم وجب لترك الإحرام من الميقات, رد بالمنع بدليل القارن. وقال أبو حنيفة: إن رجع. إلى أهله فلا دم1, روي عن ابن عمر2. وقال مالك: إن رجع إلى بلده أو بقدره فلا دم1. ويتوجه احتمال: يلزمه دم وإن رجع. وقاله الحسن وابن المنذر, ومعناه عن ابن عباس3, لظاهر الآية.
قال القاضي في قول ابن عباس: لا يمنع أنه متمتع لكن عليه دم. وإن رجع إلى الميقات محرما فالخلاف.
"الرابع" أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج, تحلل4 أو لا فإن أحرم به قبل حله منها صار قارنا.
"الخامس" أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام "ع" للآية, وهم أهل الحرم ومن كان منه, وذكره ابن هبيرة قول أحمد والشافعي, وقيل: من
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 ذكره الهندي في كنز العمال "12479" وعزاه لابن أبي شيبة ولم نجده.
3 لم نجده.
4 في الأصل "بحل" والمثبت من "س" و"ط".

(5/349)


مكة, وقاله أحمد دون مسافة قصر, نص عليه "و ش" لأن. حاضر الشيء من حل فيه أو قرب منه وجاوره1, بدليل رخص السفر. والبعيد يترخص, فأشبه من وراء الميقات إلينا. وقال "م" هم أهل مكة. وقال "هـ" أهل المواقيت ومن دونهم إلى مكة, ومن منزله قريب وبعيد لم يلزمه دم; لأن بعض أهله من حاضري المسجد, فلم يوجد الشرط, وله أن يحرم من القريب, واعتبر في المجرد والفصول إقامته أكثر بنفسه, ثم بماله, ثم بنيته2, ثم الذي أحرم منه "و ش".
وإن دخل أفقي مكة متمتعا ناويا للإقامة بها بعد فراغ نسكه أو نواها بعد فراغه منه فعليه الدم "و" وحكي وجه, وإن استوطن أفقي مكة فحاضر. وإن استوطن مكي بالشام ثم عاد مقيما متمتعا لزمه الدم. وفي المجرد والفصول: لا, كسفر غير مكي ثم عاد.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "وجاوزه".
2 في "ط" "ببيته".

(5/350)


"السادس" أن يحرم بالعمرة من الميقات. ذكره أبو الفرج والحلواني, وذكر القاضي وابن عقيل وجزم به في المستوعب والرعاية وغيرهما إن بقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر فأحرم منه لم يلزمه دم المتعة; لأنه من حاضر المسجد, بل دم المجاوزة, وقاله أكثر الشافعية وبعضهم كالأول.
واختار الشيخ وغيره: إذا أحرم منه لزمه الدمان; لأنه لم يقم ولم ينوها به, وليس بساكن, ونص أحمد. في أفقي أحرم بعمرة في غير أشهره ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهره وحج من عامه أنه متمتع عليه دم. قال: فالصورة1 الأولى أولى. وقال: قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع العلماء أن من أحرم بعمرة في أشهره وحل منها وليس من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامه أنه متمتع عليه دم.
"السابع" نية التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها, ذكره القاضي, وتبعه الأكثر, واختار الشيخ وغيره: لا, وهو أصح للشافعية, لظاهر الآية, وحصول الترفه, ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد, ذكره بعضهم وأكثر الشافعية.
ولا تعتبر هذه الشروط في كونه متمتعا, وهو أصح للشافعية, ومعنى
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "في الصورة".

(5/351)


كلام الشيخ: يعتبر, وجزم به في الرعاية إلا الشرط السادس, فإن المتعة للمكي كغيره "و م ش" نقله الجماعة, كالإفراد وكسائر الطاعات, بل هم أولى; لأنهم سكان حرم الله, ونقل المروذي: ليس لأهل مكة متعة, قال القاضي وغيره: معناه ليس عليهم دم المتعة, وذكر ابن عقيل رواية: لا يصح منهم.
وقال "هـ": لا يصح منه المتعة والقران, ويكره له ذلك, ومتى فعله لزمه دم جناية. وتحرير مذهب أبي حنيفة أن المكي لو أحرم بعمرة ثم بحج فإنه يرفض الحج وعليه لرفضه دم, وعليه حجة وعمرة, وعند صاحبيه: يرفض العمرة, ويقضيها, وعليه دم, لأنه لا بد من رفض أحدهما; لأن الجمع بينهما1 لا يشرع للمكي, ورفضها أولى; لأنها أدنى, وأقل عملا, وأيسر قضاء, لعدم توقيتها, وعند "هـ" تأكد إحرامها بفعله بعضها, وفي رفضها إبطال العمل, والحج لم يتأكد, وفي رفضه امتناع عنه, وإنما لزمه بالرفض دم لتحلله قبل أوانه, لتعذر المضي فيه, كالمحصر, وفي رفض العمرة قضاؤها, وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة; لأنه في معنى فائت الحج, وإن مضى عليهما أجزأه لتأدية ما التزمه, لكنه منهي عنه, ولا يمنع تحقق الفعل, على أصلهم, وعليه دم, لجمعه بينهما, لتمكن النقص في عمله, للنهي, فهو دم جبر, وفي حق الأفقي دم شكر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "س".

(5/352)


وإن كان طاف للعمرة أربعة أشواط ثم أحرم بالحج رفضه; لأن للأكثر حكم الكل, فيتعذر رفضها, كفراغها, والله أعلم.

(5/353)


فصل: يلزم القارن دم, نص عليه واحتج جماعة منهم الشيخ بالآية,
...
فصل: يلزم القارن1 دم, نص عليه "و" واحتج جماعة منهم الشيخ بالآية,
وبأنه ترفه بسقوط أحد السفرين, كالمتمتع, ونقل بكر. عليه هدي وليس كالمتمتع. إن الله أوجب على المتمتع هديا في كتابه والقارن إنما يروى عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم أن عمر قال للضبي: اذبح تيسا2, كذا قال. وهو منقطع ضعيف, وسأله ابن مشيش: القارن يجب عليه الدم وجوبا؟ فقال: كيف يجب عليه وجوبا؟ وإنما شبهوه بالمتمتع, فيتوجه منه رواية: لا يلزمه, كقول داود.
ثم قال أكثر أصحابنا: هو دم نسك. وقال في المبهج وعيون المسائل: ليس بدم نسك. أي دم جبران3, كأكثر الشافعية. ولا يلزم حاضري المسجد الحرام, خلافا لبعض المالكية وبعض الشافعية. وظاهر اعتمادهم على الآية, والقياس أنه لا يلزم من سافر سفر قصر أو إلى الميقات إن قلنا به, كظاهر مذهب الشافعي, وكلامهم يقتضي لزومه; لأن اسم القران باق بعد السفر بخلاف التمتع4.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "القادر".
2 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "248".
3 في "ب" و"ط" "جبر".
4 في "س" "المتمتع".

(5/353)


فصل: لا يسقط دم تمتع وقران بإفساد نسكهما,
...
فصل: لا يسقط دم تمتع1 وقران بإفساد نسكهما,
نص عليه "و م ش" لأن ما وجب الإتيان به في الصحيح وجب في الفاسد, كالطواف وغيره, وعنه يسقط "و هـ" لأنه لم يترفه بسقوط أحد السفرين, قال القاضي: إن قلنا يلزم القارن للإفساد دمان سقط دم القران. ولا يسقط دمهما بفواته أيضا والمراد على الأصح.
وإذا قضى القارن قارنا فدمان لفوانه2 الأول والثاني, وفي دم فواته الروايتان وقال الشيخ: يلزمه دمان لقرانه3 وفواته ولو قضى القارن مفردا لم يلزمه شيء; لأنه أفضل, جزم به. الشيخ وغيره, وجزم غير واحد: يلزمه دم لفواته الأول "و ش" لأن القضاء كالأداء, وهو ممنوع, وفيه
ـــــــ
"الثاني" قوله: وإذا قضى القارن قارنا فدمان, لفوانه4 الأول والثاني, وفي دم فواته5 الروايتان. أي المذكورتان بقوله قبيل ذلك "ولا يسقط دمهما بفواته أيضا على الأصح, وكذا قوله بعد ذلك" وفيه لفواته الخلاف "يعني الخلاف الذي ذكرناه قبل.
ـــــــ
1 في "س" "المتمتع".
2 في الأصل و"ط" "لفواته".
3 في الأصل "لفواته".
4 في "ط" "بفواته" وفي النسخ "كقرانه" والتصحيح من الفروع.
5 في النسخ "قرانه" والتصحيح من الفروع.

(5/354)


لفواته الخلاف. وزاد في الفصول: ودم ثالث لوجوب القضاء, كذا قال.
وإذا فرغ حجه أحرم بالعمرة من الأبعد, كمن فسد حجه وإلا لزمه دم, وكذا إن قضى متمتعا فتحلل أحرم بالحج من الأبعد..

(5/355)


فصل: يلزم دم التمتع والقران بطلوع فجر يوم النحر,
جزم به في الخلاف, ورد ما نقل عن أحمد بخلافه إليه, واختاره أبو الخطاب وغيره, وقدمه جماعة, لقوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] "أي" فليهد, وحمله على أفعاله أولى من حمله على إحرامه, لقوله: "الحج عرفة" 1 و "يوم النحر يوم الحج الأكبر" 2; ولأن إحرام الحج تتعلق
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه "317".
2 تقدم تخريجه ص "252".

(5/355)


به صحة التمتع, فلم يكن وقتا للوجوب كإحرام العمرة; ولأن الهدي من جنس "ما" يقع به التحلل, فكان وقت وجوبه بعد وقت الوقوف كطواف ورمي وحلق وعنه: بإحرام الحج للآية "و هـ ش" ولأنه غاية, فكفى أوله. كأمره بإتمام الصوم إلى الليل, وعنه: بوقوفه بعرفة "و م" وذكره الشيخ واختيار القاضي, لأنه تعرض لفوات قبله, وعنه: بإحرام العمرة, لنيته التمتع إذن, ويتوجه أن ينبني عليها ما إذا مات بعد سبب الوجوب يخرج عنه من تركته, وقاله الشافعي في أظهر قوليه, والثاني: لا يخرج شيء, وقال بعض أصحابنا: فائدة الروايات إذا تعذر الدم وأراد الانتقال إلى الصوم فمتى ثبت التعذر فيه الروايات.
أما وقت ذبحه فجزم جماعة منهم المستوعب والرعاية أنه لا يجوز نحره قبل وقت وجوبه. وقاله القاضي وأصحابه: "لا يجوز" قبل فجر يوم النحر "و هـ م" فظاهره يجوز إذا وجب, لقوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فلو جاز قبل يوم النحر لجاز الحلق, لوجود الغاية. وفيه نظر; لأنه في المحصر, وينبني على عموم المفهوم
ـــــــ
.......................................

(5/356)


ولأنه لو جاز لنحره عليه السلام, وصار كمن لا هدي معه. وفيه نظر; لأنه كان مفردا أو قارنا أو كان له نية أو فعل الأفضل; ولمنع التحلل بسوقه, وسيأتي1, وقاسوه على الأضحية والهدي, وهي دعوى; ولأن جواز تقديمه يفتقر إلى دليل, الأصل عدمه, فإن احتج بما سبق فسبق جوابه.
وإن قيل كالصوم وهو بدله قيل هذا يختص2 بمكان فاختص بزمن, كطواف ورمي ووقوف, بخلاف الصوم, وهذا البدل يخالف الأبدال; لأن كل وقت جاز فيه بعض البدل جاز كله وهنا تجوز الثلاثة لا السبعة.
وإن قيل: إنما جاز الصوم لوجود السبب, كنظائره, فمثله هنا, أشكل جوابه. واختار في الانتصار: له نحره بإحرام العمرة, وأنه أولى من الصوم; لأنه مبدل, وحمل رواية ابن منصور بذبحه يوم النحر على وجوبه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "360".
2 في "س" "مختص".

(5/357)


يوم النحر. وقال الآجري: له نحره قبل خروجه يوم التروية وتأخيره إلى يوم النحر, ونقل أبو طالب: إن قدم قبل العشر ومعه هدي نحره لا يضيع أو يموت أو يسرق. وكذا قال عطاء, وهذا ضعيف, ومذهب الشافعي يجوز إذا أحرم بالحج, وظاهر مذهبه: وبعد حله من العمرة, لا إذا أحرم بها, فإن عدم الهدي في موضعه ولو وجده ببلده أو وجد من يقرضه, نص عليه, لتوقيتها1, كماء الوضوء, بخلاف رقبة الكفارة فصيام عشرة أيام كاملة كملت الحج وأمر الهدي, قاله أحمد, ومعناه عن ابن عباس2.
قال القاضي: كمل الله الثواب بضم سبع إلى ثلاث. وقال عن قوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ} [البقرة: 196] لأن الواو "تقع و" تكون بمعنى أو. وقيل
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في النسخ و"ط" "لتوافيتها" والمثبت من المغني.
2 انظر تفسير ابن عباس ص "27".

(5/358)


توكيد {ثَلاثَةِ} {فِي الْحَجِّ} والأشهر عن أحمد وعليه أصحابه الأفضل أن آخرها عرفة, "و هـ" وعلل بالحاجة. وفيه نظر, وأجاب القاضي بأن عدم استحباب صومه يختص بالنفل.
وعنه: يوم التروية "و م ش". وروي عن ابن عمر وعائشة1. وفي البخاري2 عن ابن عباس: يصوم قبل يوم عرفة, وفي يوم عرفة لا جناح; ولأن صومه بعرفة لا يستحب, وله تقديمها بإحرام العمرة, نص عليه, وهو أشهر; لأن العمرة سبب لوجوب صوم المتعة; لأن إحرامها يتعلق به صحة التمتع, فكان سببا لوجود الصوم3, كإحرام الحج, وكل شيئين تعلق الوجوب بهما وجاز اجتماعهما كان الأول منهما سببا, كالنصاب والحول, والظهار والعود, وليس صوم رمضان سببا للكفارة, وإن لم تجب إلا به وبالجماع; لأنه لا يجوز اجتماعهما.
قيل للقاضي: فيكون إحرامها سببا لهدي المتعة ويثبت حكمه فيها,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ينظر الاستذكار لابن عبد البر "11/224".
2 صحيحه "4521".
3 إلى هنا نهاية السقط في "ب".

(5/359)


فأجاب: نعم, إذا أحرم وساقه كان هدي متعة ومنعه التحلل, ولم يجز ذبحه, لما سبق, كذا قال.
وعن أحمد "رحمه الله": بالحل من العمرة وعن أحمد: وقبل إحرامها, والمراد في أشهر الحج, ونقله الأثرم, فيكون السبب, قال ابن عقيل: أحد نسكي المتمتع فجاز تقديمها عليه, كالحج, قال: وقاله عطاء وطاوس ومجاهد, ومذهب مالك والشافعي: لا يجوز حتى يحرم بالحج, للآية, أي في إحرام الحج لا "في" وقته; لأنه لا بد معه من إحرام, ففيه زيادة إضمار, قال القاضي: وفي إحرامه مجاز; لأنه فعل, فلا يكون ظرفا لفعل, قال: وقيل: في جوابها: إنها أفادت وجوب الصوم, والكلام في الجواز. وعندنا: يجب إذا أحرم بالحج, وقد قال أحمد في رواية ابن القاسم وشندي وسئل عن صيام المتعة: متى يجب؟ قال: إذا عقد الإحرام, كذا قال, ووقت وجوب صوم الثلاثة وقت وجوب
ـــــــ
.......................................

(5/360)


الهدي, ذكره الأصحاب; لأنه بدل كسائر الأبدال.
وقال القاضي أيضا: لا خلاف أن الصوم يتعين قبل يوم النحر بحيث لا يجوز تأخيره إليها, بخلاف الهدي فإذا اختلفا في وقت الوجوب جاز أن يختلفا في وقت الجواز, ومن تتمة رواية ابن القاسم وشندي: إذا عقد الإحرام فصام أجزأه إذا كان في أشهر الحج, وهذا يدخل على من قال لا تجزئ الكفارة إلا بعد الحنث, ولعل هذا ينصرف ولا يحج.
قال القاضي: إذا عقد الإحرام أراد به إحرام العمرة; لأنه شبهه بالكفارة قبل الحنث, وإنما يصح الشبه إذا كان صومه قبل الإحرام بالحج; لأنه قد وجد أحد السببين, ولأنه قال: إذا عقد الإحرام في أشهر الحج, وهذا إنما يقال في إحرام العمرة; لأن من شرط التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج.
وذكر القاضي وأصحابه والمستوعب وغيرهم أنه إن أخرها إلى يوم النحر فقضاء, ولعله مبني على منع صيام أيام التشريق, وإلا كان أداء, وسيأتي في كلام الشيخ, في تتابع الصوم. وقاله الشافعية, وظهر أن جواز التأخير إليها مبني عليه, وسبق كلام القاضي, ولعله مبني على منع صومها, والله أعلم.
ـــــــ
.......................................

(5/361)


وكذا تكلم الأصحاب هل يلزمه دم لتأخيره عن وقت وجوبه؟ وسيأتي1. وفي كلامهم من النظر ما لا يخفى.
والثاني هو الصحيح. ويعمل بظنه في عجزه, ويلزم الشافعية أن. يجب تقديم إحرام الحج ليصومها فيه. وحكى بعضهم وجها: يجب, وفي التشريق خلاف, وسبق في صوم التطوع2.
وأما السبعة فلا يجوز صومها في التشريق, نص عليه, وعليه الأصحاب, لبقاء أعمال "من" الحج قال بعض الشافعية: بلا خلاف, وحكى بعضهم قولا للشافعي: يجوز إذا رجع من منى إلى مكة, ويأتي كلام القاضي فيمن قدر على الهدي في الصوم ويجوز بعد التشريق, نص عليه "و هـ م" والمراد ما قاله القاضي. وقد طاف, يعني طواف الزيارة, للآية, والمراد: رجعتم من عمل الحج; لأنه المذكور ومعتبر لجواز الصوم; ولأنه لزمه, وإنما أخره تحفيفا3 كتأخير رمضان لسفر ومرض, ومنع المخالف لزومه قبل عوده إلى وطنه, واحتج القاضي بحجة ضعيفة, لكن وجد سببه فجاز على أصلنا, كما سبق, وعلى هذا لا يصير4 قوله عليه السلام: "وسبعة إذا رجع إلى أهله" 5 أي يجب إذن, وأجاب
ـــــــ
الثالث : قوله: وعلى هذا لا يصير قوله عليه السلام: "وسبعة إذا رجع" كذا في النسخ ولعله: وعلى هذا يصير بإسقاط "لا" والمعنى يساعده والسياق يدل عليه.
ـــــــ
1 ص "364".
2 ص "93".
3 في "س" و"ط" "تحقيقا".
4 في الأصل و"ب" "يضر".
5 تقدم تخريجه ص "335".

(5/362)


القاضي: يحتمل أنه أراد إذا ابتدأ بالرجوع إلى أهله.
وللشافعي كقولنا, وظاهر مذهبه: بعد رجوعه إلى وطنه, قيل: وفي الطريق. فلو توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وإلا لم يجز, فإن لم يجز صوم الثلاثة في التشريق أو جاز ولم يصمها صام بعد ذلك العشرة "و م ش" لوجوبه, فقضاه بفواته, كرمضان; ولأنه معلق بشرط, كصوم الظهار لو مسها لم يسقط; ولأنه أحد موجبي المتعة, كالهدي. ولأن القضاء بالأمر الأول, في الأشهر عندنا. ولا تلزم الجمعة إذا فات وقتها; لأنها الأصل,
ـــــــ
.......................................

(5/363)


وعند أبي حنيفة لا يصوم ويستقر الهدي, روي عن ابن عمر1 وابن عباس1 وطاوس ومجاهد1 وعطاء1 وسعيد بن جبير1, ثم هل يلزمه دم؟ فيه روايات, والترجيح مختلف.
إحداهن: يلزمه لتأخيره; لأنه صوم مؤقت بدل, كقضاء رمضان, بخلاف صوم الظهار فإنه غير مؤقت, وصوم رمضان أصل; ولأنه نسك واجب أخره عن وقته, كرمي الجمار.
والثانية: لا "و م ش" وعلله في الخلاف بأنه نسك أخره إلى وقت جواز فعله, كالوقوف إلى الليل والطواف والحلق عن التشريق, كذا قال. والثالثة: لا يلزمه مع عذر "م 2 وم 3" وفي الانتصار: يحتمل أن. يهدي فقط
ـــــــ
"تنبيه" : قوله بعد إطلاق الروايات "والترجيح مختلف" تحصيل الحاصل; لأنه قد ذكر في خطبة الكتاب2 إذا اختلف الترجيح أطلقت الخلاف, وتقدم مثل ذلك في باب زكاة الفطر3, وتقدم الجواب عن ذلك وغيره في مقدمة الكتاب2.
"مسألة 2" قوله: فإن لم يجز صوم الثلاثة في التشريق أو جاز ولم يصمها صام بعد ذلك العشرة ثم هل يلزمه دم؟ فيه روايات, والترجيح مختلف, إحداهن يلزمه لتأخيره. والثانية لا والثالثة لا يلزمه مع عذر, انتهى. اشتمل كلامه على مسألتين:
"مسألة 2" المعذور. و "مسألة 3" غيره. وفي مجموعهما ثلاث روايات, أطلقهن في المستوعب والمغني4 والكافي5 والشرح6
ـــــــ
1 أخرجه هذه الأثار ابن أبي شيبة نشرة العمري "4/121, 122".
2 "1/6".
3 "4/211".
4 "5/364, 365".
5 "2/340".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/397, 398".

(5/364)


قادر. إن اعترف في الكفارة بالأغلظ. وأما إن صام أيام التشريق وجاز فلا دم. جزم به جماعة منهم الشيخ والرعاية ولعله مراد القاضي وأصحابه والمستوعب وغيرهم بتأخير الصوم عن أيام الحج. والروايات المذكورة في تأخير الهدي عن أيام النحر هل يلزمه دم "م 4 و 5"
ـــــــ
والرعايتين والحاويين والزركشي وغيرهم, وأطلق الخلاف في غير المعذور في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص وغيرهم:
إحداهن عليه دم, وهو الصحيح, جزم به في الإفادات والمنور, واختاره الخرقي, وقدمه في المقنع1 والمحرر والفائق وغيرهم.
والرواية الثانية لا يلزمه, اختاره أبو الخطاب, قال الزركشي: وهي التي نصها القاضي في تعليقه.
والرواية الثالثة لا يلزمه مع العذر, اختارها القاضي في المجرد, وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص في المعذور دون غيره, وقدم ابن منجى في شرحه وجوب الدم إذا أخره لغير عذر, وأطلق الخلاف في المعذور.
"مسألة 4 و 5" قوله: والروايات المذكورة2 في تأخير الهدي عن أيام النحر هل يلزمه دم؟ انتهى. وفيه أيضا مسألتان.
"مسألة 4" المعذور. و "مسألة 5" غيره, وفيهما ثلاث روايات, وأطلقهن أيضا في المستوعب والحاويين. إحداهن: يلزمه دم آخر, قدمه في المحرر والفائق.
والرواية الثانية: لا يلزمه سوى الهدي, قدمه في إدراك الغاية في غير المعذور.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/396".
2 في النسخ المذكورات والمثبت موافق للفروع.

(5/365)


واحتج أحمد بقول ابن عباس: يلزمه هديان, وعند مالك والشافعي: لا دم, وعند أبي حنيفة: عليه هديان إذا أيسر:
أحدهما" لحله بلا هدي ولا صوم.
"والثاني" هدي المتعة أو القران.
ولا يجب تتابع ولا تفريق1 في الثلاثة ولا السبعة "و" لإطلاق الأمر وكذا التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا قضى, كسائر الصوم, ومنع الشيخ وجوب التفريق في الأداء بأن صام أيام منى وأتبعها السبعة, ثم إنما كان
ـــــــ
والرواية الثالثة: إن أخره لعذر لم يلزمه, وقدمه في الرعايتين, وصححه في الكبرى, وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي2 والتلخيص والشرح3 وشرح ابن منجى وغيرهم, وكذا قدمه في إدراك الغاية في المعذور دون غيره.
"قلت" الصحيح من المذهب عدم الوجوب على المعذور, وأطلق الخلاف في غير المعذور في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي والمغني4 والتلخيص والشرح5 وغيرهم.
"تنبيه" حكى جماعة من الأصحاب الخلاف في المعذور وجهين, وفي غير المعذور روايتين.
ـــــــ
1 في "ب" "ولا يفرق".
2 "2/340".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/397, 398".
4 "5/364, 365".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/398".

(5/366)


من حيث الوقت فسقط بفواته, كالتفريق بين الصلاتين, بخلاف أفعال الصلاة من ركوع وسجود فإنه من حيث الفعل لم يسقط وأوجبه أكثر الشافعية فقيل: يفرق بيوم, وقيل: بأربعة, وقيل: بمدة إمكان السير إلى الوطن, وقيل: بهما, وهو المذهب.
وإن مات ولم يصم تمكن منه أو لا فكصوم رمضان, على ما سبق1, نص عليه "و ش" وإن وجب الصوم وشرع فيه ثم وجد هديا لم يلزمه وأجزأه الصوم "و م ش" وفي الفصول وغيره تخريج من اعتبار الأغلظ. في الكفارة, والفرق أن المظاهر ارتكب المحرم, فناسبه المعاقبة, والحاج في طاعة, فخفف عليه, واختار المزني: يلزمه. وفي واضح ابن الزاغوني: إن فرغه ثم قدر يوم النحر نحره وإن وجب إذن. وأن دم القران يجب بإحرامه, كذا قال, وقول أبي حنيفة كقولنا, إلا أن يجده في صوم الثلاثة أو بعدها, وقبل حله فلا يجزئه إلا الهدي. وجه الأول أن السبعة بدل أيضا, للآية; ولأنه صوم لزمه عند عدم الهدي,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "65".

(5/367)


كصوم الكفارة المرتبة, بخلاف صوم فدية الأذى, واختلاف وقتهما لا يمنع البدلية, كما اختلف وقته ووقت الهدي, وإنما جاز مع الهدي; لأنه بعض البدل.
قال القاضي: وإنما جاز فعله بعد التحلل لدخول وقته, قالوا: الصوم القائم مقام الهدي في الإحلال1 صوم الثلاثة, فهي البدل; لأنه قام مقام المبدل رد: ليس لأجل التحلل; بل لأن وقتها أن يصوم في الحج, بخلاف السبعة, وفرق القاضي بينه وبين المتيمم2 يجد الماء في الصلاة إن قلنا تبطل: بأن ظهور المبدل هناك يبطل حكم البدل من أصله, ويبطل
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "الحلال".
2 في "ب" "التيمم".

(5/368)


ما مضى من الصلاة, وهنا صومه صحيح يثاب عليه, وقد بينا أنه ليس بمشروط, لإباحة الإحلال, وإنما تأخر فعله لدخول وقته, وفرق بينه وبين حيضها في عدتها بالأشهر بأنه يجوز تركه للمشقة "بأن يجده" ببلده, ولا يبيع مسكنه لأجله, والمرأة إذا حاضت لم تعتد إلا به ما لم. تيأس.
وإن وجده قبل شروعه فعنه: لا يلزمه1; لأنه استقر, وعنه: يلزمه "م 6" كالمتيمم يجد الماء. وقال الشافعية: إن اعتبر حال الوجوب, وبالأغلظ, وهو نص الشافعي هنا.
ـــــــ
1 في "س" "لا يلزم".

(5/369)


فصل: جزم جماعة
منهم الشيخ وصاحب المستوعب والرعاية
ـــــــ
"مسألة 6" قوله: "وإن وجب الصوم وشرع فيه ثم وجد هديا لم يلزمه وأجزأه الصوم وإن وجده قبل شروعه فعنه: لا يلزمه وعنه: يلزمه وأطلقهما في المغني2 والكافي3 والمقنع4 والمحرر والشرح وشرح ابن منجى والرعايتين والفائق والزركشي وغيرهم.
"إحداهما" يلزمه, وهو الصحيح, صححه في الهداية والمذهب
ـــــــ
2 "5/366".
3 "2/341".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/400".

(5/369)


بالاستحباب, ومعناه عن أحمد, وعبر القاضي وأصحابه وصاحب المحرر وغيرهم بالجواز, وإنما أرادوا فرض المسألة مع المخالف, ولهذا ذكر القاضي استحبابه في بحث المسألة.
قال ابن عقيل: هو مستحب عند أصحابنا للمفرد والقارن أن يفسخا نيتهما بالحج زاد الشيخ: إذا طافا وسعيا فنويا بإحرامهما ذلك عمرة مفردة, فإذا فرغاها وحلا منها أحرما بالحج ليصيرا متمتعين.
ـــــــ
ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم, قال في القواعد الفقهية: هذا المذهب, فعلى هذا لو قدر على الشراء بثمن في الذمة وهو موسر في بلده لم يلزمه ذلك, بخلاف كفارة الظهار وغيرهما, قاله في القواعد.
"والرواية الثانية" يلزمه, صححه في التصحيح والنظم ومناسك القاضي موفق الدين, وجزم به في الإفادات وتذكرة ابن عبدوس, وهو ظاهر ما جزم به الخرقي وصاحب الوجيز والمنور وغيرهم; لأنهم قالوا: لا يلزمه الانتقال بعد الشروع, قال في التلخيص وتبعه في القواعد الفقهية: ومبنى الخلاف هل الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب أو بأغلظ الأحوال؟ فيه روايتان, انتهى. "قلت": الصحيح من المذهب أن الاعتبار في الكفارات مجال الوجوب, كما قدمه المصنف وغيره في كتاب الظهار, فعلى هذا البناء أيضا يكون الصحيح ما صححناه أولا, والله أعلم, وإن سلم هذا البناء كان في إطلاق المصنف الخلاف نظر واضح, ولكن ظاهر كلامه عدم البناء.
تنبيهان:
"الأول" قال في القواعد: فإن قلنا الاعتبار بحال الوجوب صار الصوم أصلا لا

(5/370)


وقال "هـ م ش" وداود: لا يجوز, ولنا ولهم ما سبق في أفضل الأنساك1.
قالوا: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] رد بالفسخ, نقله إلى غيره لا إبطاله, من أصله, زاد القاضي: على أنه محمول على غير مسألتنا. قالوا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ} [البقرة: 196] رد: الآية اختصت2 الابتداء بهما لا البناء. قالوا: أحد النسكين كالعمرة. رد: فاسد الاعتبار, ثم لا فائدة, وهنا فضيلة التمتع, وعند الشافعي فضيلة الإفراد إن كان. قارنا.
فإن قيل: صح وإن لم يعتقد فعل الحج من عامه, قيل: منعه ابن عقيل وغيره, نقل ابن منصور: لا بد أن يهل بالحج من عامه ليستفيد فضيلة التمتع; ولأنه على الفور. فلا يؤخره, كما لو لم يحرم, فكيف وقد أحرم؟ واختلف كلام القاضي.
ـــــــ
بدلا, وعلى هذا فهل يجزئه فعل الأصل وهو الهدي؟ المشهور أنه يجزئه, وقطع به في الكافي3 وغيره, وحكى القاضي في شرح المذهب عن ابن حامد أنه لا يجزئه.
ـــــــ
1 ص "331".
2 في "س" "اقتضت".
3 "2/341".

(5/371)


وقدم الصحة; لأن بالفسخ حصل على صفة يصح 1منه التمتع1; ولأن العمرة لا تصير حجا, والحج يصير عمرة لمن حصر عن عرفة أو فاته الحج.
قالوا: لا يجوز قبل الطواف والسعي كذا بعده, نقل أبو طالب: يجعلها عمرة إذا طاف بالبيت, ولا يجعلها وهو في الطريق. رد: لأن هذا الفسخ لم يجز في زمنه عليه السلام; لأن في الصحيحين2 أنه قال لأبي موسى: "طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل" , ولأنه إنما جاز الفسخ ليصير متمتعا, فإذا فسخ قبل فعل العمرة لم يحصل ذلك, ولا يجوز أن يقال: افسخ واستأنف عمرة; لأن الإحرام الأول تعرى عن نسك, كذا قاله القاضي.
وظاهر كلامهم: يجوز, فينوي إحرامه بالحج عمرة, وخبر أبي موسى أراد أن الحل يترتب3 على الطواف والسعي ليس فيه المنع من قلب النية,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 في الأصل "من المتمتع".
2 البخاري "1559" ومسلم "1221" "155".
3 في "س" "مرتب".

(5/372)


ولهذا في الصحيحين1 عن عائشة قالت: نزلنا بسرف, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل, ومن كان معه هدي فلا" وفيهما2 أيضا عنها: "حتى إذا دنونا من مكة أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل" . وفيهما3 أيضا عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لأربع مضين من ذي الحجة, فصلى الصبح بالبطحاء وقال لما صلى الصبح: " من شاء منكم أن يجعلها عمرة فليجعلها" وفي الانتصار وعيون المسائل: لو ادعى مدع وجوب الفسخ لم يبعد واختار ابن حزم وجوبه, وقال: هو4 قول ابن عباس وعطاء ومجاهد وإسحاق.
وفي مسلم5 عن ابن عباس: أن من طاف حل, وقال: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وابن عباس إنما يروي التخيير أو الأمر بالحل, فالتخيير كان أولا ثم حتمه عليهم آخرا لما امتنعوا, فعلة الحتم زالت. وفي مسلم6 أن ابن جريج قال لعطاء: من أين يقول ذلك؟ يعني ابن عباس. قال: من قول الله {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] قلت: فإن ذلك بعد المعرف, فقال: كان ابن عباس يقول: هو بعد المعرف وقبله كان يأخذ ذلك من أمر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1560" ومسلم "1211" "123".
2 البخاري "1709" ومسلم "1211" "125".
3 البخاري "1545" ومسلم "1240" "199".
4 في "س" "هذا".
5 برقم "1244" "206".
6 برقم "1245" "208".

(5/373)


رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع, ولا يصح الفسخ إلا قبل وقوفه بعرفة, لعدم جوازه في وقت النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يستفيد به فضيلة التمتع, ولا يصح الفسخ ممن معه هدي منهما.
وكذا لا يحل متمتع ساق هديا فيحرم بالحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلله بالحلق, فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما معا, نص عليه, واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في العشر ولم يحل, ونقل أبو طالب: الهدي يمنعه من التحلل من جميع الأشياء في العشر وغيره "و هـ" ونقل أيضا فيمن يعتمر قارنا أو متمتعا ومعه هدي: له أن يقصر من شعر رأسه خاصة, لقول معاوية: قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص1. متفق عليه2. قال قيس بن سعد الحبشي3 وهو الذي خلف عطاء في مجلسه بمكة في الفتيا, وقد رواه عن عطاء عن معاوية: الناس ينكرون هذا على معاوية.
ونقل يوسف بن موسى فيمن قدم متمتعا معه هدي: إن قدم في شوال
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 المشقص: هو النصل العريض أو سهم فيه ذلك القاموس "شقص".
2 البخاري "1730" ومسلم "1246" "109".
3 هو أبو عبد الملك ويقال: أبو عبد الله الحبشي قيس بن سعد مولى نافع بن علقمة روى عن سعيد بن جبير وطاووس وعطاء بن أبي وباح وغيرهم قليل الحديث ولم تعمر "ت 119 هـ" تهذيب الكمال "6/138".

(5/374)


نحره وعليه هدي آخر, وإن قدم في العشر لم يحل, فقيل له خبر معاوية فقال: إنما حل بمقدار التقصير.
قال القاضي: ظاهره يتحلل قبل العشر لا بعده إلا بتقصير الشعر. قال: وهذا يقتضي أن الهدي لا يمنع التحلل, وإنما استحب المقام في العشر; لأنه لا يطول إحرامه. وقال مالك: له التحلل وينحر هديه عند المروة.
وقال الشيخ: ويحتمله كلام الخرقي, وقاله الشافعي, وعنه أيضا كقولنا. وجه الأول الأخبار السابقة, وكامتناعه في وقته صلى الله عليه وسلم; ولأن التمتع1 أحد نوعي الجمع بين الإحرامين, كالقران. وفيه نظر, وحيث صح الفسخ لزمه دم, نص عليه. وذكره القاضي في الخلاف; لأن نية
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "المتمتع".

(5/375)


التمتع إن اعتبرت فما حل حتى نوى أنه يحل ثم يحرم بالحج وذكر الشيخ عن القاضي: لا, لعدم النية, قال في المستوعب: لا يستحب الإحرام بنية الفسخ, قال في الرعاية: يكره ذلك.

(5/376)


فصل: من حاضت وهي متمتعة قبل طواف العمرة
فخافت فوات الحج أو خافه غيرها أحرم بحج وصار قارنا, نص عليه "و م ش" ولم يقض طواف القدوم.
وقال "هـ": يصير رافضا للعمرة, قال أحمد ما قاله غيره, لخبر عروة عن عائشة أنها أهلت بعمرة فحاضت, فقال صلى الله عليه وسلم "انقضي رأسك
ـــــــ
.......................................

(5/376)


وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة ففعلت. فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت منه فقال: "هذه عمرة مكان عمرتك" 1 لنا ما سبق في صفة القران; ولأن إدخال الحج على العمرة يجوز من غير خشية الفوات, فمعه أولى وخبر عروة روي فيه أنه قال: حدثني غير واحد. فلم يسمعه, والإثبات عن عائشة بخلافه, وخبر جابر2 السابق, ومخالف للأصول; لأنه لا يجوز رفض نسك يمكن بقاؤه ويحتمل: دعي العمرة وأهلي معها بالحج, أو: دعي أفعالها.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1556" ومسلم "1211" "111".
2 تقدم تخريجه ص "345".

(5/377)


وكذا عند أبي حنيفة لو وقف القارن بعرفة قبل الطواف والسعي لزمه رفض العمرة; لأنه صار بانيا أفعالها على أفعاله من كل وجه, ولكراهتها عندهم في هذه الأيام, فإن رفضها لزمه دم لرفضها وعمرة مكانها, فإن مضى عليهما1 أجزأه, لأن الكراهة لمعنى في غيرها, لاشتغاله بأداء بقية الحج, وعليه دم كفارة لجمعه بينهما. وقال بعضهم: إذا حلق له ثم أحرم لا يرفضها, على ظاهر ما ذكره في الأصل وقيل: بلى, للنهي, قال الفقيه أبو جعفر2 منهم وعليه مشايخنا: وعندنا يجب دم القران وتسقط عنه العمرة نص عليه. وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف; لأن الوقوف من أفعال الحج, فلم يتعلق به رفض العمرة, كإحرام الحج; ولأن الإحرام لا يرتفض برفضه, ولا يتحلل بوطء مع تأكده, فالوقوف أولى
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "عليها".
2 هو الطحاوي صاحب شرح معاني الآثار وقد تقدم في الجزء الثاني.

(5/378)


وليس كإحرام بحجتين, لأنه لا يصح المضي فيهما والوقت لا يصلح لهما, وهذا بخلافه, وسبق في صفة القران إذا لزمه طوافان وسعيان1 "والله أعلم".
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "346".

(5/379)


فصل: وإن أحرم مطلقا,
بأن نوى نفس الإحرام ولم يعين نسكا صح "و" كإحرامه بمثل إحرام فلان, ثم يجعله ما شاء, نص عليه "و هـ م" بالنية لا باللفظ, ولا يجزئه العمل قبل النية, كابتداء الإحرام, وقال الحنفية: فإن طاف شوطا كان للعمرة; لأنه ركن فيه, فكان أهم, وكذا لو أحصر أو جامع; لأنه أقل, وإن2 وقف بعرفة كان للحج, كذا قالوا.
وقال أحمد أيضا: يجعله عمرة, كإحرامه بمثل إحرام فلان. وقاله القاضي إن كان في غير أشهره, وذكر غيره أنه أولى, كابتداء إحرام الحج في غيرها. على ما سبق.
وقال الشافعية: إن جعله حجا بعد دخول أشهره لم يجزئ في الأصح, بناء على انعقاده عمرة لا مبهما. وفي الرعاية: إن شرطنا تعيين ما أحرم به بطل المطلق, كذا قال. وإن أبهم إحرامه فأحرم بما أحرم به فلان أو بمثله صح, لخبر جابر أن عليا قدم من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بم أهللت" ؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم, فقال "فاهد وامكث حراما" وفي خبر أنس: أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي موسى أنه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 في "س" "ولو".

(5/379)


أحرم كذلك قال: "سقت من هدي" ؟ قال: لا, قال: "فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل" متفق عليهما1, فإن علم انعقد بمثله, فإن كان مطلقا فكما سبق, فظاهره لا يلزمه صرفه إلى ما يصرف إليه, كظاهر مذهب الشافعي, ولا إلى ما كان صرفه إليه, كأصح الوجهين لهم, وأطلق بعض أصحابنا احتمالين, وظاهر كلام أصحابنا: يعمل بقوله لا بما وقع في نفسه, وللشافعية وجهان.
وإن كان إحرامه فاسدا فيتوجه الخلاف2 لنا وللشافعية فيما إذا نذر عبادة فاسدة هل تنعقد بصحيحة؟ وإن جهله فكمنسي على ما يأتي3. وقال الحنفية: يجعل نفسه قارنا, وكذا عندنا إن شك هل أحرم, ذكره في الكافي4, والأشهر كما لو لم يحرم, فيكون إحرامه مطلقا, وظاهره: ولو علم بأنه لم يحرم, كظاهر مذهب الشافعي, لجزمه بالإحرام, بخلاف: إن كان محرما فقد أحرمت, فلم يكن محرما.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية و"ط" "عليها" الأول البخاري "4352" ومسلم "1216" "141" والثاني البخاري "1558" ومسلم "1250" "213" والثالث اليخاري "1559" ومسلم "1221" "156".
2 في الأصل "الاختلاف".
3 ص "381 و383".
4 "2/329".

(5/380)


ولو قال: إن أحرم زيد فأنا محرم, فيتوجه أن لا يصح "و" ولو قال: أحرمت يوما أو بنصف نسك ونحوهما فيتوجه خلاف, أو يصح, كالشافعية.
وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة, نقله أبو داود, كما لو نذر الإحرام بنسك ونسيه; لأنها اليقين. احتج به القاضي وابن عقيل وغيرهما, ومرادهم: له جعله عمرة, لا تعيينها, وعنه: ما شاء, جزم به القاضي
ـــــــ
.......................................

(5/381)


وجماعة, وحمل نص أحمد على الندب. وأطلق جماعة: هل يجعله ما شاء أو عمرة؟ على وجهين: فإن عينه بقران صح حجه, وقيل: يلزمه دم قران, احتياطا, وقيل: وتصح عمرته, بناء على إدخال العمرة 1على الحج لحاجة, فيلزمه دم قران.
وإن عينه بتمتع فكفسخ حج إلى عمرة, ويلزمه دم المتعة ويجزئه عنهما. وإن كان شكه بعد طواف العمرة جعله عمرة, لامتناع إدخال الحج إذن لمن لا هدي معه, فإذا سعى وحلق فمع بقاء وقت الوقوف يحرم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "ب" "عمرة".

(5/382)


بالحج ويتمه1 ويجزئه, ويلزمه دم للحلق في غير وقته إن كان حاجا, وإلا فدم متعة.
وإن كان شكه بعد طواف العمرة وجعله حجا أو قرانا تحلل بفعل الحج ولم يجزئه واحد منهما, للشك2, لأنه يحتمل أن المنسي عمرة, فلا يصح إدخاله عليها بعد طوافها, ويحتمل أنه حج فلا يصح إدخالها عليه, ولا دم ولا قضاء, للشك في سببهما.
وقال الشافعية: إن أحرم بنسك ونسيه جعله قرانا, في الجديد, فيتمه ويجزئه عن الحج, ولا يجزئه عن العمرة, في الأصح, إلا إن جاز إدخالها على الحج فيلزمه دم القران إذن, وإلا فلا, في الأصح, قال أصحابه: ولم يذكر الشافعي القران; لأنه لا بد منه, فلو جعله "حجا وأتى بعمله أجزأه, وإن جعل عمرة" وأتى بأعمال القران أجزأه عنها3 وإن جاز إدخالها على الحج, ولو لم يجعله شيئا وأتى بعمل الحج تحلل ولم يجزئه واحد منهما للشك4 فيما أتى به, ولو أتى بعمل العمرة لم يتحلل لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم عمله.
وإن عرض شكه بعد الوقوف وقبل الطواف أجزأه الحج إن وقف ثانيا لاحتمال أنه كان معتمرا, فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج, وإن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 من هنا بدأ السقط في "ب".
2 في "س" للنسك".
3 في الأصل "عنهما".
4 في "س" و"ط" "لشكه".

(5/383)


عرض بعد الطواف وقبل الوقوف فنوى قارنا وأتى بعمله لم يجزئه عن حج ولا عمرة.
وقال جماعة منهم: يتم أعمال العمرة ومنها الحلق أو التقصير ثم يحرم بالحج, ويأتي به فيصح حجه. قال أكثرهم: إن فعل هذا صح حجه. ولا نفتيه به, لاحتمال أنه كان محرما بحج, وإن هذا الحلق في غير وقته. وقال بعضهم: يباح بالعذر, قالوا: ويلزم غير المكي دم عن الواجب عليه. ولا يعين جهته; لأنه إن كان معتمرا فدم متعة, وإلا فقد حلق في غير وقته, فإن عجز صام كمتمتع, ولا يعين الجهة في صيام1 ثلاثة, فإن صام ثلاثة فقط ففي براءة ذمته وجهان.
وكذا إن عرض الشك بعد الطواف والوقوف. وفي القديم: يتحرى ويعمل بظنه, والأصح: يجزئه. وقال الحنفية: إن أحرم بنسك ونسيه أو شك فيه قبل أن يأتي بفعل من أفعاله وتحرى فلم يظهر له لزمه أن يكون قارنا, احتياطا
ـــــــ
1 في "س" "صوم".

(5/384)


فصل: وإن أحرم بحجتين أو عمرتين
انعقد بواحدة "و م ش" لأن الزمان يصلح لواحدة, فيصح به, كتفريق الصفقة, فدل على خلاف هنا, كأصله, وهو متوجه, ولا ينعقد بهما, كبقية أفعالهما, وكنذرهما في عام واحد, تجب إحداهما ولم تجب الأخرى; لأن الوقت لا يصلح لهما, قاله
ـــــــ
"الثاني" قوله: فإن صام ثلاثة فقط ففي براءة ذمته وجهان انتهى. الظاهر أن هذا من تتمة كلام الشافعية.

(5/384)


القاضي وغيره, ويتوجه الخلاف, وكنية صومين في يوم, وإن أحرم بصلاتي نفل أو إحداهما قاله في الخلاف والانتصار ويتوجه وجه: مطلقا انعقد بالنافلة لعدم اعتبار التعيين. وقال أبو حنيفة: ينعقد بالنسكين ويقضي واحدة, فلو أفسده قضاهما, عنده. وقال داود: لا ينعقد بواحدة منهما, لقوله: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 1 وهو منهي عنه, وأجاب القاضي وغيره يحمله على. غير مسألتنا قال الحنفية: من أحرم بحج ثم يوم النحر بأخرى لزمتاه, فإن حلق في الأولى فلا شيء عليه, وإلا لزمه عند أبي حنيفة, قصر أو لم يقصر. وعند صاحبيه: إن لم يقصر فلا شيء عليه; لأن الجمع بين إحرامي الحج بدعة, كالجمع بين إحرامي العمرة, فإذا حلق فهو أولى إن كان نسكا في الإحرام الأول فهو جناية على الثاني; ولأنه في غير أوانه, وإن لم يحلق حتى حج في العام القابل فقد أخر الحلق عن وقته في الإحرام الأول, وذلك يوجب الدم عند أبي حنيفة, وعندهما: لا.
قال الحنفية: ومن فرغ من عمرته "إلا" التقصير فأحرم بأخرى فعليه دم, لإحرامه قبل الوقت; لأنه جمع بين إحرامي العمرة, وهذا مكروه. قالوا: فلو فاته الحج ثم أحرم بحج أو عمرة فقد جمع بين العمرتين من حيث الأفعال وبين الحجتين إحراما, فعليه أن يرفضها, كما لو أحرم بهما معا ويقضيها لصحة الشروع فيها, ودم لرفضهما2 بتحلله قبل أوانه, بناء على
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2697" ومسلم "1718" "17" "18" من حديث عائشة.
2 في "ط" "لرفضها".

(5/385)


أصلهم أن فائت الحج يتحلل بأفعالها من غير أن ينقلب إحرامه إحرامها, والله أعلم.
وإن أهل لعامين, فذكر أبو بكر رواية أبي طالب إذا قال لبيك العام وعام قابل. فإن عطاء يقول: يحج العام ويعتمر قابل.
وإن أحرم عن اثنين وقع عن نفسه "و" لأنه لا يمكن عنهما ولا أولوية. وكإحرامه عن زيد ونفسه, وكذا إن أحرم عن أحدهما لا بعينه, لأمره بالتعيين, واختار القاضي وأبو الخطاب: له جعله لأيهما شاء, لصحته بمجهول, فصح عنه, قال الحنفية: هو الاستحسان; لأن الإحرام وسيلة إلى مقصود, والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين, فاكتفي به شرطا, فلو طاف شوطا أو سعى أو وقف بعرفة قبل جعله تعين على نفسه; لأنه لا يلحقه فسخ ولا يقع عن غير معين.
وعنه: يبطل إحرامه, كذا في الرعاية الكبرى. ويضمن ويؤدب من أخذ من اثنين حجتين ليحج عنهما في عام, لفعله محرما, نص عليه. فإن استنابه اثنان في عام في نسك فأحرم عن أحدهما بعينه ونسيه وتعذر معرفته فإن فرط أعاد الحج عنهما.
وإن فرط الموصى إليه بذلك غرم ذلك, وإلا فمن تركة الموصيين إن كان النائب غير مستأجر لذلك, وإلا لزماه. وإن أحرم عن أحدهما بعينه ولم ينسه1 صح ولم يصح إحرامه للآخر بعده, نص عليه, وظاهر ما
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "ينسبه".

(5/386)


سبق فيمن أهل بحجة عن أبويه.
وقال الحنفية: من أهل بحجة عنهما أجزأه أن يجعلها عن أحدهما, لا من حج عن غيره بغير أمره, فإنما يجعل ثواب حجه له1, وذلك بعد أداء الحج, فلغت نيته قبل أدائه, وصح جعله ثوابه لأحدهما بعد الأداء, بخلاف المأمور, كذا قالوا, وسبق آخر المناسك في فصل الاستنابة عن المعضوب2..
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 من هنا بداية السقط في "س".
2 ص "294".

(5/387)


فصل: التلبية سنة لا تجب,
وسبق أول الباب3, وتستحب عقب إحرامه, جزم به بعضهم, لما سبق, وجزم بعضهم إذا ركب, والمراد: واستوت به راحلته قائمة; لأنه4 في الصحيحين5 من حديث ابن عمر, ولفظ البخاري6 من حديث جابر وأنس: أهل. ونقل حرب: يلبي متى شاء ساعة يسلم وإن شاء بعد, وعند الشافعية هي كالإحرام.
وصفتها في الصحيحين7 عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك, والملك لا شريك لك" قال الطحطاوي والقرطبي: أجمع العلماء على هذه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 ص "323"
4 الأصل "لأن".
5 البخاري "1552" ومسلم "1187" "28".
6 في صحيحه "1651" و"1546".
7 البخاري "1549" ومسلم "1184" "19".

(5/387)


التلبية, ويقول "لبيك إن" . بكسر الهمزة عند أحمد, قال شيخنا: هو أفضل عند أصحابنا والجمهور, فإنه حكي عن محمد بن الحسن والكسائي والفراء وغيرهم, وقاله الحنفية والشافعية, وحكى الفتح عن أبي حنيفة وآخرين.
قال ثعلب: من كسر فقد عم يعني حمد لله على كل حال, قال: ومن فتح فقد خص, أي لأن الحمد لك أي لهذا السبب.
ولبيك لفظه مثنى, وليس بمثنى, لأنه لا واحد له من لفظه, ولم يقصد به التثنية بل للتكثير1. والتلبية من لب بالمكان إذا أقام به, أي أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة, كما قالوا: حنانيك ونحوه, والحنان الرحمة وعند يونس لفظها مفرد, والياء فيها كالياء في عليك وإليك ولديك, قلبت الباء الثالثة ياء استثقالا لثلاث باءات, ثم ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها, ثم ياء لإضافتها إلى مضمر, كما في لديك2, ورده سيبويه بقول الشاعر3:
................. ... .... "فلبي يدي مسور"
بالياء دون الألف مع إضافته إلى الظاهر, وهي جواب الدعاء. والداعي قيل: هو الله, وقيل: محمد, وقيل: إبراهيم عليهما الصلاة والسلام "م 7"
ـــــــ
"مسألة 7" قوله في التلبية: هي جواب الدعاء, والداعي قيل: هو الله تعالى وقيل محمد وقيل إبراهيم عليهما من الله أفضل الصلاة والسلام, انتهى. "قلت" أكثر العلماء على أنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم, وقد قطع به البغوي وغيره من أهل التفسير.
ـــــــ
1 في الأصل "التكبير".
2 في الأصل "ويديك".
3 هذا عجز اليت وتمامه:
دعوت لما نابني مسورا
فلبى فلبي يدي مسورا
ينظر الخزانة "2/92" وسيبويه "1/352".

(5/388)


ولا تستحب الزيادة عليها "هـ" ولا يكره, نص عليه "و م ش" لقول ابن عمر: إن رسول الله, صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد على ذلك1. وزاد ابن عمر في آخرها لبيك لبيك2 وسعديك, والخير في يديك, والرغباء إليك والعمل. متفق عليه3. وفي الموطإ وأبي داود4 في زيادته: لبيك لبيك لبيك, ثلاث مرات. وزاد عمر ما زاده ابنه. متفق عليه5 وعنه أيضا: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن, لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك. رواه الأثرم وابن المنذر6 ولمسلم وأبي داود7 من حديث جابر كخبر ابن عمر, والناس يزيدون8 ذا المعارج ونحوه من الكلام, والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا, ولزم تلبيته. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في تلبيته لبيك إله الحق لبيك" حديث حسن, رواه أحمد والنسائي وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم9. وفي الإفصاح لابن هبيرة: تكره الزيادة, وقيل له: الزيادة بعدها لا فيها, وللبخاري10 التلبية من حديث عائشة كابن عمر, وليس فيه "والملك لا شريك لك"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5915" ومسلم "1184" "21".
2 ليست في الأصل.
3 البخاري "1549" ومسلم "1184" "21".
4 الموطأ "1/331" وأبو داود "1812".
5 البخاري "1549" ومسلم "1184" "21".
6 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "193".
7 مسلم "1218" "147" وأبو داود "1813".
8 ليست في الأصل و"ط" والمثبت من مصادر البخريج.
9 أحمد "8497" والنسائي في المجتبى "5/161" وابن ماجه "2920" وابن حبان "3800" والحاكم "1/619".
10 في صحيحه "1550".

(5/389)


وقد نقل المروذي: كان في حديث ابن عمر "والملك لا شريك لك" فتركه لأن الناس تركوه, وليس في حديث عائشة واستحب الشافعية إذا رأى ما يعجبه: لبيك إن العيش عيش الآخرة, لرواية الشافعي1 عن مجاهد مرسلا: تلبية ابن عمر حتى إذا كان ذات يوم والناس ينصرفون2 عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيه ذلك, وكذا ذكر الآجري إذا رأى ما يعجبه قال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة3.
ويستحب أن يلبي عن أخرس ومريض, نقله ابن إبراهيم, قال جماعة: وجنون وإغماء, زاد بعضهم: ونوم, وقد ذكروا أن إشارة الأخرس المفهومة4 كنطقه.
وتتأكد التلبية إذا علا نشزا أو هبط واديا أو لقي رفقة, أو سمع ملبيا, وعقيب مكتوبة, أو أتى محظورا ناسيا, وأول الليل والنهار, أو ركب, زاد في الرعاية: أو نزل, وقاله الشافعية, ولم يقيدوا الصلاة بمكتوبة. قال النخعي: كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا هبط واديا أو علا نشزا أو لقي ركبا أو استوت به راحلته. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي في حجته. كذلك, ولم يذكر: إذا استوت به راحلته, وزاد: ومن آخر الليل5, وعند مالك: لا يلبي عند لقاء الرفقة, وفي
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "1/304".
2 في "ط" "ينصفون".
3 أخرجه البخاري "4099".
4 في الأصل "المفهمة".
5 أخرجه مسلم "1218" "147".

(5/390)


المستوعب: يستحب عند تنقل الأحوال به, وذكر كما سبق, وزاد: وإذا رأى البيت.
ويستحب رفع صوته بها, لخبر السائب بن خلاد "أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية" أسانيده جيدة, رواه الخمسة, وصححه الترمذي1, ولأحمد2 من رواية ابن إسحاق "أن جبريل قال له: كن عجاجا ثجاجا" والعج: التلبية, والثج: نحر البدن. وعن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر الصديق "رضي الله عنه" أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ قال: "العج والثج"3 عبد الرحمن تفرد عنه ابن المنكدر, قال الترمذي: ولم يسمع منه, وقال: حديث غريب, ومن رواه على غير ذلك فقد أخطأ عند أحمد والبخاري والترمذي. وقال أحمد وابن معين في رواية مهنا: أصل الحديث معروف, ويختلفون في إسناده.
وكره مالك إظهارها في غير المساجد, حكاه بعضهم, وذكر ابن هبيرة أنهم اتفقوا على أن أظهارها مسنون في الصحاري, ولا يستحب إظهارها في مساجد الحل وأمصارها "هـ" ذكره الأصحاب, والمنقول عن أحمد: إذا أحرم في مصره. لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز, لقول ابن عباس لمن سمعه يلبي بالمدينة: إن هذا لمجنون, إنما التلبية إذا برزت4.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أبو داود "1814" والترمذي "829" والنسائي في المجتبى "5/162" وابن ماجه "2922" وأحمد "16557/1".
2 في مسنده "16566".
3 أخرجه الترمذي "827".
4 أخرجه الإمام أحمد في مسائله برواية أبي داود ص "99".

(5/391)


واحتج القاضي وأصحابه بأن إخفاء التطوع أولى خوف الرياء على من لا يشاركه في تلك العبادة, بخلاف البراري وعرفات والحرم ومكة, واحتج الشيخ بكراهة رفع الصوت في المسجد. وجديد قولي الشافعي كما سبق عن أبي حنيفة وجمهور أصحابه أن الخلاف في أصل التلبية, فإن استحبت استحب إظهارها وإلا فلا, وبعضهم في إظهارها وأنه إن لم يستحب ففي المساجد الثلاثة وجهان, وذكر ابن هبيرة عن مالك وأحمد كقولنا.
وعند شيخنا: لا يلبي بوقوفه بعرفة ومزدلفة, لعدم نقله, كذا قال, وكانت عائشة تتركها إذا راحت إلى الموقف, وعن جعفر بن محمد أن عليا كان يقطعها إذ زاغت الشمس من يوم عرفة, رواهما مالك1, ويأتي متى يقطعها2.
والإكثار منها, لخبر سهل بن سعد "ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وعن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهنا" رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين, وهو ضعيف عنهم, وكذا الترمذي3, ورواه4 أيضا بإسناد جيد. وعن جابر مرفوعا "ما من محرم يضحي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الموطأ "1/338".
2 ص "395".
3 ابن ماجه "2921" والترمذي "828".
4 الترمذي في سننه إثر حديث "828".

(5/392)


غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه" إسناده ضعيف, رواه أحمد وابن ماجه1.
والدعاء بعدها "م" لخبر خزيمة: إنه كان يسأل الله رضوانه والجنة, ويستعيذ برحمته من النار, إسناده ضعيف, رواه الشافعي والدارقطني2.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم3 بعدها "م" لقول القاسم "ابن محمد" كان يستحب ذلك, فيه صالح بن محمد بن زائدة, قواه أحمد, وضعفه الجماعة, رواه الدارقطني4; ولأنه يشرع فيه ذكر الله كصلاة وأذان.
ولا يستحب تكرار التلبية في حالة واحدة. قاله أحمد, وقاله في المستوعب وغيره, وقال له الأثرم: ما شيء يفعله العامة يكبرون دبر الصلاة ثلاثا؟ فتبسم وقال: لا أدري من أين جاءوا به, قلت: أليس يجزئه مرة؟ قال: بلى; لأن المروي التلبية مطلقا. واستحبه في الخلاف, لتلبسه بالعبادة.
وقال الشيخ: حسن, فإن الله وتر يحب الوتر. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثا, وإذا سأل سأل ثلاثا. رواه مسلم5, ولأحمد وأبي داود6 أنه كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "15008" وابن ماجه "2925".
2 الشافعي "1/307" والدارقطني "2/237".
3 إلى هنا نهاية السقط في "س".
4 في سننه "2/237".
5 في صحيحه "1794" "107".
6 أحمد "3744" وأبو داود "1524".

(5/393)


وللبخاري1 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وفي الرعاية: يكره تكرارها في حالة واحدة, كذا قال
قال وتسن نسقا, ومثلها التكبير دبر الصلاة في الأضحى والتشريق, ذكره الشيخ, ويعتبر أن تسمع امرأة نفسها بها "و" والسنة أن لا ترفع صوتها, حكاه ابن عبد البر "ع". ويكره جهرها أكثر من قدر2 سماع رفيقها, خوف الفتنة "و ش" ومنعها في الواضح, ومن أذان أيضا, وعلى. قولنا: صوتها عورة تمنع, كبعض الشافعية, وظاهر كلام بعض أصحابنا: تقتصر على إسماع3 نفسها, وهو متجه "و ش" وفي كلام أبي الخطاب والشيخ والمستوعب وجماعة: لا ترفع إلا بقدر ما تسمع رفيقتها.
ولا تشرع إلا بالعربية إن قدر, كأذان وذكر وصلاة, ولم يجوز أبو المعالي الأذان بغير العربية إلا لنفسه مع عجزه وهل يستحب ذكر نسكه فيها؟ فيه وجهان
ـــــــ
"مسألة 8" قوله: وهل يستحب ذكر نسكه فيها يعني في التلبية؟ فيه وجهان, انتهى.
"أحدهما" يستحب, وهو الصحيح, قدمه الشيخ في المغني4 والشارح ونصراه, وقدمه في الفائق, وابن رزين في شرحه, واختاره في الرعاية الكبرى.
ـــــــ
1 في صحيحه "94".
2 ليست في "س".
3 في "س" "سماع".
4 "5/104".

(5/394)


ويستحب للقارن ذكر العمرة قبل الحج1, نص عليه, لقول أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لبيك عمرة وحجا" متفق عليه2, وذكر الآجري الحجة قبل العمرة, وأنه يذكر نسكه فيها أول مرة.
ويقطع الحاج التلبية عند رمي أول حصاة من جمرة العقبة, قال أحمد: يلبي حتى يرمي جمرة العقبة يقطع عند أول حصاة "و هـ ش" لأن في الصحيحين3 عن ابن عباس أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة, ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى, فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة. وللنسائي4: فلما رمى قطع التلبية, ورواه حنبل: قطع عند أول حصاة. وكان ابن عباس بعرفة فقال: مالي لا أسمع الناس يلبون؟ فقال سعيد بن جبير: يخافون من معاوية. فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك, فإنهم قد تركوا السنة عن بغض علي. رواه النسائي5 بإسناد جيد, وفيه خالد بن مخلد ثقة, لكنه شيعي له مناكير. ولبى النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة, قاله ابن مسعود, رواه مسلم6. ولبى من منى إلى عرفة, فقيل له: ليس يوم تلبية بل يوم تكبير, فقال: أجهل الناس
ـــــــ
والوجه "الثاني" لا يستحب, جزم به في الهداية والمستوعب "قلت": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب, فهذه ثمان مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 في الأصل و"ط" "الحجة".
2 تقدم تخريجه ص "336".
3 البخاري "1670" ومسلم "1280" "266".
4 في المجتبى "5/258".
5 في المجتبى "5/253".
6 في صحيحه "1283" "271".

(5/395)


أم نسوا؟ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخالطها تكبير أو تهليل. رواه أحمد1, ولأنه يتحلل بشروعه في الرمي فيقطعها كالمعتمر بشروعه في الطواف, بخلاف ما قبله.
وأصح روايتي مالك: يقطع إذا زالت الشمس من يوم عرفة, لما سبق في إظهارها, ولمالك2 عن نافع: كان ابن عمر يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت ثم يسعى ثم يلبي حين3 يغدو من منى إلى عرفة, فإذا غدا ترك التلبية, وكان يقطع التلبية في العمرة حين يدخل الحرم.
ويقطعها المعتمر والمتمتع بشروعه في الطواف, نص عليه "و هـ ش" وهو معنى قوله: إذا استلم الحجر, فلا وجه لذكره, خلافا لما روى الترمذي4 وصححه عن ابن عباس يرفع الحديث أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر. وقال ابن عباس: يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر, صحيح رواه جماعة, ورواه أبو داود5 مرفوعا من رواية ابن أبي ليلى, وهو ضعيف عند الأكثر; ولأنه لا يتحلل قبله, فلا يقطعها, كما قبل محل النزاع, وعند مالك: يقطع إذا وصل الحرم إن أحرم من الميقات, وإن أحرم من أدنى الحل فإذا رأى البيت. وقال الخرقي: يقطعها إذا وصل البيت, وجزم به في المستوعب وغيره, وعن أحمد:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "3961".
2 في الموطأ "1/343".
3 في "ط" "حتى".
4 في سننه "919".
5 في سننه "1817".

(5/396)


برؤيته, وحملا على الأول. ولا بأس بها في طواف القدوم, قاله أحمد والأصحاب, لما سبق, ولإمكان الجمع, ولا دليل للكراهة.
وحكى الشيخ عن أبي الخطاب: لا يلبي; لأنه مشتغل بذكر يخصه, قال ابن عيينة: ما رأينا أحدا يقتدي به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب, وهو جديد قولي الشافعي, والقديم: يستحب, قال الأصحاب: لا يظهرها فيه "و" وفي المستوعب وغيره: لا يستحب.
ومعنى كلام القاضي: يكره, وصرح به الشيخ, قال: لئلا يشوش على الطائفين. وفي الرعاية وجه1: يسن, والسعي بعد طواف القدوم يتوجه أن حكمه كذلك, وهو مراد أصحابنا; لأنه تبع له "و ش" ولا بأس أن يلبي الحلال, ذكره الشيخ "و هـ ش" كسائر الأذكار, ويتوجه احتمال: يكره "و م" لعدم نقله, ولو صح اعتبارها بسائر الأذكار كانت مستحبة, ويتوجه أن الكلام في أثنائها ومخاطبته حتى بسلام ورده منه كأذان, والله "سبحانه وتعالى", أعلم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 بيست في "س".

(5/397)


باب محظورات الإحرام وكفارات وما يتعلق بذلك
مدخل
...
باب محظورات الإحرام وكفارات وما يتعلق بذلك
وهي تسع: إزالة الشعر:
بحلق أو قطع أو نتف أو غيره بلا عذر يتضرر بإبقاء الشعر, بالإجماع, لقول الله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وقال كعب بن عجرة كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي, فقال: "ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى, أتجد شاة" ؟ قلت: لا, فنزلت الآية {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قال: "هو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاما لكل مسكين" متفق عليه1. ولمسلم2: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال: كأن هوام رأسك تؤذيك فقلت: أجل, فقال: "فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين"
والفدية في ثلاث شعرات, هذا المذهب, قاله القاضي وغيره, ونصره هو وأصحابه, نص عليه "و ش"; لأن الثلاث جمع, واعتبرت في مواضع, كمحل الوفاق, بخلاف ربع الرأس وما يماط به الأذى,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1816" ومسلم "1201" "85".
2 في صحيحه "1201" "80".

(5/398)


وعنه: في أربع. نقلها جماعة, واختارها الخرقي, لأن الأربع كثير. وذكر ابن أبي موسى رواية في خمس, اختارها أبو بكر في التنبيه, ولا وجه لها.
وعند أبي حنيفة: في ربع الرأس, وكذا في الرقبة كلها أو الإبط الواحد أو العانة; لأنه مقصود. وقال صاحباه: إذا حلق عضوا لزمه دم, وإن كان أقل فطعام, أي الصدر والساق وشبهه. وإن أخذ من شاربه نسب, فيجب في ربعه قيمة ربع دم وإن حلق موضع المحاجم لزمه دم, عنده, وقالا: صدقة.
وعند مالك: فيما يماط به الأذى, ويتوجه بمثله احتمال.
والفدية دم أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد1 بر, في رواية وهي "أشهر" ككفارة اليمين. وفي رواية: نصف صاع "م 1" "و م ش" كغيره;
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: والفدية يعني في حلق الرأس وتقليم الأظفار دم أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر, في رواية وهي أشهر, ككفارة اليمين وفي رواية: نصف صاع, انتهى.
والصحيح من المذهب هو الأول, وهو أشهر كما قال المصنف, وجزم به في المقنع2 وشرح ابن منجى والرعايتين والحاويين والوجيز والمنور وغيرهم, وقدمه في الفائق وشرح ابن رزين.
والرواية الثانية جزم بها في الكافي3. وأطلقها في المغني4 والشرح2.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل "من".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/223".
3 "2/377".
4 "5/1/38".

(5/399)


لأنه ليس بمنصوص عليه, فيعتبر بالتمر والزبيب المنصوص عليهما كالشعير. وعن الحنفية: من البر نصف صاع, ومن غيره صاع.
واختار شيخنا: يجزئ خبز رطلان عراقية, وينبغي أن يكون بأدم وإن مما يأكله أفضل من بر وشعير. قال أحمد والأصحاب: أو صوم ثلاثة أيام, واختار الآجري: يصوم ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع. وقال الحسن ونافع وعكرمة: يصوم عشرة والصدقة على عشرة, كذا قالوا.
وغير المعذور مثله في التخيير, نقل جعفر وغيره: كل ما في القرآن "أو" فهو مخير, ذكره الشيخ ظاهر المذهب "و م ش"; لأنه تبع للمعذور, والتبع لا يخالف أصله; ولأن كل كفارة خير فيها لعذر خير بدونه كجزاء الصيد, ولم يخير الله بشرط العذر, بل الشرط لجواز الحلق.
وعنه: من غير عذر يتعين الدم, فإن عدمه أطعم, فإن تعذر صام, جزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف "و هـ"; لأنه دم يتعلق بمحظور يختص الإحرام, كدم يجب بترك رمي ومجاوزة ميقات, وله تقديم الكفارة على الحلق ككفارة اليمين.
وفي كل شعرة إطعام مسكين, نص عليه, وهو المذهب عند الأصحاب; لأنه أقل ما وجب شرعا فدية, وعنه: قبضة طعام, لأنه لا تقدير فيه, فدل1 أن المراد يتصدق بشيء. وعنه: درهم, وعنه: نصفه, وعنه: درهم أو نصفه, ذكرها أصحاب القاضي, وخرجها هو من ليالي منى, وعند الحنفية
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "مما".

(5/400)


كالأول, وفي كلامهم أيضا: عليه صدقة, وعن مالك مثله, وعنه أيضا: لا ضمان فيما1 لم يمط به الأذى.
وعن الشافعي ثلث درهم, وعنه: إطعام مسكين, وعنه: درهم, ويتوجه تخريج كقوله الأول, لأن ما ضمنت به الجملة ضمن بعضه بنسبته كصيد, وبعض شعر كهي; لأنه غير مقدر بمساحة بل كموضحة يستوي صغيرها وكبيرها. وخرج ابن عقيل وجها بنسبته كأنملة أصبع.
وشعر البدن كالرأس في الفدية "و" خلافا لداود, لحصول الترفه به2, بل أولى, أن الحاجة لا تدعو إليه.
وشعر الرأس والبدن واحد في رواية "اختارها" جماعة منهم أبو الخطاب والشيخ; لأنه جنس واحد كسائر البدن, وكلبسه قميصا وسراويل وفي رواية: لكل "واحد" منهما حكم منفرد3 نقله الجماعة4, ونصره القاضي وجماعة "م 2" "و" لأنهما كجنسين, لتعلق النسك بالرأس
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: وشعر الرأس والبدن واحد, في رواية اختارها جماعة منهم أبو الخطاب والشيخ. وفي رواية لكل واحد منهما حكم منفرد, نقله الجماعة, ونصره القاضي وجماعة, انتهى. وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص وشرح ابن منجى والزركشي وغيرهم.
"إحداهما" أن شعر الرأس والبدن واحد, وهو الصحيح, اختاره أبو الخطاب في الهداية والشيخ الموفق والشارح وقالا: هذا ظاهر المذهب, وهو ظاهر كلام
ـــــــ
1 بعدها في الأصل "على".
2 ليست في الأصل.
3 في النسخ الخطية "مفرد".
4 في الأصل "جماعة".

(5/401)


فقط, فهو كحلق ولبس. وذكر جماعة: إن لبس أو تطيب في رأسه وبدنه فالروايتان, ونص أحمد "رحمه الله" فدية واحدة. وجزم به القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وغيرهم; لأن الحلق إتلاف, فهو آكد, والنسك يختص بالرأس, وذكر ابن أبي موسى الروايتين في اللبس.
وإن حلق محرم أو حلال رأس محرم بإذنه فالفدية على المحلوق رأسه, ولا شيء على الحالق "و م ش"; لأن الله تعالى أوجب الفدية مع علمه أن غيره يحلقه. وعن أبي حنيفة: عليه صدقة.
وفي الفصول: احتمال الضمان عليه, كشعر الصيد, كذا قال: وإن سكت لم ينهه فقيل: على الحالق, كإتلافه ماله وهو ساكت, وقيل: على المحرم; لأنه أمانة عنده كوديعة "م 3" وإن حلقه مكرها أو نائما فالفدية
ـــــــ
الخرقي, وجزم به الهادي والمنور, وقدمه في الخلاصة والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وشرح ابن رزين وغيرهم. "والرواية الثانية" لكل واحد منهما حكم منفرد, اختارها القاضي في التعليق وغيره وابن عقيل وجماعة, وجزم به في المبهج ونظم المفردات وقال:
بنيتها على الصحيح الأشهر
وهو ظاهر كلامه في الوجيز.
"مسألة 3" قوله: وإن حلق محرم أو حلال رأس محرم بإذنه فالفدية على المحلوق رأسه, ولا شيء على الحالق وإن سكت ولم ينهه فقيل: على الحالق, كإتلافه ماله وهو ساكت, وقيل: على المحرم, لأنه أمانة عنده كوديعة, انتهى. وأطلقهما في المستوعب والمغني1 والتلخيص والمحرر والشرح2 والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
ـــــــ
1 "5/386".
2 "8/228".

(5/402)


على الحالق, نص عليه "و م" لأنه أزال ما منع منه, كحلق محرم رأس نفسه; ولأنه لا صنع من المحلوق رأسه, كإتلاف وديعة بيده, وقيل: على المحلوق رأسه "و هـ" وللشافعي القولان. وفي الإرشاد1 وجه: القرار على الحالق. ويتوجه احتمال لا فدية2 على أحد; لأنه لا دليل.
وإن حلق محرم حلالا فهدر, نص عليه "و م ش" لإباحة إتلافه. وفي الفصول احتمال; لأن الإحرام للآدمي كالحرم للصيد. وعند أبي حنيفة يتصدق بشيء, ومن طيب غيره وفي كلام بعضهم أو ألبسه فكالحلق3.
وإن نزل شعره فغطى عينيه أزال ما نزل, أو خرج فيها أزاله, ولا شيء عليه, كقتل صيد صائل, أو قطع جلدا بشعر, أو افتصد فزال; لأن التابع لا يضمن, كقلع أشفار عين لم يضمن هديها أو حجم أو احتجم ولم يقطع شعرا, ويتوجه في الفصد احتمال مثله.
ـــــــ
إحداهما4 الفدية على المحلوق رأسه, وهو الصحيح, صححه في المذهب ومسبوك الذهب وتصحيح المحرر, وهو ظاهر كلامه في المنور, فإنه قال: وإن حلق مكره فدى الحالق, وجزم به في الكافي5.
والقول الثاني: الفدية على الحالق, قال الآدمي في منتخبه: وإن حلق بلا إذنه فدى الحالق, وجزم به في الإفادات, وهو ظاهر كلامه في المقنع6.
ـــــــ
1 ص "162".
2 في الأصل و"س" "ط" "القرار" والتصويب من الإنصاف "8/229" والإرشاد إلا أن عبارة الإرشاد: الفدية على الحلال دون المحرم.
3 في "س" و"ط" "فكالحلق".
4 في "ح" و"ط" "إحداهما".
5 "2/376".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/228".

(5/403)


وقال في المبهج: إن أزال شعر الأنف لم يلزمه دم, لعدم الترفه, كذا قال, وظاهر كلام غيره خلافه, وهو أظهر, وإن حصل أذى من غير الشعر كشدة حر وقروح وصداع أزاله وفدى, كأكل صيد لضرورة. وله تخليل لحيته ولا فدية بقطعه بلا تعمد, نقله ابن إبراهيم والمذهب أنه إن تيقن أنه بان بمشط أو تخليل فدى, قال أحمد: وإن خللها فسقط إن كان شعرا ميتا فلا شيء, وتستحب الفدية مع شكه.
وفي الفصول: إن شك في عدد بيض صيد احتاط, كشكه. في عدد صلوات تركها وله حك رأسه ويديه برفق, نص عليه, ما لم يقطع شعرا, وقيل غير الجنب لا يخللهما بيديه ولا يحكهما بمشط أو ظفر وله غسله في حمام وغيره بلا تسريح, روي عن عمر وعلي وابن عمر وجابر وغيرهم "و هـ ش"; لأن النبي صلى الله عليه وسلم "غسل رأسه وهو محرم ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما, وأدبر" متفق عليه من حديث أبي أيوب, واغتسل عمر وقال: "لا يزيد الماء الشعر إلا شعثا" , رواه مالك والشافعي, وعن ابن عباس: قال لي عمر ونحن محرمون بالجحفة: تعال أباقيك أينا أطول نفسا في الماء رواه سعيد.
ـــــــ
.......................................

(5/404)


وكره مالك غطسه في الماء وتغييب رأسه فيه, والكراهة تفتقر إلى دليل, ويتوجه قول: تركه أولى أو الجزم به; لأن ابن عمر كان لا يغسل رأسه إلا من احتلام, رواه مالك1. وقال ابن عباس: لا يدخل المحرم الحمام رواه البخاري2, وللشافعي3 عنه: أنه دخل حماما بالجحفة وقال: ما يعبأ الله بأوساخنا. ويحمل هذا وما سبق على الحاجة, أو أنه لا يكره, وإلا فالجزم بأنه لا بأس به مع أنه مزيل للشعث والغبار, مع الجزم بالنهي عن النظر في المرآة لإزالة شعث وغبار, فيه نظر ظاهر, مع أن الحجة "انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا" 4 وهي هنا, فيتوجه من عدم النهي هنا عدمه هناك بطريق الأولى, لزوال الغسل من الشعث والغبار ما لا يزيل النظر في المرآة واحتماله إزالة الشعر, كما سيأتي5; فلهذا يتوجه من الكراهة هناك القول بها هنا.
وإن غسله بسدر أو خطمي ونحوهما6 جاز "و ش" قاله القاضي وغيره, واحتج في رواية أبي داود في المحرم الذي وقصته راحلته7, وذكر جماعة: يكره, وجزم به في المستوعب والشيخ, وحكاه عن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "الموطأ" "1/324".
2 في صحيحه تعليقا قبل حديث "1840" بدون أداة النهي.
3 في مسنده "1/314".
4 أخرجه في مسنده "7089" و"8037" و"8047" من حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي هريرة.
5 ص "526".
6 في الأصل: "ونحوها".
7 سير ذكره مع تخريجه ص "411".

(5/405)


"هـ م ش" لتعرضه لقطع الشعر, وكرهه جابر1, واحتج القاضي وغيره بأن القصد منه النظافة وإزالة الوسخ, كالأشنان والماء, ولا نسلم أنه يستلذ رائحته, ثم يبطل بالفاكهة2 والدهن يقصد به الترجيل وإزالة الشعث, مع أنه ذكر عن أحمد أنه كره المحلب3 والأشنان, وعنه: يحرم"م4" ويفدي "و هـ م" نقل صالح: قد رجل شعره ولعله يقطعه من الغسل. وقال أبو يوسف ومحمد: عليه صدقة, كذا في المستوعب وذكره الشيخ وغيرهما أنه يكره, وفي الفدية روايتان. وقيل: هما في تحريمه, فإن أحرم فدى وإلا فلا.
ـــــــ
"مسألة 4" "قوله": وإن غسله بسدر أو خطمي ونحوها جاز, وقاله القاضي وغيره. وذكر جماعة: يكره, وجزم به في المستوعب والشيخ وعنه: يحرم, انتهى.
الصحيح ما قاله القاضي وغيره, وهو ظاهر ما قدمه المصنف وصححه في الكافي4 وغيره.
والقول الثاني يكره, جزم به في المستوعب والشيخ في المغني5 والشارح وابن رزين وغيرهم, "قلت": وهو قوي إذا خاف من قطع الشعر, وعنه: يحرم "قلت": وهي ضعيفة. والله أعلم.
"تنبيه": قوله في هذه المسألة: وعنه: يحرم ويفدي وذكر صاحب المستوعب والشيخ وغيرهما أنه يكره. وفي الفدية روايتان, وقيل: هما في تحريمه, فإن حرم فدى وإلا فلا, انتهى.
ـــــــ
1 أخرجه اين أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "410".
2 أي ينتقض تعليل المنع باستلذاذ رائحته بالفاكهة فهي ذات رائحة ولا يحرم للمحرم أن يشمها.
3 المحلب بفتح الميم: شجر له حب يجعل في الطيب والعطر "تاج العروس" "حلب".
4 "2/372".
5 "5/118".

(5/406)


وقال شيخنا فيمن احتاج1 وقطعه لحجامة أو غسل ولم يضره كذا قال.
ويحرم أن يتفلى المحرم أو يقتل قملا بزئبق أو غيره أو صئبانا; لأنه بيضه, لترفهه, كإزالة الشعر, ولظاهر خبر كعب بن عجرة2, وعنه: يجوز كسائر ما يؤذي, وكالبراغيث, كذا قالوا, وظاهر تعليق القاضي أن البراغيث كقمل, وهو متجه3, وكذا جزم به في الرعاية في موضع: لا يقتله ولا بعوضا, وذكره في موضع قولا وزاد: ولا قرادا.
وقال شيخنا: إن قرصه ذلك قتله مجانا, وإلا فلا يقتله, ورمي القمل
ـــــــ
"قلت": قال في المغني4 وتبعه الشارح وابن رزين: يكره غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما, فإن فعل فلا فدية عليه, وعنه: عليه الفدية ونصروا عدم الفدية. وقال في المستوعب: فإن غسل رأسه بالسدر والخطمي كره له, وهل تلزمه الفدية؟ على روايتين, انتهى. "قلت": الصواب أن محل الروايتين في وجوب الفدية على القول بالتحريم, فأما على القول بالكراهة فبعيد جدا, إلا أن يكون المراد بالكراهة التحريم; لأنها في عرف المتقدمين لذلك. إذا علم ذلك فعلى القول بالكراهة أو الجواز لا فدية, على الصحيح من المذهب, وإن كان الشيخ وغيره قد ذكروا الخلاف في الفدية مع الكراهة, فهم قد صححوا عدم وجوب الفدية, وعلى رواية التحريم تجب الفدية, على الصحيح, وهو الذي قدمه المصنف بقوله: "وعنه: يحرم ويفدي" وقيل: فيه روايتان, كما ذكره المصنف. والله أعلم
ـــــــ
1 في الأصل "احتجم".
2 تقدم تخريجه ص "398".
3 في الأصل "متوجه".
4 "5/118".

(5/407)


كقتله, في قول, وقيل: من غير ظاهر ثوبه. وقال القاضي وابن عقيل: الروايتان فيما "إذا"1 أزاله من شعره وبدنه وباطن ثوبه.
ويجوز من ظاهره, وحكى الشيخ عن القاضي أن الروايتين فيما أزاله من شعره "م 5".
فإن حرم قتل القمل2 فعنه: يتصدق بشيء, روي عن ابن عمر3 "و هـ م" وعنه: لا لخبر كعب; ولأنه لا قيمة له, كسائر المحرم
ـــــــ
"مسألة 5" قوله: ورمي القمل كقتله, في قول, وقيل: من غير ظاهر ثوبه, وقال القاضي وابن عقيل: الروايتان فيما إذا أزاله من شعره وبدنه وباطن ثوبه, ويجوز من ظاهره, وحكى الشيخ عن القاضي أن الروايتين فيما إذا أزاله من شعره, انتهى.
القول الأول هو الصحيح اختاره صاحب المغني4 والشارح, وجزم به ابن رزين وغيره وقدمه في الرعاية الكبرى وغيره, وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والقول الثاني إنما يكون كقتله إذا رماه من5 غير ظاهر ثوبه. وقال الزركشي: قال القاضي في الروايتين: وموضع الروايتين إذا ألقاها من شعر رأسه أو بدنه أو لحمه أما إن ألقاها من ظاهر بدنه أو ثيابه أو بدن محل أو محرم غيره فهو جائز, انتهى.
"مسألة 6" قوله: فإن حرم قتل القمل, فعنه: يتصدق بشيء وعنه لا, انتهى. وأطلقهما في الكافي6 والزركشي.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في الأصل "القملة".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/213".
4 "5/116".
5 في "ص" "في".
6 "2/368".

(5/408)


المؤذي, وله قتله في الحرم إجماعا لإباحة الترفه فيه بقطع الشعر وغيره. وله قتل القراد عن بعيره, روي عن ابن عمر وابن عباس1 "و هـ ش" كسائر المؤذي, وعند مالك لا يجوز, وكرهه عكرمة. وفي الموطإ2 أن عمر فعله, وأن ابنه كرهه.
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/212, 213" وفي الأصل و"ط" "ابن عمر" والمثبت من مصدر التخريج.
2 "1/357".

(5/409)


فصل: وحكم الأظفار كالشعر;
لأن المنع منه للترفه, ذكره ابن المنذر إجماعا وسبق قول داود في تخصيصه بالرأس خاصة, ويتوجه هنا احتمال; لأنه إن سلم الترفه به فهو دون الشعر, فيمتنع الإلحاق, ولا نص يصار إليه, وهو أولى مما سبق في المنهج3 في شعر الأنف.
وقال الشيخ وفيه رواية أخرى: لا فدية عليه; لأن الشرع لم يرد به, فظاهره أن الرواية عن أحمد, ولم أجده لغيره وعند الحنفية: إن قص
ـــــــ
"إحداهما" لا شيء عليه, وهو الصحيح, قال في العمدة4: ولا شيء فيما حرم أكله إلا المتولد, وقدمه في المغني5 والشرح6 وشرح ابن رزين والنظم وصححه.
"والرواية الثانية" يتصدق بشيء, جزم به في الهداية والمستوعب والمحرر والرعايتين والحاويين وغيرهم.
"تنبيه" قوله في حكم الأظفار بعد أن قدم أن حكمها حكم الشعر: وقال
ـــــــ
3 ص "404".
4 العدة شرح "1/254".
5 "5/116".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/311".

(5/409)


أظفار يديه ورجليه لزمه دم, فإن كان في مجالس فكذا عند محمد, وعندهما: أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا. وإن قص يدا أو رجلا لزمه دم, إقامة للربع مقام الكل. وإن قص أقل من خمسة أظفار فلكل ظفر صدقة.
وعند أبي حنيفة وزفر: تجب بقص ثلاثة منها, وإن قص خمسة أظافير فأكثر متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة: طعام مسكين لكل ظفر; لأن في قصها كذلك يتأذى به ويشينه, بخلاف حلق ربع الرأس من مواضع; لأنه معتاد, وعند محمد: يلزم1 الدم, وعن ابن عباس: يطعم عن كل كف صاعا من طعام, رواه الدارقطني2 من رواية المغيرة بن الأشعث, قال العقيلي: لا يتابع على حديثه, وعندنا وعند الشافعية كما سبق في الشعر
ـــــــ
الشيخ: وفيه رواية أخرى: لا فدية عليه, لأن الشرع لم يرد به, قال: فظاهره أن الرواية عن أحمد ولم أجده لغيره, انتهى ما نقله عن الشيخ. واعلم أن عبارته في المغني3 في باب الفدية: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره, وعليه الفدية بأخذها, في قول أكثرهم: حماد ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي, وروي عن عطاء, وعنه: لا فدية عليه, لأن الشرع لم يرد به بفدية, انتهى. هذا لفظه, والظاهر أن قوله: "وعنه" يعود إلى عطاء لا إلى الإمام أحمد; لأنه لم يتقدم له ذكر, وذكرها بعد ذكر عطاء, وهذا واضح جدا, فقول المصنف: "فظاهره أن الرواية عن أحمد" غير مسلم, وقد رأيت لفظه, وقد نبه على ذلك أيضا ابن نصر الله في حواشيه. والله أعلم.
ـــــــ
1 في "س" و"ط" "يلزم".
2 في سننه "2/289".
3 "5/388".

(5/410)


وإن وقع بظفره مرض فأزاله أو انكسر فقص ما احتاجه فقط "و" أو قلع إصبعا بظفرها فهدر وإن لم يمكنه1 مداواة قرحه إلا بقصه قصه ويفدي, خلافا لابن القاسم المالكي قيل لأحمد: ينكسر ظفره, قال: يقلمه. ولعل ظاهره أكثر مما انكسر, وقال الآجري: إن انكسر فآذاه قطعه وفدى.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" و"ط" "يمكن".

(5/411)


فصل: تغطية الرأس إجماعا
الثالث تغطية الرأس إجماعا لأنه عليه السلام نهى المحرم عن لبس العمائم والبرانس, وقوله في المحرم الذي وقصته راحلته: "لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" متفق عليهما2.
والأذنان من الرأس, نقله الجماعة "و هـ م" وعنه: عضوان مستقلان, ذكرها ابن عقيل "و ش" وعن الزهري والثوري: من الوجه. وعن الشعبي والحسن بن صالح وإسحاق: ما أقبل منهما من الوجه, وما أدبر من الرأس, والبياض الذي فوقها دون الشعر من الرأس, ذكره القاضي وابن عقيل وجماعة, ويدل عليه حكم الموضحة فيه. وهي لا تكون إلا في رأس أو وجه وليس من الوجه, وذكر جماعة أنه ليس من الرأس إجماعا.
والصدغ وهو فوق العذار هل هو ما3 يحاذي رأس الأذن أو ينزل
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
2 الأصل سيرد تخريجه في الصفحة "420" والثاني أخرجه البخاري "1265" ومسمل "1206" "94".
3 في الأصل "مما".

(5/411)


قليلا؟ فيه 1وجهان لنا وللشافعية, وهل هو من الرأس كأكثر الشافعية, أو من الوجه؟ فيه1 وجهان: وذكر أبو الحسين روايتين "م 7 و 8".
ـــــــ
"مسألة 7, 8" قوله: والصدغ وهو فوق العذار هل هو ما يحاذي رأس الأذن أو ينزل قليلا؟ فيه وجهان وهل هو من الرأس أو من الوجه؟ فيه وجهان. وذكر أبو الحسين روايتين, انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
"المسألة الأولى 7" في محل الصدغ هل هو ما يحاذي رأس الأذن أو ينزل قليلا؟ أطلق الخلاف فيه.
"أحدهما" هو الشعر الذي بعد انتهاء العذار ويحاذي رأس الأذن وينزل عن رأسها قليلا, وهو الصحيح, جزم به في المغني2 والشرح3 وشرح ابن رزين والزركشي وغيرهم.
"والوجه الثاني" هو ما يحاذي رأس الأذن, وهو ظاهر ما جزم به في الحاوي الكبير ومجمع البحرين وشرح ابن عبيدان, والظاهر أنهم تابعوا المجد على ذلك. وقال في الرعاية الكبرى: هو ما حاذى مقدم أعلى الأذن, وهو الذي عليه الشعر في حق الغلام يحاذي طرف الأذن الأعلى, انتهى. ويصلح أن يكون موافقا للقول الأول, والأمر في ذلك يسير, والله أعلم, ولم نر من حكى الخلاف غير المصنف, ويمكن حمل ذلك على محل واحد وهو حمل القول الثاني على الأول أو عكسه.
"المسألة الثانية 8" هل الصدغ من الرأس أو من الوجه؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في الهداية والفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والرعاية الصغرى والحاويين وشرح ابن عبيدان والزركشي وغيرهم.
ـــــــ
1 1 ليست في "س".
2 "1/163".
3 "1/332".

(5/412)


والتحذيف الشعر الخارج إلى طرف الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار هل هو من الرأس؟ كأكثر الشافعية, أو من الوجه؟ فيه وجهان "م 9".
ـــــــ
"أحدهما" هو من الرأس, وهو الصحيح, اختاره الشيخ في المغني1 والكافي2 والمجد, وقال: هو ظاهر كلام أحمد, قال في الرعاية الكبرى: الأظهر أنه من الرأس, قال في مجمع البحرين: هذا أصح الوجهين, قال الشارح: والصحيح أنه من الرأس, وقدمه ابن رزين في شرحه وغيره, واختاره ابن حامد, قاله القاضي وغيره.
والوجه الثاني هو من الوجه, اختاره ابن عقيل, ذكره الشارح.
"مسألة 9" قوله: والتحذيف الشعر الخارج إلى طرف الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار هل هو من الرأس أو من الوجه؟ فيه وجهان, انتهى. وأطلقهما في الهداية والفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والرعاية الصغرى ومختصر ابن تميم والحاويين وشرح ابن رزين وابن عبيدان والزركشي وغيرهم.
أحدهما هو من الرأس. وهو الصحيح, اختاره الشيخ في الكافي, والمجد في شرحه, وقال: هو ظاهر كلام أحمد, قال في الرعاية الكبرى: الأظهر أنه من الرأس, قال في مجمع البحرين: هذا أصح الوجهين.
"والوجه الثاني" هو من الوجه, اختاره ابن حامد, قاله جماعة منهم القاضي والشيخ والشارح واختاره الشيخ في المغني1, وتقدم هذا والذي قبله في باب الوضوء في كلام المصنف3, وأطلق الخلاف هناك أيضا, فحصل تكرار, والله أعلم.
ـــــــ
1 1 "1/163".
2 "1/60".
3 "1/174".

(5/413)


والنزعتان بفتح الزاي, وإسكانها لغة: ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا في جانبيه من الرأس, كالشافعي وجمهور العلماء, خلافا لابن عقيل وبعض العلماء. والناصية الشعر الذي بين النزعتين من الرأس "و" وبعض المنهي 1عنه مثله في التحريم1, فيحرم تغطيته بلاصق معتاد أو لا, كعمامة وطين ونورة وحناء وقرطاس فيه دواء أو لا دواء وعصابة. قال أحمد: وشد سير2 فيه. ويفدي لصداع ونحوه "و".
وإن حمل على رأسه شيئا فلا فدية "ش" كسترة بيده, ولا أثر للفصد وعدمه فيما فيه فدية وما لا. وقال ابن عقيل: إن قصد به الستر فدى, كجلوسه عند عطار لقصد شم الطيب. وإن لبده بغسل أو صمغ ونحوه فلا يدخله غبار ولا دبيب ولا يصيبه شعث جاز, لقول ابن عمر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا متفق عليه3.
وإن استظل في محمل أو ثوب ونحوه نازلا أو راكبا قاله القاضي وجماعة حرم ولزمته الفدية, في رواية, اختاره أكثر الأصحاب
ـــــــ
"تنبيه": أكثر الأصحاب على أن حكم الصدغ والتحذيف واحد في الخلاف, هل هما من الرأس أو من الوجه؟ كما جزم به المصنف هنا وفي باب الوضوء وغيره. وقيل: التحذيف من الوجه دون الصدغ, اختاره ابن حامد والشيخ في المغني4, كما تقدم عنهما, وأطلقهما ابن تميم والزركشي. وقال ابن عقيل: الصدغ من الوجه, قاله الشارح, وأطلق الخلاف في الفصول
ـــــــ
1 1 ليست في "س".
2 السير: الذي يقد من الجلد المصباح "يسير".
3 البخاري "1540" ومسلم "1184" "21".
4 "1/163".

(5/414)


"و م". روي "عن" ابن عمر من طرق النهي عنه1, واحتج به أحمد; ولأنه قصده بما يقصد به الترفه كتغطيته. وعنه: لا فدية, وعنه: بلى إن طال, وعنه يكره, قال الشيخ: هي الظاهر عنه.
وعنه: يجوز "م 10 و 11" "و هـ ش"; لأن أسامة أو بلالا رفع ثوبه يستر
ـــــــ
"مسألة 10 و 11" قوله: وإن استظل في محمل أو ثوب ونحوه نازلا أو راكبا قاله القاضي وجماعة حرم ولزمته الفدية, في رواية, اختاره أكثر الأصحاب وعنه: لا فدية, وعنه: بلى إن طال, وعنه: يكره, قال الشيخ: هي الظاهر عنه, وعنه: يجوز, انتهى.
اعلم أن قوله في رواية ابن عقيل "يحتمل أن" يعود إلى لزوم الفدية لا غير, ويكون قد قدم التحريم وأطلق الخلاف في لزوم الفدية, وهو الذي يظهر, ويحتمل أن يعود إلى التحريم وإلى لزوم الفدية, فيكون الخلاف قد أطلقه في المسألتين في التحريم وعدمه, وفي وجوب الفدية وعدمها على القول بالتحريم. وعلى كل تقدير نذكر المسألتين ونذكر النقل في كل مسألة منهما:
"المسألة الأولى 10" هل يحرم استظلال بالمحمل ونحوه, أو يكره أو يجوز؟ فيه روايات:
إحداهن يحرم, وهو الصحيح, وعليه أكثر الأصحاب, قال الزركشي: هذا المشهور والمختار لأكثر الأصحاب, حتى أن القاضي في التعليق وفي غيره وابن الزاغوني وصاحب التلخيص وعقود ابن البنا وجماعة لا خلاف في ذلك عندهم, انتهى. وهذا مما يقوي أن قول المصنف "حرم ولزمته الفدية في رواية اختاره الأكثر" عائد إلى المسألتين, وأن الخلاف مطلق في التحريم أيضا.
والرواية الثانية: يكره ولا يحرم, اختاره الشيخ والشارح وقالا: هي الظاهر عنه,
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/70".

(5/415)


النبي صلى الله عليه وسلم من الحر حتى رمى جمرة العقبة. رواه مسلم1. وأجاب أحمد
ـــــــ
وجزم به ابن رزين في شرحه, وأطلقهما في الكافي2 والمقنع3 والمذهب الأحمد والمحرر وشرح ابن منجى والرعايتين والحاويين وغيرهم.
والرواية الثالثة: يجوز من غير كراهة.
"المسألة الثانية 11" إذا قلنا "يحرم الاستظلال بالمحمل ونحوه" فهل يلزمه فدية أو لا, أو يلزمه إن طال؟ فيه روايات.
"إحداهن" لا يلزمه بذلك فدية, صححه في التصحيح, قال ابن رزين في شرحه: وهو أظهر, قال في إدراك الغاية وتجريد العناية: ولا يظلل بمحمل في رواية جزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأدمي وغيرهم وهو الصحيح على ما اصطلحناه.
والرواية الثانية" يلزمه الفدية بفعل ذلك, وهو الصحيح, جزم به الخرقي, وابن عقيل في تذكرته وابن البنا في عقوده, والشيرازي في إيضاحه, وابن حمدان في إفادته, وصححه في الفصول والمبهج واختاره القاضي في التعليق, وابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة, وابن رزين في شرحه, وغيرهم. وأطلقهما في الكافي والمقنع والحاوي والمذهب الأحمد والمحرر ونهاية ابن رزين وغيرهم.
"والرواية الثالثة" إن كثر الاستظلال لزمته الفدية, وإلا فلا, وهو المنصوص عن الإمام أحمد, في رواية جماعة, واختاره القاضي أيضا والزركشي "قلت": وهو أقوى وأولى من الرواية الثانية, وأطلقهن في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
ـــــــ
1 في صحيحه "1298" "312".
2 "2/356".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/236".

(5/416)


وعليه اعتمد القاضي وغيره بأنه ستر لا يراد للاستدامة. زاد ابن عقيل: أو كان بعد رمي جمرة العقبة, أو به عذر وفدى, أو لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم به.
ويجوز بخيمة ونصب ثوب وبيت ونحوهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له قبة بنمرة فنزلها رواه مسلم1 من حديث جابر; ولأنه لا يقصد به الترفه في البدن عادة, بل جمع الرجال فيه, وفيه نظر.
ويجوز تغطية الوجه, في رواية اختارها الأكثر "و ش" فعله عثمان, رواه مالك2, ورواه أبو بكر النجاد عنه, وعن زيد وابن الزبير3, وأنه قاله ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وجابر4, وعن ابن عمر روايتان, روى النهي عنه مالك5.
ولأنه لم تتعلق به سنة التقصير من الرجل فلم تتعلق به حرمة التخمير كسائر بدنه.
ـــــــ
"تنبيه" ظاهر كلام المصنف بل هو كالصريح أن محل الخلاف في لزوم الفدية على القول بالتحريم. وقاله القاضي والشيرازي في المبهج, وابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب, وصاحب التلخيص والبلغة وغيرهم وقال ابن أبي موسى والشيخ في الكافي6 والمجد والشارح وابن منجى في شرحه وغيرهم: هما مبنيتان على الروايتين في جواز الاستظلال وعدمه, فإن قلنا يحرم وجبت الفدية وإلا فلا, وهي طريقة ابن حمدان.
ـــــــ
1 في صحيحه "1218" "147".
2 في الموطأ "1/327".
3 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "308".
4 وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/54".
5 في الموطأ "1/327".
6 "2/356".

(5/417)


وعنه: لا يجوز, نقلها الأكثر, فتكون1 كالرأس "م 12" "و هـ" وقال مالك: لا يفعله, فإن فعله فلا فدية وقال بعض أصحابه فيها روايتان, لقوله عليه السلام في المحرم الذي وقصته راحلته: "ولا تخمروا وجهه" وفي لفظ "ولا تغطوا رأسه" انفرد بهما مسلم2, والذي في الصحيحين: "ولا تخمروا رأسه" 3
ـــــــ
"مسألة 12" قوله: ويجوز تغطية الوجه, في رواية اختارها الأكثر وعنه: لا يجوز, نقلها الأكثر, فيكون كالرأس, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني4 والمقنع5 والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر والشرح والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
إحداهما يباح ولا فدية, وهو الصحيح, قال المصنف: اختارها الأكثر "قلت": منهم القاضي وابن عقيل والشيخ الموفق والشارح وابن عبدوس في تذكرته, قال في الرواية: والجواز أصح, وصححه في التصحيح والفصول, وجزم به ابن البنا في عقوده وصاحب الوجيز وغيرهما, وهو ظاهر ما جزم به في العمدة والمذهب الأحمد والمنور ومنتخب الآدمي وتجريد العناية وغيرهم, لاقتصارهم على المنع من تغطية الرأس, وقدمه في الكافي6 وشرح ابن رزين وإدراك الغاية وغيرهم.
"والرواية الثانية" لا يجوز وعليه الفدية, قدمه في المبهج
ـــــــ
1 في "ط" "فتكون".
2 في صحيحه "1206" "98" "1206" "103" بلفظ "ولا تغطوا وجهه".
3 تقدم ص "405 – 411".
4 "5/153".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/243".
6 "2/356".

(5/418)


وروي في الخبر "وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه" 1, ولا تتجه صحته. ولا يخفى وجه الترجيح. وعن ابن عباس مرفوعا في المحرم يموت قال: "خمروهم ولا تشبهوا باليهود" وفي لفظ: "خمروا وجوه موتاكم ولا تشبهوا باليهود" روى الدارقطني2 الأول من حديث علي بن عاصم, ضعفه الأكثر, وهو كثير الغلط والخطأ مع تماديه عليه, وروى الثاني3 من رواية عبد الرحمن بن صالح الأزدي, ثقة شيعي, قال, أبو أحمد الحاكم: خولف في بعض حديثه ويحتمل أنه في غير المحرم, قال الفضل لأحمد: لم كره الركوب في المحمل في الشق الأيمن؟ قال: لموضع البصاق.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي "3/393".
2 في سننه "2/296".
3 الدارقطني في سننه "2/297".

(5/419)


فصل: لبس المخيط في بدنه أو بعضه
الرابع: لبس المخيط في بدنه أو بعضه بما عمل على قدره إجماعا ولو درعا منسوجا أو لبدا معقودا أو نحو ذلك; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما
ـــــــ
.......................................

(5/419)


يلبس المحرم, قال: "لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" متفق عليه1 من حديث ابن عمر. زاد البخاري: "ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" قال جماعة بما عمل على قدره وقصد به.
وقال القاضي وغيره: ولو كان غير معتاد, كجورب في كف وخف في رأس, كفر, وفي صيف.
وقليل اللبس وغيره سواء "و ش" لظاهر قوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} [البقرة: 196] الآية; ولأنه استمتاع, فاعتبر فيه مجرد الفعل, كوطء في فرج أو محظور فلا تتقدر فديته بزمن كغيره واللبس في العادة مختلف, ولا يحرم أن يأتزر بقميص بخلاف مسألتنا.
وعند أبي حنيفة: في أقل من يوم أو من ليلة صدقة, وعند مالك: إن لم يحصل له انتفاع ما بأن نزعه في الحال فلا فدية, فإن أحرم في قميص ونحوه خلعه ولم يشقه ولا فدية; لأن يعلى بن أمية أحرم في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "134" و"1838" ومسلم "1177" "1".

(5/420)


جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها متفق عليه1, ولأبي داود2: فخلعها من رأسه. ولم يأمره بشق ولا فدية.
ـــــــ
"تنبيه" قوله في فصل "الرابع": ولا فدية; لأن يعلى بن أمية أحرم في جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها متفق عليه 3ولأبي داود فخلعها من رأسه ولم يأمره بشقها ولا فدية وقال بعض العلماء....لئلا يتغطى رأسه بنزعته انتهى3.
وقوله في فصل "الخامس": لأنه عليه السلام أمر يعلى بن أمية بغسل الطيب, انتهى قال: ابن نصر الله: المعروف أن يعلى راوي الحديث, وصاحب القصة غيره, انتهى. "قلت", ليس كما قال: بل الصواب أنه يعلى راوي القصة. قاله أئمة أهل الحديث. وذكره الحافظ ابن حجر وابن الملقن وغيرهما وقد ورد معنى بهما وهو راوي القصة كأبي سعيد الخدري في حديث الرقية بفاتحة الكتاب4. نبهت على ذلك لاغترار بعضهم بما قال.
ـــــــ
1 البخاري "1789" ومسلم "1180" "6".
2 في سننه "1820".
3 3 ليست في "ح".
4 رواه البخاري "22276" ومسلم "2201".

(5/421)


وقال بعض العلماء1 يشقه لئلا يتغطى رأسه بنزعه. وإن استدام لبسه لحظة فوق المعتاد في خلعه فدى, على ما سبق.
وإن عدم إزارا لبس سراويل نص عليه "و ش" لقول ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين, ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم" متفق عليه2 رواه الأثبات, وليس فيه بعرفات "قال مسلم: لم يذكر أحد منهم" بعرفات "غير شعبة. وقال البخاري: تابعه ابن عيينة عن عمر, وذكر الدارقطني أنه تابعه سعيد بن زيد أخو حماد ولمسلم3 عن جابر مرفوعا مثله, وليس فيه يخطب بعرفات.
أجاز لبس السراويل مطلقا لعدم الإزار. فلو اعتبر فتقه لم يعتبر عدمه, ولم يشتبه على أحد, ولم يوجب فدية, وحملها أولى من جواز اللبس; ولأنه جعله بدلا, وهو يقوم مقام المبدل.
ومتى وجد إزارا خلع السراويل. وعند أبي حنيفة ومالك: إن لبس سراويل فدى, قال الطحطاوي, لا يجوز لبسه حتى يفتقه, ومعناه في الموطإ4 وأنه لم يسمع بلبسه; لأنه لم يرو الخبر فيه, وجوزه أصحابه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "المالكية".
2 البخاري "1841" ومسلم "1178" "4".
3 في صحيحه "1179" "5".
4 "1/325".

(5/422)


والرازي بلا فتق, ويفدي. وفي الانتصار احتمال يلبس سراويل للعورة فقط.
وإن عدم نعلين لبس خفين بلا فدية, نقله الجماعة, ولا يقطع خفيه, قال أحمد: هو فساد, واحتج الشيخ وغيره بالنهي عن إضاعة المال, وجوزه أبو الخطاب وغيره, وقاله القاضي وابن عقيل وإن فائدة التخصيص كراهته لغير إحرام, لخبر ابن عباس السابق, قال أبو الشعثاء لابن عباس: لم يقل: ليقطعهما, قال: لا, رواه أحمد1: حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عنه. صحيح. وطاف عبد الرحمن بخفين فقال له عمر: والخفان مع القباء؟ قال: لبستهما مع من هو خير منك يعني: النبي صلى الله عليه وسلم, رواه أبو حفص العكبري ورواه أبو بكر النجاد2. وروي أيضا عن ابن عمر: الخفان نعلان لمن لا نعل له3. ومن رواية الحارث عن علي وعن ابن عباس.
وأن المسور بن مخرمة لبسهما وهو محرم وقال: أمرتنا به عائشة4;
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في المسند "2015".
2 ورواه أحمد في السمند "1668".
3 هذه الآثار الثلاثة رواها ابن أبي شيبة "4/101" عن عمرو علي وابن عباس.
4 لم نجد أثر المسور عن عائشة وقد عزاه الزركشي في شرحه "3/113" إلى أبي بكر النجاد بإسناده وروى أبو داود "1831" عن عائشة أن رسول صلى عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين.

(5/423)


ولأن في قطعه ضررا, كالسراويل فإنه يمكنه فتقه ويستر عورته ولا يلبسه على هيئته ويلبسه وإن لم يكن بحضرة أحد.
وعنه: إن لم يقطعهما دون كعبيه فدى "و" لخبر ابن عمر1.
والجواب: أن زيادة القطع لم يذكرها جماعة ممن روى الخبر عن نافع ورواها عبيد الله بن عمر "عن نافع عن ابن عمر" من قوله, ورواها أبو القاسم بن بشران2 في أماليه بإسناد صحيح من قول نافع عن حمزة بن محمد الدهقان عن العباس الدوري عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عنه, ورواها مالك3 وأيوب وجماعة من الأئمة فرفعوها, فقد اختلف فيها, فإن صحت فهي بالمدينة, لرواية أحمد4 عن ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر وذكره وللدارقطني5 أن رجلا نادى في المسجد: ما يترك الحرام من الثياب؟ قال الدارقطني: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هو في حديث ابن جريج وليث بن سعد وجويرية بن أسماء عن نافع عنه, وخبر ابن عباس بعرفات.
فلو كان القطع واجبا لبينه للجمع العظيم الذين لم يحضر أكثرهم أو كثير منهم كلامه بالمسجد في موضع البيان ووقت الحاجة, لا يقال:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 سيأتي بخريجه قريبا.
2 هو أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي صاحب الأمالي الكثير "ت 426 هـ" سير أعلام النبلاء "17/450".
3 في الموطأ "1/324 – 325".
4 في المسند "4868".
5 في سننه "2/229".

(5/424)


اكتفى بما سبق; لأنه يقال: فلم ذكر لبسهما؟ والمفهوم من إطلاقه لبسهما بلا قطع, ثم يحمل على الجواز كما سبق في كلام القاضي وأجاب عن قولهم: المقيد يقضي على المطلق بالمنع في رواية, ثم إذا لم يمكن تأويله, وعن قولهم: فيه زيادة لفظ: بأن خبرنا فيه زيادة حكم جواز اللبس بلا قطع, يعني: وهذا الحكم لم يشرع بالمدينة, وقاله شيخنا, وهو أولى من دعوى الشيخ, كما قاله صاحب المغني1 والمحرر. وفي كلام القاضي من كلام أبي داود وما ذكر الشيخ أن ابن أبي موسى رواه نظر.
وإن لبس مقطوعا دونهما مع وجود نعل لم يجز وفدى, نص عليه "و هـ م" لأنه عليه السلام شرط لجواز لبسهما عدم النعلين, وأجازه; لأنه يقارب النعلين, ولم يجزه لإسقاط الفدية; ولأنه محيط لعضو بقدره, كغيره.
وذكر القاضي في المسألة الأولى جوازه وابن عقيل في مفرداته وصاحب المحرر وشيخنا; لأنه ليس بخف, وإنما أمرهم بالقطع أولا; لأن رخصة البدل لم تكن شرعت; لأن المقطوع يصير كنعل, فإباحته أصلية, وإنما المباح بطريق البدل الخف المطلق, وإنما شرط عدم النعل; لأن القطع مع وجوده إفساد, وللشافعي قولان.
ولبس اللالكة2 والجمجم3 ونحوهما يجوز على الثاني لا الأول,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "5/112".
2 اللالكة: النعال المصنوعة من الجلد المدبوغ.
3 الجمجم: المداس.

(5/425)


وإن وجد نعلا لا يمكنه لبسها لبس الخف ولا فدية, وعند أحمد: يفدي. وتباح النعل كيف كانت, لإطلاق إباحتها, وعنه: في عقب النعل أو قيدها السير المعترض على الزمام الفدية, وذكره في الإرشاد1.
قال القاضي: مراده العريضين, وصححه بعضهم; لأنه معتاد فيها, وربما تعذر المشي بدونه, وكما لا يجب قطع الخف وأولى, والران2 كخف.
وإن شق إزاره وشد كل نصف على ساق فكسراويل "ولا يزره" ولا يعقد عليه شيئا, نص عليه, ولا بشوكة أو إبرة أو خيط, ولا يغرز أطرافه, فإن فعل أثم وفدى; لأنه كمخيط, لقول ابن عمر لمحرم: ولا تعقد عليك شيئا رواه الشافعي3, وروي أيضا عن ابن جريج مرسلا: رأى رجلا محتزما بحبل فقال: انزع الحبل, مرتين. وروى هو ومالك4 عن ابن عمر أنه كان يكره لبس المنطقة للمحرم, وروى الأثرم قول ابن عمر السابق وأن ابن عباس قال لمولاه: يا أبا معبد زر علي طيلساني, فقال له: كنت تكره هذا. فقال: أريد أن أفتدي5.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "165".
2 الرأن: كالخف إلا أنه لا قدم له وهو أطول من الخف.
3 في مسنده "1/311".
4 مسند الشافعي "1/318" الموطأ "1/326".
5 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/50".

(5/426)


قال أحمد في محرم حزم عمامة على وسطه: لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض. وله أن يلتحف بقميص ويرتدي به وبرداء موصل ولا يعقده, ويعقد إزاره; لأنه يحتاجه لستر العورة وسترة نفقته1.
ويباح الهميان, قال ابن عبد البر: أجازه فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم, فمتى كان فيه نفقته فإن ثبت بغير عقد بأن أدخل السيور بعضها في بعض لم يعقده, لعدم الحاجة, وإلا جاز عقده, نص على ذلك. قال إبراهيم: كانوا يرخصون في عقده لا في عقد غيره, وعن ابن عمر وغيره نحوه2, وعن ابن عمر أيضا أنه كره الهميان للمحرم3, يعني ما لا نفقة فيه.
ولا يجوز عقده إذن, لعدم الحاجة. وفي روضة الفقه لبعض أصحابنا: لا يعقد سيوره, وقيل: لا بأس, احتياطا على النفقة. وإن كان في المنطقة نفقة فكهميان.
وإن لبسها لوجع أو حاجة افتدى, نص عليه. وفي المستوعب والترغيب رواية: المنطقة كهميان, اختاره الآجري وابن أبي موسى وابن حامد, وذكر الشيخ, وغيره أن الفرق بينهما النفقة وعدمها, وإلا فهما سواء, وهو أظهر, وقيل: له شد وسطه بحبل وعمامة ونحوهما, وعند
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "نفتقه" وفي "ط" "تفقته".
2 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/50".
3 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/51".

(5/427)


شيخنا: ورداء لحاجة. ويحمل قربة الماء ولا يدخله في صدره. نقله صالح, ويتقلد بسيف لحاجة "و" لقضية1 صلح الحديبية, رواه البخاري2. ولا يجوز بلا حاجة, نقل صالح: إذا خاف من عدو, وهو معنى قوله. لا, إلا من ضرورة3.
قال الشيخ: وإنما منع منه لقول ابن عمر: لا يحمل المحرم السلاح في الحرم4, قال: والقياس إباحته, لأنه ليس في معنى اللبس.
ولو حمل قربة في عنقه لم يحرم ولا فدية, وقد سئل أحمد عن المحرم يلقي جرابه في عنقه كهيئة القربة فقال: أرجو ألا بأس, كذا قال الشيخ, وظاهره يباح عنده في الحرم, وعن أحمد: للمحرم أن يتقلد بسيف بلا حاجة, واختاره ابن الزاغوني, ويتوجه أن المراد في غير مكة; لأن حمل السلاح بها لا يجوز إلا لحاجة "و" نقل الأثرم: لا يتقلده بمكة إلا لخوف, روى مسلم5 عن جابر مرفوعا: "لا يحل أن يحمل السلاح بمكة" , وإنما منع أحمد من تقليد السيف, والله أعلم; لأنه في معنى اللبس عنده, ولهذا نقل صالح: يحمل قربة الماء ولا يدخله في صدره, ومثلها جرابه, وإن جاز فيهما; فلأنهما في معنى هميان النفقة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "لقصة".
2 في صحيحه "1844".
3 في "س" "صورة".
4 رواه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "328".
5 في صحيحه "1356" 449".

(5/428)


ويفدي بطرح قباء ونحوه على كتفه, نص عليه "اختاره" الأكثر "و م ش" لنهيه عليه السلام عن لبسه للمحرم, رواه ابن المنذر1 ورواه النجاد2 عن علي; ولأنه مخيط لبسه3 "عادة" كالقميص.
وعنه: إن أدخل يديه في كميه فدى وإلا فلا, اختاره الخرقي والترغيب, ورجحه في المغني4 وغيره, لما سبق في الخف لعدم نعل, وكالقميص يتشح به ورداء موصل. وفي الواضح: أو أدخل إحدى يديه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ورواه البيهقي في سننه "5/50" عن ابن عمر.
2 في الأصل و"ب" و"ط" "البخاري" والصواب ما أثبتناه كما في المبدع "3/145" وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/119" عن علي أنه قال: من اضطر إلى ثوب وهو محرم ولم يكن له إلا قباء فلينكسه يجعل أعلاه أسفله ثم ليليسه.
3 ليست في "ط".
4 "5/128".

(5/429)


فصل: الطيب بالإجماع;
الخامس: الطيب بالإجماع; لأنه صلى الله عليه وسلم أمر يعلى بن أمية بغسل الطيب وقال في المحرم الذي وقصته راحلته: "لا تحنطوه" متفق عليهما5 ولمسلم6 "لا تمسوه بطيب" .
فإن طيب شيئا من بدنه نص عليه أو ثوبه أو مس منه ما يعلق به7
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
5 حديث يعلى تقدم ص "421" وحديث الذي وقصه راحلته تقدم ص "405 و 411".
6 في صحيحه "1206" "99".
7 في "س" "بيده".

(5/429)


كماء ورد ومسك مسحوق. أو لبس أو استعمل1 ما صبغ بطيب أو بخر به أو غمس في ماء ورد فدى.
وقال أبو حنيفة: إن طيب أقل من عضو فعليه صدقة, قال: وإن كان رطبا يلي بدنه أو يابسا ينفض عليه فدى وإلا فلا, أو لبسه مبخرا بعود أو ند2 فلا فدية. وقال مالك: إن لم يحصل له بالطيب انتفاع ما بأن غسله في الحال فلا فدية.
وإن قصد شم طيب كعنبر وكافور وزعفران وورس وماء ورد ونحوها بأن قصد العطار أو الكعبة حال تجميرها حرم وفدى, نص عليه, كما لو باشره.
وفي التعليق والانتصار عن ابن حامد يباح "و ش" واختلف أصحابه في حمل ما فيه مسك ليشمه كما لو لم يقصد, والفرق لا يمكن التحرز.
وإن لبس ثوبا مطيبا يفوح ريحه برش ماء فدى, كظهوره بنفسه, وكذا إن افترشه, نص عليه, ولو تحت حائل غير ثياب بدنه لا يمنع ريحه ومباشرته, وإن منع فلا, وأطلق الآجري أنه إن كان بينهما حائل كره ولا فدية.
وإن طيب بإذنه فدى, وكذا إن اكتحل به أو استعط أو احتقن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "انتقل".
2 الند: الطيب, أو العنبر القاموس "ندد".

(5/430)


لاستعماله كشمه. وإن أكل أو شرب ما فيه طيب يظهر ريحه فدى; لأنها المقصود منه ولو طبخ أو مسته النار "هـ م" لبقاء المقصود منه, وإن ذهبت رائحته وبقي طعمه فدى, نص عليه, اختاره الأكثر; لأنه يدل على بقائها وقيل: لا, كبقاء لونه فقط ولو لم تمسه النار "هـ م" 1لبقاء المقصود منه. وإن ذهبت رائحته وبقي طعمه فدى1. ولمشتريه حمله وتقليبه إن لم يمسه, ذكره ابن عقيل والشيخ, ولو ظهر ريحه; لأنه لم يقصد التطيب ولا يمكن التحرز منه, ويتوجه, ولو علق بيده, لعدم القصد, ولحاجة التجارة.
وعن ابن عقيل: إن حمله مع ظهور ريحه لم يجز, وإلا جاز.
ونقل ابن القاسم: لا يصلح للعطار بحمله للتجارة إلا ما لا ريح له.
وله شم العود "و" لأن القصد منه التبخير, والفواكه كلها كأترج وتفاح
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل و"ب" و"ط".

(5/431)


"و" ونبات الصحراء "و" كشيح, وما ينبته آدمي لا لقصد الطيب كحناء وعصفر "و" لأنه ليس بطيب, ولا يتخذ منه طيب, ولا يسمى متطيبا عادة, وكذا قرنفل ودار صيني1 ونحوهما.
وله شم ما لا يتخذ منه طيب كريحان فارسي ونمام2 وبرم3 ونرجس ومرزجوش4, في رواية اختاره الأصحاب, لما سبق.
وقاله عثمان, وذكره البخاري قول ابن عباس ويحرم في رواية ويفدي, وهو أصح قولي الشافعي, لقول جابر: لا يشمه. رواه الشافعي5 وغيره, وكرهه ابن عمر6, قاله أحمد ورواه الأثرم وغيره وكالورد, وذكر القاضي وغيره أنه يحتمل أن المذهب رواية واحدة: لا فدية, وأن قول أحمد: ليس من آلة المحرم7, للكراهة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هو شحر صيني وأوراقه كالجوز وله أنواع مختلفة معرب عن دار شين "المعتمد في الأدوية المفردة" ص "145".
2 هو نبت طيب مدر سمي كذلك لسطوع رائحته لأنه يدل بها على نفسه يستعمله الناس في الأكلة "المعتمد" ص "527".
3 هو زهر أصفر طيب الرائحة لشجرة تسمى شجرة إبراهيم تكملة المعاجم العربية لدوزي "1/311".
4 نبات كثير الأغصان ينبسط على الأرض في نباته وله ورق مستدير واسمه بالعربية السمسق المعتمد في الأدوية ص "488".
5 في مسنده "1/312" وأخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "360".
6 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "360".
7 الريحان كما في الشرح الكبير "8/267".

(5/432)


"و هـ م" وذكر أيضا رواية: يحرم ما نبت بنفسه فقط "م 13".
وكذا ما يتخذ منه طيب كورد وبنفسج ولينوفر1 وياسمين وهو الذي يتخذ منه الزنبق ومنثور, في رواية. وفي رواية يحرم ويفدي, اختاره
ـــــــ
"مسألة 13" قوله: وله شم ما لا يتخذ منه طيب, كريحان فارسي ونمام وبرم ونرجس ومرزحوش, في رواية, اختاره الأصحاب ويحرم في رواية ويفدي وذكر القاضي وغيره أنه يحتمل أن المذهب رواية واحدة: لا فدية, وأن قول أحمد: ليس من آلة المحرم, للكراهة, وذكر أيضا رواية: يحرم ما نبت بنفسه فقط, انتهى. وأطلق الروايتين في البداية وعقود ابن البنا والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع والهادي والتلخيص والمحرر والشرح4 والمذهب الأحمد والرعايتين والحاويين والفائق والزركشي وغيرهم.
إحداهما يباح شمه ولا فدية فيه, وهو الصحيح, قال المصنف: هذا اختاره الأصحاب. وجزم به في الإفادات والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم, وقدمه في إدراك الغاية وشرح ابن رزين.
"والرواية الثانية" يحرم شمه, فإن فعل فعليه الفدية. صححه في النظم. وصحح في التصحيح أنه لا شيء في شم الريحان, وأوجب الفدية في شم النرجس والبرم "قلت": والقول بالتفرقة غريب, أعني التفرقة بين الريحان وغيره.
"تنبيه": في إطلاقه الخلاف مع قوله عن الرواية الأولى: اختاره الأصحاب" نظر,
ـــــــ
1 هو اسم فارسي معرب معناه أرياش الأجنحة نبات ينبت في الآجام والمياه القائمة له ورق كثير وزهر أبيض المعتمد في الأدوية ص "530".
2 "5/141".
3 "2/358".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/265".

(5/433)


القاضي والشيخ وغيرهما, وهي أظهر, كماء ورد "م 14"; ولأنه ينبت للطيب ويتخذ منه, كزعفران, وماء ريحان ونحوه كهو. وفي الفصول احتمال بالمنع كما ورد, ويتوجه عكسه "م 15" وله الادهان بدهن لا طيب فيه.
ـــــــ
لأنه لم يختلف الترجيح حتى يطلق الخلاف, وتقدم الجواب عن ذلك في المقدمة. ويحتمل أنه أراد أن يقول "اختاره أكثر الأصحاب" فسبق القلم, أو سقط من الناسخ.
"مسألة 14": قوله: وكذا ما يتخذ منه طيب كورد وبنفسج ونيلوفر وياسمين وهو الذي يتخذ منه الزئبق ومنثور في رواية. وفي رواية أخرى يحرم ويفدي, اختاره القاضي والشيخ وغيرهما, وهي أظهر, كماء ورد, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر والمذهب الأحمد والرعايتين والحاويين والفائق والزركشي وغيرهم.
إحداهما ليس له شمه, فإن فعل فدى, وهو الصحيح, اختاره القاضي والشيخ الموفق والشارح, قال المصنف هنا: وهو أظهر, وصححه في التصحيح والكافي1 والنظم وغيرهم, وقدمه ابن رزين وغيره, وجزم به ابن البنا في عقوده وصاحب الوجيز وغيرهما.
"والرواية الثانية" له شمه ولا فدية عليه, جزم به في الإفادات والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم.
"مسألة 15": قوله: وماء ريحان ونحوه كهو, وفي الفصول احتمال بالمنع كماء ورد, ويتوجه عكسه, انتهى. ذكر, المصنف في ماء الريحان ونحوه ثلاث طرق, أصحها أنه كأصله, والأصل أطلق فيه الخلاف, فكذا يكون في مائه, وقد علمت الصحيح في أصله, فكذا يكون الحكم في مائه, والله أعلم.
ـــــــ
1 "2/358".

(5/434)


كزيت وشيرج, نص عليه; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر1 من رواية فرقد السنجي, وهو ضعيف عندهم, وذكره البخاري عن ابن عباس2, ولعدم الدليل.
وعنه: المنع ويفدي, ذكر القاضي أنه اختيار الخرقي "و هـ" كالمطيب; ولأنهما أصل الأدهان ولم يكتسب الدهن إلا للرائحة ولا أثر لها منفردة ومنع القاضي ذلك, وهو واضح قال: ويحتمل أن المنع للكراهة ولا فدية, واقتصر القاضي وابن عقيل على زيت وشيرج, وقاسا الجواز على سمن, فلعل المراد الحنفية والشافعية, وذكر جماعة السمن كزيت, وذكر الشيخ وغيره الشحم والأدهان مثله, وعن ابن عمر أنه صدع فقالوا: ألا ندهنك بالسمن؟ قال: لا, قالوا: أليس تأكله؟ قال: ليس أكله
ـــــــ
"تنبيهان": الأول: ذكر المصنف الخلاف في ذلك روايتين, وتابع على ذلك أبا الخطاب وصاحب المذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمقنع والمذهب الأحمد والمحرر والرعايتين وغيرهم, وحكى الشيخ في الكافي3: في الريحان الفارسي الروايتين. ثم قال: في سائر النبات الطيب الرائحة الذي لا يتخذ منه طيب وجهان قياسا على الريحان, وقدم ابن رزين أن جميع القسمين فيه وجهان وغيره ثم قال: وقيل في الجميع روايتان, انتهى. فتلخص للأصحاب في حكاية الخلاف ثلاث طرق, والله أعلم
ـــــــ
1 المسند "4783" والترمذي "962" وابن ماجه "3083".
2 في صحيحه قبل الحديث "1537".
3 "2/356".

(5/435)


كأدهان به1 وعن مجاهد: إن تداوى به فدى, قال القاضي وغيره: والروايتان في رأسه وبدنه مع أنه لم يذكر عن أحمد في البدن شيئا. وخص الشيخ الخلاف بالرأس; لأنه محل الشعر, فكان ينبغي أن يقول, والوجه كالشافعية; ولهذا قال بعض أصحابنا "هما" في دهن شعره, وفي الواضح رواية لا فدية بادهانه بدهن فيه طيب, لعدم قصده, وفي الترغيب وغيره: يحرم شم دهن مطيب وأكله مع ظهور ريحه أو طعمه, وفي غير مطيب روايتان كذا قال.
ويقدم غسل طيب على نجاسة يتيمم لها.
وفدية تغطية ولباس وطيب كحلق ومن احتاج إلى ذلك فعله وقت حاجته فقط وفدى, كحلق لعذر, ومن به شيء لا يحب أن يطلع عليه أحد لبس وفدى, نص عليه, ولا يحرم دلالة على طيب ولباس ذكره القاضي وابن شهاب وغيرهما; لأنه لا يضمن بالسبب; ولأنه لا يتعلق بهما
ـــــــ
"الثاني" قوله في الادهان بدهن لا طيب فيه: قال القاضي وغيره: الروايتان في رأسه وبدنه وخص الشيخ الخلاف بالرأس; لأنه محل الشعر, فكان ينبغي أن يقول: والوجه انتهى. طريقة القاضي عليها الأكثر, كالشيخ في الكافي2 وصاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم,
ـــــــ
1 لم نجده بهذا اللفظ لكن أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "115" عن ابن عمر أنه كره أن يداوي المحرم يده بالدسم.
2 "2/256".

(5/436)


حكم مختص, والدلالة على الصيد يتعلق بها حكم مختص, وهو تحريم الأكل والإثم.

(5/437)


فصل: فإن تزوج أو زوج محرمة
"السادس" النكاح, فإن تزوج أو زوج محرمة أو كان وليا أو وكيلا لم يصح, نقله الجماعة "و م ش" تعمد أو لا. لما روى مسلم1 عن عثمان مرفوعا "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" ولمالك والشافعي وأبي داود2 أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير, وأردت أن تحضر. فأنكر ذلك عليه وقال: سمعت عثمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" .
وعن عمر أنه كان يقول "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره" رواه مالك والشافعي, ورفعه الدارقطني3.
ولأحمد والدارقطني عنه4: أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فقال: لا تتزوجها وأنت محرم, نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. ولمالك والشافعي5 أن رجلا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه, وعن علي
ـــــــ
وطريقة الشيخ تابعه عليها الشارح وابن منجى وناظم المفردات, وظاهر كلام المصنف إطلاق الخلاف في محل الروايتين
ـــــــ
1 في صحيحه "1409" "41".
2 الموطأ "1/349" مسند الشافعي "1/316" وأبو داود "1841".
3 الموطأ "1/349" ومسند الشافعي "1/316" وسنن الدارقطني "3/261".
4 المسند "5958" وسنن الدارقطني "3/260".
5 الموطأ "1/349" مسند الشافعي "1/316".

(5/437)


وزيد معناه, رواهما أبو بكر النيسابوري1; ولأن الإحرام يمنع الوطء ودواعيه, فمنع عقد النكاح كالعدة; ولأن العقد من دواعي الجماع, فمنعه الإحرام, كالطيب, أو عقد لا يتعقبه استمتاع, كالمعتدة.
وأجازه ابن عباس وأبو حنيفة, لقول ابن عباس: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم, متفق عليه2 وللبخاري3: وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف. ولأحمد والنسائي4: وهما محرمان. والجواب عن يزيد بن الأصم5 عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف إسناده جيد, رواه أحمد, والترمذي6 وقال: غريب, رواه غير واحد عن يزيد بن الأصم مرسلا, وكذا رواه الشافعي7.
ولمسلم8 عنه عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس. ولأبي داود9: تزوجني ونحن حلالان
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ورواهما البيهقي "5/66".
2 البخاري "1837" ومسلم "1410" "46".
3 في صحيحه "4258".
4 المسند "2200" والنسائي في المجتبى "5/191".
5 هو أبو عوف يزيد بن عمرو بن عبيد الأصم لقب وأمه برزة بنت الحارث أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "ت 103هـ" الإصابة في تمييز الصحابة "1/379" وأسد الغابة "5/477".
6 أحمد "26828" الترمذي "845".
7 في مسنده "1/317".
8 في صحيحه "1411".
9 في سننه "1843".

(5/438)


بسرف, وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما إسناده جيد, رواه أحمد والترمذي1 وحسنه وقالا: لا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر بن ربيعة.
ولمالك2 عن ربيعة عن سليمان مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة وهو بالمدينة قبل أن يخرج, وكذا رواه الشافعي, وقال ابن المسيب: إن ابن عباس وهل. وقال أيضا: أوهم, رواهما الشافعي3, أي ذهب وهمه إلى ذلك, ويجوز أن يكونا بمعنى غلط وسها, يقال وهل في الشيء وعن الشيء يوهل وهلا بالتحريك. وللبخاري4 وأبي داود5 هذا المعنى, عن ابن المسيب, وهذا يدل "على" أن حديث ابن عباس خطأ, وكذا نقل أبو الحارث عن أحمد أنه خطأ, ثم قصة ميمونة مختلفة, كما سبق, فيتعارض ذلك, وما سبق لا معارض له, ثم رواية الحل أولى; لأنه أكثر, وفيها صاحب القصة والسفير فيها, ولا مطعن فيها, ويوافقها ما سبق, وفيها زيادة, مع صغر ابن عباس إذن, ويمكن الجمع بأن ظهر تزويجها وهو محرم, أو فعله خاص به, وعليه عمل الخلفاء الراشدين.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أحمد "27197" الترمذي "841".
2 في الموطأ "348".
3 في مسنده "1/317 – 318".
4 لم نجده في مظانه.
5 في سننه "1845".

(5/439)


قال أحمد فيما سبق1 عن عمر: وهو بالمدينة لا ينكرونه.
وعقد النكاح يراد به الوطء غالبا, ويحرم بالعدة والردة واختلاف الدين وغير ذلك, بخلاف شراء الأمة, فافترقا, ويعتبر حالة عقد النكاح, فإن وكل محرم حلالا فيه فعقده بعد حله, صح في الأشهر, والعكس بالعكس, فإن وكل ثم أحرم لم ينعزل وكيله, في الأصح فإذا حل فلوكيله عقده له. في الأقيس وإن قال: عقد قبل إحرامي, قبل قوله.
وكذا إن عكس; لأنه يملك فسخه فيملك إقراره به, لكن يلزمه نصف المهر, ويصح مع جهلهما وقوعه; لأن الظاهر من المسلمين تعاطي الصحيح, وإن وكله في تزويج معتدة ففرغت فعقده "له" فيتوجه أن يصح, ولو قال تزوجت وقد حللت قالت: بل محرمة, صدق, وتصدق هي في نظيرها في العدة; لأنها مؤتمنة, ذكره ابن شهاب وغيره وعن أحمد: إن زوج المحرم غيره صح; لأنه سبب لإباحة محظور لحلال, فلم يمنعه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "437".

(5/440)


الإحرام, كحلقه رأس حلال, والمذهب الأول, وهو نكاح فاسد يأتي "إن شاء الله تعالى" آخر الصداق1.
وإن أحرم الإمام ففي التعليق: لم يجز أن يزوج, ويزوج خلفاؤه, ثم سلمه; لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب, لأنه يجوز أن يزوج الكافر ولا يجوز بولاية النسب, وذكر ابن عقيل احتمالين: المنع وعدمه, للحرج; لأن الحكام إنما يزوجون بإذنه وولايته. واختار هو الجواز, لحله حال ولايته, والاستدامة أقوى; لأن الإمامة لا تبطل بفسق طرأ, وذكر بعض أصحابنا إن أحرم نائبه كهو "م 16" وفي إباحة الرجعة فيه وصحتها روايتان: المنع نقله الجماعة ونصره القاضي وأصحابه كالنكاح والإباحة, اختاره الخرقي وجماعة "م 17" "و م ش" لأنها إمساك; ولأنها مباحة, فلا إحلال, ولو حرمت فلا مانع, كالتكفير للمظاهر, وأجاب
ـــــــ
"مسألة 16" قوله: وإن أحرم الإمام ففي التعليق لم يجز أن يزوج, ويزوج خلفاؤه, ثم سلمه وذكر ابن عقيل احتمالين: المنع وعدمه, للحرج; لأن الحكام إنما يزوجون بإذنه وولايته, واختار هو الجواز لحله حال ولايته, والاستدامة أقوى وذكر بعض أصحابنا: إن أحرم نائبه كهو, انتهى. اقتصر في المغني والشرح2 على حكاية كلام ابن عقيل: وقال ابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب: للإمام الأعظم ونائبه أن يزوج وهو محرم بالولاية العامة على ظاهر المذهب, انتهى. "قلت": ظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم الصحة منهما, كغيرها, والله أعلم.
"مسألة 17" : قوله: وفي إباحة الرجعة "فيه" وصحتها روايتان: المنع نقله الجماعة ونصره القاضي وأصحابه كالنكاح والإباحة, اختاره الخرقي وجماعة,
ـــــــ
1 "8/313".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/328".

(5/441)


القاضي بأنها أباحت الوطء بعد مضي مدة العدة, والتكفير ليس بعقد, وليس القصد بالكفارة حل الوطء; لأنه لو وطئ ثم وطئ أو ماتت كفر والكفارة تجوز في حالة لا يجوز فيها عقد النكاح, كتكفير من ظاهر من إحدى نسائه الأربع أو زوجته الموطوءة بشبهة.
وتكره خطبة المحرم كخطبة العقد وشهوده, وحرمها ابن عقيل
ـــــــ
انتهى. وأطلقهما في الإرشاد1 والهداية والمبهج والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب وغيرهم, ذكروه في باب الرجعة وأطلقهما هنا في المقنع2 والمحرر والحاويين ونظم المفردات وغيرهم.
"أحدهما" يباح ويصح, وهو الصحيح, اختاره الخرقي والقاضي في كتاب الروايتين والشيخ الموفق والشارح وغيرهم, وصححه في البداية والمستوعب هنا والتلخيص والبلغة الكبرى والتصحيح وتصحيح المحرر والفائق وغيرهم, قال ناظم المفردات: عليها الجمهور, وجزم به في الإفادات والوجيز ومنتخب الآدمي والمنور وغيرهم, وقدمه في الكافي3 والرعاية الصغرى.
"والرواية الثانية" المنع وعدم الصحة, نقلها الجماعة عن الإمام أحمد, ونصرها القاضي وأصحابه, قال ابن عقيل: لا يصح, على المشهور, قال في الإيضاح: وهي أصح, ونصرها في المبهج, قال الزركشي: وهي أشهر عن أحمد.
"تنبيه" قوله: "لأنه لو وطئ ثم وطئ أو ماتت كفر" قال ابن نصر الله ولعله لو عزم أو وطئ ثم ماتت كفر
ـــــــ
1 ص "176".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/328".
3 "2/348".

(5/442)


لتحريم دواعي الجماع وأطلق أبو الفرج تحريم الخطبة, وتكره شهادته فيه, وحرمها ابن عقيل, وقدمه القاضي واحتج بنقل حنبل: لا يخطب, قال: ومعناه: لا يشهد النكاح, ثم سلمه, كالمصلي يشهد النكاح والمحرم يشهد شراء الصيد ولا يعقدان, ولا فعل للشاهد في العقد, أما الزيادة في الخبر: "ولا يشهد" فلا تصح. وفي الرعاية وغيرها: يكره, لمحل خطبة محرمة, وإن في كراهة شهادته "فيه" وجهين:, كذا قال, ولا فدية بما سبق كشراء الصيد.
ويصح شراء أمة لوطء وغيره, لما سبق, قال الشيخ: لا نعلم فيه خلافا.

(5/443)


فصل: الوطء في قبل يفسد به النسك في الجملة إجماعا.
السابع: الوطء في قبل يفسد به النسك في الجملة إجماعا. في الموطإ1: بلغني أن عمر وعليا وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم فقالوا: ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي. قال: وقال علي: وإذا أهل بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما وفيه2 أيضا وهو صحيح عن ابن عباس: سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض, فأمره بنحر بدنة. وفي رواية عن عكرمة قال: لا أظنه إلا عن ابن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي3 ورواه النجاد عن عكرمة عنه, وللدارقطني4 أن رجلا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الموطأ "1/381".
2 يعني الموطأ "1/384".
3 الموطا "1/384".
4 في سننه "2/272" عن ابن عباس.

(5/443)


أتى أهله قبل أن يطوف بالبيت يوم النحر, قال: ينحر جزورا بينهما وله أيضا بإسناد جيد1 إلى عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة, فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال: اذهب إلى ذلك واسأله, قال شعيب فلم يعرفه الرجل, فذهبت معه, فسأل ابن عمر فقال: بطل حجك. قال الرجل: أفأقعد؟ قال: لا. بل تخرج مع الناس وتصنع ما يصنعون, فإذا أدركت قابل حج وأهد. فرجع إلى عبد الله بن عمرو فأخبره, ثم قال: اذهب إلى ابن عباس فاسأله. قال شعيب: فذهبت معه, فسأله فقال له مثل ما قال ابن عمر, فرجع إلى عبد الله بن عمرو فأخبره, ثم قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا ورواه الأثرم وزاد: وحل إذا حلوا, فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك وأهديا هديا, فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما وفي كلام ابن عباس: ويتفرقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجهما وعمرو بن شعيب حديثه حسن.
قال البخاري: رأيت عليا وأحمد والحميدي وإسحاق يحتجون به, قيل له: فمن تكلم فيه ماذا يقول؟ قال: يقولون أكثر عمرو بن شعيب ونحو هذا2, وسبق في زكاة العسل3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "3/50 – 51".
2 انظر سنن الدارقطني "3/51".
3 "4/121 – 122".

(5/444)


وروى أبو بكر النجاد"1 قول ابن عباس وفيه ثم يحججان من قابل ويحرمان من حيث أحرما ويتفرقان ويهديان جزورا ورواه أيضا1" من طريق آخر: عليهما الحج من قابل ثم يفترقان من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يقضيا نسكهما وعليهما الهدي.
وروي أيضا من طريق ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن حرملة السلمي عن سعيد بن المسيب أن رجلا جامع امرأته وهما محرمان فسأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما: "أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتها فيه فأحرما وتفرقا ولا يؤاكل واحد منكما صاحبه ثم أتما مناسككما وأهديا" 2 رواية العبادلة كابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة عند عبد الغني بن سعيد. وقال الدارقطني: يعتبر بذلك, وبعضهم يضعفها, وروي أيضا عن مجاهد وسئل عن المحرم يأتي امرأته؟ قال: كان ذلك على عهد عمر فقال: يمضيان بحجهما والله أعلم بحجهما ثم يرجعان حلالا كل واحد منهما لصاحبه, حتى إذا كان من قابل حجا وأهديا, وتفرقا من حيث أصابها حتى يقضيا حجهما. وروى معناه سعيد والأثرم عنه وعن ابن عباس3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ورواه البيهقي في السنن الكبرى "5/168".
2 لم نقف على من خرجه من هذا الطريق لكن أورده الزيلعي في نصب الراية "3/125" نقلا عن ابن القطان فانظره.
3 ورواه البيهقي في السنن الكبرى "5/167".

(5/445)


ويفسد النسك قبل التحلل الأول ولو بعد الوقوف, نقله الجماعة "و م ش" وعند أبي حنيفة: لا يفسد بعده وعليه بدنة. لنا أن ما سبق مطلق; ولأنه "إنما" صادف إحراما تاما, كقبل الوقوف, وقوله عليه السلام عمن وقف: "بعرفة تم حجه" 1 يعني قاربه, لبقاء طواف الزيارة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1950" الترمذي "891" والنسائي في المجتبى "5/263" وابن ماجه "3016" عن عروة بن مضرس الطائي.

(5/446)


ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد, بدليل العمرة, وإدراك ركعة من الجمعة, ونية الصوم قبل الزوال.
ووطء امرأة في الدبر واللواط وبهيمة كالقبل "و م ش" لوجوب الحد والغسل كالقبل, وخرج بعضهم: لا يفسد بوطء بهيمة من عدم الحد, وأطلق الحلواني وجهين: أحدهما لا يفسد وعليه شاة, ولنا خلاف في الحد بذلك.
وعند أبي حنيفة: لا يفسد; لأنه الأصل ولا يصح القياس, وعنه كقولنا.
والناسي والجاهل والمكره ونحوه كغيره, نقله الجماعة "و هـ م" لما سبق عن الصحابة, وفيه نظر; ولأنه سبب يجب به القضاء, كالفوات "وفيه نظر"; لأنه ترك ركن فأفسد, والوطء فعل منهي عنه, وقاسوا على الصلاة; لأن حالات الإحرام مدركة, كحالاتها بخلاف الصوم. وفيه نظر, لترك شرطها. وفي الفصول رواية: لا يفسد, اختاره شيخنا وأنه لا شيء عليه, وهو متجه وجديد1 قولي الشافعي, وتجب به بدنة, نص عليه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 عطف على "متجه" يعني وهو جديد قولي الشافعي.

(5/447)


لما سبق عن الصحابة, وكسائر المحظورات "و م ش" وعند أبي حنيفة: قبل الوقوف شاة, وبعده بدنة, والقارن عليه دم واحد, نص عليه "و م ش" لإطلاق ما سبق, وكالمفرد وكسائر المحظورات; ولأنه إحرام واحد, فتداخلت الكفارة, كحرمة الحرم والإحرام. وعنه: وشاة للعمرة إن لزمه طوافان وسعيان. وعند أبي حنيفة: إن وطئ قبل فوات العمرة فسدت, وعليه شاة لها وشاة للحج, وبعد طوافها لا تفسد, بل حجة وعليه دم. قال القاضي: ويتخرج مثل هذا على روايتنا: عليه طوافان وسعيان, كذا قال.
والمرأة المطاوعة كالرجل, لوجود الجماع منهما, بدليل الحد; ولأنهما اشتركا في السبب الموجب, كما لو قتلا رجلا أو حلف لا يطؤها وحلفت مثل ذلك فوطئها, نقله الجماعة "و هـ م" وداود, وكنفقة القضاء على المطاوعة; ولأنه آكد من الصوم, وعنه: يجزئهما هدي واحد "و ش" لأنه جماع واحد, وسبق كلام الصحابة.
وعنه: لا فدية عليها; لأنه لا وطء منها, ذكرها القاضي وغيره, واختاره ابن حامد, وصححه ابن عقيل وغيره, كالصوم, ولا فدية على مكرهة نص عليه, كالصوم; ولأن المكره لا يضاف الفعل إليه. وعنه: بلى "و هـ" كمطاوعة, وعنه: يفدي عنها الواطئ, لأن الإفساد منه "و م" كإفساد حجه, وكنفقة القضاء.
نقل الأثرم: على الزوج حملها ولو طلقها وتزوجت بغيره ويجبر
ـــــــ
.......................................

(5/448)


الزوج الثاني على أن يدعها. وفي منتهى الغاية الرواية التي في المكرهة على الوطء في الصوم تكفر وترجع بها على الزوج; لأنه الملجئ لها إلى ذلك, كما قلنا ترجع عليه بنفقة القضاء في الحج, وكما قلنا في محرم حلق رأسه مكرها أو نائما: إن الفدية على الحالق, كذا قال, وقد عرف الكلام فيه, فتتوجه هذه الرواية هنا. وفي الروضة: المكرهة يفسد صومها ولا تلزمها كفارة ولا يفسد حجها وعليها بدنة, كذا قال.
ويلزمهما1 المضي في فاسده, وحكمه كإحرام صحيح. نقله الجماعة, وذكره القاضي وغيره عن جماعة الفقهاء, ونصب الخلاف مع داود, وذكر الشيخ عن الحسن ومالك: يجعل الحجة عمرة.
قال أحمد في رواية ابن إبراهيم: أحب إلي أن يعتمر من التنعيم, وإليه يذهب مالك. لنا ظاهر قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وما سبق من السنة, وقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 2 الحج عليه أمره, والوطء ليس عليه أمره, فهو مردود, ويلزمهما قضاؤه إن كان فرضا, وتجزئه الحجة من قابل; لأن القضاء يجزئ عما يجزئ عنه الأول لو لم يفسده, لقيامه مقامه, وقيل لأحمد في رواية أبي الحارث: أيتهما حجة الفريضة؟ التي أفسد أو التي قضى؟ قال: لا أدري.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" و"ط" "يلزمهما".
2 تقدم تخريجه ص "385".

(5/449)


ويلزمه قضاء النفل, نص عليه "و" وجزم به الأصحاب, لإطلاق ما سبق من السنة, ولوجوبه بدخوله في الإحرام, كمنذور, كذا قالوا, والمراد وجوب إتمامه لا وجوبه في نفسه, لقولهم: إنه تطوع "كغيره" فيثاب عليه ثواب نفل, وسبق1 عند من دخل في تطوع صوم رواية غريبة لا يقضيه والقضاء على الفور, لتعيينه بالدخول فيه.
ويلزم الإحرام من أبعد الموضعين: الميقات أو إحرامه الأول, نص عليه "و ش" لما سبق من السنة ولأن القضاء بصفة الأداء, بدليل المسافة من الميقات إلى مكة, وكالصلاة; ولأن دخوله في النسك سبب لوجوبه, فتعلق بموضع الإيجاب, كالنذر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "114".

(5/450)


قال القاضي: فإنه لو نذر حجة من دويرة أهله لم يجز أن يحرم من الميقات ولزمه من دويرة أهله, وقد نقل ابن منصور: إذا نزر أن يحج ماشيا ولم ينو من أين يمشي يكون ذلك من حيث حلف, قال: ولم يسلم بعضهم هذا اعتبارا بالفرض, وهذا مسلم بالإجماع, كذا قال. وفيه نظر, وسبق أنه1 يكره, فلا يلزمه, وإلا لزمه.
وعند أبي حنيفة: يلزمه قضاء الحج من الميقات والعمرة من أدنى الحل, وعند مالك: هما من الميقات نقل أبو طالب: لا يجزئهما إلا من حيث أهلا, الحرمات قصاص. ونقل أبو داود فيمن أحرم من بغداد فحبس في السجن ثم خلي عنه أيحرم من بغداد؟ قال: يحرم من الميقات أحب إلي, قال القاضي: لأن التحلل من الحج لم يكن بإفساد, كذا قال, ويتوجه نقل حكم مسألة إلى الأخرى, للقياس السابق وإطلاق الصحابة, وظاهره من الميقات, لأنه المعهود, ولكراهة تقدم الإحرام, ولأنه تبرع
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 بعدها في "ط".

(5/451)


بتقديم إحرامه, كما لو أحرم في شوال ثم أفسده.
وأجاب القاضي بتأكيد المكان, لوجوب الدم بمجاوزته, كذا قال. والجواب الصحيح على المذهب المنع, وسبق عند سقوط دم المتعة بفساد النسك أو فواته.
ويستحب تفرقهما في القضاء "و م ش" قال أحمد: يتفرقان في النزول والمحمل والفسطاط وما أشبه ذلك; لأنه ربما يذكر إذا بلغ الموضع فتاقت نفسه فواقع المحذور ففي القضاء داع بخلاف الأداء, ولم يتفرقا في قضاء رمضان إذا أفسداه; لأن الحج أبلغ في منع الداعي, لمنعه مقدمات الجماع والطيب, بخلاف الصوم. وعند أبي حنيفة: لا يتفرقان لتذكر شدة المشقة بسبب لذة يسيرة فيندمان ويتحرزان.
ولنا وجه: يجب, وللشافعية وجهان, لإطلاق ما سبق من السنة1.
ويتفرقان من موضع الوطء, في ظاهر المذهب "و ش" لما سبق من الخبر المرفوع والمعنى, وعنه: من حيث يحرمان "و م" وزفر إلى حلهما لأن التفريق خوف المحظور, فجميع الإحرام سواء, والفرق تذكره بالموضع وسبق معنى التفرق في رواية الأثرم, ولعل ظاهره أنه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "445".

(5/452)


محرمها كظاهر كلام الأصحاب, وذكر الشيخ: يكون بقربها يراعي حالها; لأنه محرمها ونقل ابن الحكم: يعتبر أن يكون معها محرم غير الزوج.
والعمرة كالحج, فإن كان مكيا أو حصل بها مجاورا أحرم للقضاء1 من الحل, لأنه ميقاتها, سواء كان أحرم بها منه أو من الحرم. وإن أفسد المتمتع عمرته ومضى فيها فأتمها فقال أحمد: يخرج إلى الميقات فيحرم منه بعمرة, فإن خاف فوت الحج أحرم به من مكة وفدى, لتركه. فإذا فرغ منه أحرم من الميقات بعمرة مكان التي أفسدها وفدى بمكة لما أفسد من عمرته, ونقل أبو طالب والميموني: فإذا فرغ منه أحرم من ذي الحليفة بعمرة مكان ما أفسد.
قال القاضي ومن تبعه تفريعا على رواية المروذي أن دم المتعة يسقط بالإفساد: إن أهل بعمرة للقضاء, فهل هو متمتع؟: إن أنشأ سفر قصر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "القصاص".

(5/453)


فمتمتع وإلا فلا, على ظاهر نقل ابن إبراهيم إذا أنشأ سفر قصر فمتمتع, ونقل ابن إبراهيم رواية أخرى تقتضي إن بلغ الميقات فمتمتع "1فقال: لا تكون متعة حتى يخرج إلى ميقاته. وقال أبو حنيفة: إن رجع إلى أهله فمتمتع1" وقال أبو يوسف ومحمد: إن جاوز ميقاتا من الميقات فمتمتع.
ثم احتج القاضي على أنه لا اعتبار بالميقات 2أنه لما2" أفسد العمرة حصل السفر لغير المتمتع; لأنه لو اعتمر من التنعيم وحج من عامه لم يكن متمتعا, فلما تعلق بذلك السفر حكم وهو بطلان التمتع لم يبطل ذلك الحكم بمجاوزته الميقات, كما قلنا فيمن دخل مكة بعمرة من بلده في أشهر الحج ولم يفسدها لما تعلق بذلك السفر حكم وهو صحة التمتع; لأنه لو مضى فيها وحج من عامه كان متمتعا لم يبطل ذلك الحكم بمجاوزة الميقات كذا هنا كذا قال.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 2 في الأصل "لما" وفي "س" "لأنه لما".

(5/454)


وقضاء العبد كنذره, قيل: يصح في رقه; لأنه وجب فيه بإيجابه, وهو من أهل صحة العبادة في الجملة, بخلاف حائض, وحجة الإسلام وجبت شرعا, فوقفت على شرط الشرع, وقيل: لا, والأول أشهر "م 18" وإن كان ما أفسده مأذونا فيه قضى متى قدر نقله أبو طالب ولم يملك منعه منه; لأن إذنه فيه إذن في موجبه ومقتضاه, وإلا ملك منعه, لتفويت حقه, وقيل: لا, لوجوبه.
وإن أعتق قبل القضاء فنواه انصرف إلى حجة الإسلام, على المذهب. وكذا يلزم الصبي القضاء نص عليه; لأنه تلزمه البدنة والمضي في فاسده, كبالغ, وقيل: لا, لعدم تكليفه, ويقضيه بعد بلوغه, نص عليه. وقيل: قبله, وتكفيهما المقضية عن حجة الإسلام, والقضاء إن كفت لو
ـــــــ
"مسألة 18" "قوله": وقضاء العبد كنذره, قيل: يصح في رقه; لأنه وجب فيه بإيجابه. وهو من أهل صحة العبادة في الجملة وقيل: لا, والأول أشهر انتهى. الصحيح من المذهب صحة قضاء العبد في حال رقه, جزم به في المغني1 والشرح2 وشرح ابن رزين وغيرهم قال المصنف هنا: هذا أشهر وقال في كتاب المناسك3: ويصح القضاء في رقه, في الأصح, للزومه له, كالنذر, انتهى. وقال في الرعاية الكبرى: ومن وطئ في نسك وهو حر أو عبد صغير فسد حيث يفسد به نسك الحر المكلف ويتمانه إذن ثم يقضيانه إذا زال الصغر والرق, فإن زالا في فاسده بحيث لو صح كفاهما عن حجة الإسلام كفاهما قضاؤه عنهما. وإلا فلا, انتهى.
"تنبيه": إتيان المصنف بهذه الصيغة هنا يدل على أن الخلاف قوي من الجانبين وإن كان أحدهما أشهر, ولكن صحح في كتاب المناسك فتناقض قوله.
ـــــــ
1 "5/49".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/32".
3 تقدم ص "210".

(5/455)


صحت كالأداء, وخالف ابن عقيل قال: كما قلنا فيمن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم من رمضان وقلنا يجزئه عنهما فأفطره قضى يومين. ومن أفسد القضاء قضى الواجب لا القضاء "و" لأن الواجب لا يزداد, كإفساد قضاء صوم وصلاة.
وإن جامع بعد تحلله الأول لم يفسد حجه "و" لقوله: "الحج عرفة"1 وإن من وقف بها تم حجه. ولأنه قول ابن عباس2, خلافا للنخعي والزهري وحماد. ويتوجه لنا مثله إن بقي إحرامه وفسد بوطئه, وذكر أبو بكر في التنبيه أن من وطئ في الحج قبل الطواف فسد حجه: وحمله بعضهم على ما قبل التحلل. وهل هو بعد التحلل الأول محرم؟ ذكر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "317".
2 رواه مالك في الموطأ "1/384".

(5/456)


القاضي وغيره أنه محرم, لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام, فقيل له: فلا يصح إدخال عمرة على حج؟ فقال: إنما لا يصح على إحرام كامل, وهذا قد تحلل منه. وقال أيضا: إطلاق المحرم من حرم عليه الكل. وفي فنون ابن عقيل: يبطل إحرامه على احتمال, وقال في مفرداته: هو محرم, لوجوب الدم, وذكر الشيخ هنا أنه محرم, وقال في مسألة ما يباح بالتحلل الأول: يمنع أنه محرم وإنما بقي بعض أحكام الإحرام.
ونقل ابن منصور والميموني وابن الحكم فيمن وطئ بعد الرمي: ينتقض إحرامه "م 19".
ـــــــ
"مسألة 19" قوله: وهل هو بعد التحلل الأول محرم؟ ذكر القاضي وغيره أنه محرم, لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام وقال أيضا: إطلاق المحرم من حرم عليه الكل. وفي فنون ابن عقيل: يبطل إحرامه على احتمال وقال

(5/457)


ويعتمر من التنعيم, فيكون إحرام مكان إحرام.
فهذا المذهب أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي جمرة العقبة, ويلزمه أن يحرم من الحل ليجمع بين الحل والحرم, ليطوف في إحرام صحيح; لأنه ركن الحج, كالوقوف, وإذا أحرم طاف للزيارة وسعى ما لم يكن سعى, وتحلل; لأن الإحرام إنما وجب ليأتي1 بما بقي من الحج, هذا ظاهر كلام الخرقي, واختاره الشيخ وغيره وقال: ويحتمل أن "الإمام" أحمد والأئمة أرادوا هذا وسموه عمرة; لأن هذه أفعالها, ويحتمل أن يريدوا عمرة حقيقة فيلزمه سعي وتقصير.
واختار شيخنا كالشيخ, قال: سواء بعد أو لا, ومعناه كلام غيره, وقاله القاضي في المجرد. وقال شيخنا أيضا: يعتمر مطلقا, وعليه نصوص أحمد, وجزم به القاضي, في الخلاف, وابن عقيل في مفرداته, وابن الجوزي في كتاب أسباب الهداية وغيرهم "و م" لما سبق عن ابن عباس ولأن حكم الإحرام المبتدإ طواف وسعي وتقصير, والعمرة تجري مجرى الحج, بدليل القران بينهما.
ـــــــ
في مفرداته: هو محرم, لوجوب الدم, وذكر الشيخ هنا أنه محرم وقال في مسألة ما يباح بالتحلل الأول يمنع أنه محرم وإنما بقي بعض أحكام الإحرام, ونقل ابن منصور والميموني وابن الحكم فيمن وطئ بعد الرمي: ينتقض إحرامه, انتهى.
"قلت": الصواب أنه محرم. كما قال القاضي وابن عقيل والشيخ في موضع من كلامهم, وتبعهم الشارح وابن رزين
ـــــــ
1 في الأصل "الثاني".

(5/458)


واحتج القاضي على أنه لا يحتسب بطواف العمرة عن طواف الحج بنقل محمد بن أبي حرب فيمن نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى بلده يدخل معتمرا فيطوف بعمرة ثم يطوف طواف الزيارة.
وعند "هـ ش": لا عمرة عليه وحجه صحيح ولا يفسد إحرامه, وقاله ابن عباس; لأنه لا يفسد كله فلا يفسد بعضه, كبعد التحللين.
وهل يلزمه بدنة "و ش" لأنه قول ابن عباس وكما قبل رمي جمرة العقبة؟ أم شاة "و هـ م" لعدم إفساده للحج كوطء دون الفرج بلا إنزال ولخفة1 الجناية; فيه روايتان "م 20"
ـــــــ
"مسألة 20": قوله: وهل يلزمه بدنة أو شاة.؟ فيه روايتان, انتهى. يعني إذا وطئ بعد التحلل الأول. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمقنع2 والتلخيص والمحرر وشرح ابن منجى والزركشي وغيرهم.
"إحداهما": يلزمه شاة, وهو الصحيح, نص عليه, وهو ظاهر كلام الخرقي, وصححه في التصحيح. قال ابن البنا في عقوده, وأبو المعالي في خلاصته: يلزمه دم, وجزم به في الإرشاد3 والإيضاح والكافي4 والمنور وغيرهم, وصححه القاضي في كتاب الروايتين, وقدمه في المغني5 والشرح6 وابن رزين وغيرهم.
"والرواية الثانية" يلزمه بدنة, جزم به في الإفادات والوجيز ومنتخب الآدمي, وقدمه في الرعايتين والحاويين والنظم والفائق وغيرهم.
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" و"ط" والمثبت من "س" "لحقه".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/346".
3 ص "176".
4 "2/381".
5 "5/375".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/350".

(5/459)


وإن طاف ولم يرم ثم وطئ, فظاهر كلام جماعة كما سبق, وقدم بعضهم: لا يلزمه شيء, لوجود أركان الحج, والقارن كالمفرد, على ما سبق; لأن الترتيب للحج لا للعمرة, بدليل تأخير الحلق إلى يوم النحر.
والعمرة كالحج, فيما سبق. وتفسد قبل فراغ الطواف, وكذا قبل سعيها إن قلنا ركن أو واجب. وفي الترغيب: إن وطئ قبله خرج على الروايتين في كونه ركنا أو غيره, ولا تفسد قبل الحلق إن لم يجب وكذا إن وجب, ويلزمه دم.
وقدم في الترغيب: تفسد وفي التبصرة في فداء محظورها قبل الحلق الروايتان. وفي الرعاية وعنه: يفسد الحج فقط, كذا قال. ولا يجب بإفسادها إلا" شاة, نقله أبو طالب وعليه الأصحاب, لنقص حرمة إحرامها عن الحج, ولنقص أركانها ودخول أفعالها فيه إذا اجتمعت معه.
والنقص يمنع كمال الكفارة, كبعد التحلل الأول. وقال الحلواني في الموجز: الأشبه بدنة "و ش" كالحج, وعند أبي حنيفة كقولنا إلا أن يطأ بعد أربعة أشواط فلا يفسد وعليه شاة, لنا أنه وطئ في إحرام تام كقبل الأربعة. قيل لأحمد رحمه الله: فسدت بجماع ثم اعتمر من عامه لا ينويه يعني القضاء قال: لا يجزئه حتى يأتي بعمرة أخرى وعليه دم.
ولو أحرم حال وطئه فذكر بعض أصحابنا في مسألة البيع الفاسد: لا يجب مضيه فيه, ومراده والله أعلم لا ينعقد, لمنافاته له. وسبق في
ـــــــ
.......................................

(5/460)


الردة1 في الأذان قول صاحب المحرر: قد يعتد بما فعله الواطئ, وينعقد إحرامه ابتداء, بخلاف المرتد, ويأتي "إن شاء الله تعالى" في فصل من كرر محظورا2.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "2/17 – 18".
2 ص "538".

(5/461)


فصل: المباشرة بلمس أو نظر لشهوة
"الثامن" المباشرة بلمس أو نظر لشهوة "و" فإن وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس لشهوة فأنزل فعليه بدنة, نقله الجماعة, فذكر له في رواية ابن منصور قول سفيان: يقولون عليه بدنة وقد تم حجه, فقال: جيد. وقال في رواية الميموني: ابن عباس جعل عليه بدنة3, وعليه الأصحاب وقاسوه على الوطء في الفرج.
وعنه شاة إن لم يفسد "و هـ ش" ذكرها القاضي وغيره, وأطلقها الحلواني, كما لو لم ينزل, والقياسان ضعيفان, وفي فساد نسكه روايتان:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 تقدم تخريجه ص "443".

(5/461)


إحداهما يفسد, نصرها القاضي وأصحابه, واختارها الخرقي وأبو بكر في الوطء دونه وأنزل "و م" لأنها عبادة يفسدها الوطء فأفسدها الإنزال عن مباشرة, كالصوم, واحتج القاضي بنهي الله تعالى عن الرفث1, وهو عام فيه, والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
والثانية لا يفسد, اختارها الشيخ وغيره "و هـ ش" لعدم الدليل, والصوم يفسد بجميع محظوراته "م 21" والحج بالجماع فقط, والرفث مختلف فيه بين الصحابة وغيرهم, فلم نقل بجميعه, مع أنه يلزم القول به في الفسوق والجدال.
ـــــــ
"مسألة 21": قوله: فإن وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس بشهوة فأنزل فعليه بدنة. وعنه: شاة إن لم يفسد وفي فساد نسكه روايتان:
"إحداهما": يفسد, نصرها القاضي وأصحابه, واختارها الخرقي وأبو بكر في الوطء دونه وأنزل.
و"الثانية" لا يفسد, اختارها2 الشيخ وغيره, انتهى. وأطلقهما في الإرشاد3 والإيضاح والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمقنع4 والمحرر والرعايتين والحاويين وغيرهم.
ـــــــ
1 في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ.....} [البقرة: 197]
2 في النسخ الخطية و"ط" "اختاره" والمثبت من الفروع.
3 ص "175".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/352".

(5/462)


وعنه رواية ثالثة: إن أمنى بالمباشرة فسد, وإن لم ينزل لم يفسد "و" قال الشيخ: لا نعلم فيه خلافا كالصوم وكعدم1 الشهوة, وسبق في الصوم خلاف2, ومثله هنا, وظاهر كلام الحلواني أن لنا في المسألة خلافا.
وعن ابن عباس أنه قال لرجل قبل أهله: أفسدت حجك3. ومعناه عن سعيد بن جبير وغيره, وحمله الشيخ وغيره على الإنزال, وسيأتي قوله عليه السلام: "الحج عرفة"4 وأن من وقف بها تم حجه. وعليه شاة في رواية اختارها جماعة, منهم الخرقي والشيخ "و" وفي رواية: بدنة, نصره القاضي وأصحابه, كالوطء "م 22" وإن كرر النظر فأمنى لم يفسد "م" لعدم الدليل,
ـــــــ
إحداهما لا يفسد, وهو الصحيح, صححه في التصحيح وغيره, وجزم به في الوجيز وغيره, واختاره الشيخ والشارح وصاحب الفائق وغيرهم, قال ابن رزين في شرحه: هذا أصح, وهو ظاهر ما قدمه في النظم.
والرواية الثانية يفسد, نصره القاضي وأصحابه قال5 في المبهج: فسد في أصح الروايتين, وصححه في البلغة, وقدمه في الهداية وغيره, واختاره أبو المعالي وغيره, وكذا الخرقي وأبو بكر في الوطء دون الفرج إذا أنزل. وقال الزركشي: هذه أشهرها.
"مسألة 22" قوله: وإن لم ينزل لم يفسد وعليه شاة, في رواية اختارها جماعة, منهم الخرقي والشيخ. وفي رواية: بدنة, نصرها القاضي وأصحابه, كالوطء, انتهى. يعني إذا وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس لشهوة ولم ينزل, وأطلقهما
ـــــــ
1 في الأصل "عدم".
2 ص "10".
3 تقدم تخريجه ص "444".
4 تقدم تخريجه "317".
5 ليست في "ط".

(5/463)


والمباشرة أبلغ, وعليه بدنة, نص عليه, اختاره الخرقي, ونصره القاضي وأصحابه, لأنه من دواعي الجماع, كقبلة وطيب, وعنه: شاة, وروى النجاد عن ابن عباس القولين, وروى الأثرم عنه الثاني وعند الشافعي: لا شيء عليه ولو أنزل. وقال الحنفية: إن نظر إلى فرجها بشهوة فأمنى لا شيء عليه قال صاحب الهداية منهم: لأن المحرم الجماع ولم يوجد, فصار كما لو تفكر فأمنى, والاستمناء مثله. وإن مذى بتكرار نظر
ـــــــ
في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص وشرح ابن منجى.
إحداهما عليه شاة, وهو الصحيح, اختاره الشيخ الموفق في المغني1 والشارح والناظم, وجزم به الخرقي وصاحب الكافي والوجيز وشرح ابن رزين والزركشي وغيرهم, وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمقنع2 والرعايتين والحاويين وغيرهم.
والرواية الثانية يلزمه بدنة, نصرها القاضي وأصحابه. كما قال المصنف
ـــــــ
1 "5/169".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/415".

(5/464)


أو أمنى بنظرة وفي الروضة والمستوعب: أو مذى1 بنظرة فشاة; لأنه جزء من المني حصل به لذة. وفي الكافي2: لا فدية بمذي بتكرار نظر, فيتوجه منه تخريج: ولا بمذي بغيره, وجزم به الآمدي البغدادي في كتابه إن مذى باستمناء وذكر القاضي رواية: يفدي بمجرد النظر, أنزل أو لا, ومراده إن كرره. وأخذها من نقل الأثرم فيمن جرد امرأته ولم يكن منه غير التجريد: عليه شاة, وحمله الشيخ وغيره على لمس أو مذي, لنظره صلى الله عليه وسلم إلى نسائه, وكذا أصحابه, ولا حجة فيه; لأنه قضية عين, وقد يؤخذ من كلامه هذا جوازه لشهوة, ولهذا في الرعاية: وقيل إن كرر النظر حرم, وإلا كره. وإن فكر فأنزل فلا شيء عليه, لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "منى".
2 "2/382".

(5/465)


لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تكلم أو تعمل به" متفق عليه1, ولأنه دون النظر.
وعن أبي حفص البرمكي وابن عقيل: إنه كالنظر, لقدرته عليه.
وخطأ كعمد, كوطء, وقيل: لا, كما سبق في الصوم, لأن الوطء لا يتطرق إليه نسيان غالبا, وتفسد العبادة بمجرده, والمرأة كالرجل مع شهوة, ويتوجه في خطأ ما سبق2.
ومن عدم بدنة الوطء والمباشرة لزمه صوم كصوم المتعة, لوجوبها بقول الصحابة السابق, فكذا بدلها.
قال الشيخ: هذا الصحيح من المذهب. وقال القاضي يتصدق بقيمتها طعاما, فإن لم يجد صام عن إطعام كل مسكين يوما, كجزاء الصيد لا ينتقل في إحدى الروايتين إلى الإطعام مع وجود المثل, ولا إلى الصيام مع
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "2528" ومسلم "211".
2 ص "447".

(5/466)


القدرة على الإطعام, وظاهر كلام الخرقي: يخير في الجميع, كفدية الأذى, أما الشاة فيخير كما يخير في فدية الأذى للترفه. وعن ابن عباس فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك1 رواه الأثرم
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/172".

(5/467)


فصل: قتل صيد البر المأكول واصطياده,
التاسع: قتل صيد البر المأكول واصطياده, بالإجماع, لقوله تعالى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة: 96] ويأتي حكم الخطإ والعمد, ويحرم ويفدي ما يولد منه مع أهلي أو غير مأكول, وقيل: لا يفدي ما تولد من مأكول وغيره, قدمه, في الرعاية لأن الله إنما حرم صيد البر, وهذا يحرم أكله, وذكر الشيخ: الأول قول أكثر العلماء, تغليبا لتحريم قتله, كما غلبوا تحريم أكله, ويضمن إن تلف في يده هو أو بعضه بما يضمن به آدميا ومالا بمباشرة أو سبب, ومنه جناية دابته, على ما سيأتي "إن شاء الله تعالى" في الغصب2 وعند مالك وداود: جرح الصيد لا يضمن. لنا أنه أعظم من تنفيره, وقد منعه
ـــــــ
"تنبيه" قوله في أول فصل قتل صيد البر: وقيل لا يفدي ما تولد من مأكول وغيره قدمه في الرعاية, انتهى. "قلت": ليس كما قال "3عن الرعاية3", فإنه قال فيها: وما أكل أبواه فدى وحرم قتله, وكذا ما أكل أحد أبويه دونه, وقيل لا يفدي كمحرم الأبوين, انتهى. وجزم بالفدية في الرعاية الصغرى, ولعله أراد أن يقول "ذكره" فسبق القلم فقال "قدمه" والله أعلم.
ـــــــ
2 "7/249".
3 3 ليست في "ح".

(5/467)


الشارع. وكل عين مضمونة ضمنت أبعاضها كالآدمي والمال, ولا حجة في الآية1 "لأنه"2 أوجب الجزاء بقتله, وإنما يجب ما نقصه.
وتحرم الدلالة عليه والإشارة والإعانة ولو بإعارة سلاح ليقتله به3, سواء كان معه ما يقتله به أو لا, أو بمناولته سلاحه أو سوطه أو أمره باصطياده. قال القاضي وغيره: أو بدفعه إليه فرسا لا يقدر على أخذ الصيد إلا به; لأن في خبر أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء" ؟ قالوا: لا. وفيه: أبصروا حمارا وحشيا فلم يؤذنوني وأحبوا لو أني أبصرته, فالتفت فأبصرته, ثم ركبت ونسيت السوط والرمح, فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح, قالوا: لا والله لا نعينك عليه. وفيه: إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئا, فنظرت فإذا حمار وحش4. وفيه: فبينما أنا مع
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ........} [المائدة: 95].
2 ليست في الأصل.
3 ليست في "س".
4 في الأصل و"ط" "وحشي".

(5/468)


أصحابي يضحك بعضهم إلى بعض إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش, فحملت عليه, فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني متفق على ذلك1. ويضمنه بذلك, نقله ابن منصور وابن إبراهيم وأبو الحارث في الدال, ونقله عبد الله في المشير, ونقله أبو طالب فيه وفي الذي يعين "و هـ" لخبر أبي قتادة, ورواه النجاد2 عن علي وابن عباس في محرم أشار.
وأما ما روى ابن عمر: لا جزاء على الدال, فقال القاضي: المعروف عنه ما رواه3 النجاد: لا يدل المحرم على صيد ولا يشير إليه. ثم حمله على دلالة لم يتصل بها التلف, قال: ولا خلاف أن الإعانة توجب الجزاء, كذا الإشارة; ولأن الدلالة سبب يؤثر في تحريم أكله يختصه كقتله وكحفر4 بئر ونصب سكين وشرك وإمساكه, وضمانه آكد من ضمان المال, ذكره في الخلاف والانتصار وعيون المسائل وابن عقيل في مفرداته وغيرهم, ولهذا يضمنه بحفر بئر أو شرك يملكه بخلاف ما لو وقع به ولو نفره ضمنه, ولو أفزع عبدا فأبق فلا, زاد في الخلاف: ولو أمسكه فتلف فرخه ضمنه, ولو غصبه فمات فرخه فلا. وفي الانتصار احتمال: يضمنه قادر لم يكف الضرر عنه: وقال القاضي أيضا: الدلالة يضمن بها المال بدليل المودع يدل على الوديعة. فقيل له:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1821" مسلم "1196" "56" و"64".
2 في الأصل "البخاري".
3 في الأصل "روى".
4 في الأصل و"ط" "حفر".

(5/469)


لتفريطه في الحفظ؟ فقال قد جعلت سببا في التفريط في الحفظ, فكذا في ضمان الصيد, كالإتلاف1, كذا قال; ولأنه التزم بإحرامه عدم التفريط2, فيضمن بترك ما التزمه, كالمودع, بخلاف المحل فإنه3 لم يلتزم, وعن أبي يوسف وزفر: عليه الجزاء أيضا. وقال أبو الفرج في المبهج: إن كانت الدلالة ملجئة لزم المحرم الجزاء, كقوله: دخل الصيد في هذه المغارة, وإلا4 لم يلزمه, كقوله: ذهب إلى تلك البرية; لأنه لا يضمن بالسبب مع المباشرة إذا لم يكن ملجئا, لوجوب الضمان على القاتل والدافع دون الممسك والحافر, وأجاب القاضي وغيره: بأن الممسك غير ملجئ ويضمن الصيد, والدلالة سبب غير ملجئ "5ويضمن بها المودع5" وسبق أن ضمان الصيد آكد. وقال مالك والشافعي: لا شيء على الدال, لما سبق, وسواء كان المدلول عليه ظاهرا أو خفيا لا يعلمه إلا بدلالته عليه.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "كإتلاف".
2 في "ط" "التعرض" وفي "س" "التعريض".
3 في "س" "لأنه".
4 في "س" ولا".
5 5 في "ق" "لا يضمن".

(5/470)


ولا شيء على دال ومشير لمن رأى الصيد قبل دلالته وإشارته; لأنها ليست سببا في تلفه, وكذا لو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك أو1 استشراف ففطن له غيره فصاده, أو أعاره آلة لغير الصيد فاستعملها فيه وظاهر ما سبق: لو دله فكذبه لم يضمن, وقاله الحنفية.
وإن نصب شبكة ثم أحرم أو أحرم ثم حفر بئرا بحق, كداره أو للمسلمين في طريق واسع لم يضمن, وإلا ضمن, كالآدمي فيها2 وأطلق في الانتصار ضمانه وأنه لا تجب به كفارة قتل.
واحتج جماعة في الفار من الزكاة بنصب اليهود الشبك يوم الجمعة وأخذوا يوم الأحد ما سقط فيها, وأنه شرع لنا, ومراد من أطلق من أصحابنا والله أعلم إذا لم يتحيل فالمذهب رواية واحدة, وإذا يتحيل3 فالخلاف وعدمه أشهر وأظهر.
وفي الفصول في أواخر الحج: في دبق4 قبل إحرامه لا يضمن به بل بعده, كنصب أحبولة وحفر بئر ورمي, اعتبارا بحال النصب
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "و".
2 في "ط" و"س" "فيهما".
3 في النسخ الخطية و"ط" "لم يتحيل" والمثبت من الإنصاف "8/280".
4 في "س" "زبيق" والدبق: شيء يلتصق كالغراء تصاد به الطير مختار الصحاح "دبق".

(5/471)


والرمي, ويحتمل الضمان اعتبارا بحال الإصابة, كرميه عبدا فأصاب حرا, وقال: يتصدق من آذاه أو1 أفزعه بحسب أذيته2, وقال: أظنه استحسانا3 كالآدمي. قال: وتقريبه كلبا من مكان الصيد جناية, كتقريبه الصيد من مهلكة.
ومن نفر صيدا فتلف أو نقص في حال نفوره ضمن, وإن كان مكانه بعد أمنه من نفوره فلا, وقيل: بلى; لأن عمر دخل دار الندوة فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره خشية أن يلطخه بسلحه4 فوقع على واقف آخر فانتهزته5 حية فقتلته, فقال لعثمان ونافع بن عبد الحارث6: إني وجدت في نفسي أني أطرته من منزل كان فيه7 آمنا إلى موقعة كان فيها حتفه, فقال نافع لعثمان: كيف ترى في غير ثنية عفوا تحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال عثمان: أرى ذلك فأمر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "و".
2 في "س" "أذنيه".
3 في "س" "استحبابا".
4 سلح الطائر سلحا من باب نفع وهومنه كالتغوط من الإنسان المصباح "سلح".
5 في "س" "فانتهزته".
6 نافع بن عبد الحارث بن خالد الخزاعي أسلم يوم الفتح وأمره عمر على مكة الإصابة "6/408". تهذيب التهذيب "10/407".
7 ليست في الأصل.

(5/472)


بها عمر رواه الشافعي1.
وإن تلف في حال نفوره بآفة سماوية فوجهان "م 23". وإن رماه فأصابه ثم سقط على آخر فماتا ضمنهما, وإن مشى المجروح قليلا ثم سقط على الآخر ضمن المجروح فقط, وظاهر ما سبق يضمنهما.
وإن دل محرم محرما أو أعانه أو أشار فقتله أو اشتركا في قتله فروايات: إحداهن جزاء واحد على الجميع, اختاره ابن حامد وجماعة منهم الشيخ. وقاله الشافعي في المشتركين; لأنه أوجب المثل فلا يجب غيره, {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: 95] ظاهر في الواحد والجماعة, فالقتل هو الفعل المؤدي إلى خروج الروح, وهو فعل الجماعة لا فعل كل واحد, كقوله: من
ـــــــ
"مسألة 23" قوله: وإن تلف في حال نفوره بآفة سماوية فوجهان, انتهى.
أحدهما, وهو الصحيح, قدمه في الرعاية, وهو الصواب, وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب حيث قالوا: لو نفره فتلف فعليه الضمان. وأطلقوا التلف. فشمل كلامهم الآفة السماوية وغيرها, وهو كالصريح في كلامه في الكافي وغيره, ولا يمكن إحالته على غير السبب, فتعين إحالته عليه, والله أعلم.
والوجه الثاني لا يضمن, قال في الرعاية: وقيل: لا بآفة سماوية, في الأصح.
ـــــــ
1 في مسنده "1/333".

(5/473)


جاء بعبدي فله درهم, فجاء به جماعة; لأن المجيء مشترك, بخلاف: من دخل "1داري فله درهم. فدخلها جماعة, لوجود الدخول, وهو الانفصال من خارج إلى داخل1" منفردا, ولقوله صلى الله عليه وسلم: "في الضبع كبش" "1ولم يفرق1" ورواه النجاد عن سعيد بن المسيب عن عمر ورواه الشافعي عن ابن عمر, وكذا رواه النجاد والدارقطني, وروياه أيضا عن ابن عباس2. ولم يعرف لهم مخالف; ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه, ويحتمل التبعيض, فكان واحدا, كقيم العبيد والمتلفات, وكذا الدية, لا كفارة القتل, على الأشهر الأصح فيهما.
قال القاضي: وجزاء الصيد يتبعض; لأنه لو ملك بعض الجزاء لزمه إخراجه وكفارة القتل لا تتبعض, فلا يخرج بعض الرقبة ويصوم, ومتى ثبت اتحاد3 الجزاء في الهدي ثبت في الصوم, لقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة: 95] ولما سبق.
"والثانية" على كل واحد جزاء, اختاره أبو بكر "و هـ" وقاله مالك في المشتركين, ككفارة قتل الآدمي ويأتي خلاف الحنفية في الاشتراك في صيد الحرم4.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في "س".
2 الشافعي في مسنده "1/331" والدارقطني في سننه "2/246, 247".
3 في الأصل "إيجاب".
4 ص "475".

(5/474)


"والثالثة": جزاء واحد, إلا أن يكون صوما فعلى كل واحد صوم تام, ومن أهدى فبحصته وعلى الآخر صوم تام نقله الجماعة, ونصره القاضي وأصحابه, وذكره الحلواني عن الأكثر; لأن الجزاء بدل لا كفارة; لأن الله عطف عليه الكفارة, والصوم كفارة, فتكمل ككفارة قتل الآدمي1; ولأن الصحيح من مذهب الشافعي: لو وطئ في نهار رمضان فكفارة واحدة يتحملها "الزوج" عنها إن كان من أهل العتق, وإلا فعلى "2كل منهما2" صوم كامل, وهي طريق جيدة عليهم, قاله القاضي, وقيل: لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل, فيؤخذ منه: لا يلزم متسببا مع مباشر. ولعله أظهر, لا سيما إذا أمسكه ليملكه فقتله محل, وقيل: القرار عليه "و هـ" لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة وهذا متوجه, وجزم به ابن شهاب أنه على الممسك, لتأكده "م 24" وأن عكسه المال, كذا قال, وإن كان الدليل والشريك لا ضمان عليه, كالمحل "3في الحل3" فالجزاء جميعه
ـــــــ
"المسألة 24" قوله: وإن دل محرم محرما أو أعانه أو أشار فقتله أو اشتركا في قتله فروايات: إحداهن جزاء واحد على الجميع, اختاره ابن حامد وجماعة منهم الشيخ والثانية على كل واحد جزاء, اختاره أبو بكر والثالثة جزاء واحد إلا أن يكون صوما فعلى كل واحد صوم تام, ومن أهدى فبحصته وعلى الآخر صوم تام, نقله الجماعة ونصره القاضي وأصحابه, وذكره الحلواني عن الأكثر وقيل: لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل, فيؤخذ منه: لا يلزم متسببا4
ـــــــ
1 في "س" "آدمي".
2 2 في الأصل "كل واحد منهم".
3 3 ليست في الأصل.
4 في النسخ الخطية و"ط" "ممسكا" والتصحيح من الفروع.

(5/475)


على المحرم, في الأشهر, قال ابن البنا: نص عليه, كذا قال, وإنما أطلق أحمد القول ولم يبين, قال القاضي: فيحتمل أنه يريد به جميعه, ويحتمل بحصته "و ش" وذكر بعضهم وجهين: لأنه اجتمع موجب ومسقط, فغلب الإيجاب, كمتولد بين مأكول وغيره, وصيد بعضه في الحل وبعضه في الحرم, وجزاء الصيد آكد من دية النفس, لما سبق في الدال1, وكذا
ـــــــ
مع مباشر, ولعله أظهر لا سيما إذا أمسكه ليملكه فقتله محل, وقيل: القرار عليه وهذا متوجه, وجزم "به" ابن شهاب أنه على الممسك, لتأكده, انتهى كلام المصنف.
إحداهن على الجميع جزاء واحد, وهو الصحيح, اختاره ابن حامد والقاضي أيضا والشيخ الموفق والشارح, وجزم به في الإرشاد2 والهداية ومسبوك الذهب والخلاصة وشرح ابن منجى والوجيز وغيرهم, وجزم به في المقنع3 في موضع, وقدمه في آخر وصححه الناظم, وقدمه في الكافي4 وقال: هذا أولى, قال الزركشي: هذا المختار من الروايات.
والرواية الثانية على كل واحد جزاء, اختاره أبو بكر, وحكاهما في المذهب وجهين وأطلقهما.
والرواية الثالثة إن كفروا بالمال فكفارة واحدة, وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة, ومن أهدى فبحصته وعلى الآخر صوم تام, نقله الجماعة, واختاره القاضي وأصحابه, وذكره الحلواني عن الأكثر, كما قال المصنف, وقدمه في المبهج وقال: هذا أظهر, انتهى. والأقوال التي ذكرها المصنف بعد الرواية, المذهب خلافها, وقد قدمه المصنف وغيره.
ـــــــ
1 ص "470".
2 ص "169".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/33".
4 "2/362".

(5/476)


الخلاف إن كان الشريك سبعا. فإن سبق1 حلال وسبع فجرحه2 فعلى المحرم جزاؤه3 مجروحا, وإن سبق هو فعليه أرش جرحه, فلو كانا محرمين ضمن الجارح نقصه والقاتل تتمة الجزاء.
ويحرم على المحرم صيد صاده أو ذبحه إجماعا, وكذا إن دل حلالا أو أعانه أو أشار "و" وكذا أكله ما صيد له, نقله الجماعة "و م ش" لأن في الصحيحين4 من حديث الصعب بن جثامة5 أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه, فلما رأى ما في وجهي قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" .
ولمسلم6 هذه القصة من حديث ابن عباس وفيه: رجل حمار, وفي لفظ: شق حمار. وفي لفظ: عجز حمار يقطر دما.
ولأحمد وابن ماجه والدارقطني7 بإسناد جيد في حديث أبي قتادة السابق قال: ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له, قال أبو بكر النيسابوري: لا أعلم أحدا قاله غير معمر. وفي الصحيحين8: أنه أكل
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "كان".
2 في النسخ الخطية "يجرحه" والمثبت من "ط".
3 في الأصل "جزاءان".
4 البخاري "18825" ومسلم "1193" "50".
5 الصعب بن جثامة بن قيس بن ربيعة بن عبد الله الليثي حليف قريش مات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وقيل في آخر خلافة عمر الإصابة "5/139".
6 في صحيحه "1194" "53" "54".
7 أحمد "222590" وابن ماجه "3093" والدارقطني "2/290".
8 البخاري "2854" ومسلم "1196" "63".

(5/477)


منه. وعن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب1 عن جابر مرفوعا "لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم" رواه الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي: والترمذي2 وقال: لا نعرف للمطلب سماعا من جابر. وقال ابن أبي حاتم3: يشبه أنه أدركه. ورواه أحمد4 أيضا من حديث عمرو عن رجل من الأنصار ومن حديثه أيضا5: أخبرني رجل ثقة من بني سلمة عن جابر. وعمرو من رجال الصحيحين.
وقال أحمد وأبو حاتم وابن عدي: لا بأس به, ووثقه أبو زرعة. وقال ابن معين وأبو داود والنسائي: ليس بقوي, واحتج أحمد بهذا الخبر في رواية مهنا وقال: إليه أذهب.
وصح عن عثمان أنه أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا فقالوا: ألا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم, إنما صيد من أجلي. رواه مالك والشافعي6.
وعند أبي حنيفة: يجوز أكله ما صيد له, وهو احتمال في الانتصار; لأن خبر أبي قتادة يدل على تعلق التحريم بالإشارة والإعانة فقط, قلنا: وبالأمر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "خطب" وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي المدني أحد الثقات السير "5/317".
2 الشافعي في مسنده "1/323: وأحمد "14894" وأبو داود "1851" والنسائي في المجتبى "5/187" والترمذي "846".
3 في "س" "جابر".
4 في مسنده "15158".
5 أحمد "15185".
6 مالك في الموطأ "1/354" والشافعي في مسنده "1/324".

(5/478)


وقد ذكر أبو بكر الرازي منهم الجواز فيه, وفيه روايتان عن أبي حنيفة, قاله ابن هبيرة. وفي الهداية لهم: يأكل إذا لم يدل ولا أمر. فهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة, قالوا: وفيه روايتان, ووجه الحرمة خبر أبي قتادة هذا كلامه, فهو حجة عليهم, وما سبق أخص.
ولا يحرم عليه أكل غيره, نص عليه "و" لأن في خبر أبي قتادة "هو حلال فكلوه" متفق عليه1, وقال ابن أخي طلحة: كنا مع طلحة ونحن حرم, فأهدي لنا طير وطلحة راقد, فمنا من أكل, ومنا من تورع فلم يأكل, فلما استيقظ طلحة, وفق من أكله وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم2. وأفتى به, أبو هريرة, وقال له عمر: لو أفتيتهم بغيره لأوجعتك رواه مالك3.
وعن علي وابن عباس وعائشة4 وغيرهم: يحرم, وقاله طاوس, وكرهه الثوري وإسحاق لخبر الصعب5 وكما لو دل عليه, والفرق ظاهر, وما سبق أخص, والجمع أولى.
وما حرم على المحرم لدلالة أو إعانة وصيد له لا يحرم على محرم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "469".
2 في صحيحه "1197" "65".
3 الموطأ "1/352".
4 أثر علي أخرجه أبو داود في سننه "1849" وأما أثر ابن عباس فأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/194" وابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "341" وأما أثر عائشة فأخرجه مالك في الموطأ "1/354" وابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "341".
5 تقدم ص "477".

(5/479)


غيره, كحلال, لما سبق, ولنا قول: يحرم; لأن ظاهر خبر أبي قتادة تحريمه إشارة واحد قلنا: نعم, على المشير.
وإن قتل المحرم صيدا ثم أكله ضمنه, لقتله لا لأكله, نص عليه "و م ش" وأبو يوسف ومحمد; لأنه مضمون بالجزاء, فلم يتكرر, كإتلافه بغير أكله, وكصيد الحرم قتله حلال وأكله; ولأنه حرم ولأنه ميتة ولا يضمن; ولهذا لا يضمنه محرم آخر "و" وكذا إن دل أو أعان أو أشار فأكل منه وفي الغنية: عليه الجزاء.
وإن أكل ما صيد لأجله فعليه الجزاء, خلافا لأصح قولي الشافعي, لنا أنه إتلاف منع منه للإحرام, كقتل الصيد, ولهذا يباح لغيره, فلو حرقه بنار فظاهر ما سبق يضمنه, وفي الخلاف: لا نعرف الرواية فيه, ولو سلمنا فلم ينتفع به, وكالطيب لو أتلفه لم يضمنه, ولو تطيب ضمنه, ويضمن بعضه بمثله لحما, لضمان أصله بمثله من النعم, ولا مشقة فيه, لجواز عدوله إلى عدله من طعام أو صوم. وفي الخلاف: لا يعرف فيما
ـــــــ
.......................................

(5/480)


دون النفس, فلو قلنا به لم يمتنع, وإن سلمنا وهو الأشبه بأصوله; لأنه لم يوجب في شعره ثلث دم; لأن النقص فيما يضمن بالمثل لا يضمن به, كطعام سوس في يد الغاصب; ولأنه يشق, فلم يجب, كما في الزكاة, وأطلق غيره وجهين. وبيض الصيد مثله, فيما سبق.
وإن قتله لصياله عليه لم يضمن, في ظاهر كلام أحمد وقياس قوله, قاله القاضي, وعليه الأصحاب "و"; لأنه قتله لدفع شره, كآدمي وكجمل صائل, وسلمه1 الحنفية; لأنه أذن من صاحب الحق وهو العبد, وهنا أذن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "وسلم".

(5/481)


الشارع لإذنه في الفواسق1 لدفع أذى متوهم, فالمتحقق أولى, وفي التنبيه: عليه الجزاء, وقاله زفر, كجمل صائل عندهم, وكقتله2 لحاجة أكله, في الأصح "و" خلافا للأوزاعي, والفرق ظاهر, وسواء خشي منه تلفا أو مضرة أو على بعض ماله. وكذا إن خلصه من شبكة أو سبع ونحوه فتلف قبل إرساله لم يضمنه, في الأشهر "و" لأنه فعل مباح لحاجته3, كمداواة الولي موليه, ولو أخذه ليداويه فوديعة, وله أخذ ما لا يضره, كيد متأكلة, وإن أزمنه فجزاؤه "و" لأنه كتالف, وكجرح تيقن به موته, وقيل: ما نقص, لئلا يجب جزاءان لو قتله محرم آخر; ولأن الله إنما أوجب الجزاء بقتله.
وإن جرحه غير موح فوقع في ماء أو تردى فمات ضمنه, لتلفه بسببه, وإن جهل خبره فأرش الجرح, فيقومه صحيحا وجريحا غير مندمل, لعدم معرفة اندماله, فيجب ما بينهما, فإن كان سدسه وهو مثلي فقيل: يجب سدس مثله, وقيل: قيمة سدس مثله, وقيل: يضمنه كله "م 25"
ـــــــ
"مسألة 25": قوله: وإن جرحه غير موح فوقع في ماء أو تردى فمات ضمنه. وإن جهل خبره فأرش الجرح, فيقومه صحيحا وجريحا غير مندمل, لعدم
ـــــــ
1 أخرجه البخاري في صحيحه "1829" من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور".
2 في الأصل "وكقتل".
3 في الأصل و"ط" "كحاجته".

(5/482)


وكذا إن وجد1 ميتا ولم يعلم موته بالجرح, وقيل: يضمن كله, إحالة للحكم على السبب المعلوم, وهو أظهر, كنظائره "م 26" وإن كان موحيا
ـــــــ
معرفة اندماله فيجب ما بينهما, فإن كان سدسه وهو مثلي فقيل يجب سدس مثله, وقيل: قيمة سدس مثله, وقيل, يضمن كله, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب.
"إحداهما": يجب سدس مثله "قلت": وهو الصواب, وقدمه في الرعايتين والحاويين, قياسا على ما إذا أتلف جزءا من الصيد, فإن الصحيح من المذهب أنه يضمنه بمثله من مثله كما قد صرح في الهداية والمذهب والمستوعب وغيرهم بذلك, وكذا صاحب الرعايتين, وقدموا وجوب مثله من مثله لحما, فكذا هذا, والله أعلم. والوجه الثاني يجب قيمة سدس مثله, قدمه في الخلاصة, وهو قياس قول من قال بوجوب قيمة مثله فيما إذا أتلف2 جزءا من الصيد, وجزم به الشيخ في المقنع3, وابن منجى في شرحه, وقدمه في الخلاصة, ولعل الخلاف الذي ذكره المصنف مبني على هذا الخلاف, والله أعلم.
والقول الثالث الذي ذكره المصنف قدم خلافه قد اختاره صاحب المستوعب وغيره.
"مسألة 26" قوله: وكذا "4إن وجده4" ميتا ولم يعلم موته بالجرح, وقيل: يضمن كله إحالة للحكم على السبب المعلوم, وهو أظهر, كنظائره, انتهى. ذكر المصنف في هذه المسألة طريقتين للأصحاب, والذي قدمه أنها كالمسألة التي قبلها, فيها الخلاف المطلق, وقد علمت الصحيح من الوجهين فيها, فكذا في هذه.
والطريقة الثانية أنه يضمنه كله, قال المصنف: وهو أظهر. "قلت": وهو الصواب.
ـــــــ
1 في "ط" "وجده".
2 في "ص" "تلف".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/37".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".

(5/483)


و1 غاب غير مندمل فعليه جزاؤه, كقتله, وأطلق القاضي وأصحابه في كتب الخلاف إذا جرجه وغاب وجهل خبره فعليه جزاؤه "و م" لأنه سبب للموت, كما لو ضرب بطنها فألقت جنينا, وعند الشافعي: لا يضمنه; لأن الأصل الحياة فلا2 يضمن بالشك.
وأجاب3 "القاضي" بأنه لا يمنع الضمان, كالجنين, كذا قالوا, ولا يخفى فساده, وسبق قول مالك وداود أول الفصل4.
وإن أحرم وفي ملكه صيد لم يزل ملكه عنه ولا يده الحكمية, كبيته ونائبه في غير مكانه ولا يضمه وله نقل الملك فيه, ومن غصبه لزمه رده, وإن كان بيده المشاهدة كرحله وخيمته وقفصه لزمه إرساله, وملكه باق, فيرده من أخذه, ويضمنه من قتله, وإن لم يرسله, فقيل: يضمنه, وجزم الشيخ وقدمه في الفصول: إن أمكنه, وإلا فلا, لعدم تفريطه "م 27" نص أحمد على التفرقة بين اليدين, وعليه الأصحاب "و هـ م"
ـــــــ
"مسألة 27" قوله: وإن كان بيده المشاهدة كرحله وخيمته وقفصه لزمه
ـــــــ
1 في الأصل "أو".
2 في الأصل "فلم".
3 بعدها في "ط" "القاضي".
4 ص "467".

(5/484)


وللشافعي قولان: أحدهما يزول ملكه مطلقا, والثاني لا.
وله في لزوم إرساله مطلقا قولان, والأشهر للحنفية: لا يلزمه إرساله من قفص معه, ولهم قول: إن كان في يده لزمه على وجه لا يضيع, لنا على بقاء ملكه قياسه على سائر أملاكه, ولا يلزم من منع ابتداء تملكه زواله, بدليل البضع, ولا من رفع يده المشاهدة; لأنه فعل في الصيد, والمشتري يلزمه رفع يده عن الشقص المشفوع وملكه ثابت, ولنا على أنه لا يلزمه إزالة يده الحكمية أنه إنما نهي عن فعله في الصيد ولم يفعل, ولهذا لو جرحه حلالا فمات بعد إحرامه لم يلزمه شيء, بخلاف يده المشاهدة
ـــــــ
إرساله, وملكه باق. وإن لم يرسله فقيل: يضمنه, وجزم الشيخ وقدمه في الفصول: إن أمكنه, وإلا فلا, لعدم تفريطه, انتهى.
الوجه الأول وهو الضمان مطلقا ظاهر ما جزم به الشيخ في المقنع1 والناظم وابن منجى في شرحه وصاحب الوجيز وغيرهم, وهو تخريج لابن عقيل.
والوجه الثاني هو الصحيح, وهو ما جزم به الشيخ الموفق في المغني2, وكذا الشارح وابن رزين. وابن رجب في قواعده, وغيره, وقدمه في الفصول, وقد قال المصنف بعد ذلك: نص أحمد على التفرقة بين اليدين, وعليه الأصحاب.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/36".
2 "5/422 – 423".

(5/485)


فإنه فعل الإمساك, واستدامته كابتدائه, ولهذا لو حلف لا يمسك شيئا حنث باستدامته, فهو كاللبس.
وإن أرسله إنسان من يده المشاهدة لم يضمنه, ذكره الأصحاب "و م ش" وأبو يوسف ومحمد; لأنه فعل ما تعين على المحرم فعله في هذه العين خاصة, كالمغصوب. وعند أبي حنيفة يضمنه; لأن ملكه محترم, فلا يبطل بإحرامه, وقد أتلفه المرسل, والواجب عليه ترك التعرض له, ويمكنه ذلك بتخليته بنيته, بخلاف أخذه في الإحرام, فإنه1 لم يملكه, فلا يضمنه مرسله "و" قيل للقاضي: لا نسلم أنه يلزمه إرساله حتى يلحق بالوحش, بل يرفع يده ويتركه في منزله وفي قفصه, فقال: أما على أصلنا فيلزمه, وهو ظاهر كلام أحمد: يرسله, وأما على قولكم, ثم قاسه على ما اصطاده حال الإحرام, وهذا الفرع فيه نظر, وظاهر كلام غيره خلافه, وقد فرق هو في بحثه مع الشافعي بمنع ابتداء التمليك; ولهذا قال هو وغيره: لا يرسله بعد حله, كما لا يترك اللبس بعد حله, ويلزمه قبله, واعتبره في المغني2 بعصير تخمر ثم تخلل قبل إراقته, فظهر أن قول أبي حنيفة متوجه.
وفي الكافي3: يرسله بعد حله, كما لو صاده, كذا قال, وجزم به في الرعاية, ولا يصح نقل ملكه 4عما بيده المشاهدة. وفيه نظر.
وفي عيون المسائل: إن أحرم وعنده صيد زال ملكه4 عنه; لأنه لا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "لأنه".
2 "5/423".
3 "2/392".
4 4 ليست في "س".

(5/486)


يجوز ابتداء تملكه, والنكاح يراد للاستدامة والبقاء; فلهذا لا يزول. كذا قال.
وإن ملك صيدا في الحل فأدخله الحرم لزمه رفع يده وإرساله, فإن أتلفه أو تلف ضمنه, كصيد الحل في حق المحرم, نقله الجماعة, وعليه الأصحاب "و هـ". ويتوجه: لا يلزمه إرساله وله ذبحه ونقل الملك فيه و م ش" لأن الشارع إنما نهى عن تنفير صيد مكة, ولم يبين مثل هذا الحكم الخفي مع كثرة وقوعه والصحابة مختلفون فيه1, وقياسه على الإحرام فيه نظر; لأنه آكد لتحريمه ما لا يحرمه.
ولا يملك المحرم الصيد ابتداء بغير إرث "و" لخبر الصعب السابق2, فليس محلا للتمليك; لأن الله حرمه عليه كالخمر. وإن قبضه ثم تلف فعليه جزاؤه, وعليه قيمة المعين لمالكه أيضا. وفي الرعاية: لا شيء لواهبه, وإن قبضه رهنا فعليه جزاؤه فقط وعليه رده3. وإن أرسله ضمنه لمالكه ولا جزاء, ويرد المبيع, وقيل: يرسله لئلا تثبت يده المشاهدة عليه "و هـ م" وجزم به في الرعاية, ومثله متهبه على واهبه, فإن تلف بعد رده فهدر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 ص "477".
3 أي: إن لم يتلف.

(5/487)


ولا يتوكل في صيد, ولا يصح عقده ولا فسخ بائعه بعيب أو خيار بل فسخ المشتري بهما, ولا يدخل في ملك المحرم ويرسله.
ويملكه بإرث; لأنه لا فعل منه. ويملك به الكافر, فجرى مجرى الاستدامة. وقيل: لا, كغيره, فيكون أحق به فيملكه إذا حل. وفي الرعاية: يملكه بشراء واتهاب.
وإن ذبح صيدا أو قتله فميتة, نص عليه "و" قال في المستوعب وغيره: ولو قتله لصوله; لأنه محرم عليه لمعنى فيه, لحق الله, كذبيحة المجوس, فساواه فيه, وإن خالفه في غيره; ولأنه لا يحل له فلم يحل لغيره, كذبح لم يقطع فيه ما يعتبر, ولأنه لا يملكه بجرحه, والملك أوسع
ـــــــ
"تنبيه" قوله: ويملكه بإرث, وقيل: لا. وفي الرعاية: يملكه بشراء واتهاب, انتهى.
قلت: قال في الرعاية: ولا يملك صيدا باصطياده بحال ولا بشراء ولا اتهاب في الأصح فيهما, انتهى. فلعل في كلام المصنف نقصا, وتقديره: وفي الرعاية قول: يملكه بشراء واتهاب, والله أعلم.

(5/488)


من الإباحة, بدليل المجوسي, فتحريمه أولى, وهذا أخص من قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل" 1.
وعن الحكم والثوري وأبي ثور وابن المنذر إباحته, وهو قول للشافعي, وله قول: يحل لغيره. وأباحه عمرو بن دينار2 وأيوب3 لحلال.
وإن اضطر فذبحه فميتة أيضا, ذكره القاضي, واحتج بقول أحمد "رحمه الله" كل ما اصطاده المحرم أو قتله فإنما هو قتل قتله, كذا قاله القاضي, ويتوجه حله لحل فعله وإن ذبح محل صيد حرم فكالمحرم وللحنفية قولان.
وإن كسر محرم بيض صيد حل لمحل, ككسر مجوسي, وحرمه القاضي, لأنه كالذبح, لحله لمحرم بكسر محل لا بكسر محرم. وفي الرعاية: يحرم عليه ما كسره, وقيل: وعلى حلال ومحرم.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5503" ومسلم "1968" "20".
2 عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم أحد الأعلام ثقة ثبت كثير الحديث وكان مفتي أهل مكة في زمانه "ت 126 هـ" تهذيب التهذيب "3/268".
3 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني أبو بكر البصري وكان ثقة ثبتا في الحديث جامعا كثير العلم حجة عدلا "ت 131 هـ" تهذيب التهذيب "1/200 – 201".

(5/489)


وإن أمسك محرم صيدا حتى حل ضمنه بتلفه, لتحريم إمساكه, كغصب, وكذا بذبحه, وهو ميتة, لضمانه بسبب الإحرام, كحال إحرامه, وعند أبي الخطاب: يأكله ويضمنه كصيده بعد الحل, كذا قال, وكذا إن أمسك صيد حرم وخرج إلى الحل.
وإن جلبه ضمنه بقيمته "و". وهل يحرم أم لا؟ لأن تحريم الصيد لعارض فيه احتمالان, قاله في الفنون, فيتوجه مثله بيضه "م 28" ويضمن الصيد بمثله, نص عليه "و م ش" وداود.
وعند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن: بقيمته, ثم له صرفها في النعم التي تجوز في الهدايا فقط. لنا {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] الآية.
{فَجَزَاءٌ} مبتدأ خبره محذوف يقرأ في السبع بتنوينه1, {مِثْلُ} صفة أو بدل, ويقرأ شاذا2 بنصب {مِثْلُ} , أي يخرج مثل. وقدرنا لأن الجزاء يتعدى بحرف الجر, ويقرأ بإضافة الجزاء إلى {مِثْلُ} 3, فمثل في
ـــــــ
"مسألة 28" قوله: وكذا إن أمسك صيد حرم وخرج إلى الحل. ضمنه بتلفه وإن جلبه ضمنه بقيمته, وهل يحرم أم لا؟ لأن تحريم الصيد لعارض فيه احتمالان, قاله في الفنون, فيتوجه مثله بيضه, انتهى. "قلت": الصواب التحريم كأصله, وهو ظاهر كلام الأصحاب, والله أعلم.
ـــــــ
1 قرأ بالتنوين من السبعة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي التيسير في القراءات السبع للداني ص "100".
2 هذه القراءة الشاذة قراءة أبي عبد الرحمن السلمي البحر المحيط "4/18".
3 قرأ بالإضافة باقي السبعة نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر التيسير في القراءات السبع ص "100".

(5/490)


حكم الزائد, كقولهم: مثلي لا يقول ذلك, أي أنا لا أقول, وقدرنا; لأن الذي يجب به الجزاء المقتول لا مثله, و {مِنَ النَّعَمِ} صفة لجزاء إن نونته, أي جزاء كائن من النعم, ويجوز تعلقه به إن نصبت {مِثْلُ} , لعمله فيهما; لأنهما من صلته, لا إن رفعته; لأن ما يتعلق به من صلته, ولا يفصل بين الصلة والموصول بصفة أو بدل, ويجوز تعلقه به إن أضفته. ويجوز مطلقا جعله حالا من الضمير في {قَتَلَ} ; لأن المقتول يكون من النعم و {يَحْكُمُ بِهِ} صفة جزاء إذا نونته1, وإذا أضفته ففي موضع حال عاملها معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف.
وقال جابر سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: "هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم" رواه أبو داود2.
حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي حدثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد عن عبد الرحمن بن أبي عمار عنه. حديث صحيح. ورواه ابن ماجه3.
عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الضبع إذا أصابها المحرم: "جزاء كبش مسن وتؤكل" إسناده جيد, رواه الدارقطني4 وقال: إسناده صالح, وله أيضا عن ابن عباس مرفوعا بإسناد حسن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "نويته".
2 في سننه "3801".
3 في سننه "3085".
4 في سننه "2/245".

(5/491)


ورواه الشافعي1 عن عكرمة مرسلا, وله2 عن الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال: في الضبع إذا أصابه المحرم كبش, وفي الظبي شاة, وفي الأرنب عناق. وفي اليربوع جفرة والجفرة: التي قد أربعت.
الأجلح وثقه ابن معين والعجلي, وضعفه النسائي. وقال ابن عدي: صدوق, وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن حبان: لا يدري ما يقول.
وقال أحمد: ما أقربه من فطر وفطر وثقه أحمد والأكثر. وكلاهما شيعي. ولمالك عن جابر أن عمر قضى في الضبع بكبش, وفي الغزال بعنز, وفي الأرنب بعناق, وفي اليربوع بجفرة نقل أبو طالب: أذهب إليه, وحكم عمر وعبد الرحمن بن عوف في ظبي بعنز, رواه مالك3 من رواية ابن سيرين عنه, ولم يدركه.
وعن طارق بن شهاب أن أربد أوطأ ظبيا ففزر ظهره فسأل أربد عمر فقال: احكم يا أربد فيه. فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "1/329".
2 الدارقطني "2/246".
3 في الموطأ "1/414".

(5/492)


وأعلم, فقال عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني, فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر: فذلك فيه رواه الشافعي1, وعن ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفرة, رواه الشافعي2, وقضى ابن عمر على جماعة في ضبع بكبش, رواه الدارقطني3, وقضى ابن عباس في حمامة بشاة, قال عطاء: من حمام مكة رواه الشافعي4.
قال أصحابنا هو إجماع الصحابة, وليس ذلك على وجه القيمة, لما سبق من الآية والأخبار, وقوله لعمر: قد جمع الماء والشجر, ولاختلاف القيمة بالزمان والمكان والسعر وصفة المتلف, ولم يوصف لهم ولم يسألوا عنه; ولأن الجفرة لا تجزئ في الهدايا; ولأنها خير من اليربوع, والشاة خير من الحمامة, ولأنه حيوان مخرج على وجه التكفير, فكان أصلا, كالعتق في كفارة الظهار والوطء في رمضان, وبعضه هل يضمنه بمثله أم بقيمته؟ سبق فيما إذا أكل مما صيد له5.
وإن كان الصيد مملوكا له أو لغيره لزمه مع ضمان قيمته لربه "و"
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "1/332".
2 في مسنده "1/331".
3 في سننه "2/250".
4 في مسنده "1/334".
5 ص "468 – 469".

(5/493)


الجزاء نص عليه "و" فإن حرم أكله ضمن قيمته, وإن حل ضمن نقصه, لعموم الآية1 والخبر1; لأنه صيد حقيقة; ولأنه منع من قتله للإحرام, كغيره; ولأنه كفارة فاجتمعا, كالعبد وعند داود: لا جزاء قال الحنفية: وما نبت بنفسه في الحرم في ملك رجل يضمن متلفه قيمته لحرمة الحرم, وقيمة أخرى لمالكه. كصيد حرمي, ومعناه كلام غيرهم: إن ملك الأرض بما نبت فيها. ويعتبر المثل بقضاء الصحابة نقل إسماعيل الشالنجي: هو على ما حكم الصحابة, زاد أبو نصر العجلي: لا يحتاج أن يحكم عليه مرة أخرى "و ش" لأنهم أعرف وأقرب إلى الصواب.
واحتج الشيخ "وغيره" بقوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي" 2 "و أصحابي كالنجوم"3 وعند مالك: يستأنف الحكم ولا يكتفى به,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدما ص "467 – 468".
2 أخرجه الترمذي "3662" وابن ماجه "97" من حديث حذيفة ين اليمان رضي الله عنه.
3 أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر ص "250" وانظر التلخيص الحبير "4/190".

(5/494)


لقوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95].
واحتج به القاضي لنا وقال لخصمه: لا يقتضي تكرار الحكم, كقوله: لا تضرب زيدا ومن ضربه فعليه دينار, لا يتكرر الدينار بضرب واحد, كذا مثل وقاس المسألة على ما حكم فيه بمثله صحابيان في وقتهما. ويتوجه أن فرض الأصحاب المسألة في الصحابيين إن كان بناء على أن قول الصحابي حجة قلنا فيه روايتان. وإن كان لسبق الحكم فيه فحكم غير الصحابي مثله في هذا1, للآية. وقد احتج بها القاضي.
وقد نقل ابن منصور: كل ما تقدم فيه من حكم فهو على ذلك. ونقل أبو داود: يتبع ما جاء, قد حكم وفرغ منه. وقد رجع الأصحاب في بعض المثلي إلى غير الصحابي, كما يأتي, فإن عدم فقول عدلين ولا يكفي واحد, خلافا لأكثر الحنفية خبيرين, لاعتبار الخبرة بما يحكم به, فيعتبران الشبه خلقة لا قيمة, كفعل الصحابة, ويجوز أن يكون أحدهما القاتل, نص عليه "م" وهما أيضا "م" لظاهر الآية, ولقصة أربد السابقة2; ولأنه حق لله يتعلق به حق آدمي, كتقويمه عرض الزكاة لإخراجها, قال ابن عقيل إذا قتل خطأ; لأن العمد ينافي العدالة, إلا جاهلا بتحريمه لعدم فسقه. قال بعضهم: وعلى قياسه قتله لحاجة أكله, فمن المثلي, في النعامة بدنة روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الأصل "هذه".
2 ص "492".

(5/495)


عباس ومعاوية1 ومالك والشافعي, لأنها تشبهها, وعند أبي حنيفة قيمتها. وخالفه صاحباه.
وفي حمار الوحش بقرة روي عن عمر2 وعروة ومجاهد والشافعي, وعن أحمد: بدنة, روي عن أبي عبيدة وابن عباس وعطاء والنخعي3.
وفي بقرة الوحش بقرة, روي عن ابن مسعود4 وعطاء وعروة وقتادة والشافعي.
وفي الأيل بقرة, روي عن ابن عباس5. والتيتل "والوعل" كالأيل.
وعنه: في كل من الأربعة بدنة, ذكرها صاحب الواضح والتبصرة.
وعنه: لا جزاء لبقرة الوحش, كجاموس.
وفي صحاح الجوهري: التيتل الوعل المسن, قال: والوعل هي الأروى.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/182".
2 لم نجده مسندا عن عمر قال في المغني "5/402" وحكم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة وحكم عمر فيه ببقرة انتهى.
3 أثر أبي عبيدة أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/182" وروي عن ابن عباس وفي الحماربقرة أخرجه الدارقطني في سننه "2/247".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8209".
5 أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار "7/404".

(5/496)


وعن ابن عمر1 في الأروى بقرة.
وفي الضبع كبش "و ش" لما سبق قال أحمد: حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش2. وقال الأوزاعي: كان العلماء بالشام يعدونها من السباع ويكرهون أكلها قال الشيخ: وهو القياس, إلا أن السنة أولى.
وفي الظبي وهو الغزال شاة "و ش" كما سبق, وكذا الثعلب إن أكل "و م ش" لأنه يشبهه, وعن قتادة وطاوس: فيه الجزاء, ولنا وجه أو حرم تغليبا, وذكره ابن عقيل رواية وأن عليها لا يقوم, ونقل بكر: عليه جزاء, هو صيد لكن لا يؤكل.
وقال ابن الجوزي فيه وفي السنور: يحرم أكلهما وقتلهما, وفي القيمة بقتلهما روايتان, ونقل ابن منصور في السنور أهليا أو بريا حكومة, وحمله القاضي على الندب. وفي المستوعب: في سنور البر حكومة, وذكر جماعة منهم المستوعب: ما في حله خلاف كثعلب وسنور وهدهد وصرد وغيرها ففي وجوب الجزاء الخلاف, وفي الرعاية: إن أبحن, وفيهن السنور الأهلي على قول, ومراده بالإباحة غيره, وفي الأرنب عناق "و ش" لما سبق, وعن ابن عباس3 فيه جمل وعن عطاء شاة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 لم نقف عليه من رواية ابن عمر لكن أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8211" عن عطاء.
2 تقدم تخريجه ص "493".
3 أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار "7/410" عن ابن عباس في الأرنب شاة.

(5/497)


والعناق أنثى من ولد المعز دون الجفرة.
وفي اليربوع جفرة, "و ش" نص عليه, لما سبق, وهي من المعز لها أربعة أشهر. وقال ابن الزبير: فطمت ورعت, وقيل: يروح بها الراعي على يديه وعن أحمد, جدي, وقيل: شاة, وقيل: عناق.
وفي الضب جدي "و ش" لما سبق, وعنه: شاة; لأنه قول جابر1
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 لم نجده.

(5/498)


وعطاء. وقال مالك: قيمته.
والوبر كالضب, وقال القاضي: فيه جفرة "و ش" لأنه ليس بأكبر منها: وعن مجاهد وعطاء: شاة.
وفي الحمام: شاة, نص عليه "و ش" لما سبق. وللنجاد عن أبي الزبير عن, جابر قال: قضى عمر في المحرم في الطير إذا أصابه شاة1, ولأنها مضمونة لحق الله, كحمام الحرم, وقياس الشيء على جنسه أولى; ولأن الشاة إذا كانت مثلا في الحرم فكذا الحل, وعند مالك في حمام الحرم: فيه شاة, وفي الحل روايتان: إحداهما شاة, والثانية حكومة. كحمام الحل.
والحمام كل ما عب الماء أي يضع منقاره فيه فيكرع ويهدر كالشاة ويشبهها فيه, لا يشرب قطرة قطرة كبقية الطير, فمما شرب كالحمام والعرب تسميه حماما القطا2 والفواخيت3 والوراشين والقمري والدبسي والشفانين4.
وفي التبصرة والغنية وغيرهما: في كل مطوق شاة; لأنه حمام, وقاله الكسائي, فالحجل مطوق ولا يعب, ففيه الخلاف.
ويضمن الصغير والكبير والصحيح والمعيب والذكر والأنثى
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه الشافعي بمعناه في الأم "2/195" وأخرجه أيضا في مسنده عن ابن عباس "1/334".
2 القطا: ضرب من الحمام الواحدة قطاة ويجمع أيضا على قطوات المصباح "قطو".
3 الفواخت: جمع فاختة وهي ضرب من الحمام المطوق لسان العرب "فخت".
4 الشفانين: جمع شفنين هو الذي تسميه العامة اليمام صوت كصوته الرباب وفيه تحزين حياة الجيوان الكبرى للدميري "2/53".

(5/499)


والحامل والحائل بمثله, لظاهر الآية, والهدي فيها مقيد بالمثل, ولهذا فيه ما لا يجوز هديا مطلقا كالجفرة والعناق والجدي ولا يضمن باليد والجناية, فاختلف باختلافه, كالمال, بخلاف كفارة قتل الآدمي فإنها ليست بدلا عنه, ولا يجب في أبعاضه ولا يضمن باليد وقياس قول أبي بكر في الزكاة يضمن معيبا بصحيح, ذكره الحلواني. وخرجه في الفصول احتمالا من الرواية هناك, وفيها تعيين الكبير أيضا, فمثله هنا, كقول1 مالك.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "قول".

(5/500)


وقال القاضي: يضمن الحامل بقيمة مثلها "و ش" لأن قيمتها أكثر من قيمة لحمها وقيل أو بحائل1 لأن هذه لا تزيد في لحمها كلونها, وإن جنى عليها فألقت جنينها2 ميتا ضمن نقص الأم فقط, كما لو جرحها; لأن الحمل في البهائم زيادة. وقال في المبهج: إذا صاد حاملا فإن تلف حملها ضمنه.
وفي الفصول: يضمنه إن تهيأ لنفخ الروح3 لأن الظاهر أنه يصير حيوانا, كما يضمن جنين امرأة بغرة قال جماعة: وإن ألقته حيا ثم مات فجزاؤه.
وقال جماعة: ومثله يعيش, وقيل: يضمنه ما لم يحفظه إلى أن يطير لأنه مضمون وليس بممتنع لكن هو لم يجعله غير ممتنع, فهو كطير غير ممتنع أمسكه ثم تركه.
ويجوز فداء ذكر بأنثى, قال جماعة: بل أفضل; لأنها أطيب وأرطب, وفي أنثى بذكر وجهان: الجواز; لأن لحمه أوفر4, والمنع "م 29" لأن
ـــــــ
"تنبيه" قوله بعد ذكره ضمان الصغير والكبير والصحيح والمعيب والذكر والأنثى والحامل والحائل بمثله وقيل: يضمنه ما لم يحفظه إلى أن يطير, انتهى. هذا القول ليس مناسبا لما تقدم من كلام المصنف ولا موافقا له, لأن كلامه قبل ذلك في الحمل, فلعل هنا نقصا, وهو الظاهر, أو يقدر ما يصحح ذكر هذا القول, والله أعلم.
"مسألة 29" قوله: ويجوز فداء ذكر بأنثى, قال جماعة, بل أفضل; لأنها أطيب
ـــــــ
1 في الأصل "بحامل".
2 في "س" "جنينا".
3 بعدها في "ط" "فيه".
4 في "س" "أطيب".

(5/501)


زيادته ليست من جنس زيادتها, وكالزكاة.
ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى وأعرج من قائمة بأعرج من أخرى; لأنه يسير, لا أعور بأعرج وعكسه, لعدم المماثلة.
وكفارة جزاء الصيد على التخيير. نص عليه. وعليه الأصحاب "و". وعنه: يلزم المثل, فإن لم يجد أطعم, فإن لم يجد صام, نقلها محمد بن الحكم, روي عن ابن عباس1 وابن سيرين والثوري "وزفر" والشافعي في القديم.
ونقل الأثرم: لا إطعام فيها, وإنما ذكره في الآية ليعدل به الصيام; لأن
ـــــــ
وأرطب, وفي أنثى بذكر وجهان: الجواز والمنع, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي2 والمغني3 والمقنع والهادي والتلخيص والشرح4 وشرح ابن منجى والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم.
"أحدهما" الجواز, وصححه في التصحيح, وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي وغيرهما, وقدمه في الرعاية الكبرى وشرح ابن رزين وغيرهما.
والوجه الثاني المنع, وصححه في النظم, قال في الخلاصة: والأنثى أفضل. فيفدي به, واقتصر عليه, وقيل في المحرر والمنور وتذكرة ابن عبدوس: تفدى أنثى بمثلها, انتهى, فظاهر كلام هؤلاء المنع, والله أعلم.
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/186".
2 "2/387".
3 "5/406".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/21".

(5/502)


من قدر على الإطعام قدر على الذبح, وكذا قاله ابن عباس1, ولنا الآية.
و "أو" حقيقة في التخيير كآية فدية الأذى2 واليمين3, بخلاف كفارة القتل وهدي المتعة; ولأنها كفارة إتلاف منع منه الإحرام, أو فيها أجناس, كالحلق; ولأن الله "تعالى" ذكر الطعام فيها للمساكين, فكان من خصالها كغيرها. وما ورد من إيجاب المثل قصد به بيان المقدر ولا تخيير ولا ترتيب, فإن اختار الإطعام قوم المثل بدراهم واشترى بها طعاما, نص عليه, وعليه الأصحاب "و ش" لأن كل متلف وجب مثله إذا قوم وجبت قيمة مثله, كالمثلي من مال الآدمي, فيقوم بالموضع الذي أتلفه وبقربه, نقله ابن القاسم وشندي. وجزم به القاضي وغيره "و ش" وجزم غير واحد "بالحرم" لأنه محل ذبحه.
وعن أحمد: يقوم الصيد مكان إتلافه أو بقربه لا المثل "و هـ م" وداود, كما لا مثل له, والفرق ظاهر.
وعنه: له الصدقة بالقيمة, وليست القيمة مما خير الله فيه, والطعام كفدية الأذى المخرج في فطرة وكفارة لكل مسكين, نص عليه, وقيل: وكل ما يسمى طعاما, وجزم به في الخلاف في مسألة الاشتراك في قتله.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8198" ولفظه: إنما جعل الطعام ليعلم به الصيام وابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "116".
2 هي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ....... فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ....} [البقرة: 196].
3 هي قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ....} [المائدة: 89].

(5/503)


وإن اختار الصيام صام عن طعام كل مسكين يوما "و" كل مذهب على أصله, فعندنا: من البر مد, ومن غيره مدان.
وعند أبي حنيفة: نصف صاع من بر, وصاع من غيره, وعند مالك والشافعي: مد, وقد جعل الله اليوم في الظهار في مقابلة المسكين, وأطلق أحمد في رواية: يصوم عن مد. وفي رواية: عن مدين, فأقره بعضهم, وبعضهم حمله على ما سبق, وهو أظهر. وعن ابن عباس وأبي ثور الإطعام والصيام "في الصيد" كفدية الأذى, وإن بقي ما لا يعدل يوما صام يوما, نص عليه "و" لأنه لا يتبعض.
ولا يجب تتابع صوم "و" للآية, ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعضه "و" كبقية الكفارات, وجوزه محمد بن الحسن إن عجز عن بعض الإطعام.
وعند الحنفية: إن بقي دون طعام مسكين, فإن شاء تصدق به وإن شاء صام عنه يوما, وكذا عندهم إن كان الواجب دون طعام مسكين.
وما دون الحمام كسائر الطير يضمنه "و" لما روى النجاد عن ابن عباس قال: ما أصيب من الطير دون الحمام ففيه الدية1, ويأتي في الجراد2, ولأنه منع منه لحق الله, كالحمام, وعن داود: لا يضمن دون الحمام, ويضمنه بقيمته مكانه, كمال الآدمي, وفي أكبر من الحمام وجهان: أحدهما: يجب فيه شاة, وروي عن ابن عباس وعطاء وجابر, وكالحمام
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 روى البيهقي في السنن الكبرى "5/296" عن ابن عباس كل طير دون الحمام ففيه قيمته.
2 ص "508".

(5/504)


بطريق الأولى, والثاني قيمته "م 30 - 32" "و ش" لأنه القياس خولف في الحمام, للصحابة.
ولا يجوز إخراج القيمة بل طعاما, قال القاضي: لا يجوز صرفها في الهدي, وقيل: يخرج القيمة, لما يأتي في الجراد1.
وإن أتلف بيض صيد ضمنه "و" بقيمته, نص عليه, مكانه, لما روى أحمد2: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن مطر عن معاوية بن
ـــــــ
"مسألة 30" قوله: وفي أكبر من الحمام وجهان: "أحدهما" تجب فيه شاة و "الثاني" قيمته, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمغني3 والكافي4 والمقنع5 والهادي والتلخيص والشرح6 وشرح ابن منجى والفائق والزركشي.
"أحدهما" تجب فيه قيمته, وهو الصحيح, جزم به في العمدة والمحرر والوجيز وغيرهم, وهو ظاهر ما جزم به في النظم والمنور ومنتخب الآدمي وإدراك الغاية وغيرهم, لاقتصارهم على وجوب الشاة في الحمام, وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم.
والوجه الثاني فيه شاة, اختاره ابن حامد وابن أبي موسى, وقدمه ابن رزين في شرحه قال في الخلاصة: أما طير الماء ففيه الجزاء كالحمام, وقيل: القيمة, وقيل: لا, انتهى.
ـــــــ
1 ص "508".
2 في مسنده "20582" ومعنى "أدحي نعام" موضع بيضها المختار الصحاح "دحى".
3 "5/414".
4 "2/388".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/22".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/23 - 24".

(5/505)


قرة عن رجل من الأنصار أن رجلا أوطأ بعيره1 على أدحي نعام فكسر بيضها فقام إلى علي فسأله. فقال له علي: عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة, فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك, فقال هلم إلى الرخصة, عليك بكل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين حديث حسن جيد الإسناد.
وعن أبي المهزم وهو ضعيف متروك عن أبي هريرة مرفوعا, رواه الدارقطني2, وله ولابن ماجه3: ثمنه.
وللنجاد مثله من حديث ابن عمر, وللدارقطني4 مثله من حديث كعب بن عجرة, ومن حديث عائشة: صيام يوم لكل بيضة5, وللشافعي6 عن ابن مسعود وأبي موسى: في بيضة النعامة صوم أو إطعام مسكين; ولأنه صيد, لأنه يطلب مثله, ولا مثل له, فضمن بقيمته, كالصيد. وقال مالك: يضمن بيضة نعامة بعشر قيمة بدنة, وعن داود: لا شيء فيه.
ولا شيء في بيض مذر أو فرخه ميت; لأنه لا قيمة له, قال أصحابنا:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 بعدها في النسخ الخطية و"ط" "على" والتصويب من مصدر التخريج.
2 في سننه "2/250".
3 الدارقطني "2/250" وابن ماجه "3086".
4 في سننه "2/247".
5 الدارقطني "2/250".
6 في مسنده "1/328 – 329".

(5/506)


إلا بيض النعام فإن لقشره قيمة, واختار الشيخ: لا شيء فيه, كسائر ما له قيمة من غير الصيد. وقال الحلواني في الموجز: إن تصور وتخلق في بيضه ففيه ما في جنين صيد سقط بالضربة ميتا.
وعند الحنفية: إن كسر بيض نعامة فقيمته1, فإن خرج منه فرخ ميت فقيمته1, استحسانا, لأن البيض معد ليخرج منه الفرخ الحي, فكسره قبل أوانه سبب موته, والقياس يغرم البيضة فقط, للشك في حياته, وعلى الاستحسان لو ضرب بطن صيد فألقى جنينا ميتا وماتت الأم فعليه قيمتها.
ومن كسر بيضة فخرج منها فرخ حي فعاش فلا شيء فيه, وسبق قول: يحفظه إلى أن يطير2, وإن جعل بيضا تحت آخر أو مع بيض صيد أو شيئا فنفر عنه حتى فسد أو فسد بنقله ضمنه, لتلفه بسببه, وإن صح وفرخ فلا.
وحكم "بيض" كل حيوان حكمه; لأنه جزء منه وفي لبنه قيمته, كما سبق3 مكانه, كحلب حيوان مغصوب, كذا قيل وفيه نظر ظاهر, ويضمن الجراد, ذكره الشيخ عن أكثر العلماء; لأنه طير في البر يتلفه الماء,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 ليست في الأصل.
2 ص "501".
3 تقدم ص "490".

(5/507)


كالعصافير, ويضمنه بقيمته "و ش" لأنه لا مثل له, وعنه: يتصدق بتمرة عن جرادة.
وقال مالك: عليه جزاؤه بحكم حكمين, لما رواه عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادة قتلها وهو محرم, فقال عمر لكعب: تعال نحكم, فقال كعب: درهم, فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم, لتمرة خير من جرادة1, وروي أيضا عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أصبت جرادة وأنا محرم, فقال: أطعم قبضة من طعام1.
وللشافعي2 مثله عن ابن عباس, وله3 أيضا أن عمر قال لكعب في جرادتين قتلهما ونسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما: ما جعلت في نفسك؟ قال: درهمان, قال: بخ, درهمان خير من مائة جرادة, اجعل ما جعلت في نفسك. وعند الحنفية: يتصدق بما شاء.
فإن قتله أو أتلف بيض طير لحاجة كالمشي عليه فقيل يضمنه; لأنه "قتله" لنفعه كمضطر, وقيل: لا; لأنه اضطره كصائل, وعنه: لا
ـــــــ
مسألة: 31, 32, قوله: فإن قتل يعني الجراد أو أتلف بيض طير لحاجة كالمشي عليه فقيل يضمنه وقيل لا انتهى. ذكر المصنف مسألتين: "المسألة:
"المسألة الأولى 31" إذا قتل الجراد لحاجة كالمشي عليه فهل يضمنه أم لا؟
ـــــــ
1 أخرجهما مالك في الموطأ "1/416".
2 في مسنده "1/326".
3 في مسنده "1/327".

(5/508)


يضمن الجراد; لأن كعبا أفتى بأخذه وأكله, فقال عمر: ما حملك أن تفتيهم به؟ قال: هو من صيد البحر, قال: وما يدريك؟ قال: والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين. رواه مالك1.
وقال ابن المنذر قال ابن عباس: هو من صيد البحر, ورواه أبو داود2 من رواية أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعا, ومن طريق أخرى وقال: الحديثان وهم, ورواه عن كعب قوله3
ـــــــ
أطلق الخلاف, وأطلقه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي4 والمقنع5 والشرح5 وشرح ابن منجى والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
"أحدهما": عليه الجزاء, وهو الصحيح, جزم به في الوجيز وغيره, وصححه في التصحيح وغيره, وهو الصواب, وهو ظاهر كلامه في المحرر وغيره. والوجه الثاني لا يضمنه, صححه في الفصول, وقدمه ابن رزين في شرحه, قال الناظم:
ويفدى جراد في الأصح بقيمة
ولو في طريق يشبه بمبعد6.
"المسألة الثانية 32" إذا مشى على بيض الطير لحاجة فهل يضمنه أم لا؟ أطلق الخلاف فيه. وقد حكم المصنف بأن حكمه حكم الجراد إذا انفرش في طريقه, وكذا قال الشيخ الموفق وغيره, فيعطى حكمه خلافا ومذهبا. وقد علمت الصحيح في الجراد, فكذا في هذا "قلت": الضمان هنا قوي لندرته, والله أعلم.
ـــــــ
1 في الموطا "1/352".
2 في سننه "1854".
3 أبو داود "1855".
4 "2/366".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "22 – 23".
6 عقد الفريد وكنز الفوائد "1/164".

(5/509)


ولا يضمن ريش طائر إن عاد, لزوال1 النقص. وقيل: بلى; لأنه غير الأول. وفي المستوعب ذكر أبو بكر: عليه حكومة, وذكر غيره. لا شيء عليه, وكذا شعره وإن صار غير ممتنع فكالجرح, كما سبق2, وإن غاب ففيه ما نقص "و ش" لإمكان زوال نقصه, كما لو جرحه وجهل, ولا يلزمه جميع الجزاء "هـ م".
ويستحب قتل كل مؤذ من حيوان وطير, جزم به في المستوعب وغيره, وهو مراد من أباحه, نقل حنبل: يقتل المحرم الكلب العقور
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في "س" "كزوال".
2 ص "467".

(5/510)


والذئب والسبع وكل ما عدا من السباع, ونقل أبو الحارث: يقتل السبع عدا عليه أو لم يعد "و م ش".
وقال أبو حنيفة: يقتل ما في الخبر1 والذئب, وإلا فعليه الجزاء, وعن أبي حنيفة: العقور وغير العقور والمستأنس والمستوحش منهما سواء. لأن المعتبر في ذلك الجنس, وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء. قال أصحابه ولا شيء في بعوض وبراغيث وقراد, لأنها ليست بصيد, ولا متولدة من البدن, ومؤذية بطبعها. وكذا النمل المؤذي, وإلا لم يحل قتله, لكن لا جزاء, للعلة الأولى. لنا أن الله "سبحانه وتعالى" علق تحريم صيد البر بالإحرام وأراد به المصيد, لقوله: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] لأنه أضاف الصيد إلى البر, وليس المحرم صيدا حقيقة, ولهذا قال عليه السلام "الضبع صيد وفيه كبش" 2 وعن عائشة مرفوعا: "خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" متفق عليه3, ولمسلم4: "والغراب الأبقع" وللنسائي وابن ماجه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 يعني حديث عائشة الآتي.
2 تقدم تخريجه ص "493".
3 البخاري "1829" مسلم "1198" "71".
4 في صحيحه "1198" "67" والغراب الأبقع: هو الذي فيه سواد وبياض مختار الصحاح "بقع".

(5/511)


"خمس يقتلهن المحرم: الحية والفأرة والحدأة والغراب الأبقع والكلب العقور" وعن ابن عمر مرفوعا "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" متفق عليه1 ولمسلم2 "في الحرم والإحرام" وللدارقطني فيه3 "يقتل المحرم الذئب" وسئل أيضا: ما يقتل المحرم من الدواب؟ فقال: حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية, قال: وفي الصلاة أيضا. رواه مسلم4, وعن أبي هريرة مرفوعا "خمس قتلهن حلال في الحرم فأسقط الغراب" رواه أبو داود5, ولأحمد6 عن ابن عباس مرفوعا "خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم في الحرم, فأسقط الحدأة" , ولمسلم7 عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية بمنى.
فنص من كل جنس على أدناه تنبيها, والتنبيه مقدم على المفهوم إن كان, فإن اختلاف الألفاظ يدل على عدم القصد, والمخالف لا يقول
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "1826" مسلم "1199" "76".
2 في صحيحه "1199" "72".
3 في سننه "2/232".
4 في صحيحه "1200" "75".
5 في سننه "1847"
6 في مسنده "2330".
7 في صحيحه "2235" "138".

(5/512)


بالمفهوم, والأسد كلب, كما في دعائه عليه السلام على عتبة بن أبي لهب1; ولأن ما لا يضمن بقيمته ولا مثله لا يضمن بشيء كالحشرات, فإن عندهم لا يجاوز بقيمته شاة; لأنه محارب مؤذ, قلنا: فهذا لا جزاء فيه.
وعند زفر: تجب قيمته بالغة ما بلغت, وهو أقيس على أصلهم.
وقال قوم: لا يباح قتل غراب البين, ولعله ظاهر المستوعب, فإنه مثل بالغراب الأبقع فقط, وكذا قال الحنفية المراد به الغراب الذي يأكل الجيف, للفظ الخاص, لكن غيره أكثر وأصح, والمعنى يقتضيه, وفي المفهوم نظر هنا.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/539" ووقع عنده لهب بن أبي لهب بدل: عتبة بلفظ: "اللهم سلط عليه كلبك" وحسنه ابن حجر في الفتح "4/39".

(5/513)


وعن أبي سعيد مرفوعا أنه سأل عما يقتل المحرم, قال: "الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله, والكلب العقور والحدأة والسبع العادي" فيه يزيد بن أبي زياد, ضعفه الأكثر, سبق أول المواقيت1, وفيه مخالفة للصحاح, رواه أحمد وأبو داود, والترمذي2 وحسنه, واعتمد عليه القاضي بناء على أن العادي وصف لازم.
ويدخل في الإباحة البازي والصقر والشاهين والعقاب ونحوها, والذباب والبق والبعوض, وذكره في المستوعب والشيخ وغيرهما, ونقل حنبل: يقتل القرد والنسر والعقاب إذا وثب, ولا كفارة, فإن قتل شيئا من هذه من غير أن يعدو عليه فلا كفارة عليه, ولا ينبغي له, وما لا يؤذي بطبعه لا جزاء فيه, لما سبق3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "300".
2 أحمد "10990" وأبو داود "1848" والترمذي "838".
3 ص "511".

(5/514)


قال بعض أصحابنا: ويجوز قتله, وقيل: يكره, وجزم به في المحرر وغيره, وقيل: يحرم, نقل أبو داود: يقتل كل ما يؤذيه, ولأصحابنا وجهان في نمل ونحوه, وجزم في المستوعب: يكره من غير أذية, وذكر منها الذباب والتحريم أظهر, للنهي "م 33".
ونقل حنبل: لا بأس بقتل الذر, ونقل مهنا: ويقتل النملة إذا عضته والنحلة إذا آذته, واختار شيخنا: لا يجوز قتل نحل ولو بأخذ كل عسله, قال هو وغيره: إن لم يندفع1 نمل إلا بقتله جاز.
ـــــــ
"مسألة 33" قوله: ولأصحابنا وجهان في نمل ونحوه يعني إذا لم يؤذ وجزم في المستوعب: يكره من غير أذية, وذكر منها الذباب, والتحريم أظهر للنهي انتهى. يعني هل يحرم قتل النمل ونحوه إذا لم يؤذ أم لا؟.
"قلت" الصواب التحريم, وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الكبرى, وقدمه في الآداب الكبرى وقال: وظاهر كلام بعض أصحابنا في محظورات الإحرام أن قتل النمل والنحل والضفدع لا يجوز. وقال ابن عقيل في آخر الفصول: لا يجوز قتل النمل ولا تخريب أجحرتهن ولا قصدهن بما يضرهن, ولا يحل قتل الضفادع, انتهى, وسئل الشيخ تقي الدين هل يجوز إحراق بيوت النمل بالنار؟ فقال يدفع ضرره بغير التحريق, وذكر في المغني في مسألة قتل الكلب أن لا يضره فيه: لا يباح قتله, وكان في الرعاية الكبرى في مكان آخر: يكره قتل ما لا يضر من نمل ونحل وهدهد وصرد انتهى. وهو الذي جزم به في المستوعب. وقال في الآداب بعد أن تكلم على المسألة فصارت الأقوال في قتل ما لا يضره فيه ثلاثة الإباحة والكراهة
ـــــــ
1 بعدها في "ط" "ضرر"

(5/515)


قال أحمد: يدخن للزنابير إذا خشي أذاهم هو أحب إلي من تحريقه, والنمل إذا آذاه يقتله, واحتج في المغني1 على تحريم قتل غير مؤذ بالنهي عن قتل الكلاب, فدل على التسوية, وأنه إن جاز, جاز قتل كل كلب لم يبح اقتناؤه, كما هو ظاهر كلام جماعة هنا, وهو متجه, ويلزم من لم يحرم قتل النمل, وأولى, وقد سبق قول أحمد: يقتل النمل إذا آذته, فالكلاب بنجاستها وأكل ما غفل الناس عنه أولى, لكن ما استثناه الشرع من كلب الصيد ونحوه يحرم قتله "م" كما أن الكلب الأسود البهيم يباح
ـــــــ
والتحريم, انتهى, وعلى كل حال الصحيح التحريم, وقد اختاره ابن عقيل والشيخ الموفق والمصنف وغيرهم, وهو ظاهر كلام الناظم.
ـــــــ
1 "6/356".

(5/516)


قتله, ذكره الأصحاب, لأمر الشارع به, وعن ابن عباس مرفوعا نهى عن قتل الخطاطيف, وكان يأمر بقتل العنكبوت, وكان يقال: إنها مسخ رواه أبو يعلى الموصلي بسند واه, قال ابن الجوزي في الموضوعات1: ولا يجوز قتل العنكبوت, وفي ذلك بسط في الآداب الشرعية2.
ولا جزاء في محرم إلا ما سبق من المتولد, قال أحمد في الضفدع: لا فدية فيه, نهي عن قتله3. وفي الإرشاد4 فيه حكومة, ونقله عبد الله وقاله سفيان, وذكر لأحمد فقال: لا أعرف فيه حكومة. وقال ابن عقيل: في النملة لقمة أو تمرة إذا لم تؤذه, وخرج بعضهم مثله في النحلة. وقال بعض أصحابنا: في أم حبين جدي, وهي دابة معروفة مثل ابن عرس وابن آوى ويقال أم حبينة, سميت بذلك لانتفاخ بطنها, شبهت بالحبلى, ومنه الأحبن وهو المستسقى; لأن عثمان "رضي الله عنه" قضى بذلك, رواه الشافعي5, فيتوجه منه كل محرم لم يؤمر بقتله.
ولا يحرم أهلي إجماعا, والاعتبار في وحشي وأهلي بأصله. نص عليه
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "1/33" وقد أورده ابن الجوزي بسنده عن أبي يعلى عن ابن عباس.
2 "3/350".
3 أخرجه أبو داود "3871" والنسائي في المجتبى "7/210" من حديث عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله.
4 الإرشاد ص "162" وفيه "لا يقتل الضفدع" .
5 "في مسنده "1/331".

(5/517)


"و". فالحمام وحشي, نص عليه, ففي أهليه الجزاء "م" والبط كالحمام, وعنه: لا يضمنه أهليا "و هـ" لأنه ألوف بأصل الخلقة, كذا قالوا, وأطلق بعضهم في الدجاج روايتين, وخصهما ابن أبي موسى بالدجاج السندي1. والجواميس أهلية مطلقا, ذكره القاضي وغيره, وقدم في الرعاية أن ما توحش من إنسي أو تأنس من وحشي فليس صيدا, ثم ذكر قولا في الثانية.
ويحرم منع الصيد الماء والكلأ.
ولا يحرم صيد البحر إجماعا, والبحر الملح والأنهار والعيون سواء, قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} [فاطر: 12] الآية "و" وما يعيش فيها كسلحفاة وسرطان كالسمك, جزم به الشيخ وغيره, ونقل عبد الله: عليه الجزاء, ولعل المراد أن ما يعيش في البر له حكمه وما يعيش في البحر له حكمه, كالبقر وحشي وأهلي, وعند الحنفية: لا شيء في السلحفاة; لأنها من الهوام والحشرات 2كالخنفساء والوزغ2, ولا يقصد أخذها, ويمكن أخذها بلا حيلة, كذا قالوا, فأما طير الماء فبري; لأنه يفرخ ويبيض في البر, ويكتسب من الماء الصيد. وفي حله في الحرم روايتان: المنع.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الدجاج السندي: هوالدجاج الحبشي ويسميه أهل العراق بالدجاج السندي حياة الحيوان الكبيرة "1/334".
2 2في "س" "كخنفساء ووزغ".

(5/518)


صححه بعضهم, لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينفر صيدها" 1; ولأن حرمة الصيد للمكان, فلا فرق والثانية يحل "م 34" لإطلاق حله في الآية; ولأن الإحرام لا يحرمه, كحيوان أهلي وسبع "والله أعلم".
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1349" ومسلم "1355" "447".

(5/519)


فصل: ويجتنب المحرم ما نهى الله تعالى عنه
مما فسر به الرفث والفسوق "وهو" السباب وقيل: المعاصي. والجدال: المراء, روي عن جماعة منهم ابن عمر2 وعطاء وإبراهيم. قال ابن عباس: هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه3, قال الشيخ: المحرم ممنوع من ذلك كله. وقال في الفصول:
ـــــــ
"مسألة 34" قوله: ولا يحرم صيد البحر وفي حله في الحرم روايتان: المنع صححه بعضهم والثانية يحل, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع4 والهادي والتلخيص وشرح ابن منجى والزركشي وغيرهم.
إحداهما لا يباح, وهو الصحيح, صححه في التصحيح والشرح4, والشيخ تقي الدين في منسكه, وقدمه في المغني5 وشرح ابن رزين, وهو ظاهر كلام الخرقي قال في الوجيز: يحرم صيد البحر على المحرم والحلال مطلقا, انتهى.
والرواية الثانية يباح, جزم به في الإفادات والمنور, وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى6, قال في الفصول: وهو اختياري, وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين وغيرهم, وصححه الناظم.
ـــــــ
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "158".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "157".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/318".
5 "5/167".
6 في الإرشاد ص "172".

(5/519)


يجب اجتناب الجدال وهو الممارة فيما لا يعني.
وفي المستوعب: يحرم عليه الفسوق وهو السباب, والجدال وهو المماراة فيما لا يعني. وفي الرعاية: يكره له كل جدال ومراء فيما لا يعنيه, وكل سباب, وقيل: يحرم كما يحرم على المحل, وأولى, كذا قال, وفي تفسير ابن الجوزي وغيره عن أكثر المفسرين في قوله تعالى: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] لا تمارين أحدا فيخرجه المراء إلى المماراة وفعل ما لا يليق في الحج, وعن جماعة: لا شك في الحج ولا مراء, فإنه قد عرف وقته.
وفيه "في قوله" {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] قيل: بالقرآن والتوحيد, وقيل: غير فظ ولا غليظ, وقيل: إنه منسوخ بآية السيف1, وهذا ضعيف, وفيه في قوله: {فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} [الحج: 67] أي في الذبائح, والمعنى: فلا تنازعهم2, وهذا جائز في فعل لا يكون إلا من اثنين. فإذا قلت لا يجادلنك فلان, فهو بمنزلة لا تجادلنه, ولهذا قال: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحج:68] قال: وهذا أدب حسن, علمه الله تعالى عباده ليردوا به من جادل على سبيل التعنت ولا يجيبوه ولا يناظروه.
وفي الروضة وغيرها: يستحب أن يتوقى الكلام فيما لا ينفع, والجدال والمراء واللغو وغير ذلك مما لا حاجة به إليه. وبسط هذا في
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 هي قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ....} [التوبة: 5]
2 في "س" "تنازعنهم".

(5/520)


الآداب الشرعية1 وكتاب أصول الفقه آخر القياس.
ولأحمد2 عن عبد الله بن نمير عن حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" ثم قرأ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً} [الزخرف: 58] أبو غالب مختلف فيه, قال ابن معين: صالح الحديث, ووثقه الدارقطني وقال ابن عدي: لا بأس به. وقال ابن سعيد: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بقوي, وضعفه النسائي, وبالغ ابن الجوزي فقال: لا يلتفت إلى روايته ورواه ابن ماجه من حديث حجاج. وكذا الترمذي3. وقال: حسن صحيح. وعن أبي هريرة مرفوعا "جدال في القرآن كفر" إسناده جيد, رواه أحمد, وعن مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه مرفوعا "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة, ويترك المراء وإن كان صادقا" 4. وعن أبي أمامة مرفوعا "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا, وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا, وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" حديث حسن رواه أبو داود5.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "1/62".
2 في مسنده "22164".
3 ابن ماجه "48" والترمذي "3253".
4 في مسنده "7508".
5 أخرجه أحمد في مسنده "8630".

(5/521)


ويستحب قلة الكلام إلا فيما ينفع, وفي الرعاية: يكره له كثرته بلا نفع, وعن أبي هريرة مرفوعا "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" متفق عليه1, وعنه مرفوعا "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" حديث حسن, رواه الترمذي وغيره2, ولأحمد3 من حديث الحسين بن علي مثله, وله4 أيضا في لفظ "قلة الكلام إلا فيما يعنيه" .
وتجوز "له" التجارة وعمل الصنعة "و" والمراد ما لم يشغله عن مستحب أو واجب, قال ابن عباس: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية, فتأثموا أن يتجروا في المواسم, فنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] في مواسم الحج. رواه البخاري5, ولأبي داود6 عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن العلاء بن المسيب: حدثنا أبو أمامة التيمي قال: كنت رجلا أكرى في هذا الوجه, وكان ناس يقولون: ليس لك حج, فلقيت ابن عمر فقلت: إني أكرى في هذا الوجه, وإن ناسا يقولون: ليس لك حج, فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قلت: بلى, قال: فإن لك حجا, جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله مثل ما
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 البخاري "6138" ومسلم "47" "47".
2 الترمذي "2317" وابن ماجه "3976".
3 في مسنده "1737".
4 أحمد في مسنده "1737".
5 في صحيحه "2098".
6 في سننه "1733".

(5/522)


سألتني فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] الآية. فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقرأ عليه هذه الآية وقال: "لك حج" إسناده جيد, ورواه الدارقطني وأحمد1, وعنده: "إنا نكرى فهل لنا من حج؟" وفيه: "وتحلقون رءوسكم" . وفيه: فقال: "أنتم حجاج" وسبق فيما يبطل الصلاة2 قصد التجارة والحج بالسفر.
ويجوز لبس الكحلي وغيره من الأصباغ, وقطع رائحة كريهة بغير طيب, وفي الرعاية وغيرها: يسن, وهو أظهر. وكذا يجوز المعصفر, نقله الجماعة, وعليه الأصحاب "و ش" لما روى أحمد3, حدثنا يعقوب أنبأنا أبي عن ابن إسحاق قال: فإن نافعا مولى عبد الله بن عمر حدثني عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب, ولتلبس ما أحبت بعد ذلك من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا أو سراويل أو قميصا إسناده جيد, رواه أبو داود4 عن أحمد وقال: رواه عبدة ومحمد بن مسلمة عن ابن إسحاق إلى قوله: "وما مس الورس والزعفران من الثياب" "5لم يذكرا5" ما بعده. وللشافعي6 عن أبي جعفر قال: أبصر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 الدارقطني في سننه "2/292" وأحمد في مسنده "6434".
2 "2/302" وما يعدها.
3 في مسنده "4730".
4 في سننه "1827".
5 5 في النسخ الخطية "لم يذكر" والمثبت من مصدر التخريج.
6 في مسنده "1/309".

(5/523)


عمر بن الخطاب على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال: ما هذه الثياب؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما إخال أحدا يعلمنا السنة, فسكت عمر. وقال عروة: كانت أسماء تلبس المعصفرات المصبغات وهي محرمة ليس فيها زعفران.
وقال أسلم: رأى عمر بن الخطاب على طلحة يوما ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال: ما هذا؟ فقال: إنما هو مدر فقال: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس, فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام, فلا تلبسوا أيها الرهط من هذه الثياب المصبغة. رواهما مالك1. وللشافعي2 عن جابر قال: تلبس المرأة الثياب المعصفرة. وروى حنبل في مناسكه: حدثنا أبو عبد الله حدثنا روح حدثنا حماد عن أيوب عن عائشة بنت سعد قالت: كن أزاوج النبي صلى الله عليه وسلم يحرمن في المعصفرات3.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الموطأ "1/326".
2 في مسنده "1/310".
3 أخرجه البخاري تعليقا قبل حديث "1545" ولبست عائشة رضي الله عنها الثياب المعصفرة وهي محرمة.

(5/524)


واختلف عن عائشة وابن عمر1, ونهى عنه عثمان وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه, فقال له علي: إنما نهاني. رواه النجاد2. فإن صح ذلك فلئلا يقتدي به جاهل في جميع الأصباغ أو يكره3 للرجل, كما سبق في ستر العورة في غير الإحرام4, وحمل القاضي الخبر على الاستحباب لاستحباب البياض في الإحرام, أو على أن النهي يختص بعلي; ولأنه ليس بطيب ولا تقصد رائحته كسائر الأصباغ; ولأنه يجوز ما لم ينفض "فجاز" وإن نفض كغيره, وجوزه في الواضح ما لم ينفض5 عليه, وكذا قال أبو حنيفة ومالك: يمنع من لبسه وإن لبسه وهو ينفض فدى, وللمصبوغ بالرياحين حكمها مع الرائحة.
ويجوز الكحل بإثمد لرجل وامرأة, إلا لزينة فيكره, نص على ذلك "و م ش" رواه الشافعي6 عن ابن عمر, والأصل عدم الكراهة, وكرهه الشيخ وغيره وزاد: وفي حقها أكثر; لأن أبان بن عثمان نهى عنه وقال ضمدها بالصبر. وحدث عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم إذا اشتكى عينيه ضمدها بالصبر.
وعن جابر أن عليا قدم اليمن فوجد فاطمة ممن حل فلبست ثيابا
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 رواية الترخيص أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "106". ورواية الكراهة أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "105".
2 وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/61".
3 من هنا بدأ السقط في "س".
4 "2/34".
5 نفض الثوب أو الصبغ نفوضا: ذهب بعض لونه المعجم المسيط "نفض".
6 في مسنده "1/312".

(5/525)


صبيغا واكتحلت, فأنكر عليها فقالت: أبي أمرني بهذا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقت صدقت رواهما مسلم1. وعن عائشة أنها قالت لامرأة اكتحلي بغير الإثمد وليس بحرام لكنه زينة ونحن نكرهه2. ولنا قول: لا يجوز, نقل ابن منصور: لا تكتحل المرأة بالسواد. فظاهره التخصيص.
وينظر المحرم في المرآة لحاجة, كإزالة شعرة بعينه. ويكره لزينة, ذكره الخرقي وغيره, ولنا قول: يحرم.
قال أحمد: لا بأس ولا يصلح شعثا ولا ينفض عنه غبارا, وقال: إذا كان يريد زينة فلا يرى شعرة فيسويها, روى أحمد من حديث أبي هريرة, ومن حديث عبد الله بن عمرو3 مرفوعا "إن الله يباهي الملائكة بأهل عرفة: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا" ويتوجه أنه لا يكره, وفي ترك الأولى نظر; لأنه لا يمنع أن يأتوا شعثا غبرا, وقال ابن عباس: ينظر المحرم في المرآة4 ونظر ابن عمر فيها, رواه الشافعي ومالك5 وزاد: لشكوى بعينيه, وأطلق غير واحد من الأصحاب: لا بأس به, وبعض من أطلقه قيده في مكان آخر بالحاجة, وقد سبق في الغسل في إزالة الشعر6, ولا فدية بذلك, وبما في هذا الفصل إلا ما سبق في المعصفر.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في صحيحه الأول برقم "1204" "89" والثاني برقم "1218" "147".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/63".
3 أحمد في مسنده الأول برقم "80047" والثاني برقم "7089".
4 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/64".
5 الشافعي في مسنده "1/314" ومالك في الموطا "1/358".
6 ص "407".

(5/526)


قال الآجري وابن الزاغوني وغيرهما: ويلبس الخاتم, وسبق في الحلي في الزكاة لبسه لزينة1, وإذا لم يكره فيتوجه في كراهته للمحرم لزينة ما في كحل ونظر في مرآة. وللدارقطني2 عن ابن عباس: لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم, وفي رواية رخص3.
ـــــــ
1 "4/153".
2 في سننه "2/233".
3 الدارقطني في سننه "2/233" بلفظ "رخص للمحرم في الخاتم والهميان".

(5/527)


فصل: والمرأة إحرامها في وجهها,
حرم عليها تغطيته ببرقع أو نقاب أو غيره "و" قال ابن المنذر: كراهية البرقع ثابتة عن سعيد وابن عمر وابن عباس وعائشة4, ولا نعلم أحدا خالف فيه, وسبق رواية البخاري عن ابن عمر مرفوعا "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" 5 وخبره في المعصفر, وعن ابن عمر قال: إحرام المرأة في وجهها, وإحرام الرجل في رأسه, رواه الدارقطني6 بإسناد جيد, وروي أيضا عن ابن عمر مرفوعا "ليس على المرأة حرم إلا في وجهها" 7 من رواية أيوب بن محمد
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
4 أخرج أثر ابن عمر وعائشة ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "306".
5 تقدم ص "420".
6 الدارقطني في سننه "2/294".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/358".

(5/527)


أبي الجمل, ضعفه ابن معين. وقال أبو زرعة: منكر الحديث, وقال العقيلي يهم في بعض حديثه. وقال الدارقطني: مجهول, ووثقه الفسوي, وقال أبو حاتم: لا بأس به, قال بعضهم: المحفوظ موقوف.
وقال أبو الفرج في الإيضاح: وكفيها. وقال في المبهج: وفي الكفين روايتان.
وقال في الانتصار في مسألة التيمم ضربة للوجه والكفين: إن المرأة أبيح لها كشف الوجه والكفين في الصلاة والإحرام.
ويجوز لها أن تسدل على الوجه لحاجة "و" لقول عائشة: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات "1فإذا حاذونا أسدلت1" إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها, فإذا جاوزونا كشفناه, رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني2, ورواه أيضا عن أم سلمة3, وفي الحديثين رواية يزيد بن أبي4 زياد, ضعفه الأكثر, وسبق أول المواقيت5 وعن فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 1 في "ط" "حازونا أسدلت".
2 أحمد "24020" وأبو داود "1833" وابن ماجه "2935" والدارقطني في سننه "2/295".
3 أي الدارقطني في سننه "1/295".
4 ليست في النسخ و"ط" والمثبت من مصادر الحديث.
5 ص "300".

(5/528)


محرمات مع أسماء بنت أبي بكر, رواه مالك1, أطلق جماعة جواز السدل.
وقال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق, وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل, ومعناه عن ابن عباس, رواه الشافعي2. قال الشيخ عن قول أحمد كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها وذكر القاضي "وجماعة" تسدل ولا تصيب البشرة, فإن أصابتها فلم ترفعه مع القدرة فدت, لاستدامة الستر3, قال الشيخ: ليس هذا الشرط عن أحمد ولا في الخبر, والظاهر خلافه, فإن المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة. فلو كان شرطا لبين, وما قاله صحيح, لكن زاد: وأنما4 منعت من البرقع والنقاب ونحوهما مما يعد لستر الوجه, كذا قال.
والمذهب: يحرم تغطية ما ليس لها ستره, ولا يمكنها تغطية جميع5 الرأس إلا بجزء من الوجه, ولا كشف جميع الوجه, إلا بجزء من الرأس, فستر الرأس كله أولى; لأنه آكد; لأنه عورة لا يختص بالإحرام.
وحكم المرأة كالرجل في جميع ما سبق إلا في لبس المخيط وتظليل المحمل, بالإجماع, لما سبق من حديث ابن عمر6: ولحاجة الستر, كعقد
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في الموطأ "1/328".
2 في مسنده "1/303".
3 في "ط" "التستر".
4 في "ط" "وأنها".
5 ليست في الأصل.
6 أخرجه الدارقطني في سننه "2/294" وسبق ص "527".

(5/529)


الإزار للرجل. ولأبي داود1 بإسناد "جيد" عن عائشة قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالسك2 المطيب عند الإحرام, فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره عليها. وإنما كرهه في الجمعة خوف الفتنة لقربها من الرجال; ولهذا لا يلزمها, بخلاف الحج, ويتوجه احتمال أن الخبر يدل على أنه ليس بمنهي عنه, للمشقة بتركه لطول المدة, بخلاف الجمعة, لا على استحبابه.
ويحرم لبس القفازين عليها, نص عليه "و م" وهما شيء يعمل لليدين كما يعمل للبزاة وفيه الفدية كالنقاب, لخبر ابن عمر السابق3, وكالرجل "و" ولا يلزم من تغطيتها بكمها لمشقة التحرز جوازه بهما. بدليل تغطية الرجل قدميه بإزاره لا بخف. وإنما جاز تغطية قدميها بكل شيء لأنها عورة في الصلاة, ولنا في الكفين روايتان, أو الكفان يتعلق بهما حكم التيمم كالوجه, قاله القاضي.
واقتصر جماعة على الأخير. وعند أبي حنيفة: لها ذلك, وللشافعي القولان, قال القاضي: ومثلهما إن لفت على يديها خرقة أو خرقا وشدتها
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "1830" وقد تقدم تخريجه ص "325".
2 السك: بضم السين وتشديد الكاف ضرب من الطيب معروف المصباح "سكك".
3 تقدم تخريجه ص "527".

(5/530)


على حناء أو لا, كشده على جسده شيئا وذكره في الفصول عن أحمد "رحمه الله" وظاهر كلام الأكثر: لا يحرم وإن لفتها بلا شد فلا. لأن المحرم اللبس لا تغطيتهما, كبدن الرجل. ولها لبس الحلي, في ظاهر المذهب, نقله الجماعة "و" لخبر ابن عمر السابق في المعصفر1, وقالته عائشة, رواه الشافعي2, ولا دليل للمنع, وعنه: يحرم. وهو ظاهر كلام الخرقي, وحملها الشيخ على الكراهة; لأنه من الزينة كالكحل, ولا فدية.
ولا يحرم لباس زينة "و" قال في الرعاية وغيرها: ويكره, وقد قال أحمد: المحرمة والمتوفى عنها زوجها يتركان الطيب والزينة, ولهما ما سوى ذلك. وقال الحلواني في التبصرة: يحرم لباس زينة3, ويتوجه احتمال كحلي.
ويستحب خضابها بحناء للإحرام, لقول ابن عمر: من السنة أن تدلك المرأة بشيء من حناء عشية الإحرام, وتغلف رأسها بغسلة ليس فيها طيب, ولا تحرم عطلا, رواه الدارقطني وغيره4 من رواية موسى بن عبيدة الربذي ضعفه أئمة الحديث. وقال أحمد: لا يكتب حديثه.
ولأنه من الزينة كالطيب, ويكره في إحرامها, ذكره القاضي وجماعة; لأنه من الزينة, كالكحل بالإثمد, فإن فعلت فإن شدت يديها بخرقة فدت
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "523".
2 في مسنده "1/311".
3 في الأصل "الزينة".
4 الدارقطني في سننه "2/272" والبيهقي في السنن الكبرى "5/48".

(5/531)


وإلا فلا "و ش" لأنه يقصد لونه لا ريحه عادة, كخضاب بسواد ونيل, ولعدم الدليل, وعند الشيخ لا بأس به, لقول عكرمة: إن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخضبن بالحناء وهن حرم. رواه ابن المنذر1, وعند أبي حنيفة ومالك فيه الفدية, ويستحب في غير الإحرام لمزوجة2; لأن فيه زينة وتحببا إلى الزوج كالطيب.
قال في الرعاية وغيرها "3وأكثر الشافعية3": ويكره للأيم لعدم الحاجة مع خوف الفتنة. وفي المستوعب: لا يستحب لها, وفي ذلك أخبار ضعيفة, بعضها رواه أحمد, وبعضها أبو يعلى الموصلي, وبعضها أبو الشيخ وبعضها الطبراني, وهي في التعليق الكبير على المقنع في باب السواك, وقد روى الحافظ أبو4 موسى المديني في كتاب "الاستفتاء في معرفة استعمال الحناء", عن جابر مرفوعا "يا معشر النساء اختضبن فإن المرأة تختضب لزوجها, وإن الأيم تختضب تعرض للرزق من الله عز وجل" 5 فأما الخضاب للرجل فذكر الشيخ أنه لا بأس به فيما لا تشبه فيه بالنساء; لأن الأصل الإباحة, ولا دليل للمنع, وأطلق في المستوعب: له الخضاب بالحناء, وقال في مكان آخر: كرهه أحمد "قال أحمد": لأنه من الزينة.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 وأورده البيهقي في معرفة السنن والآثار "7/168".
2 في "ط" "لزوجة".
3 3 ليست في الأصل.
4 إلى هنا نهاية السقط في "س".
5 لم نجده بهذا اللفظ وأخرجه بنحوه عبد الرزاق في مصنفه برقم "7931".

(5/532)


وقال شيخنا: هو بلا حاجة مختص بالنساء "و ش". ثم احتج بلعن المتشبهين والمتشبهات, وسبقت مسألة التشبه عند زكاة الحلي1. وفي الصحيحين2 عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل. نهى عنه للونه لا لريحه, فإن ريح الطيب له حسن, والحناء في هذا كالزعفران.
وعن مفضل بن يونس وهو من الثقات عن الأوزاعي عن أبي يسار القرشي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل مخضوب اليدين والرجلين فقال: "ما بال هذا" ؟ فقالوا: يا رسول الله, يتشبه بالنساء. فأمر به فنفي إلى البقيع فقالوا: يا رسول الله ألا تقتله؟ قال: "إني نهيت عن قتل المصلين" 3 أبو يسار روى عنه الأوزاعي والليث. ولم أجد فيه سوى قول أبي حاتم: مجهول, فأراد: مجهول العدالة.
وذكر الدارقطني في العلل أن المفضل انفرد بوصله. وقال أبو موسى: حديث مشهور, وللطبراني4 ونحوه بمعناه من حديث أبي سعيد وقد قال الحافظ عمر بن بدر الموصلي: لا يصح في هذا الباب شيء, وظاهر ما ذكره القاضي أنه كالمرأة في الحناء; لأنه ذكر المسألة واحدة "م 35" وأنه لا فدية "هـ" ثم قال: وقد نقل الميموني: الحناء من
ـــــــ
"مسألة 35" قوله بعد ذكر الخضاب للمرأة فأما الخضاب للرجل فذكر الشيخ أنه لا بأس به فيما لا تشبه فيه بالنساء وأطلق في المستوعب: له الخضاب بالحناء. وقال في مكان آخر: كرهه أحمد, قال أحمد: لأنه من الزينة. وقال شيخنا:
ـــــــ
1 "4/163".
2 البخاري "5846" ومسلم "2101".
3 أخرجه أبو داود "4928" والدارقطني في سننه "2/54".
4 في الأوسط "5054".

(5/533)


الزينة. ومن يرخص في الريحان يرخص فيه. ونقل محمد بن حرب وسئل عن الخضاب للمحرم فقال: ليس بمنزلة الطيب ولكنه زينة, وقد كره الزينة عطاء للمحرم, وقد احتج غير واحد من فقهاء الحديث كابن جرير وقال العقيلي: لا يصح في هذا المتن شيء, بخبر1 بريدة مرفوعا "سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم" وفيه "وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء, وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية" وهو الحناء, رواه ابن شاذان بإسناده2, ويباح لحاجة, لخبر سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا اشتكى أحد رأسه قال: اذهب فاحتجم وإذا اشتكى رجله قال: اذهب فاخضبها بالحناء رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد3 وله في لفظ: قالت: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فما كانت تصيبه قرحة ولا نكتة4 إلا أمرني أن أضع عليها الحناء5 حديث حسن.
ـــــــ
1 في "ط" "لخبر".
2 لم نجده بهذا اللفظ ولكن أخرج ابن ماجه "3305" عن أبي الدرداء "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم".
3 أبو داود "3858" والترمذي "2054" وابن ماجه "3502" وأحمد "27617".
4 في "ط" "نكتة".
5 أخرجه الترمذي "2054" وابن ماجه "3502".

(5/534)


فصل: الخنثى المشكل إن لبس المخيط
أو غطى وجهه وجسده لم تلزمه
ـــــــ
هو بلا حاجة مختص بالنساء وظاهر ما ذكره القاضي أنه كالمرأة في الحناء, لأنه ذكر المسألة واحدة, انتهى. ما قاله الشيخ الموفق هو الصواب. وقاله الشارح وغيره, وعمل الناس عليه من غير نكير, وقال في الآداب الكبرى: فأما الخضاب للرجل فيتوجه إباحته مع الحاجة, ومع عدمها6 يخرج على مسألة تشبه رجل بامرأة في لباس وغيره, انتهى.
ـــــــ
6 في "ط" "غيرها".

(5/534)


فدية للشك, وإن غطى وجهه ورأسه أو1 لبس المخيط فدى لأنه إما رجل أو امرأة, وذكر أبو بكر: يغطي رأسه ويفدي, وذكره أحمد عن ابن المبارك, ولم يخالفه, وجزم به في الرعاية.
ـــــــ
1 في الأصل ب "و".

(5/535)


فصل: من كرر محظورا من جنس,
مثل أن حلق ثم حلق أو قلم ثم قلم, أو لبس ثم لبس ولو بمخيط في رأسه, أو بدواء مطيب فيه, أو تطيب ثم تطيب, أو وطئ ثم وطئها أو غيرها, ولم يكفر عن الأول, فكفارة واحدة, نص عليه, وعليه الأصحاب, تابعه أو فرقه, فظاهره: لو قلم خمسة أظفار في خمسة أوقات لزمه دم, وقاله القاضي, وعلله بأنه لما بنيت الجملة فيه على الجملة في تداخل الفدية كذا الواحد على الواحد في تكميل الدم. وإن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة, وعنه: لكل وطء كفارة; لأنه سبب لها كالأول. فيتوجه تخريج في غيره, وعنه: إن تعدد سبب المحظور فلبس2 للحر ثم للبرد ثم للمرض فكفارات, وإلا كفارة, نقل الأثرم
ـــــــ
"تنبيه" قوله: الخنثى المشكل إن لبس المخيط أو غطى وجهه وجسده لم تلزمه فدية للشك3 وإن غطى وجهه ورأسه أو لبس المخيط فدى, انتهى. تجعل هذه الألف في قوله "أو لبس المخيط" أن تكون زائدة, وأن صوابه "وإن غطى وجهه ورأسه ولبس المخيط فدى" من غير ذكر ألف قبل الواو في قوله: "أو لبس" وإن لم يكن كذلك كان تكرارا من المصنف وسهوا; لأنه قال أولا "إن لبس المخيط لم تلزمه فدية" وقال هنا "فدى" والله أعلم.
ـــــــ
2 في الأصل و"س" "فليس".
3 في "ص" "للنسك".

(5/535)


فيمن لبس قميصا وجبة وعمامة لعلة واحدة كفارة, قلت: فإن اعتل فلبس جبة ثم برئ ثم اعتل فلبس جبة, فقال: عليه كفارتان. وقال ابن أبي موسى في الإرشاد1: إذا لبس وغطى رأسه متفرقا فكفارتان. وإن كان في وقت واحد فروايتان, وعند أبي حنيفة: إن كرره في مجلس تداخلت, لا في مجالس, وعند مالك: تتداخل كفارة الوطء فقط. وجديد قولي الشافعي: لا تداخل, وفي القديم: تتداخل, وله قول: عليه للوطء الثاني شاة, كقول أبي حنيفة.
لنا ما تداخل متتابعا تداخل متفرقا كالأحداث والحدود وكفارات الأيمان; ولأنها كفارة لا يتضمن سببها إتلاف نفس, ككفارة اليمين; ولأنه وطئ, فكفر عنه كالأول, أو محظور فكفر عنه كغيره; ولأن الله أوجب في حلق الرأس فدية ولم يفرق ولا يمكن إلا شيئا بعد شيء. ولنا على أنه لا تداخل إذا كفر عن الأول اعتباره بالحدود والأيمان.
ـــــــ
ثم رأيت ابن نصر الله في حواشيه قال: يعني إما أن يجمع بين تغطية وجهة ورأسه, أو بين تغطية وجهه ولبس المخيط, انتهى. يعني أن كلامه صحيح, ويقدر فيه فيقال: وإن غطى وجهه ورأسه, أو غطى وجهه ولبس المخيط, فدى. وهو صحيح. لكن بخذف2 ذلك حصل اللبس, وقوله: "أو غطى وجهه وجسده" مبني على أن تغطية وجه الرجل لا توجب فدية, وإلا فالرجل والمرأة مشتركان في ذلك, والله أعلم.
ـــــــ
1 ص "161".
2 في "ط" "بخلاف".

(5/536)


وتتعدد كفارة الصيد بتعدده, نقله الجماعة, وعليه الأصحاب "و" لأن الآية تدل أن من قتل صيدا لزمه مثله, ومن قتل أكثر لزمه مثل ذلك; ولأنه لو قتل أكثر معا تعدد الجزاء, فمتفرقا أولى, لأن حال التفريق ليس أنقص كسائر المحظورات; ولأنها كفارة قتل, كقتل الآدمي, أو بدل متلف, كبدل مال الآدمي. ونقل حنبل: لا تتعدد إن لم يكفر عن الأول, وحكي عنه مطلقا, ونقل حنبل: إن تعمد قتله ثانيا فلا جزاء, ينتقم الله منه. روي عن شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة وقاله داود, للآية; لأن الجزاء إذا علق بلفظ "من" لم يتكرر نحو: من دخل داري فله درهم, ولأنه قال: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] ولقول ابن عباس: إذا أصاب المحرم ثم عاد قيل له اذهب فينتقم الله منك. رواه النجاد1. وكسائر المحظورات; ولأن الأصل براءة الذمة.
والجواب عن الأول أن الجزاء يتكرر بتكرر شرط في محال, نحو من دخل دوري2 فله بدخول كل دار درهم. والقتل يقع في صيد وصيود. وعن الثاني أنه لا يمنع, كقوله في آية الربا: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [البقرة: 275] وللعائد ما سلف وأمره إلى الله, وكقوله في آية المحاربة: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] لا يمنع من العزم وعن الثالث يمنع صحته. وللدارقطني3 عنه في حمام الحرم: في الحمامة شاة, وبتقديم ظاهر
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 وأخرجه الطبري في تفسره "7/60".
2 في "س" "داري".
3 في سننه "2/246".

(5/537)


الكتاب والسنة عليه. وسبق جواب الرابع.
ويتعدد بتعدد محظورات من أجناس متحدة الكفارة, نص عليه وهو أشهر "و" كحدود مختلفة وأيمان مختلفة, وعنه: كفارة واحدة وعنه: إن كان في وقت واحد وإلا فلكل واحد كفارة, اختاره أبو بكر, قال القاضي وابن عقيل: لأنها أفعال مختلفة, وموجباتها مختلفة, كالحدود المختلفة وقيل: إن تباعد الوقت تعدد الفداء وإلا فلا.
ولا يفسد الإحرام برفضه بالنية "و" لأنه لا يخرج منه بالفساد, بخلاف سائر العبادات, ويلزمه دم لرفضه, ذكره في الترغيب وغيره. وفي المغني1 وغيره: لا شيء لرفضه; لأنها نية لم تفد شيئا, وحكم الإحرام باق, نص عليه "و م ش" لأنها جنايات مختلفة فتعددت كفاراتها, كفعلها على غير وجه الرفض. وعند أبي حنيفة: عليه كفارة واحدة, وهو رواية في المستوعب, وخالف أبو حنيفة في إحرام الصغير لعدم لزومه عنده, ولا كفارة بإحرامه عنده مطلقا.
ولا يفسد الإحرام بجنون وإغماء "و" وذكر ابن عقيل وجهين, قال في مفرداته: مبناه على التوسعة وسرعة الحصول; فلهذا لو أحرم مجامعا انعقد وحكمه2 كالصحيح, وسبق قبل الفصل الثامن3. وعمد صبي
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "5/205".
2 ليست في "س".
3 ص "461".

(5/538)


ومجنون خطأ.
وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا أو جاهلا أو مكرها فلا كفارة عليه. نقله الجماعة, وذكره الشيخ وغيره ظاهر المذهب واختاره الخرقي وغيره "و ش" لما روى ابن ماجه1: حدثنا محمد بن المصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" إسناد جيد. وقال عبد الحق الإشبيلي2: ومما رويته بالإسناد الصحيح المتصل إلى ابن عباس, وذكره, ورواه الطبراني3 من رواية الربيع بن سليمان المرادي: حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس مرفوعا "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقال: لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر, تفرد به الربيع.
ورواه الدارقطني4 وقال: تفرد به بشر, ولم يحدث به عنه غير الربيع وأبو يعقوب البويطي الفقيه ورواه البيهقي5 وقال: جود إسناده بشر بن
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في سننه "2045".
2 أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الإشبيلي المعروف بابن الخراط من علماء الأندلس له المعتل من الحديث والأحكام الشرعية ثلاثة كتب الكبرى والصغرى والوسطى وغيرها.
3 في الصغير "765".
4 في سننه "4306"
5 في السنن الكبرى "7/357".

(5/539)


بكر, وهو من الثقات ورواه الوليد عن الأوزاعي, فلم يذكر عبيد بن عمير, وروى الحافظ ضياء الدين في المختارة الطريقين. وقال ابن حزم في أول ديات الجراح من المحلى: هذا حديث مشهور من طريق الربيع عن بشر عن الأوزاعي بهذا الإسناد متصلا, وبهذا اللفظ رواه الناس هكذا. وقال أحمد وأبو حاتم: لا يثبت هذا الحديث, وأنكر أحمد في رواية عبد الله حديث ابن مصفى جدا وقال: ليس هذا إلا عن الحسن, يعني مرسلا, ودلالة الخبر مبنية على عموم دلالة الاقتضاء, وفيه خلاف لنا وللأصوليين: وسبق قصة الذي أحرم بعمرة في الجبة وهو متضمخ بالخلوق, فأمره1 النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها وغسله, ولم يأمره بفدية2, ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وكان سنة ثمان, وأجاب القاضي بأن الطيب لم يكن حرم, فقيل له عن قوله عليه السلام له في الصحيحين3: "اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك" فقال: يجوز أن يكون حرم في الحج ولم يحرم في العمرة إلى هذه الحال, كذا قال. وقال في اللبس لم يكن حرم, وقياسا على الصوم, والتفرقة بأن المحرم عليه أمارة وهي التجرد والتلبية فلم يعذر, بخلاف الصوم يبطل بالذبيحة عليها أمارة, وفرق بين العمد والخطأ في التسمية وأجاب القاضي بأن الأمارة وقت الذبح والتسمية يتقدمها, كذا قال, وعنه: تجب الكفارة, نصرها القاضي
ـــــــ
.......................................
1 في الأصل و"ب" و"ط" "فأمر".
2 تقدم تخريجه ص "421".
3 البخاري "1789" ومسلم "1180" "6" من حديث صفوان بن يعلى.

(5/540)


وأصحابه "و هـ م" كالحلق وقتل الصيد, والتفرقة بأنه إتلاف يبطل بفوات الحج ليس بإتلاف, ولا فرق فيه, كذا قاله القاضي. وقال: المأمور به فرض عليه, كتجنب المحظور, فحكم أحدهما حكم الآخر. وأما التفرقة بإمكان تلافيه فما مضى لا يمكن تلافيه, ويتوجه أن الجاهل بالحكم هنا كالصوم وكذا قال القاضي لخصمه: يجب أن تقول ذلك. ومتى زال عذره غسله في الحال فإن أخره ولا عذر فدى, وله غسله بيده وبمائع وغيره. ويستحب أن يستعين بحلال ويغسله, ويتيمم للحدث لأن له بدلا, وإن قدر على قطع رائحته بغير الماء فعل وتوضأ; لأن القصد قطعها.
وإن مس طيبا يظنه يابسا فبان رطبا فوجهان "م 36" لأنه قصد مسه وجهل تحريمه كجهل تحريم الطيب وإن حلق أو قلم فدى مطلقا, نص
ـــــــ
"مسألة 36" قوله: وإن مس طيبا يظنه يابسا فبان رطبا فوجهان, انتهى. وأطلقهما في المغني1 والشرح2 والرعايتين والحاوي الكبير والقواعد الأصولية وغيرهم.
أحدهما: لا فدية عليه; لأنه جهل تحريمه, فأشبه من جهل تحريم الطيب. "قلت": وهو الصواب, وقدمه في الرعاية الكبرى في موضع.
والوجه الثاني عليه الفدية; لأنه قصد مس الطيب, وهو ظاهر ما جزم به ابن رزين في شرحه
ـــــــ
1 "5/143".
2 "8/432".

(5/541)


عليه, وعليه الأصحاب "و" لأنه إتلاف كإتلاف مال آدمي; ولأن الله أوجب الفدية على من حلق لأذى به وهو معذور, فدل على وجوبها على معذور بنوع آخر ولنا وجه وهو رواية مخرجة من قتل الصيد, وذكره بعضهم رواية: لا فدية على مكره وناس وجاهل ونائم ونحوهم, واختاره أبو محمد الجوزي, لما سبق في المسألة قبلها.
وتجب الكفارة بقتل الصيد مطلقا, نقله الجماعة منهم صالح, وعليه الأصحاب "و" لظاهر ما سبق من الخبر والأثر في جزاء الصيد وبيضه. وقال الزهري: على المتعمد بالكتاب, وعلى المخطئ بالسنة, وقال الشافعي1: أنبأنا سعيد عن ابن جريج: قلت لعطاء: فمن قتله خطأ أيغرم2؟ قال: نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن.
وروى النجاد عن الحكم أن عمر كتب: ليحكم عليه في الخطأ والعمد3 وروى أحمد عن ابن مسعود في رجل ألقى جوالق4 على ظبي فأمره بالجزاء5, قال أحمد في رواية الأثرم وهذا لا يكون عمدا, ولأنه إتلاف, كمال الآدمي وعن أحمد: لا جزاء بقتل الخطأ, نقله صالح.
وقال في رواية عبد الله: قال ابن عباس: إذا صاد المحرم ناسيا لا شيء
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في مسنده "1/335".
2 في "س" "لا يغرم".
3 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/25".
4 الجوالق بكسر الجيم واللام وبضم وفتح اللام وكسرها: وعاء من صوف أو شعر أو عيرهما كالغرارة وهو عند العامة شوال القاموس المعجم الوسيط.
5 لم نقف عليه عند أحمد وأخرجه بنحوه البيهقي في معرفة السنن والآثار "7/397".

(5/542)


عليه, إنما على العامد1. رواه النجاد وغيره عن ابن عباس. وقاله طاوس وداود وابن المنذر, وقال سعيد بن جبير: إنه السنة ذكره ابن حزم, واختاره أبو محمد الجوزي وغيره, لظاهر الآية قال القاضي: هي حجة لنا من وجه; لأنها تقتضي أن من نسي الإحرام فقتل الصيد متعمدا يلزمه الجزاء, وعندهم: لا يلزمه; ولأنه خص العمد بالذكر لأجل الوعيد في آخرها; ولأن ما سبق أخص, والقياس يقتضيه, فقدم.
وأما قوله2: "إن الله تجاوز لأمتي" 3 فإن صح لفظه ودلالته فما سبق أخص وسبقت التفرقة بين الإتلاف وغيره, وحكي عن مجاهد والحسن: يجب الجزاء في الخطأ والنسيان لا في العمد. وقال الشافعي4: أنبأنا سعيد عن ابن جريج قال: كان مجاهد يقول: ومن قتله
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 مسائل الإمام أحمد بروابة عبد الله "2/714".
2 في الأصل "ولنا".
3 تقدم تخريجه ص "539".
4 في مسنده "1/355".

(5/543)


منكم متعمدا غير ناس لحرمة ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة, ومن قتله ناسيا لحرمة أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عليه النعم. وهذا غريب ضعيف, والمكره عندنا كمخطئ وذكر الشيخ في كتاب الأيمان في موضعين أنه لا يلزمه, وإنما يلزم المكره, وجزم به ابن الجوزي, وسبق في الحلق1, ويأتي نظيره في إتلاف مال الآدمي2 وعمد الصبي2 ومن زال عقله بعد إحرامه خطأ.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ص "402" وما بعدها.
2 "7/240".

(5/544)


فصل: القارن كغيره,
نص عليه, وعليه الأصحاب "و م ش" لظاهر الكتاب والسنة; ولأنهما حرمتان كحرمة الحرم وحرمة الإحرام, اختار القاضي أنه إحرامان, "3ولعله ظاهر قول أحمد, فإنه شبهه بحرمة الحرم وحرمة الإحرام; لأن الإحرام3" هو نية النسك ونية الحج غير نية العمرة واختار بعضهم أنه إحرام واحد, كبيع عبد ودار صفقة واحدة عقدا واحدا والمبيع اثنان, وعنه: يلزمه بفعل محظور جزاءان "و هـ" ذكرها في الواضح, وذكره القاضي وغيره تخريجا إن لزمه طوافان وسعيان وخصها ابن عقيل بالصيد, كما لو أفرد كل واحد بإحرام, والفرق ظاهر, وكما لو وطئ وهو محرم صائم, قال القاضي: لا يمتنع التداخل ثم لم يتداخلا لاختلاف كفارتهما, أو; لأن الصيام والإحرام لا يتداخلان, والحج والعمرة
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 3 ليست في "س".

(5/544)


يتداخلان عندنا وعندهم في الحلق وبنى الحنفية قولهم على أنه محرم بإحرامين قالوا: إلا أن يتجاوز الميقات غير محرم بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد, خلافا لزفر; لأن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد, وبتأخير واجب واحد يلزم جزاء واحد.

(5/545)


فصل: أجمع العلماء أن الحج لا يفسد بإتيان شيء
قال ابن المنذر: أجمع العلماء أن الحج لا يفسد بإتيان شيء حال الإحرام إلا الجماع وسبق دواعيه1 ورفض النسك وجنون وإغماء وقتل الصيد, والمراد غير الردة وسبق في الأذان2.
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 أي دواعي الجماع كما في الصفحة "461" وما بعدها.
2 "2/17".

(5/545)


فصل: كل هدي أو إطعام متعلق بالإحرام أو الحرم
فهو لمساكين الحرم إن قدر يوصله إليهم. ويجب نحره بالحرم "و" ويجزئه جميعه "و هـ ش" قال أحمد: مكة ومنى واحد, ابن عباس يقول: نزهت مكة عن الدماء3. وقال مالك: لا ينحر في الحج إلا بمنى, ولا في العمرة إلا بمكة, وهو متوجه.
واحتج الأصحاب عن جابر مرفوعا "كل فجاج مكة طريق ومنحر" , رواه أحمد وأبو داود4 من رواية أسامة بن زيد الليثي, وهو
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
3 لم نقف عليه.
4 أحمد "14498" وأبو داود "1937".

(5/545)


المجلد السادس
تابع لكتاب الحج
باب صيد الحرمين ونباتهما وما يتعلق بذلك
مدخل
...
باب صيد الحرمين ونباتهما وما يتعلق بذلك
أجمعوا على تحريم صيده1 على المحرم والمحل, قال بعض أصحابنا وغيرهم: وعلى دال لا يتعلق به ضمان, ومكة وما حولها كانت حراما قبل إبراهيم عليه السلام, في ظاهر كلام أحمد, قال في رواية الأثرم عن مكة كانت حراما ولم تزل ذكره القاضي في الأحكام السلطانية وعليه أكثر العلماء, لقول ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها, ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا من عرفها" فقال العباس: يا رسول الله, إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم فقال: "إلا الإذخر" وفي خبر أبي هريرة وأبي شريح الخزاعي نحوه, وفي خبر أبي هريرة "وإنها ساعتي هذه حرام" وفيه: "لا يختلى شوكها" وفيه: "ولا يعضد شجرها, ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد" متفق عليهن2. القين: الحداد وللأثرم في
ـــــــ
..........................
ـــــــ
1 يعني حرم مكة
2 البخاري "1349", "1832", "1833", "104", "112", مسلم "1353" "445" "1354" "446", 1355" "448".

(6/5)


خبر أبي هريرة: "ولا يحتش حشيشها" 1 وعلى هذا يكون ما أخبر به في الصحيحين2 من غير وجه أن إبراهيم حرم مكة أي أظهر تحريمها وبينه وقال بعض العلماء: إنما حرمت بسؤال إبراهيم, والأول أظهر.
وفي صيد الحرم الجزاء, نص عليه "و" كصيد الإحرام, لما سبق عن الصحابة ولا مخالف منهم ; ولأنه منع منه لحق الله, كصيد الإحرام, والحرمتان تساوتا في المنع منه, وعن داود: لا يضمنه, لبراءة الذمة, وعند أبي حنيفة: لا يضمنه صغير وكافر, ولا مدخل للصوم فيه. وله في إجزاء الهدي فيه روايتان, ولنا أنه يضمن بالهدي والإطعام, فدخله الصوم, كصيد الإحرام ; ولأن الحرمة عامة, فضمنه الصغير والكافر كغيرهما, قال القاضي وغيره: ولأن ضمانه كالمال, وهما يضمنانه. وقال بعض أصحابنا وغيرهم: هو آكد من المال ; لأن حرمة الحرم مؤبدة فلزم الجزاء, بخلاف الإحرام ; ولأنهما ليسا من أهل العبادة.
وحكم صيده حكم صيد الإحرام مطلقا, ونص عليه, حتى في تملكه, نقله الأثرم وغيره, وذكره القاضي وغيره ولا يلزم المحرم جزاءان, نص عليه وقيل: يلزمه
ـــــــ
1 لم نجد هذا اللفظ وانظر: الإرواء 4/215
2 البخاري "2129", ومسلم "1360" "454", من حديث عبد الله بن زيد.

(6/6)


وإن دل محل حلالا على صيد في الحرم فقتله ضمناه بجزاء واحد, نقله الأثرم, وعند أبي حنيفة: الجزاء على المدلول وحده, إلا أن يكون ممن لا يلزمه الجزاء, كصبي وكافر, فعلى الدال الجزاء, لنا أنه يضمن بالجزاء, فضمن بالدلالة, كصيد المحرم, ولا يلزم صيد المدينة, فإنه لا يمتنع أن يقول فيه كصيد الحرم, قاله القاضي في الخلاف, وابن عقيل في مفرداته, وكذا قال أبو الحسين طرده صيد المدينة ; ولأنها حرمة توجب رفع يده عن الصيد كحرمة الإحرام, فلا يلزم صيد المدينة, وجزم جماعة: لا جزاء على دال في حل بل على المدلول وحده, كحلال دل محرما, وسبقت المسألة, والأول نص أحمد وعند الحنفية: إن اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فجزاء واحد, بناء منهم على أن الضمان بدل عن المحل لا جزاء على الجناية, والمحل متحد, كقتلهما رجلا خطأ, الدية واحدة, وعلى كل واحد كفارة ولنا ما سبق, وما قالوه ممنوع.
وإن قتل المحل من الحل صيدا في الحرم بسهم أو كلب أو قتله على غصن في الحرم أصله في الحل ضمنه "و" لأن الشارع لم يفرق بين من هو في الحل أو في الحرم ; ولأنه معصوم بالحرم1 كالملتجئ, وعنه: لا يضمنه ; لأن القاتل حلال في الحل وكذا لو أمسك طائرا في الحل فتلف فرخه في الحرم ضمنه, على الأصح, ولا يضمن الأم, وعكس هذه المسائل أن يقتل من الحرم صيدا في الحل بسهمه أو كلبه, أو صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم, أو يمسك طائرا في الحرم فيتلف فرخه
ـــــــ
...................................
ـــــــ
1 هنا نهاية السقط في النسخة "س".

(6/7)


في الحل, لا يضمن "و" لأن الأصل الإباحة, وليس من صيد الحرم ولا المحرم وعنه: يضمن, اختاره أبو بكر والقاضي وغيرهما, اعتبارا بالقاتل, ويتوجه احتمال في الطائر على الغصن ; لأنه تابع لأصله, ويتوجه ضمان الفرخ ; لأنه سبب تلفه, وقدمه في المستوعب.
وإن فرخ في مكان يحتاج إلى نقله عنه فالوجهان ولو كان بعض قوائم الصيد في الحل وبعضهما في الحرم حرم تغليبا, وفي المستوعب رواية: لا ; لأن الأصل الإباحة, ولم يثبت أنه من صيد الحرم, ولو كان رأسه فقط فيه فخرجه القاضي على الروايتين
وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتله في الحرم لم يضمنه, نص عليه "و ش" لأنه لم يرسله على صيد في الحرم, بل دخل باختياره, كاسترساله بنفسه. وقال أبو بكر: يضمنه. وقال أبو حنيفة وصاحباه, كسهمه "و" وخالف فيه أبو ثور وهي مسألة الخطأ كالعمد, وعنه: في كلبه يضمنه بقرب الحرم بتفريطه وإلا فلا, اختاره ابن أبي موسى1
ـــــــ
................................
ـــــــ
1 في الإرشاد ص170.

(6/8)


وابن عقيل "و م" فعلى هذا لا يضمن صيدا غيره "و" وعنه: بلى, لتفريطه, وإن قتل السهم صيدا غير الذي قصده فكالكلب, وقيل: يضمنه الرامي.
ويحرم الصيد في هذه المواضع, ضمنه أو لا ; لأنه قتل في الحرم ولأنه سبب تلفه. أو استرسل الكلب بنفسه, وإن دخل سهمه أو كلبه الحرم ثم خرج فقتله لم يضمنه "و" قال القاضي: كعدوه بنفسه فيدخل الحرم ثم يقتله في الحل ولو جرح من الحل صيدا فيه فمات في حرم حل ولم يضمن, كما لو جرحه ثم أحرم فمات, وذكر الشيخ: يكره, لموته في الحرم, كذا قال

(6/9)


فصل: يحرم قلع شجر الحرم ونباته
...
فصل: يحرم قلع شجر الحرم "ع" ونباته1
حتى الشوك2 والورق3 إلا اليابس ; لأنه كميت, وفيه احتمال لظاهر الخبر4. وما انكسر ولم يبن
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في الأصل: "السواك".
3 بعدها في الأصل: خلافا للشافعي.
4 يعني حديث ابن عباس المتقدم ص5.

(6/9)


كظفر منكسر.
ولا بأس بالانتفاع بما زال بغير فعل آدمي نص عليه. وقال الشيخ: لا نعلم فيه خلافا, لأن الخبر في القطع1, قال بعضهم: لا يحرم عود وورق زالا من شجرة أو زالت هي, ولا نزاع فيه, ولا يحرم الإذخر والكمأة والثمرة وما أنبته آدمي من بقل ورياحين وزرع "ع" نص أحمد على الجميع.
ولا يحرم ما أنبته آدمي من شجر, نقل المروذي وابن إبراهيم وأبو طالب وقد سئل عن الريحان والبقول في الحرم فقال ما زرعته أنت فلا بأس, وما نبت فلا, قال القاضي وغيره: وظاهره له أخذ جميع ما يزرعه, وجزم القاضي وأصحابه بهذا في كتب الخلاف ; لأنه أنبته آدمي, كزرع وعوسج2 ; ولأنه مملوك الأصل كالأنعام, وجزم ابن البنا في خصاله بالجزاء فيه "و ش" للنهي عن قطع شجرها, وكما نبت بنفسه, وأجيب: النهي عن شجر الحرم وهو ما أضيف إليه لا يملكه أحد, وهذا مضاف إلى مالكه فلا يعمه الخبر وهو غير مملوك أنبته آدمي فهو3 كالزرع, وعن القاضي: إن أنبته في الحرم أولا ففيه الجزاء, وإن أنبته في
ـــــــ
....................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص5.
2 شجر من شجر الشوك, له ثمر أحمر مدور. "اللسان": "عسج".
3 ليست في "ط".

(6/10)


الحل ثم غرسه في الحرم فلا واختار في المغني1 أن ما أنبته الآدمي من جنس شجرهم لا يحرم, كجوز ونخل, قياسا على ما أنبتوه من الزرع وحيوان أهلي, فإنا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله إنسيا دون ما تأنس من الوحشي, كذا هنا, كذا قال, وهو لم يفرق في الزرع, ولم يجعلوا الشجر كالصيد, فلم يقولوا فيمن دخل الحرم بشجرة كالصيد, وعند أبي حنيفة: يجوز قطع الشجر إلا ما نبت بنفسه وكان من جنس ما لا ينبته الآدمي, كالدوح ونحوه لنا ظاهر الخبر2 ; ولأنه شجر نام غير مؤذ, نبت أصله في الحرم, لم ينبته آدمي, كما نبت بنفسه مما لا ينبته الآدمي, وما فيه مضرة كشوك وعوسج يحرم قطعه عند الشيخ وغيره, للأخبار السابقة3, وعند أكثر الأصحاب منهم القاضي وأصحابه: لا يحرم, "م 1" "و ش" لأنه مؤذ بطبعه كالسباع
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "وما فيه مضرة كشوك وعوسج يحرم قطعه عند الشيخ وغيره, للأخبار السابقة, وعند أكثر الأصحاب منهم القاضي وأصحابه: لا يحرم", انتهى.
"أحدهما" يحرم قطعه, وهو الصحيح, اختاره الشيخ والشارح, وقدمه ابن رزين وصاحب الفائق قال في المحرر: وشجر الحرم ونباته يحرم إلا اليابس والإذخر وما زرعه الإنسان أو غرسه, فظاهره عدم الجواز "قلت": ثبت في الصحيح "ولا يعضد شوكه" أي لا يقطع.
"والقول الثاني" لا يحرم, وعليه الأكثر, قال الزركشي: عليه جمهور الأصحاب "قلت": وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والرعاية الصغرى والحاويين والنظم
ـــــــ
1 5/185-186.
2 تقدم تخريجه ص5.
3 أخرجه البخاري "1349", ومسلم "1353" "445" من حديث ابن عباس.

(6/11)


وفي جواز رعي حشيشه وجهان. وذكر أبو الحسين وجماعة روايتين, وجزم أبو الخطاب وابن البنا وغيرهما في كتب الخلاف بالمنع, ونصره القاضي وابنه وغيرهما "م 2" وأخذه القاضي من قول أحمد للفضل بن زياد وسأله عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يختلى خلاها" 1 فقال: "لا يحتش من حشيش الحرم ولا يعضد شجره : فقيل له: يأخذ المقرعة2 من الشجرة؟ فقال: ما كان يابسا ; فلهذا قال ابن البنا: أومئ إليه "و هـ م" لأن ما حرم إتلافه بنفسه حرم أن يرسل عليه ما يتلفه, كالصيد, وعكسه الإذخر,
ـــــــ
وغيرهم, وقدمه في الرعاية الكبرى وغيره, واختاره القاضي وأصحابه وغيرهم, كما قال المصنف
"مسألة 2" قوله: وفي جواز رعي حشيشه وجهان, وذكره أبو الحسين وجماعة روايتين, وجزم أبو الخطاب وابن البنا وغيرهما في كتب الخلاف بالمنع, ونصره القاضي وابنه وغيرهما, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني3 والكافي4 والمقنع5 والهادي والتلخيص والمحرر والشرح5 وشرح ابن منجى والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
"أحدهما": عدم الجواز, جزم به أبو الخطاب وابن البنا وغيرهما في كتب الخلاف, ونصره القاضي في الخلاف وابنه وغيرهما, كما قاله المصنف, وجزم به في التنبيه ورءوس المسائل والآدمي في منتخبه وغيرهم, وصححه في
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص5.
2 خشبة يضرب بها وكل ما قرعت به, وجريدة معكوفة الرأس. "المعجم الوسيط": "قرع".
3 5/187-188.
4 2/397.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/62.

(6/12)


والثانية يجوز "و ش" وأبو يوسف ; لأن الهدايا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل شد أفواهها, وللحاجة إليه كالإذخر, اختاره أبو حفص العكبري, واحتج برواية ابن هانئ: لا بأس أن يحتش المحرم, ولم يفرق بين الحرم والحل. وفي تعليق القاضي الخلاف إن أدخل بهائمه لرعيه وإن أدخلها لحاجة لم يضمنه, كما لو أدخل كلبه فأخذ صيدا لم يضمنه, ولو أرسله عليه وأغراه ضمنه, كذا الحشيش, قال: ولأنه يضمنه بقطعه, كذا برعيه, وذكر في المستوعب: إن احتشه لها فكرعيه.
ويضمن شجر الحرم وحشيشه, نقله الجماعة "و هـ ش" خلافا لمالك وأبي ثور وداود وابن المنذر, لأنه ممنوع منه لحرمة الحرم, كالصيد ; ولأن عمر أمر بقطع شجر كان في المسجد يضر بأهل الطواف وفدى1 قال الراوي وذكر البقر رواه حنبل في المناسك:
ويضمن الشجرة الكبيرة ببدنة, في رواية, وعنه: ببقرة, كالمتوسطة, والغصن بما نقص كأعضاء الحيوان, والنبات والورق بقيمته, نص على ذلك "و ش" وقيل: في الغصن قيمته, وقيل: نقص قيمة الشجرة. وجزم القاضي وأصحابه في كتب الخلاف في الكبيرة بقرة والصغيرة شاة, ونقله الجماعة, واحتجوا بأنه مذهب ابن عباس وابن الزبير2, وكالصيد
ـــــــ
تصحيح المحرر, وقدمه في المستوعب وشرح ابن رزين وغيرهما.
"والوجه الثاني" الجواز, اختاره أبو حفص العكبري وابن عبدوس في تذكرته, وجزم به في الإفادات والوجيز وغيرهما, وصححه في التصحيح "قلت": وهو الصواب
ـــــــ
1 لم نقف عليه.
2 ذكر البيهقي في "السنن الكبرى" 5/196, أنه يروي عن ابن الزبير وعطاء.

(6/13)


يضمن بمقدر, واحتج الشيخ بأنه قول ابن عباس وعطاء, وعن أحمد: يضمن الجميع بقيمته "م 3" "*" "و هـ".
وعنه أيضا: في الغصن الكبير شاة, ومن لم يجد قومه ثم صام, نقله ابن القاسم, قال في الفصول: من لم يجد قوم الجزاء طعاما كالصيد, وعند أبي حنيفة لا مدخل للصوم فيه, كالصيد عنده, ويسقط الضمان باستخلافه, في أشهر الوجهين, كنبات شعر آدمي قطعه,
ـــــــ
"مسألة 3" قوله: "ويضمن الشجرة الكبيرة ببدنة, في رواية, وعنه: ببقرة وجزم القاضي وأصحابه في كتب الخلاف في الكبيرة بقرة, والصغيرة شاة, ونقله الجماعة..." وعنه: "يضمن الجميع بقيمته", انتهى. "إحداهما": تضمن ببقرة, وهو الصحيح, نقله الجماعة, وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي1 والمقنع2 والهادي والتلخيص والنظم وشرح ابن رزين والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وإدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم, وقدمه في المستوعب والمغني3 والشرح والرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم, وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف أيضا.
"والرواية الثانية" تضمن ببدنة, جزم به في المحرر والإفادات وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم, وقدمه في الرعاية الكبرى والفائق.
"*" تنبيه ظاهر قوله: "وعنه يضمن الجميع بقيمته" أن هذه الرواية داخلة في الخلاف الذي أطلقه, وهي لا تقاوم الروايتين اللتين قبلها4, ففي إدخالها5 في الخلاف
ـــــــ
1 2/395.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/55.
3 5/ 188.
4 في "ح": "قبلهما".
5 في "ح": "إدخالهما".

(6/14)


والثاني لا ; لأنه غير الأول, كحلق المحرم شعرا فعاد,ولا يجوز الانتفاع بالمقطوع نص عليه, كالصيد, وقيل: ينتفع به غير قاطعه ; لأنه لا فعل له فيه, كقلع الريح له, وذكاة الصيد يعتبر لها الأهلية, بخلاف هذا, وعند أبي حنيفة: يملكه بصدقته بقيمته, كحقوق العباد, وله بيعه, ويكره لأنه ملكه بسبب محرم ووافقوا على الصيد.
ومن غرس من شجر الحرم في الحل رده لإزالته حرمته, فإن تعذر أو يبس ضمنه ; لأنه أتلفه, ولو قلعه غيره من الحل فقد أتلفه, فيضمنه وحده, لبقاء حرمته, بخلاف من نفر صيدا فخرج من الحرم ضمنه المنفر لا1 قاتله, لتفويته حرمته بإخراجه, ويحتمل فيمن قلعه كدال مع قاتل, ويؤخذ من كلامهم أنه لو رد إلى الحرم لم يضمنه, وأنه2 يلزمه رده, وإلا ضمنه, فإن فداه ثم ولد لم يضمن ولده, وإن ولد قبله فيتوجه احتمال: لا يضمنه, ويحتمل: أن يضمنه "و هـ" لبقاء أمن الصيد, ولهذا يلزم رده فيسري إلى الولد "م 4"
ـــــــ
المطلق نظر, لأن الترجيح لم يختلف فيها مع غيرها, والله أعلم.
"مسألة 4" قوله: فإن فداه ثم ولد لم يضمن ولده, وإن ولد قبله فيتوجه احتمال: لا يضمنه, ويحتمل: أن يضمنه, لبقاء أمن الصيد, ولهذا يلزم رده فيسري إلى الولد, انتهى.
"أحدهما" يضمنه "قلت": وهو الصواب.
"والاحتمال الثاني" لا يضمنه.
ـــــــ
1 في "س": "لأنه".
2 بعدها في "س": "لم".

(6/15)


ومن قطع غصنا أصله أو بعضه في الحرم ضمنه "و ش" لأنه لأصله, وفي عكسه وجهان. لأنه تابع لأصله, أو لأنه في الحرم "م 5".

(6/16)


فصل: قال ألإ مام أحمد رحمه الله لايخرج من تراب الحرم ولايدخل من الحل
...
فصل: قال الإمام أحمد رحمه الله لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل من الحل
كذلك قال ابن عمر وابن عباس, ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل1 والخروج أشد, واقتصر بعض أصحابنا على كراهة إخراجه, وجزم في مكان آخر بكراهتهما. وقال بعضهم: يكره إخراجه إلى الحل, وفي إدخاله إلى الحرم روايتان. وفي الفصول: لا يجوز في تراب الحل, نص عليه, قال أحمد: والخروج أشد, لكراهة ابن عمر وابن عباس, وفيها2 أيضا في تراب المسجد يكره, كتراب الحرم.
ـــــــ
"مسألة 5" قوله: ومن قطع غصنا أصله أو بعضه في الحرم ضمنه, لأنه تابع لأصله. وفي عكسه وجهان, لأنه تابع لأصله ; أو لأنه في الحرم, انتهى وأطلقهما في المذهب والمقنع3 والهادي والمحرر والشرح3 وشرح ابن منجى والرعايتين والحاويين وغيرهم.
"أحدهما" لا يضمنه, وهو الصحيح, اختاره القاضي وصححه في التصحيح وتصحيح المحرر والنظم والفائق وغيرهم, وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم, وقدمه في الخلاصة وغيره.
"والوجه الثاني" يضمنه, اختاره ابن أبي موسى وغيره, وجزم به في الإفادات, وقدمه في الهداية والمستوعب
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 5/202.
2 في "س": "وفيهما".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/59.

(6/16)


قال: ونحن لأخذ تراب القبور للتبرك أو النبش أكره ; لأنه لا أصل له في السنة, ولا نعلم أحدا فعله, كذا قال, والأولى أن تراب المسجد أكره, وظاهر كلام جماعة: يحرم وهو أظهر, وذكر جماعة: يكره للتبرك وغيره, ولعل مرادهم: يحرم, وفي فنون ابن عقيل: أن أحمد كرهه في مسألة الحل والحرم ; لأنه قد كره الناس إخراج تراب المسجد تعظيما لشأنه, فكذا هنا, كذا قال: وأحمد لم يعتمد على ما قال بل على ما سبق, ولعله بدعة عنده.
وأما تراب المسجد فانتفاع بالموقف في غير جهته, ولهذا قال أحمد: فإن أراد أن يستشفي بطيب الكعبة لم يأخذ منه شيئا ويلزق عليها طيبا من عنده ثم يأخذه, وذكره عنه جماعة في طيب1 الحرم, منهم المستوعب. وفي الرعاية: فإن ألصقه عليه أو على يده أو غيرها للتبرك جاز إخراجه والانتفاع به, كذا قال, وسبق حكم التيمم بتراب المسجد2 ومنع الشافعية له, ثم لو جاز لم يلزم مثله هنا ; لأنه يسير جدا لا أثر له, وقد سبق.
ولا يكره وضع حصى في المسجد, كما في مسجده في زمنه عليه الصلاة والسلام وبعده, قال في الفنون في الاستشفاء بالطيب, وهذا يدل على الاستشفاء بما يوضع على جدار الكعبة من شمع ونحوه, قياسا على ماء زمزم, ولتبرك الصحابة بفضلاته عليه السلام, كذا قال. وبعض أصحابنا يرى في مسألة الاستشفاء بالطيب ونحوه نظرا, وأنه ليس كماء زمزم ولا كفضلاته
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "طين".
2 1/296.

(6/17)


عليه الصلاة والسلام
ولا يكره إخراج ماء زمزم قال أحمد: أخرجه كعب1, لم يزد على ذلك, قال الشيخ: ولأنه يستخلف كالثمرة, وعن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله رواه الترمذي2 وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وهو من رواية خلاد بن يزيد الجعفي ذكره البخاري في تاريخه3. فذكر حديثه هذا عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم في القوارير وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوى والقرب فكان يصب على المرضى ويسقيهم ثم قال لا يتابع عليه, وقال ابن حبان في الثقات: ربما أخطأ.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 قال أحمد في مسائل أبي داود ص 137:....وماء زمزم فلا بأس.
2 في سننه "963".
3 التأريخ الكبير 3/189.

(6/18)


فصل:حد الحرم
من طريق المدينة ثلاثة أميال عند بيوت السقيا, ومن اليمن سبعة أميال عند أضاءة لبن4 ومن العراق سبعة أميال على ثنية زحل وهو جبل بالمنقطع. ومن الجعرانة تسعة أميال في شعب ينسب إلى عبد الله بن خالد بن أسيد, ومن جدة عشرة أميال عند منقطع الأعشاش. ومن الطائف سبعة أميال عند طرف عرفة, ومن بطن عرنة
ـــــــ
..............................
ـــــــ
4 في الأصل و"س": "إضاحه لبن", وفي "ط": "إضاءة لين". ينظر: "معجم البلدان" 1/214, "شرح منتهى الإرادات" 1/567.

(6/18)


أحد عشر ميلا. قال ابن الجوزي: وقيل عند إضاءة لبن, وهذا هو المعروف, والأول ذكره في الهداية

(6/19)


فصل: تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية بلده بالمدينة
قال قوم: سميت مدينة ; لأنها مأخوذة من الدين, والدين الطاعة, ويقام بها طاعة وإليها. وقال آخرون: لأنها دين أهلها أي ملكوا. يقال: دان فلان بني فلان أي ملكهم, وفلان في دين فلان: في طاعته, وفي الصحيحين1 من حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه طابة" . وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سمى المدينة طابة" وعن زيد بن ثابت مرفوعا "إنها طيبة - يعني المدينة - وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة" رواهما مسلم2. سميت بذلك ; لأنها طهرت من الشرك. وروى أحمد3 خبر جابر وزاد في أوله قال: كان الناس يقولون يثرب والمدينة. وذكره. وعن أبي هريرة مرفوعا "أمرت بقرية تأكل القرى, يقولون: يثرب, وهي المدينة, تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد" متفق عليه4, فالأولى أن لا تسمى بيثرب. وهل يكره؟ يحتمل وجهين, ويتوجه احتمال بالمنع "م 6"
ـــــــ
"مسألة 6" قوله بعد المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسمية المدينة: فالأولى أن لا تسمى يثرب, وهل يكره؟ يحتمل وجهين, ويتوجه احتمال بالمنع. لحديث ذكره رواه الإمام أحمد
ـــــــ
1 البخاري "1481", مسلم "1392" "503".
2 في صحيحه: الأول برقم: "1385" "491", والثاني "1384" "490".
3 في مسنده "20899".
4 البخاري "1871", مسلم "1382" "488".

(6/19)


لما رواه أحمد1 عن البراء مرفوعا "من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله, هي طابة, هي طابة" فيه يزيد بن أبي زياد, ضعفه الأكثر سبق أول المواقيت2.
قال ابن الجوزي: قال الأزهري: كره ذكر الثرب ; لأنه فساد في كلام العرب. وقال أبو عبيدة: يثرب اسم أرض, ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية منها, قال الفراء: نصل يثربي وأثربي, منسوب إلى يثرب, وإنما فتحوا الراء استيحاشا لتوالي الكسرات
ويحرم صيد المدينة, نقله الجماعة, وشجرها وحشيشها, لخبر علي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا" وفي لفظ آخر "حرم من عير إلى كذا" رواهما البخاري3. ولمسلم4. "حرم ما بين عير إلى ثور" وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرم من كذا إلى كذا, لا يقطع شجرها" رواه البخاري ومسلم5, ولفظه "لا يختلى خلاها, فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ولهما6 عنه مرفوعا
ـــــــ
.قال الحافظ شهاب الدين بن حجر في شرح البخاري: فهم بعض العلماء من هذا الحديث كراهية تسمية المدينة يثرب, وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين, انتهى. "قلت": الصواب الكراهة. للحديث الذي ذكره المصنف.
ـــــــ
1 في مسنده "18519".
2 5/300.
3 في صحيحه "1870", "7300". وعير- أو عائر- جبل بناحية المدينة, وقيل: هو جبل بمكة. "معجم البلدان" 4/172.
4 في صحيحه "1370" "467". وثور جبل بمكة وقيل: هو جبل بالمدينة. ينظر "معجم البلدان" 2/86, و"فتح الباري" 4/81, "مسلم بشرح النووي" 9/143.
5 البخاري "1867", مسلم "1366" "463".
6 البخاري "1885" مسلم "1369" "466".

(6/20)


"اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة" وعن أبي هريرة أنه كان يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتيها حرام" رواه البخاري ومسلم1 وزاد "وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى" وعن عبد الله بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها, وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة" متفق عليه2, وعن سعد مرفوعا "إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها" رواه مسلم3 ورواه4 عن جابر مرفوعا, وعن رافع بن خديج مرفوعا: "تحريم ما بين لابتيها" , وعن أبي سعيد مرفوعا: "تحريم ما بين مأزميها, ألا يهراق فيها دم, ولا يحمل فيها سلاح لقتال, ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف" . وعنه أيضا مرفوعا "إني حرمت ما بين لابتي المدينة كما حرم إبراهيم مكة وكان أبو سعيد يجد أحدنا في يده الطير فيفكه من يده ثم يرسله" , وله5 أيضا عن سهل بن حنيف مرفوعا: "إنها حرم آمن" . وعن علي مرفوعا "لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمن
ـــــــ
.............................
ـــــــ
1 البخاري "1873", مسلم "1372" "472".
2 تقدم تخريجه ص 6
3 في صحيحه "1363" "459",
4 أي: مسلم في صحيحه "1362" "458" "1361" "456" "1374" "475" "478".
5 أي: مسلم في صحيحه "1375" "479".

(6/21)


أشاد بها, ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال, ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره" إسناده جيد, رواه أحمد وأبو داود1. وعن عدي بن زيد قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بريدا في بريد لا يخبط شجره ولا يعضد, إلا ما يساق به الجمل. فيه سليمان بن كنانة, روى عنه غير واحد. ولم أجد فيه كلاما, رواه أبو داود2 وفي تحريمها أخبار سوى ذلك ثم3 قالوا: لم4 يبينه بيانا عاما, رد لا يعتبر. ثم بين ونقل عاما أو نقل خاصا, كحجته عليه السلام, ورجمه لماعز5, وصفة أذان وإقامة. قالوا {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] قلنا: مما حرمه الإحرام. ثم محمول على غير المدينة, كغير مكة, قال القاضي: تحريم صيد المدينة يدل على أنه لا تصح ذكاته, وإن قلنا: يصح, فلعدم تأثير هذه الحرمة في زوال ملك الصيد, نص عليه, ثم
ـــــــ
...................
ـــــــ
1 أحمد "3253",أبو داود "2035".
2 في سننه "2036". واللفظ عنده: "بريدا بريدا" بدل "بريدا في بريد".
3 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من "ط".
4 ليست في الأصل.
5 أخرجه البخاري "6824" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لعلك قبلت, أو غمزت أو نظرت...." فعند ذلك أمر برجمه.

(6/22)


ذكر في الصحة احتمالين "م 7".
ويجوز الأخذ من شجرها وحشيشها لحاجة المساند والحرث والرحل والعلف ونحو ذلك, لما سبق ; ولأن ذلك بقربها, فالمنع منه ضرر, بخلاف مكة.
ومن أدخلها صيدا فله إمساكه وذبحه, نص عليه لقول أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا, وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال: أحسبه قال كان فطيما وكان إذا جاء قال "يا أبا عمير, ما فعل النغير" نغير كان يلعب به متفق عليه1. وفي المستوعب وغيره: حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق إلا في هذه المسألة والتي قبلها ولا جزاء فيما حرم من ذلك, قال في رواية بكر بن محمد: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من أصحابه حكموا فيه بجزاء, واختاره غير واحد "و هـ م ش" وأكثر العلماء ; لأنه يجوز
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: قال القاضي: تحريم صيد المدينة يدل على أنه لا تصح ذكاته, وإن قلنا تصح فلعدم تأثير هذه الحرمة في زوال ملك الصيد, نص عليه, ثم ذكر في الصحة احتمالين, انتهى. "قلت": الصواب صحة التذكية, وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب, وظاهر كلام جماعة المنع. قال في المستوعب والتلخيص وغيرهما: حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق إلا في مسألة من أدخل صيدا أو أخذ ما تدعو الحاجة إليه من الشجر والحشيش.
ـــــــ
1 البخاري "6203" مسلم "2150" "30".

(6/23)


دخوله بلا إحرام, أو لا يصلح لأداء النسك أو لذبح الهدايا كسائر المواضع,
ولا يلزم من الحرمة الضمان, ولا من عدمها عدمه, ونقل الأثرم والميموني وحنبل: فيه الجزاء, سلبه لمن وجده, وهو المنصور عند أصحابنا في كتب الخلاف لما سبق من تحريمها كمكة وعن عامر بن سعد أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه, فسلبه, فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم, فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأبى أن يرد عليهم رواه مسلم1, وعن سليمان بن أبي عبد الله قال: رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة فسلبه ثيابه, فجاء مواليه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم وقال من رأيتموه يصيد فيه شيئا فله سلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها, ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمنه. رواه أحمد وأبو داود2 وقال "من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه" قال البخاري: سليمان أدرك المهاجرين, سمعه يعلى بن حكيم, ووثقه ابن حبان, وتفرد عنه يعلى. وقال أبو حاتم: ليس بمشهور فيعتبر بحديثه ; ولأنه يحرم لحرمة ذلك كحرم مكة والإحرام, وسلبه: ثيابه, قال جماعة: والسراويل, قال في الفصول وغيره: وزينة, كمنطقة وسوار
ـــــــ
....................................
ـــــــ
1 في صحيحه "1364" "461".
2 أحمد "1460", أبو داود "2037".

(6/24)


وخاتم وجبة قال: وينبغي أن منه آلة الاصطياد ; لأنها آلة الفعل المحظور, كما قلنا في سلب المقتول, قال غيره: وليست الدابة منه, وأخذها قاتل الكافر لئلا يستعين بها على الحرب, فإن لم يسلبه أحد تاب فقط, وللشافعي قول قديم: فيه الجزاء, وهل هو ما قلنا أو يتصدق به لمساكين المدينة؟ فيه قولان
وفي صيد السمك في الحرمين روايتان, وقد سبقتا "م 8".
وحرمها ما بين لابتيها بريد في بريد, نص عليه, لما سبق1 واللابة: الحرة, وهي أرض بها حجارة سود.
ـــــــ
مسألة 8" قوله: وفي صيد السمك في الحرمين روايتان. وقد سبقتا, انتهى.
"قلت": إنما سبق ذكر حرم مكة. فإنه قال في الباب الذي قبله لما تكلم على الصيد للمحرم وذكر الجواز في صيد البحر. قال: وفي حله في الحرم روايتان وتقدم الكلام على ذلك3 وأما صيد السمك في حرم المدينة إذا كان مثلا في بركة أو بئر ونحوه فلم يذكره المصنف, أو نقول: دخل حرم المدينة في قوله الحرم. وهو ظاهر عبارته, ويؤيده قوله هنا: "وقد سبقتا" وعلى كل تقدير الحكم واحد, والله أعلم,
فهذه ثمان مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 ص 22.
3 5/518.

(6/25)


فصل: ومكة أفضل من المدينة
نصره القاضي وأصحابه وغيرهم, وأخذه من رواية أبي طالب وقد سئل عن الجوار بمكة فقال: كيف لنا به وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنك لأحب البقاع إلى الله, وإنك لأحب البقاع إلي" 2
ـــــــ
2 أورده بهذا اللفظ شيخ الإسلام ابن تيمية في "أحاديث القصاص". 83 من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء.

(6/25)


"و هـ ش" وعنه: المدينة, اختاره ابن حامد وغيره. قال في رواية أبي داود وسئل عن المقام بمكة أحب إليك أم بالمدينة فقال: بالمدينة لمن قوي عليه, لأنها مهاجر المسلمين. قال القاضي: وظاهره أنها أفضل ; لأنه قدم المقام فيها "و م".
لنا عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي ابن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: "والله إنك لخير أرض الله, وأحب أرض الله إلى الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه, والترمذي1 وقال: حسن صحيح, وهو كما قال, وأرسله ابن عيينة عن الزهري, ورواه الأكثر كما سبق ورواه يعقوب بن عطاء ومعمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة, واختلف عن يونس ورواه ابن أخي الزهري عن عمه عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عدي, ورواه حماد بن سلمة وأبو ضمرة عن محمد بن عمرو وعن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواه إسماعيل بن جعفر عن أبي سلمة مرسلا, والصحيح الأول, ذكر ذلك الدارقطني. وقال الترمذي: ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة, وحديث الزهري أصح, وروى أحمد والنسائي خبر أبي هريرة2,
وأما قوله "وهي أحب أرض الله إلي" فرواه الحافظ ضياء الدين من حديث عنبسة: حدثني يونس وابن سمعان عن الزهري عن عروة عن
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 أحمد "18715", النسائي في "الكبرى" "4252", ابن ماجه "3108" الترمذي "3925".
2 الترمذي "3925", أحمد "18717", النسائي في الكبرى "4254".

(6/26)


عائشة ورواه أبو بكر من أصحابنا من حديث ابن الحمراء السابق, ولا أحسبهما يصحان, وللترمذي1 من حديث ابن عباس "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي, ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" وقال: حسن صحيح غريب.
واحتج القاضي وابن البنا وابن عقيل وغيرهم بمضاعفة الصلاة فيه أكثر, قال القاضي: وهو نص ; لأنه أخبر أن العمل فيها أفضل ولما سبق, قالوا عن رافع مرفوعا "المدينة خير من مكة" 2 رد: لا يعرف, وحمله القاضي على وقت كون مكة دار حرب, أو على الوقت الذي كان فيها والشرع يؤخذ منه, وكذا لا يعرف "اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك" 3 وقال القاضي: معناه بعد مكة, ولمالك4 عن يحيى بن سعيد مرفوعا: "ما على الأرض بقعة أحب إلي أن يكون قبري بها منها, ثلاث مرات" وله وللبخاري5, أن عمر قال: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك, واجعل موتي في بلد رسولك" .
والجواب لأنهما هاجرا من مكة فأحبا الموت في أفضل البقاع بعدها, ولهذا عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة قال: "اللهم
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 في سننه "3926"
2 أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/299
3 ذكره في كشف الخفاء 1/213, بلفظ: "اللهم إنك أخرجتني".
4 في الموطأ 2/462.
5 في صحيحه "1890".

(6/27)


لا تجعل منايانا بها حتى تخرجنا منها" 1 واحتجوا بأخبار صحيحة2 تدل على فضلها لا فضيلتها على مكة وبأنه عليه السلام خلق3 منها4 وهو خير البشر, وتربته خير الترب, وأجاب القاضي بأن فضل الخلقة لا يدل على فضل التربة ; لأن أحد الخلفاء الأربعة أفضل من غيره, ولم يدل على أن تربته أفضل, وكذا قال غيره: النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق, ولا يلزم أن التربة أفضل, قال في الفنون: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة, فأما, وهو فيها فلا والله ولا العرش وحملته والجنة ; لأن بالحجرة جسدا لو وزن به لرجح. فدل كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى أن التربة على الخلاف, وقال شيخنا: لم أعلم أحدا فضل التربة على الكعبة غير القاضي عياض, ولم يسبقه أحد, ولا وافقه أحد. وفي الإرشاد وغيره الخلاف في المجاورة فقط.
وجزموا بأفضلية الصلاة وغيرها, واختاره شيخنا وغيره, وهو أظهر, وقال: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان, ومعنى ما جزم به في المغني5 وغيره أن مكة أفضل, وأن المجاورة بالمدينة أفضل, وذكر قول أحمد: المقام بالمدينة أحب إلي من المقام بمكة لمن قوي عليه ; لأنها مهاجر المسلمين.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 أخرجه أحمد في مسنده "4778".
2 تقدم بعض هذه الأخبار ص 26-27.
3 ليست في "س".
4 أورده الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/268, عن ابن سيرين رضي الله عنه يقول: لو حلفت حلفت صادقا بارا غير شاك ولا مستثن أن الله عز وجل ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أبابكر ولا عمر رضي الله عنهما إلا من طينة واحدة ثم ردهم إلى تلك الطينة
5 5/464.

(6/28)


وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شفيعا يوم القيامة" وهذا الخبر رواه مسلم1 من حديث ابن عمر, ومن حديث أبي هريرة, ومن حديث أبي سعيد, ومن حديث سعد وفيهن "أو شهيدا" وفي حديث سعد "ولا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه, ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء" 2 وعن ابن عمر مرفوعا "من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل, فإني أشفع لمن مات بها" رواه أحمد وابن ماجه, والترمذي3 وقال: حسن صحيح غريب, وعن أبي هريرة مرفوعا "المدينة حرم, فمن أحدث فيها أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف" رواه مسلم4. وتستحب المجاورة بمكة, وكرهها أبو حنيفة, وفي كلام أصحابه المنع. لنا ما سبق, قالوا: يفضي إلى الملل ولا يأمن المحظور فيتضاعف العذاب عليه ; ولأنه يضيق على أهله. وأبطل القاضي الملل بمسجده عليه السلام والنظر إلى قبره ووجهه في حياته ووجوه الصالحين فإنه يستحب
ـــــــ
............................
ـــــــ
1 في صحيحه "1377" "481" "1378" "484" "1374" "477" "1363" "459" على الترتيب الوارد أعلاه.
2 أخرجه مسلم "1363" "460".
3 أحمد "5437" ابن ماجه "3112" الترمذي "3917".
4 في صحيحه "1371" "469".

(6/29)


وإن أدى إلى الملل, ويقابل مضاعفة العذاب مضاعفة الثواب, على أنا نمنع من علم وقوع المحظور, ولا يفضي إلى الضيق, كذا قال, وفي بعضه نظر, ولمن هاجر منها المجاورة بها, وذكر الشيخ رواية أبي طالب: كيف لنا بالجوار بمكة؟ وابن عمر كان يقيم بها. ومن كان باليمن وجميع البلاد ليس1 هم بمنزلة من يخرج ويهاجر, أي لا بأس به, ونقل حنبل: إنما كره عمر الجوار بمكة لمن هاجر منها فيحتمل أنه حكاه ولم يقل به, ويحتمل القول به, فيكون فيه روايتان.
وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان أو زمان فاضل, ذكره القاضي وغيره وشيخنا وابن الجوزي, وذكر رواية ابن منصور: سئل أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ قال: لا, إلا بمكة, لتعظيم البلد, ولو أن رجلا بعدن وهم أن يقتل عند البيت أذاقه الله من العذاب الأليم. وذكر الآجري أن الحسنات تضاعف, ولم يذكر السيئات. وسبق في آخر صلاة الجماعة في مضاعفة الصلاة2.
ـــــــ
.........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 2/454.

(6/30)


فصل: لايحرم صيد وج وشجره
...
فصل: لا يحرم صيد وج وشجره
وهو واد بالطائف "ش" وله في ضمانه قولان, لما روى أحمد وأبو داود1 عن محمد بن عبد الله بن إنسان عن أبيه عن عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعا "أن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله" , وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا صححه الشافعي. لنا لا دليل, والأصل الإباحة مع ظاهر ما سبق, والخبر ضعفه أحمد, وقال أبو حاتم في محمد: ليس بالقوي وفي حديثه نظر. وقال البخاري: لا يتابع عليه, وتفرد عن أبيه عبد الله ; فلهذا قال ابن القطان وغيره: لا يعرف, وقال ابن حبان والأزدي: لم يصح حديثه, وقال القاضي: يحمل على الاستحباب, للخروج من الخلاف والله أعلم2.
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1 أحمد "1416" أبو داود "2032".
2 بعدها في الأصل: "ما وجد من المبيضة يتلوه إن شاء الله تعالى في المجلد الثاني باب صفة الحج. علقه لنفسه العبد الفقير المعترف بالذل والتقصير أبوبكر بن سعد البعلي عفا الله عنه بتاريخ ثامن عشر من شهر رمضان المعظم سنة تسع وثمانين وسبع مئة. أحسن الله تقضيها في خير وعافية. آمين. والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآلهط.

(6/31)


باب صفة الحج والعمرة
مدخل
...
باب صفة الحج والعمرة
يستحب دخول مكة من أعلاها من ثنية كداء, نهارا, وقيل: وليلا ونقل ابن هانئ: لا بأس به, وإنما كرهه من السراق. وخروجه من الثنية السفلى كدى, ودخول المسجد من باب بني شيبة. وفي أسباب الهداية: ليقل حين دخوله: بسم الله, وبالله, ومن الله, وإلى الله, اللهم افتح لي أبواب فضلك. فإذا رأى البيت رفع يديه نص عليه ودعا. ومنه: "اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وبرا. وزد من عظمه و شرفه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وبرا"1, "اللهم أنت السلام, ومنك السلام, حينا ربنا بالسلام"2. وقيل: يجهر به. واقتصر في الروضة على الدعاء الأول, وقيل: ويكبر, وقيل: ويهلل وكان النبي صلى الله عليه وسلم, إذا رأى ما يحب قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات" . وإذا رأى ما يكره قال: "الحمد لله على كل حال" 3
ثم يضطبع بردائه في طوافه, نص عليه. وفي الترغيب4 رواية: في رمله, وقاله الأثرم: يجعل وسطه تحت كتفه الأيمن وطرفيه فوق الأيسر. ويطوف المتمتع للعمرة, والمفرد والقارن للقدوم, وهو الورود.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 اخرجه الشافعي في "مسنده" 1/339 عن ابن جريج.
2 أخرجه الشافعي في مسنده 1/338 عن سعيد بن المسيب أنه كان ينظر إلى البيت يقول: اللهم أنت السلام... إلخ
3 أخرجه ابن ماجه "3803" من حديث عائشة رضي الله عنها.
4 في الأصل: "المستوعب".

(6/32)


وفي الفصول والمستوعب والترغيب وغيرها بعد تحية المسجد, والأول المذهب, نقل حنبل نرى لمن قدم مكة أن يطوف ; لأنه صلاة, والطواف أفضل من الصلاة, والصلاة بعد ذلك. وعن ابن عباس: الطواف لأهل العراق, والصلاة لأهل مكة1. وكذا عطاء. وذكره القرافي المالكي وغيره اتفاقا, بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم, لتقديم حق الله على حق الأنبياء, وهو ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم, وعند شيخنا2: لا يشتغل بدعاء2, فيحاذي الحجر الأسود2 أو بعضه وهو جهة المشرق2 ببدنه, واختار جماعة: يجزئه ببعضه, وفي المجرد احتمال: لا يجزئه إلا بكل بدنه3, قال في أسباب الهداية: وليمر بكل الحجر بكل بدنه4, فيستلمه بيده اليمنى ويقبله نقل الأثرم: ويسجد عليه, وأن ابن عمر وابن عباس فعلاه. وإن شق قبل يده. نقله الأثرم, ونقل ابن منصور: لا بأس. وظاهره لا يستحب, قاله القاضي. وفي الروضة: هل له أن يقبل يده؟ فيه اختلاف بين أصحابنا: وإلا استلمه بشيء وقبله. وفي الروضة: في تقبيله الخلاف في اليد, ويقبله وإلا أشار إليه بيده أو بشيء. ولا يقبله في الأصح
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" نشرة العمروي429.
2 ليست في الأصل.
3 في الأصل: "كل الحجر".
4 أخرجه الشافعي في مسنده 1/342, عن ابن عباس وأخرجه أبو يعلى في مسنده 219, عن ابن عمر.

(6/33)


ولا يزاحم فيؤذي أحدا, لما روى أحمد1 عن شيخ مجهول عن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف, إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر"
وفي استقباله بوجهه وجهان "م 1" وعند شيخنا هو السنة, وفي الخلاف: 2لا يجوز أن2 يبتدئه غير مستقبل له في الطواف محدثا, قال جماعة وإن بدأ بغير الحجر احتسب من الحجر ويقول: بسم الله, والله أكبر, وإيمانا بك, وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك, واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم3. ثم يجعل البيت عن يساره, فيقرب جانبه الأيسر إليه, قال شيخنا: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى, فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى, فأول ركن يمر به يسمى الشامي والعراقي4, وهو جهة الشام, ثم يليه الركن الغربي والشامي, وهو جهة
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وفي استقباله بوجهه وجهان, انتهى, وأطلقهما في التلخيص والرعايتين والحاويين.
"أحدهما" يستحب, وهو الصحيح, قال الشيخ تقي الدين: هو السنة, وهو ظاهر كلام الخرقي, وظاهر ما قطع به الشيخ في المغني5 والشرح6 فإنهما قالا: فإن لم يمكنه استلامه وتقبيله قام بحذائه واستقبله بوجهه وكبر وهلل, لكن هذه صورة مخصوصة, وجزم به الزركشي وغيره, وهو ظاهر ما جزم به ابن رزين في شرحه أيضا
ـــــــ
1 في مسنده "190".
2 ليست في "س".
3 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 5/79, عن علي أنه كان يقول إذا استلم الحجر: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. ينظر: "تلخيص الحبير" 2/247.
4 ليست في الأصل
5 5/212-213.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/85-86.

(6/34)


المغرب, ثم اليماني جهة اليمن.
ثم يرمل في ثلاثة أشواط, ولا يقضيه ولا بعضه في غيرها, فيسرع المشي ويقارب الخطا, وهو أولى من الدنو من البيت1 والتأخير له أو للدنو أولى. وفي الفصول: لا ينتظر للرمل, كما لا يترك الصف الأول لتعذر التجافي في الصلاة. وفيه في فصول اللباس من صلاة الخوف: العدو في المسجد على مثل هذا الوجه مكروه جدا, كذا قال, ويتوجه: ترك الأولى, ثم يمشي أربعا, يستلم الحجر في كل مرة, وكذا الركن اليماني, نص عليه. وقيل يقبل يده. وفي الخرقي والإرشاد2: يقبله, ولا يستلم الركنين الآخرين, نص عليه ; لأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم,
ـــــــ
"والوجه الثاني" لا يستحب.
ـــــــ
1 بعدهما في الأصل: "أو بعضه وهو جهة المشرق"
2 ص158.

(6/35)


وكلما حاذى الحجر ونص عليه في المحرر في رمله كبر. وذكر جماعة: وهلل. ونقل الأثرم: ورفع يديه, وذكره جماعة: وقال ما تقدم, وبين الركنين. وفي المحرر: آخر طوافه بينهما {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ويكثر في بقية رمله وطوافه1 من الذكر والدعاء, ومنه: رب اغفر وارحم, واهدني السبيل الأقوم. وذكر أحمد أنه يقوله في سعيه. وفي المستوعب وغيره: ويرفع يديه, وأنه يقف في كل طوافه عند الملتزم والميزاب وكل ركن ويدعو,
وله القراءة, نص عليه, فتستحب. وقاله الآجري, ونقل أبو داود: أيهما أحب إليك فيه؟ قال: كل, وعنه: تكره القراءة, قال في الترغيب لتغليطه مصلين. وقال شيخنا: ليس له إذا, وقال شيخنا: تستحب القراءة فيه لا الجهر بها. وقال القاضي وغيره: ولأنه صلاة, وفيها قراءة ودعاء, فيجب كونه مثلها. وقال شيخنا: وجنس القراءة أفضل من2 الطواف, قال أحمد: لا بأس بالتزاحم فيه, ولا يعجبني التخطي.
ولا يسن رمل واضطباع لامرأة أو محرم من مكة أو حامل معذور, نص عليه, ولا في غيره, وذكر الآجري: يرمل بالمحمول, وقيل: من تركهما فيه أو لم يسع3 عقب طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة أو غيره, ولم يذكر ابن الزاغوني في منسكه الرمل والاضطباع إلا في
ـــــــ
...................................
ـــــــ
1 من هنا وإلى بداية باب الهدي والأضحية استدرك من النسخة المكملة لنسخة الأصل وهو مرقم حسب ترقيم النسخة المكملة.
2 بعدها في "ط": "جنس".
3 في النسخ الخطية: "يسمع", والمثبت من "ط".

(6/36)


طواف الزيارة, ونفاهما في طواف الوداع,
ويجزئ الطواف راكبا لعذر, نقله الجماعة, وعنه: ولغيره, اختاره أبو بكر وابن حامد, وعنه: مع دم, وكذا المحمول مع نيته. وصحة أخذ الحامل منه الأجرة يدل على أنه قصده به ; لأنه لا يصح أخذها عما يفعله عن نفسه, وذكره القاضي وغيره. ويأتي في الحلق: لا يشارطه عليه ; لأنه نسك, وقيل: مع نيتهما يجزئ عنهما, وقيل عكسه, وكذا السعي راكبا, نص عليه, وذكره الخرقي والقاضي وغيرهما, وذكر الشيخ: يجزئ. وقال أحمد: إنما طاف عليه السلام راكبا ليراه الناس, قال جماعة: فيجيء من هذا أنه لا بأس به للإمام الأعظم ليرى الجهال.
وإن طاف على جدار الحجر أو جعل البيت عن يمينه أو ترك شيئا منه ولو الأقل ورجع إلى أهله نص على الكل أو لم ينوه أو وراء حائل وقيل: ولو في المسجد. جزم به في المستوعب لم يجزئه, وكذا
ـــــــ
...........................

(6/37)


طوافه على الشاذروان1 وعند شيخنا: ليس هو منه بل جعل عمادا للبيت وفي الفصول: إن طاف حول المسجد احتمل أن لا يجزئه, ولم يزد. وإن طاف على سطح المسجد توجه الإجزاء كصلاته إليها. وإن قصد في طوافه غريما وقصد معه طوافا بنية حقيقية لا حكمية توجه الإجزاء في قياس قولهم. ويتوجه احتمال كعاطس قصد بحمده قراءة. وفي الإجزاء عن فرض القراءة وجهان "م 2 و 3" وفي الانتصار
ـــــــ
تنبيهان:
الأول2: قوله: "بنية حقيقية لا حكمية" فالحقيقة: نية الطواف حقيقة والحكمية: أن يكون له نية قبل ذلك ثم استمر حكمها من غير قطع وهو معنى قولهم: استصحاب حكم النية أن لا يقطعها نبه عليه شيخنا.
مسألة 2, 3" قوله: وإن قصد في طوافه غريما وقصد معه طوافا بنية حقيقية لا حكمية توجه الإجزاء, في قياس قولهم, ويتوجه احتمال كعاطس قصد بحمده قراءة, وفي الإجزاء عن فرض القراءة وجهان, انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
"المسألة الأولى 2" وهي الأصل: إذا قصد في طوافه غريما وقصد معه طوافا بنية حقيقية لا حكمية فهل يجزئه وهو قياس قولهم؟ أو هو كعاطس قصد بحمده قراءة؟
ـــــــ
1 هو بفتح الشين والذال المعجمتين وسكون الراء: القدر الذي ترك خارجا عن عرض الجدار مرتفعا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع. "المطلع" 191.
2 التنبيه الثاني سيرد في ص 41.

(6/38)


في الضرورة: أفعال الحج لا تتبع إحرامه فتتراخى عنه, وتنفرد بمكان وزمن ونية, فلو مر بعرفة أو عدا حول البيت بنية طلب غريم أو صيد لم يجزئه, وصححه في الخلاف وغيره في الوقوف فقط ; لأنه لا يفتقر إلى نية1, وقيل له في الانتصار في مسألة النية: المبيت بمزدلفة ورمي الجمار وطواف الوداع لا يفتقر إلى نية1؟ فقال: لا نسلم ذلك, فإنه لو عدا خلف غريمه أو رجم إنسانا بالحصى وهو على الجمرة أو أكره على البيتوتة بمزدلفة لم يجزئه ذلك في حجه, ولكن نية الحج تشتمل على جميع أفعاله, كما تشتمل نية الصلاة على جميع أركانها وواجباتها, وهذه من الواجبات, وقد شملتها نية الحج, وهذا بخلاف البدل عن ذلك وهو
ـــــــ
يعني إذا أراد المصلي الشروع في الفاتحة فعطس فقال: الحمد لله, ينوي بذلك عن القراءة وعن العطاس, وجه في المسألة توجيهين من عنده,
أحد التوجيهين أنه يجزئ, في قياس لهم, وهو الصواب,
والتوجيه الثاني حكمه حكم العاطس إذا حمد ينويهما, وهي: "المسألة 3 الثانية" وقد أطلق الوجهين في الإجزاء عن فرض القراءة:
أحدهما لا يجزئ, وهو الصحيح, ونص عليه في رواية حنبل, وقدمه الشارح وابن حمدان وصاحب الفائق وغيرهم.
"والوجه الثاني" يجزئه, اختاره الشيخ الموفق, وحمل كلام الإمام أحمد على الاستحباب, فعلى الوجه الأول لا تبطل صلاته, على الصحيح من المذهب, وعنه: تبطل.
إذا علمت ذلك فيكون على التوجيه الثاني في المسألة الأولى وجهان مطلقان, والصحيح منهما أنه لا يجزئه, قياسا على مسألة العاطس. والله أعلم
ـــــــ
1 ليست في الأصل.

(6/39)


الهدي فإنه لم تشمله نية الحج, وكذا ذكره القاضي وغيره أن نية الحج تشمل أفعاله لا البدل وهو الهدي, وذكر غير واحد في مسألة النية أن الحج كالعبادات, لتعلقه بأماكن وأزمان, فيفتقر كل جزء منه إلى نية.
وتشترط الطهارة من حدث, قال القاضي وغيره: الطواف كالصلاة في جميع الأحكام إلا في إباحة النطق, وعنه: يجبره بدم. وعنه: إن لم1 يكن بمكة, وعنه: يصح من ناس ومعذور فقط, وعنه: ويجبره بدم, وعنه: وكذا حائض, وهو ظاهر كلام القاضي وجماعة, واختاره شيخنا وأنه لا دم لعذر, وقال: هل هي واجبة أو سنة لها؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره, ونقل أبو طالب: والتطوع أيسر,
وإن طاف فيما لا يجوز له لبسه صح وفدى, ذكره الآجري,
ـــــــ
.............................
ـــــــ
1 في الأصل: "يمكنه".

(6/40)


ويلزم الناس في الأصح, وجزم به ابن شهاب انتظارها لأجله فقط إن أمكن, ونقل المروذي في المريض ببلد الغزو يقيمون عليه قال: لا ينبغي للوالي أن يقيم عليه.
يسن فعل المناسك على طهارة, نص عليه, والنجس والسترة كالحدث, وقيل: الطهارة والسترة للسعي كالطواف, والموالاة فيه والأكثر: وفي السعي شرط, فإن فصل يسيرا أو أقيمت مكتوبة أو حضرت جنازة صلى وبنى, وإن أحدث تطهر, وفي البناء روايات1 الصلاة*, وذكره ابن عقيل وغيره, وعنه: لا يشترط مع عذر, وعنه: سنة ومن شك فيه في عدوه أخذ باليقين, نص عليه, وذكر أبو بكر وغيره: بظنه, ويأخذ بقول عدلين, نص عليه, وقيل: لا, وذكر الشيخ: بعدل
ـــــــ
"*" الثاني قوله في الطواف: وإن أحدث تطهر. وفي البناء روايات الصلاة, يعني اللاتي فيمن سبقه الحدث وهو في الصلاة ثم تطهر. والصحيح من المذهب عدم صحة البناء, وقد قدمه المصنف. ذكروه في باب النية وغيرها.
ـــــــ
1 في الأصل: "روايتان"

(6/41)


ثم يتنفل بركعتين, وعنه: ولو بعد مكتوبة, اختاره أبو بكر وغيره, وعنه: وجوبهما, وهي أظهر, وحيث ركعهما جاز, والأفضل خلف المقام, ب "الكافرون" و"الإخلاص" بعد1 الفاتحة,
ولا يشرع تقبيل المقام ومسحه "ع" فسائر المقامات أولى, ذكره شيخنا, وسأله ابن منصور عن مس المقام قال: لا تمسه ونقل الفضل: يكره مسه وتقبيله, وفي منسك ابن الزاغوني: فإذا بلغ مقام إبراهيم فليمس الصخرة بيده وليمكن منها كفه ويدعو. وفي منسك سعيد بن أبي عروبة2 عن قتادة قال: لم يؤمروا بمسحه, ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا لم يتكلفه أحد قبلهم, ولقد كان أثر قدميه فيه فما زالوا يمسحونه حتى اماح.
ويجوز جمع أسابيع بركعتين لكل منهما نص عليه, كفصله بين السنة والفرض, بخلاف تأخير تكبير تشريق عن فرض, وسجدة تلاوة عنها, فإنه يكره, لئلا تؤدي إلى إسقاطه, ذكره القاضي وغيره. وعنه: يكره قطعه على شفع, فيكره الجمع إذا, ذكره في الخلاف والموجز, ولم يذكره جماعة. وله تأخير سعيه عن طوافه بطواف وغيره, نص عليه. ثم يستحب عوده إلى الحجر فيستلمه. وفي أسباب الهداية: قبل الركعتين يأتي الملتزم. وإن فرغ متمتع ثم علم أحد طوافيه بلا طهارة وجهله لزمه الأشد وهو من الحج, فيلزمه طوافه وسعيه ودم, وإن كان وطئ بعد حله من
ـــــــ
.....................................
ـــــــ
1 في "س": "خلف".
2 سعيد ابن أبي عروبة مولى بني عدي بن يشكر أبو النضر البصري ثقة مأمون."ت156هـ". "تهذيب التهذيب" 2/33-34.

(6/42)


عمرته لم يصحا, وتحلل بطوافه الذي نواه لحجه عن عمرته الفاسدة, ولزمه دم لحلقه, ودم لوطئه في عمرته.

(6/43)


فصل: ثم يخرج للسعي من باب الصفا
فيرقاه ليرى البيت, ويكبر ثلاثا, ويقول ثلاثا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده, أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده. ويدعو.
قال بعضهم: ويرفع يديه ثم يمشي إلى العلم:"*" قاله جماعة. وقال جماعة: قبله بنحو ستة أذرع وهو أظهر رمل, قاله جماعة, وقال جماعة: سعى سعيا شديدا, وهو أظهر "م 4 و 5" إلى العلم الآخر, ثم يمشي فيرقى المروة, يقول ما قال على الصفا, ويجب استيعاب ما بينهما
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: "ثم يمشي إلى العلم" كذا في النسخ, ولعله ثم يمشي, فإذا بلغ العلم, وبه يستقيم الكلام, ونبه عليه ابن نصر الله.
"مسألة 4, 5" قوله: ثم يمشي إلى العلم, قاله جماعة. وقال جماعة: قبله بنحو ستة أذرع وهو أظهر رمل, قاله جماعة. وقال جماعة: يسعى سعيا شديدا, وهو أظهر, انتهى. ذكر مسألتين, وله فيهما اختيار: "المسألة الأولى 4" هل يمشي إلى العلم ثم يسعى؟ أو يسعى قبله بنحو ستة أذرع؟ ظاهر كلامه إطلاق الخلاف, واختار الثاني, وهو الصحيح. وقاله صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني1 والكافي2 والتلخيص والشرح3 وغيرهم, وهو ظاهر ما
ـــــــ
1 5/236.
2 2/418.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/129.

(6/43)


فقط, فيلصق عقبه بأصلهما,.
وتعتبر البداءة ثانيا بالمروة, فينزل يمشي موضع مشيه, ويسعى موضع سعيه, إلى الصفا, يفعله سبعا, ذهابه سعية, ورجوعه سعية, فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول.
ولا ترقى امرأة ولا تسعى شديدا, ولا يسن فيه اضطباع, نص عليه, ولا يجزئ قبل طواف, نص عليه, وعنه: بلى, سهوا وجهلا, وعنه: مطلقا, ذكره في المذهب, وعنه: مع دم, ذكره القاضي.
ـــــــ
قدمه في الرعاية الكبرى, والقول بأنه يسعى من العلم قاله الخرقي وصاحب المقنع1 والرعاية الصغرى والحاويين والفائق والمنور وتجريد العناية وغيرهم.
المسألة الثانية 5" إذا وصل إلى العلم أو قبله بستة أذرع, فهل يرمل؟ أو يسعى سعيا شديدا؟ ظاهر كلامه إطلاق الخلاف, واختار هو الثاني, وهو الصحيح, وعليه جماهير الأصحاب, قال الزركشي: عليه الأصحاب "قلت": جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع1 والهادي والتلخيص والمحرر والشرح1 والوجيز والفائق وغيرهم, وقدمه في الرعايتين والحاويين. والقول الأول ظاهر كلام الخرقي, وقد قال المصنف: إن جماعة قالوه.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/129.
2 5/236.
3 2/418.

(6/44)


ومن شرطه النية, قاله في المذهب والمحرر وزاد: وأن لا يقدمه على أشهر الحج, وظاهر كلام الأكثر خلافهما "م 6" وصرح به أبو الخطاب في الأخيرة وأنه لا يعرف منعه عن أحمد. ثم إن كان حاجا بقي محرما, 1والمعتمر تستحب1 مبادرته وتقصيره, نص عليه, ليحلق للحج. وقال في المستوعب والترغيب: حلقه, ويحل المتمتع بلا هدي ومع هدي. وعنه: أو تلبيد رأسه2, جزم به في الكافي3: يحل إذا حج فيحرم به بعد طوافه وسعيه لعمرته,
ـــــــ
"مسألة 6" قوله: ومن شرط النية, قاله في المذهب والمحرر. 4وظاهر كلام الأكثر خلافهما, انتهى. "قلت": الصواب ما قاله في المذهب والمحرر4. وقاله أيضا في مسبوك الذهب والفائق ; لأنها عبادة قطعا, وظاهر كلام الأكثر أن النية لا تشترط لذلك, لعدم ذكرهم لها في شروط السعي, وقد يجاب
ـــــــ
1 في الأصل: "والمستحب".
2 أي: ألزق بعضه ببعض بالخطمي ونحوه حتى لا يتشعث. "المصباح": "لبد".
3 2/422.
4 ليست في "ص".

(6/45)


ويحل يوم النحر منهما, نص عليه. واحتج به القاضي وغيره على أنه لا يجوز نحره قبل يوم النحر, وإلا1 لنحره وصار كمن لا هدي معه, وقيل: يحل كمن لم يهد, وهو مقتضى ما نقله يوسف بن موسى, قاله القاضي, وعنه: إن قدم قبل العشر فينحره قبله. ونقل يوسف بن موسى: وعليه هدي آخر.
ويستحب لمحل بمكة متمتع, ومكي الإحرام يوم التروية, نص عليهما, وقيل له أيضا: فالمكي يهل إذا رأى الهلال؟ قال: كذا روي عن عمر2. قال
ـــــــ
بأنهم لم يذكروها اعتمادا على أنها عبادة, وكل عبادة لا بد لها من نية, ولكن يعكر على ذلك كونهم ذكروا النية في شروط الطواف, ولم يذكروها في شرط السعي. والله أعلم
ـــــــ
1 في الأصل: "ولا".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" نشرة العمرى 445.

(6/46)


القاضي: فنص على أنه يهل قبل يوم التروية, وفي الترغيب: يحرم متمتع يوم التروية فلو جاوزه لزمه دم الإساءة مع دم تمتع, على الأصح. وفي الرعاية: يحرم يوم تروية أو عرفة, فإن عبره1 فدم ولا يطوف بعده قبل خروجه, نقله الأثرم, اختاره الأكثر, ونقل ابن منصور وأبو داود: لا يخرج حتى يودعه, وطوافه بعد رجوعه من منى للحج, جزم به في الواضح والكافي. وأطلق جماعة روايتين, فعلى الأول لو أتى به وسعى بعده لم يجزئه.
ثم يخرج إلى منى قبل الزوال فيصلي بها الظهر مع الإمام ثم إلى الفجر, نص عليه, ويبيت بها, فإذا طلعت الشمس سار إلى نمرة فأقام بها إلى الزوال, فيخطب الإمام يعلمهم المناسك, ويقصر, يفتتحها بالتكبير, قاله في المستوعب والترغيب وغيرهما, ولا خطبة في اليوم السابع بعد صلاة الظهر بمكة واختار الآجري: بلى يعلمهم ما يفعلونه يوم التروية ثم يجمع مع الإمام ولو منفردا2, نص عليه, ويعجل ثم يأتي عرفة, وكلها موقف إلا بطن عرنة, ويستحب وقوفه عند الصخرات وجبل الرحمة واسمه إلال بوزن هلال ولا يشرع صعوده "ع" قاله شيخنا,
ـــــــ
.....................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "غيره", والمثبت من "ط".
2 في الأصل: "متفرقا".

(6/47)


ويقف قبل القبلة راكبا, وقيل: راجلا, واختاره ابن عقيل وغيره, كجميع المناسك والعبادات. قال: والنبي صلى الله عليه وسلم ركب في المناسك1 ليعلمهم ويروه, فرؤيته عبادة, وقيل: سواء, ويتوجه تخريج الحج عليها. وفي الانتصار2 ومفردات أبي يعلى الصغير أفضلية المشي. وقاله عطاء وإسحاق وداود, وهو ظاهر كلام ابن الجوزي في "مثير الغرام الساكن" فإنه ذكر الأخبار في ذلك وعن جماعة من العباد, وأن الحسن بن علي حج خمس عشرة حجة ماشيا. وذكر غيره خمسا وعشرين, والجنائب تقاد معه و قال في أسباب الهداية: فصل في فضل الماشي عن ابن عباس مرفوعا "من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم" قيل له: وما حسنات الحرم؟ قال "بكل حسنة مائة ألف حسنة" 3 قال: وعن عائشة مرفوعا "إن الملائكة لتصافح ركبان الحج وتعتنق المشاة" 4 كذا ذكر هذين الخبرين, وسبق الأول في آخر صلاة الجماعة في مضاعفة الصلاة3,
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه 5/337.
2 بعدها في الأصل: "الصغير ذكره في الجمعة يوم العيد".
3 تقدم تخريجه 2/457.
4 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان "4099".

(6/48)


وعند شيخنا: يختلف ذلك بحسب الناس, ونصه في موص بحجة: يحج عنه راجلا أو راكبا.
ويدعو ويرفع يديه, نص عليه, ويكثر قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير. للخبر1, وروي أيضا: يحيي ويميت2. وروي: "بيده الخير"3. ورويا من حديث علي بزيادة: "وهو حي لا يموت"4. ذكره الآجري وغيره.
فمن وقف أو مر لحظة من فجر عرفة وقال ابن بطة وأبو حفص وحكى رواية: من الزوال إلى فجر النحر 5إهلاله5, صح حجه, وإلا فلا.
ولا يصح مع سكر وإغماء, في المنصوص, بخلاف إحرام وطواف. ويتوجه في سعي مثله, وجعله في المنتخب كوقوف, ويصح مع نوم وجهل بها, في الأصح, لا جنون, بخلاف رمي جمار ومبيت.
ـــــــ
.....................................
ـــــــ
1 أخرج الترمذي "3585", عن ابن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيئ قدير" .
2 أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" "4072".
3 أخرجه أحمد "6961".
4 لم نقف عليه.
5 في "ط": "إهلاله".

(6/49)


ومن وقف بها نهارا ودفع قبل الغروب ولم يعد قبله وفي الإيضاح: قبل الفجر, وقاله أبو الوفاء في مفرداته, وقيل: أو عاد مطلقا. وفي الواضح: ولا عذر لزمه دم, وعنه: لا كواقف ليلا, ونقل أبو طالب فيمن نسي نفقته بمنى: يخبر الإمام, فإذا أذن له ذهب ولا يرجع. 1قال القاضي: فرخص1 له للعذر, وعنه: يلزم من دفع قبل الإمام دم. وهل لخائف فوتها صلاة خائف؟ واختاره شيخنا, أو يقدم الصلاة؟ أو يؤخرها إلى أمنه؟ فيه أوجه "م 7".
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: وهل لخائف فوتها صلاة خائف؟ واختاره شيخنا, أو يقدم الصلاة؟ أو يؤخرها إلى أمنه فيه أوجه, انتهى. "أحدها" يصليها صلاة خائف, اختاره الشيخ تقي الدين, وهو الصواب. "والوجه الثاني" يعيد. "والوجه الثالث" فيه قوة, وهو احتمال في مختصر ابن تميم, والأولان احتمالان في الرعاية الكبرى, وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان.
ـــــــ
1 الأصل: "فإن القاضي رخص له".

(6/50)


فصل: ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة
...
فصل: ثم يدفع بعد2 الغروب إلى مزدلفة
وهي ما بين الجبلين ووادي محسر بسكينة. وقال أبو حكيم: مستغفرا, ويسرع في الفرجة, ويستحب جمع العشاءين بها قبل حط رحله ويبيت بها, وله الدفع قبل الإمام نص على التفرقة بينه وبين عرفة. وذكر دفع ابن عمر قبل ابن الزبير بعد نصف الليل3, وقبله فيه دم إن لم يعد نص عليهما ليلا, ويتخرج: لا من ليالي
ـــــــ
2 في الأصل: "قبل".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 4/15.

(6/50)


منى, قاله القاضي وغيره, وعنه: لا يجب, كرعاة وسقاة, قاله في المستوعب وغيره, وكما لو أتاها بعده قبل الفجر,
فإذا صلى الصبح بغلس رقي المشعر الحرام, أو وقف عنده, يحمد الله تعالى ويهلل ويكبر ويدعو ويقرأ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198] الآيتين, فإذا أسفر جدا سار بسكينة, فإذا بلغ محسرا أسرع راجلا أو راكبا رمية حجر, ويأخذ حصى الجمار سبعين, كحصى الخذف, من أين شاء, قاله أحمد, واستحبه جماعة قبل وصوله منى ويكره من الحرم"*" وتكسيره1, قال في الفصول: ومن الحش, وقيل: يجزئ حجر كبير وصغير,
وفي نجس وخاتم فضة حصاة وجهان "8 و 9" لا ما رمى به, في المنصوص, ولا غير ذهب وفضة, وعنه: بلى, وعنه: بلا قصد,
ـــــــ
"*" "2تنبيه قوله: ويكره من الحرم يعني أخذ حصى الجمار وهذا والله أعلم سهو, وإنما هو: ويكره من منى, وإلا فمزدلفة من الحرم, وقد قال الأصحاب: يأخذه منها, ولعل قوله: "ويكره من الحرم" من تتمة قول الجماعة الذين استحبوا أخذه قبل وصول منى, وفيه بعد, ولعله أراد حرم الكعبة, وفي معناه قوة2".
"مسألة 8, 9" قوله في الرمي: وفي نجس وخاتم فضة حصاة وجهان, انتهى.
ذكر مسألتين:
"المسألة الأولى 8" إذا رمى بحصى نجس فهل يجزئ أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والحاويين والزركشي, وذكر هذين الوجهين القاضي ومن بعده:
ـــــــ
1 في "س": "تكبيره".
2 ليست في "ح".

(6/51)


لا هما, وعنه: لا يجزئ غير الحصى المعهود من رخام ومسن وبرام ونحوها, اختاره جماعة. وفي الفصول: إن رمى بحصى المسجد كره وأجزأ ; لأن الشرع نهى عن إخراج ترابه, فدل أنه لو تيمم به أجزأ, وأنه يلزم من منعه المنع هنا وفي النصيحة: يكره من الجمار أو من
ـــــــ
"أحدهما" لا يجزئ, اختاره ابن عبدوس في تذكرته. قال في الرعاية الكبرى: ولا يجزئ بنجس, في الأصح, وقدمه في الرعاية الصغرى. قال في الفائق: وفي الإجزاء بنجس وجه فظاهره أن المقدم عدم الإجزاء. "والوجه الثاني" يجزئه, وهو الصحيح, قدمه في المغني1 والشرح2, وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب, لعدم ذكرهم له.
"المسألة الثانية 9" إذا رمى بخاتم فضة حصاة, فهل يجزئ أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المغني3 والشرح4 والفائق
"أحدهما" لا يجزئ "قلت": وهو أولى من الوجه الثاني ; لأن الحصاة وقعت تبعا "والوجه الثاني" يجزئ, صححه في الفصول "قلت": الصواب أنه إن قصد الرمي بالحصاة أجزأه, وإلا فلا.
ـــــــ
1 5/291
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/190.
3 5/290.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/200.

(6/52)


مسجد أو مكان نجس, وفي استحباب غسله روايتان "م 10" فإذا وصل منى وهي ما بين وادي محسر وجمرة العقبة بدأ بها فرماها بسبع, راكبا إن كان, والأكثر ماشيا, نص عليه.
ولا يجزئ وضعها, بل طرحها. وظاهر الفصول: لا لأنه لم يرم, ونفضها من وقعت1 بثوبه نص عليه كتدحرجها, وقيل: لا, وهو أظهر ; لأن فعل الأول انقطع, وكتدحرج حصاة بسببها,
ويشترط رميه بواحدة بعد واحدة, فلو رمى دفعة فواحدة, ويؤدب, نقله الأثرم, وعلم حصولها في الرمي, وقيل: أو ظنه, جزم به بعضهم, وذكر ابن البناء رواية: ولو شك. ويكبر مع كل حصاة. ونقل حرب: يرمي ثم
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: وفي استحباب غسله روايتان, انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والحاويين والزركشي:
"إحداهما" لا يستحب, وهو الصحيح, صححه الشيخ الموفق والشارح وصاحب الفائق, "قلت": وهو الصواب.
"والرواية الثانية" يستحب, صححه في الفصول والخلاصة, وقطع به الخرقي, وابن عبدوس في تذكرته, وصاحب المنور, وغيرهم, وقدمه في المحرر والرعايتين وشرح ابن رزين وغيرهم.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.

(6/53)


يكبر, ويقول: اللهم اجعله حجا مبرورا, وذنبا مغفورا, وسعيا مشكورا.
ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ويرمي على حاجبه الأيمن, وذكر جماعة: ويرفع يمناه حتى يرى بياض إبطه ولا يقف, وله رميها من فوقها, ويرمي بعد طلوع الشمس, وذكر جماعة: يسن بعد الزوال, ويجزئ بعد نصف ليلة النحر, وعنه: بعد فجره, فإن غربت فمن غد بعد الزوال. وقال ابن عقيل: نصه للرعاة خاصة الرمي ليلا, نقله ابن منصور.
ثم ينحر هدايا إن كان معه,
ثم يحلق, يبدأ بأيمنه, ويستقبل القبلة وذكر جماعة: ويدعو. وذكر الشيخ: يكبر1. ولا يشارطه على أجرة ; لأنه نسك, قاله أبو حكيم وقال: ثم يصلي ركعتين, وذكر ابن شهاب عن أحمد عن وكيع أن أبا حنيفة قال له: إنه2 تعلم الآداب الخمسة, الخامس التكبير, من حجام, وإن الحجام نقلها عن عطاء.
وإن قصر فمن جميعه, نص عليه, قال شيخنا: لا من كل شعرة بعينها, وعنه: أو بعضه, فيجزئ ما نزل3 عن رأسه ; لأنه من شعره, بخلاف المسح ; لأنه ليس رأسا, ذكره في الفصول والخلاف, قال: ولا يجزئ شعر الأذن, على أنه إنما لم يجزئ ; لأنه يجب تقصير جميعه, ومن لبد أو ضفر أو عقص كغيره, ونقل ابن منصور: فليحلق, قال: يعني وجب عليه
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1 في الأصل: "بكر".
2 في الأصل: "إنك".
3 في الأصل: "ترك".

(6/54)


, قال في الخلاف وغيره: لأنه لا يمكنه التقصير من كله, لاجتماعه.
والمرأة تقصر كذلك أنملة فأقل, وفي منسك ابن الزاغوني: تجب أنملة, قال جماعة: السنة لها أنملة ويجوز أقل
ويسن أخذ أظفاره وشاربه. وقال ابن عقيل وغيره: ولحيته.
ومن عدمه استحب أن يمر الموسى. وقاله أبو إسحاق في ختان, وكلام أحمد في المحرم خرج مخرج الأمر, وحمله القاضي على الندب, قاله في عمد الأدلة, وفي الخرقي. في العبد: يقصر, قال جماعة: يريد أنه لا يحلق بلا إذن ; لأنه يزيد في قيمته"*"
ثم حل له كل شيء إلا النساء, قال القاضي وابنه وابن الزاغوني والشيخ وجماعة: والعقد, وظاهر كلام أبي الخطاب وابن شهاب وابن الجوزي: حله. وقاله شيخنا, وذكره عن أحمد "م 11" وعنه إلا
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: وفي الخرقي في العبد يقصر, قال جماعة, يريد أنه لا يحلق بلا إذن ; لأنه يزيد في قيمته, انتهى. لم يذكر ذلك الخرقي في مختصره, فيحتمل أن يكون ذكره في مفرد في غير المختصر, كما نقل عنه مسائل من غير مختصره, وقد نقل الموفق في المقنع1 عنه مسألة كذلك, ويحتمل أن تكون سبقة قلم, أراد أن يقول: وفي الوجيز, فسبق القلم إلى الخرقي, وهذا يقع كثيرا من المصنفين, ولم نر المسألة مسطورة إلا في الوجيز, لكن تعليل المصنف يدل على أنها منقولة عن مصنف, وتوارد عليها جماعة, وفسروا كلامه بما قال المصنف, والله أعلم.
"مسألة 11" قوله: ثم حل له كل شيء إلا النساء, قال القاضي وابنه وابن الزاغوني والشيخ وجماعة: والعقد, وظاهر كلام أبي الخطاب وابن شهاب وابن الجوزي حله, وقاله شيخنا, وذكره عن أحمد, انتهى.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 8/27.

(6/55)


الوطء في الفرج.
والحلق والتقصير نسك فيه دم, وعنه: إطلاق من محظور لا شيء في تركه ونقل مهنا: في معتمر تركه ثم أحرم بعمرة, الدم كثير, عليه أقل من الدم,
فإن حلق قبل نحره أو رميه أو نحر أو زار قبل رميه فلا دم, نص عليه, ونقل أبو طالب وغيره: يلزم عامدا عالما, اختاره أبو بكر وغيره, وأطلقها ابن عقيل, وظاهر نقل المروذي: يلزمه صدقة.
قال شيخنا: وللمخطئ فيما فهمه من قول المفتي يشبه خطأ المجتهد فيما يفهمه من النص, ومما احتج بهذه المسألة.وإن حلق بعد أيام منى وقال الشيخ: النحر فروايتان "م 12"
ـــــــ
"القول الأول" وهو المنع أيضا من عقد النكاح, اختاره من ذكره المصنف, واختاره ابن نصر الله في حواشيه, وابن منجى في شرحه, وجزم به في الرعاية الكبرى. "والقول الثاني" ظاهر كلام أكثر الأصحاب, وهو الصواب.
"مسألة 12" قوله: وإن حلق بعد أيام منى وقال الشيخ: النحر فيه, روايتان, انتهى, وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمغني1 والكافي2 والمقنع3 والهادي والشرح3 والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
ـــــــ
1 5/304.
2 2/443.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/213-214.

(6/56)


وهل يحصل التحلل الأول باثنين من رمي وحلق وطواف؟ واختاره الأكثر, أو بواحد من رمي وطواف والثاني بالباقي؟ فيه روايتان "م 13" فعلى الثانية الحلق إطلاق من محظور, وفي التعليق: نسك, كالمبيت بمزدلفة ورمي يوم الثاني والثالث, واختار الشيخ أنه نسك, ويحل قبله, وذكر جماعة على أنه نسك في حله قبله روايتين, وذكر في الكافي1 الأول عن الأصحاب. وفي منسك ابن الزاغوني: إن كان ساق هديا واجبا لم يحل هذا التحلل الأول إلا بعد رمي وحلق ونحر وطواف, فيحل الكل, وهو التحلل الثاني.
ثم يخطب الإمام بها يوم النحر, نص عليه, قال جماعة: بعد صلاة الظهر, وعنه: لا يخطب, نصره القاضي وأصحابه.
ـــــــ
"إحداهما" لا دم عليه, وهو الصحيح, صححه في التصحيح, واختاره ابن عبدوس في تذكرته, وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم, قال ابن منجى في شرحه: وهو أولى.
"والرواية الثانية" عليه دم بالتأخير, ومحلهما إذا قلنا إن الحلق نسك.
"مسألة 13" قوله: وهل يحصل التحلل الأول باثنين من رمي وحلق وطواف واختاره الأكثر, أو بواحد من رمي وطواف والثاني بالباقي؟ فيه روايتان, انتهى. وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والشرح2 وشرح ابن منجا وغيرهم
"إحداهما" يحصل التحلل الأول باثنين من رمي وحلق وطواف, وهو الصحيح, قال المصنف: اختاره الأكثر. قال في الكافي3: قاله أصحابنا, وهو ظاهر ما جزم به في
ـــــــ
1 2/441-442.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/217.
3 2/445-446.

(6/57)


ثم يأتي مكة فيطوف المتمتع في المنصوص للقدوم, كعمرته, ثم يسعى, نص عليه. وعنه: يجزئ سعي عمرته, اختاره شيخنا. ثم يطوف الفرض, وهو الإفاضة والزيارة, يعتبر تعيينه بالنية, نص عليه "ش" بعد وقوفه بعرفة بعد نصف ليلة النحر, وعنه: فجره, ولا دم بتأخيره عن يوم النحر بلا عذر, خلافا للواضح, ولا عن أيام منى, كالسعي وخرج القاضي وغيره رواية في.1 الحلق, ويتوجه مثله في سعي, ويطوفه مفرد وقارن, وقبله للقدوم, في المنصوص, ما لم يكونا دخلا مكة, قال أحمد: من أهل من مكة فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة إذا رجع من منى. وفي الواضح: هو سنة لمن خرج منها إلى عرفة, فإن كان سعى للقدوم وإلا سعى,
ثم يحل مطلقا, وإن قيل: السعي ليس ركنا, قيل: سنة, وقيل: واجب, ففي حله قبله وجهان "م 14 و 15"
ـــــــ
الخلاصة والمحرر والوجيز وغيرهم, وجزم به في التخليص وغيره, وقدمه في الهداية والرعايتين والحاويين وغيرهم.
"والرواية الثانية" يحصل التحلل بواحد من رمي وطواف.
مسألة 14 و 15" قوله بعد طواف الإفاضة: ثم يحل مطلقا, وإن قيل: السعي ليس ركنا, قيل: سنة, وقيل: واجب, ففي حله قبله وجهان, انتهى. ذكر مسألتين: "المسألة الأولى" إذا قلنا: إن السعي ليس بركن فهل هو سنة أو واجب؟ أطلق فيه الخلاف بقيل وقيل, وقد قدم المصنف في فصل الأركان أن السعي ركن2, ثم قال: وعنه: يجبره بدم, وعنه: سنة, فحكى الخلاف روايتين, وحكاهما هنا قولين,
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 ص68.

(6/58)


ثم يشرب من زمزم لما أحب, ويتضلع1. وفي التبصرة: ويرش. على بدنه وثوبه. وفي الصحيحين2: قوله عليه السلام لأبي ذر: "إنها مباركة إنها طعام طعم" أي تشبع شاربها كالطعام. ويقول ما ورد.
ـــــــ
وظاهر كلامه هناك إذا لم نقل إنه ركن أن المقدم أنه يجبره بدم, فيكون واجبا, وهنا أطلق الخلاف, أو يقال: لم يقدم هناك حكما, وهنا حرر وأطلق الخلاف, وهو الظاهر, فإن كلامه هناك محتمل, ثم ظهر لي أن هذين القولين ليسا بالروايتين اللتين ذكرهما الأصحاب, وإنما هذان القولان فيما إذا لم يقل إنه ركن, فهل يكون واجبا أو سنة؟ اختلف الأصحاب في الراجح والمقدم منهما والصحيح, ولم يذكر الروايتين هنا اعتمادا على ما قاله أولا, وذكر هناك من اختار كل رواية منهما, وأما هنا فبعض الأصحاب رجح أنه واجب, وبعضهم رجح أنه سنة إذا لم نقل إنه ركن, وهذا هو الصواب, والله أعلم. والصواب أنه واجب.
ـــــــ
1 تضلع: امتلأ شبعا أو ريا حتى بلغ الماء أضلاعه. "القاموس": "ضلع".
2 أخرجه مسلم "2473" "132", من حديث أبي ذر, ولم نجده عند البخاري.

(6/59)


فصل: ثم يرجع فيصلي ظهر يوم النحر بمنى
نقله أبو طالب, للخبر1 فيبيت بمنى ثلاث ليال, ويرمي في غد بعد الزوال, نص عليه, ويستحب قبل الصلاة, وجوزه ابن الجوزي قبل الزوال. وفي الواضح: بطلوع الشمس, إلا ثالث يوم, وأطلق أيضا في منسكه أن له الرمي من أول, وأنه يرمي في الثالث كاليومين قبله, ثم ينفر .
ويرمي إلى المغرب الجمرة الأولى, وتلي مسجد الخيف, ثم الوسطى, ويدعو عندهما طويلا, قال بعضهم: رافعا يديه, نقل حنبل: يستحب رفع
ـــــــ
............................................................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1308" "335", عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.

(6/59)


يديه عند الجمار, ثم العقبة, ولا يقف عندها, ويستبطن الوادي. فإن نكسهن أو أخل بحصاة من السابقة لم يجزئه, وعنه: بلى, وعنه: إن جهل, ويستقبل القبلة برميه, نص عليه, ويجعل الأولى يساره والأخريين يمينه, كل جمرة بسبع, وعنه: ست, وعنه: خمس, ثم اليوم الثاني كذلك.
وعنه: يجوز رمي متعجل قبل الزوال, وينفر بعده. ونقل ابن منصور: إن رمى عند. طلوعها متعجل ثم نفر كأنه لم ير عليه دما, وإن أخر رمي يوم إلى الغد رمى رميين, نص عليه, وإن رمى الكل ويوم النحر آخر أيام منى أجزأ أداء, وقيل: قضاء.
ويجب ترتيبه بالنية, وإن أخره عنها لزمه دم, ولا يأتي به كالبيتوتة بمنى, وترك حصاة كشعرة, وظاهر نقل الأثرم: يتصدق بشيء, قاله القاضي, وعنه: عمدا, وعنه: دم, قطع به في المحرر, وهو خلاف نقل الجماعة والأصحاب, قال ابن عقيل: ضعفه شيخنا لعدم الدليل, وعنه: في ثنتين كثلاث, في المنصوص, وكجمرة وجمار, نص عليه, وعنه: واحدة هدر, وعنه: وثنتان, ونقل حرب: إذا لم يقم عند الجمرتين أو إحداهما أطعم شيئا, ودم أحب إلي, وإن لم يطعم فلا شيء عليه.
وفي ترك مبيت ليالي منى دم, نقله حنبل, واختاره الأكثر, وعنه
ـــــــ
"المسألة الثانية 15" إذا قلنا إن السعي واجب وطاف طواف الإفاضة, فهل

(6/60)


يتصدق بشيء, نقله الجماعة, قاله القاضي, وعنه: لا شيء, اختاره أبو بكر. وليلة كذلك, ذكره جماعة, وعنه: كشعرة ; لأنها ليست نسكا بمفردها, بخلاف مزدلفة, قاله القاضي وغيره, وقالوا: لا تختلف الرواية أنه لا يجب دم, وعنه: لا يجب1 شيء, فإن شاء تعجل في اليوم الثاني, وهو النفر الأول, ثم لا يضر رجوعه لحصول الرخصة,
وليس عليه رمي. اليوم, الثالث, قاله أحمد, ويدفن بقية الحصى, في الأشهر, زاد بعضهم: في المرمى, وفي منسك ابن الزاغوني: أو يرمي بهن كفعله في اللواتي قبلهن, فإن غربت شمسه بات ورمى بعد الزوال, نص عليه, وعنه: أو قبله, وهو النفر الثاني.
وليس للإمام المقيم للمناسك التعجيل لأجل من يتأخر, قاله أصحابنا, ذكره القاضي وغيره و شيخنا, ولا مبيت بمنى على سقاة الحاج والرعاة, ولهم الرمي2 بليل ونهار, فإن غربت وهم بها لزم الرعاء, قال الشيخ: وكذا عذر خوف ومرض. قال في الفصول: أو خوف فوت ماله أو موت مريض.
ويخطب الإمام ثاني أيام منى, نقل الأثرم: من الناس من يقل: يزور البيت كل يوم من أيام منى, ومنهم من يختار الإقامة بمنى, قال: واحتج أبو عبد الله بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة3, وعن ابن عمر: من شاء طاف أيام التشريق4...........................
ـــــــ
يحل قبل السعي أم لا؟ أطلق الخلاف فيه.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ط": "الرمل".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" نشرة العمروي 312, والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/164.
4 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" نشرة العمروي 312.

(6/61)


ثم يطوف للوداع إن لم يقم, قال القاضي والأصحاب: إنما يستحق عليه عند العزم. على الخروج. واحتج به شيخنا على أنه ليس من الحج "و ش" وكذا في التعليق أنه ليس منه ولا يتعلق به "1في من وطئ بعد التحلل1"
ـــــــ
"أحدهما" يحل "قلت": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ; لأنهم أطلقوا الإحلال
ـــــــ
1 ليست في "ب" و "س".

(6/62)


ثم يصلي ركعتين ويقبل الحجر, وفي المستوعب: كلما دخل المسجد دخل كما وصفنا, فإن أقام بعد الوداع لغير شد رحل نص عليه. وقال ابن عقيل وابن الجوزي: أو شراء حاجة بطريقه, وقال الشيخ: أو قضى بها حاجة أعاد, وسأله صالح: إن وقف وقفة أو رجع جاهلا أو ناسيا قدر غلوة؟ قال: أرجو, ونصه فيمن ودع وخرج ثم دخل لحاجة: يحرم, وإذا خرج ودع, كمن دخل مقيما, وقيل له في رواية أبي داود: ودع
ـــــــ
بعد طواف الإضافة ولم يستثنوا, وهو ظاهر ما قطع به في الرعاية الكبرى
"والوجه الثاني" لا يحل حتى يسعى.

(6/63)


ثم نفر يشتري طعاما يأكله ; قال لا يقولون حتى يجعل الردم وراء ظهره. وإن تركته غير حائض لم تطهر قبل مفارقة البنيان وقال الشيخ: وأهل الحرم رجع, فإن شق والمنصوص: أو بعد مسافة قصر لزمه دم, ومتى رجع القريب لم يلزمه إحرام, قال الشيخ: كطواف الزيارة, والبعيد يحرم بعمرة ويأتي بها ويطوف لوداعه. وإن طاف للزيارة عند خروجه وفي المستوعب والترغيب أو للقدوم كفاه عنهما, وعنه: يودع."*".
وإن ودع ثم أقام بمنى ولم يدخل مكة فيتوجه جوازه, وإن خرج غير حاج فظاهر كلام شيخنا لا يودع..
ـــــــ
"*" تنبيه قوله: "وإن طاف للزيارة عند خروجه وفي المستوعب والترغيب: أو للقدوم كفاه عنهما, وعنه: يودع", انتهى. تأخير طواف الزيارة وفعله عند خروجه كاف عنه وعن طواف الوداع, على الصحيح من المذهب كما قدمه المصنف, وقدم أن تأخير طواف القدوم وفعله عند الخروج لا يكفي عن طواف الوداع, وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب, لاقتصارهم على المسألة الأولى. وقال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والترغيب والرعايتين والحاويين وغيرهم: يجزئه كطواف الزيارة, وقطعوا به, وقالوا: نص عليه, زاد في الهداية: من رواية ابن القاسم. إذا علم ذلك, ففي كلام المصنف نظر من وجوه,
منها: حيث اقتصر على صاحب المستوعب والترغيب,
ومنها: أن الأولى أنه كان يذكر من قال ذلك قبلهما كصاحب الهداية,
ومنها: أن كلامه أوهم أنه ليس بهذا القول نص عن أحمد, والحاصل أن أحمد نص عليه,

(6/64)


ويستحب دخول البيت والحجر منه بلا خف ونعل وسلاح, نص على ذلك, وتعظيم دخوله فوق الطواف يدل على قلة العلم, قاله في الفنون, والنظر إليه عبادة, قاله أحمد. وفي الفصول: ورؤيته لمقام الأنبياء ومواضع الأنساك, قال الأصحاب: ووقوفه بين الحجر الأسود والباب, ويلتزمه ملصقا به جميعه ويدعو.
والحائض تقف بباب المسجد, وذكر أحمد أنه يأتي الحطيم وهو تحت الميزاب فيدعو, وذكر شيخنا:. ثم يشرب من زمزم, ويستلم الحجر الأسود. ونقل حرب: إذا قدم1 معتمرا فيستحب أن يقيم بمكة بعد عمرته ثلاثة أيام, ثم يخرج, فإن التفت ودع, نص عليه, وذكره أبو بكر, وقدمه في التعليق وغيره, وحمله جماعة على الندب, وذكر ابن عقيل وابن الزاغوني: لا يولي ظهره حتى يغيب, وذكر شيخنا أن هذا بدعة مكروهة, وذكر جماعة: ثم يأتي2 الأبطح المحصب فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع به.
ـــــــ
ومنها أني لم أر من صرح بموافقته على ما قدمه, فيتقوى القول الثاني بقطع هؤلاء الجماعة وبالنص عن أحمد, والله أعلم.
لكن تصوير المسألة فيه عسر, ويمكن تصوير إجزاء طواف القدوم عن طواف الوداع أنه لم يكن قدم مكة لضيق وقت الوقوف, بل قصد عرفة, فلما رجع وأراد العود طاف للزيارة ثم للقدوم, إما نسيانا أو غيره, فهذا الطواف يكفيه عن طواف الوداع, والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل: "دخل".
2 في الأصل: "يجيء".

(6/65)


وتستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة قبره وقبر صاحبيه رضي الله عنهما, فيسلم عليه مستقبلا له لا للقبلة "هـ" ثم يستقبلها ويجعل الحجرة عن يساره ويدعو, ذكره أحمد, وظاهر كلامهم قرب من الحجرة أو بعد. وفي الفصول نقل صالح وأبو طالب: إذا حج للفرض لم يمر بالمدينة ; لأنه إن حدث به حدث الموت كان في سبيل الحج, وإن كان تطوعا بدأ بالمدينة.
وفي المستوعب وغيره: أنه يستقبله ويدعو, قال ابن عقيل وابن الجوزي: يكره قصد القبور للدعاء, قال شيخنا: ووقوفه عندها له, ولا يستحب تمسحه به, قال في المستوعب: بل يكره, قال أحمد: أهل العلم كانوا لا يمسونه, نقل أبو الحارث: يدنو منه ولا يتمسح به يقوم حذاءه فيسلم, كفعل ابن عمر1, وعنه: بلى, ورخص في المنبر "م" ; لأن ابن عمر وضع يده على مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم منه2 ثم وضعها على وجهه3, قال ابن الزاغوني وغيره: وليأت المنبر. فليتبرك به تبركا بمن, كان يرتقي عليه, قال شيخنا: يحرم طوافه بغير البيت العتيق, اتفاقا, قال: واتفقوا أنه لا يقبله ولا يتمسح به, فإنه من الشرك, وقال: والشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر.
قال بعضهم: ولا ترفع الأصوات عند حجرته عليه السلام, كما لا ترفع فوق صوته ; لأنه في التوقير والحرمة كحياته, رأيته في مسائل لبعض أصحابنا.
ـــــــ
............................................
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/403.
2 ليست في "س" "ب" و"ط".
3 مجموع الفتاوى لابن تيمية 27/80.

(6/66)


وفي الفنون: قدم الشيخ أبو عمران المدينة, فرأى ابن الجوهري1 الواعظ المصري يعظ, فعلا صوته, فصاح عليه الشيخ أبو عمران: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم, والنبي في الحرمة والتوقير بعد موته كحال حياته, فكما لا ترفع الأصوات بحضرته حيا ولا من وراء حجرته, فكذا بعد موته, انزل, فنزل ابن الجوهري, وفزع الناس لكلام الشيخ أبي عمران, قال ابن عقيل: لأنه كلام صدق وحق وجاء على لسان محق, فنحكم على سامعه.
وظاهر كلام جماعة أن هذا أدب مستحب بعد الموت, وقاله بعض العلماء. كما هو ظاهر كلامهم للإنصات لكلامه إذا قرأ بل قد صرحوا بأنه لا يجب للقراءة, بل يستحب, فهنا أولى, وأوجبه بعض المالكية. وفي مباحث أصحاب الحديث لابن الجوزي ما قد يؤخذ منه وجوبه, فإنه ذكر عن حماد بن زيد2. قال: كنا عند أيوب, فسمع لغطا فقال: ما هذا اللغط, أما بلغهم أن رفع الصوت عند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرفع الصوت عليه في حياته؟ وعن السري بن عاصم3 أنه كان يحدث فسمع كلاما فقال: ما هذا كنا عند حماد بن زيد وهو يحدث فسمع كلاما فقال: ما هذا؟ كانوا يعدون الكلام عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كرفع الصوت فوق صوته.
ـــــــ
....................................
ـــــــ
1 هو: أبو الفضل عبد الله بن الحسين المصري واعظ العصر وكان أبوه من العلماء العاملين. "ت: 480هـ" سير أعلام النبلاء 18/495
2 هو: حماد بن زيد بن درهم أبو إسماعيل الأزدي الجهضمي وكان ثقة ثبتا حجة كثير الحديث. "ت: 179هـ" تهذيب التهذيب 1/480
3 هو: السري بن عاصم أبو سهل الهمداني متروك الحديث. "ت 258هـ". تاريخ بغداد 9/192-193.

(6/67)


وإذا توجه هلل ثم قال آئبون تائبون, عابدون, لربنا حامدون, صدق الله وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده. قال في المستوعب: وكانوا يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب.

(6/68)


فصل: أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة
ولو تركه رجع معتمرا, نقله جماعة, ونقل يعقوب فيمن طاف في الحجر ورجع بغداد يرجع ; لأنه على بقية إحرامه, فإن وطئ أحرم من التنعيم, على حديث ابن عباس1, وعليه دم, ونقل غيره معناه.
وكذا السعي, وعنه: يجبره دم, وعنه: سنة, وهل الإحرام. للنية, ركن أو شرط؟ فيه روايتان "م 16"
ـــــــ
"مسألة 16" قوله: وهل الإحرام للنية ركن أم شرط؟ فيه روايتان, انتهى.
"إحداهما" ركن, وهو الصحيح, جزم به في الفصول والمحرر والوجيز والمنور وغيرهم, وقدمه في الرعايتين والحاويين, قال ابن منجى في شرح المقنع: هذا أصح في ظاهر قول أصحابنا.
"والرواية الثانية" هو شرط, حكاها المصنف, قال في الرعاية: وقيل عنه: إن الإحرام شرط, قال ابن منجى في شرحه هنا: ولم أجد أحدا ذكر أن الإحرام شرط, والأشبه أنه كذلك. وبه قال أبو حنيفة, وذلك أن من قال بالرواية الأولى قاس الإحرام
ـــــــ
1 في ألأصل : "عائشة" والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 4/87 .

(6/68)


وفي كلام جماعة ما ظاهره رواية بجواز تركه, وقال في الإرشاد1: سنة, وقال: الإهلال فريضة, وعنه: سنة, وسبق كلامهم في نية الصوم2..
وواجباته: الإحرام من ميقاته. والوقوف إلى الغروب. والمبيت بمزدلفة, على الأصح, ولو غلبه نوم بعرفة, نقله المروذي.. وفي الواضح فيه وفي مبيت منى: ولا عذر إلى بعد3 نصف الليل. والرمي, وكذا ترتيبه, على الأصح.
ـــــــ
على نية الصلاة, ونية الصلاة شرط, فكذا يجب أن يكون الإحرام يجوز فعله قبل دخول وقت الحج, فوجب أن يكون شرطا كالطهارة مع الصلاة. وقال أيضا في باب الإحرام: والأشبه أنه شرط, كما ذهب إليه بعض أصحابنا, كنية الوضوء, انتهى.
فلعل قوله هنا "ولم أجد أحدا ذكر أنه شرط" يعني عن الإمام أحمد, أو لعله لم يستحضر حال شرح هذا المكان من قال بذلك, واستحضره في باب الإحرام, وهذا أولى, وإلا كان كلامه متناقضا, وهو قد شرح باب الإحرام قبل هذا المكان, والله أعلم
ـــــــ
1 ص158.
2.4/451 وما بعدها.
3 ليست في الأصل

(6/69)


وطواف الوداع, في الأصح, وهو الصدر, وقيل الصدر: طواف الزيارة, وظاهر قولهم ولو لم يكن بمكة, قال الآجري: يطوفه متى أراد الخروج من مكة أو منى أو من1 نفر آخر, قال في الترغيب: لا يجب على غير الحاج, ونقل محمد بن أبي حرب: والقدوم. والحلق والتقصير والمبيت بمنى, على الأصح فيهما. وفي الدفع مع الأمام روايتان "م 17".
والمبيت بمنى ليلة عرفة سنة, قطع به في الإرشاد2 والخلاف والفصول والمذهب والكافي3 ; لأنها استراحة. وفي الرعاية: واجب,
ـــــــ
"مسألة 17" قوله: وفي الدفع مع الإمام روايتان "يعني من عرفة. وأطلقهما في الرعايتين والحاويين, ويعني هل هو واجب أو سنة؟ "إحداهما" هو سنة, وهو الصحيح, قاله الشيخ الموفق والشارح. قال الزركشي: هو اختيار جمهور الأصحاب, وقدمه في المحرر والفائق "والرواية الثانية" أن الدفع معه واجب, وقد قطع الخرقي أن عليه دما بتركه. فهذه سبع عشرة مسألة قد فتح الله علينا بتصحيحها, فله الحمد والمنة.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 ص157.
3 ص 62.

(6/70)


وفي عيون المسائل: يجب الرمل والاضطباع. ونقل حنبل: إذا نسي الرمل فلا شيء عليه إذا نسي, وكذا قاله الخرقي وغيره.
وأركان العمرة: الطواف. وفي إحرامها, وإحرامها من ميقاتها والسعي والحلق أو التقصير الخلاف في الحج, وفي الفصول: السعي فيها ركن, بخلاف الحج ; لأنها أحد النسكين, فلا يتم إلا بركنين, كالحج.
ولا يكره الاعتمار في السنة أكثر من مرة م ويكره الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف, اختاره الشيخ وغيره, قال أحمد: إن شاء كل شهر, وقال: لا بد يحلق أو يقصر, وفي عشرة أيام يمكن, واستحبه جماعة. ومن كره1 أطلق, ويتوجه أن مراده إذا عوض بالطواف, وإلا لم يكره, خلافا لشيخنا, وفي الفصول: له أن يعتمر في السنة ما شاء.
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1 بعدها في "س": "الحلق".

(6/71)


ويستحب تكرارها في رمضان ; لأنها تعدل حجة, للخبر1, وكره شيخنا الخروج من مكة لعمرة تطوع, وأنه بدعة ; لأنه لم يفعله عليه السلام هو ولا صحابي على عهده إلا عائشة, لا في رمضان ولا غيره, اتفاقا. ولم يأمر عائشة, بل أذن لها بعد المراجعة لتطييب قلبها, قال: وطوافه, ولا يخرج أفضل, اتفاقا. وخروجه عند من لم يكرهه على سبيل الجواز, كذا قال.
وذكر أحمد في رواية صالح أن من الناس من يختارها على الطواف, ويحتج باعتمار عائشة. ومنهم من يختار. الطواف وهي أفضل في رمضان, قال أحمد: هي فيه تعدل حجة, قال: وهي حج أصغر. قال شيخنا: قوله عليه السلام "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" 2 يدخل فيه بإحرام العمرة ; ولهذا أنكر أحمد على من قال: إن حجة التمتع حجة3 مكية, نقله الأثرم, وهي عند أحمد بعض حجة الكامل, بدليل صومها.
فمن ترك ركنا أو النية لم يصح نسكه ومن ترك واجبا ولو سهوا جبره بدم, فإن عدمه فكصوم المتعة والإطعام عنه. وفي الخلاف وغيره: الحلق والتقصير لا ينوب عنه ولا يتحلل إلا به, على الأصح. ومن ترك سنة فهدر, قال في الفصول وغيره: ولم يشرع الدم عنها ; لأن جبران
ـــــــ
1 أخرج البخاري "1782", ومسلم "91256" "221", عن ابن عباس بلفظ: "عمرة في رمضان تعدل حجة"
2 أخرجه البخاري "1819", ومسلم "1350" "438", من حديث أبي هريرة.
3 ليست في الأصل.

(6/72)


الصلاة أدخل, فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره.
وتكره تسمية من لم يحج صرورة1, لقوله عليه السلام "لا صرورة في الإسلام" 2 و ; لأنه اسم جاهلي. وأن يقال: حجة الوداع ; لأنه اسم على أن لا يعود3, قال: وأن يقال: شوط بل طوفة وطوفتان. وقال في فنونه: إنه لما حج صلى بين عمودي البيت إلى أربع جهات. لتكون الموافقة داخلة. وسلم على قبور الأنبياء كآدم وغيره, لما روي. إن بمكة ألوفا من الأنبياء4 ولم يرجم قبر أبي لهب, لما علم من كراهة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حق أهله5, ونزل عن الظهر منذ لاحت مكة, احتراما وإعظاما لها, واختفى في الطواف عن الناس وأبعد عنهم, ولم يملأ عينيه منها6, ولم يشتغل بذاتها, بل باستحضار الشرف, ولما تعلق بستورها تعلق بالعتيق, لطول ملامسته لها, وأذن في الحرم مدى صوته, وأكثر المشي فيه والصلاة, ليصادف بقعة فيها أثر الصالحين, ولم يدع بسعة الرزق بل بالصلاح, وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم7 عن الأصحاب واعتذر لهم بالعجز عن النهضة, ونزل في الروضة وصلى في موضع المحراب الأول, وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في
ـــــــ
1 هو الذي لم يحج سمي بذلك لصره على نفقته لأنه لم يخرجها في الحج.
2 أخرجه أبو داود "1729" من حديث ابن عباس.
3 هنا نهاية السقط في النسخة "ب".
4 لم نقف عليه.
5 كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي" . الدر المنثور 4/44 وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا مسلما بشتم كافر". أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 4/75.
6 أي: من الكعبة.
7 بعدها في "ط": "وسلم".

(6/73)


الدعاء, وأشار إلى قبره حينئذ, ولم يعظ في الحرم, لاغتنام الأوقات.
وليس من تمام الحج ضرب الجمالين, خلافا للأعمش, وحمل ابن حزم قوله على الفسقة منهم, ويتوجه أن يمشي ناويا بذلك الإحسان إلى الدابة وصاحبها, وأنه في سبيل الله. وقد كان ابن المبارك يمشي كثيرا, فسأله رجل: لم تمشي؟ فلم يرد أن يخبره, فقبض على كمه وقال: لا أدعك حتى تخبرني, قال: فدعني حتى أخبرك. فقال: أليس يقال في حسن الصحبة؟ قلت: بلى, قال: فإن هذا من حسن الصحبة مع الجمال, أليس يقال: من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار؟ قلت: بلى, قال: هذا في سبيل الله. ونحن نمشي فيه, أليس يقال: إدخال السرور على المسلم صدقة؟ قلت: بلى, قال: فإن هذا الجمال كلما مشينا سره قلت: بلى. قال السائل: هذا أحب إلي من ألف درهم رواه الحاكم في تاريخه.
ويعتبر في ولاية تسيير الحجيج كونه مطاعا ذا رأي وشجاعة وهداية, وعليه جمعهم وترتيبهم وحراستهم في المسير والنزول والرفق بهم والنصح, ويلزمهم طاعته في ذلك, ويصلح بين الخصمين, ولا يحكم إلا أن يفوض إليه, فيعتبر كونه من أهله. وقال الآجري: يلزمه علم خطب الحج والعمل بها. قال شيخنا: ومن جرد معهم وجمع له من الجند المقطعين1 ما يعينه2 على كلفة الطريق أبيح له, ولا ينقص أجره, وله
ـــــــ
..........................................
ـــــــ
1 أي الذين لا ديوان لهم. "القاموس": "قطع".
2 في "س": "يغنيه".

(6/74)


أجر الحج والجهاد وهذا كأخذ بعض الأقطاع ليصرفه في المصالح, وليس في هذا خلاف, ويلزم المعطي بذل ما أمر به.
وشهر السلاح عند قدوم تبوك بدعة, زاد شيخنا: محرمة, قال: وما يذكره الجهال في حصار تبوك كذب, فلم يكن بها حصن ولا مقاتلة, وإن مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كانت بضعا وعشرين لم يقاتل فيها إلا في تسع: بدر, وأحد, والخندق, وبني المصطلق, والغابة1, وفتح خيبر, وفتح مكة, وحنين والطائف2.والله تعالى أعلم.
ـــــــ
............................................
ـــــــ
1 هي غزوة ذي قرد.
2 السيرة النبوية لابن كثير 4/431.

(6/75)


باب الفوات والإحصار
من فاته الوقوف لعذر حصر أو غيره أو لا انقلب إحرامه عمرة, اختاره الأكثر, قارنا وغيره ; لأن عمرته لا تلزمه أفعالها, وإنما يمنع من عمرة على عمرة إذا لزمه المضي في كل منهما, ولا تجزئه عن عمرة الإسلام, في المنصوص, لوجوبها كمنذورة, وعنه: لا ينقلب ويتحلل بعمرة, اختاره ابن حامد, ذكره القاضي, فيدخل إحرام الحج على الأولة فقط. وقال أبو الخطاب: وعلى الثانية يدخل إحرام العمرة ويصير قارنا, احتج القاضي بعدم الصحة على أنه لم يبق إحرام الحج وإلا لصح وصار قارنا, واحتج به ابن عقيل وبأنه لو جاز بقاؤها لجاز أداء أفعال الحج به في السنة المستقبلة, وبأن الإحرام إما أن يؤدى به حجة أو عمرة, فأما عمل عمرة فلا, وذكر جماعة عن ابن حامد: يتحلل بطواف وسعي وليس عمرة, والمذهب لزوم قضاء النفل "و" كالإفساد.
وفي الفصول: لا يلزم فسخ الحج إلى العمرة ; لأنه لو كان محرما بحجة نفل ففسخه لزمه قضاء الحج, وعنه: لا, قدمه في المستوعب والترغيب وغيرهما, ويلزمه إن لم يشترط1 أولا هدي على2
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1 في الأصل: "يلزمه".
2 بعدها في "ط": "الصحيح".

(6/76)


الصحيح الأصح, قيل: مع القضاء, وقيل: يلزمه في عامه "هـ" دم, ولا يلزمه1 ذبحه إلا مع القضاء إن وجب بعد تحلله منه كدم التمتع, وإلا في عامه "م 1" وسواء كان ساق. هديا أم لا, نص عليه. وفي الموجز: وهو بدنة,
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: ويلزمه هدي على الأصح يعني من فاته الوقوف بعرفة مطلقا قيل: مع القضاء, وقيل: يلزمه في عامه دم, ولا يلزمه ذبحه إلا مع القضاء إن وجب بعد تحلله منه, كدم التمتع, وإلا في عامه, انتهى. هذه العبارة فيها نوع خفاء في إطلاق الخلاف وحكم المسألة, وقد قال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والهادي والتلخيص والبلغة والرعاية الصغرى والنظم والحاويين والفائق والزركشي وغيرهم: إن قلنا لا يقضي أخرجه من عامه, وإن قلنا يقضي أخرجه في عام القضاء, وقطعوا بذلك, فظاهر كلامهم أن هذا الهدي الذي يخرجه قد وجب عليه من حين الفوات. وقال في المستوعب: يجب عليه هدي لأجل الفوات يخرجه في سنته إن قلنا: لا قضاء عليه. وإن قلنا: عليه القضاء, أخرجه في سنة القضاء, فإن أخرجه من سنته لم يجزئه, فعلى هذا متى يكون قد وجب عليه؟ فيه وجهان: "أحدهما" وجب في سنته ولكن يؤخر إخراجه إلى قابل. "والثاني": أنه لم يجب إلا في سنة القضاء, انتهى. وقال في الرعاية الكبرى: ويخرجه في سنة الفوات فقط إن سقط القضاء, وإن وجب فمعه لا قبله, سواء وجب الهدي سنة الفوات, في وجه, أو سنة القضاء, انتهى. وتابع في ذلك صاحب المستوعب, وما قاله في المستوعب هو مراد المصنف, والله أعلم
ـــــــ
1 في "ب" و "س":"يجزيه".
2 5/424
3 463-464.
4 المقنع مع الشرح الكبر

(6/77)


فإن عدمه زمن الوجوب صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج وسبعة إذا
ـــــــ
وتقدير كلامه1: ويلزمه هدي, قيل: لزومه مع القضاء, أو في عام القضاء, ويدل على هذا التقدير أيضا قوله في قوله القول الآخر "وقيل: يلزمه في عامه دم" وقوله "دم" هنا لا حاجة إلى ذكره قطعا ; لأن الكلام ومحل الخلاف إنما هو في الهدي الذي لزمه لأجل الفوات, وقد ذكره المصنف بقوله: "ويلزمه هدي, على الأصح" وقوله بعد القول الثاني "ولا يلزمه ذبحه إلا مع القضاء" صحيح, وقوله بعد ذلك "إن وجب" يحتمل أن يكون شرطا لقوله في أول المسألة "قيل مع القضاء" أي قيل: يلزمه الهدي مع القضاء إن وجب القضاء, ويحتمل أن يكون شرطا لقوله "ولا يلزمه ذبحه إلا مع القضاء إن وجب" والأول أحسن, وقوله: "بعد تحلله منه" يتعلق بقوله "يلزمه" وتقديره: ولا يلزمه ذبحه إلا مع القضاء بعد تحلله منه, وقوله "وإلا في عامه" أي وإن قلنا لا يقضي لزمه في عامه, والله أعلم.
إذا علم ذلك فقد رأيت على بعض النسخ في حاشيتها مكتوب "هنا بياض وحزر بذلك المكتوب" وأكثر النسخ ليس فيها ذلك. والله أعلم.
عدنا إلى تصحيح الخلاف المطلق, فالمصنف قد أطلق الخلاف في وقت وجوب دم الفوات هل وجب في عام الفوات ويؤخر ذبحه إلى عام القضاء؟ أو وجب في عام القضاء ويذبح فيه بعد تحلله منه؟ وأطلقهما في المستوعب, ويظهر لي أن في كلام الرعاية نقصا أيضا, وتقديره: أو سنة القضاء في آخر, أي في وجه آخر, فيكون قد أطلق الخلاف أيضا,
أحدهما: وجوبه من حين الفوات ولكن يؤخر إلى القضاء, وهو الصحيح من المذهب, وهو ظاهر كلام من سمينا من الأصحاب قبل ذلك.
والقول بأنه وجب2 في عام القضاء بعيد جدا فيما يظهر, ولم أطلع على من ذكر هذه المسألة سوى هؤلاء الثلاثة والله أعلم.
ـــــــ
1 أي: المصنف.
2 ليست في "ح" و "ط".

(6/78)


رجع "1إلى أهله,1" وقال الخرقي: يصوم عن كل مد من قيمته يوما. وعنه: يمضي في حج فاسد ويقضيه.
وإن وقف الناس الثامن أو العاشر خطأ أجزأ, نص عليهما, قال شيخنا: وهل هو يوم عرفة باطنا؟ فيه خلاف في مذهب أحمد, بناء على أن الهلال اسم لما يطلع في السماء, أو لما يراه الناس ويعلمونه, وفيه خلاف مشهور في مذهب أحمد وغيره,
وذكر في موضع آخر أن عن أحمد فيه روايتين, قال: والثاني الصواب. ويدل عليه لو أخطئوا: الغلط. في العدد أو في الطريق ونحوه فوقفوا العاشر لم يجزئهم "ع" فلو اغتفر الخطأ للجميع لاغتفر لهم في غير هذه الصورة بتقدير وقوعها, فعلم أنه يوم عرفة باطنا وظاهرا, يوضحه أنه لو كان هنا خطأ وصواب لا يستحب الوقوف مرتين, وهو بدعة, لم يفعله السلف, فعلم أنه لا خطأ,
ومن اعتبر كون الرائي من مكة دون مسافة القصر أو بمكان لا تختلف فيه المطالع فقول لم يقله أحد من السلف في الحج, فلو رآه طائفة قليلة لم ينفردوا بالوقوف, بل الوقوف مع الجمهور, ويتوجه وقوف مرتين إن وقف بعضهم لا سيما من رآه,
ـــــــ
.............................................
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من "ط".

(6/79)


وصرح جماعة: إن أخطئوا لغلط في العدد أو في الرؤية أو الاجتهاد مع الإغماء أجزأ, وهو ظاهر كلام الإمام وغيره: وإن أخطأ بعضهم وفي الانتصار عدد يسير. وفي التعليق فيما إذا أخطئوا القبلة قال: العدد الواحد والاثنان. وفي الكافي1 والمحرر: نفر, قال ابن قتيبة يقال: إن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة, وقيل في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} [الاحقاف: 29] قيل: سبعة, وقيل: تسعة, وقيل: اثنا عشر ألفا, قال ابن الجوزي: ولا يصح ; لأن النفر لا يطلق على الكثير فاته, وقيل: كحصر عدو ونقل عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم. "عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه" 2 فإذا شك الناس في عرفة, فقال قوم: يوم النحر, فوقف الإمام بالناس يوم عرفة, ثم علم أنه يوم النحر, أجزأهم..
ومن منع البيت واحدا أو الكل بالبلد أو الطريق ظلما وفي الإرشاد3 والمبهج والفصول: في غير عمرة ; لأنها لا تفوت ولو خاف في ذهابه ورجوعه, وفيه في الخلاف منع وتسليم, قال في
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1 2/465.
2 أخرجه الدارقطني في سننه 2/223.
3 ص 175.

(6/80)


الانتصار: وأمكنه التخلص إلى جهة قبل الوقوف أو بعده, نص عليه, وذكر الشيخ: بل قبل تحلله الأول, ولم يجد طريقا آمنة ولو بعدت, وفات الحج فله التحلل بأن ينحر هديا بنية التحلل به وجوبا مكانه, كالحلق يجوز له فقط في الحل, قاله في الانتصار, وذكر غيره: يجوز له ولغيره في الحل, وعنه: ينحره في الحرم, وعنه: مفرد وقارن يوم النحر, وفي الكافي1: وكذا من معه هدي, ويحل2.
والمحصر يلزمه هدي واحد, وذكر القاضي وغيره: إن تحلل بعد فواته فهديان لتحلله وفواته. ومن حصر عن واجب لم يتحلل, بل عليه دم له, وقال القاضي: يتوجه فيمن حصر بعد تحلله الثاني يتحلل وأومأ إليه,
والتحلل مباح لحاجته في الدفع إلى قتال أو بذل مال, فإن كان يسيرا والعدو مسلما ففي وجوب البذل وجهان "م 3" ومع كفر العدو يستحب قتاله إن قوي المسلمون,. وإلا فتركه أولى.
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: والتحلل مباح لحاجته في الدفع إلى قتال أو بذل مال, فإن كان يسيرا والعدو مسلما ففي وجوب البذل وجهان, انتهى.
"أحدهما" يجب بذله, وهو الصحيح, قال الشيخ الموفق والشارح: قياس المذهب وجوب بذله, كالزيادة في ثمن الماء للوضوء, انتهى. "قلت": بل هنا أولى.
"والوجه الثاني" لا يجب بذل خفارة بحال, وله التحلل, كما في ابتداء الحج لا يلزمه إذا لم يجد طريقا آمنا من غير خفارة, نقله الشيخ والشارح عن بعض الأصحاب, قال في الرعاية: ومن حصره عدو مسلم أو كافر عن البيت واحتاج في دفعه إلى قتال أو بذل مال كثير وقلنا: لا يجب لدفع عن نفسه أو يسير وقلنا: لا يجب دفعه, في الأصح,
ـــــــ
1 2/466-467.
2 ليست في الأصل.

(6/81)


وإن عدم الهدي صام عشرة أيام1 بالنية, كمبدله, ثم حل, نقله الجماعة, ولا إطعام فيه, وعنه: بلى. وقال الآجري: إن عدم الهدي مكانه قومه طعاما وصام عن كل مد يوما وحل, وأحب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر, فإن صعب عليه حل ثم صام,
وفي وجوب حلق أو تقصير روايتان, قيل: مبني على أنه نسك أو لا وقيل لا يجب هنا "*" "م 3" لعدم. ذكره في الآية ; ولأنه مباح ليس بنسك
ـــــــ
ولا طريق له إلى البيت ترك قتاله مع جوازه, انتهى. فصحح أنه لا يجب دفعه.
"مسألة 3" قوله: وفي وجوب حلق أو تقصير روايتان, قيل: مبني على أنه نسك أو لا, وقيل: لا يجب هنا, انتهى. اختلف الأصحاب في الحلق والتقصير للمحصر, فقيل: فيه روايتان مبنيتان على أنه هل هو نسك أو إطلاق من محظور؟ وهذه الطريقة جزم بها في الكافي2, وقدم في الرعاية الكبرى الوجوب, واختاره القاضي في التعليق وغيره. وقال الشيخ في المغني3 والشارح: وهل يلزمه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي أو الصيام؟ فيه روايتان, ولعل هذا ينبني على الخلاف في الحلق, هل هو نسك أو إطلاق من محظور؟ انتهى.
فعلى هذه الطريقة يجب عليه الحلق أو التقصير, على الصحيح ; لأن الصحيح من المذهب أنه نسك, فكذا يكون هنا, وقيل: لا يجب هنا حلق ولا تقصير, وإن قلنا بوجوبه في حق غير المحصر, لعدم ذكره في الآية ; ولأنه مباح ليس بنسك خارج الحرم, وهذه الطريقة الثانية. وقد قدم في المحرر عدم الوجوب, وكذا ابن رزين, وهو ظاهر كلام الخرقي.
"*" تنبيه : في قوله: وفي وجوب حلق أو تقصير روايتان, قيل: مبني على أنه
ـــــــ
1 ليست في "ب" و "ط".
2 2/468.
3 5/201.

(6/82)


خارج الحرم ; لأنه من توابع الإحرام كرمي وطواف,
ولو نوى التحلل قبل هدي وصوم لم يحل, ولزمه دم لتحلله, وذكر الشيخ: لا,
ولا يلزمه قضاء نفل, نقله الجماعة. ونقل أبو الحارث وأبو طالب: بلى "و هـ" ومثله من جن أو أغمي عليه, قاله في الانتصار, وخرج منها في الواضح مثله في منذورة وذكر بعض أصحابنا في كتابه الهدي: لا يلزم المحصر هدي ولا قضاء لعدم أمر الشارع بهما, كذا قال, واستحسن ابن هبيرة: ولا فرض بعد إحرامه "و م ر"
وإن منع في حج عن عرفة تحلل بعمرة مجانا, وعنه: كمن منع البيت, وعنه: كحصر مرض, وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة بقي محرما حتى يقدر على البيت, فإن فاته الحج تحلل بعمرة, نقله الجماعة,
ولا ينحر هديا معه إلا بالحرم, نص على التفرقة, وفي لزوم القضاء والهدي الخلاف, وأوجب الآجري القضاء هنا,. وعنه: يتحلل كمحصر بعدو1. واختاره شيخنا, وأن مثله حائض تعذر مقامها وحرم طوافها, أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزيارة, أو لعجزها عنه ولو
ـــــــ
نسك أو لا, وقيل: لا يجب هنا "إيهام ; لأنه أثبت أولا الروايتين ثم نفاهما في القول الثاني, وكان الأحسن أن يقول: قيل في حلق أو تقصير روايتان مبنيتان على كونه نسكا أم لا, وقيل: لا يجب هنا. وعلى ما قاله يوهم أن فيه روايتين من غير بناء, ولم يقله أحد. والله أعلم.
فهذه ثلاث مسائل قد صححت ولله الحمد.
ـــــــ
1 في الأصل: "بعذر", وفي "ط": "بعد".

(6/83)


لذهاب الرفقة, وكذا من ضل الطريق, ذكره في المستوعب, وفي التعليق: لا يتحلل, واحتج شيخنا لاختياره بأن الله لم يوجب على المحصر أن يبقى محرما حولا بغير اختياره, بخلاف بعيد أحرم من بلده ولا يصل إلا في عام, بدليل تحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حصروا عن إتمام العمرة1 مع إمكان رجوعهم محرمين إلى العام القابل, واتفقوا أن من فاته الحج لا يبقى محرما إلى العام القابل.
ويقضي عبد كحر, وفيه في رقه الوجهان, وصغير كبالغ. ويقضي من حل في حجة فاسدة في سنته إن أمكنه, قال جماعة: ولا يتصور في غيرها, وقيل للقاضي: لو جاز طوافه في النصف الأخير لصح أداء حجتين في عام, ولا يجوز "ع" ; لأنه يرمي ويطوف ويسعى فيه ثم يحرم بحجة أخرى ويقف بعرفة قبل الفجر ويمضي فيها, ويلزمكم أن تقولوا به ; لأنه إذا تحلل من إحرامه فلا معنى لمنعه منه, فقال القاضي: لا يجوز,
وقد نقل أبو طالب فيمن لبى بحجتين لا يكون إهلالا بشيئين ; لأن الرمي عمل واجب بالإحرام السابق, فلا يجوز مع بقائه أن يحرم بغيره, وقيل: يجوز في مسألة المحصر هذه.والله أعلم2.
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1807" من حديث ابن عمر.
2 هنا نهاية النقل من النسخة المكملة لنسخة الأصل.

(6/84)


باب الهدي والأضحية
تجوز الأضحية من الغنم "ع" ومن الإبل والبقر "و" لا من غيرهن من طائر وغيره, وكذا الهدي, وأفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم والأسمن والأملح أفضل. قال أحمد: يعجبني البياض. ونقل حنبل أكره السواد1 روى أحمد2: حدثنا شريح ويونس: حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن أبي عاصم الغنوي, عن أبي الطفيل: قلت لابن عباس, "3فذكر حديثا موقوفا, وفيه "فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين" قال ابن عباس3" لقد رأيتنا نتبع ذلك الضرب من الكباش. ورواه في المختارة من طريقة أبي عاصم تفرد4 عنه حماد, ووثقه ابن معين.
والذكر كأنثى. وقيل: هو أفضل, وقدم في الفصول: هي,
ولا يجزئ إلا جذع ضأن وثني من غيره, فالإبل خمس, والبقر سنتان, والمعز سنة وفي الإرشاد5: للجذع ثلثا سنة, ولثني بقر ثلاث, ولإبل ست كاملة, ويجزئ أعلى سنا. وفي التنبيه: وبنت مخاض عن واحد,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل: "السوداء".
2 في "المسند" "2707".
3 ليست في "س".
4 بعدها في "ط": "به".
5 ص 371.

(6/85)


وحكى رواية, ونقل أبو طالب: جذع إبل وبقر عن واحد, اختاره الخلال, وسأله حرب: أيجزئ عن ثلاثة؟ قال: يروى عن الحسن, وكأنه سهل فيه. وجذع أفضل من ثني معز. قال أحمد: لا يعجبني. الأضحية إلا بالضأن, وقيل: الثني, وكل منهما أفضل من سبع وعند شيخنا: الأجر على قدر القيمة مطلقا.
وتجزئ1 شاة عن واحد, والمنصوص: وعن أهل بيته وعياله. وبدنة وبقرة عن سبعة, ويعتبر ذبحها عنهم, نص عليه, وسواء أرادوا قربة "2أو بعضهم وبعضهم لحما, نص عليه2" ; لأن القسمة إفراز نص عليه, ولو كان بعضهم ذميا في قياس قوله, قاله القاضي, وقيل للقاضي: الشركة له في الثمن توجب أن لكل واحد قسطا في اللحم, والقسمة بيع, فأجاب بأنها إفراز, فدل على المنع إن قيل هي بيع ولو بانوا بعد الذبح ثمانية ذبحوا شاة وأجزأهم, نقله ابن القاسم, ونقل منها: يجزئ سبعة ويرضون الثامن ويضحي.
وسبع شياه أفضل,
وهل زيادة العدد أفضل كالعتق؟ أم المغالاة في الثمن؟ "و ش" أم سواء؟ يتوجه ثلاثة أوجه "م 1" وسأله ابن منصور: بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة؟ قال بدنتان أعجب إلي.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وهل زيادة العدد أفضل كالعتق؟ أم المغالاة في الثمن؟ أم سواء؟ يتوجه ثلاثة أوجه, انتهى. قال في تجريد العناية: وتعدد أفضل نصا, وسأله ابن منصور: بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة؟ قال: ثنتان أعجب إلي. ورجح الشيخ
ـــــــ
1 ليست في الأصل و "ب".
2 ليست في الأصل.

(6/86)


ولا تجزئ عوراء انخسفت عينها وعمياء وهزيلة وعرجاء لا تتبع الغنم إلى المرعى, وقيل: إلى المنحر. وفي المستوعب والترغيب: لا تصحب جنسها, فدل أن الكسيرة لا تجزئ, وذكره في الروضة وجافة الضرع, وعلله أحمد بنقص الخلق, وما به مرض مفسد للحم, كجرباء, وما ذهب أكثر أذنه أو قرنه, نقله حنبل وغيره, ونقل أبو طالب وغيره: النصف فأكثر, وذكر الخلال"1 أنهم اتفقوا1" أن نصفه أو أكثر لا يجوز, وعنه: ثلثه, اختاره أبو بكر, وقيل: فوقه, وذكره2 ابن عقيل رواية, ويتوجه احتمال: يجوز أعضب القرن والأذن مطلقا ; لأن في صحة الخبر نظرا3, ثم الخبر4 الصحيح المشهور: "أربع لا تجوز في الأضاحي" يقتضي جواز الأعضب, فيكون النهي للكراهة, والمعنى يقتضي ذلك ; لأن القرن لا يؤكل والأذن لا يقصد أكلها غالبا, ثم هي كقطع الذنب, وأولى بالإجزاء. وذكر جماعة: وهتماء, وفي الترغيب والرعاية: التي ذهبت ثناياها من
ـــــــ
تقي الدين البدنة السمينة, قال في القاعدة السابعة عشر: وفي سنن أبي داود5 حديث يدل عليه, انتهى. "قلت": الصواب الأفضل الأنفع للفقراء, والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في الأصل
2 في "س": "وذكر".
3 إشارة إلى ما خرج أبو داود "2805", والترمذي "1504" والنسائي 7/217-218 وابن ماجه "3145", عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحي بعضباء الأذن والقرن.
4 أخرجه أبو داود "2802", والترمذي "1497" بنحوه والنسائي 7/215, وابن ماجه "3144" من حديث البراء ابن عازب.
5 برقم "1756", عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, قال: أهدى عمر نجيبا فأعطي بها ثلاث مئة دينار فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إني أهديت نجيبا فأعطيت بها ثلاث مئة دينار أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا؟ قال: "لا, انحرها إياها" .

(6/87)


أصلها, وقال شيخنا: الهتماء1 التي سقط2 بعض أسنانها تجزئ في أصح الوجهين.
وفي المستوعب والترغيب: وعصماء: التي انكسر غلاف قرنها ونقل جعفر في التي يقطع من أليتها دون الثلث: لا بأس, ونقل هارون: كل ما في الأذن وغيره من الشاة دون النصف لا بأس به, قال الخلال:. روى هارون وحنبل في الألية ما كان دون النصف أيضا, فهذه رخصة في العين وغيرها, واختيار أبي عبد الله: لا بأس بكل نقص دون النصف, وعليه أعتمد, قال: وروى جماعة التشديد في العين وأن تكون سليمة.
ويكره دون ثلث قرنه وأذنه3 وخرق وشق, ويجزئ, نقله الجماعة خلافا للإرشاد4. وفي جماء لم يخلق لها قرن وبتراء لا ذنب لها وذكر الشيخ: ولو قطع وجهان "م 2, 3" وكذا خصي مجبوب
ـــــــ
مسألة 2" قوله: وفي جماء لم يخلق لها قرن وبتراء لا ذنب لها وذكر الشيخ ولو قطع وجهان, انتهى. ذكر مسألتين.
"المسألة الأولى" هل تجزئ الجماء أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم
"أحدهما" يجزئ, وهو الصحيح, اختاره القاضي وابن البنا في خصاله
ـــــــ
1 في "ب": "الهتمي".
2 في "س": "ذهب".
3 في "س": "ودونه".
4 ص 372.

(6/88)


, ونصه: لا "م 4" ونقل حنبل: لا يضحي بأبتر ولا ناقصة الخلق ولا ذات. عيب من مرض إذا لم تبلغ المنسك, قال في الروضة: ولو
ـــــــ
, وجزم به في العمدة والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي ونهاية ابن رزين وغيرهم, وقدمه في المغني والكافي والمقنع والشرح وغيرهم, وصححه ابن منجى أو صاحب تصحيح المحرر "والوجه الثاني" لا يجزئ, اختاره ابن حامد, وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة.
"المسألة الثانية 3" البتراء وهي التي لا ذنب لها هل تجزئ أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في الرعايتين والحاويين والنظم والفائق وغيرهم, أحدهما تجزئ, وهو الصحيح جزم به في العمدة والمقنع والوجيز ونهاية ابن رزين وغيرهم, وقدمه في المغني الكافي والشرح وغيرهم, وهو ظاهر ما صححه ابن منجى في شرحه. والوجه الثاني لا تجزئ نقل حنبل: لا يضحي بأبتر ولا بناقصة الخلق, وقطع به في المستوعب والتلخيص.
"مسألة 4" قوله: وكذا خصي مجبوب, ونصه: لا, انتهى, يعني أن فيه الخلاف الذي أطلقه قبل ذلك, أو أنه لا يجزئ, وهو المنصوص, والصحيح من المذهب عدم

(6/89)


خلقت بلا أذن فكالجماء, وفي قائمة العين روايتان"1 "م 5" في الخلاف1" وقيل: وجهان, ويجزئ خصي بلا جب,
وظاهر كلام الإمام والأصحاب2 أن الحمل لا يمنع الإجزاء, وقيل له في الخلاف: الحامل لا تجزئ في الأضحية كذلك في الزكاة. فقال: القصد من الأضحية اللحم, والحمل ينقص اللحم, والقصد من الزكاة الدر والنسل, والحامل أقرب إلى ذلك من الحائل, فأجزأت.
ويستحب ذبح غير2 الإبل, ونحرها قائمة معقولة. اليد اليسرى, ونقل حنبل كيف جاء باركة وقائمة, في الوهدة بين أصل العنق والصدر,
ويسمي ويكبر, قال أحمد: حين يحرك يده بالذبح, ويقول3: اللهم
ـــــــ
الإجزاء, نص عليه, وجزم به في التلخيص وغيره وقدمه في الرعاية الكبرى, قال في المستوعب الصغرى والحاويين وغيرهم: ويجزئ الخصي غير المجبوب. فظاهره عدم الإجزاء إذا كان مجبوبا أيضا, وقيل: فيه الخلاف الذي في الجماء والبتراء, وهو الذي قدمه المصنف, فيكون فيه الخلاف المطلق الذي فيهما, والصحيح على هذه الطريقة الإجزاء كالجماء والبتراء, وجزم به ابن البنا في الخصال, وفسر الخصي بمقطوع الذكر.
"مسألة 5" قوله: وفي قائمة العين روايتان وقيل وجهان, انتهى. وأطلقهما في المستوعب والتلخيص و الرعاية وغيرهم,
إحداهما تجزئ, وهو الصحيح, قال الزركشي: أشهر الوجهين الإجزاء, قال في الرعاية الكبرى: ونص أحمد يجزئ ما بعينها بياض, وهو ظاهر كلامه في المقنع4
ـــــــ
1 ليست في "س" وفي الأصل و "ب": "في الخلال". والمثبت من "ط" و "الإنصاف" 9/345.
2 ليست في "س".
3 في "س": "ويقال".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/346.

(6/90)


منك ولك, ولا بأس بقوله: اللهم تقبل من فلان, نص عليه, وذكر بعضهم يقول: اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك, وقاله شيخنا, وإنه إذا ذبح قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" إلى قوله: "وأنا من المسلمين" 1 ويتولاه بنفسه أفضل2, ويحضر إن وكل, نص عليهما, وتعتبر نيته إذا إلا مع التعيين, لا تسمية المضحي عنه, وفي المفردات في أصول الدية يعتبر فيها النية, وعنه: لا يجوز أن يليها كتابي, وعنه: الإبل.
ـــــــ
وغيره. وهو ظاهر ما جزم به في المغني3 والشرح,4 فإنه قال: فإن كان على عينها بياض ولن تذهب جازت التضحية بها ; لأن عورها ليس يبين ولا ينقص ذلك لحمها انتهى.
والرواية الثانية لا يجزئ, جزم به في المحرر والمنور, قال في المستوعب: أصحهما لا يجزئ عندي
ـــــــ
1 المقصود كما ورد في الحديث الذي أخرجه أبو داود "2795" وابن ماجه "3121" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عندما وجه الكبشين للذبح: "إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك...." الحديث.
2 ليست في "س".
3 5/461.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/346.

(6/91)


ووقته بعد صلاة العيد "1وأسبقها بالبلد1", وعنه: والخطبة. وقال الخرقي وغيره: قدرهما, وهو رواية في الروضة وعنه: لا يجزئ قبل الإمام, قيل: لمن ببلده, وجزم به في عيون المسائل "م 6" وإن فات العيد. بالزوال ضحى إذا. وقال ابن عقيل يتبع الصلاة قضاء,2 كما يتبع أداء3 ما4 لم يؤخر عن أيام الذبح, فيتبع الوقت صرورة. والمقيم بموضع لا يلزمه قدر ذلك, على الخلاف, وفي الترغيب: هو كغيره, في الأصح,.
ـــــــ
.مسألة 6" قوله في وقت ذبح الأضحية: وعنه: يجزئ قبل الإمام, قيل: لمن ببلده, وجزم به في عيون المسائل, انتهى. "قلت": وهذا هو الصواب, وجزم به في الرعاية الكبرى, وهو ظاهر كلام الأصحاب, ولم يذكر المصنف ما يقابل هذا القول,
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 ليست في "س".
3 في "س" و "ط": "إذا".
4 في "س": "لما".

(6/92)


وأفضله أول يوم, ثم ما يليه. ومن ذبح قبل وقته صنع به ما شاء, وقيل: كأضحية وعليه بدل الواجب. وآخره آخر ثاني التشريق, وفي الإيضاح: آخر يوم, واختاره شيخنا. ويجزئ ليلا, نص عليه, وعنه: لا, اختاره الخلال وأنه رواية الجماعة1 والخرقي وغيرهما, فإن فات قضى الواجب كالأداء, وسقط التطوع. وفي التبصرة: ويكون لحما تصدق به لا أضحية في الأصح.
ـــــــ
وقد وقع له مثل ذلك في أواخر حكم الركاز3 وباب الصلاة على الميت,4 وتقدم الجواب عن ذلك في المقدمة5, "قلت": ويحتمل الإطلاق, وهو ظاهر الرواية, لكنه بعيد جدا, والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ب": "جماعة".

(6/93)


فصل: من نذر هديا
فكأضحية, وهو للحرم, وكذا إن نذر سوق أضحية إلى مكة, أو لله علي أن أذبح بها, وإن جعل دراهم هديا2 فللحرم, نقله المروذي وابن هانئ. وإن عين شيئا لغير الحرم ولا معصية فيه تعين به ذبحا وتفريقا, لفقرائه, ويبعث ثمن غير المنقول, قال أحمد فيمن نذر أن يلقي فضة في مقام إبراهيم: يلقيه لمكان نذره, واستحبه ابن عقيل فيكفر إن لم يلقه, وهو لفقراء الحرم. وفي التعليق والمفردات. وظاهر الرعاية له أن يبعث ثمن المنقول, وقال ابن عقيل: أو يقومه ويبعث
ـــــــ
وقد وقع له مثل ذلك في أواخر حكم الركاز3 وباب الصلاة على الميت,4 وتقدم الجواب عن ذلك في المقدمة5, "قلت": ويحتمل الإطلاق, وهو ظاهر الرواية, لكنه بعيد جدا, والله أعلم.
ـــــــ
2 ليست في "س".
3 4/184
4 3/332.
5 1/16.

(6/93)


القيمة. وقال القاضي وأصحابه: إن نذر بدنة فللحرم, لا جزورا, وإن نذر جذعة كفت ثنيته1 وأحسن, ونقل يعقوب فيمن جعل على نفسه أن يضحي كل عام بشاتين فأراد عاما أن يضحي بواحدة: إن كان نذرا فيوفي به وإلا كفارة يمين, وإن قال: إن لبست ثوبا من غزلك فهو هدي فلبسه أهداه أو ثمنه, على الخلاف.
ويسن سوق الهدي من الحل, ووقوفه بعرفة, وتقليده بنعل أو عروة, وإشعار البدن معه نص على ذلك بشق صفحة سنامها, أو محله اليمنى, وعنه: اليسرى, وعنه: يخير حتى يسيل الدم. وفي المنتخب: تقليد الغنم فقط, وهو ظاهر الكافي2, وأنه يجوز إشعار غير السنام, وذكره في الفصول عن أحمد. وفي المستوعب والترغيب: تقليد البدن جائز. وقال أحمد: البدن تشعر, والغنم تقلد. ونقل حنبل: لا ينبغي أن يسوقه حتى يشعره, ويجلله بثوب أبيض, ويقلده نعلا أو علاقة قربة, سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه3 رضي الله عنهم والبقر. فقط مثلها, ويتعين بقول: هذا هدي,
ـــــــ
1 في "ب" و"س" و "ط": "نيته".
2 2/472.
3 أخرجه البخاري "1696" ومسلم "321" "362" عن عائشة رضي الله عنها قالت: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها وأشعرها وأهداها فما حرم عليه شيئ كان أحل له. وأخرج البخاري "1706" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قال: إنها بدنة, قال: "اركبها" , قال: فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها.

(6/94)


أو أضحية, أو لله, ونحوه, وبالنية مع تقليد أو إشعار, وعنه: أو شراء, كشراء عرض للتجارة, وفرق ابن شهاب وغيره بأن هنا يزول المالك, ولا يزول بمجرد النية, كذا قال.
وفي الكافي1: إن قلده أو أشعره وجب, كما لو بنى مسجدا وأذن للصلاة فيه, ولم يذكر النية, وهو أظهر, ومن ذكرها قاس على هذه المسألة أيضا, فدل على اعتبارها في الوقف عنده, وأن الرواية في أنه لا يصح إلا بالقول هنا, ولا يجب بسوقه مع نيته, كإخراجه مالا للصدقة به, للخبر فيه,2 وقدم في المستوعب: لا يتعين إلا بقول, وكذا في الرعاية, وقال: وقيل: أو بالنية فقط, وقيل: مع تقليد أو إشعار وهو سهو. وفي الموجز والتبصرة: إن أوجبها بلفظ الذبح, نحو: لله علي ذبحها, لزمه وتفريقه على الفقراء, وهو معنى قوله في عيون المسائل, "3وإن قال3": لله علي ذبح هذه الشاة ثم أتلفها ضمنها, لبقاء المستحق لها, وإن قال: لله علي أن أعتق هذا العبد ثم أتلفه لم يضمنه ; لأن القصد من العتق تكميل الأحكام, وهو حق للعبد وقد هلك. وتأتي المسألة في النذر,
ومتى تعين أحدهما فله نقل الملك فيه وشراء خير منه, نقله الجماعة, واختاره الأكثر, وذكر ابن الجوزي أنه المذهب, واحتج القاضي
ـــــــ
1 2/473.
2 أخرج البخاري "1422" من حديث معن بن يزيد قال: كان ابي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يامعن" .
3 ليست في "س".

(6/95)


بأنه يجوز لو عطب, وأنه يكره فسخ التعيين, وعنه: يجوز لمن يضحي: وقيل: ومثله, قال أحمد: ما لم يكن أهزل, واختار في المنتخب. والخرقي والشيخ إبداله فقط, وعنه: يزول ملكه, اختاره أبو الخطاب, قال: كما لو نحره وقبضه, فعلى هذا لو عينه ثم علم عيبه لم يملك الرد, ويملكه على الأول, وعليهما إن أخذ أرشه فهل هو له؟ أو كزائد عن القيمة؟ على ما يأتي, فيه وجهان وذكر في الرعاية: التصرف في أضحية معينة كهدي وجها, وهو سهو. ولو بان مستحقا بعد تعيينه لزمه بدله, نقله علي بن سعيد1, ويتوجه فيه كأرش,
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: ومتى تعين أحدهما فله نقل الملك فيه وشراء خير منه وعنه: يجوز لمن يضحي, وقيل: ومثله... اختار في المنتخب والخرقي والشيخ إبداله فقط, وعنه: يزول ملكه. فعلى هذا لو عينه ثم علم عيبه لم يملك الرد, ويملكه على الأول, وعليهما إن أخذ أرشه فهل هو له؟ أو كزائد على القيمة؟ على ما يأتي, فيه وجهان, انتهى:
أحدهما: حكمه حكم الزائد على قيمة الأضحية, قدمه في المغني2 والشرح3, وهو الصواب.
والوجه الثاني: الأرش له, قدمه في الرعاية, وقيل: بل للفقراء, وقيل: بل يشتري لهم به شاة, فإن عجز فسهما من بدنة, فإن عجز فلحما
ـــــــ
1 هو: علي بن سعيد بن جرير بن ذكوان النسائي أبو الحسن نزيل نيسابور وكان متقنا من جلساء أحمد "ت 257هـ.". تهذيب التهذيب 3/165.
2 5/441.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/375-376.

(6/96)


ويذبح الولد معه عينها حاملا أو حدث بعده, وإن تعذر حمله وسوقه فكهدي عطب, وله شرب فاضل لبنه, وإلا حرم, وله ركوبه لحاجة, وعنه: مطلقا, قطع به في المستوعب والترغيب وغيرهما, بلا ضرر, ويضمن نقصه,. وظاهر الفصول وغيره: إن ركبه بعد الضرورة ونقص, وله جز الصوف لمصلحة ويتصدق به, زاد في المستوعب: ندبا. وفي الروضة: يتصدق به إن كانت نذرا,
وإن ذبحه ذابح بلا إذن ونوى عن الناذر وفي الترغيب وغيره: أو أطلق, وجزم به في عيون المسائل أجزأ ولا ضمان لإذنه عرفا أو إذن الشرع وإلا فروايتان في الإجزاء "م 8" فإن لم يجزئ ضمن ما بين كونها حية إلى مذبوحة, ذكره في عيون المسائل, بخلاف من نذر في ذمته فذبح عنه من غنمه لا يجزئ ويضمن, لعدم التعيين, وقيل: يعتبر على رواية الإجزاء أن يلي ربها تفرقتها, وإلا ضمن الأجنبي قيمة لحم, وإن على عدم الإجزاء يعود ملكا.
ـــــــ
مسألة - 8 قوله: وإن ذبحه ذابح بلا إذن ونوى عن الناذر وفي الترغيب وغيره: أو أطلق, وجزم به في عيون المسائل أجزأ ولا ضمان, لإذنه عرفا وإذن الشارع, وإلا فروايتان في الإجزاء انتهى. يعني إذا لم ينو:
إحداهما: يجزئ مطلقا ولا ضمان عليه, صححه الناظم, وقدمه في الرعاية الكبرى, قال ابن عبدوس في تذكرته: لا أثر لنية فضولي, وقيل: يعتبر على هذه الرواية أن يلي ربها تفريقها, وقال في القاعدة السادسة والسبعين: وأما إذا فرق الأجنبي اللحم فقال الأصحاب: لا يجزئ, وأبدى ابن عقيل في فنونه احتمالا بالإجزاء, ومال إليه ابن رجب وقواه

(6/97)


وقد ذكروا في كل تصرف غاصب. حكمي عبادة وعقد الروايات, ولا ضمان على ربه قبل ذبحه وبعده ما لم يفرط, نص عليه. ولو فقأ عينه تصدق بأرشه. ولو مرض فخاف عليه فذبحه فعليه, ولو تركه فمات فلا, قاله أحمد. وإن فرط ضمن القيمة يوم التلف, يصرف في مثله كأجنبي, وقيل: أكثر القيمتين من الإيجاب إلى التلف. وفي التبصرة: منه إلى النحر, وقيل: من التلف إلى وجوب النحر, وجزم به الحلواني, فإن بقي من القيمة شيء صرف أيضا, فإن لم يكن تصدق به, وقيل: يلزمه شراء لحم يتصدق به.
وإن ضحى كل منهما عن نفسه بأضحية الآخر غلطا كفتهما ولا ضمان, استحسانا. والقياس ضدهما, ذكره القاضي وغيره, ونقل الأثرم وغيره في اثنين ضحى هذا بأضحية هذا يترادان اللحم ويجزئ, وأخذ منه في الانتصار رواية الإجزاء السابقة, وإن عطب قال جماعة: أو خاف ذلك لزمه ذبحه مكانه وأجزأه, ويحرم عليه وعلى رفقته, زاد في الروضة: ولا بدل عليه, وأباحه في الخلاف والانتصار له مع فقره, واختار في التبصرة إباحته لرفيقه الفقير.
ويستحب غمس نعله في دمه وضرب صفحته بها ليأخذه الفقراء, وكذا هدي التطوع العاطب إن دامت نيته فيه قبل ذبحه, وإن تعيب المعين
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يجزئ, اختاره ابن رجب في قواعده, وجعل المسألة رواية واحدة, ونزلها1 على اختلاف حالين, وأطلقهما في المستوعب والتلخيص والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم.
1 في "ح" و "ط": "نزلهما".

(6/98)


بغير فعله ذبحه وأجزأه, نص عليه فيمن1 جر بقرنها إلى المنحر فانقلع, كتعيينه معيبا فبرأ, وعند القاضي: القياس2 لا, وإن كان المعين عن واجب في الذمة فتعيب أو تلف أو ضل أو عطب لزمه بدله, ويلزمه. أفضل مما في الذمة إن كان تلفه بتفريطه"*". قال أحمد: من ساق هديا واجبا فعطب أو مات فعليه بدله, وإن شاء باعه, وإن3 نحره يأكل منه ويطعم ; لأن عليه البدل, وكذا أطلقه في الروضة أن الواجب يصنع به ما شاء وعليه بدله, وفي بطلان تعيين الولد وجهان. وفي الفصول في تعيينه4 هنا احتمالان "م 9" وليس له استرجاع المعيب والعاطب والضال الموجود, على الأصح. وإن ذبحه عما في ذمته فسرق سقط الواجب, نقله
ـــــــ
5"*" تنبيه : قوله: "ويلزمه أفضل مما في الذمة إن كان تلفه بتفريطه" ظاهره مشكل, ومعناه إذا عين عما في الذمة أزيد مما في الذمة ثم تلف بتفريطه فإنه يلزمه مثل الذي تلف وإن كان أفضل مما كان في الذمة, لأن الواجب تعلق بما عينه في الذمة6, وهو أزيد, فلزمه مثله, وهو أزيد مما في الذمة. صرح به في المغني7 والشرح8 وغيرهما.
"مسألة 9" قوله: وفي بطلان تعيين الولد وجهان. وفي الفصول في تعيينه هنا احتمالان انتهى وأطلقهما الزركشي, قال في المغني9 والشرح10: إذا قلنا
ـــــــ
1 في "ط": "فمن".
2 ليست في "س".
3 بعدها في الأصل: "شاء".
4 في الأصل و "س": "تبعيته".
5 ليست في "ح".
6 بعدها في "ط": "وهو أزيد فلزمه مثله".
7 5/437.
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/390-391
9 5/442.
10 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/381.

(6/99)


ابن منصور "ش" ; لأن التفرقة لا تلزمه, بدليل تخليته بينه وبين الفقراء, قال في الخلاف والفصول: لأنه تعينت صدقته به1, كنذر الصدقة بهذا الشيء. وقيل ذبحه لم يتعين, بدليل أن له بيعه, عندنا. وتقدم2 قول أبي الخطاب, كما لو نحره وقبضه. وإن عين معيبا تعين, وكذا عما في ذمته, ولا يجزئه. ويقدم ذبح واجب على نفل.
ـــــــ
يبطل تعيينها3 وتعود إلى مالكها احتمل أن يبطل التعيين في ولدها تبعا, كما ثبت تبعا, قياسا على نمائها4 المتصل بها, واحتمل أن لا يبطل ويكون للفقراء ; لأنه تبعها في الوجوب حال اتصاله بها, ولم يتبعها في زواله ; لأنه صار منفصلا عنها, فهو كولد المبيع المعيب إذا ولد عند المشتري ثم رده لا يبطل المبيع في ولدها, والمدبرة إذا قتلت سيدها فبطل تدبيرها لا يبطل في ولدها, انتهى.
وقدم ابن رزين أنه يتبعها "قلت": الصواب أنه لا يبطل تعيينه ; لأنه بوجوده قد صار حكمه حكم أمه, لكن تعذر في الأم فبقي حكم الولد باقيا والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 ص96.
3 في "ص": "تعيينهما".
4 بعدها في "ح": "لا".

(6/100)


فصل: المضحي: مسلم تام ملكه
وفي مكاتب بإذن وجهان "م 10".
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: في الأضحية وفي مكاتب بإذن وجهان, انتهى. وأطلقهما في التلخيص والرعاية الكبرى
أحدهما: يضحي بإذن سيده ويجوز كالرقيق, وهو الصحيح, قطع به في المغني5 والشرح6 والنظم وتذكرة ابن عبدوس, زاد في
ـــــــ
5 13/392.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/429.

(6/100)


والأضحية سنة مؤكدة, وعنه واجبة, ذكرها جماعة, وذكره الحلواني عن أبي بكر, وخرجها أبو الخطاب وابن عقيل من التضحية عن اليتيم, وعنه: على حاضر, وهي والعقيقة أفضل من الصدقة1 به. نص عليهما, ويتوجه تعيين ما تقدم في صدقة مع غزو وحج.
قال شيخنا: والتضحية عن الميت أفضل, ويعمل بها كأضحية الحي, على ما يأتي وقال: كل ما ذبح بمكة يسمى هديا ليس فيه ما يقال له أضحية ولا يقال هدي2 وقال: ما ذبح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم هدي, ويسمى أيضا أضحية, فما اشتراه من عرفات وساقه إلى منى فهو هدي, باتفاق العلماء, وكذا ما اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم. وإن اشتراه من منى3 وذبحه بها, فعن ابن عمر: ليس بهدي4 "و م"
ـــــــ
الرعاية الكبرى: ولا يتبرع منها بشيء.
والوجه الثاني: لا يضحي مطلقا, قدمه في الرعاية الصغرى والفائق "قلت": وهو قوي.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل و "ب" و "ط": "به".
2 قال الشيخ تقي الدين في "مجموع الفتاوى" 26/137: وليس بمنى ما هو أضحية وليس بهدي كما في سائر الأمصار.
3 ليست في "س".
4 أخرج مالك في "الموطأ" 1/379, والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/232: أن ابن عمر كان يقول: الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة.

(6/101)


وعن عائشة: هدي1 "و هـ ش" وأحمد, وما ذبح يوم النحر بالحل أضحية لا هدي,
وقال: هي من النفقة بالمعروف, فتضحي امرأة 2من مال2 زوج عن أهل البيت بلا إذنه, ومدين لم يطالب.
ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثا, نص عليه: وقال أبو بكر: يجب, وعلى الأول: إن أكلها ضمن ما يقع عليه الاسم بمثله لحما, وقيل: العادة, وقيل: الثلث, وكذا الهدي المستحب3, وقيل: يأكل منه اليسير,
ومن فرق نذرا بلا أمر لم يضمن, وفي الثلث خلاف في الانتصار"*" 4في الذبح عنه بلا إذن4
ويعتبر تمليك الفقير, فلا يكفي إطعامه, ولا يعطي الجازر بأجرته منها, وينتفع بجلدها وجلها5 أو يتصدق. به ويحرم بيعهما كلحم, وعنه: يجوز, 6ويشتري به آلة البيت لا مأكولا. وفي الترغيب رواية: يبيعهما به فيكون إبدالا, وعنه: يجوز7 ويتصدق بثمنه, وعنه: ويشتري
ـــــــ
............................................
ـــــــ
1 أخرج البيهقي في السنن الكبرى 5/232: أن عائشة سئلت عن بدن: أيوقف بها بعرفات فقالت: ما شئتم إن شئتم فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا.
2 ليست في "ب".
3 ليست في "ب".
4 ليست في الأصل وإنما هي في نسخة كما هو في هامش الأصل.
5 الجل بالضم والفتح: ما تلبسه الدابة لتصان به. "القاموس": "جلل".
6 ليست في "س".
7 في "ق": "النكت".

(6/102)


بثمنه أضحية, وعنه: يكره, وعنه: يحرم بيع جلد شاة, اختاره الخلال, ونقل جماعة: لا ينتفع بما كان واجبا, ويتوجه أنه المذهب, فيتصدق به, ونقل الأثرم وحنبل وغيرهما: بثمنه, وجزم في الفصول والمستوعب وغيرهما: بصدقته بكله لا بجله, وسأله مهنا: يعجبك يشتريها ويسمنها؟ قال: لا, وعنه. لا بأس, وعنه: لا أدري, واستحبه جماعة,
ويحرم على من يضحي أو يضحى عنه في ظاهر كلام الأثرم وغيره أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته في العشر. وقال القاضي وغيره: يكره, وأطلق أحمد النهي, ويستحب الحلق بعد الذبح, قال أحمد: على ما فعل ابن عمر, تعظيم لذلك اليوم, وعنه: لا, اختاره شيخنا..
ومن مات بعد ذبحها أو تعيينها قام وارثه مقامه ولم تبع في دينه ويستحب أكله من هدي1 التبرع, وذكر الشيخ: ومما عينه لا عما في ذمته, ولا يأكل من واجب إلا هدي متعة وقران, نص عليه, اختاره الأكثر, وظاهر كلام الخرقي: لا من قران. وقال الآجري: ولا من دم متعة, وقدمه في الروضة, وعنه: يأكل إلا من نذر أو جزاء صيد, وزاد ابن أبي موسى: وكفارة, واختار أبو بكر والقاضي والشيخ. الأكل من أضحية النذر, كالأضحية على رواية وجوبها في الأصح. واستحب القاضي الأكل من متعة.
وما ملك أكله فله هديته, وإلا ضمنه بمثله, كبيعه وإتلافه, ويضمنه أجنبي بقيمته وفي النصيحة: وكذا هو, وإن منع الفقراء منه حتى أنتن فيتوجه: يضمن نقصه. وفي الفصول: عليه قيمته كإتلافه ونسخ
ـــــــ
...............................................
ـــــــ
1 في الأصل و "س": "هدية".

(6/103)


تحريم الادخار1, نص عليه, ويتوجه احتمال: لا في مجاعة ; لأنه سبب تحريم الادخار..
ـــــــ
.............................................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "1973" "33" من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ياأهل المدينة: لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث..." فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال: "كلوا وأطعموا واحبسوا أو ادخروا" قال ابن المثنى: شك عبد الأعلى أحد رجال السند.

(6/104)


فصل: والعقيقة: سنة مؤكده على الأب
...
فصل: والعقيقة: سنة مؤكدة2 على الأب
غنيا كان الوالد3 أو لا, وعنه: واجبة, اختاره أبو بكر وأبو إسحاق البرمكي وأبو الوفاء,
عن الغلام شاتان متقاربتان في السن والشبه, نص عليه, فإن عدم فواحدة, والجارية شاة, تذبح يوم السابع. قال في الروضة: من ميلاد الولد, وفي المستوعب وعيون المسائل: ضحوة, وينويها عقيقة, ويسمي فيه, وقيل: أو قبله, وذكر ابن حزم أن المولود إذا مضت له سبع ليال فقد استحق التسمية, فقوم قالوا: حينئذ, وقوم قالوا: حال ولادته.
وأحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن, قاله النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم4, ولأبي داود5 عنه عليه السلام "إنكم تدعون يوم القيامة. بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" قال ابن عبد البر 6قال ابن القاسم: قال مالك: سمعت أهل مكة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا
ـــــــ
.............................................
ـــــــ
2 ليس في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في "ب" و "ط": "الوالد" ينظر: المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/432.
4 في "صحيحه" 2132" "2" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
5 في "سننه" "4948" من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
6 ليست في "س".

(6/104)


رزقوا ورزق خيرا1..
ويكره حرب ومرة وبرة ونافع ويسار وأفلح ونجيح وبركة ويعلى ومقبل ورافع ورباح, قال القاضي: وكل اسم فيه تفخيم أو تعظيم, واحتج بهذا على منع التسمي بالملك, لقوله " {لَهُ الْمُلْكُ} [فاطر: 13]" وأجاب بأن الله إنما ذكره إخبارا عن الغير وللتعريف, فإنه كان معروفا عندهم به ; ولأن الملك من أسماء الله المختصة بخلاف حاكم الحكام وقاضي القضاة, لعدم التوقيف, وبخلاف الأوحد ; لأنه يكون في الخير والشر ; ولأن الملك هو المستحق للملك وحقيقته إما التصرف التام أو التصرف الدائم ولا يصحان إلا لله وفي الصحيحين بلفظه أو دلالة حال وأبي داود2: "أخنى3 الأسماء يوم القيامة وأخبثه*4 رجل كان يسمى ملك الأملاك, لا مالك إلا الله" ولأحمد5 " اشتد غضب الله على رجل تسمى ملك. الأملاك, لا ملك إلا الله" وأفتى أبو عبد الله الصيمري الحنفي وأبو الطيب الطبري والتميمي الحنبلي بالجواز, والماوردي بعدمه, وجزم به في شرح مسلم, قال ابن الجوزي في تاريخه: قول الأكثر القياس إذا أريد به6 ملوك الدنيا,
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "س": "جيرانهم".
2 أخرجه البخاري "6205-6206", ومسلم "2143" "20" وأبو داود "4961", من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 في "ط": "أخنع". وقد وردت الأحاديث بكلا اللفظين.
4 في "س": "أخبثها".
5 في المسند "10384", من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
6 ليست في الأصل و "ب" و "ط".

(6/105)


وقول الماوردي أولى, للخبر, وأنكر بعض الحنابلة على بعضهم الدعاء في الخطبة وقوله: الملك العادل بن أيوب*, واعتذر الحنبلي بقوله: ولدت في زمن الملك العادل1. وقد قال الحاكم في تاريخه: الحديث الذي روته العامة "ولدت في زمن الملك العادل" 1 باطل, وليس له أصل بإسناد صحيح ولا سقيم. ولم يمنع جماعة التسمية بالملك, وفي الغنية: يكره ما يوازي أسماء الله كملك الملوك, وشاه شاه ; لأنه عادة الفرس,. وما لا يليق إلا بالله, كقدوس والبر وخالق, ورحمن وحرمه غيره.ولا تكره أسماء الأنبياء "و" ولا يكره بجبريل "م" ويس "م" وسأله حرب: إن للفرس أياما وشهورا يسمونها بأسماء لا تعرف, فكرهه أشد الكراهية, قلت: فإن كان اسم رجل أسميه به؟ فكرهه "و م" واحتج "م" بنهي عمر2 عن الرطانة, وكره "ش" لمن عرف العربية أن يسمى بغيرها, ولما أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ" 3 قال الداودي: هي عجمية معربة بمعنى بئس. وترجم عليه البخاري: باب من تكلم بالفارسية والرطانة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أورده البيهقي في "شعب الإيمان" "5195" ونقل بطلانه عن الحليمي الذي نقل البطلان أيضا عن الحاكم وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" "997" وقال: باطل لا أصل له.
2 في الأصل: "ابن عمر" وخبر عمر في "مصنف عبد الرزاق" "9793", عن عطاء قال: بينما عمر بن الخطاب يطوف بالكعبة إذ سمع رجلين خلفه يرطنان فالتفت إليهما فقال لهما: ابتغيا إلى العربية سبيلا.
3 أخرجه البخاري "3072", من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6/106)


ويغير الاسم القبيح, للأخبار عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح, وروي مرسلا, رواه الترمذي1 ولأحمد, وأبي داود2 من رواية مجالد عن عامر عن مسروق أن عمر قال له, من أنت؟ قال: مسروق بن الأجدع, فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأجدع شيطان ولكنك مسروق بن عبد الرحمن. قال عامر: فرأيته في الديوان: مسروق بن عبد الرحمن, فقلت: ما هذا؟ فقال: هكذا سماني عمر.
وقال ابن حزم: اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله, كعبد الله وعبد الرحمن وما أشبه ذلك, واتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله, كعبد العزى وعبد هبل وعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك, حاشا عبد المطلب. واتفقوا على إباحة كل اسم. بعد ما ذكرنا ما لم يكن اسم نبي أو اسم ملك أو مرة أو حرب أو رحم أو الحكم أو ملك3 أو خالد أو حزن أو الأجدع أو الكويفر أو شهاب أو أصرم أو العاصي أو عزيز أو عقدة أو شيطان أو غراب أو حباب أو المضطجع أو نجاح أو أفلح أو نافع أو يسار أو بركة أو عاصية أو برة, فإنهم اختلفوا فيها,
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في سننه "2839".
2 أحمد "211" وأبو داود "4957".
3 في "ب" و "ط": "ملك".

(6/107)


وأخل ابن حزم برباح ونجيح, والنهي عنهما1 في مسلم. وأخل أيضا بغيرهما مما هو في الحديث2, فلا اتفاق في إباحة فيما لم يذكره, وتسويته بين ما ذكره من الأسماء في حكاية الخلاف ليس بجيد, والأشهر عند العلماء التفرقة, وهو الأصح دليلا. وقال ابن هبيرة في حديث سمرة "لا تسم غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح, فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون, فيقول: لا" 3 قال ابن هبيرة: هذا على الاستحباب. ; لأنه علل ذلك. فربما كان طريقا إلى التشاؤم والتطير, والنهي يتناول ما يطرق الطيرة, إلا أن ذلك لا يحرم, لحديث عمر4: إن الآذن على مشربة5 رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد يقال له رباح, وقال: أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن ; لأنه حق, بخلاف ما لو سمى واحدا مقداما وهو جبان, فيكون كل من. دعاه من جملة القائلين ما ليس بحق, ويكون إثم ذلك على من بدأ بهذه التسمية, وكذلك إذا سمى من ليس بكريم كريما, كذا قال, وهذا ليس بكذب ; لأن مراد المتكلم من سمي بهذا الاسم لم يرد المدلول, قال: فأما هذه الألقاب فإنها محدثة, على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى أبا بكر الصديق, وعمر
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل: "عنها".
2 أخرج مسلم في صحيحه "2137" "12" عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله أربع..." الحديث. وفيه: "ولا تسمين غلامك: يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح..."
3 تقدم في الهامش قبله.
4 أخرج مسلم في صحيحه "1479" "30" عن ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه..." الحديث. وفيه: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة...فناديت: يارباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 المشربة: الغرفة.

(6/108)


الفاروق, وعثمان ذا النورين, وخالدا سيف الله, فهذه تسميات موافقة, فإذا اتخذناها أصولا نقيس عليها, فلا بد من رابطة تجمع بين الأصل والفرع, فينبغي أن لا يسمى من ذلك إلا ما يميل إلى الصدق, فإذا سمي رجل تسمية يصدقها فعله, مثل ناصح الإسلام ومعينه, إذا كان من أهل ذلك, فلا بأس, وبالجملة: كل لقب ليس بواقع على مخرج صحيح فلا أراه جائزا, على أنه يتناول قول الإنسان: كمال الدين, فإن المعنى الصحيح فيه أن الدين أكمله وشرفه, لا أنه هو أكمل الدين وشرفه.
وقال فيما في الصحيحين1 عن أبي هريرة: إن زينب كان اسمها برة فقيل: تزكي نفسها, فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب قال: فيه أنه لا يحسن بالإنسان أن يسمي نفسه2 أسما3 يزكيها به نحو التقي والزكي والأشرف والأفضل, كما لا ينبغي أن يسمي نفسه اسما يتشاءم به. انتهى كلامه. وقد قال في الفصول: لا بأس بتسمية النجوم بالأسماء العربية كالحمل والثور والجدي ; لأنها أسماء أعلام, واللغة وضع, فلا يكره,. كتسمية الجبال والأودية والشجر بما وضعوه لها, وليس من حيث تسميتهم لها بأسماء الحيوان كان كذبا, وإنما ذلك توسع ومجاز, كما سموا الكريم بحرا, قال أبو داود4: وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة5 وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما. وسمى
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 البخاري "6192", ومسلم "2141" "17".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في "ط": "أسماء".
4 في سننه إثر حديث "4956".
5 في النسخ الخطية: "عقدت". والمثبت من "ط", و"سنن أبي داود".

(6/109)


حربا: سلما, وسمى المضطجع: المنبعث, وأرض عفرة1 سماها خضرة, وشعب الضلالة سماه2 شعب الهدى, وبنو الزنية سماهم بنو الرشدة, وسمى بني مغوية بني رشدة3 قال أبو داود4 تركت أسانيدها للاختصار, وكلام الأصحاب السابق يقتضي أنه لا يكره بعض هذه الأسماء, والعمل بالسنة أولى, فأما الحكم فقد سبق كلام القاضي: كل اسم فيه تفخيم وتعظيم. ويدل عليه ما قال أبو داود5 في باب تغيير الاسم القبيح: حدثنا الربيع بن نافع عن يزيد يعني ابن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده شريح عن أبيه هانئ أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم, فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟" فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا6 الفريقين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "س": "عقدة".
2 ليست في النسخ الخطية. وأثبت من "سنن أبي داود".
3 في "س" و "ط": "رشد".
4 في سننه "4955".
5 في سننه "4955".
6 في "ب" و "س": "كلام".

(6/110)


"ما أحسن هذا فما لك من الولد؟" قال: لي شريح ومسلم وعبد الله, قال: "فمن أكبرهم؟" قلت: شريح, قال: "فأنت أبو شريح" إسناده جيد, ورواه النسائي1 عن قتيبة عن يزيد, وهذا يدل أن الأولى أن يكنى الإنسان بأكبر أولاده. وفي الصحيحين2 عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" ولأحمد3 من حديث وهب الجشمي "تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن. وأصدقها حارث وهمام, وأقبحها حرب ومرة" وظاهر كلامهم أن التسمية في الجملة مستحبة, وصرحوا به في السقط, وقد قال ابن حزم اتفقوا أن التسمية للرجال والنساء فرض, ويجوز بعد الولادة,
ويحلق رأسه فيه, قال في النهاية: ورأسها, قال: ولعله يختص الذكر. ويكره لطخه من دمها. ونقل حنبل: سنة.ويتصدق بوزنه فضة. وفي الروضة: ليس في حلق رأسه ووزن شعره سنة وكيدة, وإن فعله فحسن. والعقيقة هي السنة4
فإن فات ففي 5أربع عشرة, فإن فات ففي5 إحدى وعشرين. نقله صالح, ثم في اعتبار الأسابيع وجهان "م 11". وعنه: يختص بالصغير6 ولا يعق غير الأب, نص عليه. وفي المستوعب والرعاية الروضة:
ـــــــ
"مسألة 11" قوله في العقيقة: ثم في اعتبار الأسابيع وجهان, انتهى. يعني: بعد
ـــــــ
1 في المجتبى 8/226-227.
2 البخاري "110" ومسلم "2134" "8" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 في المسند "19032".
4 بعدها في الأصل و "س": "نص على ذلك".
5 في "ب" و "س" و "ط": "أربعة عشر ثم".
6 في الأصل و "س": "بالصغر".

(6/111)


يعق عن نفسه, ولا يجزئ إلا بدنة "م" أو بقرة كاملة "م" نص عليه, قال في النهاية: وأفضله شاة, ويتوجه مثله في أضحية. وفي إجزاء الأضحية عنها روايتان "م 12" فإن عدم اقترض, نص عليه, وقال شيخنا: مع وفاء.
ـــــــ
الحادي والعشرين, أطلقهما في المغني1 والشرح2 والفائق والزركشي وتجريد العناية وغيرهم.
أحدهما: لا يعتبر ذلك, وهو الصحيح, وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب, قال في الرعاية الكبرى: فإن فات ففي إحدى وعشرين أو ما بعده, قال في الكافي3, فإن أخرها عن إحدى وعشرين ذبحها بعده ; لأنه قد تحقق سببها, انتهى. قال ابن رزين: وهو أصح, كالأضحية, انتهى. "قلت": وهو الصواب.
"والوجه الثاني" يستحب اعتبار الأسابيع أيضا بعد الحادي والعشرين فيكون بعد الحادي والعشرين في الثامن والعشرين, فإن فات ففي الخامس والثلاثين, وعلى هذا فقس. قال ابن أبي المجد في مصنفه: فإن فات ففي إحدى وعشرين, ويقضي في كل أسبوع بعده دون غيره, في الأشهر.
"مسألة 12" قوله: وفي إجزاء الأضحية عنها روايتان, انتهى. وأطلقهما في القواعد الفقهية وتجريد العناية, وهما منصوصتان عن الإمام أحمد.
"إحداهما": تجزئ, وهو ظاهر ما قدمه في المستوعب, قال في رواية حنبل: أرجو أن تجزئ الأضحية عن العقيقة, "قلت": وهو الصواب. وفيها نوع شبه من الجمعة والعيد إذا اجتمعتا4, لكن لم نر من قال بإجزاء العقيقة عن الأضحية في محلها, فقد يتوجه احتمال والله أعلم.
ـــــــ
1 13/396
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/440.
3 2/499.
4 في "ص": "اجتمعا".

(6/112)


ويؤذن في أذنه حين يولد. وفي الرعاية: ويقام في اليسرى ويحنك بتمرة.
ولا يكسر لها عظم وهي كالأضحية مطلقا, ذكره جماعة, ونص. على بيع الجلد والرأس والسواقط والصدقة بثمنه ; لأن الأضحية أدخل منها في التعبد. وقال أبو الخطاب: يحتمل نقل حكم كل منهما إلى الأخرى فيكون فيهما روايتان وطبخها أفضل, نص عليه, وقيل له: يشتد1 عليهم؟ قال: يتحملون ذلك. وفي المستوعب: ومنه طبيخ حلو, تفاؤلا, ولم يعتبر شيخنا التمليك,
ومن لقب بما يصدقه فعله جاز, ويحرم ما لم يقع على مخرج صحيح, على أن التأويل في كمال الدين وشرف الدين أن الدين كمله وشرفه, قاله ابن هبيرة ويكره التكني بأبي عيسى, احتج أحمد بفعل عمر2. وفي المستوعب وغيره: و بأبي يحيى, وهل يكره بأبي القاسم؟ أم لا؟ أم يكره لمن اسمه محمد فقط؟ فيه روايات "م 13" ولا يحرم "ش". ونقل حنبل: لا يكنى به, واحتج بالنهي, فظاهره: يحرم, ومنع في الغنية من الجمع,
ـــــــ
والرواية الثانية" لا يجزئ "قلت": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
"مسألة 13" قوله. وهل يكره يعني التكني بأبي القاسم أم لا؟ أم يكره لمن اسمه محمد فقط؟ فيه روايات, انتهى. وأطلقهن في آداب المستوعب والرعايتين والآداب الكبرى والوسطى وقال: ذكرهن القاضي وغيره.
"إحداهن" لا يكره "قلت": وهو الصواب, بعد موته صلى الله عليه وسلم. وقد وقع فعل ذلك من الأعيان ورضاهم به يدل على الإباحة.
ـــــــ
1 في "ط": "يشد". وفي "الإنصاف" 9/446:"يشق".
2 أخرج أبو داود "4963", عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى.

(6/113)


وعن أحمد رواية: تكره الكنية والتسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته جمعا وإفرادا, ومراده إفرادا أي: الكنية.
ويجوز تكنيته أبا فلان وأبا فلانة "ع" وتكنيتها أم فلان 1وأم فلانة "ع"1 وتكنية الصغير "ع" قاله بعضهم. وقال ابن حزم: اختلفوا في تكنية من لا ولد له, ولم أجد ذكروا الترخيم والتصغير, وهو في الأخبار كقوله عليه السلام: "يا عائش" 2, "يا فاطم" 3 وكقول4 أم سليم يا رسول الله خويدمك أنيس ادع الله له5.
فيتوجه الجواز, لكن مع عدم الأذى, قال أحمد: كنى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بأم عبد الله6.ويطلق الغلام والجارية والفتى والفتاة على الحر والمملوك
ـــــــ
"والرواية الثانية" يكره مطلقا, لظاهر الأحاديث الصحيحة7.
"والرواية الثالثة" يكره لمن اسمه محمد فقط. وقال في الهدي8: والصواب أن التكني بكنيته ممنوع, والمنع في حياته أشد, والجمع بينهما ممنوع, انتهى. فظاهره التحريم,
فهذه ثلاث عشرة مسألة قد صححت ولله الحمد. ومن أوله إلى هنا على التحرر سبعمائة مسألة وخمس9 وثمانون مسألة.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 أخرج البخاري "3768" ومسلم "2447" "91" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما: "يا عائش, هذا جبريل يقرئك السلام...." .
3 أخرج مسلم "348" "204", عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا...فقال :"...يا فاطمة أنقذي نفسك من النار..." الحديث.
قال النووي في شرح مسلم 3/80: هكذا وقع في بعض الأصول "فاطمة" وفي بعضها- أو أكثرها- "يافاطم" بحذف الهاء على الترخيم.
4 في "س": "القول".
5 أخرجه مسلم "2481" "142" 143" من حديث أنس رضي الله عنه
6 أخرجه أبو داود "4970"
7 تقدمت ص 111
8 2/317.
9 في "ح": "ثلاث".

(6/114)


ولا تقل: عبدي وأمتي, كلكم عبيد الله وإماء الله, ولا يقل العبد لسيده: ربي. وفي مسلم1 أيضا: "ولا مولاي, فإن مولاكم الله" وظاهر النهي التحريم, وقد يحتمل أنه للكراهة, وجزم به غير واحد من العلماء, كما في شرح مسلم وغيره, وقد روى أبو داود2 بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا "لا يقولن أحدكم. عبدي وأمتي, ولا يقول المملوك: ربي وربتي, وليقل المالك: فتاي وفتاتي, وليقل المملوك: سيدي وسيدتي, فإنكم المملوكون والرب الله عز وجل" ورواه3 أيضا بإسناد صحيح موقوفا قال "وليقل: سيدي ومولاي"4 رواه مسلم5 مرفوعا, وفي الصحاح6: قوله عليه السلام في أشراط الساعة "أن تلد الأمة ربها وربتها" فهذا يقتضي أن النهي للكراهة, وذكر بعض العلماء أن النهي عن كثرة الاستعمال, قال أبو جعفر النحاس: لا نعلم بين العلماء خلافا أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي, ولا يقول عبدك ولا عبدي وإن كان مملوكا, وقد حظر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على المملوكين, فكيف للأحرار؟ وكانت العرب تقول له البدء, والبدء عند العرب الرئيس الذي ليس فوقه رئيس, قال: قد حكى أنه يقال في هذا رب, وحكى
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في صحيحه "2249" "00" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
2 في سننه "4975".
3 في سننه "4976".
4 في الأصل: "ومولاتي"
5 في صحيحه "2249" "15".
6 أخرجه مسلم في "صحيحه" "7", من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(6/115)


الفراء: رب, بالتخفيف, إلا أنه ينبغي للمسلمين أن يجتنبوا هذا, وكذا المولى, قال: ومحظور أن يكتب: من عبده, وإن كان الكاتب غلامه, قال: ومنهم من كره أن يقال: يا سيدي, لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقولوا للمنافق سيدنا, فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم الله عز وجل" وهذا الخبر إسناده جيد, رواه أحمد1 من حديث بريدة, ورواه أبو داود2 ولفظه: "لا تقولوا للمنافق سيدا فإنه إن يكن سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل" ورواه النسائي في اليوم والليلة3.
قال أبو جعفر: وأجاز هذا بعضهم, واحتج بقول النبي. صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا4 سيد5" قال أبو جعفر: والقول في هذا أنه لا يجوز أن يقال لمنافق ولا كافر ولا فاسق: يا سيدي, للحديث, ويقال لغيرهم ذلك, للحديث, كذا قال, ولا أظن أحدا يجوز أن يقال هذا لمنافق أو كافر, قال: وينبغي أيضا أن لا يرضى أحد أن يخاطب يا سيدي وأن ينكر ذلك, كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "السيد الله عز وجل" وهذا الخبر إسناده جيد, رواه أبو داود6 في باب كراهية التمادح عن مطرف قال: قال أبي7: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا, فقال: "السيد الله
ـــــــ
...................................
ـــــــ
1 في المسند "22939"
2 في سننه "4977".
3 برقم "244".
4 ليست في "ب" و "س"
5 أخرجه البخاري من حديث الحسن بن علي "2704"
6 في سننه "4806".
7 في الأصل: "إني".

(6/116)


تبارك وتعالى" قلنا: وأفضلنا فضلا, وأعظمنا طولا. فقال: "قولوا بقولكم - أو بعض قولكم - ولا يستجرينكم1 الشيطان" رواه أحمد, ورواه النسائي في اليوم والليلة2 من طرق,. وروى أيضا في اليوم والليلة3 بإسناد جيد عن أنس أن ناسا قالوا: يا رسول الله, يا خيرنا وابن خيرنا, وسيدنا وابن سيدنا, فقال: "يا أيها الناس, قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان, أنا محمد4 عبد الله ورسوله, ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل" قال ابن الأثير في قوله "السيد الله" أي الذي تحق له السيادة, كأنه كره أن يحمد في وجهه, وأحب التواضع.
ولا تسن الفرعة: نحر أول ولد الناقة, ولا العتيرة, ذبيحة رجب. ونقل حنبل عن أحمد: يستحب, وحكاه أحمد عن أهل البصيرة, وروي عن ابن سيرين وفي الرعاية يكره والله أعلم.
ـــــــ
.....................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "ولا يسخرنكم". والمثبت من مصدر التخرج.
2 المسند "16311", و "عمل اليوم والليلة" "248".
3 برقم "249".
4 بعدها في "س": "أنا".

(6/117)