الفروع و معه تصحيح الفروع

كتاب الجنايات
مدخل
*
...
كتاب الجنايات
وهي: عمد يختص القود به، وشبه عمد، وخطأ.
فالعمد أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما بما يقتله غالبا، مثل أن يضربه بحجر كبير أو سندان1 أو لت2 وهو معروف من السلاح أو كوذين وهو ما يدق به الدقاق الثياب أو خشبة كبيرة، وكل شيء فوق عمود الفسطاط لا كهو، نص عليه، وهو الخشبة التي يقوم3 عليها بيت الشعر، ونقل ابن مشيش: يجب القود إذا ضربه بمثل عمود الفسطاط وكوذين القصار والصخرة وبما يقتل مثله احتجوا به في القتل بالمثقل، وفي هذه المسألة قال في عيون المسائل وغيرها4: ناقض العهد يقتل بالسيف لا بالحجر، إجماعا. أو يكرر ضربه بصغير، نقله أبو طالب، أو مرة به في مقتل، وفيهما وجه في الواضح، وفي الأولى في الانتصار: هو ظاهر كلامه. نقل حرب: شبه العمد أن يضربه بخشبة دون عمود الفسطاط ونحو ذلك حتى يقتله، أو مرة به في مرض أو ضعف أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه، ومثله لكمه5، ذكره ابن عقيل وغيره. وإن قال: لم
__________
...................................
__________
ـــــــ
1 بالفتح وزان سعدان، وهو ما يطرق الحداد عليه الحديد، "المعجم الوسيط": "سند".
2 بضم اللام: نوع من آلة السلاح. "المطلع" ص 357.
3 في "ط": "يقود".
4 في "ط": "وغيرهما".
5 في النسخ الخطية: "لكمته"، والمثبت من "ط".

(9/351)


أقصد قتله لم يصدق، أو يلقيه من شاهق أو في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص، فإن أمكنه فقيل: يضمن الدية بإلقائه في نار، وقيل: لا كماء في الأصح م 1 أو يكتفه بحضرة سبع بفضاء، أو بمضيق بحضرة حية، خلافا للقاضي فيهما، أو يجمع بينه وبين سبع بمضيق، كزبية1، فيفعل به ما يقتل مثله أو ينهشه سبع أو حية يقتل مثله غالبا وإلا فوجهان م 2 أو
ـــــــ
مسألة 1: قوله: أو يلقيه في نار ولا يمكنه التخلص، فإن أمكنه فقيل: يضمن الدية بإلقائه في نار، وقيل: لا، كماء، في الأصح، انتهى. أطلقهما في المغني2 والشرح3 والقواعد الأصولية وغيرهم:
أحدهما: يضمن الدية، قال في الكافي4: وإن كان لا يقتل غالبا أو التخلص منه ممكن فلا قود فيه، لأنه عمد الخطأ، فظاهره أن فيه الدية، وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا شيء عليه، وهو ظاهر كلامه في المحرر، وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وشرح ابن رزين.
مسألة 2: قوله: أو ينهشه سبع أو حية يقتل مثله غالبا، وإلا فوجهان، انتهى. وأطلقهما في المغني5 والشرح6 وشرح ابن رزين.
أحدهما: هو عمد محض، وهو ظاهر ما جزم به في النظم وغيره.
والوجه الثاني: ليس بعمد، قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير، وهو ظاهر كلامه في الهداية وغيره.
ـــــــ
1 الزّبية، بالضم: حفرة للأسد. "القاموس": "زبى".
2 11/450- 451.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/23.
4 5/139- 140.
5 11/451- 452.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/20- 21.

(9/352)


بخنقه بحبل أو غيره، أو يسد فمه وإنفه، نقل أبو داود: إذا غمه حتى يقتله قتل به، أو يعصر خصيتيه، أو يحبسه ويمنعه الأكل والشرب ويتعذر طلبه فيموت من ذلك لمدة يموت فيها غالبا، فلو تركهما قادر فلا دية، كتركه شد فصده، أو يجرحه بحديد أو غيره فيموت منه، والأصح: ولو لم يداو مجروح قادر جرحه. نقل جعفر الشهادة على القتل أن يروه وجأه وإنه مات من ذلك، أو يطول به المرض ولا علة به1 غيره.
قال ابن عقيل في الواضح: أو جرحه وتعقبه سراية بمرض ودام جرحه حتى مات، فلا يعلق2 بفعل الله تعالى شيء. أو يغرزه بإبرة ونحوها في غير مقتل فيبقى ضمنا3 حتى يموت، وفيه وجه، فإن مات في الحال فوجهان م 3 أو يقطع أو يبط4 سلعة5 أجنبي خطرة بلا إذنه فيموت، لا
ـــــــ
مسألة 3: قوله: أو يغرزه بإبرة ونحوها في غير مقتل، فيبقى ضمنا حتى يموت، وفيه وجه. فإن مات في الحال فوجهان، انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني6 والكافي7 والمقنع والهادي والمحرر والشرح والرعايتين والزركشي:
ـــــــ
1 في "ط": "له".
2 في "ط": "يلعق".
3 أي: زمنا. "المصباح": "ضمن".
4 أي: يشق. "المصباح": "بط".
5 السلعة: خراج أو غدة في العنق، أو زيادة في البدن كالغدة تتحرك إذا حركت. قال الأطباء: وهي ورم غليظ غير ملتزق باللحم. "القاموس": "سلع".
6 11/446.
7 5/137.

(9/353)


ولي صغير ومجنون لمصلحة، وقيل: لا ولي لمصلحة أو يسحره بما يقتله غالبا، أو يسقيه سما لا يعلم به، أو يخلطه بطعام ويطعمه، أو بطعام أكله فيأكله جهلا فيلزمه القود، وأطلق ابن رزين فيما إذا ألقمه سما أو خلطه به قولين. وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية لما مات بشر بن البراء الذي أكل معه من الشاة المسمومة فقتلوها قودا ولم يقتلها أولا1، فإن علم به آكله وهو بالغ عاقل، أو خلطه بطعام نفسه فأكله أحد بلا إذنه، فهدر، فإن قال القاتل
__________
أحدهما: يكون عمدا، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي، فإنه لم يفرق بين الصغير والكبير، وصححه في التصحيح والنظم، وجزم به في الوجيز والحاوي الصغير، إلا أن تكون النسخة مغلوطة، قال في الهداية: وهو قول غير ابن حامد.
والوجه الثاني: لا يكون عمدا، بل شبه عمد، وهو ظاهر ما جزم به في المنور، واختاره ابن حامد، وقدمه في تجريد العناية وشرح ابن رزين2.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري 2617، ومسلم 2190، 945، قال البيهقي في "السنن الكبرى" 8/46. بعد أن ذكر القصة برواياتها: اختلفت الروايات في قتلها، ورواية أنس بن مالك أصحها، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعقبها حين لم يمت أحد من أصحابه مما أكل، فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد، والله أعلم. ينظر: "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 25/27.
2 "رزين" ليست في "ط".

(9/354)


بالسم أو السحر: لم أعلمه قاتلا، أو ادعى جهل المرض، لم يقتل، وقيل: بلى، وقيل: ويجهله مثله.
ومن شهدت عليه بينة بما يوجب قتله فقتل ثم رجعت أو رجع واحد من ستة مثلا ذكره في الروضة وقالت: عمدنا قتله. وفي الكافي1: وعلمنا أنه يقتل. وفي المغني2: ولم يجز جهلهما3 به. وفي الترغيب والرعاية: وكذبتهما قرينة4، أو قال حاكم أو ولي: علمت كذبهما وعمدت قتله، لزم القود، ونصر ابن عقيل في مناظراته مذهب الحنفية، لأن الحاكم لم تلجئه البينة، وإن كان فليس الشرع بوعيده ملجئا، لأن وعيد الرسول إكراه لا وعيد البارئ.
وقيل: في قتل حاكم وجهان، كمزك فإن المزكي لا يقتل عند القاضي لأنه غير ملجئ وهذا أولى من قول ابن شهاب: لم يقصدوا قتله، بل قبول شهادتهم، ويقتل عند أبي الخطاب وغيره م 4 ولا تقبل5 بينة مع مباشرة ولي. وفي الترغيب وجه: هما كممسك مع مباشر. وفي
ـــــــ
مسألة 4: قوله: وقيل في قتل حاكم وجهان، كمزك فإن المزكي لا يقتل، عند
ـــــــ
1 5/144.
2 11/456.
3 في "ر": "جهلها".
4 في "ر": "الريبة".
5 في "ط": "تقتل".

(9/355)


التبصرة: إن علم الولي و1الحاكم والبينة أنه لم يقتل أقيد الكل، ويختص مباشرا عالما، ثم وليا، ثم البينة والحاكم، وقيل: ثم حاكما، لأن سببه أخص من البينة.
ـــــــ
القاضي...، ويقتل عند أبي الخطاب وغيره، انتهى. ما قاله أبو الخطاب وهو الصحيح قدمه في المغني2 والشرح3، في الرجوع عن الشهادة، ونصراه، وكذلك ابن رزين وغيرهم، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والقول الثاني: وهو قول القاضي لا يقتل، وأطلقهما في الرعايتين والحاوي الصغير فقالا: ولو رجع المزكون وقالوا عمدنا الكذب ليقتل أو ليقطع ففي لزوم القود وجهان، زاد في الرعايتين: وكذا لو قال الحاكم أو الولي علمت كذبهما وعمدت قتله.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 14/248.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/70- 72.

(9/356)


وإن لزمت دية بينة1 وحاكما فقيل: أثلاثا، وقيل: نصفين م 5 ولو قال بعضهم: عمدنا، وبعضهم: أخطأنا: فلا قود على المتعمد، على الأصح، وعليه بحصته من الدية المغلظة، والمخطئ من المخففة.
ولو قال كل واحد: تعمدت وأخطأ شريكي فوجهان في القود م 6 ولو
ـــــــ
مسألة 5: قوله: وإن لزمت دية ببينة وحاكما فقيل: أثلاثا، وقيل: نصفين، انتهى.
أحدهما: تلزمهم أثلاثا، على الحاكم الثلث، وعلى كل شاهد الثلث، "2قياسا على ما إذا شهد أربعة بالزنا واثنان بالإحصان، فرجم ثم رجعوا، فالدية على عددهم، على الصحيح2"، جزم به في المغني3 والشرح4 هنا5.
والوجه الثاني: تلزمهم نصفين، على الحاكم النصف، وعلى الشاهدين النصف، وهو الصواب، ثم رأيت ابن حمدان في الرعاية الكبرى قطع بذلك في باب الرجوع عن الشهادة، فلله الحمد.
مسألة 6: قوله: ولو قال كل واحد تعمدت وأخطأ شريكي فوجهان في القود، انتهى.
ـــــــ
1 في "ط": "ببينة".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 11/457.
4 المقنع مع والشرح الكبير والإنصاف 25/33.
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(9/357)


قال واحد: عمدنا، والآخر: أخطأنا، لزم المقر بالعمد القود، والآخر نصف الدية، وإن رجع ولي وبينة ضمنه ولي. وقال القاضي وأصحابه: وبينة كمشترك، واختار شيخنا أن الدال يلزمه القود إن تعمد وإلا1 الدية وإن الآمر لا يرث.
ـــــــ
أحدهما: لا قود: قدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير، وصححه في الرعاية الكبرى وقال: عليهما الدية حالة3 انتهى.
والوجه الثاني: عليهما القود، قلت: وهو الصواب، لاعتراف كل واحد منهما بالعمدية، ودعواه أن صاحبه أخطأ لا أثر له، لتكذيبه له.
ـــــــ
1 في الأصل: "لا".

(9/358)


فصل المذهب تقتل جماعة بواحد
...
فصل المذهب يقتل جماعة بواحد،
ونقل حنبل: لا، فتلزمهم دية، وعلى الأولى دية، نص عليه، وهو أشهر، كخطإ. ونقل ابن ماهان ديات، ونقل ابن منصور والفضل: إن قتله ثلاثة فله قتل أحدهم والعفو عن آخر وأخذ الدية كاملة من أحدهم. "2وفي الفنون: أنا أختار رواية عن أحمد: أن شركة الأجانب تمنع القود، لأنه لا اطلاع لنا بظن فضلا عن علم بجراحة أيهما مات أو بهما2"، وإن جرح واحد جرحا وآخر مائة فسواء، وكذا لو قطع كفه وآخر من مرفقه،.......................................
__________
...............................
__________
ـــــــ
2-2 ليست في الأصل.

(9/358)


وقيل: القاتل الثاني فيقاد الأول، ولو اندملا أقيد الأول، وكذا من الثاني المقطوع يده من كوع، وإلا فحكومة، أو ثلث دية؟ فيه الروايتان.
ولو قتلوه بأفعال لا يصلح واحد لقتله، نحو إن ضربه "1كل منهم سوطا في حالة1"، أو متواليا، فلا قود، وفيه عن تواطؤ وجهان في الترغيب م7.
وإن فعل أحدهما: فعلا لا تبقى معه حياة، كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ذبحه آخر قتل الأول وعزر الثاني، وهو معنى كلامه في التبصرة، كما لو جنى على ميت، فلهذا لا يضمنه، ودل هذا على أن التصرف فيه كميت لو كان عبدا، فلا يصح بيعه، كذا جعلوا الضابط: يعيش مثله أو لا يعيش،
ـــــــ
مسألة 7: قوله: ولو قتلوه بأفعال لا يصلح واحد لقتله، نحو إن ضربه كل منهم سوطا في حالة، أو متواليا، فلا قود، وفيه عن تواطؤ وجهان، في الترغيب، انتهى.
أحدهما: عليهم القود، وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا قود عليهم، كغير التواطؤ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
ـــــــ
1-1 ليست في "ط".

(9/359)


وكذا علل الخرقي المسألتين، مع أنه قال في الذي لا يعيش: خرق بطنه وأخرج حشوته فقطعها فأبانها منه، وهذا يقتضي أنه لو لم يبنها لم يكن حكمه كذلك، مع أنه بقطعها لا يعيش فاعتبر الخرقي كونه لا يعيش في موضع خاص، فتعميم1 الأصحاب لا سيما واحتج غير واحد منهم بكلام الخرقي وفيه نظر. وهذا معنى اختيار الشيخ وغيره في كلام الخرقي، وإنه، احتج به في مسألة الذكاة، فدل على تساويهما عنده وعند الخرقي، ولهذا احتج بوصية عمر2، رضي الله عنه ووجوب العبادة عليه في مسألة الذكاة، كما احتج هنا، ولا فرق. وقد قال ابن أبي موسى3 وغيره في الذكاة كالقول هنا في أنه يعيش أو لا. ونص عليه أحمد أيضا، فهؤلاء أيضا سووا بينهما، وكلام الأكثر على التفرقة، وفيه نظر. وقال في المغني4: إن فعل ما يموت به يقينا وبقيت معه حياة مستقرة، كما لو خرق حشوته ولم يبنها، فالقاتل الثاني، لأنه في حكم الحياة، لصحة وصية عمر وعلي5، "6رضي الله عنهما وكما لو جاز بقاؤه، وكمريض لا يرجى برؤه6".
قال: وإن أخرجه فعلى الأول من حكم الحياة بأن أبان، حشوته أو ذبحه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول، ويتوجه تخريج رواية من مسألة
__________
...............................
__________
ـــــــ
1 في "ر": "فتبعه".
2 أخرجه البخاري 1392، عن عمرو بن ميمون الأودي.
3 الإرشاد 377.
4 11/506.
5 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 19414، 19416.
6-6 ليست في الأصل.

(9/360)


الذكاة أنهما قاتلان، ولهذا اعتبروا إحداهما: بالأخرى، ولو كان فعل الثاني كلا فعل لم يؤثر غرق حيوإن في ماء يقتله مثله بعد ذبحه، على إحدى الروايتين، ولما صح القول بأن نفسه زهقت بهما كالمقارن، ولا يقع كون الأصل "1الخطر بل الأصل بقاء"1 عصمة الإنسان على ما كان. فإن قيل: زال الأصل بالسبب، قيل وفي مسألة الذكاة. وقد ظهر أن الفعل الطارئ له تأثير في التحريم في المسألة المذكورة، وتأثير في الحل في مسألة المنخنقة وأخواتها على ما فيها من الخلاف، ولم أجد في كلامهم دليلا هنا إلا مجرد دعوى أنه كميت، ولا فرقا مؤثرا بينه وبين الذكاة. والله أعلم.
ويلزم الأول موجب جراحة، وظاهر كلامهم هذا أن المريض الذي لا يرجى برؤه كصحيح في الجناية منه وعليه وإرثه واعتبار كلامه إلا ما سبق من تبرعاته، وسواء عاين ملك الموت أو لا.
وقد ذكروا هل تمنع قبول توبته بمعاينة الملك2 أو لا يمتنع ما دام عقله ثابتا أو يمتنع بالغرغرة؟ لنا أقوال م 8 إلا أن يختل عقله فلا اعتبار
ـــــــ
مسألة 8: قوله: استطرادا: وقد ذكروا، هل يمنع قبول توبته بمعاينة الملك أم لا يمنع ما دام عقله ثابتا؛ أو يمتنع بالغرغرة؟ لنا أقوال، انتهى.
قلت: قد ذكر المصنف هذه المسألة في كتاب الوصايا3، وصححناها هناك، فلتراجع
ـــــــ
1-1 في "ط": "الخطر بل الأصل بقاء".
2 في "ط": "المالك".
3 7/429.

(9/361)


لكلامه كصحيح، ولهذا قال ابن حزم قبل كتاب العاقلة بنحو كراسة: مسألة في من قتل عليلا، عن جابر الجعفي عن الشعبي في رجل قتل رجلا قد ذهب الروح من نصف جسده، قال: يضمنه. وقال ابن حزم: اتفقوا على أن من كربت1 نفسه من الزهوق فمات له ميت أنه يرثه، وإن قدر على النطق فأسلم فإنه مسلم يرثه المسلمون من أهله، وإنه إن شخص ولم يكن بينه وبين الموت إلا نفس واحد فمات من أوصى له بوصية فإنه قد استحقها، فمن قتله في تلك الحال أقيد به، انتهى كلامه.
وظاهره سواء عاين أو لا، وإنه سواء كان مجنيا عليه أو لا. ولهذا قال ابن حزم قبيل كتاب العاقلة: من جرح جرحا يمات من مثله فتداوى بسم فمات فالقود على القاتل، لأنه مات من فعل الجارح ومن فعل2 نفسه، فكلاهما قاتل. وقال قبل هذا: من قتل ميتا لا شيء فيه، لأنه ليس قاتلا، ومن كسره أو جرحه فقد قال الله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45]، وهذا جرح وجارح. وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، وهذا الفعل بالميت سيئة واعتداء، فالقصاص واجب إلا أن يمنع منه إجماع، وأكثر خصومنا يرون القطع على من سرق من ميت كفنه، والحد على من زنى بميتة أو قذف ميتا، انتهى كلامه.
وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل الثاني، وإن ألقاه
__________
..............................
__________
ـــــــ
1 أي: حانت ودنت. "القاموس": "كرب".
2 في "ر": "قتل".

(9/362)


في لجة فتلقاه حوت فابتلعه لزم ملقيه القود، وقيل: إن التقمه بعد حصوله فيه قبل غرقه، وقيل: شبه عمد، ومع قلة فإن علم بالحوت فالقود وإلا دية، وإن كتفه في أرض ذات سباع أو حيات فقتلته فالقود، وقيل: الدية، كغير مسبعة، وعنه: كممسكه لمن يقتله. وفي المغني1: ويعلم أنه يقتله. وفي المنتخب: لا مزاحا متلاعبا، فيقتل قاتله ويحبس ممسكه حتى يموت، وعنه: يقتلان، اختاره أبو محمد الجوزي، ومثله أمسكه ليقطع طرفه، ذكره في الانتصار. وكذا إن فتح فمه وسقاه آخر سما، أو اتبع رجلا ليقتله فلقيه آخر فقطع رجله ليقتله، وفيها وجه: لا قود.
ومن أكره مكلفا على قتل معين أو أكرهه على الإكراه عليه، فالقود، وفي الموجز، إذا قلنا: تقتل الجماعة بالواحد، وخصه بعضهم بمكره، ويتوجه عكسه. وفي الانتصار: لو أكره على القتل بأخذ المال فالقود، ولو أكره بقتل النفس فلا، وإن أكره أو أمر عبد غيره ليقتل عبده فلا قود، ومن أمر بالقتل كبيرا يجهل تحريمه أو صبيا أو مجنونا أو أمر به سلطان ظلما من جهل ظلمه فيه، لزم الأمر، نقل مهنا: إذا أمر رجل صبيا أن يضرب رجلا فضربه فقتله فعلى الذي أمره، ولا شيء عليه بدفع سكين إليه ولم يأمره، نقله الفضل. وفي شرح أبي البركات بن المنجى: إن أمر مميزا فلا قود.
__________
.................................
__________
ـــــــ
1 11/451- 452.

(9/363)


وفي الانتصار: إن أمر صبيا وجب على آمره وشريكه، في رواية، وإن سلم، لا يلزمهما فلعجزه غالبا، وإن قبل1 مأمور مكلف عالما تحريم القتل لزم المأمور، نص عليه. ويؤدب الآمر، نص عليه، وعنه يحبس كممسكه. وفي المبهج رواية يقتل، وعنه: بأمره عبده، نقل أبو طالب: من أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله قتل المولى وحبس العبد حتى يموت، لأنه سوط المولى وسيفه، كذا قال علي وأبو هريرة2، وإنه لو جنى بإذنه لزم مولاه ولو أكثر من ثمنه، وحملها أبو بكر على جهالة العبد، ونقل ابن منصور: إن أمر عبدا بقتل سيده فقتل أثم، وإن في ضمانه قيمته روايتين، ويحتمل إن خاف السلطان قتلا.
ومن قال لغيره اقتلني أو اجرحني ففعل فهدر، نص عليه، وعنه: تلزم الدية، وعنه: للنفس، ويحتمل القود، ولو قاله عبد ضمن لسيده بمال فقط، نص عليه، ولو قال اقتلني وإلا قتلتك فخلاف، كإذنه م 9 و 10 وفي
__________
مسألة 9 و10: قوله: ولو قال اقتلني وإلا قتلتك فخلاف، كإذنه، انتهى. فيه مسألتان: المقيس والمقيس عليه.
المسألة الأولى9: لو قال: اقتلني وإلا قتلتك فهل ذلك إكراه أم لا؟ أطلق الخلاف، فقال: فيه خلاف، قال في الرعايتين والحاوي الصغير: وإن قال: اقتلني وإلا قتلتك فإكراه ولا قود إذن، وعنه: ولا دية، زاد في الرعايتين: ويحتمل أن يقتل أو يغرم الدية إن قلنا: هي للورثة، انتهى. وقال في الانتصار، في الصيام: لا إثم هنا ولا كفارة، كما نقله المصنف.
ـــــــ
1 في "ر": "قتل".
2 أخرج الأثر عن علي، وعن أبي هريرة عبد الرزاق في "مصنفه" 17881، 17894.

(9/364)


الانتصار: لا إثم ولا كفارة، واختار في الرعاية وحده أن اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراه، كاحتمال في اقتل زيدا أو عمرا.
وإن اشترك اثنان لا يلزم القود أحدهما: مفردا، فعنه: يقتل شريكه، اختاره أبو محمد الجوزي، كما لو أكره أبا على قتل ابنه، وعنه: لا، والمذهب: يقتل غير شريك نفسه ومخطئ وصبي ونحوهم م 11 ومتى سقط القود فنصف الدية، وقيل: كما لها في شريك سبع، وقيل: في ولي مقتص، ودية شريك مخطئ في ماله، لا على عاقلته، على الأصح، قاله القاضي.
ـــــــ
المسألة الثانية 10: إذا أذن له في قتله فقتله ففيها خلاف قلت: قال المصنف قبل ذلك: لو قال لغيره: اقتلني أو اجرحني ففعل فهدر، نص عليه، وعنه: تلزم الدية، وعنه: للنفس، ويحتمل القود، انتهى. فهذه شبيهة بمسألة المصنف هنا، إلا أن المصنف قال في تلك. اقتلني، بصيغة الأمر، وفي هذه بصيغة الإذن، فيحتمل فيه الأمر، ويحتمل عدمه، وهو الظاهر، كقوله: أذنت أن تقتلني، فصيغة الأمر أقوى من الإذن في الفعل.
مسألة 11: قوله: وإن اشترك اثنان لا يلزم القود أحدهما: مفردا، فعنه: يقتل شريكه، اختاره أبو محمد الجوزي وعنه: لا، والمذهب: يقتل غير شريك نفسه ومخطئ وصبي ونحوهم، انتهى. المذهب ما قاله المصنف بلا ريب، ولكن الكلام على غيره من الروايتين، فإن ظاهره إطلاق الخلاف فيهما على غير المذهب والرواية الأولى أقوى وأصح من الرواية الثانية. والله أعلم.
فهذه إحدى عشرة مسألة في هذا الباب.

(9/365)


فصل وشبه العمد أن يقصد جناية لا تقتل غالبا ولم يجرحه بها.
وقال جماعة: ولم يقصد قتله، كمن ضربه في غير مقتل بصغير، أو لكزه أو لكمه، أو سحره بما لا يقتل غالبا، أو ألقاه في ماء يسير، أو صاح بصبي أو معتوه. وفي الواضح أو امرأة، وقيل: أو مكلفا على سطح فسقط أو اغتفل1 عاقلا بصيحة فسقط أو ذهب عقله فالدية، نقل الفضل في رجل بيده سكين فصاح به رجل فرمى بها فعقرت رجلا هل على من صاح به شيء؟ قال: هذا أخشى عليه، قد صاح به. ومن أمسك الحية كمدعي المشيخة فقتلته فقاتل نفسه، وإن قيل: إنه ظن أنها لا تقتل فشبه عمد، بمنزلة من أكل حتى بشم2 فإنه لم يقصد قتل نفسه، وإمساك الحيات جناية فإنه محرم، ذكره شيخنا.
والخطأ كرمي صيد أو غرض أو شخص فيصيب آدميا لم يقصده، أو ينقلب عليه نائم ونحوه، أو يجني عليه غير مكلف، كصبي أو مجنون، أو يظنه مباح الدم فيبين معصوما، فالدية.
ومن قال كنت يوم قتله صغيرا أو مجنونا، وأمكن، صدق بيمينه، وإن قتل في صف كفار أو دار حرب من ظنه حربيا فبان مسلما أو وجب رمي كفار تترسوا بمسلم فقصدهم دونه فقتله فلا دية عليه، وعنه:
__________
.................................
__________
ـــــــ
1 في الأصل: "اعتقل".
2 أي: أتخم من كثرة الأكل. "المصباح": "بشم".

(9/366)


بلى. وعنه: في الأخيرة. وفي عيون المسائل عكسها، لأنه فعل الواجب هنا، قال: وإنما وجبت الكفارة كما لو حلف لا يصل، يصلي ويكفر، كذا هنا.
وإن حفر بئرا أو نصب سكينا ونحوه تعديا، ولم يقصد جناية فخطأ، ولو قتل من أسلم خوف القتل فيأتي في الجهاد1 إن شاء الله تعالى.
__________
..............................
__________
ـــــــ
1 10/232- 233.

(9/367)


باب شروط القود
مدخل
...
باب شروط القود
يشترط كون المقتول معصوما، فكل من قتل مرتدا أو زانيا محصنا ولو قبل ثبوته1 عند حاكم، والمراد قبل التوبة، وقاله صاحب الرعاية، فهدر، وإن بعد التوبة إن قبلت ظاهرا فكإسلام طارئ، فدل أن طرف محصن كمرتد، لا سيما وقولهم عضو من نفس وجب قتلها فهدر، ويعزر للافتيات على ولي الأمر، كمن قتل حربيا. وفي عيون المسائل: له تعزيره، ويحتمل قتل ذمي، وأشار بعض أصحابنا إليه، قاله في الترغيب، لأن الحد لنا والإمام نائب.
قال في الروضة2: إن أسرع ولي قتيل أو أجنبي فقتل قاطع طريق قبل وصوله للإمام فلا قود، لأنه انهدر دمه، وظاهره: ولا دية، وليس كذلك، وسيأتي3، وكذا من قطع يد مرتد أو حربي فأسلما ثم ماتا وجعله في الترغيب كمن أسلم قبل الإصابة، ومن رماهما فأسلما قبل وقوعه بهما فهدر، كردة4 مسلم، وقيل: تجب ديتة5،
__________
.................................
__________
ـــــــ
1 في الأصل: "توبته".
2 في الأصل: "الرعاية".
3 ص 369- 370.
4 في الأصل: "كدية".
5 في الأصل و "ط": "دية".

(9/368)


كتلفه ببئر حفرت1 مرتدا: وقيل: كمرتد2، لتفريطه، إذ قتله ليس إليه. وقيل: يقتل به.
ومن قطع طرف مسلم فارتد فلا قود، في الأصح، أصلهما هل يفعل به كفعله أم في النفس فقط، وهل يستوفيه إمام أم قريبه؟ فيه وجهان، أصلهما هل ماله فيء أم لورثته؟ وهل يضمن دية الطرف أم الأقل منها ومن دية النفس؟ فيه وجهان م 1 - 3 وقيل هدر. وإن عاد إلى الإسلام ثم
ـــــــ
مسألة 1 – 3: قوله: ومن قطع طرف مسلم فارتد فلا قود، في الأصح، أصلهما هل يفعل به كفعله أم في النفس فقط؟ وهل يستوفيه إمام أو قريبه؟ فيه وجهان، أصلهما هل ماله فيء أم لورثته؟ وهل يضمن دية الطرف أو الأقل منها ومن دية النفس؟ فيه وجهان، انتهى. ذكر المصنف ثلاث مسائل:
المسألة الأولى 1: لو قطع طرف مسلم فارتد المقطوع طرفه ثم مات3، فلا
ـــــــ
1 بعدها في الأصل و "ط": "مرتدا".
2 في "ط": "المرتد".
3 في "ص": "تاب".

(9/369)


مات فالقود في النفس أو الدية، نص عليه. وقال ابن أبي موسى: يتوجه سقوط القود بردة، واختار القاضي وصاحب التبصرة إن سرى القطع في الردة فلا قود، فيجب نصف الدية، وقيل: كلها، ومن عليه القود معصوم في حق غير المستحق لدمه وتشترط المكافأة حالة الجناية بأن لا يفضله قاتله بإسلام أو حرية أو ملك أو إيلاد خاصة. فلا يقتل مسلم بكافر ولو ارتد. ويتوجه احتمال بقتل
ـــــــ
قود في الطرف، على الصحيح من المذهب، والوجهان أصلهما هل يفعل به كفعله أو في النفس فقط؛ وفيه روايتان، والصحيح من المذهب أنه يفعل به فيما دون النفس، كما يفعل به في النفس، وقدمه المصنف وغيره، وهذه المسألة ليست من الخلاف المطلق في شيء، لأنه صحح فيها حكما.
المسألة الثانية 2: إذا قلنا بوجوب القود على الوجه الثاني، فهل يستوفيه الإمام أو قريبه المسلم؟ فيه وجهان، قال المصنف: أصلهما هل ماله فيء أو لورثته؟ وفيه وجهان، والصحيح من المذهب أن ماله فيء، فيستوفيه الإمام، على الصحيح من المذهب، وهذه المسألة أيضا ليست مما نحن بصدده.
المسألة الثالثة 3: إذا قلنا بعد القود، فهل يضمن دية الطرف أم الأقل منها ومن دية النفس؟ أطلق الخلاف، ومثاله أن يقطع يديه ورجليه ثم يموت مرتدا، وأطلقه في المغني1 والشرح2:
أحدهما: يجب عليه الأقل من دية النفس أو الطرف، وهو الصحيح من المذهب،
ـــــــ
1 11/469.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/87- 88.

(9/370)


مسلم بكافر، وإن الخبر في الحربي1 كما يقطع بسرقة ماله، وفي كلام بعضهم: حكم المال غير حكم النفس، بدليل القطع بسرقة مال زان محصن وقاتل في محاربة، ولا يقتل قاتلهما، والفرق أن مالهما باق على العصمة كمال غيرهما، وعصمة دمهما زالت.
ولا حر بعبد، ويتوجه فيه عكسه، ولا مكاتب بعبده، فإن كان ذا
__________
جزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم، ومال إليه الشيخ والشارح.
والوجه الثاني: تلزمه دية الطرف، لأن الردة قطعت حكم السراية، فأشبه انقطاع حكمها باندمالها أو بقتل الآخر له.
تنبيه: الذي يظهر أن في أول كلام المصنف نقصا بعد قوله فارتد والنقص: ثم مات. ويدل عليه كلام المصنف بعد ذلك. والله أعلم.
ـــــــ
1 يريد قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يقتل مسلم بكافر". أخرجه البخاري 111.

(9/371)


"1رحم محرم أو قتل1" رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي فوجهان م 4.
__________
مسألة 4،5: قوله: ولا يقتل حر بعبد ولا مكاتب بعبده، فإن كان ذا رحم محرم أو قتل رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي فوجهان، انتهى، فيه مسألتان:
المسألة الأولى-4: لا يقتل المكاتب بعبده إذا كان أجنبيا، فإن كان ذا رحم محرم فهل يقتل به أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
أحدهما: لا2 يقتل به، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، "3و به قطع في المنور وغيره وقدمه في النظم وغيره.
والوجه الثاني: يقتل به.
المسألة الثانية- 5: لو قتل رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي، فهل يقتل به، أم لا؟ أطلق الخلاف فيه، وأطلقه في الرعايتين والحاوي الصغير.
أحدهما: يقتل به، وهو الصحيح، وهوظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والوجه الثاني: لا يقتل به3".
ـــــــ
1 في "ط": "محرم أم وقتل".
2 ليست في "ط".
3 ليست في "ط".

(9/372)


ويقتل عبد بعبد مكاتب أو لا؟ وعنه ما لم ترد قيمة قاتله، وإن كانا لسيد فلا قود، في إحدى الوجهين، قاله في المذهب. وذكر بأنثى، وعنه: مع أخذه نصف ديته. وخرج في الواضح منها في عبد بعبد وفي تفاضل مال في قود طرف. وكتابي بمجوسي، نص عليه ومرتد بذمي، وهو به وبمستأمن وإن انتقض عهده بقتل مسلم
ـــــــ
"1مسألة-6: قوله: ويقتل عبد بعبد مكاتب أو لا؟ فإن كان لسيد، فلا قود في أحد الوجهين. قاله في المذهب انتهى.
أحدهما: عليه القود. قلت: وهو الصحيح1"، وجزم به في الرعاية صريحا، وقدمه في القواعد الأصولية.
والوجه الثاني: لا قود.
تنبيهان:
"2أحدهما: قوله: يقتل مرتد بذمي وهو به وبمستأمن، انتهى، فقوله: وهو به يعني يقتل الذمي بالمرتد، هذا ظاهر العبارة، وهو سهو، لأن الأصحاب قالوا: لا يقتل أحد بقتل المرتد، وصرحوا بأن الذمي لا يقتل بقتله، حتى المصنف أول الباب3، ثم ظهر لي أن الضمير في به يعود إلى المجوسي، يعني يقتل المجوسي بالذمي، وإن كان اللفظ موهما، لكن يزول الإشكال2".
ـــــــ
1-1 ليست في "ط".
2-2 ليست في "ح".
3 ص 368.

(9/373)


قتل له وعليه دية حر وقيمة عبد، ولا يقتل من بعضه حر، والأصح إلا بمثله أو أكثر حرية.
وإن قتل أو جرح ذمي ذميا أو عبد عبدا ثم أسلم أو عتق مطلقا قتل به، في المنصوص، كجنونه، في الأصح، وعدم قتل من أسلم ظاهر نقل بكر، كإسلام حربي قاتل، وكذا إن جرح مرتد ذميا ثم أسلم، وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من القود، في ظاهر كلامهم، وجزم به شيخنا، كما بعد الزهوق ع. وقد ذكر ابن عقيل صحتها، وإن الإثم واللائمة
__________
..........................
__________

(9/374)


يزول من جهة الله وجهة المالك، ولا يبقى إلا حق الضمان للمالك. وفهم منه شيخنا سقوط القود وقال: هذا ليس بصحيح، وإن فرقا بين الخطإ ابتداء والخطأ في أثناء العمل، وقد يكون مراد "1ابن عقيل1" ببقاء الضمان القود. ويؤيد قول شيخنا ما يأتي: لو ارتد بعد الرمي قبل إصابة الصيد لم يمنع من ترتب الحكم على سببه وإباحة الصيد، وأبلغ من كلام ابن عقيل قول الحلوإني في التبصرة: تسقط التوبة حق آدمي لا يوجب مالا وإلا سقط إلى مال. وإن جرح مسلم ذميا أو حر عبدا ثم أسلم المجروح أو عتق ثم مات فلا قود، ويلزمه دية حر مسلم، "2وعند أبي بكر والقاضي وأصحابه: دية ذمي لوارث مسلم وقيمة عبد2"، ويأخذ سيده قيمته، نقله حنبل، وقت جنايته، وكذا ديته، نقله حرب، إلا أن تجاوز أرش الجناية فالزيادة للورثة. وإن وجب بهذه الجناية قود فطلبه للورثة، على هذه، وعلى الأخرى للسيد.
ومن جرح عبد نفسه ثم أعتقه قبل موته ثم مات فلا قود، وفي ضمانه الخلاف. ولو رمامياه3 فوقع السهم بهما بعد الإسلام أو العتق ثم ماتا،
__________
الثاني: قوله: ومن جرح عبد نفسه ثم أعتقه قبل موته ثم مات فلا قود، وفي ضمانه الخلاف، انتهى. وأطلقه في هذه المسألة في المغني4 والشرح5
ـــــــ
1-1 في النسخ الخطية: "شيخنا"، والمثبت من "ط".
2-2 ليست في "ر".
3 في "ط": "رماهما".
4 11/536.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/119.

(9/375)


فدية حر مسلم للورثة، ولا شيء للسيد ولا قود، وأوجبه أبو بكر، كقتله من علمه أو ظنه ذميا أو عبدا، فكان قد أسلم وعتق، أو قاتل أبيه1 فلم يكن، في الأصح، وكذا مرتدا.
وقيل: الدية. وفي الروضة فيما إذا رمى مسلم ذميا هل يلزمه دية مسلم أو دية كافر؟ فيه روايتان، اعتبارا بحال الإصابة أو الرمية، ثم بنى مسألة العبد على الروايتين في ضمانه بدية أو قيمة، ثم بنى عليهما من رمى مرتدا أو حربيا فأسلم قبل وقوعه، هل يلزمه دية مسلم أو هدر؟.
وإن قتل من لا يعرف أو ملفوفا وادعى كفره أو رقه أو موته فالقود أو ديته، في الأصح، إن أنكر وليهم، وأطلق ابن عقيل في موته وجهين، وسأل القاضي: أفلا يعتبر بالدم وعدمه؟ قال: لا، لم يعتبره الفقهاء. ويتوجه: يعتبر.
ـــــــ
وغيرهما، والظاهر أنه أراد بالخلاف الخلاف الذي سبق قبل هذا فيما إذا جرح حر عبدا ثم عتق ثم مات فلا قود، وفي وجوب الدية قولان، قدم المصنف لزوم الدية، واختار أبو بكر والقاضي وأصحابه لزوم القيمة، فعلى هذا قوله: وفي ضمانه الخلاف يعني في ضمان الدية أو القيمة الخلاف، لكن إن جعلنا القيمة للسيد فإنها تسقط فيكون الخلاف في ضمان الدية أو السقوط، وهو ظاهر كلام المصنف. والله أعلم.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "ابنه"، والمثبت من "ط".

(9/376)


وإن ادعى زنا محصن بشاهدين، نقله ابن منصور، واختاره أبو بكر وغيره، ونقل أبو طالب وغيره: أربعة، اختاره الخلال وغيره، قبل، وإلا ففيه باطنا وجهان م 7 وقيل: وظاهرا.
وقال في رواية ابن منصور بعد كلامه الأول: وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم منزل الرجل حريمه، "فمن دخل عليك حريمك فاقتله" 1. فدل "2أنه لا يعزر2"، ولهذا ذكر في المغني3 وغيره: إن اعترف الولي4 بذلك فلا قود ولا دية، واحتج بقول عمر5 رضي الله عنه وكلامهم وكلام أحمد السابق يدل على أنه لا فرق بين كونه محصنا أو لا،
ـــــــ
مسألة 7 قوله: وإن ادعى زنا محصن بشاهدين نقله ابن منصور، اختاره أبو بكر وغيره، ونقل أبو طالب وغيره أربعة، اختاره الخلال وغيره، قبل، وإلا ففيه باطنا، وجهان، انتهى.
أحدهما: يقبل في الباطن قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا يقبل في الباطن قلت: وهو ضعيف، والصحيح من المذهب ثبوت الإحصان بشاهدين، كما نقله ابن منصور، وعليه أكثر الأصحاب.
ـــــــ
1 أخرجه أحمد في "مسنده" 22772.
2-2 في "ط": "قود ولادية".
3 11/461- 462.
4 في "ط": "الوالي".
5 هو أنه كان يوما يتغدى، إذ جاءه رجل يعدو، وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة. فأخذ عمر سيفه فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد. ذكره صاحب المغني 11/462. وعزاه إلى "سنن سعيد" ولم نجده فيما بين أيدينا منها.

(9/377)


وكذا ما يروى عن عمر وعلي1 رضي الله عنهما، وصرح به بعض المتأخرين، كشيخنا وغيره، لأنه ليس بحد، وإنما هو عقوبة على فعله، وإلا اعتبرت فيه شروط الحد، الأول، ذكره في المستوعب وغيره، وعند الشافعي: له قتله فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان محصنا، وللمالكية قولان، في اعتبار إحصانه، وسأله أبو الحارث: وجده يفجر بها، له قتله؟ قال: قد روي ذلك عن عمر وعثمان2 رضي الله عنهما. وإن قتله في داره وادعى أنه دخل لقتله وأخذ ماله فالقود، ويتوجه عدمه في معروف بالفساد.
وإن تجارح اثنان وادعى كل واحد دفعه عن نفسه فالقود، وفي المذهب والكافي3: الدية، ونقل أبو الصقر وحنبل في قوم اجتمعوا بدار فجرح وقتل بعضهم بعضا وجهل الحال أن على عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح. قال أحمد: حدثنا هشيم أنبأنا الشيباني عن الشعبي قال: أشهد على علي أنه قضى به. وهل على من ليس به جرح من دية القتلى شيء؟ فيه وجهان، قاله ابن حامد م 8.
ـــــــ
مسألة 8: قوله: وإن تجارح اثنان وادعى كل واحد دفعه عن نفسه فالقود، وفي المذهب والكافي: الدية، ونقل أبو الصقر وحنبل في قوم اجتمعوا بدار فجرح
ـــــــ
1 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 8/337. عن عبيد بن عمير: أن رجلا أضاف ناسا من هذيل، فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها رجل منهم عن نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه قال: ذاكقتيل الله، والله لا يودي أبدا.
وأيضا أخرج أثر عليّ 8/337، أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا فقتله، فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. وهو من رواية سعيد بن المسيب.
2 قد تقدم تخريج أثر عمر في الصفحة السابقة، ولم نقف على أثر عثمان رضي الله عنه.
3 5/207.

(9/378)


ولا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل ولو اختلفا دينا وحرية، وقيل: ولو ولده من زنا لا من رضاع. قال في عيون المسائل وغيرها في بحث المسألة: ولا يلزم الزاهد العابد، فإن معه من الدين والشفقة ما يردعه ويمنعه1 عن القتل لأن رادعه حكمي، وهو ضعيف، ورادع الأب طبعي وهو أقوى، بدليل أنه لا يمكنه إزالته، وعنه: تقتل أم، وعنه: وأب كالولد بهم، على الأصح، وقيل2 يقتل "3أب أم3" بولد بنته وعكسه.
__________
وقتل بعضهم بعضا وجهل الحال أن على عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منه أرش الجرح، وهل على من ليس به جرح من دية القتلى شيء4؟ فيه وجهان، قاله ابن حامد انتهى، نقله "5عنه وكذا الشيرازي5" في المنتخب.
أحدهما: يشاركونهم، اخترته في التصحيح الكبير.
والوجه الثاني: لا دية عليهم، وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 في "ط": "وعنه".
3-3 في "ر": "أب وأم"، وفي "ط": "أو أم".
4 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
5-5 في "ط": "عند ولد الشيرازي".

(9/379)


وفي الروضة: لا تقتل أم بولد1 والأصح: وجدة.
وفي الانتصار: لا يجوز للابن قتل أبيه بردة وكفر بدار حرب، ولا رجمه بزنا ولو قضي عليه برجم، وعنه: لا قود بقتل في دار حرب، فتجب دية إلا لغير مهاجر، ونقل حنبل فيمن أريد قتله قودا؟ فقال رجل أنا القاتل لا هذا: أنه لا قود والدية على المقر لقول علي أحيا نفسا، ذكره في المنتخب، وحمله أيضا على أن الولي صدقه بعد قوله لا قاتل له2 سوى الأول، ولزمته الدية لصحة بذلها منه، وذكر في القسامة3: لو شهد عليه بقتل فأقر به غيره فذكر رواية حنبل، ولو أقر به بعد الأول قتل الأول لعدم التهمة ومصادفته4 الدعوى.
__________
........................
__________
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 لم نقف عليه، وسيذكره المصنف في الصفحة اللاحقة قول عمر، وتأتي القصة في الحاشية بتمامها.
3 12/233.
4 في "ط": "مصادفته".

(9/380)


وفي المغني1 في القسامة لا يلزم المقر الثاني شيء، فإن صدقه الولي بطلت دعواه الأولى، ثم هل له طلبه؟ فيه وجهان، ثم ذكر المنصوص وهو رواية حنبل، وإنه أصح، لقول عمر: أحيا نفسا. وذكر الخلال وصاحبه رواية حنبل ثم رواية مهنا: ادعى على رجل أنه قتل أخاه فقدمه إلى السلطان فقال: إنما قتله فلان، فقال فلان: صدق أنا2 قتلته، فإن هذا المقر بالقتل يؤخذ به، قلت أليس قد ادعى على الأول؟ قال: إنما هذا بالظن، فأعدت عليه فقال: يؤخذ الذي3 أقر أنه قتله.
ومتى ورث القاتل أو ولده بعض دمه فلا قود، فلو قتل امرأته فورثها أو ولدهما، أو قتل أخاها فورثته ثم ماتت فورثها هو أو ولده، سقط، وعنه: لا يسقط بإرث الولد، اختاره بعضهم، وإن قتل أحد الابنين أبيه والآخر أمه وهي في زوجية الأب فلا قود على قاتل أبيه، لإرثه4 ثمن أمه، وعليه سبعة أثمان ديته لأخيه، وله قتله، وإن كانت بائنا فالقود عليهما. والله أعلم.
ـــــــ
تنبيه: قوله في آخر الباب لقول عمر: أحيا نفسا انتهى. صوابه لقوله لعمر، بزيادة لام في أوله، يعني لقول علي لعمر: أحيا نفسا. وقد تقدم قبل ذلك بأربعة سطور أو أكثر أن عليا قال ذلك لعمر، وقد ذكر القصة في الطرق الحكمية لابن القيم وغيره. فهذه ثمان مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 12/201.
2 في "ط": "أنه".
3 في "ط": "التي".
4 في "ط": "ولإرثه".

(9/381)


باب القود فيما دون النفس
مدخل
...
باب القود فيما دون النفس
من أخذ بغيره في النفس أخذ به فيما دونها، ومن لا فلا، وعنه: لا قود بين عبيد، "1نقله الأثرم ومهنا1" وعنه: دون النفس، وعنه: في النفس والطرف حتى تستوي القيمة، ذكره في الانتصار.
"2قال حرب2" في الطرف: كأنه مال إذا استوت القيمة. ويشترط العمد، واختار أبو بكر وابن أبي موسى: أو شبهه، وذكره القاضي رواية، والمساواة في الموضع والاسم والصحة والكمال: فيؤخذ كل واحد من عين وإنف وأذن مثقوبة أو لا، وسن ربطها بذهب أو لا، وشفة وجفن ويد ورجل قوي بطشها أو ضعف، وأصبع وكف ومرفق وخصية، وذكر بمثله، ومختون كأقلف وفيه في ألية وشفر وجهان م 1 و 2
ـــــــ
مسألة 1 و 2: قوله: وفيه في ألية وشفر وجهان، انتهى. ذكر مسألتين:
المسألة الأولى 1: هل يجري القصاص في الألية أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المغني3 والمقنع4 والمحرر وشرح ابن منجا والحاوي الصغير وغيرهما:
أحدهما: يجري القصاص فيها، وهو الصحيح، صححه في التصحيح، وبه قطع
ـــــــ
1-1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2-2 في "ر": "فإن جرت".
3 11/547.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/243.

(9/382)


ولا تؤخذ يمين بيسار، ويسار بيمين وما علا من أنملة وشفة وجفن بما سفل. وخنصر ببنصر، أو سن بسن مخالفة في الموضع، وأصلي بزائد وعكسه، بل زائد بمثله موضعا وخلقة ولو تفاوتا قدرا، ولا كاملة الأصابع أو الأظفار بناقصة، رضي الجاني أو لا، بل مع أظفار معيبة، وقيل: ولا بزائدة أصبعا، فإن ذهبت فله، وقيل: ولا زائدة بمثلها، ولا عين صحيحة بقائمة1، ولسان ناطق بأخرس، ولا صحيح بأشل من يد ورجل وأصبع وذكر ولو شل أو ببعضه شلل كأنملة يد.
__________
في الكافي2 والوجيز.
والوجه الثاني: لا يجري فيها قلت: وهو الصواب، وصححه في النظم، وقدمه في الرعايتين.
المسألة الثانية 2: هل يجري القصاص في الشفر أم لا؟ أطلق الخلاف فيه، وأطلقه في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمغني3 والكافي4 والمقنع5 والمحرر والشرح وشرح ابن منجا والحاوي الصغير وغيرهم:
أحدهما: يجري القصاص فيه، وهو الصحيح، صححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز، واختاره أبو الخطاب وغيره.
ـــــــ
1 أي: العين التي ذهب بصرها وضوؤها ولم تنخسف، بل الحدقة على حالها.
2 5/160.
3 11/546.
4 5/161.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/243.

(9/383)


وفيه من أنف وأذن، وأذن سميعة بصماء، وإنف شام بضده، وتام منهما بمخروم1 م 3 وفي الترغيب: ولسان صحيح بأخرس وجهان، ولا ذكر فحل بذكر خصي وعنين، وعنه: بلى، وعنه: بذكر عنين.
ـــــــ
والوجه الثاني: لا يجري فيه القصاص.
قلت: وهو الصواب. قال في الخلاصة: فلا قصاص فيه، في الأظهر، واختاره القاضي، وصححه الناظم، وقدمه في الرعايتين.
مسألة 3: قوله: وفيه من أنف وأذن - يعني صحيحين بأشلين - وأذن سميعة بصماء، وإنف شام بضده، وتام بمخروم وجهان، انتهى. ذكر أولا أنه لا يؤخذ صحيح بأشل من يد أو رجل أو أصبع أو ذكر، فأما أخذ الأنف والأذن الصحيحين بالأشلين فأطلق فيه الخلاف، وكذا أطلق الخلاف في أخذ الأذن السميعة بالصماء، والأنف الشام بضده، وهو الأنف الأخشم2، وأخذ التام منهما بالمخروم3، فهذه خمس مسائل أطلق فيها الخلاف، وأطلقه في المقنع4 والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم في الثلاثة الأخيرة، قال في الهداية: فأما الأنف الأشم بالأخشم أو الصحيح بالمخروم أو بالمستخسف5 فلا
ـــــــ
1 في "ط": :بمخزوم. والمخزوم: المثقوب. "المصباح": "خزم".
2 في "ط": "الأخشم" والأخشم: الذي لا يجد ريح شيء، وهو في الأنف بمنزلة الصمم في الأذن، "المطلع" ص362.
3 في "ط": "بالمخروم".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/249.
5 في "ص": "بالمستخشف". وفي "ط": "بالمستخسف"، واستحشفت الأذن يبست، والأنف يبس غضروفها "المصباح": "خشف".

(9/384)


ولو قطع صحيح من مقطوع الأنملة العليا أنملته الوسطى فله أخذ دية
__________
يعرف فيه رواية، فيحتمل القصاص وعدمه، انتهى. وتابعه في المذهب والمستوعب وقال: لا يعرف فيه رواية، وقال أصحابنا: يحتمل وجهين: القصاص، وعدمه، فنسبه إلى الأصحاب، وأطلق في المستوعب الخلاف في أخذ الصحيحة بالصماء، وذلك غير ما تقدم ذكره عنه، وعن صاحب الهداية وأطلق الخلاف في المغني1 والكافي2 والهادي والشرح3. في أخذ الصحيح بالمستخشف4.
أحدهما: يؤخذ صححه في التصحيح فيما ذكره في المقنع5، وجزم في المغني6 والكافي7 والشرح، وهو مقتضى كلام الخرقي، واختاره القاضي: بأخذ8 الأذن الصحيحة والأنف الشام بالأذن الصماء والأنف الأخشم واختار القاضي "9والشيخ عدم أخذ الأذن الصحيحة والأنف الصحيح، بالأذن والأنف المخزومين. واختار القاضي9" أيضا أخذ الأذن الصحيحة بالأذن الشلاء، قال في المحرر: وقال القاضي: يؤخذ في الجميع إلا في المخزوم10 خاصة،
ـــــــ
1 11/542.
2 5/154.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/249.
4 في "ص": "بالمستخشف"، وفي ط "بالمستخسف".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/269.
6 11/543- 544.
7 5/153.
8 في "ط": "يأخذ".
9-9 ليست في "ط".
10 في "ط": "المخروم".

(9/385)


أنملته والصبر حتى تذهب العليا بقود أو غيره، فيقتص، ولا أرش له الآن للحيلولة بخلاف غصب مال لسد مال مسد مال.
ويؤخذ المعيب مما تقدم بمثله وبصحيح بلا أرش، وقيل: بل معه، وقيل لنقص القدر، كأصبع، لا الصفة كشلل، وقيل: الشلل موت، وذكر في الفنون أنه سمعه من جماعة من البله المدعين للفقه قال: وهو بعيد، وإلا لأنتن واستحال كالحيوإن. وفي الواضح: إن ثبت1 فلا قود في ميت.
وإن ادعى الجاني نقص العضو قبل قول المنكر، نص عليه، وقيل: إن اتفقا على تقدم صحته، وقيل: قول الجاني، واختار في الترغيب2 عكسه في أعضاء باطنة، لتعذر البينة.
ويشترط لجواز استيفاء لا لوجوبه أمن الحيف، فيقاد في جناية من مفصل أو لها حد ينتهي إليه، كمارن الأنف، وهو ما لان منه، وفي جرح
__________
وقطع في المقنع3 بعدم4 الأخذ في الصحيحة بالشلاء من الأنف والأذن5.
ـــــــ
1 في "ر": "نبت".
2 في "ر": "المستوعب".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/264.
4 في "ط": "بعد".
5 وهذا الوجه الثاني، ولم يأت به على طريقته. ينظر: "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/270".

(9/386)


ينتهي إلى عظم خاصة، كموضحة، لا فيما دون موضحة، وبعض كوع، لبعد الضبط، قال في الانتصار: وشعر، وقيل له في رواية أبي داود: الموضحة يقتص منها؟ قال: الموضحة كيف يحيط بها "1وجرح قدم وساق وفخذ وعضد وساعد1"، ويتعين جانبها. ونقل حنبل: ليس في عظم قصاص، لأن الرجل لما ضرب بالسيف على ساعد هذا فقطعه فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بالدية، لم يجعل له القصاص2، قال: وهذا يدل على أنه لا
__________
...............................
__________
ـــــــ
1-1 ليست في الأصل.
2 أخرج ابن ماجه 2636، عن نمران بن جارية، عن أبيه: أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بالدية، فقال: يا رسول الله؛ إني أريد القصاص، فقال: "خذ الدية، بارك الله لك فيها".

(9/387)


قصاص من غير مفصل ولا في عظم، لأنه لا يعلم ما قدره، ونقل أبو طالب: لا يقتص من جائفة ولا مأمومة، لأنه يصل إلى الدماغ، ولا من كسر فخذ وساق ويد، لأن فيه مخا. ونقل حنبل والشالنجي: القود في اللطمة ونحوها، ونقل حنبل: الشعبي والحكم وحماد قالوا: ما أصاب بسوط أو عصا وكان دون النفس ففيه القصاص1، قال2: وكذلك أرى. ونقل أبو طالب: لا قصاص بين المرأة وزوجها في أدب يؤدبها، فإذا اعتدى أو جرح أو كسر يقتص لها منه ونقل ابن منصور: إذا قتله بعصا أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر، يقتل بمثل الذي قتل به، لأن الجروح قصاص. ونقل أيضا: كل شيء من الجراح والكسر يقدر على القصاص يقتص منه، للأخبار، واختاره شيخنا وإنه ثبت عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وذكر الخطابي وغيره أنه روي عنهم وجزم به البخاري عن أبي بكر وعمر وعلي. وقالت عائشة: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فأشار أن لا تلدوني قلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: "ألم أنهكم أن تلدوني؟" قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: "لا يبقى في البيت أحد إلا لد وإنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم" . متفق عليه3. قال أبو عبيد عن الأصمعي: اللدود ما يسقي الإنسان في أحد شقي الفم، أخذا من لديد الوادي، وهما جانباه،
__________
...............................
__________
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 9/218.
2 يعني: أحمد.
3 البخاري 4458، مسلم 2213، 85.

(9/388)


والوجور بالفتح في وسط الفم، والسعوط: ما أدخل من أنفه، واللدود بالفتح: هو الدواء الذي يلد به. قال في شرح مسلم: فيه أن الإشارة المفهمة كصريح العبارة في نحو هذه المسألة وتعزير المتعدي بنحو فعله ما لم يكن محرما. والله أعلم.

(9/389)


فصل ويعتبر قود الجرح بالمساحة دون كثافة اللحم
...
فصل ويعتبر قود الجرح بالمساحة دون كثافة لحم،
فمن أوضح بعض رأسه وهو كرأس الجاني أو أكثر أوضحه في كله، وفي أرش زائد وجهان م 4 وفي الموجز: فيه وفي نقص أصبع روايتان، وإن أوضح كله ورأس الجاني أكبر فله قدر شجته من أي الجانبين شاء، وقيل: ومنهما.
ـــــــ
مسألة 4 قوله: ويعتبر قود الجرح بالمساحة دون كثافة لحم، فمن أوضح بعض رأسه وهو كرأس الجاني أو أكثر أوضحه في كله، وفي أرش1 زائد وجهان، انتهى. وأطلقهما في المقنع2 والمحرر والحاوي الصغير وغيرهم.
أحدهما: لا يلزمه أرش للزائد، صححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي، قال القاضي: هذا ظاهر كلام أبي بكر، قال في الهداية والمذهب: لا يلزمه أرش للزائد على قول أبي بكر، انتهى. قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: له الأرش للزائد، اختاره ابن حامد وبعض الأصحاب، قاله الشارح، وصححه في الرعايتين، وجزم به في المنور، وهو ظاهر كلام جماعة.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "رأس".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/289.

(9/389)


وإن شجه هاشمة أو منقلة أو مأمومة فله قود موضحة وفي تتمة ديتها وجهان م 5.
وإن قطع قصبة أنفه أو من نصف ذراع أو ساق فلا قود، نص عليه، وقيل: بلى من مارن وكوع وكعب، وعليهما في أرش الباقي ولو خطأ وجهان م 6 وقيل في قطع الأصابع وجهان.
ـــــــ
مسألة 5 قوله: وإن شجه هاشمة أو منقلة أو مأمومة فله قود موضحة، وفي تتمة ديتها وجهان، انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمقنع والمحرر والشرح1 وشرح ابن منجا وغيرهم:
أحدهما: لا يجب له شيء، اختاره أبو بكر، وقطع به الآدمي في منتخبه، وقدمه في الحاوي الصغير. والوجه الثاني: يجب له ما بين دية موضحة ودية تلك الشجة، اختاره ابن حامد، وقطع به في الوجيز والمنور، وقدمه في الخلاصة والرعايتين، قلت: وهو الصواب.
مسألة 6 قوله: وإن قطع قصبة أنفه أو من نصف ذراع أو ساق فلا قود، نص عليه، وقيل: بلى من مارن وكوع وكعب، وعليهما في أرش الباقي ولو خطأ وجهان، انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني2 والمقنع3 والهادي والمحرر والشرح وشرح ابن منجا والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم:
أحدهما: لا يجب له أرش، صححه في التصحيح، قال الزركشي: هذا أشهر الوجهين، وجزم به في الوجيز وغيره.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/288- 289.
2 11/544.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/245.

(9/390)


ولا أرش لكف وقدم، وعلى النص: لو قطع من كوع فتآكلت إلى نصف الذراع ففي القود وجهان م 7.
ومن قطع من مرفقه منع القود من الكوع، وفيه إن قطع من عضده وجهان م 8.
ـــــــ
والوجه الثاني: له الأرش، اختاره ابن حامد، وقدم في المغني1 أن في قصبة الأنف حكومة مع القصاص، وقال فيمن قطع نصف الذراع: ليس له القطع من ذلك الموضع، وله نصف الدية وحكومة في المقطوع من الذراع، وهل له أن يقطع من الكوع؟ فيه وجهان، ومن جوز له القطع من الكوع فعنه2 في وجوب الحكومة لما قطع من الذراع وجهان، انتهى.
مسألة 7 قوله: ولا أرش لكف وقدم، وعلى النص: لو قطع من كوع فتآكلت إلى نصف الذراع ففي القود وجهان، انتهى.
أحدهما: لا قود أيضا، اعتبارا بالاستقرار، قاله القاضي وغيره، وقدمه في الرعايتين وصححه الناظم.
والوجه الثاني: يقتص هنا من الكوع، اختاره في المحرر.
مسألة 8 قوله: ومن قطع من مرفقه منع3 القود من الكوع، وفيه إن قطع من عضده وجهان، انتهى. حكم هذه المسألة حكم ما إذا قطع من نصف الذراع أو الساق، على ما تقدم خلافا ومذهبا عند الأصحاب، فلا حاجة إلى إعادته، وقد
ـــــــ
1 11/544.
2 في "ح": "فعنده".
3 في النسخ الخطية: "من"، والمثبت من "ط".

(9/391)


وله قطع عضده فإن خيف جائفة ففي مرفقه وجهان م 9 ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف أو من مأمومة أو وجائفة أو نصف ذراع ونحوه أجزأ.
ـــــــ
علمت الصحيح من ذلك.
مسألة 9 قوله: وله1 قطع عضده، فإن خيف جائفة ففي مرفقه وجهان، انتهى. يعني ففي جواز القطع من مرفقه وجهان، وأطلقهما في المغني2 والمحرر والشرح3 والحاوي الصغير وغيرهم:
أحدهما: له ذلك، وهو الصحيح، جزم به في الوجيز وغيره، وصححه في النظم، وقدمه في الرعايتين.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "ولو"، والمثبت من "ط".
2 11/539.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/242.

(9/392)


وإن أوضحه فأذهب بصره أو سمعه أو شمه أوضحه1، فإن لم يذهب ذلك فقيل: يلزمه ديته، والأشهر: يستعمل ما يذهبه م 10 فإن خيف على العضو فالدية، وكذا الوجهان إن أذهبه بلطمة ونحوها، وإن قطع بعض أذنه أو مارنه أو شفته أو لسانه أو حشفته أو سنه أقيد منه بقدره بنسبة الأجزاء، كثلث وربع، وقيل: لا قود ببعض لسان.
ـــــــ
والوجه الثاني: ليس له ذلك.
مسألة 10 قوله: وإن أوضحه فأذهب بصره أو سمعه أو شمه أوضحه بقدره فإن لم يذهب ذلك فقيل: يلزمه ديته، والأشهر: يستعمل ما يذهبه، انتهى. الأشهر هو الصحيح من المذهب، وعليه الأكثر، وإنما أتى بهذه الصيغة لقوة القول بلزوم الدية.
ـــــــ
1 الضمير عائد على الجاني، يعني: أوضح المجني عليه الجاني.

(9/393)


فصل ولا قود ولا دية لما رجي عوده من عين أو منفعة
...
فصل لا قود ولا دية لما رجي عوده من عين أو منفعة
في مدة يقولها أهل

(9/393)


الخبرة، واختار الشيخ في سن كبير ونحوها القود في الحال، فإن مات في المدة فلوليه دية سن وظفر، وقيل: هدر، كنبت شيء فيه، قاله في المنتخب، وله في غيرهما الدية، وفي القود وجهان م 11 ومتى عاد ذلك ناقصا فحكومة، وإلا لم يضمن، فإن كان أقيد أو1 أخذت منه الدية ردت، ولا زكاة، كمال ضال، ذكره أبو المعالي. ثم إن عاد طرف جان رد ما أخذ. وفي المذهب فيمن قلع سن كبير ثم نبتت: لم يرد ما أخذ، ذكره أبو بكر.
ومن قطع طرفه فرده فالتحم فحقه بحاله، ويبينه إن قيل بنجاسته وإلا فله أرش نقصه خاصة، نص عليه، واختار القاضي بقاء حقه، ثم إن أبانه أجنبي وقيل بطهارته ففي ديته وجهان م 12.
ـــــــ
مسألة 11 قوله: ولا قود ولا دية لما رجي عوده من عين أو منفعة في مدة يقولها أهل الخبرة. فإن مات في المدة فلوليه دية سن وظفر. وله في غيرهما الدية، وفي القود وجهان، انتهى.
أحدهما: له القود حيث يشرع، وهو الصحيح، قطع به في المنور وغيره، وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
والوجه الثاني: ليس له القود وهو قوي.
مسألة 12 قوله: ومن قطع طرفه فرده فالتحم فحقه بحاله، ويبينه إن قيل بنجاسته، وإلا فله أرش نقصه خاصة، نص عليه، واختار القاضي بقاء حقه، ثم إن أبانه أجنبي وقيل بطهارته ففي ديته وجهان، انتهى.
ـــــــ
1 في "ر": "و".

(9/394)


وإن أبان سنا1 وضع محله والتحم ففي الحكومة وجهان م 13 ولو رد الملتحم الجاني أقيد ثانية في المنصوص، ويقبل قول الولي في عدم عوده والتحامه.
وفي المنتخب: إن ادعى اندماله وموته بغير جرحه وأمكن قبل،
ـــــــ
قلت: الصواب وجوب حكومة لا ديته، لأنه ليس كالأصل. والله أعلم. قال في المغني2 والشرح3: وإن قلعها قالع بعد ذلك وجبت ديتها، ذكره في السن، وعلى قول القاضي ينبني حكمها على وجوب قلعها، فإن وجب فلا شيء، وإلا احتمل أن يؤخذ بديتها، واحتمل أن لا يؤخذ، انتهى. وقال في الرعاية الكبرى: وإن أعاد السن فنبت ثم قلعه آخر غرم ديتها وقيل على الأول الدية، انتهى.
مسألة 13 قوله: وإن أبان سنا وضع محله والتحم ففي الحكومة وجهان، انتهى. وأطلق في الرعايتين احتمالين، وقال في المغني4 والشرح5: فأما إن جعل مكانها سنا أخرى أو سن حيوإن أو عظما فنبت6 وجبت ديتها وجها واحدا، وإن قلعت هذه الثانية لم تجب ديتها، لكن تجب حكومة، ويحتمل أن لا يجب شيء، انتهى. فقدما وجوب الحكومة.
تنبيه: الاحتمالان اللذان ذكرهما ابن عقيل من تتمة مسائل ذكرها المصنف وقدم فيها حكما، وليستا من الخلاف المطلق، فليعلم ذلك.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "شيئا".
2 12/136.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/543.
4 12/136- 137.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/543- 544.
6 ليست في "ط".

(9/395)


وسراية الجناية كهي في القود والدية في النفس ودونها، فلو قطع أصبعا فالقود، وكذا إن تآكلت أخرى وسقطت، أو اليد من الكوع، وإن شلتا بفتح الشين وضمها لغة فأرشهما. وقال ابن أبي موسى: لا قود بنقضه بعد برئه.
وسراية القود هدر، لأنه مستحق له، بخلاف قسم الخطإ، واحتج الأصحاب بمسألة: اقتلني أو اجرحني، مع تحريم الإذن والقطع، فهنا أولى. فإن اقتص قهرا مع حر أو برد أو بآلة كالة أو مسمومة ونحوه لزمه بقية الدية، وعند القاضي: نصفها. وقال ابن عقيل: من له قود في نفس وطرف فقطع صرفه فسرى أو صال من عليه الدية فدفعه دفعا جائزا فقتله هل يكون مستوفيا لحقه؟ كما يجزئ إطعام مضطر من كفارة قد وجب عليه بذله له وكذا من دخل مسجدا فصلى قضاء ونوى كفاه عن تحية المسجد؟ فيه احتمالان. ولا دية لجرح قبل برئه فليستقر به، قال في الروضة: لو قطع كل منهما يدا فله أخذ دية كل منهما في الحال قبل الاندمال وبعده، لا القود قبله.
ولو زاد أرش جروح على الدية فعفا عن القود على الدية وأحب أخذ المال قبل الاندمال فقيل: يأخذ دية، لاحتمال السراية، وقيل: لا، لاحتمال جروح تطرأ م 14. ويحرم القود قبل برئه على الأصح فإن فعل،
ـــــــ
مسألة 14 قوله: ولو زاد أرش جرح على الدية فعفا عن القود إلى الدية، وأحب أخذ المال قبل الاندمال فقيل: يأخذ دية، لاحتمال السراية، وقيل: لا، لاحتمال جروح تطرأ، انتهى.
أحدهما: يأخذ دية، وهو الصواب، واحتمال جروح تطرأ الأصل عدمها. والقول

(9/396)


بطل حقه من سراية الجناية، فسرايتها1 بعد ذلك هدر، قال أحمد لأنه قد دخله العفو بالقصاص. واحتج الأصحاب بخبر رواه الدارقطني2، وبأنه تعجل حقه، كقتل موروثه.
وإن اشترك جماعة فوضعوا حديدة على طرفه وتحاملوا عليه حتى بان فالقود كالنفوس، وفي الانتصار: لو حلف كل منهم لا يقطع يدا حنث، وكذا قال أبو البقاء إن كلا منهم قاطع لجميع اليد، سلمنا، لكن تقطع يده، لأنه قطع بعضها وأعان على الباقي، أو يقطع بعضها قودا والباقي مؤنة، ضرورة استيفاء الواجب، وعنه: لا قود، كما لو تميزت أفعالهم.
ـــــــ
الثاني: لا يأخذها، لما عللها به المصنف.
فهذه أربع عشرة مسألة في هذا الباب.
ـــــــ
1 في الأصل: "فسرايتهما".
2 في سننه 3/88، عن ابن عمرو أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أقدني. قال: "حتى تبرأ" ، ثم جاء إليه فقال: أقدني. فأقاده. ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله، عرجت. قال: "قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك". ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه.

(9/397)


باب استيفاء القود
مدخل
...
باب استيفاء القود
وله شروط:
أحدهما: كون مستحقه مكلفا، فإن كان صبيا أو مجنونا حبس الجاني إلى البلوغ و1الإفاقة.
فإن كانا محتاجين فهل للولي العفو إلى الدية؟ فيه روايتان. ونصه: يعفو في مجنون لا صبي، وعنه: لأب- وعنه: ووصي، و2حاكم-
__________
مسألة 1 قوله: فإن كانا محتاجين فهل للولي العفو إلى الدية؟ فيه روايتان. ونصه: يعفو في مجنون لا صبي، انتهى. وهما احتمال وجهين في الهداية والمذهب والمقنع3، وأطلق الخلاف في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني4 والمقنع والبلغة وشرح ابن منجا وغيرهم.
إحداهما: له العفو، وهو الصواب. قال القاضي: هذا هو الصحيح، وصححه الشارح والناظم وصاحب تجريد العناية، وجزم به الآدمي في منتخبه، وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
والرواية الثانية: ليس له ذلك، قدمه في تجريد العناية، والمنصوص اختاره جماعة، وصححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز والمنور، ولعله المذهب، وأطلقهن في المحرر.
ـــــــ
1 في "ط": "أو".
2 ليست في "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/146.
4 11/594.

(9/398)


اسيفاؤه لهما في نفس ودونها، فيعفو إلى الدية، نص عليه، وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا، وسقط حقهما، كما لو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته، وقيل: لا تسقط ولهما الدية، وجنايتهما على عاقلتهما، جزم به في الترغيب وعيون المسائل.
الشرط الثاني: اتفاق المشتركين فيه1 على استيفائه، وينتظر قدوم غائب وبلوغ وإفاقة، كدية، وكعبد مشترك، بخلاف محاربة، لتحتمه، وحد قذف لوجوبه لكل واحد كاملا، ويتوجه فيه وجه.
قال في عيون المسائل وغيرها: ولا يلزم من لا وارث له، فإن الإمام يقتص ولا ينتظر بلوغ الصغار، لأنه ثبت لغير معينين، ولأن استيفاء الإمام بحكم الولاية لا بحكم الأدب قال الأصحاب: وإنما قتل الحسن بن علي ابن ملجم حدا لكفره2، لأن من اعتقد إباحة ما حرم الله كافر، وقيل: لسعيه بالفساد، وكذلك لم ينتظر الحسن غائبا من الورثة، وعنه: لشريك صبي ومجنون الانفراد به، وإن ماتا فوارثهما3 كهما، وعند أبي موسى4: تتعين الدية، وإن انفرد به من منعناه عزر فقط، وحق شركائه في تركة الجاني، ويأخذ وارثه من المقتص الزائد عن حقه، وقيل: حق شركائه عليه وتسقط عن الجاني. وفي الواضح احتمال: يسقط
__________
..........................
__________
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 8/58.
3 في "ط": "فوارثهما".
4 الإرشاد 457.

(9/399)


حقهم، على رواية وجوب القود عينا، ويسقط القود بعفو شريك عنه، وبشهادته ولو مع فسقه بعفوه لكونه أقر بأن نصيبه سقط من القود، وحق الباقين من الدية على الجاني. وفي التبصرة: إن عفا أحدهم فللبقية الدية، وهل يلزمه حقهم من الدية؟ فيه روايتان، وإن قتلوه عالمين بالعفو وبسقوط القود به لزمهم القود وإلا الدية، وإن قتله العافي قتل ولو ادعى نسيانه أو جوازه.
ويستحق كل واحد القود بقدر إرثه من ماله، وعنه: يختص العصبة، ذكرها ابن البناء، وخرجها شيخنا واختارها. وهل يستحقه ابتداء أم ينتقل عن موروثه؟ فيه روايتان م 2.
ـــــــ
مسألة 2 قوله: وهل يستحقه ابتداء أو ينتقل عن موروثه؟ فيه روايتان، انتهى. يعني بذلك القود هل يستحقه الوارث ابتداء أم ينتقل عن موروثه؟ قال في القاعدة السادسة عشرة بعد المائة: حكى ابن الزاغوني في الإقناع روايتين في القصاص، هل هو واجب للوارثة ابتداء أو موروث عن الميت؟ انتهى. إحداهما: يستحقه ابتداء، لأنه حدث بعد الموت.
والرواية الثانية: ينتقل الاستحقاق إليهم عن موروثهم.
قلت: قد حكى الأصحاب روايتين في دية المقتول، هل حدثت على ملك الوارث؛ لأنه تجب بالموت؟ أو على ملك المقتول لأن سببها وجد في حياته وإن الصحيح من المذهب أنها حدثت على ملك المقتول؟ قال الإمام أحمد: قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدية ميراث1، واختاره القاضي وغيره، وصححه في الخلاصة وتصحيح المقنع2،
ـــــــ
1 أخرجه أحمد في "مسنده" 7091، عن ابن عمرو.
2 لعله: لمحمد بن أحمد بن محمود النابلسي المتوفى 805هـ. ينظر: "ذيل الدر المنضد" ص91.

(9/400)


ومن لا وارث له فوليه الإمام له القود. وفي الانتصار منع وتسليم، وكذا في عيون المسائل منع وتسليم، لأن بنا حاجة إلى عصمة الدماء، فلو لم يقتل لقتل كل من لا وارث له، قالا: ولا رواية فيه. وفي الواضح وغيره وجهان، كوالد لولده والأشهر والديه، وقيل: وعفوه مجانا.
الشرط الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى الجاني، فلو لزم القود حاملا أو حائلا فحملت لم تقتل حتى تضع وتسقيه اللبأ، ثم إن وجد مرضعة. وفي الترغيب: تلزم برضاعه بأجرة، وإن لم يوجد فحتى تفطمه لحولين وفي المغني1: له القود إن سقي لبن شاة، وتقاد في طرفها بالوضع. وفي المغني2: وسقي اللبأ وفي المستوعب وغيره: ويفرغ نفاسها. وفي البلغة: هي فيه كمريض، وإنه إن تأثر لبنها بالجلد ولا
__________
والحاوي وغيرهم، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه المصنف وصاحب المحرر والنظم وغيرهم، فكذا يكون القود، ومما يؤيد ذلك أن الأصحاب قالوا: لو عفا المقتول عن قاتله بعد الجرح صح، وقطع به الشيخ والشارح وابن منجا وغيرهم، وقدمه المصنف وصاحب المحرر والنظم والرعايتين والحاوي وغيرهم. قال الشارح وغيره: صح عفوه عنه، لأن الحق له، فهو كماله، انتهى. إذا علم ذلك فيكون الصحيح أن القود انتقل عن المقتول إلى الوارث كالدية، والظاهر أنه لا فرق بينهما، فعلى هذا يكون في إطلاق المصنف نظر، لأنه قدم أن الدية تحدث على ملك الميت، وإن الأصحاب قالوا بصحة عفو المقتول عن القاتل، اللهم إلا أن يكون بين تلك وبين هذه المسألة فرق مؤثر. والله أعلم.
ـــــــ
1 11/568.
2 11/567.

(9/401)


مرضع آخر، والحد في ذلك كالقود. واستحب القاضي تأخير الرجم حتى تفطمه.
وقيل: يجب. نقل الجماعة: تترك حتى تفطمه. ولا تحبس لحد، قاله في الترغيب، بل لقود ولو مع غيبة ولي المقتول، لا في مال غائب.
فإن ادعت حملا حبست حتى يبين أمرها، وقيل: "1يقبل قولها1" بامرأة، فعلى الأول في الترغيب: لا قود من منكوحة مخالطة لزوجها، وفي حالة الظهار احتمالان م 3.
ويضمن مقتص من حامل جنينها، واختار الشيخ إن علمه وحده، وقيل حاكم مكنه إن علما أو جهلا، وإلا من علم، ويتوجه مثله إن حدث قبل الوضع. وفي المذهب في ضمانها وجهان.
ويحرم استيفاء قود إلا بحضرة سلطان، وفي النفس احتمال، واختاره
ـــــــ
مسألة 3 قوله: فإن ادعت حملا حبست حتى يتبين أمرها، وقيل: تقبل بامرأة، فعلى الأول في الترغيب: لا قود من منكوحة مخالطة لزوجها. وفي حالة الظهار احتمالان، انتهى.
قلت: الذي يقوى أنها كالمنكوحة المخالطة لزوجها. والله أعلم.
ـــــــ
1-1 في النسخ الخطية: "تقتل"، والمثبت من "ط".

(9/402)


شيخنا ويقع الموقع، وله تعزيره، وفي المغني1: يعزره. وفي عيون المسائل: لا يعزره، لأنه حق له كالمال، نقل صالح وابن هانئ فيمن قتل رجلا فقامت البينة عند الحاكم فأمر بقتله فعدا بعض ورثة المقتول فقتله بغير أمر الحاكم قال: هذا قد وجب عليه القتل، ما للحاكم هنا؟ وآلة ماضية، فإن قدر عليه وليه وأحسنه باشر أو وكل. وقيل: لا يباشر في طرف، وقيل: يوكل فيهما، كجهله، فإن احتاج إلى أجرة فمن الجاني كحد، وقيل: منه، وإن تشاح جماعة في مباشرته أقرع، وقيل: يعين إمام.
فإن اقتص جان من نفسه ففي جوازه برضا ولي وجهان، وصحح في الترغيب: لا يقع قودا. وفي البلغة: يقع، وقال صاحب الرعاية: يحتمل وجهين م 4.
قال: ولو أقام حد زنا أو قذف على نفسه بإذن لم
ـــــــ
مسألة 4 قوله: فإن اقتص جان من نفسه ففي جوازه برضا ولي وجهان، وصحح في الترغيب: لا يقع قودا. وفي البلغة يقع، وفي الرعاية: يحتمل وجهين، انتهى.
أحدهما: يجوز، وهو الصحيح، جزم به في الوجيز والمنور وغيرهما، وقدمه في المحرر والحاوي الصغير وغيرهما.
والوجه الثاني: لا يجوز، صححه في النظم، وهو ظاهر كلامه في المغني2 والشرح3.
ـــــــ
1 11/515.
2 11/517.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/174- 175.

(9/403)


يسقط، بخلاف قطع سرقة.
وله أن يختن نفسه إن قوي وأحسنه، نص عليه، لأنه يسير، لا قطع في سرقة، لفوات الردع. وقال القاضي: على أنه لا يمتنع القطع بنفسه، وإن منعناه فلأنه ربما اضطربت يده فجنى على نفسه، ولم يعتبر القاضي على جوازه إذنا، ويتوجه اعتباره، وهو مراد القاضي، وهل يقع الموقع؟ يتوجه على الوجهين في القود، ويتوجه احتمال تخريج في حد زنا وقذف وشرب، كحد سرقة، وبينهما فرق، لحصول المقصود في القطع في السرقة، وهو قطع العضو الواجب قطعه، وعدم حصول الردع والزجر بجلده نفسه، وقد يقال بحصول الردع والزجر لحصول الألم والتأذي بذلك.
ولا يستوفى قود في النفس إلا بسيف، نص عليه، واختاره الأصحاب، كما لو قتله بمحرم في نفسه، كلواط وتجريع خمر. قال في الانتصار وغيره في قود: وحق الله لا يجوز في النفس إلا بسيف، لأنه أوحى1، لا بسكين ولا في طرف إلا بها لئلا يحيف وإن الرجم بحجر لا يجوز بسيف، وعنه: يجوز أن يفعل به كفعله وقتله بسيف، اختاره شيخنا.
فإن مات وإلا ضربت عنقه. وفي الانتصار احتمال: أو الدية بغير رضاه.
__________
........................
__________
ـــــــ
1 أي: أسرع. "المصباح": "وحي".

(9/404)


وإن عفا وقد قطع ما يلزم به فوق دية ففي لزومه الزائد احتمالان م 5 وأطلق جماعة رواية يفعل به كفعله غير المحرم، اختاره أبو محمد الجوزي، وعنه: يفعل به كفعله إن كان فعله موجبا، وعنه: أو موجبا لقود طرفه لو انفرد.
فعلى المذهب لو فعل لم يضمن، وإنه لو قطع طرفه ثم قتله قبل البرء ففي دخول قود طرفه في قود نفسه كدخوله في الدية روايتان م 6 قال في الترغيب: فائدته لو عفا عن النفس سقط القود في الطرف، لأن قطع
ـــــــ
مسألة 5: قوله: فإن عفا وقد قطع ما يلزم به فوق دية ففي لزوم الزائد احتمالان، انتهى. وأطلقهما في المغني1 والشرح2 والزركشي:
أحدهما: لا يلزم الزائد، وهو الصواب.
والاحتمال الثاني يلزم.
مسألة 6: قوله: فعلى المذهب يعني إذا قلنا: لا يستوفى القود في النفس إلا بالسيف لو فعل يعني به مثل ما فعل لم يضمن، وإنه لو قطع طرفه ثم قتله قبل البرء ففي دخول قود طرفه في قود نفسه كدخوله في الدية روايتان، انتهى. وأطلقهما في المحرر والحاوي الصغير.
إحداهما: يدخل قود الطرف في قود النفس، ويكفي قتله، صححه الناظم، وقدمه في الرعايتين، وهو ظاهر ما قطع به الخرقي.
والرواية الثانية: لا يدخل، فله قطع طرفه ثم قتله قلت هو الصواب.
ـــــــ
1 11/510.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/181.

(9/405)


السراية كاندماله، وإن فعل به الولي، كفعله لم يضمنه. وإن زاد أو تعدى بقطع طرفه فلا قود، ويضمنه بديته عفا عنه أو لا، وقيل: إن لم يسر القطع، وجزموا به في كتب الخلاف وقالوا: أومأ إليه في رواية ابن منصور، أو يقتله.
وإن كان قطع يده فقطع رجله فقيل: كقطع يده، وقيل: دية رجله م 7، وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن وداواه أهله حتى برأ، فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله وقتله، وإلا تركه، هذا رأي عمر وعلي ويعلى بن أمية رضي الله عنهم، ذكره أحمد.
ـــــــ
مسألة 7: قوله: وإن كان قطع يده فقطع رجله فقيل: كقطع يده، وقيل: دية رجله، انتهى. وأطلقهما في المغني1 والشرح2 والزركشي وغيرهم.
أحدهما: تجب دية رجله، قلت: وهو الصواب، لا قطع ما ليس له قطعه.
والقول الثاني: هو كقطع يده فيجزئ.
ـــــــ
1 11/514.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/189.

(9/406)


فصل وإن قتل أو قطع واحد جماعة في وقت أو أكثر
فرضي الأولياء بالقود اكتفاء أقيد، وإن طلب كل ولي قتله على الكمال فقيل: بالقرعة، وقيل: بالسبق، ولمن بقي الدية، كما لو بادر بعضهم، فاقتص بجنايته، وقيل: يقاد

(9/406)


للكل اكتفاء مع المعية. وفي الانتصار: إذا طلبوا القود فقد رضي كل واحد بجزء منه وإنه قول أحمد م 8 قال: ويتوجه أن يجبر له باقي حقه بالدية، ويتخرج: يقتل بهم فقط، على رواية يجب بقتل العمد القود، وفيه أن العبد كفقير، وفيه أن الواجب قيمته كخطإ، وفيه أن المحاربة كمسألتنا، لتغليب القود فيها، لعدم وجوبه بقتله غير مكافئه، وفيه: هي لله، بدليل
ـــــــ
مسألة 8: قوله: وإن قتل أو قطع واحد جماعة فرضي الأولياء بالقود اكتفاء أقيد، وإن طلب كل ولي قتله على الكمال فقيل: بالقرعة، وقيل: بالسبق، وقيل: يقاد للكل اكتفاء مع المعية. وفي الانتصار: إذا طلبوا القود ففي رضى كل واحد بجزء منه، وإنه قول أحمد، انتهى. وأطلق الأولين الزركشي.
أحدهما: الاعتبار بالسبق فيقاد للأول، وهو الصحيح، وبه قطع الخرقي و الشيخ في الكافي1 والمقنع2 والشارح، وابن منجا في شرحه، وقدمه في الرعايتين. قال في المغني3: يقدم الأول، وإن قتلهم دفعة واحدة أقرع بينهم، انتهى.
والقول الثاني: يقرع بينهم، قال في الرعاية: وهو أقيس، وجزم به في الوجيز، وقدمه في المحرر والنظم والحاوي الصغير.
ـــــــ
1 5/163.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/195.
3 11/528.

(9/407)


العفو، فيتداخل، ولو بادر بعضهم فاقتص بجنايته فلمن بقي الدية على جان، وفي كتاب الآدمي1 البغدادي: ويرجع ورثته على المقتص، وقدم في التبصرة وابن رزين: على قاتله. وفي الخلاف في تيمم من لم يجد إلا ماء لبعض بدنه.
لو قطع يميني رجلين فقطعت يمينه لهما أخذ منه نصف دية اليد لكل منهما، فيجمع بين البدل وبعض المبدل، ومن رضي بالدية أخذها، ولمن بقي القود، ويقدم قود الطرف على النفس، ولا قود فيهما حتى يندمل، ونقل الميموني: إن قتل رجلا وقطع يد آخر قطع ثم قتل، ولا يذهب الحق لهذا إذا كان حيا، وإن قتل فهي نفسه ليس هنا شيء غيرها.
وإن قطع يد واحد وأصبع آخر قدم رب اليد إن كان أولا، وللآخر دية أصبعه، ومع أوليته يقتص، ثم رب اليد، ففي أخذه دية الإصبع الخلاف، وإن قطع يسار جان من له قود في يمينه بها2 بتراضيهما أو قال له أخرج يمينك فأخرج يساره عمدا أو غلطا أو ظن أنها تجزئ أجزأت ولا ضمان، وعند ابن حامد لا تجزئ، وتضمن بالدية إلا أن يخرجها عمدا لا بدلا عن يمينه فتهدر وله قطع يمينه بعد برء اليسار إلا مع تراضيهما، ففي سقوطه إلى الدية وجهان م 9.
ـــــــ
مسألة 9: قوله: وله قطع يمينه بعد برء اليسار إلا مع تراضيهما ففي سقوطه
ـــــــ
1 في "ط": "الآمدي".
2 في "ط": "لها".

(9/408)


وإن كان من عليه القود مجنونا يلزم قاطع يساره القود إن علمها وإنها لا تجزئ، وإن جهل أحدهما: فالدية، وإن كان المقتص مجنونا والآخر عاقلا ذهبت هدرا. وفي الترغيب: إذا ادعى كل منهما أنه دهش اقتص من يسار القاطع، لأنه مأمور بالتثبت. وقال: إن قطعها1 ظلما عالما عمدا فالقود، وقيل: الدية، ويقتص من يمناه بعد الاندمال. والله أعلم.
__________
إلى الدية وجهان، انتهى. يعني إذا قطع يسار جان "2من له2" قود في يمينه لا3 بتراضيهما وقلنا: لا تجزئ.
أحدهما: يسقط إلى الدية4 قلت: وهو الصواب، فكأنه أسقط حقه من قطع اليمين، وإذا لم تجز أخذت الدية.
والوجه الثاني: لا يسقط، وهو ظاهر كلام جماعة.
فهذه تسع مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 في "ط": "قطعهما".
2-2 في "ط": "لزمه".
3 ليست في "ط".
4 في النسخ الخطية: "الدم"، والمثبت من "ط".

(9/409)


باب العفو عن القود
مدخل
...
باب العفو عن القود
يجب بالعمد القود أو الدية، فيخير الولي بينهما، وعفوه مجانا أفضل، ثم لا عقوبة على جان، لأنه إنما عليه حق واحد، وقد سقط، كعفو عن دية قاتل خطأ، ذكره الشيخ وغيره وسيأتي قول في تعزيره.
قال شيخنا: العدل نوعان:
أحدهما: هو الغاية، وهو العدل بين الناس.
والثاني ما يكون الإحسان أفضل منه، وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم1 والمال والعرض، فإن استيفاء حقه عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي، إما لنفسه وإما لغيره، فلا يشرع، وتأتي المسألة في آخر المحاربين2، إن شاء الله تعالى.
فإن اختار القود أو عفا عن الدية فله أخذها والصلح على أكثر منها، في الأصح فيهما.
وخرج ابن عقيل في غير الصلح: لا يجب شيء، كطلاق من أسلم وتحته فوق أربع، وقيل له في الانتصار.
لو كان المال بدل النفس في العمد لم
__________
..........................
__________
ـــــــ
1 في الأصل: "الذمم".
2 ص10/167- 168.

(9/410)


يجز الصلح على أكثر من الدية، فقال: كذا نقول على رواية يجب أحد شيئين، واختاره أيضا بعض المتأخرين، وإن اختار الدية تعينت. قال أحمد: إذا أخذ الدية فقد عفا عن الدم، فإن قتله بعد أخذها قتل به، وعنه: يجب القود عينا، وله أخذ الدية، وعنه: برضا الجاني، فقوده باق، وله الصلح بأكثر.
وإن عفا مطلقا أو على غير مال أو عن القود مطلقا ولو عن يده فله الدية، على الأصح، على الأولى خاصة، وإن هلك الجاني تعينت في ماله، كتعذره في طرفه، وقيل: تسقط بموته، وعنه: إن قتل فلولي الأول قتل قاتله والعفو عنه1، واختار شيخنا أنه لا يصح العفو في قتل الغيلة لتعذر الاحتراز، كالقتل2 في مكابرة، وذكر القاضي وجها في قاتل الأئمة: يقتل حدا، لأن فساده عام أعظم من محارب.
وإن عفا على مال عن قود في طرف ثم قتله الجاني قبل البرء فالقود في النفس أو ديتها، وعند القاضي: تتمة الدية. وإن قال: لمن عليه قود: عفوت عن جنايتك أو عنك، برئ من الدية، كالقود، نص عليه، وقيل: إن قصدها، وقيل: إن ادعى قصد القود فقط قبل وإلا برئ. وفي
__________
..................................
__________
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 بعدها في "ط": "في".

(9/411)


الترغيب: إن قلنا موجبه أحد شيئين بقيت الدية، في أصح الروايتين.
وإن عفا مجروح عمدا أو خطأ صح، كعفو وارثه بعد موته، وعنه: في القود إن كان الجرح لا قود فيه لو برأ، وعنه: لا يصح عن الدية. وفي الترغيب وجه: يصح بلفظ الإبراء لا الوصية، وفيه يخرج في السراية في النفس روايات: الصحة، وعدمها، والثالثة: يجب النصف بناء على أن صحة العفو ليس بوصية، ويبقى ما قابل السراية لا يصح الإبراء عنه. قال: وذهب ابن أبي موسى إلى صحته في العمد، وفي الخطإ "1من ثلثه1"، فعلى الأول إن قال: عفوت عن هذا الجرح أو الضربة، فعنه: يضمن السراية بقسطها من الدية إن لم يقل، وما يحدث منها2 كعفوه على مال، وعنه لا، كعفوه عن الجناية م 1.
__________
مسألة 1: قوله: فعلى الأول إن قال عفوت عن هذا الجرح أو الضربة، فعنه: يضمن السراية بقسطها من الدية إن لم يقل، وما يحدث كعفوه على مال، وعنه: لا، كعفوه عن الجناية، انتهى. يعني إذا عفا المجروح عمدا أو خطأ وقلنا يصح وأطلقهما في المحرر.
إحداهما: يضمن السراية بقسطها من الدية والحالة هذه قلت: وهو الصواب، لأن إرادة العفو عما يحدث مشكوك فيه، والأصل عدم الإرادة.
والرواية الثانية: لا يضمن السراية، قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
ـــــــ
1-1 ليست في "ر". وفي "ط": "من ثلاثة".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(9/412)


وإن قصد بالجناية الجرح ففيه على الأولى وجهان م 2 وتقدم قوله في عفوت إلى مال أو دون سرايتها، ويصح من مجروح: أبرأتك من دمي ونحوه معلقا بموته، فلو برأ بقي حقه، بخلاف: عفوت عنك ونحوه. ولا يصح عفوه مجانا1 عن قود شجة لا قود فيها، ومن صح عفوه فإن أوجب الجرح مالا عينا فكوصية، وإلا فمن رأس المال لا من ثلثه، على الأصح، لأن الدية لم تتعين قال في المغني2: ولذلك صح عفو المفلس مجانا، مع أنه هو في غير موضع، وجماعة لم يصححوه إن قيل يجب أحد شيئين.
وإن أبرأ عبدا من جناية متعلقة برقبته لم يصح، في الأصح، كحر جنايته على عاقلته، ويصح إبراء عاقلته إن وجبت الدية للمقتول، كإبراء
ـــــــ
مسألة 2: قوله: وإن قصد بالجناية الجرح ففيه على الأولى وجهان، انتهى.
"3الوجه الأول: يقبل قوله3" قال في المحرر: فلو قال عفوت عن هذه الجناية فلا شيء في السراية، رواية واحدة، لا إذا قال: أردت بالجناية الجراحة نفسها دون سرايتها، وقلنا بالرواية الثانية في التي قبلها فإنه يقبل منه مع يمينه، وقيل: لا يقبل، انتهى. فقدم قبول قوله، وقدمه أيضا في النظم، وصححه في الرعايتين والحاوي الصغير، وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا يقبل قوله.
فهاتان مسألتان في هذا الباب.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 11/594.
3-3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(9/413)


سيد، كعفوه عنها ولم يسم المبرأ.
وإن وكل في قود ثم عفا فاقتص وكيله ولم يعلم فلا شيء عليهما، وقيل: يضمنها1، والقرار على العافي، وقيل: الضمان على الوكيل حالا، وقيل: على عاقلته، فعليهما إن كان عفا إلى الدية فهي للعافي على الجاني، وإن وجب لعبد قود أو تعزير قذف فله طلبه وإسقاطه، فإن مات فلسيده. والله أعلم.
__________
........................
__________
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "بضمنهما".

(9/414)