الفروع و
معه تصحيح الفروع كتاب الحدود
مدخل
*
...
كتاب الحدود
تحرم إقامة حد إلا لإمام أو نائبه, واختار
شيخنا إلا لقرينة, كتطلب الإمام له1 ليقتله,
وعلى الأول لا ضمان, نص عليه, ولسيد مكلف عالم
به, والأصح حر وقيل: ذكر عدل إقامته على الأصح
على رقيقه الكامل رقه, كتعزير.
وقيل: غير المكاتب وقيل: وغير 2مرهونه
ومستأجرة2, كأمة
ـــــــ
"تنبيه" قوله "ولسيد إقامته على رقيقه, وقيل
غير مكاتب" انتهى. فقدم أن له إقامته على
مكاتبه, ولم أعلم له متابعا, والقول بأنه لا
يقيمه عليه هو3 الصحيح اختاره الشيخ الموفق,
وابن عبدوس في تذكرته, وجزم به في المقنع4
والوجيز وشرح ابن منجى ونهاية ابن رزين ومنتخب
الآدمي, قال في المنور: ويملكه السيد مطلقا
على قن. وقدمه في الشرح4, قال في الكبرى: ولا
يقم الحد على مكاتبته, وأطلقهما في المحرر
والنظم و5الرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم,.
ـــــــ
1 ليست في "ر".
2 2 في "ط" "مرهونه ومستأجره".
3 في"ص" "في".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/171".
5 ليست في "ط".
(10/29)
مزوجة, نص
عليه, وفيها وجه, وصححه الحلواني, ونقل مهنا:
إن كانت ثيبا, ونقل ابن منصور: إن كانت محصنة
فالسلطان, وأنه لا يبيعها حتى تحد وجعل في
الانتصار وغيره مرهونة, ومكاتبة أصلا لمزوجة,
وقيل: يقيمه ولي امرأة, ومن أقامه فبإقرار.
ويسمع البينة حاكم, وفيه هو وجهان, مع علمه
بشروطها1 "م 1" ونصه: يقيمه بعلمه, وعنه: لا,
اختاره القاضي.
ونقل الميموني وجوب بيع رقيق زنى في الرابعة,
وفي قتله لردة وقطعه
ـــــــ
"مسألة 1" قوله "ويسمع البينة حاكم, وفيه هو
وجهان مع علمه شروطها", انتهى.
"أحدهما": يسمعها ويقيمه كالحاكم, اختاره
القاضي يعقوب, وجزم به في المقنع2 والوجيز
وغيرهما, وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والرعاية الكبرى.
"والوجه الثاني" لا يسمعها ولا يقيمه, قدمه في
المغني3 والشرح4 وشرح ابن رزين.
ـــــــ
1 في "ط" "بشروطها".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "28/515".
3 "12/376".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/171 -
173".
(10/30)
لسرقة روايتان
"م 2" ويأتي في التعزير1 وجوب إقامة الحد
وظاهره: ولو كان من يقيمه شريكا لمن يقيمه
عليه في المعصية أو عونا له, وقاله شيخنا,
واحتج بما ذكره العلماء من أصحابنا وغيرهم أن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط
بذلك, بل عليه أن يأمر وينهى ولا يجمع بين
معصيتين.
وقال شيخنا إن عصى الرقيق علانية أقام السيد
عليه الحد, وإن عصى سرا فينبغي أن لا يجب عليه
إقامته بل يخير بين ستره واستتابته بحسب
المصلحة في ذلك, كما يخير الشهود على إقامة
الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر على
المشهود عليه واستتابته بحسب المصلحة, فإن
ترجح أنه2 يتوب ستروه, وإن كان في ترك إقامة
الحد عليه ضرر للناس
ـــــــ
مسألة 2" قوله: "وفي قتله لردة وقطعه لسرقة
روايتان", انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب
ومسبوك الذهب والخلاصة والمقنع3 والبلغة
والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
"إحداهما": ليس له ذلك, وهو الصحيح, صححه في
المغني4 والشرح والنظم, ونصروه5, واختاره ابن
عبدوس في تذكرته, وجزم به الآدمي في منتخبه,
وقدمه في الكافي.
"و6الرواية الثانية": له ذلك, صححه في التصحيح
وتصحيح المحرر, وجزم
ـــــــ
1 ص "104".
2 في "ر" "أن".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/171 -
173".
4 "11/470".
5 في "ط" "لضرورة".
6 ليست في "ط".
(10/31)
كان في الراجح
رفعه إلى الإمام, ولهذا لم يقل أصحابنا إلا أن
له إقامة الحد بعلمه, ولم1 يقولوا إن ذلك
عليه, وذلك لأنه2 لو وجب على من علم من رقيقه
حدا أن يقيمه عليه مع إمكان استتابته لأفضى
ذلك إلى وجوب هتك كل رقيق, وأنه لا يستر على
أحد منهم, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
"من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة"
3. كذا قال ويقال: السيد في إقامته كالإمام,
فيلزمه إقامته بثبوته عنده كالإمام.
ولا يلزم ما ذكره بدليل الإمام, وإنما قال
الأصحاب: للسيد إقامته لأنه استثنوه من
التحريم, ويتوجه من قول شيخنا تخريج في
الإمام, وغايته تخصيص ظاهر الأخبار وتقييد
مطلقها, وهو جائز, و4لكن الشأن في تحقيق دليل
التخصيص والتقييد. وقيل: لوصي حد رقيق موليه.
ويضرب الرجل قائما, وعنه: قاعدا, بسوط لا خلق
ولا جديد, نص عليه, قال في البلغة: ولتكن
الحجارة متوسطة كالكفية5, وعند الخرقي: سوط
عبد دون حر بلا مد, لأنه محدث, نص عليه, ولا
ربط, ولا تجرد بل مع قميص أو اثنين, نقل أبو
الحارث والفضل: وعليه ثيابه, وعنه: يجوز
تجريده, نقل عبد الله والميموني: يجرد.
ـــــــ
به في الوجيز.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ط" "لأنه".
3 أخرجه البخاري "2442" ومسلم "2580" "58" من
حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4 ليست في "ط".
5 في "ط" "كالكفين".
(10/32)
وإن كان السوط
مغصوبا أجزأ, على خلاف مقتضى النهي, للإجماع,
ذكره في التمهيد.
ولا يشق جلد ولا يبدي إبطه في رفع يده, نص
عليه, ويفرق الضرب, وأوجبه القاضي. ويلزم1
اتقاء وجه ورأس وفرج ومقتل, وإن ضرب قاعدا
فظهره ومقاربه. ولا تعتبر الموالاة في الحدود,
ذكره القاضي وغيره في موالاة الوضوء لزيادة
العقوبة, ولسقوطه بالشبهة. وقال شيخنا: فيه
نظر, وما قاله أظهر, وتعتبر له النية, فلو
جلده للتشفي أثم ويعيده, ذكره في المنثور عن
القاضي, وظاهر كلام جماعة: لا, وهو أظهر, ولم
يعتبروا نية من يقيمه أنه حد, مع أن ظاهر
كلامهم يقيمه الإمام أو نائبه لا يعتبر, ويأتي
في حد القذف كلام القاضي2. وفي الفصول قبيل
فصول التعزير: يحتاج عند إقامته إلى نية
الإمام أنه يضرب لله عز وجل, ولما وضع الله
ذلك, وكذلك الحداد3 إلا أن الإمام إذا تولى
وأمر عبدا أعجميا يضرب لا علم له بالنية أجزأت
نيته, والعبد كالآلة, قال: ويحتمل أن تعتبر
نيتهما, كما نقول في غسل الميت تعتبر نية
غاسله.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "ويلزمه".
2 ص "86".
3 في "ط" "الحد إذن" وفي هامش الأصل لعله
"لجلاد" اهـ.
(10/33)
واحتج في منتهى
الغاية لاعتبار نية الزكاة 1بأن الصرف إلى1
الفقير له جهات, فلا بد من نية التمييز,
كالجلد في الحدود.
وقال شيخنا في تتمة كلامه السابق في آخر
الصلح: فعلى الإنسان أن يكون مقصوده نفع الخلق
والإحسان إليهم, وهذا هو الرحمة التي بعث بها
محمد صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ} [الانبياء:107] لكن للاحتياج2
إلى دفع الظلم شرعت العقوبات, وعلى المقيم لها
أن يقصد بها3 النفع والإحسان, كما يقصد الوالد
بعقوبة الولد, والطبيب بدواء المريض, فلم يأمر
الشرع إلا بما هو نفع للعباد. وعلى المؤمن أن
يقصد ذلك.
وامرأة كرجل, وتضرب جالسة, وتشد عليها ثيابها,
نص عليهما, وتمسك يداها لئلا تنكشف, وفي
الواضح, أسواطها كذلك.
وجلد الزنا أشد, ثم القذف, ثم الشرب, نص
عليها, ثم التعزير.
وللإمام حده لشرب بجريد ونعال. وفي المذهب
والبلغة: وأيد, وفي الوسيلة: يستوفي بالسوط في
ظاهر كلام أحمد والخرقي. وفي الموجز: لا يجزئ
بيد وطرف ثوب. وفي التبصرة: لا يجزئ بطرف ثوب
ونعل,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 1 ليست في "ر".
2 في "ط" "الاحتياط".
3 ليست في الأصل.
(10/34)
ويحرم حبسه بعد
حده1, نقله حنبل, وفي الأحكام السلطانية: من
لم ينزجر بالحد وضر الناس فللوالي لا القاضي
حبسه حتى يتوب, وفي بعض النسخ: حتى يموت.
ويحرم الأذى بالكلام كالتعيير2, على كلام
القاضي وابن الجوزي وغيرهما, لنسخه بشرع الحد,
كنسخ حبس المرأة. ولأنه يكون تعزيرا, ولا يجمع
بينهما.
وتأخير حد, وإن خيف من السوط لم يتعين, على
الأصح فيقام بطرف ثوب وعثكول3 نخل حسبما
يحتمله. وقيل: ضربه بمائة شمراخ, وقيل: يؤخر
لحر وبرد ومرض مرجو البرء, وإلا ضمن, ويؤخر
لشرب حتى يصحو, نص عليه ولقطع خوف التلف.
ومن مات في حد ولو حد خمر, نص عليه, أو تعزير,
ولم يلزم تأخيره, فهدر. وإن زاد سوطا, أو في
السوط, أو اعتمد في ضربه, فديته,
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "حد".
2 في "ر" "كالتعبير".
3 العثكول بوزن عصفور والعثكال بوزن مفتاح
كلاهما الشمراخ وهو في النخل بمنزلة العنقود
في الكرم المطلع ص "370".
(10/35)
كضربه بسوط لا
يحتمله, وإلقاء حجر في سفينة مثله لا يغرقها
اتفاقا, ذكره ابن عقيل, وعنه: نصفها وقيل:
ديته على الأسواط إن زاد على
ـــــــ
تنبيه" قوله: "وإذا زاد سوطا, فديته. وعنه:
نصفها", انتهى. قدم وجوب الدية, وهو المذهب,
و1قال في الإجارة: ولو جاوز المكان أو زاد على
المحمول فالمسمى مع أجر المثل للزائد, ويلزمه
قيمة الدابة إن تلفت, وقيل: نصفها, كسوط في
حد, انتهى.
فظاهره القطع بوجوب نصف الدية إذا زاد سوطا,
وهو مخالف لما قدمه في هذا الباب.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(10/36)
الأربعين, وفي
واضح ابن عقيل: إن وضع في سفينة كرا1 فلم يغرق
ثم وضع قفيزا فغرقت فغرقها بهما في أقوى
الوجهين, والثاني بالقفيز, وكذا الشبع والري,
والسير بالدابة فراسخ, والسكر بالقدح أو
الأقداح, وذكر2 أيضا عن المحققين كما ينشأ
الغضب3 بكلمة بعد كلمة ويمتلئ الإناء بقطرة
بعد قطرة, ويحصل العلم بواحد بعد واحد. وقال
أيضا: لا يحسن أن يقال أروتني الجرعة, ويحسن
أن يقال غرق السفينة هذا4 القفيز, وقال: لا
يقال لسفينة ثقيلة بوقرها عام بعضها في الماء
غريقة بعض الغرق, ولا يقلع اسم الغرق إلا على
غمر الماء لها, وجزم أيضا في السفينة بأن
القفيز المغرق لها.
ومن أمر بزيادة فزاد جهلا ضمنه الآمر, وإلا
فوجهان "م 3" وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ.
وادعى ضارب الجهل ضمنه العاد. وتعمد الإمام
الزيادة يلزمه في الأقيس, لأنه شبه عمد. وقيل:
كخطإ, فيه الروايتان, قدمه الشيخ وغيره.
ـــــــ
مسألة 3" قوله: "ومن أمر بزيادة فزاد جهلا
ضمنه الآمر, وإلا فوجهان", انتهى.
"أحدهما": يضمن الآمر أيضا, قدمه في الرعايتين
والحاوي الصغير.
ـــــــ
1 في الأصل "كذا" والكر بالضم مكيال للعراق
ستة أوقار حمار أو هو ستون قفيزا أو أربعون
إردبا القاموس "كرر".
2 في "ط" "ذكر".
3 في الأصل "العصب".
4 في "ر" "بهذا".
(10/37)
ولا يحفر
لمرجوم. نص عليه, وقيل: بلى لامرأة إلى الصدر
إن رجمت ببينة اختاره في الهداية والفصول
والتبصرة, وأطلق في عيون المسائل وابن رزين:
يحفر لها, لأنها عورة, 1فهو ستر1 بخلاف الرجل.
ويستحب بدأة شهود به وحضورهم, وإن ثبت بإقرار,
الإمام, فمن يقيمه. ويجب حضوره, ونقل أبو
داود: يجيء2 الناس صفوفا لا يخلطون3 ثم يمضون
صفا صفا. وقال أبو بكر عن قول ماعز: ردوني إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فإن قومي غروني4,
يدل أنه عليه السلام لم يحضر رجمه, فبهذا
أقول.
ويجب لزنا حضور طائفة, واحد فأكثر, ذكره
أصحابنا, لأنه قول ابن
ـــــــ
"والوجه الثاني": يضمن الضارب, قال في الرعاية
الكبرى: وهو أولى.
"قلت": وهو الصواب, حيث كان عالما عاقلا,
5واختاره القاضي, واقتصر عليه في المغني6
والشرح7 وشرح ابن رزين5, وقد تقدم نظيره إذا
أمره بالقتل8.
ـــــــ
1 1 في "ر" "تستر".
2 في "ط" و"ر" "يجوز" وفي الأصل "يجون"
والتصويب من المبدع والإنصاف.
3 في "ط" "يخلطون".
4 أخرجه أبو داود "4420" من حديث جابر ونسبه
المنذري إلى النسائي أيضا وأخرجه ابن أبي شيبة
في المصنف "11/82/2" مختصرا.
5 5 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
6 "12/504 – 505".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/201".
8 ص "29".
(10/38)
عباس, رواه ابن
أبي طلحة عنه وهو منقطع. وقال ابن الجوزي1 في
قوله عز وجل: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ
مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} [التوبة: 66]
قال ابن عباس ومجاهد: الطائفة الواحد فما
فوقه, واختار في البلغة: اثنان, لأن الطائفة
الجماعة, وأقلها اثنان, قال الزجاج: أصل
الطائفة في اللغة الجماعة.
ويجوز أن يقال للواحد طائفة, يراد به: نفس
طائفة. وقال أيضا: القول الأول على غير ما عند
أهل اللغة, لأن الطائفة في معنى جماعة, وأقل
الجماعة اثنان. وقال ابن الأنباري: إذا أريد
بالطائفة الواحد كان أصلها طائفا, على مثال
قائم وقاعد فتدخل الهاء للمبالغة في الوصف,
كما يقال: راوية, علامة, نسابة.
احتج من قال: أقل الجمع2 اثنان بقوله تعالى:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] فأضاف الفعل إليهما
بلفظ الجمع, وأجاب القاضي عنه بأن الطائفة اسم
للجماعة لقوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ
أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}
[النساء: 102] ولو كانت الطائفة واحدا لم يقل
{فَلْيُصَلُّوا} وهذا معنى كلام أبي الخطاب,
وسبق في الوقف أن الجماعة ثلاثة3. وفي الفصول
في صلاة الخوف طائفة اسم
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ذكره ابن الجوزي في زاد المسير "6/8" وذكره
السيوطي في الدر المنثور "5/18" عن ابن عباس
أنه قال في تأويل {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الطائفة:
الرجل قما فوقه. وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم.
2 في "ط" "الجماعة".
3 "7/375".
(10/39)
جماعة, وأقل
اسم الجماعة من العدد ثلاثة. ولو قال جماعة
لكان كذلك. فكذا إذا قال طائفة.
وذكر أبو المعالي أن الطائفة تطلق على الأربعة
في قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَائِفَةٌ} [النور: 2] لأنه أول شهود الزنا.
وإن رجع من أقر بحد زنا أو سرقة أو شرب قبله
أو في بعضه أو هرب, في المنصوص فيه1, سقط, فإن
تمم ضمن الراجع فقط بالمال, ولا قود. وفي
الانتصار في زنا يسقط2 برجوعه بكتابة3, نحو
مزحت, أو ما عرفت ما قلت, أو كنت ناعسا, وفيه
في سارق بارية مسجد ونحوها: لا يقبل4 رجوعه.
وفي عيون المسائل: يقبل رجوعه في الزنا فقط,
ولا يترك بعد بينة على الفعل, وعنه: أو على
إقراره, وقيل: يقبل رجوع مقر بمال5.
ومن أتى حدا ستر نفسه, نقل مهنا: رجل زنى يذهب
يقر؟ قال: بل يستر نفسه. واستحب القاضي إن
شاع6 رفعه إلى حاكم ليقيمه عليه, قال ابن
حامد: إن تعلقت التوبة بظاهر كصلاة وزكاة
أظهرها وإلا أسر. ومن قال لإمام: أصبت حدا لم
يلزمه شيء لما لم يبينه, نقله الأثرم,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ر" "عنه".
2 في الأًصل "سقط".
3 في "ط" "كتابه".
4 في "ر" "فقيل".
5 في "ر" قال".
6 ليست في "ر".
(10/40)
ويحد من زنى
هزيلا ولو بعد سمنه, كذا عقوبة الآخرة, كمن
قطعت يده ثم زنى أعيدت بعد بعثه وعوقب, ذكره
في الفنون1, فالحد كفارة لذلك الذنب, للخبر2,
نص عليه.
ـــــــ
1 في "ر" "الفصول".
2 أخرجه البخاري "6784" عن عبادة بن الصامت
رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله
عليه وسلم في مجلس فقال: "بايعوني على أن لا
تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ
هذه الآية كلها فمن وفى منكم فأجره على الله
ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة ومن
أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه إن شاء الله
غفر له وإن شاء عذبه.
(10/41)
فصل: وإن اجتمعت حدود لله عز وجل فإن كان فيها
قتل استوفي وحده,
قال في المغني3: لا يشرع غيره, وإلا تداخل
الجنس. فظاهره4 لا يجوز إلا حد واحد, قال
أحمد: يقام عليه الحد مرة لا الأجناس, وذكر
ابن عقيل رواية: 5لا تداخل5 في السرقة. وفي
البلغة: فقطع واحد, على الأصح. وفي المستوعب
رواية: إن طالبوا مفترقين قطع لكل واحد, قال
أبو بكر: هذه رواية صالح, و6العمل على خلافها,
ثم قال شيخنا: قول الفقهاء تتداخل دليل على أن
الثابت أحكام وإلا فالشيء الواحد
ـــــــ
........................................
ـــــــ
3 "12/488".
4 في "ط" "ظاهر".
5 5 في "ر" "التداخل".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
(10/41)
لا يعقل1 فيه
تداخل. فالصواب أنها أحكام, وعلى ذلك نص
الأئمة, كما قال أحمد في2 بعض ما ذكره هذا مثل
لحم خنزير ميت, فأثبت فيه تحريمين3.
وتستوفى حقوق الآدميين كلها, ويبدأ بها مطلقا,
وبالأخف وجوبا. وفي المغني4: إن بدأ بغيره
جاز, فلو زنى وسرق مرارا جلد مرة ثم قطعت
يمينه, وإن قتل في محاربة قتل فقط, ولو زنى
وشرب وقذف وقطع يدا قطع ثم حد لقذفه ثم لشربه,
ثم للزنا وقيل: يؤخر القطع, وأنه يؤخر شرب عن
قذف إن قيل5 أربعون,
ـــــــ
تنبيه" قوله "ولو زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطع
ثم حد لقذفه ثم لشربه ثم للزنا" انتهى. إنما
بدأ بقطع اليد6; لأنه محض حق آدمي فقدم, لأنه
قال: ويبدأ بحقوق الآدميين مطلقا, وإنما قدم
حد القذف على حد الشرب والزنا; لأن حد القذف
مختلف فيه, هل هو لله أو للآدمي, فقدم على محض
حق الله تعالى, وقدم حد الشرب على حد الزنا
لأنه أخف, وقوله قبل ذلك: "فلو زنى وسرق مرارا
جلد
ـــــــ
1 في الأصل "يقبل".
2 ليست في "ط".
3 في "ط" "تحرمين"
4 "12/489".
5 في "ر" "قبل".
6 ليست في "ص".
(10/42)
ولا يستوفى حد
حتى يبرأ مما قبله, وقيل: إن طلب صاحب قتل
جلده قبل برئه من قطع ليقتله فوجهان, وإن قتل
وارتد أو سرق وقطع قتل وقطع لهما, وقيل للقود,
قطع به في الفصول والمذهب والمغني1. ويتوجه
أنه يظهر لهذا الخلاف فائدة في جواز الخلاف في
استيفائه بغير حضور2 ولي الأمر, 3وأن3 على
المنع هل يعزر, وأن الأجرة منه أو من المقتول,
وأنه هل يستقل بالاستيفاء أو يكون كمن قتل
جماعة فيقرع أو يعين الإمام, وأنه هل يأخذ نصف
الدية كما قيل فيمن
ـــــــ
مرة ثم قطعت يمينه" فبدأ بالجلد; لأنه أخف من
القطع, وكلاهما حق لله, لأن القطع في السرقة
حق لله, بخلاف ما إذا قطع يدا فإنه حق لآدمي,
فلذلك بدأ به, والله أعلم.
4فهذه ثلاث مسائل في هذا الباب4.
ـــــــ
1 "12/489".
2 في النسخ الخطية "حضرة" والمثبت من "ط".
3 3 في "ط" "فإن".
4 4 ليست في "ط".
(10/43)
قتل لرجلين
وغير ذلك.
وإن أخذ الدية استوفى الحد. وذكر ابن البنا:
من قتل بسحر قتل حدا وللمسحور من ماله ديته,
فيقدم حق الله.
ومن فعل ذلك خارج الحرم ثم لجأ إليه أو لجأ
حربي أو مرتد لم يجز أخذه به فيه, كحيوان صائل
مأكول, ذكره الشيخ, لكن لا يبايع ولا يشارى.
وفي المستوعب والرعاية: ولا يكلم, ونقله أبو
طالب, زاد في الروضة: ولا يؤاكل ولا يشارب
ليخرج فيقام عليه, ونقل حنبل: يؤخذ بدون
القتل. وفي الرعاية أن المرتد فيه كذلك, وظاهر
كلامهم: لا, ومن فعله فيه أخذ به فيه, وذكر
جماعة فيمن لجأ إلى داره كذلك.
وإن قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط
للآية في قوله: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ
} [البقرة: 191]قراءتان في السبع1, هذا
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 قراءة "ولا تقتلوهم" بحذف الألف قرأ بها
حمزة والكسائي وخلف وبإثباتها قرأ ابن كثير
ونافع وأبو عمرو وعاصم.
(10/44)
ظاهر ما ذكروه
في بحث المسألة, واستدلالهم بالخبر المشهور
فيه, صححه ابن الجوزي في تفسيره1, وقاله
القفال2 والمروزي من الشافعية.
وذكر ابن الجوزي أن مجاهدا في جماعة من
الفقهاء قالوا: الآية محكمة, وفي التمهيد في
النسخ أنها نسخت بقوله: {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}
[التوبة: 5].
وذكر صاحب الهدي من متأخري أصحابنا3 أن
الطائفة الممتنعة بالحرم من مبايعة الإمام لا
تقاتل, لا سيما إن كان لها تأويل, كما امتنع
أهل مكة من بيعة4 يزيد وبايعوا ابن الزبير,
فلم يكن قتالهم ونصب المنجنيق عليهم وإحلال
حرم5 الله جائزا بالنص والإجماع, وإنما خالف
في ذلك عمرو بن سعيد بن العاص وشيعته, وعارض
نص رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وهواه
فقال: "إن الحرم لا يعيذ عاصيا" 6.
قال والخبر صريح في أن الدم الحلال في غيرها
حرام فيما عدا تلك
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 زاد المسير "1/199" والحديث في البخاري
"4313" عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قام يوم الفتح فقال: "إن الله حرم يوم
مكة خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله
إلى يوم القيامة لم تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي
إلا ساعة من الدهر....." الحديث.
2 ليست في الأصل.
3 يعني ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد.
4 في الأصل "مبايعة".
5 في الأصل "ما حرم".
6 أخرجه البخاري "104" ومسلم "446" من حديث
أبي شريح.
(10/45)
الساعة. وفي
الأحكام السلطانية يقاتل البغاة إذا لم يندفع
بغيهم إلا به, لأنه من حقوق الله, وحفظها في
حرمه أولى من إضاعتها, وذكره1 الماوردي من
الشافعية عن جمهور الفقهاء ونص عليه الشافعي,
وحمل الخبر على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا
أمكن إصلاح بدون ذلك, فيقال: وغير مكة كذلك,
واحتج في الخلاف وعيون المسائل وغيرهما على
أنه لا يجوز دخول مكة لحاجة لا تتكرر إلا
بإحرام, بالخبر2: "وإنما أحلت لي ساعة من
نهار" 3 قالوا: فلما اتفق الجميع على جواز
القتال فيها متى عرض مثل تلك الحال علمنا أن
التخصيص وقع لدخولها بغير إحرام, كذا قالوا,
ولما كان هذا ضعيفا عند الأكثر حكما واستنباطا
لم يعرجوا, وذكر مثلهم أبو بكر بن العربي في
العارضة4 وقال: لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب
قتالهم فيها بالإجماع. وقال شيخنا: إن تعدى
أهل مكة أو غيرهم على الركب دفع الركب كما
يدفع الصائل, وللإنسان أن يدفع مع الركب بل
يجب إن احتيج إليه, وفي التعليق وجه في حرم
المدينة كالحرم, وفي مسلم5 عن أبي سعيد مرفوعا
"إني حرمت المدينة وما6 بين مأزميها أن لا
يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال" .
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "ذكر".
2 في "ط" "وبالخبر" وفي "ر" "فالخبر".
3 أخرجه البخاري "112" ومسلم "1355" "446" من
حديث أبي هريرة.
4 في "ط" "المعارضة.
5 في صحيحه "1374" "475" والمأزم هو الجبل
وقيل: المضيق بين الجبلين ونحوه.
6 في "ط" "وما".
(10/46)
ولا تعصم
الأشهر الحرم1 للعمومات ولغزو الطائف
وإقرارهم, وتردد كلام شيخنا, ويتوجه احتمال,
واختاره بعضهم في كتاب الهدي2, وذكر أنه لا
حجة في غزوة الطائف, وإن كانت في ذي القعدة,
لأنها كانت من تمام غزوة هوازن, وهم بدءوا
النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال, ولما
انهزموا دخل ملكهم مالك بن عوف مع ثقيف في حصن
الطائف, فحاربت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم, فكان غزوهم من تمام الغزوة التي شرع
فيها, وفتح خيبر كان في صفر, وبيعة الرضوان
كانت في ذي القعدة, بايعهم لما بلغه3 قتل
عثمان وأنهم يريدون قتاله.
ويجوز القتال في الشهر الحرام دفعا إجماعا4,
وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا5 عامر
في سرية إلى أوطاس في ذي القعدة, لأن ذلك كان6
من تمام الغزو التي بدأ الكفار فيها بالقتال,
قال: وقد قال تعالى في المائدة وهي من آخر
القرآن نزولا ولا منسوخ فيها {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ
اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة:
2] وقال في البقرة {يَسْأَلونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] الآية,
وبينهما في النزول نحو7 ثمانية أعوام.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وصفر.
2 زاد المعاد "3/339 – 341".
3 في النسخ الخطية "بلغهم" والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".
5 ليست في "ر".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
7 ليست في الأصل.
(10/47)
وفي عيون
المسائل وغيرها في مسألة التغليظ بالأشهر
الحرم قال تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فأباح قتلهم بشرط
انسلاخ الأشهر الحرم1 فدل على أن قتلهم في
الأشهر الحرم يحرم, وإذا كان قتل المشركين وهو
مباح حرم لأجل الأشهر الحرم دل على تغليظ
القتل فيها, كذا قال.
ومن فعل ما يوجب حدا. وفي المغني2: أو قودا من
الغزاة في أرض العدو أخذ به في دارنا خاصة,
قال أحمد: لا تقام الحدود بأرض العدو. ونقل
صالح وابن منصور إن زنى الأسير. أو قتل مسلما
ما أعلمه إلا أن تقام عليه الحدود إذا خرج,
ونقل أبو طالب: لا يقتل3 إذا قتل في غير
الإسلام4 لم يجب عليه هناك حكم, كذا كان عطاء
يقول.
ولا اختلاف بين الناس إذا أتى حدا ثم دخل دار
الحرب أو أسر أنه يقام عليه إذا خرج. ونقل ابن
منصور: إذا 5قتل وزنى و5دخل دار الحرب فقتل أو
زنى أو سرق: لا يعجبني أن يقام عليه ما أصاب
هناك.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و"ط".
2 "13/172".
3 في "ط" "يقاتل".
4 أي في غير دار الإسلام.
5 5 ليست في "ط".
(10/48)
باب حد الزنا
مدخل
...
باب حد الزنا
إذا زنى محصن وجب رجمه حتى يموت. وفي رواية:
يجلد مائة قبله, اختاره الخرقي والقاضي
وجماعة, قال أبو يعلى الصغير: اختاره شيوخ
المذهب, ونقل الأكثر: "لا" كالردة, اختاره
الأثرم والجوزجاني وابن حامد وأبو الخطاب
وغيرهم, وابن شهاب وقال عن الأول: اختاره1
الأكثر "م 1".
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "إذا زنى محصن وجب رجمه حتى
يموت, وفي رواية يجلد مائة قبله, اختاره
الخرقي والقاضي وجماعة, قال القاضي أبو يعلى
الصغير: اختاره شيوخ المذهب, ونقل الأكثر لا,
كالردة, اختاره الأثرم والجوزجاني وابن حامد
وأبو الخطاب وغيرهم وابن شهاب, وقال عن الأول:
اختاره الأكثر," انتهى. "الرواية الثانية"
التي نقلها الأكثر هي الصحيح من المذهب, قال
الزركشي: هي أشهر الروايتين, وصححه في التصحيح
وغيره, وبه قطع في العمدة والمنور ومنتخب
الآدمي والتسهيل وغيرهم, وقدمه في المحرر
والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وإدراك
الغاية وغيرهم, واختاره ابن عبدوس في تذكرته
وغيره.
والرواية الأولى اختارها الخرقي والقاضي
والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما, وصححها
الشيرازي, وجزم بها في تذكرة ابن عقيل والوجيز
ونظم المفردات, وقدمها ابن رزين في شرحه
ونهايته, وصاحب تجريد العناية, وأطلقهما في
الهداية والإيضاح والفصول والمذهب ومسبوك
الذهب,
ـــــــ
1 في الأصل "اختارها" وفي "ر" "اختار".
(10/49)
ولا يجوز
للإمام النفي مع الرجم, لأنه غاية التغليظ,
لأنه نفي عن الدنيا رأسا, بخلاف الجلد, وآية
الرجم في الصحيحين1 وغيرهما, فإن قيل: لو كانت
في المصحف لاجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها,
فقال ابن الجوزي: أجاب ابن عقيل فقال: إنما
كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في
المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير
استقصاء لطلب طريق مقطوع به2 قنوعا بأيسر شيء,
كما سارع الخليل صلوات الله وسلامه عليه إلى
ذبح ولده بمنام, والمنام أدنى طرق3 الوحي
وأقلها.
وإذا وطئ حر مكلف بنكاح صحيح في قبل حرة مكلفة
فهما محصنان, مسلمان4 أو كافران, فإن اختل بعض
ذلك فلا إحصان لواحد
ـــــــ
والمستوعب والخلاصة والمغني5 والكافي6
والمقنع7 والهادي والشرح7, وشرح ابن منجى
وغيرهم.
تنبيه" . إتيان المصنف بصيغة الروايتين كذلك
فيه نظر, ولعل قوله "وفي رواية يجلد" بالفاء
لا بالواو, وبه يتضح المعنى, وللمصنف عبارة
كذلك في القرض8 تكلمنا عليها.
ـــــــ
1 البخاري "6830" ومسلم "1691" من حديث ابن
عباس في قصة طويلة قصها عن عمر بن الخطاب في
آخر خلافته.
2 ليست في "ر".
3 في "ط" "طريق".
4 في "ط" "ومسلمان".
5 "12/308 – 310"
6 "5/389 – 310"
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/237 –
242".
8 "6/352".
(10/50)
منهما, وذكر
القاضي أن أحمد نص أنه لا يحصل الإحصان1 بوطئه
في حيض وصوم وإحرام ونحوه, وذكر جماعة منعا
وتسليما, تغليظا عليه. وفي الإرشاد2: يحصن
مراهق بالغة, ومراهقة بالغا, وذكره شيخنا
رواية. وفي الترغيب: إن كان أحدهما صبيا أو
مجنونا أو رقيقا فلا إحصان لواحد منهما, على
الأصح. ونقله الجماعة. وعنه: لا تحصن ذمية
مسلما. وسأله أبو طالب: امرأة تزوجت بخصي أو
عنين, يحصنها؟ قال: لا. قال: وحكم اليهودية
والنصرانية كالمسلمة, ونقل المروزي: لا يحصن
المجوسي3. وإن زنى محصن ببكر فلكل حده, نص
عليه.
ويثبت إحصانه بقوله: وطئتها أو جامعتها,
والأشهر: أو دخلت بها, لا بولده منها, واكتفى
في الواضح بقول بينة: باضعها, فيتوجه مثله:
أتاها, ونحوه.
وإن4 زنى حر غير محصن جلد مائة, ولا يجب غيره,
نقله أبو الحارث والميموني, قاله في الانتصار.
وفي عيون المسائل عن "هـ" لا يجمع بينهما إلا
أن يراه الإمام تعزيرا, وعن أحمد نحوه.
والمذهب يغرب عاما الرجل مسافة قصر, وعنه: أو
أقل, والمرأة بمحرم باذل وعليها أجرته, وقيل
من بيت المال إن أمكن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "إحصان" والمثبت من "ط".
2 ص "469".
3 يعني بنكاح ذي رحم محرم لأنهم يستبيحون نكاح
المحارم.
4 في "ط" "وإذا".
(10/51)
وبدونه لتعذره.
وفي الترغيب وغيره: مع أمن, وعنه: بلا محرم,
تعذر أو لا; لأنه عقوبة, ذكره ابن شهاب في
الحج بمحرم, وتغرب مسافة قصر, نقله الأكثر
لوجوبه. كالدعوى, وعنه: أقل, وعنه: بدونه,
وقال جماعة: إن تعذر فامرأة ثقة, ولو بالأجرة.
وقيل: لا تغرب مع تعذرها, وقيل مطلقا.
ويجلد رقيق خمسين, ولا يغرب, ولا يعير, نص
عليهما, وقد يتوجه1, احتمال "و م" لأن عمر
نفاه, رواه البخاري2. وقال في كشف المشكل:
يحتمل قوله نفاه: أبعده من صحبته.
وروى الطبراني3: حدثنا أحمد بن عمر وهو ابن
مسلم الخلال,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 بعدها في "ط" "نص عليهما".
2 في صحيحه "6949".
3 في المعجم الأوسط "481" و"482" قال الهيثمي
في مجمع الزوائد "6/270" رواه الطبراني
بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد
الله بن عمران وهو ثقة.
(10/52)
حدثنا عبد الله
بن عمران, حدثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على الأمة حد
حتى تحصن, فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على
المحصنات" .
وروى ابن مردويه من طريقين عن عبد الله بن
عمران العائذي1, حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر
عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس
على الأمة حد حتى تحصن بزوج, فإذا أحصنت بزوج
فعليها نصف ما على المحصنات" .
ورواهما الحافظ الضياء في المختارة من طريق
الطبراني وابن مردويه2 إسناد جيد, وعبد الله
بن عمران قال أبو حاتم: صدوق, ولم أجد له ذكرا
في الضعفاء. وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ
ويخالف.
والمعتق بعضه بالحساب ويغرب في المنصوص
بحسابه.
وهل اللوطي الفاعل والمفعول به كزاني3 أو يرجم
بكرا أو ثيبا؟ فيه روايتان "م 2". وقال أبو
بكر لو قتل بلا استتابة لم أر به بأسا, وأنه
لما4
ـــــــ
مسألة 2" قوله: "وهل اللوطي الفاعل والمفعول
به كزنى أو يرجم بكرا أو ثيبا فيه روايتان",
انتهى.
"إحداهما" حده كحد الزاني سواء, وهو الصحيح من
المذهب, جزم به في
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "العابدي" والمثبت من "ط".
2 وعزاه السيوطي في الدر المنثور "2/142" إلى
سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن
عباس يرفعه وقال: قال ابن خزيمة والبيهقي:
رفعه خطأ والصواب وقفه.
3 في النسخ الخطية: "كزنى" والمثبت من "ط".
4 في الأصل "لو".
(10/53)
كان مقيسا على
الزاني في الغسل, كذلك في الحد, وأن الغسل قد
يجب ولا حد لأنه يدرأ بالشبهة, بخلاف الغسل
فدل أنه يلزم من نفي الغسل نفي الحد, وأولى,
ونصره ابن عقيل "و هـ" لأنه أبعد من أحد فرجي
الخنثى المشكل, لخروجه عن هيئة الفروج
وأحكامها.
وفي رد شيخنا على الرافضي1 إذا قيل: الفاعل
كزان فقيل: يقتل المفعول "به"2 مطلقا, وقيل:
لا, وقيل بالفرق, كفاعل.
و3قال ابن الجوزي في كتابه السر المصون: كل
مستحسن ومستلذ في الدنيا أنموذج ما في الآخرة
من ثواب, وكل مؤلم ومؤذ أنموذج عقاب, فإن قيل
فهل يجوز أن يكون حسن الأمرد أنموذجا لحصول
مثله في
ـــــــ
العمدة والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم,
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي4 والمقنع5 والهادي والبلغة والمحرر
والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
"والرواية الثانية" حده الرجم بكل حال, اختاره
الشريف أبو جعفر وابن القيم في الداء والدواء
وغيره, وأظن أن الشيخ تقي الدين اختاره, وقدمه
الخرقي, قال ابن رجب في كلام له على ما إذا
زنى بأمته: الصحيح قتل اللوطي سواء كان محصنا
أو6 لا.
ـــــــ
1 وهو الكتاب المسمى ب منهاج السنة النبوية في
الرد على الشيعة والقدرية.
2 ليست في "ر".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 "5/377".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/271".
6 في "ط" "أم".
(10/54)
الآخرة؟
فالجواب أنه أنموذج حسن, فإذا وجد مثله
وأضعافه في جارية حصل مقصود الأنموذج, والثاني
أنه يجوز أن ينال مثل هذا في الآخرة فيباح مثل
ما حظر مما كانت تشرئب إليه فيوجد الصبيان على
هيئة الرجال من غير ذكر, وربما كان الولدان
كذلك.
قال ابن عقيل جرت هذه المسألة بين أبي علي بن
الوليد وأبي يوسف القزويني فقال أبو علي: لا
يمتنع جماع الولدان في الجنة وإنشاء الشهوات
لذلك, فيكون هذا من جملة اللذات لأنه إنما منع
منه في الدنيا لكونه محلا للأذى, ولأجل قطع
النسل, وهذا قد أمن في الجنة ولذلك أبيحوا
شرب1 الخمر لما أمنوا من غائلة السكر وهو
إيقاع العربدة الموجبة للعداوة وزوال العقل.
فقال أبو يوسف: الميل إلى الذكور عاهة, ولم
يخلق هذا المحل للوطء.
فقال أبو علي: العاهة هي الميل إلى محل فيه
تلويث وأذى, فإذا أزيل ولم يكن نسل لم يبق إلا
مجرد الالتذاذ والمتعة, ولا وجه للعاهة, انتهى
ما ذكره ابن الجوزي.
وفي فنون ابن عقيل أيضا: سئل عمن له من أهل
الجنة أقارب في النار هل يبقى على طبعه؟ فقال:
قد أشار إلى تغير2 الطبع بقوله: {وَنَزَعْنَا
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 قال في القاموس "ب و ح" أبحتك لشيء: أحللته
لك اهـ, فيجوز تعديه لمفعولين تغير حزف الجر.
2 في "ر" "تغيير".
(10/55)
مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الحجر: 47] فيزيل1
التحاسد والميل إلى اللواط, وأخذ مال الغير.
ومملوكه كأجنبي, قال في الترغيب: ودبر أجنبية
كلواط, وقاله في التبصرة وقيل: كزنا: وإنه لا
حد بدبر أمته ولو محرمة برضاع.
وزان بذات محرم كلواط, ونقل جماعة: ويؤخذ ماله
لخبر البراء2 وأوله الأكثر على عدم وارث3,
وأول4 جماعة: ضرب العنق فيه على ظن الراوي,
وقد قال أحمد: يقتل ويؤخذ ماله, على خبر
البراء إلا رجلا يراه مباحا فيجلد, قلت:
فالمرأة, قال: كلاهما في معنى واحد تقتل5.
وعند أبي بكر إن خبر البراء عند الإمام أحمد
على المستحل وإن غير المستحل كزان, نقل صالح
وعبد الله أنه على المستحل.
ومن أتى بهيمة ولو سمكة عزر, نقله واختاره
الأكثر. وعنه: كلوطي, قال في عيون المسائل:
يجب الحد في رواية, وإن سلمنا في رواية فلأنه
لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا
كفارة
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "ويزيل".
2 أخرجه الإمام أحرج في المسند "18557" عن
البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين
تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده ان أضرب
عنقه- أو أقتله – وٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍآخذ
ماله.
3 بعدها في خامش "ر" "وقيل كزنا".
4 في "ط" وأوله".
5 في "ط" "يقتل".
(10/56)
بخلاف اللواط,
كذا قال وظاهره لا يجب ذلك, ولو وجب الحد مع
أنه احتج لوجوب الحد باللواط بوجوب ذلك به,
وظاهره يجب ذلك, وإن لم يجب الحد, وهذا هو
المشهور, والتسوية أولى, مع أن ما ذكره من عدم
وجوب ذلك غريب.
وتقتل البهيمة, على الأصح, وتحرم, فيضمنها.
وفي الانتصار احتمال, وقيل: يكره, فيضمن
النقص.
(10/57)
فصل: ولا حد إلا بتغييب حشفة أصلية من خصي أو
فحل أو قدرها لعدم,
في فرج أصلي قبلا كان1 أو دبرا, فتعزر امرأتان
تساحقتا. وقال ابن عقيل: يحتمل الحد, للخبر2.
ويشترط انتفاء الشبهة, فلو وطئ امرأته في حيض
أو نفاس أو "في"3 دبر, أو أمة له أو لمكاتبه
فيها شرك أو لبيت المال فله فيه حق أو امرأة
على فراشه, أو منزله ظنها امرأته, أو جهل
تحريمه لقرب إسلامه أو نشوء ببادية بعيدة, أو
تحريم نكاح باطل إجماعا, أطلقه جماعة, وقاله
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 لعله رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا
أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة
المرأة فهما زانيتان" أخرجه البيهقي في السنن
الكبرى "8/233" وقال: إسناده منكر.
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
(10/57)
شيخنا وقدمه في
المغني1, وقال2 جماعة: ومثله يجهله. وقال أبو
يعلى الصغير: أو ادعى أنه عقد عليها فلا حد,
نقل مهنا: لا حد ولا مهر بقوله: إنها امرأته
وأنكرت هي, وقد أقرت على نفسها بالزنا, فلا
تحد حتى تقر أربعا.
ولا يسقط الحد بجهل العقوبة إذا علم التحريم,
لقصة3 ماعز.
وإن وطئ أمته المحرمة أبدا برضاع أو غيره وعلم
لم يحد, وعنه: بلى, اختاره جماعة وهي أظهر,
وقيل: وكذا أمته المزوجة, والأكثر يعزر, قال
في الترغيب وغيره: ولا يرجم, نقل ابن منصور
وحرب: يحد ولا يرجم, وكذا أمته المعتدة, فإن
كانت مرتدة أو مجوسية فلا حد, وعكسه محرمة
بنسب.
وإن وطئ في نكاح أو ملك مختلف فيه يعتقد
تحريمه كمتعة, أو بلا ولي, وشراء فاسد بعد
قبضه, وقيل: أو قبله, لم يحد, وعنه: بلى,
اختاره الأكثر في "وطء4 بائع بشرط خيار",
ويفرق بينهما ولو لم يحد, ذكره أبو الحسين
وغيره, فلو حكم بصحته توجه خلاف, وظاهر كلامهم
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 "12/345".
2 في "ط" "وقاله".
3 في "رط "لقضيته".
4 ليست في "ر".
(10/58)
مختلف "م 3"
وكذا وطؤه بعقد فضولي, وعنه: يحد قبل
الإجارة1, واختار
ـــــــ
مسألة 3" قوله: "فلو حكم بصحته توجه خلاف,
وظاهر كلامهم مختلف", انتهى. يعني إذا وطئ في
نكاح مختلف فيه يعتقد تحريمه, كما مثله
المصنف, وقلنا: يحد بعده 2قبل الحكم فهل يحد2
بعده أم لا.
"قلت": هي شبيهة بما إذا زوجت نفسها بدون إذن
ولي, فإن المصنف حكى في نقض حكم من حكم بصحته
وجهين, وأطلقهما, وتكلمنا عليهما هناك,
فليراجع, وإن الصحيح من المذهب لا ينقض, فلا
يحد هنا, فأثر الحكم شيئا, وعلى القول بأنه
ينقض فيحد هنا فأقرب من ذلك ما ذكره المصنف
فيما إذا حكم حنفي لحنبلي بشفعة الجوار, فإنه
أطلق فيه وجهين, على القول بأن حكم الحاكم
يزيل الشيء عن صفته في الباطن ومسألة متروك
التسمية.
ـــــــ
1 في "ط" "الإجارة".
2 2 ليست في "ط".
(10/59)
في المحرر: يحد
قبلها إن اعتقد أنه لا 1ينفذ بها1. وحكى
رواية.
وإن زنى بميتة فروايتان "م 4" ونقل عبد الله:
بعض2 الناس يقولون عليه حدان فظننته3 يعني
نفسه, قال أبو بكر: هو4 قول الأوزاعي, وأظن
أبا عبد الله أشار إليه, و5هذا بخلاف طرف ميت
لعدم ضمان الجملة, لعدم وجود قتل بخلاف الوطء.
ـــــــ
مسألة 4" قوله: "وإن زنى بميتة فروايتان",
انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني6 والكافي7
والمقنع8 والمحرر والشرح8 والحاوي الصغير
وغيرهم, وحكاهما في الكافي وغيره وجهين.
"إحداهما": لا حد عليه, وهو الصحيح من المذهب,
اختاره ابن عبدوس في تذكرته, وصححه في
التصحيح, وجزم به في الوجيز, والآدمي في
منتخبه ومنوره, وغيرهما.
ـــــــ
1 1 في "ر" "ينفذها".
2 ليست في "ط".
3 في الأصل "وظنته".
4 في "ط" "هذا".
5 ليست في "ط".
6 "12/340".
7 "5/378".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/292".
(10/60)
وإن أكره رجل
فزنى فنصه: يحد. اختاره1 الأكثر, وعنه: لا,
كامرأة مكرهة أو غلام بإلجاء أو تهديد أو منع
طعام مع اضطرار ونحوه, وعنه: فيهما: لا بتهديد
ونحوه, ذكره شيخنا, قال: بناء على أنه لا يباح
بالإكراه الفعل بل القول, قال القاضي وغيره:
إن خافت على نفسها القتل سقط عنها الدفع,
كسقوط الأمر بالمعروف بالخوف.
ومن وطئ أمة امرأته وقد أحلتها له عزر بمائة
جلدة, وعنه: إلا سوطا, وعنه: بعشر, ولا يلحقه
الولد, في رواية, نقله الجماعة, قال أبو بكر:
عليه العمل, قال أحمد: لما لزمه من الجلد أو
الرجم, وعنه: بلى. وقال شيخنا: إن ظن جوازه
لحقه, وإلا فروايتان فيه وفي حده, وعنه: يحد,
فلا يلحقه كعدم حلها, 2ولو ظن حلها2, نقله
مهنا. وسأله ابن منصور فيمن وطئ أمة امرأته أو
أبيه أو ابنه, قال: يحد, إلا أمة امرأته, على
خبر النعمان3, قلت: فأحل أمته لرجل؟ قال: لا
يصلح ولا تكون له الأمة وإن وطئها فالولد
ولده, لأنه وطئ على شبهة.
وقد قال أحمد في مواضع: إنما يلزم الولد إذا
لم يحد. وفي زاد المسافر رواية ابن منصور:
الرجل يحل أمته لرجل أو فرجها أو
ـــــــ
"والوجه الثاني": يجب عليه الحد, اختاره أبو
بكر والناظم وقدمه في الرعايتين
ـــــــ
1 في "ر" "أجازه".
2 2ليست في الأصل.
3 وهو ما رواه حبيب بن سالم قال: رفع إلى
النعمان بن بشير رجل أحلت له امرأة جاريتها
فقال: لأقضين فيها بقضية رسول الله صلى الله
عليه وسلم لئن كانت أحلتها له لأجلدنه مئة
جلدة وإن لم تكن أحلتها له لأرجمنه قال:
فوجدها قد أحلتها له فجلده مئة أخرجه أحمد
"18397" وأبو داود "4450" والترمذي "1451"
والنسائي في المجتبى "6/124" وابن ماجه
"2551".
(10/61)
المرأة أمتها
لزوجها, حديث النعمان ابن بشير. وقال أبو بكر
بعد رواية ابن منصور الأولى حكم غير الأب من
القرابة على خبر النعمان.
وعنه فيمن وطئ أمة امرأته: إن أكرهها عتقت
وغرم مثلها وإلا ملكها بمثلها, لخبر سلمة بن
المحبق1, لأنه إتلاف, كمن مثل بعبده, فمن أتلف
عبد غيره بما يتعذر معه انتفاع مالكه به عتق,
ولمالكه قيمته, وليس ببعيد من الأصول, قاله
شيخنا, وإن من هذا جذع2 مركوب الحاكم ونحوه,
والرواية المذكورة حكاها شيخنا فقال: حكى عن
أحمد وإسحاق القول به.
وإن وطئ في نكاح باطل إجماعا مع علمه, نص
عليه, أو زنى بمن استأجرها لزنا أو غيره, أو
بصغيرة يوطأ مثلها, نقله الجماعة, وقيل: أو
لا, وقيل: لها تسع, أو بمجنونة, أو بامرأة ثم
تزوجها أو ملكها, أو أقر عليها3 فجحدت "هـ"
كسكوتها "و" أو بحربية مستأمنة, ونصه: أو نكح
بنته من زنا, وحمله جماعة على أنه لم يبلغه
الخلاف, ويحتمل حمله على معتقد تحريمه حد4.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 وهو ان رجلا وقع على جارية امرأته فرفع ذلك
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن كانت
طاوعته فهي له وعليه مثلها لها وإن كان
استكرهها فهي حرة ةعليه مثلها لها" أخرجه أحمد
"20060" وأبو داود "4470" و"4461" والنسائي في
المجتبى "6/125" وابن ماجه "2552".
2 في "ط" "جذع".
3 ليست في "ر".
4 ليست في الأصل.
(10/62)
وكذا بمن له
عليها قود, في الأصح. وفي المغني1 أو دعا أمة
مشتركة فوطئ يظنها المدعوة. وإن مكنت مكلفة من
لا يحد2, وقيل: ابن عشر, أو جهله. أو حربيا
مستأمنا. أو استدخلت ذكر نائم, حدت, كلزومها
كفارة رمضان دون مجنون. وكذا يحد رجل وطئ من
لم يبلغ نص عليه.
فصل
ولا يثبت الزنى إلا بأحد شيئين:
أحدهما أن يقر به حر وعبد, محدود في قذف أو
لا, أربع مرات, في مجلس أو مجالس "نص على ذلك.
وفي مختصر ابن رزين مجلس وسأله الأثرم: بمجلس3
أو مجالس" قال الأحاديث ليست تدل إلا على
مجلس, إلا عن ذاك الشيخ بشير بن المهاجر عن
ابن بريدة عن أبيه4. وذاك منكر الحديث.
ويصرح بذكر حقيقة الوطء, وعنه: وبمن5 زنى وفي
الرعاية أنها أظهر, وأطلق في الترغيب وغيره
روايتين.
وإن شهد أربعة بإقراره فأنكر أو صدقهم مرة فهل
هو رجوع فلا
ـــــــ
1 "12/344 – 345".
2 بعدها في الأصل "لعدم تكليفه".
(10/63)
يحد أو يحد؟
فيه روايتان "م 5" ولا يحدون, وهما في الترغيب
إن أنكروا1, وأنه لو2 صدقهم لم يقبل رجوعه.
"الثاني" أن يشهد عليه أربعة في مجلس واحد,
وفيه3 رواية بزنا واحد يصفونه, نقله أبو طالب,
وأن هذا لا يقدرون عليه, لم يسمع أقيم حد إلا
بإقرار, وسواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين,
ولو صدقهم, نص عليه, فإن شهدوا في مجلسين
فأكثر, وكانوا أو بعضهم لا تقبل شهادتهم فيه
لأمر ظاهر, قال ابن عقيل وغيره: أو خفي, كشكه
في فسق, حدوا للقذف, كما لو شهد دون أربعة,
على الأصح, أو كان المشهود عليه مجبوبا أو
رتقاء, وعنه: لا كمستوري الحال, ذكره الشيخ أو
موت أحدهم قبل وصفه الزنا, وأن المشهود عليها
عذراء, نص عليه, وفيها في الواضح تزول
حصانتها4 بهذه الشهادة, وعنه: يحد العميان
خاصة. فعلى الأول إن كان
ـــــــ
مسألة 5" "قوله": "وإن5 شهد أربعة بإقراره
فأنكر أو صدقهم مرة فهل هو رجوع فلا يحد أو
يحد؟ فيه روايتان", انتهى.
"إحداهما": لا حد عليه, وهو الصحيح من المذهب,
وهو رجوع, جزم به في المحرر والنظم والرعايتين
والحاوي الصغير وغيرهم.
"والرواية الثانية": عليه الحد, وهو ظاهر كلام
كثير من الأصحاب, ونقل المصنف كلام صاحب
الترغيب.
ـــــــ
1 في "ط" "أنكر, و".
2 في "ط" "إن".
3 في "ط" "وعنه".
4 في الأصل "حضانتها".
5 في "ط" "فإن".
(10/64)
أحدهم زوجا
لاعن, ونقل أبو1 النضر في مسألة المجبوب أن
الشهود قذفة, وقد أحرزوا ظهورهم, فذكر له قول
الشعبي: العذراء. قال أحمد "قال" عنه اختلاف,
فدل أنهما سواء في هذه الرواية, فإن رجمه
القاضي فالخطأ منه, قلت: فترى في هذا أو فيمن
شهد عليه بالزنا, فلم يسأل القاضي عن إحصانه
حتى رجمه إن الدية في بيت المال, لأن الحاكم
ليس عليه غرم, قال: نعم.
قال أبو بكر: وقال غيره: إذا رجمه بشهادتهم ثم
بان له كذبهم فالدية عليهم أو القود مع العمد.
قال: وإن رجمه قبل أن يعرف إحصانه فله قول
آخر: إن خطأه في ماله أو على عاقلته إن أخطأ
في النفس, وهذا أولى به عندي.
وقد2 أطلق ابن رزين في مجبوب ونحوه قولين,
بخلاف العذراء, ونقل محمد بن حبيب فيمن قذف
رجلا فقدمه إلى الحاكم, فقال القاذف: أنا أجيء
بثلاثة شهود معي, فجاء بهم يكون شاهدا معهم,
قال: إن جاء بهم قريبا ولم يتباعد فهو شاهد
رابع.
ونقل مهنا: إن شهد أربعة على رجل بالزنا,
أحدهم فاسق, فصدقهم أقيم عليه الحد, ومن شهد
في غير مجلس حكم فقيل: لا يفسق, وخالف أبو
الخطاب "م 6" وإن شهدوا بزنا واحد لكن عين
اثنان بيتا, أو بلدا
ـــــــ
مسألة 6" قوله: "ومن شهد في غير مجلس حكم,
فقيل: لا يفسق, وخالف
ـــــــ
1 في الأصل "ابن".
2 ليست في الأصل.
(10/65)
أو يوما,
واثنان آخر, حدوا للقذف, على الأصح, وعنه: يحد
المشهود عليه وحده, اختارها أبو بكر. وفي
التبصرة والمستوعب وغيرهما ظاهرها الاكتفاء
بشهادتهم بكونها زانية, وعنه: وأنه1 لا اعتبار
بالفعل الواحد, وإن عين اثنان زاوية من بيت
صغير واثنان أخرى منه, أو قال اثنان: في قميص
أبيض, أو قائمة, وقال اثنان في أحمر أو نائمة,
كملت شهادتهم, وقيل: هي كالتي قبلها.
وإن قال اثنان2: زنى بها مطاوعة, وقال اثنان:
مكرهة, لم يقبل, فيحد شاهدا المطاوعة, لقذفها,
وفي حد الأربعة لقذف الرجل وجهان "م 7"
ـــــــ
أبو الخطاب", انتهى. "قلت" ظاهر كلام الأصحاب
أنه يفسق, لأنهم قالوا لو جاء بعضهم بعد أن
قام الحاكم فهو قاذف, لأن شهادته غير مقبولة
ولا صحيحة, والله أعلم.
"مسألة 7" قوله: "وإن قال اثنان: زنى بها
مطاوعة, وقال اثنان: مكرهة, لم يقبل فيحد
شاهدا المطاوعة لقذفها, وفي حد الأربعة لقذف
الرجل وجهان", انتهى. وأطلقهما في المحرر
والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
"أحدهما"3 يحدون لقذفه, جزم به الآدمي في
منوره ومنتخبه, وقدمه في الخلاصة وإدراك
الغاية, وهو الصواب.
"والوجه الثاني" لا يحدون, صححه في التصحيح,
وجزم به في الوجيز, وقدمه ابن رزين في شرحه,
ويظهر لي قوة هذا القول, لأن الشهادة بالنسبة
إلى الرجل قد كملت, فإذا سقط عنه الحد فأولى
أن تسقط عنهم, والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ط" "عنه".
2 بعدها في الأصل "أنه".
3 في النسخ الخطية "إحداهما" والمثبت من "ط".
(10/66)
وقيل: تقبل على
الرجل فيحد وحده, اختاره في الهداية والتبصرة.
وفي الترغيب: لا تحد هي وفيه: وفيه وجهان.
وذكر و1في الواضح: لا يحد أحد, وإن قال اثنان:
وهي بيضاء, وقال اثنان غيره لم يقبل, لأن
الشهادة لم تجتمع على عين2 واحدة, بخلاف
السرقة.
وإن شهد أربعة فرجعوا أو أحدهم فهل يحدون أو
إلا الراجع وحده؟ فيه روايتان "م 8".
واختار3 في الترغيب يحد الراجع بعد الحكم
وحده, لأنه لا يمكن
ـــــــ
"مسألة 8" "قوله:" "وإن شهد أربعة فرجعوا أو
أحدهم 4يعني قبل الحد4 فهل يحدون أو إلا
الراجع وحده5؟ فيه روايتان", انتهى. وأطلقهما
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والشرح6 والرعايتين والحاوي الصغير
وغيرهم.
"إحداهما" يحد الأربعة, وهو الصحيح, قدمه في
الكافي7 والمحرر والنظم, وشرح ابن رزين وصححه,
فقال: حدوا في الأظهر, وقال الشيخ في المغني8:
على الجميع الحد, في أصح الروايتين, انتهى.
فقد اتفق الشيخان9.
ـــــــ
1 بعدها في "ط" "ذكر".
2 في "ر" "يمين".
3 في الأصل "اختاره".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 ليست في النسخ الخطية.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/333".
7 "5/417".
8 "12/316".
9 قوله فقد اتفق الشيخان تعليل لقوله: وهو
الصحيح.
(10/67)
التحرز بعده1,
وظاهر المنتخب, لا يحد أحد لتمامها بالحكم,
وإن رجع أحدهم بعد الحد حد وحده إن ورث حد
القذف. ونقل أبو النضر: لا يحد; لأنه ثابت.
وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة فشهد أربعة على
الشهود أنهم الزناة بها لم يحد المشهود عليه,
وفي حد الأولين للزنا وللقذف أيضا روايتان "م
9 و 10".
ـــــــ
"والرواية الثانية" يحد غير الراجع, اختاره
أبو بكر وابن حامد, وقطع به في المقنع2
والوجيز, والآدمي في منوره ومنتخبه, وغيرهم
وقدمه في إدراك الغاية.
مسألة 9 و 10" قوله: "وإن شهد أربعة أنه زنى
بامرأة فشهد أربعة على الشهود أنهم الزناة بها
لم يحد المشهود عليه, وفي حد الأولين للزنا
وللقذف أيضا روايتان", انتهى. في ضمن كلامه
مسألتان أطلق فيهما الخلاف.
"المسألة الأولى 9" هل يحد الأولون للزنا
لإقامة البينة الكاملة عليهم بأنهم هم الزناة
أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في الهداية
والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمقنع
والمحرر والشرح3 وشرح ابن منجى وغيرهم.
"إحداهما": يحدون للزنا, وهو الصحيح, قال
الناظم: هذا الأشهر, وصححه في
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/333".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/338 -
339".
(10/68)
وإن حملت من لا
زوج لها ولا سيد لم تحد, نقله الجماعة, وعنه:
بلى إن لم تدع شبهة وفي الوسيلة والمجموع
رواية: ولو ادعت. وكذا حده لخمر
برائحته.........................................
ـــــــ
التصحيح, واختاره ابن عبدوس في تذكرته, وجزم
به في المستوعب.
"والرواية الثانية": لا يحدون, اختاره أبو
الخطاب وغيره وجزم به في الوجيز وغيره, وقدمه
في المغني1 وشرح ابن رزين.
"مسألة10" هل يحد للقذف على كلا الروايتين أم
لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المحرر والنظم
والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
"إحداهما": يحدون, للقذف, وجزم به في الوجيز.
"والرواية الثانية" لا يحدون, وهو ظاهر كلام
الشيخ في المقنع وجماعة, وقدمه ابن رزين في
شرحه. قال الشيخ في المغني والشارح وغيرهما:
وذكر أبو الخطاب في صدر هذه المسألة يعني التي
قبل هذه كلاما معناه لا يحد أحد منهم حد
الزنا, وهل يحد الأولون حد القذف؟ على وجهين,
بناء على أن القاذف إذا جاء مجيء الشاهد هل
يحد؟ على روايتين انتهى..
ـــــــ
1 "12/375".
(10/69)
وكذا قيل في
قيئه ووجوده سكران, وقيل: يحد "م 11 و 12".
ونقل الجماعة: يؤدب له برائحته, اختاره الخلال
كحاضر مع من يشربه, نقله أبو طالب قال بعض
الأطباء: يستعمل لقطع رائحة الخمر الكسفرة
وعرق البنفسج والثوم وما أشبه ذلك مما له
رائحة قوية.
ـــــــ
مسألة 11 و 12" قوله: "وكذا قيل في قيئه
ووجوده سكران, وقيل: يحد", انتهى. يعني هل حكم
ما إذا تقيأها أو وجد سكران حكم من وجد منه
ريحها أم يحد مطلقا؟ أطلق الخلاف, وفيه
مسألتان:
"مسألة 11" من تقيأها.
و "مسألة 12" وجود سكران.
"إحداهما"1 حكمهما حكم من وجد منه رائحة
الخمر, جزم به في الرعاية الكبرى, وقدمه في
الفصول وشرح ابن رزين.
"والقول الثاني" يحد هنا في المسألتين, وهو
الصحيح, اختاره الشيخ الموفق والشارح وغيرهما,
وهو ظاهر كلامه في الإرشاد في وجوده سكران,
واختاره الشيخ تقي الدين إن لم يدع شبهة.
2فهذه اثنتا عشرة مسألة في هذا الباب والله
أعلم2.
ـــــــ
1 في "ط" "إحداهما".
2 2 ليست في "ط".
(10/70)
باب القذف
مدخل
...
باب القذف
من قذف بزنا في قبل وهو مكلف مختار محصنا ولو
ذات محرم نص عليه جلد الحر ثمانين والعبد
أربعين ولو عتق قبل حد1, ومعتق بعضه بحسابه,
وقيل: كعبد.
ومن2 قذف غير محصن عزر, وقيل: سوى سيد لعبده,
قال أحمد: لا يحد. وحد أبويه وإن علوا بقذفه
وإن نزل كقود فلا يرثه عليهما, وإن ورثه أخوه
لأمه وحد له لتبعضه. وفي الترغيب لا يحد
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "حده".
2 في "ر" "إن".
(10/71)
الأب1, وفي أم
وجهان, وقيل: 2لا حد2 بقذفه أباه أو أخاه,
وعنه يحد قاذف أمه أو ذمية لها ولد أو زوج
مسلم. وقال ابن عقيل: إن قذف كافرا لا ولد له
مسلم لم يحد, على الأصح.
ويحد بقذف على جهة3 الغيرة "بفتح الغين",
ويتوجه احتمال "و م" وأنها عذر في غيبة
ونحوها, وتقدم "في" الطلاق4 كلام ابن عقيل
وشيخنا لقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى
الله عليه وسلم عن خديجة: وما تذكر من عجوز
حمراء الشدقين5, وقوله: "إني أعرف إذا كنت عني
راضية وإذا كنت علي غضبى"6, ولدعائها وجعلها
رجليها بين الإذخر تقول: يا رب سلط علي
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "أب" والمثبت من "ط".
2 2 ليست في الأصل.
3 في الأصل "وجه".
4 وقفنا على كلامهم في عشرة النساء "8/343".
5 أخرجه البخاري "3821" ومسلم "2437".
6 أخرجه البخاري "5228" ومسلم "2439".
(10/72)
عقربا أو حية
تلدغني, وذلك في الصحيحين1 وفيهما2 من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قالت: والله3 إن أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره
إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت: قد4 خاب من فعل
ذلك منهن وخسر, أفتأمن إحداهن أن يغضب الله
عليها5 لغضب رسوله, فإذا هي قد هلكت, وإن عمر
قال هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فتبسم.
وفيه: وكان قد أقسم لا يدخل عليهن شهرا من شدة
موجدته عليهن حتى6 عاتبه الله عز وجل.
والمحصن الحر المسلم العاقل الذي يجامع مثله
العفيف عن الزنا, وقيل: ووطء لا يحد به لملك
أو شبهة, وقيل: يجب البحث عن باطن عفة. وفي
المبهج: لا مبتدع. وفي الإيضاح: لا فاسق ظهر
فسقه.
ولا يختل إحصانه بوطئه في حيض وصوم7 وإحرام
قاله8 في الترغيب.
ولو قذف امرأة بمتهم بها حد, قاله في الانتصار
وفيه, لا يحد
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 البخاري "5211" ومسلم "2445".
2 البخاري "2468" ومسلم "1479".
3 ليست في "ر".
4 في الأصل "فقد".
5 ليست في الأصل.
6 في "ر" "حين".
7 في "ر" حرم".
8 في "ر" "قال".
(10/73)
بقذف فاسق, وفي
عمد الأدلة: عندي يحد بقذف العبد وأنه أشبه
بالمذهب, لعدالته فهو أحسن حالا من الفاسق
بغير الزنا.
وفي اشتراط بلوغه روايتان أشهرهما: لا, قاله
في الترغيب "م 1" فالغلام ابن عشر والبنت بنت
تسع, ومطالبته إذا بلغ, والملاعنة وابنها وولد
الزنا كغيرهم, نص عليه.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "وفي اشتراط بلوغه روايتان
أشهرهما لا, قاله في الترغيب".
"إحداهما"1: لا يشترط بلوغه, وهو الصحيح من
المذهب, وهو الذي قاله في الترغيب أنه أشهر,
قال أبو بكر: لا يختلف قول أبي عبد الله أنه
يحد قاذفه إذا كان ابن عشر أو ثنتي عشرة سنة,
وقطع به القاضي والشريف وأبو الخطاب في
خلافاتهم, والشيرازي وابن البنا, وابن عقيل في
التذكرة, وهو مقتضى كلام الخرقي, وصححه في
التصحيح, وجزم به في الوجيز ونظم المفردات,
وقدمه في الهادي والنظم والرعايتين والحاوي
الصغير وإدراك الغاية وغيرهم, قال في القواعد
الأصولية: أظهر الروايتين وجوب الحد, انتهى.
"والرواية الثانية": يشترط البلوغ, قاله في
العمدة ومنتخب الآدمي ومنوره ونهاية ابن رزين.
والمحصن هو الحر المسلم البالغ العفيف, انتهى.
وقيل: هذه الرواية مخرجة لا منصوصة, وأطلقهما
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والمحرر
ـــــــ
1 في "ص" "أحدهما".
2 "12/385".
3 "5/404".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/350".
(10/74)
ومن قال
لمحصنة: زنيت وأنت صغيرة, فإن فسره بدون تسع
عزر, زاد في المغني1: إن رآه الإمام وأنه لا
يحتاج إلى طلب, لأنه لتأديبه وإلا فروايتا
البلوغ.
وإن قال: وأنت أمة أو كافرة وما ثبت وأمكن
فروايتان "م 2", وإن كانت كذلك لم يحد, وعنه:
بلى, فإن قالت: أردت قذفي الآن فأنكر فهل يحد
أو يعزر وجهان "م 3".
ويتوجه مثله إن أضافه إلى جنون. وفي الترغيب:
إن كان ممن يجن
ـــــــ
والشرح2 وشرح ابن منجى والزركشي وغيرهم. فعلى
المذهب يشترط أن يكون مثله يطأ أو يوطأ, وقد
بين المصنف سنهما, والله أعلم.
"مسألة 2" قوله: "ومن قال لمحصنة زنيت وأنت
أمة أو كافرة وما ثبت وأمكن فروايتان", انتهى.
وأطلقهما في المغني3 والمحرر والشرح4 والنظم
وغيرهم.
"إحداهما": يحد, وهو الصحيح, قال في
الرعايتين: حد, على الأصح, وقدمه في الحاوي
الصغير, قال في الوجيز: فإن قال لحرة مسلمة:
زنيت وأنت كافرة أو أمة ولم يكن كذلك فعليه
الحد.
"والرواية الثانية": لا يحد.
"مسألة 3" قوله: "وإن كانت كذلك لم يحد, وعنه:
بلى, فإن قالت: أردت
ـــــــ
1 "11/126".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/350".
3 لم نجدها في المغني وهي في اكافي "5/418".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/361 -
362".
(10/75)
لم يقذفه. وفي
المغني1: إن ادعى أنه كان مجنونا حين قذفه
فأنكرت وعرفت له حالة2 جنون وإفاقة فوجهان.
وإن ادعى رق مجهولة فروايتان "م 4", وإن ادعى
أن قذفا متقدما كان في صغر أو قال: زنيت
ـــــــ
قذفي الآن 3فأنكر3 فهل يحد أو يعزر؟ وجهان",
انتهى, وأطلقهما في المقنع4 والمحرر والمستوعب
والنظم والزركشي وغيرهم.
"أحدهما": لا يحد, بل يعزر, وهو الصحيح,
اختاره أبو الخطاب في الهداية وابن البناء,
قاله في المستوعب, وصححه في التصحيح, وابن
منجى في شرحه, وجزم به في الوجيز وغيره, وقدمه
في المغني5 وغيره.
"والوجه الثاني": يحد, اختاره القاضي, وقدمه
في الخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم,
قال في المستوعب: فقال الخرقي والقاضي: القول
قولها "قلت": ويحتمل أن يرجع فيه إلى القولين,
فإن دلت على شيء عمل به وإلا فلا حد, والله
أعلم.
"مسألة 4" قوله: "وإن ادعى رق مجهولة
فروايتان", انتهى. وأطلقهما في المحرر والنظم.
"إحداهما": يحد, وهو الصحيح, قال في
الرعايتين: حد, على الأصح, وقدمه الشيخ الموفق
والشارح وصاحب الحاوي وغيرهم.
"والرواية الثانية": لا يحد, اختاره أبو بكر
ـــــــ
1 "11/126".
2 في "ط" "حال".
3 3 في "ح" "وأنكر".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/361".
5 لم نجدها في المغني وهي في الكافي "5/418".
(10/76)
مكرهة, أو قال:
يا زانية ثم ثبت زناها في كفر لم يحد, كثبوته
في إسلام. وفي المبهج: إن قذفه بما أتى في
الكفر حد, لحرمة الإسلام. وسأله ابن منصور1:
رجل رمى امرأة بما فعلت في الجاهلية; قال:
يحد. وذكر القاضي: لو قال ابن عشرين لابن
خمسين زنيت من ثلاثين سنة لم يحد, وهو سهو.
ولا يسقط حد بزوال2 إحصانه, نص عليه "خ" حكم
حاكم بوجوبه "خ" 3أو لا3 "خ"4 لأن الحدود
تعتبر بوقت وجوبها, وكما لا يسقط بردته
وجنونه.
وبخلاف فسق الشهود قبل الحكم لضيق الشهادة,
وعلله الشيخ بأنه حق آدمي, وبأن الزنا نوع
فسق, واحتمال وجود الجنس أكثر من النوع, إلا
أن يتقدم مزيله على القذف بإقرار أو بينة. قيل
لابن عقيل: لو زنى مقطوع اليد أتعاد بعد بعثه
ويعاقب؟ فقال: لا نراعي مثل هذا, كحد هزيل بعد
سمنه, كذا عقوبة الآخرة.
والقذف محرم إلا أن يرى امرأته تزني في طهر لم
يطأ فيه. وفي الترغيب: ولو دون فرج. وفي
المغني5: أو تقر به فيصدقها فيعتزلها
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 بعدها في النسخ "و".
2 في "ر" "من زال".
3 3 ليسيت في "ر".
4 ليست في "ر".
5 "11/157".
(10/77)
ثم تلد بما
يمكن أنه من الزاني, فيلزمه قذفها ونفيه. وفي
المحرر وكذا لو1 وطؤها في طهر زنت فيه وظن
الولد من الزاني. وفي الترغيب نفيه2 محرم مع
التردد, فإن ترجح النفي بأن استبرأ بحيضة
فوجهان, واختار جوازه مع أمارة الزنا, ولا
وجوب ولو رآها تزني, واحتمل من الزنا حرم
نفيه, ولو نفاه ولاعن انتفى.
وإن لم تلد ما يلزمه نفيه أو استفاض زناها أو
أخبره به ثقة, أو رأى رجلا3 معروفا به عندها,
زاد في الترغيب: خلوة, واعتبر في المغني4 هنا
استفاضة زناها, وقدم لا يكفي استفاضة بلا
قرينة, فله قذفها, وفراقها أولى, قال شيخنا:
إذا قال أخبرتني أنها زنت فكذبته ففي كونه
قاذفا نزاع في مذهب أحمد وغيره, فإن جعل قذفا
أو قذفها صريحا فله لعانها5, ولو حلف بالطلاق
أنها قالت له فأنكرته لم تطلق باتفاق الأئمة.
ولو أسقطت جنينا بسبب القذف لم يضمنه لأنه إذا
جاز قذفه فلا عدوان, فدل أنه لو حرم قذفه
ضمنه.
واختار أبو محمد الجوزي المباح أن يراها تزني
أو يظنه ولا ولد, وإن ولدت أسود وهما أبيضان
أو عكسه فله نفيه بقرينة, وقيل: ودونها.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ر" "بنية".
3 ليست في "ر" و"ط".
4 "11/158".
5 في النسخ "اللعان" والمثبت من "ط".
(10/78)
فصل:صريح
القذف,
يا زان يا عاهر, قد زنيت. زنى فرجك ونحوه,
وكذا يا لوطي, نقله واختاره الأكثر وعنه مع
غضب ونحوه, وعنه: يقبل تفسيره بغير القذف
اختاره الخرقي, ويا معفوج1, صريح قال أحمد:
يحد, وقيل: كناية وإن فسر يا منيوكة بفعل زوج
فليس قذفا, ذكره في الرعاية والتبصرة. وزاد إن
أراد بزاني العين أو يا عاهر اليد لم يقبل
منه2 مع سبقه ما يدل على قذف صريح, وإن قال:
لست بولد فلان فقذف لأمه, في المنصوص إلا
منفيا بلعان لم يستلحقه أبوه ولم يفسره بزنا
أمه, وكذا إن نفاه عن قبيلته, وعند الشيخ
بالقياس3 لا حد.
نقل مهنا فيمن قال لرجل لست لأبيك: يحد, وإن
كانت أمه كافرة, ونقله مهنا لتميمي: لست منهم
ونقله ابن منصور فيمن قال: لو كنت ولد فلان ما
فعلت كذا.
ولست بولدي كناية في قذفها, نص عليه, وقيل:
صريح.
وإن قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زان
فصريح, كفتح التاء وكسرها لهما4, خلافا لصاحب
الرعاية في عالم بعربية, وقيل: كناية,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 المعفوج: مفعول من عفج بمعنى نكح فكأنه
بمعنى منكوح أي: موطوء المطلع ص "372".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في "ط" "بالقياس".
4 يعني في قوله: زنيت".
(10/79)
وقيل للرجل,
وكذا أنت أزنى الناس, أو من فلانة, فعلى الأول
في فلانة وجهان "م 5".
وفي زنت يدك أو رجلك أو ثناهما وجهان "م 6".
وكذا زنى بدنك, قاله في الرعاية, وكذا العين
في الترغيب, وفي المغني1 وغيره: لا.
ـــــــ
مسألة 5" قوله: "وكذا أنت أزنى الناس أو من
فلانة". يعني أنه صريح على الصحيح فعلى الأول
يعني على أنه صريح في فلانة وجهان, يعني في
قذف فلانة وجهان, انتهى 2وأطلقهما في المغني3
والشرح4 والمحرر الصغير2..
"أحدهما": ليس بقاذف لها, قال في الرعاية: وهو
أقيس, وقدمه في الكافي5. "والوجه الثاني": هو
قذف أيضا لها, قدمه في الرعاية6, وهو الصواب.
"مسألة 6" قوله: "وفي زنت يدك أو رجلك أو
ثناهما وجهان" انتهى.
"أحدهما" هو صريح, فيحد به, اختاره أبو بكر,
وجزم به في الوجيز وغيره, وقدمه في الرعايتين.
"والوجه الثاني" ليس بصريح, فلا يحد, وهو
الصحيح, اختاره ابن حامد, قال الشيخ الموفق
والشارح: هذا ظاهر المذهب, قال في الخلاصة لم
يكن قذفا, في الأصح.
ـــــــ
1 لم نجدها في مظانها.
2 2 ليست في "ح".
3 "11/192".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/380".
5 "5/405 – 406".
6 في "ص" الرعايتين وبعدها واختاره القاضي
وابن عبدوس في تذكرته وجزم به في المنور.
(10/80)
وإن قال: زنأت1
في الجبل فصريح, وقيل إن عرف العربية, وقال
أردت الصعود في الجبل, قيل: فإن لم يقل في
الجبل فوجهان "م 7", وقيل: لا قذف ويتوجه
مثله2 في لفظة3 "علق" وذكرها شيخنا صريحة
ومعناه قول ابن رزين "كل ما يدل عليه عرفا".
وكنايته4 والتعريض كقوله لامرأته: قد فضحته,
أو نكست رأسه,
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: "وإن قال أردت الصعود في
الجبل, قيل: فإن لم يقل في الجبل فوجهان" يعني
هذان الوجهان مبنيان على القول الثاني, وهو
قوله, وقيل: إن عرف العربية وقال أردت الصعود,
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمقنع5 والمحرر
والنظم والحاوي الصغير وغيرهم.
"أحدهما": هو صريح, وجها واحدا, وهو الصحيح,
صححه في التصحيح وغيره, وجزم به في الوجيز
وغيره, وقدمه في الرعايتين وغيره.
"والوجه الثاني": حكمها كالتي قبلها, فيها
الوجهان.
"تنبيه" قوله: "وإن لم يقل في الجبل فوجهان,
وقيل: لا قذف, ويتوجه مثلها لفظة "علق" وذكرها
شيخنا صريحة" انتهى. وقال بعد ذلك 6بقرب من
عشرين سطرا أو أكثر6: و7قال شيخنا إن "علق"
تعريض, انتهى. فلعله قال هذا أولا ثم
ـــــــ
1 زنا – بالهمزة – بمعنى صعد وبمعنى ضيق
وبمعنى ضاق وبمعنى قصر وبمعنى لصق وبمعنى لجأ
المطلع ص "372".
2 في النسخ الخطية "مثلها" والمثبت من "ط".
3 بعدها في الأصل "يا".
4 في الأصل "كناية".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/383".
6 6 ليست في "ط".
7 ليست في "ح".
(10/81)
أو أفسدت
فراشه, أو يا قحبة يا فاجرة, أو لمن يخاصمه يا
حلال ابن الحلال, ما يعرفك الناس بالزنا, يا
نظيف1, يا خنيث بالنون وذكر بعضهم بالباء يا
عفيف, أو لعربي: يا نبطي, يا فارسي, يا رومي,
أو لأحدهم يا عربي أو ما أنا بزان أو ما2 أمي
بزانية, فإن فسره بغير القذف, وعنه: بقرينة
ظاهرة قبل, وعنه: يحد اختاره القاضي وجماعة,
وذكره في التبصرة عن الخرقي, وعنه: لا يحد إلا
بنية, اختاره أبو بكر وغيره.
والقرينة ككناية طلاق, ذكره جماعة. وفي
الترغيب: هو قذف بنية3, ولا يحلف منكرها, وفي
قيام قرينة مقامها ما تقدم, ويلزمه الحد باطنا
بالنية, وفي لزوم إظهارها وجهان "م 8", وإن
على أنه صريح4 ويقبل تأويله, وفي الانتصار
رواية: يحد بالصريح فقط. وإن قوله: أحدهما
زان, فقال أحدهما: أنا, فقال: لا, "فقال:" لا5
قذف للآخر, وذكره6 في المفردات.
ـــــــ
اطلع على نقل بأنها صريح, أو له قولان, والله
أعلم.
مسألة 8" قوله "ويلزمه الحد باطنا بالنية, وفي
لزوم إظهارها وجهان" انتهى. لعله من تتمة
كلامه في الترغيب, وهو الظاهر, والذي يظهر أنه
يلزمه إظهار النية إذا سئل عما أراد, والله
أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل "قطيف".
2 في "ر" "ولا".
3 في الأصل "بنيته".
4 بعدها في "ط" "و".
5 بعدها في "ط" "فقال".
6 في "ط" "ذكر".
(10/82)
وإذا لم يحد
بالتعريض عزر, نقله حنبل وذكره جماعة, ولا
تقبل دعواه عدم عقله. وفي المغني1 وجهان فيمن
يجن وقتا ويفيق وقتا, قال في الترغيب في
مقذوف: يقبل من مطبق إفاقته طارئة, ويتوجه أو
يجن وقتا, وكذا في الخلاف في: أخبرني فلان, أو
أشهدني أنك زنيت, فكذبه فلان.
وكذا لو سمع رجلا يقذف رجلا فقال: صدقت, فإن
زاد فيما قلت فقيل, كذلك وقيل يحد "م 9".
ويعزر في يا كافر, يا فاجر, يا حمار, يا تيس,
يا ثور, يا رافضي, يا خبيث البطن أو الفرج, يا
عدو الله, يا ظالم, يا كذاب, يا خائن, يا شارب
الخمر, يا مخنث, نص على ذلك, وقيل فاسق كناية,
ومخنث تعريض, ويعزر في: قرنان2 وقواد ونحوهما,
وسأله حرب عن ديوث, قال: يعزر, قلت: هذا عند
الناس أقبح من الفرية, فسكت.
ـــــــ
مسألة 9" قوله: "وكذا لو سمع رجلا يقذف رجلا
فقال صدقت, فإن زاد3 فيما قلت, فقيل: كذلك,
وقيل: يحد," انتهى.
القول الأول: قدمه في المحرر والرعاية الصغرى
والحاوي الصغير.
والقول الثاني: قطع به في الرعاية الكبرى
"قلت": وهو الصواب.
ـــــــ
1 "12/358".
2 قرنان: قال إبراهيم الحربي: القرنان
والكشخان لم أرهما في كلام العرب ومعناه عند
العامة مثل معنى الديوث أو قريبا منه المغني
"12/393".
3 في النسخ الخطية: "أراد" والمثبت من "ط".
(10/83)
وفي المبهج:
ديوث قذف لامرأته, ومثله كشخان1 وقرطبان,
ويتوجه في مأبون كمخنث و2في الفنون: هو لغة
العيب يقولون: عود مأبون والأبن: الجنون,
والأبنة: العيب, ذكره ابن الأنباري في كتاب
الزاهر, فإن كان له عرف بين الناس في الفعل به
أو الفعل منه فليس بصريح, لأن الأبنة المشار
إليها لا تعطي أنه يفعل بمقتضاها إلا3 بقول
آخر يدل على الفعل, كقوله للمرأة: يا شبقة, يا
مغتلمة. وفي الرعاية: لم أجدك عذراء كناية,
وأن من قال لظالم بن ظالم: جبرك الله ورحم
سلفك احتمل المدح والتهزي, وأنه أظهر, فيعزر.
قال4 شيخنا: إن "علق" تعريض.
وإن قذف مجبوبا حد, في المنصوص, لأنه قذفه بما
ليس فيه, قاله أحمد وعكسه: ما أنت ابن فلانة,
على الأصح. وإن قذف من لا يتصور عادة5 الزنا5
منهم كأهل بلده لم يحد. وقال أبو محمد الجوزي:
ليس قاذفا, لأنه لا عار, ويعزر, كسبهم بغيره,
وظاهره: ولو لم يطلبه أحد,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "كشخان" والمثبت من "ط".
2 ليست في "ط".
3 في "ر" "لا".
4 في "ر" "وقال".
5 ليست في "ر".
(10/84)
يؤيده أنه في
المغني1 جعل هذه المسألة2 أصلا لقذف الصغيرة,
مع أنه قال: لا يحتاج في التعزير إلى مطالبة.
وفي مختصر ابن رزين: ويعزر حيث لا حد.
وإن قال: من رماني فهو ابن الزانية لم يحد "ع"
وكذا لو اختلفا في شيء فقال أحدهما: الكاذب
ابن الزانية, نص عليه وما أشبهه, لعدم
التعيين, وظاهر كلامهم يعزر3, لأنه محرم, لكن
يتوجه أنه لحق الله, فدل ذلك على تحريم غيبة
أهل قرية "هـ" لا أحد هؤلاء, أو وصف رجلا
بمكروه لمن لا يعرفه, لأنه لا يتأذى4 غير
المعين كقوله في العالم من يزني ونحوه, إلا أن
يعرف بعد البحث.
وإن قال لامرأته يا زانية فقالت5 بك زنيت سقط
حقها بتصديقها ولم تقذفه, وإن قال زنى بك فلان
فقد قذفهما, نص عليهما, وخرج فيهما روايتان,
فعلى أنها لم تقذفه يتخرج أنه لو أقر بأنه زنى
بامرأة لم يقذفها, لاحتمال أنها مكرهة أو
نائمة, وجزم به في الترغيب في الزوجة.
قال الإمام أحمد: خبر ماعز6 حين سأله النبي
صلى الله عليه وسلم قال بفلانة, فلم
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "11/126".
2 ليست في "ر".
3 في "ر" "ويعزر".
4 في "ر" "ينادي".
5 في النسخ الخطية "قالت" والمثبت من "ط".
6 تقدم تخريجه "1/263".
(10/85)
يضربه النبي
صلى الله عليه وسلم, 1لها نقله1 ابن منصور
ونقل منها2: لا يحد لها, قال أبو بكر: لو كان
قاذفا لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم
"بمن" وإنما هذا بيان الإقرار, ولو كان قولها
أنت أزنى مني, أو زنيت وأنت أزنى مني فقد
قذفته.
وفي الرعاية وجه, وإن قال يا زانية قالت بل
أنت زان حدا3, وعنه: لا لعان, وتحد هي فقط,
وهو سهو عند القاضي "4وذكره ابن عقيل وقال: بل
هذا5 يعطي رواية عنه أن اللعان شهادة4".
ـــــــ
1 1 في "ط" "نقله لها".
2 في "ط" "منها".
3 في "ط" "حد له".
4 4ليست في الأصل.
(10/86)
فصل: وهو حق لآدمي,
فيسقط بعفوه, قال القاضي وأصحابه عنه: لا عن
بعضه, وعنه: لله, فلا يسقط, وعليهما لا يحد,
ولا يجوز أن يعرض له إلا بالطلب وذكره شيخنا
"ع". ويتوجه على الثانية: وبدونه.
ولا يستوفيه بنفسه, خلافا لأبي الخطاب, وذكره
ابن عقيل "ع" وأنه لو فعل لم يعتد به, وعلله
القاضي بأنه تعتبر نية الإمام أنه حد. وفي
البلغة: لا يستوفيه بدونه, فإن فعل فوجهان,
وأن هذا في القذف الصريح, وأن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
5 ليست في "ر".
(10/86)
غيره يبرأ به
سرا, على خلاف في المذهب, وذكر جماعة على
الرواية الثانية لا يستوفيه إلا الإمام, وسبق
في كتاب الحدود1 هل تعتبر الموالاة أو النية,
وسأله مهنا عمن قدم قاذفه إلى السلطان فأقر
فقال: قد أمسينا, غدا نقيمه عليه, فغاب
المقذوف, فقال: لا يحد حتى يحضر, لعله عفا.
وإن قال اقذفني فقذفه عزر, وعلى الثانية يحد
وصححه في الترغيب على الأول.
وإن مات وورث حد القذف فلوارثه المطالبة إذن.
وإن قذف ميت محصن أولا فلوارثه المحصن خاصة حد
قاذفه, وعند أبي بكر: لا حد بقذف ميت, وذكره
الشيخ ظاهر المذهب في غير أمهاته,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ص "33".
(10/87)
وقطع به في
المبهج.
وحق القذف للورثة نص عليه, وقيل: سوى الزوجين,
وفي المغني1: للعصبة, وإن عفا بعضهم حده
الباقي2 كاملا. وقيل يسقط, وسأله ابن منصور:
افترى على أبيه وقد مات فعفا ابنه؟ قال: جائز.
وسأله الأثرم: أله العفو بعد رفعه؟ قال: في
نفسه فإنما هو حقه, وإذا قذف أباه فهذا شيء
يطلبه
غيره,........................................
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "11/140".
2 في "ط" "الباقون".
(10/88)
قال في الروضة:
إن مات بعد طلبه ملكه وارثه, فإن عفا بعضهم حد
لمن يطلب منهم بقسطه وسقط قسط من عفا, بخلاف
القذف إذا عفا بعض الورثة لأن القذف لا يتبعض,
وهذا يتبعض1.
ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم كفر
ويقتل, وعنه: إن تاب 2لم يقتل2,
ـــــــ
تنبيهان3
4 "أحدهما" قوله: "قال في الروضة: بخلاف القذف
إذا عفا بعض الورثة لأن القذف لا يتبعض وهذا
يتبعض", انتهى. صوابه بخلاف القتل, لأن القتل
لا يتبعض مكان "القذف" في الموضعين, وهو في
الروضة كذلك وهو واضح4
ـــــــ
1 في "ر" "تبعيض".
2 2 ليست في الأصل.
3 في النسخ الخطية "تنبيه" والمثبت من "ط".
4 4ليست في "ص".
(10/89)
وعنه: كافر
بإسلام, وهي مخرجة من نصه في1 التفرقة بين
الساحر المسلم والساحر الذمي, قال في المنثور:
وهذا كافر قتل من سبه, فيعايا بها.
وقذفه عليه السلام كقذف أمه, ويسقط سبه
بالإسلام, كسب الله, وفيه خلاف في المرتد,
قاله الشيخ وغيره.
قال2 شيخنا: وكذا من قذف نساءه لقدحه في دينه,
وإنما لم يقتلهم لأنهم تكلموا قبل علمه
براءتها3 وأنها من أمهات المؤمنين لإمكان
المفارقة فتخرج بها منهن وتحل لغيره في وجه,
وقيل: لا, وقيل: في غير مدخول بها "م 10".
ـــــــ
الثاني" قوله "ويسقط سبه يعني النبي صلى الله
عليه وسلم بالإسلام كسب الله تعالى, وفيه خلاف
في المرتد, قال الشيخ وغيره", انتهى. ليس في
هذا خلاف مطلقا عند المصنف بل قد4 قدم حكما,
وهو أن ساب5 الله تعالى يسقط عنه حكمه
بالإسلام, ولكن الشيخ ذكر فيه خلافا.
"مسألة 10" قوله "وقال شيخنا, وكذا من قذف
نساءه, لقدحه في دينه وإنما لم يقتلهم
6بكلامهم في عائشة6 لأنهم تكلموا قبل علمه
ببراءتها وأنها من أمهات
ـــــــ
1 في "ط" "من".
2 في الأصل "وقال".
3 الضمير يعود على عائشة الصديقة رضي الله
عنها التي أنزل الله براءتها مما نسب إليها من
الإفك.
4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 في "ص" "سباب".
6 6ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
(10/90)
وسأله حرب: رجل
افترى على رجل فقال: يا ابن كذا وكذا إلى آدم
وحواء؟ فعظمه جدا وقال عن الحد: لم يبلغني فيه
شيء وذهب إلى حد واحد.
ومن قذف جماعة بكلمة, فحد طالبوا أو بعضهم,
فيحد لمن طلب, ثم لا حد نقله الجماعة, وعنه:
لكل واحد حد, وعنه: إن طالبوا متفرقين, وعنه:
إن قذف امرأته وأجنبية تعدد الواجب هنا,
اختاره القاضي وغيره, كما لو لاعن امرأته.
وفي يا ناكح أمه, الروايات, ونص فيمن قال
لرجل: يا ابن الزانية, يطالبه. قيل: إنما أراد
أمه, قال: أليس قد قال له, هذا قصد له.
وإن قذفهم بكلمات تعدد الحد, على الأصح. وعنه:
إن تعدد الطلب, ومن أعاد قذفه قبل الحد فحد,
نص عليه, وقيل: يتعدد, وإن أعاده بعده
ـــــــ
المؤمنين لإمكان المفارقة, فتخرج بها منهن
وتحل لغيره في وجه, وقيل: لا, وقيل في غير
مدخول بها", انتهى. يعني لو حصل مفارقة لأحد
من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هل تخرج من
أمهات المؤمنين وتحل لغيره أو لا؟ أو تخرج إن
كان قبل الدخول؟ حكي أقوالا, ظاهرها إطلاق
الخلاف فيها.
"قلت": قد صرح المصنف بهذه المسألة, وقدم أنه
يحرم نكاحها مطلقا, وأن ابن حامد وغيره قال:
يجوز نكاح من فارقها في حياته, فقال في
الخصائص1 في كتاب النكاح: وحرم على غيره نكاح
زوجاته فقط, وجوز ابن حامد وغيره نكاح من
فارقها في حياته, انتهى
ـــــــ
1 في "ح" "الحائض".
(10/91)
أو بعد لعانه
فنقل حنبل: يحد, اختاره أبو بكر, والمذهب
يعزر, و1عليهما لا لعان, وقدم في الترغيب
يلاعن إلا أن يقذفها بزنا لاعن عليه مرة
واعترف2 أو قامت البينة, واختار ابن عقيل
يلاعن لنفي تعزير.
وإن قذفه بزنا آخر بعد حده فروايات, الثالثة
يحد مع طول الفصل "م 11".
ـــــــ
مسألة 11" قوله "وإن قذفه بزنا آخر بعد حده
فروايات, الثالثة يحد مع طول الفصل", انتهى.
"إحداهن": يحد مع طول الفصل, وهو الصواب, وجزم
به في الكافي3 والمغني4 والشرح5 وشرح ابن رزين
وغيرهم, قال في الرعاية الكبرى: حد, على
الأصح.
"والرواية الثانية": يحد مطلقا, قال الناظم:
يحد مع قرب الزمان في الأولى.
"والرواية الثالثة": لا يحد مطلقا, وهو ظاهر
كلامه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير,
وأطلق الخلاف مع قصر الفصل في المغني4
والكافي3 والشرح5 والرعاية الكبرى.
6فهذه إحدى عشرة مسألة في هذا الباب6.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "اعترفت".
3 "5/414".
4 "12/408".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/409".
6 6 ليست في "ط".
(10/92)
قال ابن عقيل:
إن قذف أجنبية ثم نكحها قبل حده فقذفها فإن
طالبت بأولهما فحد ففي الثاني روايتان, وإن
طالبت بالثاني فثبت ببينة أو لاعن لم يحد
للأول.
ومن تاب من زنا حد قاذفه, وقيل: يعزر, واختار
في الترغيب: يحد بزنا جديد لكذبه يقينا, بخلاف
من سرق عينا ثانيا فإنه وجد منه ما وجد في
الأولى.
وإن قذف من أقرت به مرة وفي المبهج أربعا أو
شهد به اثنان أو شهد أربعة بالزنا فلا لعان
ويعزر. وفي المستوعب: لا.
ولا يشترط لصحة توبة من قذف وغيبة ونحوهما
إعلامه والتحلل منه, وحرمه القاضي وعبد
القادر, ونقل مهنا: لا ينبغي أن يعلمه, قال
شيخنا: والأشبه أنه يختلف, وعنه يشترط, وقيل:
إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم
يعلمه, وذكره شيخنا عن أكثر العلماء, قال:
وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب الاعتراف لو
سأله فيعرض ولو مع استحلافه, لأنه مظلوم, لصحة
توبته. ومن جوز التصريح في الكذب المباح هنا
نظر, ومع عدم توبة وإحسان تعريضه كذب, ويمينه
غموس, قال: واختيار1 أصحابنا: لا يعلمه, بل
يدعو له في مقابلة مظلمته, قال2: وزناه بزوجة
غيره كغيبته, وذكر في الغنية: إن تأذى بمعرفته
كزناه بجاريته وأهله وغيبته
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ر" "اختاره".
2 يعني الشيخ تقي الدين ابن تيمية.
(10/93)
بعيب خفي يعظم
أذاه به, فهنا لا طريق له إلا أن يستحله ويبقى
له عليه مظلمة ما, فيجبرها بالحسنات كما يجبر
مظلمة الميت والغائب.
وذكر ابن عقيل في زناه بزوجة غيره احتمالا
لبعضهم. لا يصح إحلاله, لأنه مما لا1 يستباح
بإباحته ابتداء1, قال: وعندي يبرأ وإن لم يملك
إباحته, كالدم والقذف, قال: وينبغي استحلاله
فإنه حق آدمي فدل أنه لو أصبح فتصدق بعرضه على
الناس لم يملكه ولم يبح, وإسقاط الحق قبل وجود
سببه لا يصح, وإذنه في عرضه كإذنه في قذفه وهي
كإذنه في دمه وماله.
وفي طريقة بعض أصحابنا قول الحنفية: رضا
المدعى عليه بتوكيل المدعي أسقط حقه, فجاز.
قلنا: ليس له إباحة المحرم, ولهذا لو رضي بأن
يشتم أو يغتاب لم يبح ذلك, وتقدم في طلاق
الحائض2 أن الزوج ملكه بملك محله. وتقدم في
العمري3 أن النهي إذا كان ضررا لم يمنع صحته,
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم "أيعجز أحدكم
أن يكون كأبي ضمضم؟" 4 وأنه كان يفعل ذلك, فلا
تعرف صحته, ويحمل على إسقاط حق وحد.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 "9/22".
3 "7/413 – 414".
4 أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة "62"
من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا
وأخرجه أبو داود "4886 و4887" من طريقين آخرين
سيذكرهما ابن قندس في حاشيته.
(10/94)
وإن أعلمه ولم
يبينه فحلله فإبراء من مجهول. وفي الغنية: لا
يكفي الاستحلال المبهم لجواز, لو1 عرف قدر
ظلمه لم تطلب2 نفسه بالإحلال. إلى أن قال: فإن
تعذر ذلك فيكثر الحسنات, فإن الله يحكم عليه
ويلزمه قبول حسناته مقابلة لجنايته عليه3, كمن
أتلف مالا فجاء بمثله فأبى قبوله وأبرأه حكم
الحاكم عليه بقبضه. والله أعلم.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "ولو".
2 في "ط" "تطلب".
3 ليست في "ط".
(10/95)
باب حد المسكر
مدخل
...
باب حد المسكر
كل مسكر خمر يحرم شرب قليله وكثيره, نقل ذلك
الجماعة مطلقا, ولو لعطش بخلاف الماء النجس,
إلا لدفع لقمة غص بها ولم يجد غيره وخاف تلفا,
ويقدم بولا, ويقدم عليهما ماء نجسا, وأباح
إبراهيم الحربي من نقيع التمر إذا طبخ ما دون
المسكر1, قال الخلال: فتياه على قول أبي
حنيفة.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "المسكر".
(10/96)
فإذا شربه مسلم
مكلف عالما أن كثيره يسكر ويصدق مختارا لحله,
لمكره1, وعنه: لا, اختاره أبو بكر, ذكرهما في
التعليق, قال: كما لا يباح لمضطر, ففي حده
روايتان, قاله في الواضح "م 1", والصبر أفضل,
نص عليه, وكذا كل ما جاز فعله للمكره, ذكره
القاضي وغيره. قال شيخنا: يرخص أكثر العلماء
فيما يكره عليه2 من المحرمات, لحق الله عز
وجل, كأكل الميتة وشرب الخمر, وهو ظاهر مذهب
الإمام أحمد رحمه الله.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "فإذا شربه مسلم مكلف عالما
أن كثيره يسكر "ويصدق"3 مختارا لحله كمكره,
وعنه: لا, اختاره أبو بكر, ففي حده روايتان,
قاله في4 الواضح", انتهى. يعني إذا قلنا لا
يحل لمكره وشربه مكرها ففي حده روايتان في
الواضح.
ـــــــ
1 في "ط" "كمكره".
2 ليست في "ر".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".
(10/97)
ويثبت بإقرار
مرة, كحد القذف, وعنه: مرتين, نصره القاضي
وأصحابه, وجعل أبو الخطاب بقية الحدود بمرتين.
وفي عيون المسائل في حد الخمر بمرتين, وإن
سلمنا فلأنه لا يتضمن إتلافا, بخلاف حد
السرقة, ولم يفرقوا بين حد القذف وغيره إلا
بأنه حق آدمي, كالقود, فدل على رواية فيه,
وهذا متجه أو بعدلين1, وقيل: يعتبر قولهما
عالما تحريمه مختارا, كدعواه إكراها أو جهله
بسكره,
ـــــــ
"قلت": الصواب عدم الحد, والذي يظهر أن المصنف
لم يرد في هذه المسألة إطلاق الخلاف, للاختلاف
في الترجيح, وإنما أراد حكايته في الجملة, وقد
قطع في المغني2 3 والشرح4 وغيرهما أن المكره
لا يحد, وصححه في النظم وغيره, وقدمه الزركشي
وغيره, وظاهر كلامهم سواء قلنا يحل للمكره أم
لا, والله أعلم.
"والرواية الثانية": يحد المكره. اختارها أبو
بكر وأطلق الخلاف في وجوب الحد وعدمه في
المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
تنبيهات:
"أحدها" ظاهر كلام المصنف أن محل الخلاف في
حده إذا قلنا إنها لا تحل له إذا أكره عليها,
والمجد وابن حمدان وصاحب الحاوي والناظم
والزركشي وغيرهم حكوا الخلاف في حده, لم
يفصلوا, وكذا الشيخ والشارح وغيرهما قطعوا
بعدم الحد ولم يفرقوا.
ـــــــ
1 في "ط" "أو عدلين".
2 "12/499".
3 ليسن في "ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/425".
(10/98)
ويعزر من جهل
تحريمه لقرب عهد بإسلام, ذكره في البلغة
كالحد. وفي الفصول والبلغة: مختارا, ولا يسأل
عما وراءه. وفي عيون المسائل: يثبت بعدلين
يشهدان أنه شرب مسكرا, ولا يستفسرهما الحاكم
عما شرب, لأن كل مسكر يوجب الحد فدل أنه إن لم
يره الحاكم موجبا استفسرهما.
فعلى الحر الحد ثمانون جلدة, وجوزها شيخنا
للمصلحة وأنه الرواية الثانية, وعنه أربعون
اختاره, أبو بكر والشيخ وغيرهما, وضرب علي
النجاشي بشربه في رمضان ثمانين, ثم حبسه, ثم
عشرين من الغد1. نقل صالح: أذهب إليه, ونقل
حنبل: يغلظ 2عليه, كمن قتل في الحرم, واختار
أبو بكر يعزر بعشرة فأقل. وفي المغني23: عزره
بعشرين لفطره,
ـــــــ
"الثاني" قوله: "ويعزر من جهل تحريمه لقرب عهد
بإسلام, ذكره في البلغة", انتهى.
صوابه: "ولا يعزر" بزيادة لا, وهو في البلغة
كذلك, والمعنى يساعده.
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/321".
2 2ليست في "ط".
3 ص "69".
(10/99)
والرقيق نصفه
وعنه: يحد ذمي لا حربي, وقيل: إن سكر,
والمذهب: لا. قال في البلغة: ولو رضي بحكمنا,
لأنه لم يلتزم بالانقياد في مخالفة دينه.
ويحد من احتقن بها, في المنصوص, كما لو استعط
أو عجن دقيقا فأكله. وفي المغني1: ولم يخبز,
ونقل حنبل: أو تمضمض حد. وذكره في الرعاية
قولا ثم قال: وهو بعيد, وفي المستوعب: إن وصل
جوفه حد.
ويحرم العصير إذا غلى, نقله الجماعة, وعنه:
إذا غلى أكرهه و2إن لم يسكر فإذا أسكر فحرام,
وعنه الوقف فيما نش3, والمنصوص: يحرم ما تم له
ثلاثة أيام, زاد بعضهم: بلياليها, وإذا طبخ
قبل التحريم حل إن ذهب ثلثاه وبقي ثلثه, نقله
الجماعة. وفي المغني4: أو لم يسكر. وله
ـــــــ
والثالث" قوله: "ويحرم العصير إذا غلى نقله
الجماعة, وعنه إذا غلى أكرهه وإن لم يسكر",
انتهى.
صوابه "إن لم يسكر" بإسقاط الواو.
ـــــــ
1 "12/498".
2 ليست في "ط".
3 أي غلى المصباح "نش".
4 "12/514".
(10/100)
وضع تمر ونحوه
في ماء لتحليته ما لم يشتد أو تتم ثلاث, نص
عليه.
نقل ابن الحكم: إذا نقع زبيبا أو تمر هندي أو
عنابا ونحوه لدواء غدوة, ويشربه عشية, أو عشية
ويشربه غدوة: هذا نبيذ أكرهه, ولكن يطبخه
ويشربه على المكان, فهذا ليس نبيذا.
وإن غلى العنب وهو عنب فلا بأس به, نقله أبو
داود, ويباح فقاع1, نقله الجماعة لأنه لا
يسكر, ويفسد إذا بقي, وعنه: يكره. وفي الوسيلة
رواية: يحرم, وجعل أحمد وضع زبيب في خردل
كعصير. وأنه إن صب فيه 2خل أكل2.
ـــــــ
والرابع" قوله: "ونقل ابن الحكم إذا نقع زبيبا
أو تمر هندي وعنابا ونحوه", انتهى.
قال ابن مغلي كذا وقع في النسخ بأو, وإنما هو
بالواو والكراهة لأجل الخليطين ذكرها جماعة من
الأصحاب, وبوب أبو بكر في زاد المسافر باب
القول في تحريم الخليطين وذكرها فيه انتهى
ويظهر لي أنه لا اعتراض على المصنف وأن
ـــــــ
1 الفقاع: شراب يتخذ من الشعير سمي به لما
يعلوه من الزبد. اللسان "فقع".
2 2في الأصل "حل أكله".
(10/101)
ويكره
الخليطان, كنبيذ تمر وزبيب أو مذيب1 وحده,
نقله الجماعة, وعنه: يحرم, اختاره في التنبيه,
وعنه: لا يكره, اختار2 في الترغيب واختاره في
المغني3, ما لم يحتمل إسكاره.
وله الانتباذ في دبا وحنتم ونقير ومزفت.
وفي كتاب الهدي رواية: يحرم, وعنه: يكره,
وعليه العمل. قاله الخلال. وعنه وغيره من
الأوعية, إلا سقاء يوكى حيث بلغ الشراب, ولا
يترك يتنفس, نقله جماعة, ونقل أبو داود: لا
يعجبني إلا هو, ونقل جماعة أنه كره السقاء
الغليظ والله أعلم.
ـــــــ
كلامه في الخليطين واضح وتقديره إذا نقع زبيبا
وعنابا أو تمر هندي وعنابا ونحوه, وهذا واف
بالخليطين, والله أعلم.
4فهذه مسألة واحدة في هذا الباب4.
ـــــــ
1 في "ط" "مذنب" والمذنب: التمر الذي بدأ فيه
الإرطاب من قبل ذنبه يقال: ذنببت البسرة فهي
مذنبة المطلع ص "390".
2 في الأصل و"ط" "واختاره".
3 "12/517".
4 4 ليست في "ط".
(10/102)
باب التعزير
مدخل
...
باب التعزير
كل معصية لا حد فيها, والأشهر ولا كفارة
كمباشرة دون الفرج نص عليه, وامرأة امرأة,
وسرقة لا قطع فيها, وجناية لا قود فيها, وقذف
بغير زنا. وفي الرعاية, هل حد القذف حق1 لله
أو لآدمي وأن التعزير
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ر".
(10/103)
لما دون الفرج
مثله, وقولنا ولا كفارة فائدته في الظهار وشبه
العمد ونحوهما, لا في اليمين1 الغموس إن وجبت
الكفارة, لاختلاف سببها وسبب التعزير يعزر
فيها المكلف وجوبا, نص عليه في سب صحابي, كحد,
وكحق آدمي طلبه. وعنه: ندبا, نص عليه في تعزير
رقيقه على معصية, وشاهد زور. وفي الواضح في
وجوب التعزير روايتان. وفي الأحكام السلطانية
إن تشاتم والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "يمين".
(10/104)
ويعزر الولد
لحقه. وفي جواز عفو ولي الأمر عنه الروايتان,
ولا يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد. وفي
المغني1 في قذف صغيرة لا يحتاج في التعزير إلى
مطالبة, لأنه مشروع لتأديبه فللإمام تعزيره
إذا رآه, يؤيده نصه فيمن سب صحابيا يجب على
السلطان تأديبه, ولم يقيده بطلب وارث مع أن
أكثرهم أو كثيرا منهم له وارث.
وقد نص في مواضع على التعزير, ولم يقيده, وهذا
ظاهر كلام الأصحاب إلا ما تقدم في الأحكام
السلطانية. ويأتي في أول أدب القاضي2 إذا
افتات خصم على الحاكم له تعزيره مع أنه لا
يحكم لنفسه "ع" فدل أنه ليس كحق الآدمي
المفتقر جواز إقامته إلى طلب, ولهذا أجاب في
المغني3 عن قول الأنصاري للنبي صلى الله عليه
وسلم عن الزبير: إن كان ابن عمتك4 وأنه لم
يعزره, وعن قول رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها
وجه الله5 بأن للإمام العفو عنه.
وفي البخاري6 أن عيينة بن حصن لما أغضب عمر هم
به, فتلا عليه ابن أخيه الحر بن قيس {خُذِ
الْعَفْوَ} [الأعراف: 199]. وفي شرح مسلم في
قول عائشة رضي الله عنها: ما انتقم رسول الله
صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 لم نجده في مظانه.
2 "11/128".
3 "12/528".
4 أخرجه البخاري "1708" ومسلم "2357" "129" عن
الزبير رضي الله عنه.
5 أخرجه البخاري "3150" ومسلم "1062" "140" عن
عبد الله بن مسعود.
6 في صحيحه "4642" عن ابن عباس رضي الله عنه.
(10/105)
ينتهك شيء من
محارم الله فينتقم لله1, أنه يستحب لولاة
الأمور التخلق بهذا, فلا ينتقم لنفسه, ولا
يهمل حق الله تعالى. ثم قال: قال القاضي: أجمع
العلماء أن القاضي لا يقضي لنفسه ولا لمن لا
تجوز شهادته له. وفي المغني2: نص عليه أو رآه
لمصلحة أو طالب آدمي بحقه وجب. وفي الكافي3:
يجب في موضعين فيهما الخبر4, وإلا إن جاء
تائبا فله تركه وإلا وجب, وهو معنى الرعاية,
مع أن فيها له العفو عن حق الله. وأنه إن
تشاتم اثنان عزرا, ويحتمل عدمه, فدل أن ما رآه
تعين, فلا يبطله غيره, وأنه يتعين قدر تعزير
عينه "م", وخصلة عينها لعقوبة محارب كتعيينه
القتل لتارك صلاة أو زنديق ونحوه"و"5.
وقال في الأحكام السلطانية: ويسقط بعفو آدمي
حقه وحق السلطنة, وفيه احتمال: لا, للتهذيب
والتقويم. وفي الانتصار في قذف مسلم كافرا
التعزير لله, فلا يسقط بإسقاطه. ونقل الميموني
فيمن زنى صغيرا لم ير عليه شيئا. ونقل ابن
منصور في صبي قال لرجل: يا زان: ليس قوله
شيئا,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "2328" "79".
2 "12/527".
3 "5/440" وعبارة: "ويجب التعزير في الموضعين
اللذين ورد الخبر فيهما".
4 أخرجه البخاري "526" ومسلم "2763" عن ابن
مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فقال
الرجل يا رسول الله ألى هذا؟ قال: "لجميع أمتي
كلهم" .
5 ليست في "ط".
(10/106)
وكذا في
التبصرة أنه لا يعزر, وكذا في المغني1, ولا
لعان, وأنه قول الثلاثة وغيرهم.
وفي رد شيخنا على الرافضي: لا نزاع بين
العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب
على الفاحشة تعزيرا بليغا, وكذا المجنون يضرب
على ما فعل لينزجر لكن لا عقوبة بقتل أو قطع.
قال في الواضح: من شرع2 في عشر3 صلح تأديبه في
تعزير على طهارة وصلاة, فكذا مثله4 زنا وهو
معنى كلام القاضي, وذكر ما نقله الشالنجي في
الغلمان يتمردون: لا بأس بضربهم, وظاهر ما
ذكره الشيخ وغيره عن القاضي: يجب ضربه على
صلاة. قال الشيخ لمن أوجبها محتجا به: هو
تأديب وتعويد كتأديبه على خط وقراءة وصناعة
وشبهها, وكذا قال صاحب المحرر كتأديب اليتيم
والمجنون والدواب فإنه شرع لا لترك واجب,
فظاهر كلامهم في تأديبه في الإجارة والديات
أنه جائز.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 لم نجده في مظانه.
2 في "ط" "شرخ".
3 في "ر" "غش".
4 في الأصل و"ط" "مثل".
(10/107)
وأما القصاص
مثل أن يظلم صبي صبيا أو مجنون مجنونا, أو
بهيمة بهيمة فيقتص للمظلوم من الظالم وإن لم
يكن في ذلك زجر عن المستقبل لكن لاستفاء1
المظلوم وأخذ حقه, فيتوجه أن يقال: يفعل ذلك
لا يخلو عن ردع وزجر في المستقبل, ففعله لأجل
الزجر, وإلا لم يشرع لعدم 2الأثر به2 والفائدة
في الدنيا, وأما في الآخرة فالله تعالى يتولى
ذلك للعدل بين خلقه, فلا يلزم منه فعلنا نحن
كما قال ابن حامد: القصاص بين البهائم والشجر
والعيدان جائز شرعا بإيقاع مثل ما كان في
الدنيا, وكما قال أبو محمد البربهاري في
القصاص من الحجر: لم نلب3 أصبع الرجل؟ وهذا
ظاهر كلامهم السابق في التعزير أو صريحه فيمن
لم يميز. وقال شيخنا: القصاص موافق لأصول
الشريعة, واحتج بثبوته في الأموال, وبوجوب دية
الخطإ, وبقتال البغاة المغفور لهم, قال: فتبين
بذلك أن الظلم والعدوان يؤدى فيه حق المظلوم
مع عدم التكليف فإنه من العدل, وحرم الله
تعالى الظلم على نفسه, وجعله محرما بين عباده,
كذا قال4.
وبتقريره5 فإنما يدل في الآدميين. والمذهب
قاله القاضي: بعشر جلدات
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "لاشتفاء".
2 2 في "ر" "الأثرية".
3 في "ر" و"ط" "نكت".
4 أخرجه مسلم في صحيحه "2577" "55" عن أبي ذر
عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن
الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي إني
حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا
تظالموا......" .
5 في "ط" "وبتقريره".
(10/108)
فأقل إلا في
وطء أمة مشتركة فيعزر حر بمائة1 إلا سوطا,
نقله الجماعة, وعنه: بمائة, بلا نفي, وله
نقصه2, وعنه: وكذا كل وطء في فرج, وهي أشهر
عند جماعة, وعنه: أو دونه, نقله يعقوب, جزم به
في المذهب والمحرر وغيرهما, على ما قدموه.
واحتج, بأن عليا وجد رجلا مع امرأة في لحافها
فضربه مائة3. والعبد بخمسين إلا سوطا, وعنه:
الكل بعشر فأقل, نقله ابن منصور وغيره,
للخبر4, ومراده عند شيخنا إلا في محرم لحق
الله, وعنه: بتسع, وعنه: لا يبلغ به5 الحد,
جزم به الخرقي وغيره, وقدمه في المذهب والمحرر
وغيرهما, واستثنى من قدمه ما سببه الوطء, فعلى
قول الخرقي روي عنه: أدنى حد عليه, وهو أشهر,
نصره أبو الخطاب وجماعة. وفي الفصول: حد
العبد.
ويحتمل كلام أحمد والخرقي لا يبلغ بجناية حدا
في جنسها, ويكون ما لم يرد به نص بحبس وتوبيخ,
وقيل: في حق الله, ويشهر لمصلحة, نقله عبد
الله في شاهد زور,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 بعدها في "ط" "جلدة".
2 في الأصل "نقضه".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "13635".
4 أخرجه البخاري "6848" ومسلم "1708" "40" عن
أبي بردة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات
إلا في حد من حدود الله" .
5 ليست في الأصل.
(10/109)
ويحرم حلق
لحيته, وفي تسويد وجه1 وجهان "م 1" وتوقف فيه
أحمد. وعن عمر رضي الله عنه في شاهد الزور
يحلق رأسه2, ذكره في الإرشاد3 والترغيب.
وذكر4 ابن عقيل عن أصحابنا: لا يركب ولا يحلق
رأسه ولا يمثل به, ثم جوزه هو لمن تكرر منه,
للردع, واحتج بقصة العرنيين5, وفعل
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "ويحرم حلق لحيته, وفي تسويد
وجه6 وجهان, وتوقف فيه أحمد", انتهى.
"أحدهما": لا يفعل به ذلك, وهو الصحيح, جزم به
في المغني7 والشرح8 وشرح ابن رزين ونصروه,
ذكروه في الرجوع عن الشهادة في تعزير شاهد
الزور, وقد سئل الإمام أحمد في رواية مهنا عن
تسويد الوجه, قال مهنا: فرأيت كأنه9 كره تسويد
الوجه, قال في النكت في شاهد الزور, انتهى.
"قلت": الصواب10 الرجوع في ذلك إلى الأشخاص,
فإن المقصود منه الردع والزجر, وذلك يختلف
باختلاف الأشخاص, فكل أحد يحسبه, فيرجع فيه
إلى اجتهاد الحاكم, فيفعل ذلك إن رآه مصلحة,
ثم وجدت في المغني7 والشرح8 قريبا من ذلك.
ـــــــ
1 في "ر" "وجه".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "10/242".
3 ص "509".
4 في الأصل "نقل".
5 أخرجه البخاري "233" ومسلم "1671" "10" من
حديث أنس.
6 في "ط" "وجه".
7 "14/262".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "30/96".
9 في "ط" "كأنه".
10 ليست في "ص".
(10/110)
الصحابة في
اللوطي1 وغيره, ونقل عبد الله فيه عن عمر:
يضرب ظهره ويحلق رأسه, ويسخم وجهه, ويطاف به,
ويطال حبسه. وفي الأحكام السلطانية: له
التعزير بحلق شعر لا لحية ويصلبه حيا, ولا
يمنع من أكل ووضوء, ويصلي بالإيماء, ولا يعيد,
كذا قال, ويتوجه لا يمنع من صلاة. قال: وهل
يجرد في التعزير من ثيابه إلا بستر عورته؟
اختلفت الرواية عنه في الحد. قال: ويجوز أن
ينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ولم يقلع, ثم
ذكر كلام أحمد في شاهد الزور قال: فنص أنه
ينادى عليه بذنبه, ويطاف به, ويضرب مع ذلك.
قال في الفصول: يعزر بقدر رتبة المرمى, فإن
المعرة تلحق بقدر مرتبته, وذكر ابن عبد البر2
عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: إياكم
والمثلة في العقوبة. وجز الرأس واللحية. وقال
شيخنا: بما يردعه, كعزل متول وإنه لا يتقدر,
لكن ما فيه مقدر لا يبلغه, فلا يقطع بسرقة دون
نصاب. ولا يحد حد الشرب بمضمضة خمر ونحوه,
وأنه رواية, واختيار طائفة من أصحابه, وقد
يقال بقتله للحاجة, وإنه يقتل مبتدع داعية,
وذكره وجها "و م" ونقله إبراهيم بن سعيد
الأطروش3 في الدعاة من الجهمية. وقال في
الخلوة بأجنبية, واتخاذ الطواف بالصخرة دينا.
وفي قول الشيخ: انذروا لي لتقضى حاجتكم, أو
استعينوا بي: إن أصر ولم يتب قتل, ومن تكرر
شربه ما لم
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ينظر السنن الكبرى للبيهقي "8/232" في
الآثار الواردة عن الصحابة في ذلك.
2 لم نقف عليه.
3 من أصحاب الإمام أحمد روى عنه أشياء منها ما
ذكره المصنف طبقات الحنابلة "1/95".
(10/111)
ينته بدونه,
للأخبار فيه.
قال الأصحاب: ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه,
ولا أخذ شيء من ماله, فيتوجه أن إتلافه أولى
مع أن ظاهر كلامهم لا يجوز. وقال ابن الجوزي
رحمه الله في تاريخه المنتظم1 في سنة إحدى
وسبعين وخمسمائة, في خلافة المستضيء بأمر الله
كثر الرفض فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين
إن لم تقو يد ابن الجوزي لم يطق دفع البدع
فكتب أمير المؤمنين بتقوية يدي, فأخبرت الناس
بذلك على المنبر وقلت: إن أمير المؤمنين أعزه
الله تعالى قد بلغه كثرة الرفض, وقد خرج
توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع, فمن
سمعتموه من العوام يتنقص بالصحابة فأخبروني
حتى أنقض داره وأخلده الحبس, فانكف الناس.
وسبق في آخر الغصب2 حكم إتلاف المنكر إذا كان
مالا والصدقة به3, وانفرد ابن الجوزي بذلك4,
كانفراده بقوله في سنة أربع وسبعين وخمسمائة:
تكلم ابن البغدادي الفقيه فقال: إن عائشة رضي
الله عنها قاتلت عليا عليه السلام فصارت من
البغاة, فتقدم صاحب المخزن بإقامته من مكانه
ووكل به في المخزن, وكتب إلى أمير المؤمنين
يعني المستضيء بأمر الله بذلك. فخرج التوقيع
بتعزيره, فجمع الفقهاء, فمالوا عليه, فقيل لي:
ما تقول؟ فقلت هذا رجل ليس له علم بالنقل وقد
سمع أنه جرى
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "18/222".
2 "262 – 263".
3 في "ط" "بها".
4 في كتابه المنتظم "18/251 – 252".
(10/112)
قتال1 ولعمري
إنه جرى قتال ولكن ما قصدته عائشة ولا علي رضي
الله عنهما, وإنما أثار الحرب سفهاء الفريقين,
ولولا علمنا2 بالسير لقلنا مثل ما قال, وتعزير
مثل هذا أن يقر بالخطإ بين الجماعة فيصفح عنه.
فكتب إلى أمير المؤمنين بذلك فوقع: إن كان قد
أقر بالخطإ فيشترط عليه أن لا يعاود ثم يطلق.
كذا قال, فإذا كان تعزير مثل هذا أن يقر
بالخطإ فكيف يقول فيصفح عنه, لأنه لا صفح مع
وجود تعزير مثله, ومراده. يصفح عنه بترك الضرب
ونحوه وإنما جعل اعتراف هذا بالخطإ تعزيرا لما
فيه من الذل والهوان له, فهو كالتعزير بضرب
وكلام سوء لغيره, وما قاله حسن غريب.
وهنا وجه ثالث أن3 الاعتراف بالخطإ توبة, وفي
التعزير معها خلاف. ولعل ابن4 الجوزي أراد
بنقض الدار في كلامه السابق المبالغة لا حقيقة
الفعل. كما ذكر ابن عبد البر5 وغيره عن عمر
رضي الله عنه أنه6 لما قال الحطيئة في
الزبرقان بن بدر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل و"ط" "فقال".
2 في "ط" "علما".
3 ليست في الأصل.
4 في "ط" "أبت".
5 لم نجده في مظانه عند ابن عبد البر ينظر
خزانة الأدب "3/294".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
(10/113)
وسأل عمر حسان
ولبيدا فقالا: إنه هجاه, فأمر به فرمي في بئر
ثم ألقى عليه شيئا فقال الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ1 ... زغب الحواصل لا
ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك
سلام الله يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك2
مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن بأنفسهم3
كانت بك الأثر
فامنن على صبية في الرمل مسكنهم ... بين
الأباطح يغشاهم بها الغدر
أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية
يعمى بها الخبر4
فحينئذ كلمه فيه5 عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن
العاص واسترضياه حتى أخرجه من السجن, ثم دعاه
فهدده بقطع لسانه إن عاد يهجو أحدا قال
الجوهري الفادر والفدور: المسن من الوعول,
ويقال: العظيم والجمع فدر وفدر وموضعها
المفدرة.
مما هو مكتوب على باب السجن بالعراق: هاهنا
تلين الصعاب وتختبر الأحباب. ومكتوب على باب
سجن: هذه منازل البلوى, وقبور الأحياء, وتجربة
الأصدقاء, وشماتة الأعداء,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 مرخ: واد من فدك والوابشة معجم البلدان
"5/103".
2 في النسخ الخطية "عليك" والمثبت من "ط".
3 في النسخ الخطية "لأنفسهم" والمثبت من "ط".
4 ينظر شرح ديوان الحطيئة ص "208".
5 ليست في "ط".
(10/114)
وأنشد بعضهم1
في السجن:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ... فلسنا من2
الأموات فيها ولا الأحيا2
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ... فرحنا وقلنا
جاء هذا من الدنيا
ونفرح بالرؤيا فجل حديثنا ... إذا نحن أصبحنا
الحديث عن الرؤيا
فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت ... وإن هي ساءت
بكرت وأتت عجلى
ولما عمل معن بن زائدة3 خاتما على نقش خاتم
بيت المال ثم جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه4
مالا ضربه عمر مائة, وحبسه, وكلم فيه فضربه
مائة, وكلم فيه فضربه مائة ونفاه. قال في
المغني5: لعله كانت له ذنوب فأدب عليها, أو
تكرر منه الأخذ أو كان ذنبه مشتملا على
جنايات.
"ونص أحمد في المبتدع الداعية: يحبس حتى يكف
عنها. وفي الرعاية: من عرف بأذى الناس ومالهم
حتى بعينه ولم يكف, حبس حتى يموت. وفي الأحكام
السلطانية: للوالي فعله لا للقاضي, ونفقته من
بيت المال ليدفع ضرره, ويأتي كلامه في عيون
المسائل بعد مسألة الساحر. وفي الترغيب في
العائن: للإمام حبسه ويتوجه: إن كثر مجذومون6
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 لم نقف على قائلها.
2 2 في النسخ الخطية: الأحياء فيها ولا
الموتى" والمثبت من "ط".
3 لم نجد في عهد عمر من نسمى بهذا الاسم وأما
معن بن زائد الشيباني المشهور بالكرم فإنما
أدرك العهد الأموي وتوفي "152 هـ" ينظر تاريخ
بغداد "13/235".
4 في "ط" "به".
5 "12/526".
6 في الأصل "مجدمون" والمجذم اسم مفعول من
الجذام وهو علة تحدث من انتشار السواد في
البدن كله. القاموس "الجذام".
(10/115)
ونحوهم لزمهم
التنحي ناحية. وظاهر كلامهم: لا, فللإمام
فعله". "وجوز ابن عقيل قتل مسلم جاسوس لكفار
"و م" وزاد ابن الجوزي: إن خيف دوامه, وتوقف
فيه أحمد, وعند القاضي: يعنف ذو الهيئة, وغيره
يعزر": وقال "ش" إن كان من ذوي الهيئات كحاطب
أحببت أن يتجافى عنه وإن لم يكن منهم كان
للإمام أن يعزره: وقال أصحاب الرأي: يعاقب
ويسجن.
وقصة حاطب في الصحيحين1 وقال عمر: قد كفر.
وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: دعني أضرب عنق
هذا المنافق. قال ابن الجوزي في كشف المشكل:
تقرب إلى القوم ليحفظوه في أهله بأن أطلعهم
على بعض أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم
في كيدهم وقصد قتالهم, وعلم أن ذلك لا يضر
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصر2 الله
إياه, وهذا الذي فعله أمر يحتمل التأويل ولذلك
استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حسن
الظن وقال: "إنه قد صدقكم" .
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 البخاري "4274" ومسلم "2494" عن علي رضي
الله عنه.
2 في "ط" "لنصرة".
(10/116)
وقد دل الحديث
على أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف
حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل, ودل على
أن1 من أتى محظورا وادعى في ذلك ما يحتمل
التأويل كان القول قوله في ذلك وإن كان غالب
الظن بخلافه, وقال عن قول عمر: وهذا لأنه رأى
صورة2 النفاق, ولما احتمل قول عمر وكان
لتأويله مساغ لم ينكر عليه الرسول صلى الله
عليه وسلم. وقال بعض أصحابنا المتأخرين في
كتابه الهدي: فيه إن من نسب مسلما إلى نفاق أو
كفر متأولا وغضبا لله ورسوله لا لهواه وحظه لا
يكفر, بل لا يأثم, بل يثاب على نيته, بخلاف
أهل الأهواء والبدع فإنهم يكفرون ويبدعون من
خالفهم وهم أولى بذلك. وكذا قال الخطابي إن من
كفر مسلما أو نفقه متأولا وهو من أهل الاجتهاد
لم3 يلزمه عقوبة. قال في كشف المشكل: وقد دل
الحديث على أن الجاسوس المسلم لا يقتل, فيقال
مطلقا أو مع التأويل, فهو لا يدل مطلقا, ولهذا
لم يقع تعزير, هذا إن صح ما ذكره من التأويل
وإن لم يصح لم يدل أيضا, لأن عمر لما طلب قتله
لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم, أو
يقال: لم يذكر أنه لم يوجد المقتضي لقتله, بل
ذكر المانع وهو شهود بدر, فدل على وجود
المقتضي وأنه لولا المعارض لعمل به, وهو أيضا
يدل على تحريم ما وقع. وفي كتاب الهدي أنه
كبيرة محي4 بالحسنة الكبيرة, ولهذا قال في شرح
مسلم
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "أنه".
2 في النسخ الخطية "صورته" والمثبت من "ط".
3 ليست في "ط".
4 في "ط" "يمحى".
(10/117)
وغيره: فيه أن
الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا
يكفرون بذلك وهذا الجنس1 كبيرة قطعا, لأنه
يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم, وهو
كبيرة بلا شك لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}
[الأحزاب: 57] وقوله صلى الله عليه وسلم "لعل
الله اطلع على أهل بدر فقالوا: اعملوا ما شئتم
فقد غفرت لكم" 2. قال العلماء: معناه الغفران
لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حد
أو غيره أقيم عليه في الدنيا, ونقل القاضي
عياض الإجماع على إقامة الحد وأقامه عمر3 على
بعضهم وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا
الحد وكان بدريا4. وقال في كشف المشكل في هذا
ليس على الاستقبال, وإنما هو للماضي وتقديره
أي عمل كان لكم فقد غفر, ويدل على هذا شيئان:
أحدهما أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر.
والثاني أنه كان يكون إطلاقا في الذنوب, ولا
وجه لذلك, ويوضح هذا أن القوم خافوا العقوبة
فيما بعد فقال عمر: يا حذيفة هل أنا منهم5؟
وكذا اختيار الخطابي أنه للماضي. ونقل ابن
منصور لا نفي إلا في الزنا والمخنث. وقال
القاضي: نفيه دون عام, واحتج به شيخنا وبنفي
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "الجس" والمثبت من "ط".
2 تقدم تخريجه صفحة "116".
3 ينظر السنن الكبرى للبيهقي "8/223".
4 أخرجه أبو داود "4475" من حديث عمرة.
5 أورده في كنز العمال "13/344".
(10/118)
عمر نصر بن
حجاج1 لما خاف الفتنة به نفاه2 من المدينة إلى
البصرة, فكيف من عرف ذنبه, ويمنعه العزب
السكنى بين متأهلين وعكسه, وأن امرأة تجمع بين
الرجال والنساء شر منهم, وهو القوادة, فيفعل
ولي الأمر المصلحة. وقال أيضا: إنما العقوبة
على ذنب ثابت.
أما المنع والاحتراز فيكون للتهمة, لمنع3 عمر
اجتماع الصبيان بمتهم بالفاحشة4. وفي الفنون:
للسلطان سلوك السياسة, وهو الحزم عندنا, ولا
تقف السياسة على ما نطق به الشرع, إذ الخلفاء
الراشدون رضي الله عنهم قد قتلوا ومثلوا
وحرقوا المصاحف5, ونفى عمر نصر بن حجاج خوف
فتنة النساء1. قال شيخنا: مضمونه جواز العقوبة
ودفع المفسدة, وهذا من باب المصالح المرسلة,
قال: وقد سلك القاضي في الأحكام السلطانية
أوسع من هذا. قال: وقوله: الله أكبر عليك,
كالدعاء عليه وشتمه بغير فرية, نحو يا كلب,
فله قوله له أو تعزيره, ولو لعنه فهل له أن
يلعنه؟ ينبني على جواز لعنه المعين.
ومن لعن نصرانيا أدب أدبا خفيفا, لأنه ليس له
أن يلعنه بغير موجب إلا أن يكون صدر من
النصراني ما يقتضي ذلك, قال: والأربع التي من
كن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 هو نصر بن حجاج بن علاط السلمي انظر قصته في
طبقات الكبرى لابن سعد "3/285" والإصابة
"6/485 – 486".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في الأصل "كمنع" وفي "ر" "وكمنع".
4 لم نقف عليه.
5 انظر "مناهل العرفان" "1/253".
(10/119)
فيه كان منافقا
خالصا محرمة لحق الله لا قصاص فيهن. وفي
الصحيحين1 أن عمر قال يوم بيعة أبي بكر: قتل
الله سعدا. قال ابن الجوزي: إنما قال هذا لأن
سعدا أراد الولاية وما كان يصلح أن يتقدم أبا
بكر, قال: وقال الخطابي: أي احسبوه في عداد من
مات, لا تعتدوا بحضوره, قال:, ومن قال لمخاصمة
الناس تقرأ تاريخ آدم وظهر منه معرفتهم
بخطيئته عزر ولو كان صادقا. قال: ومن امتنع من
لفظة2 القطع متدينا عزر, لأنه بدعة, وكذا من
يمسك الحية ويدخل النار ونحوه. وقال فيمن فعل
كالكفار في عيدهم: اتفقوا على إنكاره, وأوجبوا
عقوبة من يفعله, قال: والتعزير على شيء دليل
على تحريمه. وقال فيمن غضب فقال: فما3 نحن
مسلمين: إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج
فيه ولا عقوبة.
ومن قال لذمي يا حاج عزر, لأن فيه تشبيه قاصد
الكنائس بقاصد بيت الله, وفيه تعظيم لذلك,
فإنه بمنزلة من يشبه4 أعيادهم بأعياد المسلمين
وتعظيمهم.
وكذا يعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد
حاجا, ومن سماه حجا أو جعل له مناسك فإنه ليس
لأحد أن يفعل في5 ذلك ما هو من خصائص
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 البخاري "6830" مسلم "1691" "15" من حديث
ابن عباس رضي الله عنه.
2 في "ط" "لفظه".
3 في "ر" "ما".
4 في "ط" "شبه".
5 ليست في الأصل.
(10/120)
حج البيت
العتيق وأنه منكر, وفاعله ضال.
ومن القصاص في الكلمة ما روى أحمد1: حدثنا أبو
النضر حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا أبو ربيعة2
بن كعب, أن أبا بكر قال له كلمة كرهها ربيعة
وندم "فقال": رد علي مثلها حتى يكون قصاصا,
فأبى ذلك3, وأنهما أخبرا النبي صلى الله عليه
وسلم فقال لربيعة "لا ترد عليه وقل غفر الله
لك يا أبا بكر" فقال: في سماع أبي عمران من
ربيعة نظر وخرج النبي صلى الله عليه وسلم على
أصحابه رضي الله عنهم في مرضه وقد عصب رأسه
فقال "من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد
منه, ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد
منه, ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي" وهو خبر
طويل رواه الترمذي في الشمائل وابن جرير
والعقيلي والطبراني والبيهقي وغيرهم3 من حديث
الفضل بن عباس وفيه ضعف4.
وعن أبي هريرة: أن رجلا شتم أبا بكر فلما أكثر
رد عليه بعض الشيء فقام النبي صلى الله عليه
وسلم وقال "كان ملك يكذبه فلما رددت عليه وقع
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في مسنده "16577".
2 كذا في النسخ وفي المسند أبو عمران الجوني
عن ربيعة الأسلمي.
3 ليست في الأصل.
4 أخرجه الترمذي في الشمائل "128" طرف قصة
خروجه متكئا ثم قال: وفي الحديث قصة وقال
المعلق على الكتاب عزت عبيد الدعاس وهي أنه
صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر بنداء
الناس وحمد الله وأثنى عليه والتمس من
المسلمين أن يطلبوا منه حقوقهم وستأتي هذه
القصة في باب وفاته عليه الصلاة والسلام اهـ
وقد أخرج الترمذي "379" في باب وفاته صلى الله
عليه وسلم القصة مطولة ولم أجد هذا اللفظ
فيها.
وأخرجه ابن جرير في التاريخ "3/189" والعقيلي
في الضعفاء "3/482 – 483" والطبراني في الكبير
"18/280" والبيهقي في دلائله "7/179" وفي سننه
"6/74" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية
"5/231".
(10/121)
الشيطان ولم
أكن لأجلس في مجلس يقع فيه" إسناده جيد, رواه
أحمد, وكذا أبو داود1, رواه أيضا عن ابن
المسيب مرسلا2, وقد3 روى هو وغيره4 أن زينب
لما سبت عائشة قال لها النبي صلى الله عليه
وسلم سبيها5 كذا رأيت بعضهم ذكره ولم أجده
وإنما لابن ماجه6: دونك فانتصري, فأقبلت عليها
حتى يبس ريقها في فيها ما ترد علي شيئا, فرأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه, وصدر
ابن الجوزي هذا المعنى في قوله: {وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]
عن مجاهد والسدي. وقاله ابن أبي نجيح والثوري,
وظاهر قول مقاتل وهشام بن حجر في الآية خلافه
وهو ظاهر قول الحنفية, لأنهم ذكروا: لو تشاتم
اثنان عزرا7, 8وصرحت به المالكية8 قالوا: لأنه
أذية وسب فلا يجوز. قال شيخنا: ومن دعي عليه
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أحمد "9624" أبو داود "4897".
2 أبو داود "4896".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 أبو داود في السنن "4896" والبخاري في
التاريخ "2/102" والبيهقي في الشعب "6669" وفي
الآداب "150".
5 أخرجه أبو داود "4898".
6 في سننه "1981".
7 في "ر" "عرا".
8 8 في "ط" "وصحت به المالي".
(10/122)
ظلما له أن
يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه, نحو:
أخزاك الله, أو لعنك الله, أو يشتمه1 بغير
فرية, نحو يا كلب يا خنزير, فله أن يقول له
مثل ذلك, لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ
بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ
مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41] فعلم أنه لا سبيل
إلا على الظالم للناس الباغي, وإذا كان له أن
يستعين بالمخلوق من وكيل وولي أمر وغيرهما
فاستعانته بخالقه أولى بالجواز.
قال الإمام أحمد: الدعاء قصاص ومن دعا على
ظالمه فما صبر يريد بذلك أن الداعي منتصر,
والانتصار وإن كان جائزا لكن قال تعالى:
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ
لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] وقوله
صلى الله عليه وسلم لعائشة لما دعت على السارق
"لا تسبخي" أي لا تخففي عنه2, ثم ذكر قصة أبي
بكر الأخيرة التي رواها أبو داود3, قال: وإذا
دعا عليه بما آلمه بقدر ألم ظلمه فهذا عدل.
وإن اعتدى في الدعاء كمن يدعو بالكفر على من
شتمه أو أخذ ماله فذلك سرف محرم. ومن حبس نقد
غيره عنه مدة ثم أداه إليه عزر, فإن لم يتعمد
الإثم فلا ضمان في الدنيا لأجل الربا, وهنا
يعطي الله عز وجل صاحب الحق من حسنات الآخر
تمام حقه, فإذا كان هذا الظالم لا يمكنه
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "شمته" والمثبت من "ط".
2 أخرجه أبو داود "1497".
3 تقدمت ص "121".
(10/123)
تعزيره فله أن
يدعو عليه بعقوبة بقدر مظلمته.
وإذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم لم يكن
له أن يفسد دينه, لكن له أن يدعو الله بما
يفسد به دينه مثل ما فعل به. وكذا لو افترى
عليه الكذب لم يكن له أن يفتري عليه الكذب.
لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه
الكذب نظير ما افتراه, وإن كان هذا الافتراء
محرما, لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم
يقبح منه ولا ظلم فيه, لأنه اعتدى بمثله, وأما
من العبد فقبيح ليس1 له فعله.
ومن هذا الباب قول موسى {رَبَّنَا إِنَّكَ
آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً
وَأَمْوَالاً} [يونس: 88] الآية, ودعا سعد على
الذي طعن في سيرته ودينه2, وذكر ابن الجوزي عن
بعضهم أن دعاء موسى بإذن قال: وهو قول صحيح,
لأنه سبب للانتقام3.
وذكر في مجلس الوزير ابن هبيرة مسألة4 فاتفق
الوزير والعلماء على شيء وخالفهم فقيه5 مالكي,
فقال الوزير: أحمار أنت؟ الكل يخالفونك وأنت
مصر, ثم قال الوزير: ليقل لي كما قلت له فما
أنا إلا كأحدكم, فضج المجلس بالبكاء. وجعل
المالكي يقول: أنا الأولى بالاعتذار, والوزير
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ر".
2 أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء "1/112"
وابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم
"1/367".
3 في "د" "الانتقام".
4 في "ط" "مثله".
5 في "ط" "فيه".
(10/124)
يقول: القصاص,
فقال يوسف الدمشقي الشافعي1 وقد تولى درس
النظامية: إذ2 أبى القصاص فالفداء. فقال
الوزير: له حكمه, فقال الرجل: نعمك علي كثيرة.
قال: لا بد, قال: علي دين مائة دينار. فقال
الوزير: يعطى مائة لإبراء ذمته, ومائة لإبراء
ذمتي. ذكره ابن الجوزي في تاريخه, فدل على
موافقته, وقد يؤخذ منه الصلح بمال على حق آدمي
كحد قذف وسب.
ولمسلم3 عن أبي هريرة مرفوعا "المستبان ما
قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم" وذكر في
شرح مسلم كقول شيخنا, وأنه لا خلاف في جوازه
وصح خبر عائشة أنها دعت على السارق فقال عليه
الصلاة والسلام: "لا تسبخي عنه" 4 أي لا تخففي
عنه5.
وفي الأحكام السلطانية: من قصد الجهر في صلاة
سر أو عكسه أو يزيد فيها أذكارا غير مسنونة
ونحوه, فللمحتسب تأديبه ولما طول معاذ الصلاة
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أفتان أنت
يا معاذ؟" 6 أي منفر عن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار
الدمشقي برع في الفقه والأصول والخلاف والجدل
ودرس بالنظامية "ت 563 هـ" السير "20/313".
2 في "ط" "إذا".
3 في صحيحه "2587" "68".
4 تقدم تخريجه ص "123".
5 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
6 البخاري "705" ومسلم "465" "178" من حديث
جابر بن عبد الله.
(10/125)
الدين, ففيه
إنكار المكروه, وهو محل وفاق, لكن في شرح مسلم
فيه التعزير على إطالتها إذا لم يرض
المأمومون1, والاكتفاء في التعزير بالكلام.
ومن استمنى بيده بلا حاجة2: عزر, وعنه: يكره
ذلك3 نقل ابن منصور: لا يعجبني بلا ضرورة. قال
مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم أن يستعفوا به.
وقال العلاء بن زياد: كانوا يفعلونه في
مغازيهم, وعنه: "يحرم مطلقا ولو خاف" ذكرها في
الفنون: وإن حنبليا نصرها, لأن الفرج مع4
إباحته بالعقد لم يبح بالضرورة, فهنا أولى,
وقد جعل الشارع الصوم بدلا من النكاح,
والاحتلام مزيلا لشدة الشبق مفترا5 للشهوة,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ر" "المأمون".
2 في "ط" "حجة".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ط" "ما".
5 في "ط" "مفتر".
(10/126)
ويجوز خوف زنا,
وعنه: يكره, والمرأة كرجل فتستعمل شيئا مثل
الذكر ويحتمل المنع وعدم القياس, ذكره ابن
عقيل.
ولو اضطر إلى جماع وليس من يباح وطؤها حرم
"و"1 والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في "ر".
(10/127)
باب السرقة
مدخل
...
باب السرقة
من سرق وهو مكلف مختار وعنه: أو مكره مالا
محترما عالما به وبتحريمه من مالكه أو نائبه,
نص عليه. وفي الانتصار ولو بكونه في يده ولم
يعلم أنه ملكه, والأصح ولو من غلة وقف وليس من
أهله, وقيل: ومن غاصبه وسارقه, نصابا من حرز
مثله المأذون فيه, وخرج به دخله أو لا, بلا
شبهة.
وتثبت1 بعدلين وصفاها, والأصح لا تسمع قبل
الدعوى, أو إقرار مرتين ووصفها, 2بخلاف
إقراره2 بالزنى3: فإن في اعتبار التفصيل
وجهين, قاله في الترغيب "م 1" بخلاف القذف
لحصول التعيين4, وجزم في عيون المسائل: يجب
استفسار الحاكم الشهود5 أنهم شاهدوا كالميل في
المكحلة والحبل في البئر, لأن الزنا يطلق على
ما لا يوجب الحد كالعين واليد, وعنه: في إقرار
عبد أربع مرات, نقله مهنا.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "إقرار مرتين ووصفها, بخلاف
إقراره بزنا فإن في اعتبار التفصيل وجهين قاله
في الترغيب" انتهى. "قلت": الإقرار بالزنا
أولى بالتفصيل من الإقرار بالسرقة, وقد وردت
السنة الصحيحة الصريحة بذلك6
ـــــــ
1 في "ر" "وثبتت".
2 2 في "ط" "بخلا فإقراره".
3 في "ر" و"ط" "بزنى".
4 في الأصل "التعيير".
5 بعدها في "ر" "و".
6 وذلك في قصة ماعز كما تقدم في "1/263" أخرجه
البخاري "6824"" عن ابن عباس رضي الله عنه
قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله
عليه وسلم قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو
نظرت" قال: لا يا رسول الله قال: "أنكحتها" ؟
لا يكنى قال: فعند ذلك أمر برجمعه.
(10/128)
لا يكون المتاع
عنده, نص عليه, وصدقه المقر له على سرقة نصاب.
وفي المغني1: أو قال فقدته, ومعناه في
الانتصار وطالبه هو أو وكيله, أو وليه بالسرقة
لا بالقطع, وعنه, أو لم يطالبه, اختاره أبو
بكر وشيخنا كإقراره بزنا بأمة غيره, وجب قطعه.
وفي الرعاية بعد ذكر الخلاف في طلبه: وإن قطع
بدونه أجزأ. ومن أقر بسرقة مال غائب أو شهدت
به بينة انتظر حضوره فيحبس, وقيل: لا, كإقراره
له بحق مطلق. قال في الترغيب: غايته أقر بدين
لغائب وليس2 للحاكم حبسه. قال في عيون
المسائل: لأنه لا يتعلق به حكم حاكم, بخلاف
السرقة, فإن للحاكم حقا في القطع فيحبس.
وإن كذب مدع نفسه سقط قطعه, وسواء كان ثمينا
ويسرع إليه الفساد, أصله الإباحة أو لا حتى
أحجار ولبن وخشب وملح, وفيه وجه, وفي تراب
وكلأ وسرجين طاهر, والأشهر3 وثلج, وقيل: وماء,
ـــــــ
"تنبيهان الأول" 4قوله: "وقيل وماء" انتهى.
هذا يدل على أنه قدم في الماء حكما وهو صحبح
وهو عدم القطع وهو الصحيح من المذهب4 قطع به
في المغني5
ـــــــ
1 "12/472".
2 في "ط" "وقبل"
3 في "ر" والأظهر".
4 4ليست في "ط".
5 "12/423".
(10/129)
وجهان "م 2 -
5". وفي الواضح1 في صيد مملوك محرز روايتان,
ـــــــ
والشرح2 وقالا: لا نعلم فيه خلافا, وقدمه في
المذهب وغيره واختاره أبو بكر وابن شاقلا
والناظم وغيرهم, وقال ابن عقيل يقطع وقدمه في
الرعايتين. وقطع به ابن هبيرة, قاله3 في
الصحيح المحرر, ويحتمله تقديم المصنف وأطلقهما
في المحرر والحاوي, وذكر المصنف كلامه في
الروضة.
مسألة 2 - 5" قوله: "وفي تراب وكلأ وسرجين
طاهر, والأشهر وثلج, وقيل: وماء وجهان" انتهى.
ذكر مسائل.
"المسألة الأولى 2" التراب هل يقطع بسرقته أم
لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المحرر والحاوي.
"أحدهما": يقطع, وهو الصحيح, وهو ظاهر كلام
كثير من الأصحاب, واختاره أبو إسحاق وابن
عقيل, وقدمه في الرعايتين, وقدمه ابن رزين في
التراب الذي يتداوى به كالأرمني وما يغسل أو
يصبغ به.
"والوجه الثاني": لا يقطع بسرقته, اختاره
الناظم, وقال الشيخ الموفق والشارح في التراب
الذي له قيمة كالأرمني والذي 4يعد للغسيل4 به:
يحتمل وجهين, انتهى.
"المسألة الثانية 3" : الكلأ هل يقطع بسرقته
أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في الإيضاح
والمذهب والمستوعب والمغني والمحرر والحاوي
والنظم.
ـــــــ
1 بعدها في "ر" "و".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/481".
3 في "ح" "قال".
4 4 في النسخ الخطية "بعد الغسل" والمثبت من
"ط".
(10/130)
نقل ابن منصور:
لا قطع في طير لإباحته أصلا. قال في الانتصار
والفصول: فيجيء عنه: لا1. وقال في الروضة: إن2
لم يتمول
ـــــــ
"أحدهما": يقطع, وهو الصحيح, وهو ظاهر كلام
كثير من الأصحاب واختاره أبو إسحاق وابن عقيل,
وقدمه في الرعايتين.
"والوجه الثاني" لا يقطع به, قال أبو بكر: لا
قطع بسرقة كلأ, وقدمه ابن رزين.
"المسألة الثالثة 4": السرجين الطاهر هل يقطع
بسرقته أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المحرر
والحاوي.
"أحدهما": يقطع, وهو الصحيح, وهو ظاهر كلام
كثير من الأصحاب واختاره أبو إسحاق وابن عقيل,
وقدمه في الرعايتين:
"والوجه الثاني": لا يقطع, اختاره الناظم,
وقطع به في المغني3 والكافي4 والشرح5 وشرح ابن
رزين وغيرهم وقدمه في المذهب وغيره ولعله
المذهب.
"المسألة الرابعة 5": الثلج, وفيه طريقان,
أصحهما أن فيه وجهين, وأطلقهما في المذهب.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 ليست في "ر".
3 "12/424".
4 "5/352".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/482".
(10/131)
عادة كماء وكلأ
محرز, فلا قطع في إحدى الروايتين. ويقطع بسرقة
عبد صغير ومجنون ونائم لا مكاتب ولا حر, وقيل:
بلى مع صغره أو جنونه فعلى الأولى إن كان عليه
حلي. وقال جماعة: ولم يعلم
ـــــــ
"أحدهما": يقطع بسرقته, وهو الصحيح, وهو ظاهر
ما قطع به في الرعاية الكبرى فإنه قال: وما
أصله الإباحة كغيره. وقال الشيخ في المغني1:
الأشبه أنه كالملح, انتهى. والصحيح من المذهب
أنه يقطع بسرقة الملح.
"والوجه الثاني": لا يقطع بسرقته, اختاره
القاضي.
الثاني" قوله: ويقطع بسرقة عبد صغير2 ومجنون
ونائم لا مكاتب ولا حر. وقيل: بلى مع صغره أو
جنونه, انتهى.
الصواب: أن هذا القول رواية عن أحمد ذكرها
الأصحاب, منهم صاحب المقنع3 والكافي4 والمغني5
والمحرر والبلغة والنظم والرعايتين وغيرهم.
ـــــــ
1 "12/423".
2 في "ص" "ضعيف".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/477".
4 "12/422".
5 "5/352".
(10/132)
به ففيه وفي أم
ولد وجهان "م 6, 7" وفي المغني1 والترغيب
وغيرهما: لا قطع بسرقة عبد مميز. وفي الكافي2:
ولا كبير أكرهه, وفيه في3 الترغيب وفي عبد
نائم وسكران وجهان.
وإن سرق إناء فيه خمر أو ماء ولم يقطع بماء,
أو صليبا أو صنم نقد لم يقطع, خلافا لأبي
الخطاب. ويقطع بإناء نقد أو دراهم بها تماثيل.
وقيل: ولم يقصد إنكارا, لا بآلة لهو وكتب بدع
وتصاوير ومحرم كخمر, وعنه: ولم يقصد سرقة4.
وفي الترغيب مثله في إناء نقد. وفي
ـــــــ
"مسألة 6 و 7" قوله: فعلى الأولى إن كان عليه
حلي, وقال جماعة ولم يعلم به وفي أم ولد وجهان
ذكر مسألتين:
"المسألة الأولى 6" إذا سرق حرا صغيرا وقلنا:
لا يقطع به وعليه حلي فهل يقطع به أم لا؟ أطلق
الخلاف وأطلقه في الهداية والمستوعب والخلاصة
والكافي5 والمقنع6 والهادي والمحرر والنظم
وشرح ابن منجى والرعايتين والحاوي الصغير
وغيرهم.
"أحدهما" لا يقطع, وهو الصحيح, اختاره الشيخ
الموفق والشارح, وقدمه ابن رزين
ـــــــ
1 "12/422 – 423".
2 "5/350".
3 ليست في "ط".
4 في "ر" "سرقته".
5 "5/350 – 351".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/480".
(10/133)
الفصول في
قضبان الخيزران ومخاد الجلود المعدة لتغيير1
الصوفية يحتمل, كآلة لهو ويحتمل القطع
وضمانها.
ونصابها ثلاثة دراهم خالصة2 ومغشوشة, قاله
شيخنا, أو ربع دينار أو ما قيمته, كأحدهما,
وعنه: كالدراهم, اختاره الأكثر 3الخرقي
والقاضي وأصحابه3. وفي المبهج أنه الصحيح في
المذهب, وعنه
ـــــــ
في شرحه, وقطع به في الفصول.
"والوجه الثاني" يقطع, قال في المذهب: قطع, في
أصح الوجهين, وصححه في التصحيح وتصحيح المحرر,
وجزم به في الوجيز, واختاره أبو الخطاب في
رءوس المسائل, وابن عبدوس في تذكرته.
"المسألة الثانية 7" هل يقطع بسرقة أم الولد
أم لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المغني4
والكافي5 والشرح6, قال في الرعاية: وإن سرق أم
ولد مجنونة7 أو نائمة قطع, وإن سرقها كرها
فوجهان.
"أحدهما" لا يقطع, قدمه ابن رزين في شرحه, وهو
الصواب, لأنه لا يحل بيعها ولا نقل الملك
فيها, فأشبهت الحرة.
ـــــــ
1 في "ط" "التعيير" والمغبرة قوم يغبرون بذكر
الله أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها
القاموس "غبر".
2 في "ط" "خاصة".
3 3 ليست في الأصل.
4 "12/422 – 423".
5 "5/350 -351".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/478".
7 في "ط" "مجنة".
(10/134)
ثلاثة دراهم أو
قيمتها, وفي تكميله بضم من1 النقدين وجهان "م
8".
ويكفي تبر في المنصوص. وتعتبر قيمة النصاب حال
إخراجه من حرز, فلو أتلفه فيه بأكل أو غيره أو
ذبح فيه كبشا قيمته نصاب فنقصت قيمته أو قلنا
هو ميتة لم يقطع ولو نقصت بعد إخراجه قطع.
وكذا لو ملكه سارقه عند أبي بكر وغيره, وجزم
به جماعة وابن هبيرة عن أحمد. وفي الخرقي
والإيضاح والمغني2: يسقط قبل الترافع "م 9"
ـــــــ
"والوجه الثاني" يقطع لأنها مملوكة تضمن
بالقيمة, فأشبهت القن.
مسألة 8" قوله "وفي تكميله بضم من النقدين
وجهان" انتهى. وأطلقهما في المحرر والنظم
والحاوي الصغير وغيرهم.
"أحدهما" يكمل النصاب بضم أحد النقدين إلى
الآخر إن جعلا أصلين, قدمه في الرعايتين,
وصححه في تصحيح المحرر. "قلت" وهو الصواب.
"والوجه الثاني" لا يضم قال شارح المحرر: أصل
الخلاف الخلاف في الضم في الزكاة, انتهى.
"قلت" الذي يظهر أنه يقطع هنا بالضم وإن لم
نقل به في الزكاة, والله أعلم.
مسألة 9" قوله: "وكذا لو ملكه سارقه عند أبي
بكر وغيره وجزم به3 جماعة وابن هبيرة عن أحمد.
وفي الخرقي والإيضاح والمغني2: يسقط قبل
الترافع" انتهى. يعني لو ملكه بعد إخراجه من
الحرز وقبل الترافع هل يمتنع القطع أم لا.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 "12/452".
3 بعدها في "ط" "في".
(10/135)
قال الإمام
أحمد: إذا رفع إليه لم يبق لرافعه عفو, وظاهر
الواضح وغيره: قبل الحكم, قال أحمد: تدرأ
الحدود بالشبهات. فإذا صار إلى السلطان وصح
عنده1 الأمر بالبينة أو الاعتراف وجب عليه
إقامته عند ذلك.
ـــــــ
"أحدهما" يمتنع القطع ويسقط قبل الترافع, 2وهو
الصحيح2, جزم به في الإيضاح والعمدة والنظم,
وشرح ابن رزين والمغني3 و4الشرح5 فقالا: يسقط
قبل الترافع إلى الحاكم والمطالبة به عنده,
وقالا: لا نعلم فيه خلافا, وهو ظاهر كلام ابن
منجى في شرحه وظاهر كلامه في الهداية والكافي6
والمقنع7 والمحرر وغيرهم, واختاره ابن عقيل.
"والوجه الثاني" لا يسقط القطع, جزم به جماعة,
وذكره ابن هبيرة عن أحمد, قال المصنف7: هو
ظاهر كلامه في البلغة والرعاية الصغرى وتذكرة
ابن عبدوس وغيرهم, واختاره أبو بكر وغيره.
"تنبيه" قوله المصنف: "وفي الخرقي والإيضاح
والمغني يسقط قبل الترافع", انتهى.
ليس كما قال عن الخرقي فإن كلامه كغيره فإنه
قال: ويقطع السارق وإن وهبت له السرقة بعد
إخراجه, بل ظاهر كلامه القطع, سواء كان قبل
الترافع أو بعده, وأما
ـــــــ
1 في "ر" "عنه".
2 2ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 "12/452".
4 ليست في "ط".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/498".
6 "5/363".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/496"
وينظر كلام صاحب الإنصاف وما نقله عن ابن منجا
"26/497".
(10/136)
ويشفع الرجل في
حد دون السلطان, ويستر على أخيه ولا يرفع عنه
الشفاعة, فلعل الله عز وجل يتوب عليه.
وإن سرق فرد خف قيمة كل منهما منفردا درهمان
ومعا عشرة غرم ثمانية, المتلف ونقص التفرقة,
وقيل: درهمين ولا قطع, وكذا جزءا من كتاب,
ذكره في التبصرة ونظائره, وضمان ما في وثيقة
أتلفها إن تعذر يتوجه تخريجه عليهما.
ويقطع بسرقته منديلا بطرفه دينار مشدود يعلمه,
وقيل: أو يجهله, صححه في المذهب, كجهله قيمته.
ويقطع سارق نصاب1 لجماعة, على الأصح.
وإن اشترك جماعة في نصاب قطعوا مطلقا, وعنه:
يقطع من أخرج
ـــــــ
صاحب الإيضاح فإن مفهوم كلامه فيه كما قال
المصنف: فإنه قال: وإذا وهب له العين المسروقة
نظر فيه فإن كان بعد أن بلغ الإمام لم يسقط
عنه القطع, فلم يصرح بما قال وإنما هو من
مفهومه.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
(10/137)
نصابا اختاره
الشيخ, وقيل: إن لم يقطع بعضهم لشبهة أو غيرها
فلا قطع وإن هتكا حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما
المال أو دخل أحدهما فقربه من النقب 1وأدخل
الآخر يده فأخرجه قطعا, وكذا إن وضعه وسط
النقب1 فأخذه الخارج, وفيه في الترغيب وجهان,
وإن رماه الداخل خارجا أو ناوله فأخذه الآخر
أولا, أو أعاده فيه أحدهما قطع الداخل وفي
الترغيب وجه: هما, وإن نقب أحدهما ودخل الآخر
فأخرجه, فإن تواطآ ففي قطعهما وجهان وإلا فلا
قطع "م 10".
ـــــــ
1 1 ليست في "ر".
(10/138)
فصل: من دخل حرزا فبلع 2جوهرة وخرج
فقيل: يقطع, وقيل: إن
ـــــــ
مسألة 10" قوله "وإن نقب أحدهما ودخل الآخر
فأخرجه فإن تواطآ ففي قطعهما وجهان وإلا فلا"
انتهى.
"أحدهما" لا قطع, وهو الصحيح, على ما
اصطلحناه, قال ابن منجى في شرحه: هذا المذهب,
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي3 والمقنع4 والشرح4 والرعايتين والحاوي
الصغير وغيرهم.
"الوجه الثاني" يقطع, جزم به في5 الوجيز
والمنور, وقدمه في المحرر وغيره, وصححه في
النظم وغيره, وهو الصواب.
ـــــــ
2 في "ط" "فبلغ".
3 "5/363".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/506".
5 ليست في "ط".
(10/138)
خرجت, وقيل: لا
"م 11" ويقطع إن 1رمى به1 خارجا أو جذبه بشيء,
وكذا إن أمر آدميا غير مكلف بإخراجه أو تركه
على دابة, وقيل: وساقها أو ماء جار, وقيل:
راكد فانفتح فأخرجوه أو2 على جدار فأخرجته
ريح, أو استتبع سخل شاة, وقيل: أو تبعها.
والأصح: أو تطيب
ـــــــ
مسألة 11 " قوله: "ومن دخل حرزا فبلع جوهرة
فقيل: يقطع, وقيل: إن خرجت, وقيل: لا", انتهى.
وأطلقهما الزركشي.
"أحدهما" يقطع مطلقا, وهو الصحيح, جزم به في
الهداية والمذهب والمستوعب والمقنع3 والوجيز
وغيرهم, وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين
والحاوي الصغير وشرح ابن منجى وغيرهم.
"والوجه الثاني" لا يقطع مطلقا, وأطلقهما في
المغني4 والشرح3.
"والوجه الثالث" إن خرجت قطع وإلا فلا, لأنه
أتلفه في الحرز, واختاره الشيخ الموفق والشارح
وابن عبدوس في تذكرته. "قلت" إتلافه في الحرز
غير متحقق, بل فعل فيه ما هو سبب في الإتلاف
إن وجد, والظاهر أنها لا تتلف في تلك الساعة,
قال الشيخ الموفق والشارح: فإن لم تخرج فلا
قطع عليه, وإن خرجت فوجهان, وقال ابن رزين: إن
لم تخرج فلا قطع, وإن خرجت فقدم أنه يقطع, كما
تقدم.
ـــــــ
1 1 في "ر" "رماه".
2 ليست في "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/509 –
910".
4 "12/436".
(10/139)
1فيه وخرج
ريح2. والأصح1: ولو اجتمع بلغ نصابا, أو هتك
الحرز وأخذ المال وقتا آخر, أو أخذ بعضه ثم
أخذ بقيته وقرب ما بينهما, وقيل: أو بعد. قدمه
في الترغيب. قال: وإن علم المالك به وأهمله
فلا قطع هنا3. قال القاضي: قياس قول أصحابنا
يبني فعله كما يبني على فعل غيره, واختاره في
الانتصار إن عاد4 غدا ولم يكن رد الحرز فأخذ
بقيته, سلمه القاضي لكون سرقته الثانية من غير
حرز.
ولو أخرج بعض ثوب قيمته نصاب قطع إن قطعه,
وإلا فلا. ولو فتح أسفل كوارة5 فخرج العسل
شيئا فشيئا قطع, ولو علم قردا السرقة فالغرم
فقط, ذكره أبو الوفاء وابن الزاغوني. وإن
أخرجه إلى
ـــــــ
"تنبيه" يحتمل أن الخلاف المطلق في كونه يقطع
مطلقا أو لا يقطع مطلقا, وأما القول بالقطع
إذا خرجت وعدمه إن لم تخرج فهو مفزع على القول
بالقطع, وقدم القطع مطلقا بالنسبة إلى
التفرقة, ويحتمل أن الخلاف المطلق في الأقوال
الثلاثة وهو ظاهر عبارته.
ـــــــ
1 1ليست في الأصل.
2 ليست في "ط".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ط" "عبد".
5 قال في المطلع "228" الكوارات: بضم الكاف
جمع كوارة وهي ما عسل فيها النحل وهي الخلية
أيضا وقيل: الكوارة من الطين والخلية من
الخشب.
(10/140)
ساحة دار من
بيت مغلق منها قطع. وعنه: إن كان بابها مغلقا
فلا. وفي الترغيب: إن فتح بابها فوجهان.
وحرز المال ما حفظ فيه عادة, ويختلف باختلاف
المال والبلد وعدل السلطان وقوته وضدهما. فحرز
نقد وجوهر وقماش في العمران في دار ودكان وراء
غلق وثيق. وفي الترغيب وغيره: في قماش غليظ
وراء غلق. وفي تفسير ابن الجوزي: ما جعل
للسكنى وحفظ المتاع كالدور والخيام حرز, سواء
سرق من ذلك وهو مفتوح الباب أو لا باب له إلا
أنه محجر للبناء1.
والصندوق بسوق حرز وثم حارس, وقيل: أو لا.
وحرز بقل وقدور باقلا وطبيخ وخزف وثم الحارس2
وراء الشرائح3.
وحرز خشب وحطب الحظائر4. وفي التبصرة: حرز حطب
تعبيته وربطه بالحبال وكذا ذكره أبو محمد
الجوزي. والسفن في الشط بربطها. والماشية
الصير5, وفي المرعى براع يراها غالبا وإبل
باركة معقولة بحافظ حتى نائم, وحمولتها بسائق
يراها أو بتقطيرها وقائد يراها, وفي الترغيب:
بقائد يكثر التفاته ويراها إذن إلا الأول
6محرز بقوده6,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "للبناء".
2 في "ط" "الحارث".
3 في "ط" "الشرائع".
4 الحظائر: جمع حظيرة وهي: ما أحاط بالشيء
وتكون من قصب وخشب اللسان "حظر".
5 الصير: جمع صيرة وهي: حظير الغنم المصباح
"صير".
6 6 في "ر" "فإنه بحرز يقوده".
(10/141)
والحافظ الراكب
فيما وراءه كقائد.
والبيوت بالصحراء والبساتين بملاحظ, فإن كانت
مغلقة أبوابها فبنائم, وكذا خيمة وخركاه1
ونحوهما, قال ابن عقيل: هذا من أصحابنا محمول
على أنه نائم على الرحل, وإلا بملاحظ, واختاره
في الترغيب. وحرز ثياب في حمام وأعدال وغزل في
سوق أو خان وما كان مشتركا في الدخول إليه
بحافظ, كقعوده على المتاع. وعنه: لا, اختاره
الشيخ.
وإن فرط في الحفظ فنام أو اشتغل فلا قطع.
ويضمن. وفي الترغيب: إن استحفظه ربه صريحا,
وفيه: و2لا تبطل الملاحظة بفترات وإعراض يسير,
بل بتركه وراءه.
وحرز كفن في قبر بميت, فلو نبشه وأخذ كفنا
مشروعا قطع على الأصح. وفي الواضح من مقبرة
مصونة بقرب البلد, ولم يقل في التبصرة:
"مصونة", وفي كونه ملكا له أو لوارثه فيه
وجهان "م 12"
ـــــــ
مسألة 12 " قوله: "وفي كونه ملكا له أو لوارثه
فيه وجهان" انتهى, يعني به الكفن إذا سرق.
"أحدهما": هو ملك للميت, وهو الصحيح. جزم به
في المغني3 والشرح4, والفائق في الجنائز فقال:
لو كفن فعدم5 الميت فالكفن باق على ملكه تقضى
منه
ـــــــ
1 هي الخيمة الكبيرو وتطلق على سرادق الملوك
والوزراء الألفاظ الفارسية المعربة ص "53 –
54".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 "12/455".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/524".
5 في "ط" "فقدم".
(10/142)
وعليهما: هو
خصمه, وقيل: نائب إمام1 كعدمه, ولو كفنه
أجنبي, وقيل: هو. وقال أبو المعالي: وقيل: لما
لم يكن الميت أهلا للملك ووارثه لا يملك
إبداله والتصرف فيه إذا لم يخلف غيره أو عينه
بوصية تعين كونه حقا لله. 2وفي الانتصار2:
وثوب رابع وخامس مثله, كطيب, وفيه في الترغيب:
ورابع وخامس وجهان.
وحرز باب تركيبه في موضعه وقيل: لا يقطع مسلم
بسرقة3 باب4 مسجد كحصره ونحوها, في الأصح,
وتأزيره وجداره وسقفه كبابه, ويقطع به من
آدمي, وبحلقة باب داره. وفي الترغيب: حرز باب
بيت أو خزانة بغلقه أو غلق5 باب الدار عليه,
وفي ستارة الكعبة الخارجة المخيطة روايتان,
وظاهر المذهب: لا, قاله ابن الجوزي "م 13" وإن
نام
ـــــــ
ديونه, انتهى.
"والوجه الثاني": هو ملك للورثة, قال في
الرعاية الكبرى: وإذا أكله ضبع فكفنه إرث,
وقاله ابن تميم أيضا انتهى3, وتظهر فائدته في
قضاء دينه منه وزيادة الثلث في الوصية. وقال
ابن تميم وصاحب الحاويين: لو تبرع به أجنبي ثم
أكل الميت كان للأجنبي دون الورثة, وقطعا
بذلك.
"مسألة 13" قوله: "وفي ستارة الكعبة الخارجة
المخيطة روايتان, وظاهر المذهب: لا, قاله ابن
الجوزي" انتهى. وأطلقهما في الخلاصة.
"إحداهما": لا يقطع, وهو الصحيح, قال ابن
الجوزي في المذهب
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 2ليست في الأصل.
3 ليست في "ط".
4 في "ط" "بباب".
5 في "ط" "غلب".
(10/143)
على ردائه في
مسجد وغيره أو على مجر1 فرسه ولم يزل عنه أو
نعله في رجله قطع سارقه. وفي الترغيب: لو سرق
مركوبه من تحته فلا قطع, وفي الرعاية احتمال,
وإن سرقه بمالكه ومعه نصاب فالوجهان, وعند أبي
بكر: ما كان حرزا لمال فهو حرز لآخر, وحمله
أبو الخطاب على قوة سلطان2 وعدله.
ـــــــ
1 المجر كمرد: الجائز توضع عليه أطراف العوارض
القاموس "جرر".
2 في "ر" و"ط" "سلطان".
(10/144)
فصل: ويقطع كل قريب بسرقة مال قريبه إلا عمودي
نسبه,
وعنه إلا أبويه وإن علوا, وقيل: إلا ذي رحم
محرم, وظاهر الواضح قطع غير أب. ولا قطع بسرقة
عبد3 من سيده, نص عليه وسرقة سيد من مكاتبه,
فإن ملك وفاء فيتوجه الخلاف, وفي الانتصار,
فيمن وارثه حر: يقطع ولا يقتل به. ومن مال
مشترك له كبيت المال, نص عليه, قال: لأن له
فيه4 حقا. وغنيمة لم تخمس أو لأحد ممن لا يقطع
بسرقته منه, كغنيمة
ـــــــ
ومسبوك الذهب لا يقطع بسرقتها في ظاهر المذهب,
وجزم به في الوجيز وغيره, وقدمه في المغني5
والكافي6 والمحرر والنظم والشرح7 وغيرهم.
"والرواية الثانية": يقطع اختاره القاضي, وجزم
به في المنور, وقدمه في
ـــــــ
3 ليست في الأصل و"ط".
4 ليست في "ر".
5 "12/432".
6 "5/355".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/529".
(10/144)
مخمسة. وفي
المحرر: يقطع عبد مسلم بسرقته1 من بيت المال,
نص عليه, ومثله سرقة عبد والد وولد ونحوهما.
قال أحمد فيمن سرق من امرأة سيده وهو يدخل
عليهم ولم يحرزوه عنه: لم يقطع. ولا يقطع أحد
الزوجين بسرقته من ماله المحرز عنه, اختاره
الأكثر كمنعه نفقتها فتأخذها, قاله في الترغيب
وغيره وفي المغني2 وغيره: أو أكثر. وعنه: بلى,
كحرز منفرد3, قاله في التبصرة, كضيفه وصديقه
وعبده من امرأته من مال محرز عنه ولم يمنع
الضيف قراه, حمل إطلاق أحمد: لا قطع على ضيف,
على ما تقدم.
ويقطع مسلم بسرقة مال ذمي ومستأمن, وهما بسرقة
ماله كقود وحد قذف, نص عليهما, وضمان متلف.
وقيل: لا يقطع مستأمن, كحد خمر وزنى, نص عليه,
بغير مسلمة, وسوى في المنتخب بينهما في عدم
القطع, 4ويقطع كل منهما 5بسرقة بمال5 الآخر4.
ومن سرق نصابا وادعاه له أو بعضه لم يقطع,
الأكثر. وعنه: بلى, بيمينه. وعنه: يقطع معروف
بسرقة, اختاره6 في الترغيب, وكذا دعواه إذنه
في دخوله, وفي المحرر: يقطع. نقل ابن منصور:
لو
ـــــــ
الرعايتين والحاوي الصغير.
ـــــــ
1 في "ط" "بسرقة".
2 "12/461".
3 في "ط" "منفرد".
4 4 ليست في الأصل.
5 5 في "ط" "بمال".
6 ليست في "ط".
(10/145)
شهد عليه,
فقال: أمرني رب الدار أن أخرجه, لم يقبل منه,
ويتوجه مثله في1 حد زنا, وذكر القاضي وغيره:
لا2 يحد.
ومن سرق أو غصب ماله فسرق مالهما مع ماله من
حرز واحد لم يقطع, وقيل: بلى, إن تميز, وإن
سرق مالهما من حرز آخر وممن له عليه دين قطع,
وقيل: ولو أخذ قدر حقه لعجزه.
ومن سرق عينا فقطع ثم سرقها أو آجر أو أعار
داره فسرق منها مال مستأجر أو مستعير قطع. وفي
الترغيب احتمال إن قصد بدخوله الرجوع, قال في
الفنون: له الرجوع بقول لا بسرقة, على أنه
يبطل بما إذا أعاره ثوبا وسرق3 ضمنه شيئا, ولا
فرق.
ـــــــ
1 ليست في النسخ.
2 في "ط" "لم".
3 في "ط" "سرقه".
(10/146)
فصل: وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل
كفه.
...
فصل: وإذا وجب4 القطع قطعت يده اليمنى من مفصل
كفه.
ويجب, ذكر الشيخ: يستحب حسمها بغمسها في زيت
مغلي. قال أحمد: قطع النبي صلى الله عليه وسلم
وأمر به فحسم5, وهو وأجرة قاطع من ماله, وقيل:
من بيت المال.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
4 في الأصل "أوجب".
5 أخرجه الدارقطني في سننه "3/101" والبيهقي
في السنن الكبرى "8/271" عن ابي هريرة.
(10/146)
ويستحب تعليق
يده في عنقه, زاد في البلغة والرعاية: ثلاثة
أيام إن رآه إمام.
وإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه يترك
عقبه, نص عليه, وحسمت, فإن عاد فعنه: يجب قطع
يده اليسرى في الثالثة, ورجله اليمنى في
الرابعة, ولا تقريع فيقطع الكل مطلقا.
والمذهب: يحرم قطعه, فيحبس1 حتى يتوب, كالمرة
الخامسة. وفي الإيضاح: يعذب. وفي التبصرة: أو
يغرب, وفي البلغة: يعزر ويحبس حتى يتوب. وأما
ما رواه مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير
عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: جيء بسارق
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقتلوه"
فقالوا: إنما سرق, فقال: "اقطعوه" , ثم جيء به
ثانية فأمر بقتله فقالوا: إنما سرق فقال:
"اقطعوه" , ثم جيء به ثالثة فأمر بقتله
فقالوا: إنما سرق فقال "اقطعوه" , ثم جيء به
رابعة فقال اقتلوه فقالوا: إنما سرق فقال
"اقطعوه" , فأتى به في الخامسة فأمر بقتله
فقتلوه.
فقال أحمد وابن معين: مصعب ضعيف, زاد أحمد: لم
أر الناس يحمدون حديثه. وقال أبو حاتم: لا
يحتج به, روى حديثه أبو داود والنسائي2 وقال:
حديث منكر ومصعب ليس بالقوي, وقيل هو حسن,
وقتله لمصلحة اقتضته, وقال أبو مصعب المالكي:
يقتل السارق
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "فيحبس".
2 أخرجه أبو داود "4410" والنسائي في المجتبى
"8/90 – 91".
(10/147)
في الخامسة,
وقياس قول شيخنا إنه كالشارب في الرابعة يقتل
عنده إذا لم ينته بدونه.
فلو سرق ويمينه أو رجله اليسرى ذاهبة قطع
الباقي منهما, ولو كان الذاهب يده اليسرى
ورجله اليمنى لم يقطع لتعطيل منفعة الجنس
وذهاب عضوين من شق, ولو كان يده اليسرى أو
يديه ففي قطع رجله اليسرى وجهان بناء على
العلتين "م 14" ولو كان رجليه أو يمناهما قطعت
يمنى يديه, في الأصح.
ومن سرق وله يد يمنى فذهبت هي أو يسرى يديه
فقط, أو مع رجليه, أو إحداهما, فلا قطع, لتعلق
القطع بها, لوجودها, كجناية تعلقت برقبته
ـــــــ
مسألة 14" قوله: "فلو سرق ويمينه أو رجله
اليسرى ذاهبة قطع الباقي منهما, لو كان الذاهب
يده اليسرى ورجله اليمنى لم يقطع لتعطيل منفعة
الجنس وذهاب عضوين من شق, ولو كان يده اليسرى
أو يديه ففي قطع رجله اليسرى وجهان بناء على
العلتين" انتهى.
"أحدهما" لا قطع, وهو الصحيح, قال في المغني1
والشارح: فيه وجهان أصحهما لا يجب القطع, لأنه
لم يجب بالسرقة وسقوط القطع عن يمينه لا يقتضي
قطع رجله, كما لو كان المقطوع يمينه.
"والوجه الثاني": يقطع لأنه تعذر2 قطع يمينه3
فقطعت رجله, كما لو كانت
ـــــــ
1 "12/448".
2 ليست في "ط".
3 في "ط" "بيمينه".
(10/148)
فمات; وإن ذهبت
رجلاه أو يمناهما فقيل: يقطع, كذهاب يسراهما
وقيل: لا, لذهاب منفعة المشي "م 15"
ـــــــ
اليسرى مقطوعة.
"مسألة 15" قوله: ومن سرق وله يد يمنى فذهبت
هي أو يسرى يديه فقط أو مع رجليه أو إحداهما
فلا قطع, لتعلق القطع بها, لوجودها, كجناية
تعلقت برقبته فمات. وإن ذهبت رجلاه أو يمناهما
فقيل يقطع, كذهاب يسراهما, وقيل: لا,
(10/149)
........................................
ـــــــ
لذهاب منفعة المشي" انتهى. 1وقال في الرعاية
فإن كان أقطع الرجلين أو يمناهما فقط قطعت
يمنى يديه عليهما يعني على الروايتين وقيل: بل
على الثانية انتهى فقدم القطع1 2وأطلقهما في
المحرر
"إحداهما": يقطع, وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية
الصغرى والحاوي الصغير2 وهو الصواب, وهو ظاهر
ما قواه الشيخ في بحثه في المغني3 وتبعه
الشارح.
"والقول الثاني": لا يقطع لما علله به, قال4
الشيخ في المغني3: وإن كانت يداه صحيحتين
ورجله اليمنى شلاء أو مقطوعة فلا أعلم فيها
قولا لأصحابنا ويحتمل وجهين.
"أحدهما" تقطع يمينه, لأنه سارق له يمنى فقطعت
عملا بالكتاب والسنة, ولأنه سارق له يدان,
5فتقطع يمناه كما لو كانت المقطوع رجله.
والثاني: لا يقطع منه شيء5 لأن قطع يمناه يذهب
منفعة المشي من الرجلين. انتهى.
ـــــــ
1 1 ليست في "ص" و"ط".
2 2 ليست في "ح".
3 "12/448".
4 ليست في "ص".
5 5 ليست في "ط".
(10/150)
والشلاء
كمعدومة في رواية وفي أخرى كسالمة إن أمن تلفه
بقطعها وكذا ما ذهب معظم نفعها كالأصابع فإن
ذهبت خنصر و1
ـــــــ
"تنبيه" قوله: "في القول الثاني, لذهاب منفعة
المشي", كذا في النسخ, ولعله لذهاب منفعة
الشق, لأن ذهاب منفعة المشي لا تعلق له بقطع
اليد. وكلام المصنف فيه, والظاهر أنه تابع
الشيخ في المغني, فإنه علله بذلك, كما تقدم,
ويكون وجهه إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى
مقطوعة يضعف مشيه, لأن اليد اليمنى تعين على
المشي بالاتكاء عليها وغيره, والله أعلم.
"مسألة 16" قوله: "والشلاء كمعدومة في رواية,
وفي أخرى كسالمة", انتهى. وأطلقهما في المغني2
والمحرر والشرح3 والحاوي الصغير.
"وإحداهما": هي كمعدومة, فلا تقطع, وتقطع
رجله, قدمه في الكافي4 وقال: نص عليه, والناظم
وابن رزين في شرحه, وهو الصواب.
"والرواية الثانية": هي كسالمة, فيجزئ قطعهما
مع أمن تلفه, قطع به في المنور وصححه في
الرعايتين.
"مسألة 17" قوله: "وكذا ما ذهب معظم نفعها
كالأصابع" يعني هل يجزئ قطعها أم ينتقل5, أطلق
الخلاف, وقد علمت ذلك في التي قبلها, ومن صحح
وقدم, وهذه كذلك.
ـــــــ
1 في "ط" "أو".
2 "12/448".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/586".
4 "5/369".
5 في "ط" "يقتل".
(10/151)
بنصر أو واحدة
سواهما وقيل: الإبهام فقط فوجهان "م 18".
وإن وجب قطع يمينه فقطع قاطع يساره بلا إذنه
عمدا فالقود, وإلا الدية, واختار1 الشيخ يجزئ
ولا ضمان, وهو احتمال في الانتصار. وأنه يحتمل
تضمينه نصف دية, وذكر بعضهم إن قطع دهشة أو
ظنها تجزئ كفت ولا ضمان.
ويجتمع القطع والضمان, نقله الجماعة, وفي
الانتصار: يحتمل لا غرم لهتك حرز وتخريبه.
ويقطع على الأصح الطرار الذي يبط جيبا أو كما
وغيره ويأخذ منه, وعلى الأصح: أو بعد سقوطه
نصابا مع أن ذلك حرز. وقال ابن عقيل: على
الأصح, وبنى في الترغيب القطع على الروايتين
في كونه حرزا.
ـــــــ
"مسألة 18" قوله: "فإن ذهب خنصر و2 بنصر أو
واحدة سواهما, وقيل: الإبهام فقط فوجهان",
انتهى.
"أحدهما": 3هي كالمعدومة.
"والوجه الثاني": هي كالصحيحة, وهو الصحيح,
قطع به في المغني4 والشرح5 وشرح ابن رزين
وغيرهم, وهو ظاهر وما قطع به في المحرر3
ـــــــ
1 في "ط" "واختاره".
2 في "ط" "أو".
3 3 في "ح" "يجزئ قطعها وهو الصحبح وبه قطع في
المغني والشرح وصححه في النظم والوجه الثاني:
لا يجزئ.
4 "12/444".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/576".
(10/152)
ويقطع جاحد
عارية1, نقله واختاره الجماعة, وعنه: لا,
اختاره الخرقي وابن شاقلا وأبو الخطاب والشيخ
وغيرهم, كوديعة, ومنتهب ومختلس وغاصب ومن سرق
ثمرا2 أو كثرا أو ماشية من غير حرز أضعفت
القيمة, اختاره الأكثر وعنه: وغيرهما, اختاره
شيخنا, وقيل: يختص التمر3 والكثر4.
ـــــــ
5والرعايتين والحاوي وغيرهم, وصححه في النظم.
"تنبيه" ذهب صاحب المحرر والرعايتين والحاوي
وجماعة إلى أن ذهاب الإبهام كذهاب أصبعين,
وذهب صاحب المغني6 والشرح7 وابن رزين وغيرهم
إلى أنها كأصبع, وهو الصواب, وهو ظاهر ما قدمه
المصنف, والذي يظهر أن في كلامه نقصا وهو لفظه
"إلا" وتقديره: وقيل إلا الإبهام, يعني أنها
ليست محلا للخلاف المطلق على هذه الطريقة, وهي
طريقته في المحرر وغيره5.
ـــــــ
1 في "ط" "العارية".
2 في "ط" "تمرا".
3 في "ط" "التمر".
4 الكثر بفتحتين الجمار ويقال: الطلع وسكون
الثاء لغة.
5 5 في "ح" "يجزئ قطعها وهو الصحيح وبه قطع في
المغني والشرح وصححه في النظم والوجه الثاني:
لا يجزئ.
6 "12/444".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/576".
(10/153)
وفي الأحكام
السلطانية: وكذا دون نصاب من حرز. سأله ابن
هانئ عمن يعفى عنه حد في سرقة؟ قال: أذهب إلى
حديث عمرو1 إذا درئ عنه شيء منه أضعفت عليه
الغرم. قال الإمام أحمد: لا بأس بتلقينه
الإنكار, وأطلق أنه لا قطع عام مجاعة غلاء,
وأنه يروي عن عمر2, قال جماعة: ما لم يبذل له
ولو بثمن غال, وفي الترغيب: ما يحيي به نفسه.
ـــــــ
3فهذه ثماني عشرة مسألة في هذا الباب3
ـــــــ
1 في "ط" "عمر" والحديث أخرجه أبو داود "4390"
والنسائي في المجتبى "8/85" وابن ماجه "2596"
ولفظه: "ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين
وبلغ ثمن مجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك
فعليه غرامة مثليه والعقوبة.
2 أخرجه عبد الرزاق "18990".
3 3 ليست في "ط".
(10/154)
باب حد قاطع الطريق
مدخل
...
باب حد1 قاطع الطريق
وهو كل مكلف ملتزم, ليخرج الحربي, ولو أنثى,
يعرض للناس بسلاح, والأصح وعصى وحجر. وفي
البلغة وغيرها وجه: ويد, فيغصبه المال مجاهرة,
اختاره الأكثر, وقيل: في صحراء, وقيل: ومصر إن
لم يغث.
ويعتبر ثبوته ببينة أو إقرار مرتين كسرقة,
ذكره القاضي وغيره, والحرز والنصاب. وفي
المستوعب وغيره: في سقوطه بشبهة كسرقة وجهان,
فمن قدر عليه ولم يقتل ولا أخذ مالا نفي حتى
تظهر توبته, وقيل: عاما فلا يأوي ببلد, وعنه:
يعزر بما يردعه. وفي التبصرة: هما, وعنه:
يحبس, وفي الواضح وغيره رواية نفيه طلبه2,
وتنفى الجماعة متفرقة خلافا للتبصرة.
ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت حتما يده اليمنى
ثم رجله اليسرى مرتبا وجوبا, ذكره ابن شهاب
وغيره, وجوزه أبو الخطاب, ثم أوجبه, لكن لا
يمكن تداركه أو الموجود منهما, وقيل: الموجود
مع يده اليسرى في مقام واحد, وحسمتا ثم خلى.
وفي البلغة وغيرها: إن قطعت يمينه قودا واكتفى
برجله اليسرى ففي إمهاله وجهان, وإن قطعت
يسراه قودا وقلنا تقطع يمناه لسرقة أمهل, وإن
عدم يسرى يديه قطعت يسرى رجليه,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ر" "حكم".
2 أي طلب الإمام له ليقيم حد الله فيه. ينظر
المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/28".
(10/155)
ويتخرج: لا,
كيمنى يديه, في الأصح, ولا تقطع بقية أربعة
محارب ثانيا, في الأصح.
ومن قتل فقط1 قتل حتما, ولا أثر لعفو ولي
ويعايا بها, وقيل: حتما إن قتله لقصد ماله,
وقيل: في غير مكافئ, وفي اعتبار المكافأة دينا
وحرية حتى لا يقتل والد وسيد بمعصوم روايتان
"م 1" وعنه: ويصلب.
ومن قتل وأخذ المال تحتم قتله ثم صلبه, وقيل:
يصلب أولا حتى
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "وفي اعتبار المكافأة دينا
وحرية حتى لا يقتل والد وسيد بمعصوم روايتان"
انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والكافي2 والمغني3 والمقنع4 والبلغة
والشرح4 وغيرهم.
"إحداهما": يقتل به, وهو الصحيح, وصححه في
التصحيح. وقال في تجريد العناية: يقتل, على
الأظهر, وبه قطع في الوجيز وغيره, وقدمه في
المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير
وغيرهم.
"والرواية الثانية": لا يقتل, وقال الزركشي:
هذا أمشى5 على قاعدة المذهب, واختاره الشريف
وأبو الخطاب والشيرازي, وهو ظاهر ما قطع به
الآدمي في منوره ومنتخبه.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 "5/340".
3 "12/477".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/14".
5 في "ط" "شيء".
(10/156)
يشتهر, وفي
التبصرة. لا1 حتى يتمثل به ويتغتير2, وقيل:
مسمى صلب, وعند ابن رزين: ثلاثة أيام, وعنه:
ويقطع, اختاره أبو محمد الجوزي, وفي تحتم قود
في طرف روايتان "م 2" ويحتمل سقوطه بتحتم
قتله, وذكر بعضهم هذا الاحتمال فقال: يحتمل أن
تسقط الجناية إن قلنا يتحتم استيفاؤها, وذكر
بعضهم فقال: يحتمل أن يسقط تحتم القتل إن قلنا
يتحتم في الطرف, وهذا وهم, وتتعين الدية لقود
لزمه بعد محاربته, كتقديمها3 بسبقها.
وكذا لو مات قبل قتله, للمحاربة, وقيل: ويصلب,
والردء4 فيها
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: "وفي تحتم قود في طرف
روايتان", انتهى. وأطلقهما في الهداية
والخلاصة والكافي5 والمقنع6 والمحرر وغيرهم.
"إحداهما": لا يتحتم استيفاؤه, وهو الصحيح,
صححه الشيخ الموفق والشارح والناظم وصاحب
التصحيح وغيرهم, وجزم به في المنور وغيره,
وقدمه في تجريد العناية وغيره.
"والرواية الثانية": يتحتم, جزم به في الوجيز,
وصححه في التصحيح, وقدمه في الرعايتين والحاوي
الصغير, وهما وجهان في الكافي7 والبلغة.
ـــــــ
1 ليست في الأصل و"ط".
2 في "ط" "يعتبر".
3 في النسخ "لتقديمها" والمثبت من "ط".
4 في "ط" "الردة" والردء: العون انظر القاموس
المحيط "ردأ".
5 "5/340".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/17".
7 "5/341".
(10/157)
والطليع
كمباشر, وذكر أبو الفرج السرقة كذلك, فردء غير
مكلف كهو, وقيل: يضمن المال آخذه, وقيل: قراره
عليه. وفي الإرشاد1: من قاتل اللصوص وقتل قتل2
القاتل فقط.
واختار شيخنا الآمر كردء, وأنه في السرقة كذلك
وفيها في الانتصار: الشركة تلحق غير الفاعل
به, كردء مع مباشر وفي المفردات إنما قطع3
جماعة بسرقة نصاب للسعي بالفساد, والغالب من
السعاة قطع الطريق والتلصص بالليل و4المشاركة
بأعوان, بعض يقاتل5 أو يحمل أو يكثر أو ينقل,
فقتلنا6 الكل أو قطعناهم حسما للإفساد, ولو
طلع إليهم عسكر فأخذوا رجلا ليس منهم فغرموه
فله طلبهم به, إن ساغ أخذه منهم, قاله شيخنا.
وإن المرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل,
وعنه: نسخ آية المحاربين, وأنه كغيره في الحد
إلا في قطع يده ورجله.
ومن تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله وحق
الآدمي إليه, وأطلق في المبهج: في حق الله
روايتين, وهذا فيمن تحت حكمنا, وفي خارجي وباغ
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ص "469".
2 ليست في "ط".
3 في "ر" "يقطع".
4ليست في "ط".
5 في "ط" "يقلات".
6 في "ر" و"ط" "فقلنا".
(10/158)
ومرتد محارب
الخلاف في ظاهر كلامهم, وقاله شيخنا, وقيل:
تقبل توبته ببينة, وقيل: وقرينة. وأما الحربي
الكافر فلا يؤخذ شيء في كفره "ع" ويسقط حد زنا
وشرب وسرقة بتوبته1, اختاره الأكثر, وقيل:
وصلاح عمله مدة قيل: قبل توبته, وقيل: قبل
القدرة, وقيل: قبل إقامته "م 3".
ـــــــ
مسألة 3 " قوله: "ويسقط حد زنا وشرب وسرقة
بتوبته, اختاره الأكثر وقيل: وصلاح عمله مدة,
قيل: قبل توبته, وقيل: قبل القدرة, وقيل: قبل
إقامته", انتهى.
يعني إذا قلنا يسقط بتوبته2 فهل 3محل التوبة
يكون3 محل التوبة قبل ثبوت الحد, أو قبل
القدرة, أو قبل إقامته؟ أطلق الخلاف.
"القول الأول": جزم به في المحرر والوجيز,
وقال الناظم: ومن تاب من حد سواه قبيل أن
يوطده قاض فأسقط بأوكد.
"والقول الثاني": ظاهر كلام جماعة.
"والقول الثالث": قدمه في الرعايتين والحاوي
الصغير فقالا: وفي سقوط حد الزاني والشارب
والسارق والقاذف بالتوبة قبل إقامة الحد,
وقيل: قبل توبته روايتان, انتهى, وهو ظاهر
كلامه في الهداية والمذهب والخلاصة والكافي4
والمقنع5 والهادي وغيرهم. قال الشيخ في
المغني6 وتبعه الشارح: هذا ظاهر قول أصحابنا,
انتهى. ويحتمله كلامه في النظم.
ـــــــ
1 في الأصل "بتوبة".
2 في "ط" "بتوليته".
3 3 في "ط" "يكون محل التوبة".
4 "5/342".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/31".
6 "12/484".
(10/159)
وفي بحث القاضي
التفرقة بين علم الإمام بهم أولا, واختار
شيخنا ولو في الحد لا يكمل وإن هربه فيه توبة
له1. وعنه: لا يسقط, ذكره أبو بكر المذهب
وعنه: إن ثبت ببينة, ذكرها ابن حامد وابن
الزاغوني وغيرهما, وعليهما: يسقط في حق محارب
تاب قبل القدرة, ويحتمل: لا, كما قبل
المحاربة. وفي المحرر: لا يسقط بإسلام ذمي
ومستأمن, نص عليه, وذكره ابن أبي موسى في ذمي,
ونقله فيه أبو داود, وظاهر كلام جماعة أن فيه
الخلاف. ونقل أبو الحارث: إن أكره ذمي مسلمة
فوطئها قتل, ليس على هذا صولحوا2, ولو أسلم,
هذا حد وجب عليه. فدل أنه لو سقط بالتوبة سقط
بالإسلام, لأن التائب وجب عليه أيضا وأنه
أوجبه بناء على أنه لا يسقط بالتوبة فإنه لم
يصرح بتفرقة بين إسلام وتوبة3, ويتوجه رواية
مخرجة من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم
لأنه حد سقط بالإسلام, واختار صاحب الرعاية:
يسقط. وفي عيون المسائل في سقوط الجزية بإسلام
إذا أسلم سقطت عنه العقوبات الواجبة بالكفر,
كالقتل وغيره من الحدود. وفي المبهج احتمال
يسقط حد زنا ذمي, ويستوفى حد قذف, قاله شيخنا.
وفي الرعاية الخلاف,
ـــــــ
4فهذه ثلاث مسائل4.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ط" "صلح".
3 في "ر" "بتوبة".
4 4ليست في "ط"
(10/160)
وهو معنى ما
أخذه القاضي وأبو الخطاب وغيرهما من عدم
إعلامه وصحة توبته أنه حق لله عز وجل, مع أنهم
في أصول الفقه ذكروا أن الاستثناء عاد إلى
الفسق ورد الشهادة1, وجزم ابن الجوزي بعوده
إلى الجلد, وأنه قول الإمام أحمد; وصرح به في
المغني2 في بحث شهادة القاذف, مع تصريحه في
أول المسألة: لا يسقط, وجعله أصلا في مسألة
الحدود. وفي التبصرة: يسقط حق آدمي لا يوجب
مالا, وإلا سقط إلى مال. وفي البلغة في إسقاط
التوبة في غير المحاربة قبل القدرة وبعدها
روايتان.
ـــــــ
1 يشير إلى قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ} [النور:4]
2 "14/188".
(10/161)
فصل: ومن صال على نفسه أو حرمته أو ماله ولو
قل آدمي كافأه أم لا,
...
فصل: ومن صال على نفسه أو حرمته أو ماله ولو3
قل آدمي كافأه أم لا,
قال ابن شهاب وغيره: كمحاربة صبي أو مجنون أو
غير آدمي دفعه بأسهل ما يظن, وقيل: يعلم دفعه
به, وقيل: إن لم يمكنه هرب أو احتماء ونحوه,
جزم به في المستوعب, قال أحمد: لا تريد قتله
وضربه, لكن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
3 في الأصل "إن".
(10/161)
ادفعه. وقال
الميموني: رأيته يعجب ممن يقول أقاتله وأمنعه,
وأنا لا أريد نفسه, قال أحمد: لا يجوز أن يذهب
إليهم أو يتبعهم إذا ولوا. ونقل الفضل: إن صار
في موضع نعلم أنه لا يصل إليك فلا تتبعه, وقيل
له: المناشدة. فقال حديث سلمان, ولم يثبته
وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل
دون ماله فهو شهيد"1 ونقل أبو طالب في لصوص
دخلوا عليه: يقاتلهم أو يناشدهم؟ قال: قد
دخلوا, ما يناشدهم؟ واحتج في رواية الميموني
بفعل ابن عمر2 وقال: يمنع ماله ونفسه. ونقل
ابن ثواب في لص قال: ضع ثوبك وإلا ضربتك
بالسيف ولا تدري هل يفعل أم لا, فأبيت ثم
ضربته ضربة لا تدري يموت منها3 أم لا, فهدر.
وذكر جماعة منهم الشيخ: له دفعه بالأسهل إن
خاف أن يبدره, قال بعضهم4 أو يجهله: فإن قتل
فشهيد, وإن قتله فهدر, ولا يجوز في حال مزح,
ذكره في الانتصار, ويقاد به, وذكره جماعة في
التعريض بالقذف, ويلزمه الدفع عن نفسه, على
الأصح, كحرمته, في المنصوص وعنه: ولو في فتنة,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2480" ومسلم "226" "141" عن
عبد الله بن عمرو.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "18557" وابن أبي
شيبة في مصنفه "9/454" عن ابن عمر أنه أخذ لصا
في داره فأصلت عليه بالسيف فلولا أنا نهيناه
عنه لضربه به.
3 في "ط" "منها".
4 في "ر" "جماعة".
(10/162)
ونقل عنه اثنان
فيها: إن دخل عليه منزله, وعنه: يحرم فيها,
ولا يلزمه عن ماله, على الأصح, كما لا يلزمه
حفظه من الضياع والهلاك, ذكره القاضي وغيره.
وفي التبصرة: في الثلاثة يلزمه في الأصح, وله
بذله, وذكر القاضي أنه أفضل, وأن حنبلا نقله.
وفي الترغيب: المنصوص عنه أن ترك قتاله عنه
أفضل, وأطلق روايتي الوجوب في الكل, ثم قال:
عندي ينتقض عهد الذمي, والبهيمة لا حرمة لها
فيجب, وما قاله في الذمي مراد غيره. وفي
البهيمة متجه, ونقل حنبل فيمن يريد المال: أرى
دفعه إليه ولا يأتي على نفسه لأنه لا عوض
منها, ونقل أبو الحارث: لا بأس, قال المروذي
وغيره: كان أبو عبد الله لا يغضب لنفسه ولا
ينتصر لها, في نهاية المبتدئ: يجوز دفعه عن
نفسه وحرمته وماله وعرضه, وقيل يجب. ولمسلم1
عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله:
أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي, قال: "فلا
تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني, قال:
"قاتله" 2 قال: أرأيت إن قتلني, قال: "فأنت
شهيد" , قال: أرأيت إن قتلته, قال: "هو في
النار" فظاهره أن الأفضل3 لا يبذله إن لم
يحرم. وفي عيون المسائل في الغصب: لو قتل دفعا
عن ماله قتل, ولو قتل دفعا عن نفسه لم يقتل,
ويتوجه مع ضعفه حمله على اليسير, كقول بعض
المالكية,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في صحيحه "225" "140".
2 في "ط" "اقتله".
3 ليست في "ر".
(10/163)
وكذا داخل منزل
غيره متلصصا, نقل عبد الله إن ظن العجز عن
قتال اللصوص وإن هو أعطاهم يده تركوه, رجوت أن
له ترك قتالهم وإلا فليدفعهم ما استطاع,
ويلزمه عن نفس غيره, لأنه لا يتحقق منه إيثار
الشهادة, وكإحيائه ببذل طعامه ذكره القاضي
وغيره, واختار صاحب الرعاية مع ظن سلامة
الدافع.
وكذا ماله مع ظن سلامتهما. وذكر جماعة: يجوز
وإلا حرم, وقيل و1في جوازه عنهما وعن حرمته
روايتان, نقل حرب الوقف في مال غيره, ونقل2
الترمذي وغيره: لا يقاتله, لأنه لم يبح له
قتله لمال غيره, وأطلق في التبصرة وشيخنا
لزومه عن مال غيره, قال في التبصرة: فإن أبى
أعلم مالكه, فإن عجز لزمه إعانته.
قال شيخنا في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال
تجار ليردوه إليهم: هم مجاهدون في سبيل الله
ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة "قال":
ومن أمر للرئاسة والمال لم يثب, يأثم على فساد
نيته كالمصلي رياء وسمعة, وهو معنى كلام ابن
الجوزي وغيره في كل طاعة. ولا يسقط عنه الأمر
بظنه أنه لا يفيد, وعنه: بلى, كإياسه, على
الأصح. وفي الفصول يضمن من قتله دفعا عن نفس
غيره ومال غيره. وجزم أبو المعالي بلزوم دفع
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط" "أحمد".
(10/164)
حربي وذمي عن
نفسه وبإباحته عن ماله وحرمته وعبد غيره
وحرمته, وإن في إباحته عن مال غيره وصلاة
الخوف لأجله روايتين, ذكرهما ابن عقيل. وفي
المذهب وجهان في وجوبه عن نفس غيره, ويرثه,
جزم به أبو الوفاء وأبو يعلى الصغير. والمراد
إلا أن تقول يضمنه إذن. وفي المغني1 في
الثلاثة: لغيره معونته بالدفع لقوله عليه أفضل
الصلاة والسلام "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"2
ولئلا تذهب الأنفس والأموال, وما احتج به
يقتضي الوجوب.
ويتوجه في الذب عن عرض غيره الخلاف. وقد روى
أحمد النهي عن خذلان المسلم, والأمر بنصر
المظلوم. وروى هو والترمذي وحسنه3 عن أبي
الدرداء مرفوعا: "من رد عن عرض أخيه رد الله
وجهه عن النار يوم القيامة" . وروى أحمد وأبو
داود4 من رواية يحيى بن سليم عن إسماعيل بن
بشير وفيهما جهالة عن جابر وأبي طلحة مرفوعا:
"ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك
فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله
في موضع يحب فيه نصرته, وما من امرئ ينصر
مسلما في موضع ينتقص فيه من
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "12/534".
2 أخرجه البخاري "2443" عن أنس.
3 أحمد في مسنده "6/450" والترمذي في سننه
"1931" وفي النسخ الخطية و"ط" "وجهه عن"
والتصحيح من مصادر التخريج.
4 أحمد في مسنده "16368" وأبو داود في سننه
"4884".
(10/165)
عرضه وينتهك
فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه
نصرته" ولأحمد1 من حديث سهل بن حنيف: "من أذل
عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على نصره أذله
الله على رءوس الخلائق يوم القيامة" وفيه ابن
لهيعة. وعن أبي هريرة مرفوعا: "المسلم أخو
المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" وعن ابن
عمر مرفوعا: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا
يسلمه" متفق عليهما2, ويأتي كلام شيخنا في
شهادة العدو3, ولو ظلم ظالم فنقل ابن أبي حرب:
لا يعينه حتى يرجع عن ظلمه, ونقل الأثرم: لا
يعجبني أن يعينوه, أخشى أن يجترئ, يدعوه4 حتى
ينكسر, واقتصر عليهما الخلال وصاحبه, وسأله
صالح فيمن يستغيث به جاره, قال: يكره أن يخرج
إلى صيحة بالليل, لأنه لا يدري ما يكون. وظاهر
كلام الأصحاب فيهما5 خلافه, وهو أظهر في
الثانية. قال أنس: فزع أهل المدينة ذات ليلة
فانطلق أناس قبل الصوت فتلقاهم النبي صلى الله
عليه وسلم راجعا6 وقد سبقهم إلى الصوت وهو على
فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم
تراعوا لم تراعوا متفق عليه7.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في مسنده "15985".
2 الحديث الأول: أخرجه البخاري "2442" ومسلم
"2564" "23" والحديث الثاني أخرجه البخاري
"2442" ومسلم "2580" "58".
3 ص "249".
4 في "ط" "يدعونه".
5 ليست في "ط".
6 ليست في "ط"ز
7 البخاري "2908" ومسلم "2307" "48" واللفظ
له.
(10/166)
وسبق أن العفو
عن القود وغيره أفضل بلا تفصيل, وهو عمل
الإمام أحمد في المحنة وغيرها, ونقل حنبل عنه:
ابن أبي داود1 وأمثاله لا أحللهم, ونقل
إبراهيم الحربي لولا أن ابن أبي داود داعية
لأحللته, ونقل عبد الله أنه أحل ابن أبي داود
وعبد الرحمن بن إسحاق فيما بعد, ويلزم من نصه
هنا أن لا يعفو عن ظالم, لأنه إذا لم ينصره في
ترك الحرام لما هو عليه من الظلم في شيء آخر
فهنا أولى.
وذكره القاضي وغيره في أحكام القرآن في قوله
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ
هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:39] أنها محمولة
على من تعدى وأصر, وآيات العفو محمولة على أن
الجاني نادم, وظهر أنه يلزم من نصه على العفو
عنه نصره على ظالمه, فالمسألتان على روايتين.
وقد ذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس:
قال رجل لابن سيرين: إني وقعت فيك فاجعلني في
حل, قال: لا أحب أن أحل لك ما حرم الله عليك.
وقال شيخنا إن في الآية المذكورة فائدة عظيمة,
وهو أنه حمدهم على 2أنهم هم2 ينتصرون عند
البغي عليهم, كما أنهم هم يعفون عند الغضب,
ليسوا مثل الذي ليس له قوة الانتصار وفعله
لعجزهم أو كسلهم أو وهنهم أو ذلهم أو حزنهم,
فإن أكثر من يترك الانتصار بالحق
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" في الأماكن الثلاثة داود وهو أبو عبد
الله أحمد بن فرج بن حريز الإيادي ثم البغدادي
الجهني القاضي عدو أحمد بن حنبل كان داعية إلى
خلق القرآن وكان يوم المحنة إلبا على الإمام
أحمد يقول: يا أمير المؤمنين اقتله هو ضال مضل
"ت 240 هـ" السير "11/169".
2 2 في "ط" "أنه".
(10/167)
إنما يتركه
لهذه الأمور وأشباهها, وليسوا مثل الذي إذا
غضب لا يغفر ولا يعفو, بل يتعدى أو ينتقم حتى
يكف من خارج, كما عليه أكثر الناس إذا غضبوا
وقدروا لا يقفون1 عند العدل فضلا عن الإحسان,
فحمدهم على أنهم هم ينتصرون وهم يغفرون, ولهذا
قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا,
فإذا قدروا عفوا, إلى أن ذكر الروايتين في دفع
الإنسان عن نفسه ثم قال: ويشبه أن لا يجب مع2
مفسدة تقاوم مفسدة الترك أو تفضي إلى فساد
أكثر, وعلى هذا تخرج قصة ابن آدم3 وعثمان4 رضي
الله عنه, بخلاف من لم يكن في دفعه إلا إتلاف
مال الغير الظالم أو حبسه أو ضربه, فهنا
الوجوب أوجه, وهذا معنى قوله {هُمْ
يَنْتَصِرُونَ} , فالانتصار قد يكون مستحبا
تارة, وقد يكون واجبا أخرى, كالمغفرة سواء.
ومن قفز5, إلى بلد العدو ولم يندفع ضرره إلا
بقتله جاز قتله, كالصائل ذكره شيخنا, وقيل
لأحمد فيمن رابط بمكان مخوف: بمنزلة المجاهد؟
قال: أرجو ذلك, نقله الفضل ونقل حرب: ما
أحسنه.
ومن عض يد غيره وحرم فجذبها, وقال جماعة:
بالأسهل, فسقطت
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "يعفون".
2 ليست في "ط".
3 أخرجها أبو داود "4257" من حديث سعد بن أبي
وقاص.
4 وردت في ذلك روايات كثيرة انظر البداية
والنهاية "10/285 – 319" وسير أعلام النبلاء
سير الخلفاء الراشدين "1/183 – 211".
5 في "ر" "نفر".
(10/168)
ثناياه, فهدر,
وكذا معناه فإن عجز دفعه كصائل.
ومن نظر في بيته من خصاص باب ولو لم يتعمد لكن
ظنه متعمدا, قال في الترغيب: أو صادف عورة من
محارمه وأصر. وفي المغني1 في2 هذه الصورة: ولو
خلت من نساء, فخذف عينه ونحو ذلك فتلفت فهدر,
ولا يتبعه, وقال ابن حامد: يدفعه بالأسهل,
فينذره أولا, كمن استرق السمع لم يقصد أذنه
بلا إنذار, قاله في الترغيب, وقيل: باب مفتوح
كخصاصه, وجزم به بعضهم, وعن أبي ذر مرفوعا:
"وإن مر رجل على باب لا ستر له غير مغلق فنظر
فلا خطيئة عليه, إنما الخطيئة على أهل البيت"
فيه ابن لهيعة, رواه الإمام أحمد والترمذي3
وعند ابن عقيل: أعمى سميع كبصير4.
وإن عقرت كلبة من قرب من أولادها أو خرقت ثوبه
5لم تقتل بل تنقل5.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "12/540".
2 بعدها في "ط" "مثل".
3 أحمد في مسنده "21359" والترمذي في سننه
"2707".
4 في "ط" "بصير".
5 5 في "ط" "لم تفلت بل تقتل".
(10/169)
باب قتال أهل
البغي
مدخل
...
باب قتال أهل
البغي
وهم الخارجون على الإمام بتأويل سائغ, ولهم
شوكة, لا جمع يسير, خلافا لأبي بكر, وإن فات
شرط فقطاع طريق. وفي الترغيب: لا تتم الشوكة
إلا وفيهم واحد مطاع, وأنه يعتبر كونهم في طرف
ولايته. وفي عيون المسائل: تدعو إلى نفسها أو
إلى إمام غيره1 وإلا فقطاع طريق.
ويلزمه مراسلتهم وإزالة شبهتهم فإن فاءوا وإلا
لزم القادر قتالهم, وعند شيخنا: الأفضل تركه
حتى يبدءوه "و م" وهو ظاهر اختيار الشيخ.
وقالا في الخوارج: له قتلهم ابتداء وتتمة قتل2
الجريح, وهو خلاف ظاهر رواية عبدوس بن مالك3.
وفي المغني4 في الخوارج ظاهر قول المتأخرين من
أصحابنا أنهم بغاة, لهم حكمهم وأنه قول جمهور
العلماء, كذا قال, وليس بمرادهم, لذكرهم كفرهم
أو فسقهم, بخلاف البغاة, ولهذا قال شيخنا:
يفرق جمهور العلماء بين الخوارج5 والبغاة
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ر" "غيرها".
2 ليست في الأصل و"ط".
3 هو أبو محمد عبدوس بن مالك العطار كانت له
عند أبي عبد الله منزلة في هدايا وغير ذلك وقد
روى عنه مسائل لم يروها غيره طبقات الحنابلة
"1/241".
4 "12/139".
5 بعدها في الأصل "بين".
(10/170)
المتأولين, وهو
المعروف عن الصحابة, وعليه عامة أهل الحديث
والفقهاء والمتكلمين ونصوص أكثر الأئمة
وأتباعهم من أصحاب "م ش" وأحمد وغيرهم,
واختيار شيخنا يخرج على وجه من صوب غير معين
أو وقف, لا أن عليا هو المصيب وهي أقوال في
مذهبنا وأن أكثر الصحابة وغيرهم رأى ترك
قتالهما, وأنه لا يجب مع واحدة.
وقال في تفضيل مذهب أهل المدينة على الكوفة:
أكثر المصنفين لقتال أهل البغي يرى القتال من
ناحية علي. ومنهم من يرى الإمساك, وهو المشهور
من قول أهل المدينة وأهل الحديث مع رؤيتهم
لقتال من خرج عن الشريعة كالحرورية1 ونحوهم,
وأنه يجب, والأخبار2 في أمر الفتنة توافق هذا,
فاتبعوا النص الصحيح والقياس المستقيم, ولهذا
كان المصنفون لعقائد أهل السنة والجماعة
يذكرون فيه ترك القتال في الفتنة, والإمساك
عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم.
وقال في رده على الرافضي: السلف والأئمة يقول
أكثرهم "هـ م" وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال
الطائفة الباغية, فإن الله لم يأمر به ابتداء
بل بالصلح, ثم إن بغت إحداهما قوتلت. وهؤلاء
قوتلوا قبل أن يبدءوا
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 الحرورية: هم الذين خرجوا على علي رضي الله
عنه حين جرى أمر الحكمين واجتمعوا بحروراء من
ناحية الكوفة انظر الملل والنحل للشهرستاني
"1/157".
2 سيأتي ذكرها عند المصنف.
(10/171)
بقتال, ولهذا
كان هذا القتال عند أحمد وغيره كمالك قتال
فتنة, وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة
حتى يبدءوا بقتال, إلى أن قال شيخنا: و1لكن
علي كان أقرب إلى الحق من معاوية وإن بعض
أصحابنا صوب كلا منهما بناء على أن كل مجتهد
مصيب, ذكره ابن حامد.
وفي كتاب ابن حامد كقول شيخنا: فقال: الأكابر
من الصحابة والكافة كانوا متباعدين من2 ذلك,
قال أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا أيوب, حدثنا
محمد بن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف, فما حضر
فيها مائة. وفي غير كتاب ابن حامد بل لم
يبلغوا ثلاثين, وحدثنا إسماعيل, حدثنا منصور
قال الشعبي لم يشهد الجمل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم غير علي وعمار وطلحة والزبير
فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب. ومراده من
البدريين, وقال ابن هبيرة في حديث أبي بكرة3
في ترك القتال في الفتنة. أي في قتل عثمان,
فأما ما جرى بعده فلم يكن لأحد من المسلمين
التخلف عن علي. ولما تخلف عنه سعد وابن عمر
وأسامة ومحمد بن مسلمة من الصحابة ومسروق
والأحنف من التابعين فإنهم ندموا, فقد روى ابن
عبد البر في كتاب الاستيعاب في أسماء الصحابة4
أن عبد الله بن عمر كان يقول عند الموت: إني
أخرج
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "عن".
3 أخرجه أحمد "20490" والطحاوي في شرح مشكل
الآثار "5547" والبيهقي في السنن الكبرى
"8/190" وفيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إنها ستكون فتنة ثم تكون فتن ألا
فالماشي فيها خير من الساعي إليها...."
الحديث.
4 "6/423"
(10/172)
من الدنيا وليس
في قلبي حسرة إلا تخلفي عن علي, أو كلاما هذا
معناه "رواه عنه" من طرق, وكذا روي عن مسروق1
وغيره 2أنهم من تخلفهم "قالوا" ذلك, كذلك
قال2. وفي شرح مسلم: يجب قتال الخوارج والبغاة
"ع" ثم قال: قال القاضي: أجمع العلماء أن
الخوارج وشبههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا
على الإمام وخالفوا رأي الجماعة وجب قتالهم
بعد الإنذار والإعذار قال تعالى {فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ} [الحجرات: 9] فإن استنظروه مدة ولم
يخف مكيدة أنظرهم, وإلا فلا, ولو أعطوه مالا
أو رهنا. وقيل للقاضي: يجوز قتال البغاة إذا
لم يكن هناك إمام؟ فقال: نعم, لأن الإمام إنما
أبيح له قتالهم لمنع البغي والظلم, وهذا موجود
بدون إمام.
ويحرم قتالهم بمن يقتل مدبرهم, ككفار, وبما
يعم إتلافه, كمنجنيق ونار, إلا لضرورة, كفعلهم
إن لم يفعله, وكذا بسلاحهم وكراعهم, وعنه:
وغيرها ومراهق وعبد, كخيل قاله في الترغيب.
ويحرم قتل مدبرهم وجريحهم, وفي القود وجهان "م
1" جزم في
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "وفي القود وجهان", انتهى.
يعني إذا قتل مدبرهم وجريحهم هل يقاد به أم
لا؟ أطلق الخلاف, وأطلقه في المغني3 والكافي4
ـــــــ
1 لم أقف عليه.
2 2 في "ط" "أنهم من تخلفهم قالوا ذلك كذا
قال" وفي "ر" "أنهم من تخلفهم ذلك كذا قال"
وفي هامش "ر" "لعله قالوا ذلك".
3 "12/253".
4 "5/310".
(10/173)
الترغيب بأن1
المدبر من انكسرت شوكته 2لا المتحرف2 إلى
موضع. وفي المغني3 يحرم قتل من ترك القتال.
ويحرم أخذ مالهم وذريتهم ويخلى أسيرهم بعد
الحرب. وفي الترغيب: لا, مع بقاء شوكتهم, فإن
بطلت ويتوقع اجتماعهم في الحال فوجهان "م 2",
وقيل: يجوز حبسه ليخلى أسيرنا, وقيل: يخلى صبي
وامرأة ونحوهما في الحال. ويكره له قصد رحمة
الباغي بالقتل, وعند القاضي: لا كإقامة حد,
ويتوجه احتمال: يحرم.
ـــــــ
والشرح4 والرعاية الكبرى وغيرهم.
"أحدهما": يقاد به, وظاهر كلام جماعة, وقدمه
ابن رزين.
"والوجه الثاني": لا يقاد به. "قلت": وهو
الصواب لاختلاف العلماء في ذلك, فأنتج شبهة
تمنع القود, والله أعلم.
"مسألة 2" قوله: "ويخلي أسيرهم بعد الحرب. وفي
الترغيب: لا, مع بقاء شوكتهم, فإن بطلت ويتوقع
اجتماعهم في الحال فوجهان", انتهى. وأطلقهما
في الرعايتين والحاوي الصغير, فيحتمل الخلاف
من تتمة كلام صاحب الترغيب, وهو الظاهر,
ويحتمل أن يكون ابتداء مسألة وهو بعيد, وعلى
كل حال الصواب عدم إرسال أسيرهم والحالة هذه,
وإن كان ظاهر ما قدمه المصنف تخليتهم, والله
أعلم.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "أن" والمثبت من "ط".
2 2 في الأصل "إلا المنحرف" وفي "ر" "لا
المنحرف".
3 "12/252".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/77".
(10/174)
ولا يضمن بغاة
ما تلف حال الحرب, كأهل العدل, وعنه: بلى, ففي
القود وجهان "م 3".
وهما في تحتمه بعدها "م 4" ويضمنان ما تلف في
غيرها.
قال شيخنا في المستحل لأذى: من أمره ونهاه
بتأويل كمبتدع ونحوه, يسقط بتوبته حق العبد,
واحتج بما أتلفه البغاة, لأنه من الجهاد الذي
يجب فيه الأجر على الله, ولا حد مع تأويل,
كمال, وعند أبي بكر: يحد. وفي قبول دعوى دفع
خراج إليهم من مسلم بلا بينة, وقيل: وغيره,
وجهان "م 5".
ـــــــ
مسألة 3" قوله: "ولا يضمن بغاة ما تلف حال
الحرب, كأهل العدل, وعنه: بلى, ففي القود
وجهان", انتهى. قال في الرعاية: قلت: إن ضمن
المال احتمل القود وجهين, انتهى.
"أحدهما": يجب القود, وهو الصواب, تغليظا
عليهم, لكونهم بغاة كالمال.
"والوجه الثاني": لا يجب, وهو ظاهر ما قطع به
في المغني1 والشرح2 وشرح ابن رزين وغيرهم.
"مسألة 4" قوله: "وهما3 في تحتمه بعدها",
انتهى. يعني في تحتم القتل بعد الحرب.
"قلت": الصواب عدم التحتم, والله أعلم.
"مسألة 5" "قوله": "وفي قبول دعوى دفع خراج
إليهم من مسلم بلا بينة, وقيل: وغيره, وجهان",
انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
ـــــــ
1 "12/250".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/83".
3 في النسخ الخطية و"ط" "الوجهان" والمثبت من
الفروع.
(10/175)
لا جزية, وفيها
احتمال بعد الحول. وشهادتهم وإمضاء حكم حاكمهم
كأهل العدل.
وفي المغني1 والترغيب: الأولى رد كتابه قبل
حكمه. وقال ابن عقيل: تقبل شهادتهم ويؤخذ عنهم
العلم ما لم يكونوا دعاة, ذكره أبو بكر, وذكر
شيخنا أن ابن عقيل وغيره فسقوا البغاة, قال:
وهؤلاء نظروا إلى من عدوه بغاة في زمنهم
فرأوهم فساقا. وفي المغني احتمال: يصح قضاء
الخارجي دفعا للضرر, كما لو أقام الحد وأخذ
جزية وخراجا وزكاة.
وإن استعانوا بأهل ذمة فأعانوهم2 انتقض عهدهم,
وقيل: لا, ففي أهل عدل وجهان "م 6" وإن ادعوا
شبهة كوجوب إجابتهم فلا. وفي
ـــــــ
والخلاصة والمغني3 والكافي4 والمقنع5 والشرح5
وشرح ابن منجى وابن رزين والزركشي وغيرهم.
"أحدهما": لا يقبل إلا ببينة, وهو الصحيح,
صححه في التصحيح, وجزم به في المنور6 ومنتخب
الآدمي, وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي
الصغير. "والوجه الثاني": يقبل قوله مع يمينه,
صححه الناظم, وجزم به في المنور.
مسألة 6" قوله: "وإن استعانوا بأهل ذمة
فأعانوهم انتقض عهدهم, وقيل: لا, ففي أهل عدل
وجهان", انتهى. "قلت": الذي يظهر أن العكس
أولى, وهو أنهم إذا
ـــــــ
1 "12/260".
2 في "ط" "فأعينوهم".
3 "12/259".
4 "5/314".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/91".
6 في "ط" "الوجيز".
(10/176)
الترغيب وجهان,
ويضمنون ما أتلفوه, في الأصح.
وإن استعانوا بأهل حرب وأمنوهم فكعدمه إلا
أنهم في أمان بالنسبة إلى بغاة. وإن أظهر قوم
رأي الخوارج ولم يخرجوا عن قبضة الإمام لم
يقاتلوا, ولم يتعرض لهم, وتجري الأحكام عليهم
كأهل العدل, ذكره جماعة. وسأله المروذي عن قوم
من أهل البدع يتعرضون ويكفرون؟ قال
ـــــــ
قاتلوا مع البغاة وقلنا ينتقض عهدهم فهل ينتقض
إذا قاتلوا مع أهل العدل؟ يأتي الخلاف, وهذا
هو الصواب, ولعله حصل سبقة قلم من المصنف, أو
يكون فرع الوجهين على القول بانتقاض عهدهم إذا
أعانوا أهل البغي, إذا علم ذلك فالصواب عدم
انتقاض عهدهم مع أهل العدل, وكذا لا ينتقض1
إذا قاتلوا مع البغي مع أهل البغي مكرهين أو
ادعوا شبهة مسموعة, والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ح" "ينتقل".
(10/177)
لا تعرضوا لهم,
قلت: وأي شيء تكره من أن يحبسوا؟ قال: لهم
والدات وأخوات. وقال في رواية ابن منصور:
الحرورية إذا دعوا إلى ما هم عليه إلى دينهم
فقاتلهم وإلا فلا يقاتلون. وسأله إبراهيم
الأطروش عن قتل الجهمية قال: أرى قتل الدعاة
منهم, ونقل ابن الحكم أن مالكا قال في عمرو بن
عبيد1: يستتاب, فإن تاب وإلا ضربت عنقه. قال
أحمد: أرى ذلك إذا جحد العلم, وذكر له المروذي
عمرو بن عبيد, قال: كان لا يقر بالعلم, وهذا
كافر.
وقال له المروذي: الكرابيسي2 يقول من لم يقل
لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر, فقال: هو
الكافر, قال: مات بشر المريسي3 وخلفه حسين
الكرابيسي وقال: كذب. هتكه الله الخبيث قال
ابن حامد: فقد أبان عن بدعته وكفره. وقال عن
حارث المحاسبي: قاتله الله, وقال: لا يغرك
خشوعه ولينه وتنكيس رأسه فإنه رجل سوء, ذاك لا
يعرفه إلا من قد خبره, لا تكلمه, ولا كرامة
له, وكذب أحمد داود الظاهري وقال: إنه عدو
الله, وقال: لا فرج الله عنه, لقوله: القرآن
محدث, وأنكر داود, فقال أحمد:
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 هو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن ثوبان البصري
كان قد جالس الحسن البصري واشتهر بصحبته ثم
اعتزله وانضم إلى واصل بن عطاء شيخ المعتزلة
فأعجب به وزوجه أخته قال بالقدر ودعا إليه
توفي بطريق مكة سنة "134 هـ" السير "6/104"
والبداية والنهاية "10/76".
2 هو أبو علي الحسين بن علي بن يزيد البغدادي
كان من بحور العلم ذكيا فطنا لسنا إلا أنه وقع
بينه وبين الإمام أحمد فهجر لذلك قال الحسين ف
يالقرآن: لفظي به مخلوق فبلغ ذلك أحمد فأنكره
وقال: هذه بدعة فأوضح حسين المسألة وقال:
تلفظك بالقرآن يعني غير الملفوظ "ت 245 هـ"
السير "12/79".
3 أبو عبد الرحمن بشر بن غياث المريسي فقيه
معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة وإليه
تنسب الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء "ت
218 هـ" انظر تاريخ بغداد "7/56" والأعلام
"2/55".
(10/178)
محمد بن يحيى
النيسابوري أصدق منه, لا يقبل قوله, قال ابن
حامد: فمنع من قبوله توبته.
واحتج الشيخ بقول خالد للنبي صلى الله عليه
وسلم عن الخارجي: ألا أضرب عنقه؟ قال لا1
وبكفه عن المنافقين2, وبما روي عن علي3 رضي
الله عنه, وإن صرحوا بسب إمام أو عدل عزروا,
وإن عرضوا بذلك4 فوجهان "م 7" وقد قال الإمام
أحمد في مبتدع داعية له دعاة: أرى حبسه, وكذا
في التبصرة: على الإمام منعهم وردعهم, ولا
يقاتلهم إلا أن
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: "وإن صرحوا بسب إمام أو عدل
عزروا, وإن عرضوا فوجهان", انتهى. وأطلقهما في
المغني5 والكافي6 والمحرر والشرح7 والنظم
والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
"أحدهما" يعزرون جزم به في المنور, وهو
الصواب.
"والوجه الثاني" لا يعزرون, قال في المذهب
وغيره: فإن صرحوا بسب الإمام عزرهم, انتهى.
فظاهره عدم التعزير بالتعريض, والله أعلم.
"تنبيه" ما ذكره ابن حامد من إطلاق الوجهين في
مسألتين ليس من إطلاق الخلاف الذي نحن بصدده,
إذ المصنف قد قدم قبل ذلك حكما فيها, والله
أعلم.
فهذه سبع مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "4351" ومسلم "1064" "144" عن
أبي سعيد الخدري.
2 أخرجه البخاري "3518" ومسلم "2584" "63" عن
جابر.
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/184" وفيه
"ولا نبدؤكم بقتال".
4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 "12/247".
6 "5/315".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/100".
(10/179)
يجتمعوا لحربه
فكبغاة. وقال أحمد أيضا في الحرورية الداعية:
تقاتل كبغاة. ونقل ابن منصور: يقاتل من منع
الزكاة, وكل من منع فريضة فعلى المسلمين قتاله
حتى يأخذوها منه, واختاره أبو الفرج وشيخنا
وقال: أجمعوا أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة
متواترة من شرائع الإسلام يجب قتالها حتى يكون
الدين كله لله كالمحاربين وأولى, ولهذا اتفقوا
أن البدع المغلظة شر من الذنوب وأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج عن السنة1,
وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم2, وأن
الرافضة شر من الخوارج اتفاقا. قال: وفي قتل
الواحد منهما ونحوهما وكفره روايتان, والصحيح
جواز قتله كالداعية ونحوه, وأن ما قالوه مما
تعلم مخالفته للرسول كفر, وكذا فعلهم من جنس
فعل الكفار بالمسلمين كفر أيضا.
وجوز ابن عقيل وابن الجوزي الخروج على إمام
غير عادل وذكرا خروج الحسين على يزيد لإقامة
الحق, وكذا قال الجويني إذا جار وظهر ظلمه ولم
يزجر3 حين زجر فلهم خلعه ولو بالحرب والسلاح.
قال النووي: خلعه غريب. ومع هذا محمول على أنه
لم يخف مفسدة أعظم منه,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 البخاري "3344" ومسلم "1064" "143" من حديث
أبي سعيد الخدري وفيه: "إن من ضئضئ هذا – أو
في عقب هذا – قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز
جناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية
يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن
أنا أدركتهم لأقاتلنهم قتل عاد" .
2 البخاري "7432" ومسلم "1849" "55" من حديث
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "من رأى من أميره شيئا فكره فليصبر فإنه
ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات
ميتة جاهلية" .
3 في "ر" "ينزجر".
(10/180)
ونصوص أحمد أنه
لا يحل وأنه بدعة مخالف للسنة, و1أمر بالصبر,
و2أن السيف2 إذا وقع عمت الفتنة, وانقطعت
السبل, وسفكت الدماء, وتستباح الأموال, وتنتهك
المحارم.
قال شيخنا: عامة الفتن التي وقعت من أعظم
أسبابها قلة الصبر, إذ الفتنة لها سببان: إما
ضعف العلم, وإما ضعف الصبر, فإن الجهل والظلم
أصل الشر, وفاعل الشر إنما يفعله لجهله بأنه
شر, ولكون نفسه تريده, فبالعلم يزول الجهل,
وبالصبر يحبس الهوى والشهوة, فتزول3 الفتنة.
وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون: من
الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة
منتسبين إلى السنة, أن يقولوا: إن يزيد كان
على الصواب وأن الحسين أخطأ في الخروج عليه.
ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة
وألزم الناس بها, ولقد فعل في ذلك كل قبيح, ثم
لو قدرنا صحة خلافته فقد بدرت منه بوادر وكلها
توجب فسخ العقد, من نهب المدينة, ورمي الكعبة
بالمنجنيق4, وقتل الحسين وأهل بيته, وضربه على
ثنيتيه بالقضيب, وحمله الرأس على خشبة5. وإنما
يميل6 جاهل بالسيرة عامي المذهب يظن أنه يغيظ
بذلك الرافضة.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 2 في "ط" "أنه".
3 بعدها في "ط" "تلك".
4 في النسخ الخطية "بالمناجيق" والمثبت من
"ط".
5 انظر تاريخ الطبري "5/496 – 499" والكامل في
التاريخ لابن الأثير "4/46 – 90".
6 في الأصل "يمثل".
(10/181)
ومن كفر أهل
الحق والصحابة واستحل دماء المسلمين بتأويل
فهم خوارج بغاة فسقة, وعنه: كفار. وفي الترغيب
والرعاية: هو أشهر, وذكر ابن حامد أنه لا خلاف
فيه. وذكر ابن عقيل في الإرشاد عن أصحابنا
تكفير من خالف في أصل, كخوارج ورافضة ومرجئة,
وذكر غيره روايتين فيمن قال لم يخلق الله
المعاصي أو وقف فيمن حكمنا بكفره, وفيمن سب
صحابيا غير مستحل, وأن مستحله كافر.
وفي المغني: يخرج في كل محرم استحل بتأويل
كالخوارج ومن كفرهم فحكمهم عنده كمرتدين, قال
في المغني1: هذا مقتضى قوله. وقال شيخنا:
نصوصه صريحة على عدم كفر الخوارج والقدرية
والمرجئة وغيرهم وإنما كفر الجهمية لا
أعيانهم, قال وطائفة تحكي عنه روايتين في
تكفير أهل البدع مطلقا, حتى المرجئة والشيعة
المفضلة لعلي قال: ومذاهب الأئمة أحمد وغيره
مبنية على التفضيل2 بين النوع والعين ونقل
محمد بن عوف الحمصي: من أهل البدع الذين
أخرجهم النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من
الإسلام القدرية والمرجئة والرافضة والجهمية,
فقال, "لا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم"3
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "12/247 – 248".
2 في النسخ الخطية "التفصيل" والمثبت من "ط".
3 لم نقف عليه.
(10/182)
ونقل محمد بن
منصور الطوسي: من زعم أن في الصحابة خيرا من
أبي بكر فولاه النبي صلى الله عليه وسلم فقد
افترى عليه وكفر بأن زعم بأن الله تعالى يقر
المنكر بين أنبيائه في الناس, فيكون ذلك سبب
ضلالهم. ونقل الجماعة: من قال علم الله مخلوق
كفر, ونقل المروذي: القدري لا تخرجه عن
الإسلام. وفي نهاية المبتدئ: من سب صحابيا
مستحلا كفر وإلا فسق, وقيل عنه يكفر, نقل عبد
الله: فيمن شتمنه1 القتل؟ أجبن عنه ويضرب, ما
أراه على الإسلام.
وذكر ابن حامد في أصوله كفر الخوارج والرافضة
والقدرية والمرجئة, ومن لم يكفر من كفرناه فسق
وهجر, وفي كفره وجهان, والذي ذكر هو وغيره من
رواية المروذي وأبي طالب ويعقوب وغيرهم أنه لا
يكفر. وقال: من رد موجبات القرآن كفر, ومن رد
ما تعلق بأخبار الآحاد الثابتة فوجهان, وأن
غالب أصحابنا على كفره فيما يتعلق بالصفات,
وذكر في مكان آخر: إن جحد أخبار الآحاد كفر,
كالتواتر عندنا توجب العلم والعمل. فأما من
جحد العلم بها فالأشبه لا يكفر, ويكفر في2 نحو
الإسراء والنزول ونحوه من الصفات. وقال في
إنكار المعتزلة استخراج قلبه ليلة الإسراء
وإعادته: في كفرهم به وجهان. بناء على أصله في
القدرية الذين ينكرون علم الله تعالى وأنه صفة
له, وعلى من قال لا أكفر من لا يكفر الجهمية.
قال شيخنا: قتال التتار ولو كانوا مسلمين
كقتال الصديق رضي الله عنه
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "شتمنا".
2 ليست في "ط".
(10/183)
مانعي الزكاة1,
ويؤخذ مالهم وذريتهم والمتحيز2 إليهم ولو ادعى
إكراها.
ومن أجهز على جريح لم يأثم ولو تشاهد3 ومن4
أخذ منهم شيئا خمسه وبقيته له.
ومن ابتاع منهم مال مسلم أخذه ربه, وإن جهله
أعطى ما اشتراه به, وهو للمصالح, كذا قال, مع
أنه قال في الرافضة الجبلية: يجوز أخذ مالهم
فإن عليا رضي الله عنه أوهب عسكره ما كان في
عسكر الخوارج5, ولأنهم نهبوا من المسلمين
أضعاف ما يؤخذ منهم, ثم خرج سبي حريمهم على
تكفيرهم, وأن الصحابة لم تسب الخوارج.
وفي رده على الرافضي أن عليا رضي الله عنه لم
يسب للخوارج ذرية, ولم يغنم مالهم فعلم أن
سيرته وسيرة الصحابة فيهم تخالف سيرتهم في أهل
الردة. وذكر غيره أن من قاتل على منع الزكاة
لا يكفر, وحكمهم كبغاة. وقالوا فيمن قاتلهم
الصديق رضي الله عنه: يحتمل ردتهم,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6855" ومسلم "20" من حديث
أبي هريرة.
2 في الأصل "المعفر" و"ر" و"ط" "المقفز"
والصواب ما أثبت كما في الاختيارات ص "298".
3 ليست في "ر".
4 في "ر" "وأن من" وفي "ط" "ولمن".
5 أخرجه عبد الرزاق "18589" وفيه: ما أوت
الديار من مالهم فهو لهم ومن أجلبوا به عليكم
في عسكركم فهو لكم.
(10/184)
ويحتمل أنهم
جحدوا وجوبها.
ونقل عنه الميموني أمر هذا الكافر "بابك"1
لعنه الله ليس كغيره, سبي2 النساء المؤمنات
فوقعوا عليهن فحملن, فالولد تبع لأمه, كذا حكم
الإسلام, ثم خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم في
دار الشرك أي شيء حكمه؟ إذا كان هكذا فحكمه
حكم الارتداد.
وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فظالمتان
ضامنتان وتضمن, قال شيخنا: فأوجبوا الضمان على
مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف, وقال:
وإن تقاتلا3 تقاصا; لأن المباشر والمعين سواء
عند الجمهور, وقال: وإن جهل قدر ما نهبه كل
طائفة من الأخرى تساويا, كمن جهل قدر المحرم
بماله أخرج نصفه والباقي له, ومن دخل للصلح4
فجهل قاتله ضمنتاه والله أعلم.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 هو بابك الخرمي كان ظهوره سنة "201 هـ"
بأذربيجان خرج على المأمون وكان على مذهب أهل
الإباحة من المجوس أتباع مزدك وتبعه خلق عظيم
على رأيه فأقام عشرين سنة يهزم جيوش المأمون
والمعتصم قيل: أنه قتل مئة وخمس ألفا مئة
إنسان قتله المعتصم سنة "222 هـ" الوافي
بالوفيات "10/64 – 65".
2 في "ر" "سبوا".
3 في "ر" و"ط" "تقابلا".
4 أي فقتل.
(10/185)
باب حكم المرتد
مدخل
...
باب حكم المرتد
من كفر طوعا ولو هازلا بعد إسلامه, قيل: طوعا,
وقيل: وكرها والأصح بحق "م 1" فمرتد, بأن أشرك
بالله تعالى أو جحد صفة له 1 قال في الفصول:
متفقا على إثباتها, أو بعض كتبه, أو رسله, أو
سبه, أو رسوله, أو ادعى النبوة. قال شيخنا: أو
كان مبغضا لرسوله ولما جاء به اتفاقا. وقال:
أو ترك إنكار منكر بقلبه, أو جحد حكما ظاهرا
مجمعا عليه, كعبادة من الخمس, أو تحريم خمر
ونحوه, أو شك فيه ومثله لا يجهله. قال
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: "ومن كفر طوعا ولو هازلا بعد
إسلامه, قيل: طوعا, وقيل: وكرها, والأصح بحق"
, انتهى.
ظاهر كلامه في الرعاية أنه لا بد أن يكون فعل
ذلك بعد إسلامه طوعا, فإنه قال: كل مسلم مكلف
مختار فعل كذا وكذا إلى آخره, انتهى.
"قلت": ظاهر كلام أكثر الأصحاب أن هذه الأحكام
مترتبة عليه حيث حكمنا بإسلامه, وهو الصواب,
والله أعلم. وقوله: "والأصح بحق". ينبغي أن
يكون هذا بلا نزاع.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(10/186)
شيخنا: ولهذا
لم يكفر به النبي صلى الله عليه وسلم الرجل
الشاك في قدرة الله وإعادته1, لأنه لا يكون
إلا بعد بلاغ الرسالة, وأن منه قول عائشة: يا
رسول الله مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال
"نعم" . رواه مسلم في الجنائز2 وفي أصول مسلم
بحذف "قال", قال في شرح مسلم كأنها لما قالت
ذلك صدقت نفسها فقال: نعم.
وحمل في الفنون الخبر الأول على أنه لم تبلغه
الدعوة. قال: ويحمل على قول من3 يرى أن العقل
موجب على أنه كان في مهلة النظر لم يتكامل له
النظر.
وقد سمع أبي بن كعب قراءة أنكرها ثم سمع قراءة
سواها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهما
فقرآ عليه, فحسن النبي صلى الله عليه وسلم
شأنهما قال: فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ
كنت في الجاهلية. فلما رأى النبي صلى الله
عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا
وكأنما أنظر إلى الله3 فرقا, فقال لي يا أبي
أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف الحديث, رواه
مسلم4. قال
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ينظر صحيح البخاري "3481" وصحيح مسلم "2756"
"25" ونص الحديث: "كان رجل يسرف على نفسه فلما
حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم
اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي
ربي لعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل
به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك
منه ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما
صنعت؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له".
2 برقم "974" "103".
3 ليست في "ط".
4 في صحيحه "820" "273" ومعنى قوله: فسقط في
نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية أي:
وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت
عليه في الجاهلية.
(10/187)
شيخنا وغيره:
في الإجماع إجماعا قطعيا, وذكر أن كثيرا من
أصحابنا وغيرهم فسقه فقط. قال: أو جعل بينه
وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم
"ع" قال جماعة: أو سجد لشمس أو قمر. قال في
الترغيب: أو أتى بقول أو فعل صريح في
الاستهزاء بالدين. قال شيخنا: أو توهم أن من
الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع
الكفار, أو أجاز ذلك1, وقيل: أو كذب على نبي
أو أصر في دارنا على خمر وخنزير غير مستحل.
وقال القاضي رأيت بعض أصحابنا يكفر جاحد تحريم
النبيذ, والمسكر كله كالخمر, وسيأتي رواية في
العدالة2. قال: ولا يكفر بجحد قياس اتفاقا,
للخلاف فيه, بل سنة ثابتة, واحتج بقول ابن
مسعود: لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا في
بيته لتركتم سنة نبيكم, ولو تركتم سنة نبيكم
كفرتم. رواه أبو داود3, ولأحمد ومسلم
وغيرهما4: ضللتم, هذا في جاحد السنن. قال ولم
يكفره جملة من التابعين والعراقيين بجحد سنة.
قال: ولا يكفر بجحد قياس اتفاقا, للخلاف فيه,
بل سنة ثابتة, واحتج بقول ابن مسعود: لو صليتم
في بيوتكم كما يصلي هذا في بيته لتركتم سنة
نبيكم, ولو تركتم سنة نبيكم كفرتم. رواه أبو
داود, ولأحمد ومسلم وغيرهما: ضللتم, هذا في
جاحد السنن. قال ولم يكفره جملة من التابعين
والعراقيين بجحد سنة. قال ومن أظهر الإسلام
وأسر الكفر فمنافق كافر كعبد الله بن أبي بن
سلول وإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه أنه5
لا يفعل فمنافق كقوله في ثعلبة {وَمِنْهُمْ
مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية [التوبة: 75] وهل
يكفر؟ على وجهين وجه كفره أنه شاق الله
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 الاختيارات الفقهية ص "307".
2 "11/323"
3 في سننه "550".
4 أحمد "3623" ومسلم "654" "257" والنسائي في
المجتبى "2/108" وابن ماجه "777".
5 في النسخ "أن".
(10/188)
ورسوله ورد
رسول الله فكفر قال: وطائفة من أصحابنا قالوا:
كله كفر لأنه مكذب والذي أقول: إن ما كان من
النفاق في الأفعال لا يكفر وذلك فيما سأله
إسحاق بن إبراهيم عمن لا يخاف النفاق على نفسه
فقال أحمد: ومن يأمن النفاق؟
1فبين أنه يكون في غالب حال الإنسان ولا يدل
على كفره وفي معنى النفاق الرياء للناس1
ومراده بذلك2 ولا يكفر به فكذا هذا النفاق أو
أنه نفاق فهو مثله ولأحمد3 من حديث عقبة وعبد
الله بن عمرو "أكثر منافقي أمتي قراؤها"
والمراد الرياء ولعل مراد من قال كله كفر غير
ناقل عن الملة كقول أحمد: كفر دون كفر وإلا
فضعيف جدا وظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب4
لا يكفر منافق أسر الكفر قال:
ـــــــ
مسألة 2" قوله: وإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي
قلبه أنه لا يفعل فنفاق كقوله في ثعلبة
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:
75] الآية, وهل يكفر؟ على وجهين وجه كفره أنه
شاق الله ورسوله ورد رسول رسول الله فكفر,
قال: وطائفة من أصحابنا قالوا: كله كفر, لأنه
مكذب, والذي أقول: إن ما كان من النفاق في
الأفعال لا يكفر وظاهر كلام الإمام أحمد
والأصحاب لا يكفر إلا منافق أسر الكفر, انتهى.
ـــــــ
1 1 ليست في "ر".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في مسنده "17367" و"6633".
4 في "ط" "وأصحابه".
(10/189)
من أصحاب من
أخرج الحجاج عن الإسلام لأنه أخاف المدينة
وانتهك حرم الله وحرم رسوله فيتوجه عليه: يزيد
ونحوه ونص أحمد خلاف ذلك وعليه الأصحاب وأنه
لا يجوز التخصيص باللعنة خلافا لأبي الحسين
وابن الجوزي وغيرهما وقال شيخنا ظاهر كلامه:
الكراهة وفي شرح مسلم: أجمع العلماء أن من كان
مصدقا بقلبه ولسانه وفعله هذه الخصال يعني:
الأربع التي من كن فيه كان منافقا خالصا قال1:
لا يكفر ولا هو منافق يخلد في النار فإن إخوة
يوسف وغيرهم جمعوا هذه الخصال.
قال أكثر العلماء ومعنى الخبر: أنه يشبه
المنافق فإنه أظهر خلاف ما أبطن قال بعضهم ومن
ندر ذلك منه فليس داخلا في الخبر وقال الترمذي
إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل قال
جماعة: المراد به1 المنافقون الذين كانوا زمن
النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم معناه:
التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال فيخاف أن
يفضي به إلى حقيقة النفاق وقد ذكر معنى هذه
الأقوال أو بعضها في أحاديث.
ولا يكفر من حكى كفرا سمعه ولا يعتقده ولعل
هذا "ع" وروى ابن عساكر2 في ترجمة محمد بن
سعيد بن هناد3 سمعت يحيى بن خلف بن
ـــــــ
هذا كله من كلام القاضي, والصواب أنه لا يكفر
إلا من أسر الكفر لا غيره, كما قال القاضي:
إنه ظاهر كلام الإمام والأصحاب.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في تاريخ دمشق مخطوطة دار البشير "15/371 –
372".
3 هو محمد بن سعيد بن هناد أبو غانم الخزاعي
سكن بغداد وحدث بها "ت 69 هـ" تاريخ دمشق لابن
عساكر مخطوطو دار البشير "15/371 -372".
(10/190)
الربيع
الطرسوسي قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس وأنا
شاهد فقال: ما بقول في رجل يقول: القرآن
مخلوق؟ فقال: كافر زنديق خذوه فاقتلوه. فقال
الرجل: إنما أحكي كلاما سمعته فقال: إنما1
سمعته منك. وفي الانتصار: من تزيا بزي كفر من
لبس غيار وشد زنار وتعليق صليب بصدره حرم ولم
يكفر, وفي الخلاف: في إسلام كافر بالصلاة ثبت
أن للسيما2 حكما في الأصول, لأنا لو رأينا
رجلا عليه زنار أو عسلي حكم بكفره ظاهرا, ثم
ذكر قول الإمام أحمد في المقتول بأرض حرب:
يستدل عليه بالختان والثياب. قال3: فثبت أن
للسيما حكما في هذه المواضع في باب الحكم
بالإسلام والكفر, كذا في مسألتنا, قال: وبعضهم
ينكر هذا ولا يسلمه. وفي الفصول: إن شهد عليه
بأنه كان يعظم الصليب مثل أن يقبله, ويتقرب
بقربانات أهل الكفر ويكثر من بيعهم وبيوت
عباداتهم, احتمل أنه ردة, لأن هذه أفعال تفعل
اعتقادا, ويحتمل أن لا يكون اعتقادا, لأنه قد
يفعل ذلك توددا أو تقية لغرض الحياة الدنيا,
والأول أرجح, لأن المستهزئ بالكفر يكفر.
وإن كان على ظاهر يمنع القصد, فأولى أن يكون
الفاعل لأفعال من خصائص الكفر أن يكفر, مع عدم
ظاهر يدل على عدم القصد, بل الظاهر
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل "أنا".
2 السيماء والسيمياء والسمة: العلامة. القاموس
"سوم".
3 ليست في "ط".
(10/191)
أنه قصد, وجزم
ابن عقيل قبل هذا بأن من وجد منه امتهان
للقرآن أو خمص1 منه أو طلب تناقضه, أو دعوى
أنه مختلف أو مختلق, أو مقدور على مثله أو
إسقاط لحرمته, كل ذلك دليل على كفره, فيقتل
بعد التوبة. وقال غيره: قال الإمام أحمد من
قال: إن القرآن مقدور على مثله ولكن الله منع
قدرتهم, كفر بل هو معجز بنفسه, والعجز شمل
الخلق.
فمن ارتد مكلفا مختارا رجلا أو امرأة دعي
واستتيب ثلاثة أيام, وينبغي أن يضيق عليه
ويحبس, فإن أصر قتل بسيف, ولا يجوز أخذ فداء
عنه, لأن كفره أغلظ, وعنه: لا تجب استتابته,
وعنه: ولا تأجيله.
ورسول الكفار لا يقتل ولو2 كان مرتدا, بدليل
رسولي مسيلمة3, وذكره في كتاب الهدي. قال في
الفنون في مولود برأسين فبلغ, نطق أحدهما
بالكفر والآخر بالإسلام, إن نطقا معا ففي
أيهما يغلب؟ احتمالان, قال: والصحيح إن تقدم
الإسلام فمرتد.
ويصح إسلام مميز عقله, وردته وعنه: له عشر,
وقاله الخرقي والقاضي, وعنه: سبع, وعنه: حتى
يبلغ, وعنه: يصح إسلامه وهي أظهر والمذهب
صحتهما, وعليهن: يحال بينه وبين الكفار, قال
في الانتصار: ويتولاه المسلمون ويدفن
بمقابرهم,...............
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 التخامص: التجافي اللسان "خمص".
2 في "ط" "وإن".
3 أخرجه أبو داود "2761" عن نعيم بن مسعود
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لهما حين قرأ كتاب مسيلمة "ما تقولان أنتما"
قالا: نقول كما قال. قال: "أما والله لولا أن
الرسول لا تقتل لضربت أعناقكما" .
(10/192)
وإن فرضيته
مترتبة على صحته, كصحته تبعا, وكصوم مريض
ومسافر رمضان, ولا يقتل وهو سكران, إن صحت
ردتهما حتى يستتابا بعد بلوغ وصحو ثلاثة أيام,
وعند الخرقي في الثلاثة من ردة سكران وفي
الروضة: تصح ردة مميز فيستتاب فإن تاب وإلا
قتل ويجري عليه أحكام البلغ.
وغير المميز ينتظر بلوغه, فإن بلغ مرتدا قتل
بعد الاستتابة. قال: وقيل: لا يقتل حتى يبلغ
مكلفا1, وجزم أنه إذا زنى ابن عشر أو بنت تسع:
لا بأس بالتعزير.
ويقتل زنديق, وهو المنافق, ومن تكررت ردته أو
كفر بسحره أو سب
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "مطلقا" وجاء في هامش
الأصل: "لعلها مكلفا" والمثبت من "ط"
(10/193)
الله أو رسوله,
نقل حنبل: أو تنقصه, وقيل: ولو تعريضا, نقل
حنبل: من عرض بشيء من ذكر الرب فعليه القتل,
مسلما أو كافرا, وأنه مذهب أهل المدينة. وسأله
ابن منصور ما الشتيمة التي يقتل بها؟ قال: نحن
نرى في التعريض الحد, قال: فكان مذهبه فيما
يجب الحد من الشتيمة التعريض, وعنه: تقبل
توبتهم كغيرهم, وعنه: لا تقبل إن تكررت ثلاثا.
وفي الفصول عن أصحابنا فلا تقبل إن سب النبي
صلى الله عليه وسلم, لأنه حق آدمي لم يعلم
إسقاطه, وأنه يقبل إن سب الله, لأنه يقبل
التوبة في خالص حقه, وجزم به في عيون المسائل
وغيرها, لأن الخالق منزه عن النقائص فلا يلحق
به, بخلاف المخلوق, فإنه محل لها, فلهذا
افترقا, وعنه: مثلهم من ولد على الفطرة ثم
ارتد, ذكره شيخنا: والخلاف في أحكام الدنيا من
ترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام, فأما في
الآخرة فإن صدق قبل بلا خلاف, ذكره ابن عقيل
والشيخ وجماعة. وفي إرشاد ابن عقيل رواية: لا
تقبل توبة زنديق باطنا, وضعفها وقال: وكمن
تظاهر بالصلاح إذا أتى معصية وتاب1 منها, وأن
قتل علي زنديقا لا يدل على عدم قبولها كتوبة
قاطع طريق بعد القدرة. وذكر القاضي وأصحابه
رواية لا تقبل توبة داعية إلى بدعة مضلة,
واختارها أبو إسحاق بن شاقلا, وفي إرشاد ابن
عقيل: نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمظالم من
أضل, وظاهر
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "وتاب".
(10/194)
كلام غيره: لا
مطالبة. قال شيخنا: قد بين الله تعالى أنه
يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة
البدع, وفي الرعاية: من كفر ببدعة قبلت توبته,
على الأصح, وقيل: إن اعترف بها, وقيل: لا تقبل
من داعية, وذكر القاضي وأصحابه رواية: لا تقبل
توبة قاتل, وعلى قبولها لو اقتص من القاتل أو
عفا عنه هل يطالبه المقتول في الآخرة؟ فيه
وجهان "م 3"
ـــــــ
مسألة 3" قوله: "وعلى قبولها لو اقتص من
القاتل أو عفا عنه هل يطالبه المقتول في
الآخرة؟ فيه وجهان", انتهى. وأطلقهما في
الرعاية الكبرى, قال ابن القيم في الداء
والدواء. وغيره بعد ذكر الخلاف. والتحقيق في
المسألة أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله
تعالى, وحق المقتول, وحق الولي فإذا أسلم
القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي, ندما
على ما فعل, وخوفا من الله, وتوبة نصوحا, سقط
حق الله بالتوبة, وحق الأولياء بالاستيفاء أو
الصلح أو العفو, وبقي حق المقتول يعوضه الله
عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن, ويصلح
بينه وبينه, فلا يذهب حق هذا, ولا يبطل توبة
هذا, انتهى. وتبع في ذلك الشيخ تقي الدين فإنه
فصل هذا التفصيل واختاره, وهو الصواب الذي لا
شك فيه.
(10/195)
ومن أظهر الخير
وأبطن الفسق فكالزنديق في توبته, في قياس
المذهب, ذكره ابن عقيل, وحمل رواية قبول توبة
الساحر على المتظاهر وعكسه بعكسه, يؤيده
تعليلهم1 للرواية المشهورة بأنه لم يوجد
بالتوبة سوى ما يظهره, وظاهر كلام غيره: تقبل,
وهو أولى في الكل, لقوله تعالى في المنافقين
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160].
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "تدليلهم".
(10/196)
وتوبة كل كافر
إتيانه بالشهادتين مع إقراره بما جحده من نبي
أو غيره, أو قوله: أنا مسلم ولا يعتبر في
الأصح إقرار مرتد بما جحده, لصحة الشهادتين من
مسلم, ومنه بخلاف توبة من بدعة, ذكره فيها
جماعة, ونقل المروذي في الرجل يشهد عليه
بالبدعة فيجحد: ليست له توبة, إنما التوبة لمن
اعترف, فأما من جحد فلا, وعنه: يغني قوله:
محمد رسول الله, عن كلمة التوحيد, وعنه: من
مقر به, ويتوجه احتمال: يكفي التوحيد ممن لا
يقر به كوثني لظاهر الأخبار1, ولخبر أسامة2
وقتله
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 سيذكره بعضها ابن قندس قريبا.
2 والحديث بتمامه قال: بعثنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الحرقة القوم فهزمناهم
فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما
غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري
فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة أقتلته
بعد ما قال: لا إله إلا الله" ؟ قلت كان
متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن
أسلمت قبل ذلك اليوم رواه البخاري "4269"
ومسلم "69".
(10/197)
الكافر الحربي
بعد قوله لا إله إلا الله, لأنه مصحوب بما
يتوقف عليه
ـــــــ
........................................
(10/198)
الإسلام,
ومستلزم له, وفاقا للشافعية 1وغيرهم. وقال بعض
الشافعية1: يكفي مطلقا, وهو الذي ذكره ابن
هبيرة في حديثي جندب2 وأسامة, قال فيه: إن
الإنسان إذا قال لا إله إلا الله عصم بها دمه,
ولو ظن السامع أنه قالها فرقا من السيف بعد أن
يكون مطلقا.
وإن أكره ذمي على إقراره به لم يصح, لأنه ظلم
وفي الانتصار
ـــــــ
تنبيه" قوله: "وإن أكره حربي3 على إقراره به
لم يصح كذا في النسخ, وصوابه وإن أكره ذمي
وبعضهم أصلحها كذلك".
ـــــــ
1 1 ليست في "ر".
2 لعله ما أخرجه البخاري "5827" ومسلم "94"
"153" عن ألي ذر أنه قال: أتيت النبي صلى الله
عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته
وقد استيقظ فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا
الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة....."
الحديث.
3 يبدو أن صاحب التصحيح وابن قندس قد اعتمدا
على نسخة من الفروع فيها: "وإن أكره حبي" وفي
حاشية النسخة "د" ذكر خلاف النسخ.
(10/199)
احتمال, وفيه:
يصير مسلما بكتابة الشهادة.
ويكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح
كرجوعه عن حد لا بعد بينة بل يجدد إسلامه, قال
جماعة: يأتي بالشهادتين وفي المنتخب الخلاف.
نقل ابن الحكم فيمن أسلم ثم تهود أو تنصر فشهد
عليه عدول فقال: لم أفعل وأنا مسلم, قبل قوله,
هو أكثر عندي من الشهود, قال شيخنا: اتفق
الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله وإن
لم يحكم به حاكم, بل مذهب الإمام أحمد في
المشهور عنه و "هـ ش" أن من شهدت عليه بينة
بالردة فأنكر حكم بإسلامه, ولا يحتاج أن يقر
بما شهد به عليه, فإذا لم يشهد عليه عدل لم
يفتقر الحكم إلى إقراره "ع" بل إخراجه إلى ذلك
قد يكون كذبا, ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا
الإقرار, كإقرار الصحيح فإنه قد
ـــــــ
........................................
(10/200)
علم أنه لقنه
وأنه فعله خوف القتل وهو إقرار تلجئة, نقل أبو
طالب في اليهودي إذا قال: قد أسلمت أو أنا
مسلم يجبر عليه: قد علم ما يراد منه.
وفي مفردات أبي يعلى الصغير: لا خلاف أن
الكافر لو قال: أنا مسلم ولا أنطق بالشهادة
يقبل منه ولا يحكم بإسلامه, وإن شهد أنه
ـــــــ
.......................................
(10/201)
كفر وادعى
الإكراه قبل منه1 مع القرينة فقط, لأن إنكاره
للردة يمنعها, ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه
قبل مطلقا, في الأصح, لأن تصديقه ليس فيه
تكذيب للبينة.
ومن أسلم وقال لم أرده أو2 لم اعتقده لم يقبل
منه, وعنه: بلى وعنه: إن ظهر صدقه, وعنه: يقبل
من صغير, قال أحمد فيمن قال لكافر: أسلم وخذ
ألفا فأسلم ولم يعطه فأبى الإسلام: يقتل
وينبغي أن يفي, قال: وإن أسلم على صلاتين قبل
منه وأمر بالخمس.
وعن غالب القطان3 عن رجل عن أبيه عن جده أنه
أرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إن أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن
يسلموا, فأسلموا وحسن إسلامهم, ثم بدا له أن
يرتجعها منهم, أفهو أحق بها أم هم؟ قال إن بدا
له أن يسلمها إليهم فليسلمها, "وإن بدا له أن
يرتجعها فهو أحق بها منهم, فإن أسلموا فلهم
إسلامهم وإن لم يسلموا قوتلوا على الإسلام"
وقال: إن أبي شيخ كبير, وهو عريف4 على الماء,
وإنه
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في الأصل "و".
3 هو أبو سليمان غالب بن خطاف القطان بن أبي
غيلان مولى عبد الله بن عامر بن كريز القرشي
قال أحمد عنه ثقة ثقة سير أعلام النبلاء
"6/205".
4 العريف كأمير وهو من يعرف بأصحابه ورئيس
القوم أو النقيب القاموس "عرف".
(10/202)
يسألك أن تجعل
لي العرافة بعده, فقال "إن العرافة حق, لا بد
للناس من عرفاء, ولكن العرفاء في النار" رواه
أبو داود1 وإسناده من لا يحتج به, قال الخطابي
فيه: إن من أعطى رجلا على أن يفعل أمرا مفروضا
عليه فإن للمعطى ارتجاعه منه, ولم يشارط النبي
صلى الله عليه وسلم المؤلفة "قلوبهم" على أن
يسلموا فيعطيهم جعلا على الإسلام, وإنما
أعطاهم عطايا بأتة2 يتألفهم, وفي العرافة
مصلحة الناس, وفيه التحذير من التعريض للرياسة
والتأمر على الناس, لما فيه من الفتنة, وأنه
إذا لم يقم بحقه ولم يؤد الأمانة فيه أثم. ولا
يبطل إحصان قذف ورجم بردة, فإذا أتى بهما بعد
إسلامه حد, خلافا لكتاب ابن رزين في إحصان
رجم.
ـــــــ
1 في سننه "2934".
2 في "ر" و"ط" "بأنه".
(10/203)
فصل: والمذهب أن مال المرتد فيء من موته
...
فصل: والمذهب3 أن مال المرتد فيء من موته,
وعنه: من ردته, اختاره أبو بكر وأبو إسحاق
وصاحب التبصرة والطريق الأقرب. وعنه نتبينه
منها بموته مرتدا, فعلى الأولى يمنع من التصرف
فيه وقاله القاضي وأصحابه وأبو الخطاب وأبو
الحسين وأبو الفرج, وفي الوسيلة نص عليه. نقل
ابن هانئ: يمنع منه, فإذا قتل صار في بيت
المال, واختار
ـــــــ
........................................
ـــــــ
3 في "ط" "والمذهب".
(10/203)
الشيخ وقف
تصرفه, وأنه يترك عند ثقة, كالرواية الثالثة,
وجعل في الترغيب كلام القاضي والشيخ واحدا,
وكذا ذكره القاضي في الخلاف, وتبعه ابن البنا
وغيره, وأن الإمام أحمد نص على ذلك, لكن لم
يقولوا يترك عند ثقة بل قالوا: يمنع منه وهو
معنى كلام ابن الجوزي, فإنه ذكر أنه يوقف, فإن
أسلم نفذ1 وإلا بطل, وأن الحاكم يحفظ بقية
ماله. قالوا: فإن مات مرتدا بطلت, تغليظا عليه
بقطع ثوابه, بخلاف المريض, وقيل: إن لم يبلغ
تبرعه الثلث صح. وفي المحرر: على الأولى تنفذ
معاوضته ويقر بيده, وتوقف تبرعاته, وترد بموته
مرتدا, وعلى الروايتين يقضى دينه وينفق على من
تلزمه نفقته. وعلى الثانية يترك ببيت المال
ولا صحة ولا نفقة. ولا يقضى دين متجدد في
الردة, فإن أسلم رد عليه2 ملكا جديدا ويملك
بأسباب التملك إن بقي ملكه وإلا فلا. واحتج به
في الفصول على بقاء ملكه, وأن الدوام أولى.
وعلى رواية يرثه مسلم أو أهل دينه الذي اختاره
فكمسلم فيه. وفي الانتصار: لا قطع بسرقته لعدم
عصمته, ويضمن ما أتلفه, نص عليه, وعنه: إن
فعله بدار حرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة فلا,
اختاره الخلال وصاحبه والشيخ, واختاره شيخنا,
لفعل الصحابة وكالكافر الأصلي إجماعا. قال:
وإن المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط" "بعد" وفي "ر" "نفذه".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
(10/204)
إجماعا "وقيل
هم كبغاة".
ويؤخذ بحد فعله في ردته. نص عليه, كقبلها,
وظاهر نقل مهنا واختاره جماعة. إن أسلم فلا
كعبادته, نقل مهنا في مرتد لحق بدار الحرب
فقتل بها رجلا مسلما ثم عاد وقد أسلم فأخذه
وليه, هل عليه قود؟ فقال: قد زال عنه الحكم,
لأنه قتله وهو مشرك, وكذلك إن سرق وهو مشرك,
فقيل له: فيذهب دم الرجل؟ فقال ما أقول في هذا
شيئا. قال ابن شهاب: وفيه تنبيه على إسقاط
العبادات, وكذا قال القاضي ظاهره يقتضي إسقاط
القضاء; لأنه أسقط الحد, وهو حق الله تعالى
وتوقف عن القصاص وعنه: الوقف, ومتى لحق بدار
حرب فهو وما معه كحربي, والمنصوص لا يتنجز جعل
ما بدارنا فيئا إن لم يصر فيئا بردته.
وإن لحق زوجان مرتدان بدار حرب لم يسترقا ولا
أولادهما, كولد من أسر من ذمة, ومن لم يسلم
قتل, ويجوز في المنصوص. وذكر ابن عقيل
روايتين, استرقاق الحادث في الردة, وعند الشيخ
والحمل وقتها, وهل يقر بجزية أم الإسلام ويرق
أو القتل؟ وفيه روايتان "م 4".
ـــــــ
مسألة 4" قوله "وهل يقر بجزية أم الإسلام
ويرق, أو القتل؟ فيه روايتان"
(10/205)
وإن1 ارتد أهل
بلد وجرى فيه حكمهم فدار حرب فيغنم ما لهم,
وولد حدث بعد الردة.
ـــــــ
1 في "ط" "وإذا".
(10/206)
فصل: ويكفر الساحر كاعتقاد حله,
وعنه: لا2, اختاره ابن عقيل, وجزم به في
التبصرة, وكفره أبو بكر بعمله, قال في
الترغيب: وهو أشد تحريما. وحمل ابن عقيل كلام
أحمد في كفره على معتقده, وأن فاعله يفسق
ويقتل
ـــــــ
انتهى. يعني به من ولد في حال ردة الزوجين إذا
لحقا بدار الحرب وقلنا باسترقاقه, وأطلقهما في
المقنع3 والمحرر والشرح4 وشرح ابن منجى
والزركشي والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
"إحداهما" يقرون بجزية, كأهل الذمة, وهو
الصحيح, صححه في التصحيح وغيره وجزم به في
الوجيز وغيره, واختاره القاضي في روايتيه
وغيره.
"والرواية الثانية": لا يقرون, فلا يقبل منهم
إلا الإسلام أو السيف, اختاره أبو بكر, وهو
ظاهر ما جزم به في الهداية والكافي5,
لاقتصارهما على هذه الرواية, وهي رواية الفضل
بن زياد, وجزم به في المذهب والخلاصة. وقال في
المغني6
ـــــــ
2 ليست في "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/161".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/162 -
163".
5 "5/327".
6 في "ق" "عمله".
(10/206)
حدا, فعلى
الأولى يقتل.
وهو من يركب مكنسة فتسير به في الهواء ونحوه,
وكذا قيل في معزم على الجن ويجمعها بزعمه,
و1أنه يأمرها فتطيعه1 وكاهن وعراف, وقيل: يعزر
"م 5" وقيل ولو بقتل. وفي الترغيب: الكاهن
والمنجم كالساحر عند أصحابنا, وأن ابن عقيل
فسقه فقط إن قال أصبت بحدسي وفراهتي2, فإن
أوهم قوما بطريقته أنه يعلم الغيب فللإمام
قتله لسعيه
ـــــــ
وتبعه الشارح مع حكايتهما الروايتين: إذا وقع
أبو الولد في الأسر بعد لحوقه بدار الحرب أو
وهو في دار الإسلام لم يقر بها, لانتقاله إلى
الكفر بعد نزول القرآن, انتهى. قال الزركشي.
وهي طريقة3, لم أرها لغيره.
"مسألة 5" قوله بعد ذكره حكم الساحر الذي يركب
المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه "وكذا قيل
في معزم على الجن ويجمعها بزعمه وأنه يأمرها
فتعطيه, وكاهن وعراف, وقيل: يعزر" انتهى. يعني
هل4 الساحر والكاهن والعراف هل يلحقون بالسحرة
الذين يقتلون, أم يعزرون فقط؟ حكى في ذلك
خلافا, وأطلقه, وأطلقهما أيضا في المحرر
والنظم.
"أحدهما": لا يكفر بذلك ولا يقتل, بل يعزر,
وهو الصحيح من المذهب, قال ابن منجى في شرحه:
هذا قول غير أبي الخطاب, وجزم به في الوجيز
وغيره, وقدمه في المقنع5 والشرح5 وشرح ابن
رزين وغيرهم, قال في البلغة: وإن كان
ـــــــ
1 1ليست في "ط".
2 فره فراهة: حذق القاموس "فره".
3 في "ط" "روايته".
4 في "ط" "هذا".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/181".
(10/207)
بالفساد. قال
شيخنا: التنجيم كالاستدلال بالأحوال الفلكية
على الحوادث الأرضية من السحر, قال ويحرم
إجماعا. وأقر أولهم وآخرهم أن الله تعالى يدفع
عن أهل العبادة1 والدعاء ببركته ما زعموا أن
الأفلاك توجبه, وأن لهم من ثواب الدارين ما لا
تقوى الأفلاك أن تجلبه.
ومن سحر بالأدوية والتدخين وسقي مضر عزر, وقيل
ولو بقتل. وقال القاضي والحلواني: إن قال سحري
ينفع وأقدر على القتل به قتل, ولو لم يقتل به,
ويقاد منه إن قتل بما يقتل غالبا, وإلا الدية.
والمشعبذ والقائل بزجر الطير والضارب بحصى
وشعير وقداح إن لم يعتقد إباحته وأنه يعلم به
عزر, وكف عنه وإلا كفر.
ويحرم طلسم ورقية بغير عربي, وقيل: يكره,
وتوقف الإمام أحمد في
ـــــــ
سحرا بسقي أدوية فلا يكفر بذلك ولا يقتل. إلا
أن يقتل به فيجب القود إن كان يقتل غالبا وإلا
فالدية, انتهى.
"والوجه الثاني": حكمهم حكم السحرة الذين
يقتلون, قاله القاضي وأبو الخطاب وغيرهما, وبه
قطع في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم,
وقدمه في الرعايتين, قال في الترغيب: الكاهن
والمنجم كالساحر عند أصحابنا, وإن ابن عقيل
فسقه فقط, كما نقله المصنف. وقال في الحاوي
الصغير: أو عمل سحرا يدعي به إحضار الجن
وطاعته2 فيما شاء فمرتد, وقال في العراف
والكاهن وقيل: هما كالساحر.
ـــــــ
1 في "ر" "العبادات".
2 في "ح" "طاوعته".
(10/208)
الحل بسحر,
وفيه وجهان "م 6".
وسأله مهنا عمن تأتيه مسحورة فيطلقه عنها,
قال: لا بأس. قال الخلال: إنما كره1 أحمد
فعاله, ولا يرى به بأسا, كما بينه مهنا, وهذا
من الضرورة التي يبيح فعلها.
ولا يقتل ساحر كتابي, على الأصح. وفي التبصرة:
إن اعتقدوا جوازه, وإن قتل به أقيد كما تقدم.
وتقدم إن سحر مسلما. وفي عيون المسائل
ـــــــ
"مسألة 6" قوله: "وتوقف أحمد في الحل بسحر,
وفيه وجهان," انتهى.
"أحدهما": يجوز, قال في المغني2 والشرح3: توقف
أحمد في الحل, وهو إلى الجواز أميل, وسأله
مهنا عمن تأتيه مسحورة فيقطعه4 عنها, قال: لا
بأس, قال الخلال: إنما كره فعاله5 ولا يرى به
بأسا, كما بينه مهنا, وهذا من الضرورة التي
يبيح فعلها, انتهى. قال في آداب المستوعب: وحل
السحر عن المسحور جائز, انتهى.
"والوجه الثاني": لا يجوز, قال في الرعايتين
والحاوي الصغير: ويحرم العطف والربط, وكذا
الحل بسحر, وقيل: يكره الحل, وقيل: يباح بكلام
مباح. وقال في الآداب الكبرى: ويجوز حله بقرآن
أو بكلام مباح غيره, انتهى, فدل كلامه أنه لا
يباح بسحر, قال ابن رزين في شرحه وغيره: ولا
بأس بحل السحر بقرآن أو ذكر أو كلام حسن, وإن
حله بشيء من السحر فعنه التوقف, ويحتمل أن لا
بأس به, لأنه محض نفع لأخيه المسلم, انتهى.
ـــــــ
1 بعدها في "ط" "أحمد".
2 "12/304".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/192".
4 في "ط" "فيقطع".
5 في "ط" "فعله".
(10/209)
أن الساحر
يكفر, وهل تقبل توبته؟ على روايتين. ثم قال:
ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس
وذلك شائع عام في الناس.
ونحو ما حكي أن امرأة أرادت إفسادا بين زوجين
فقالت للزوجة: إن زوجك يعرض عنك, وقد سحر, وهو
مأخوذ عنك, وأنا أسحره لك حتى لا يريد غيرك,
ولكن أريد أن تأخذي من شعر حلقه بالموسى ثلاث
شعرات إذا نام, فإن بها يتم الأمر, وذهبت إلى
الرجل فقالت له: إن امرأتك قد علقت بغيرك
وعزمت على قتلك وأعدت لك موسى في هذه الليلة
لنحرك فأشفقت لشأنك ولقد لزمني نصحك. فتناوم
الرجل في فراشه, فلما ظنت المرأة أنه قد نام
عمدت إلى الموسى1 وأهوت بها إلى حلقه لأخذ
الشعر, ففتح الرجل عينيه فرآها فقام إليها
وقتلها. وقد ذكر بعضهم أن ذلك روي عن حماد بن
سلمة قال: باع رجل غلاما على أنه نمام,
فاشتراه المشتري على ذلك, فسعى بينه وبين
امرأته بذلك, وفي آخر القصة: فجاء أولياؤها
فقتلوه, فوقع القتال بين الفريقين. ثم قال في
عيون المسائل: فأما من يسحر بالأدوية والتدخين
وسقي شيء مضر فلا يكفر ولا يقتل ويعزر بما
يردعه. وما قاله غريب ووجهه أنه يقصد الأذى
بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة فأشبه
السحر, ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه2 يؤثر
وينتج ما يعمله السحر أو أكثر, فيعطى حكمه,
تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ر" "لا".
(10/210)
لا سيما إن
قلنا بقتل الآمر بالقتل, على رواية سبقت1,
فهنا أولى, أو الممسك 2لمن يقتل2 فهذا مثله,
ولهذا ذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير
قال: يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد
الساحر في سنة. رأيت بعضهم حكاه عن يحيى بن
أكثم قال: النمام شر من الساحر يعمل النمام في
ساعة ما لا يعمله الساحر في شهر, لكن يقال:
الساحر, إنما كفر لوصف السحر, وهو أمر خاص,
ودليله خاص, وهذا ليس بساحر, وإنما يؤثر عمله
ما يؤثره فيعطى حكمه, إلا فيما اختص به من
الكفر وعدم قبول التوبة, ولعل هذا القول أوجه
من تعزيره فقط.
فظهر مما سبق أنه رواية مخرجة من الممسك
والآمر, وسبقت المسألة في التعزير3.
ومن أطلق الشارع4 كفره لدعواه5, غير أبيه ومن
أتى عرافا فصدقه بما يقول, فقيل كفر النعمة,
وقيل: قارب الكفر, وذكر ابن حامد روايتين:
"إحداهما" تشديد وتأكيد, نقل حنبل: كفر دون
كفر, لا يخرج عن6 الإسلام.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "9" 363".
2 2 ليست في "ر".
3 "115".
4 بعدها في "ط" "عليه".
5 في "ط" "لدعواه".
6 في النسخ الخطية "من" والمثبت من "ط".
(10/211)
"والثانية" يجب
التوقف ولا يقطع بأنه لا ينقل عن الملة, نص
عليه في رواية صالح وابن الحكم "م 7".
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: ومن أطلق الشارع كفره كدعواه1
غير أبيه, ومن أتى عرافا فصدقه بما يقول فقيل:
كفر النعمة, وقيل: قارب الكفر, وذكر ابن حامد
روايتين.
"إحداهما" تشديد وتأكيد. نقل حنبل كفر دون
كفر, لا يخرج عن الإسلام. "والثانية" يجب
التوقف ولا يقطع بأنه لا ينقل عن الملة, نص
عليه في روية صالح وابن الحكم, انتهى.
"أحدهما" كفر نعمة, وقال به طوائف من العلماء
من الفقهاء والمحدثين, وذكره ابن رجب2 في شرح
البخاري عن جماعة, وروي عن أحمد.
"والثاني" قارب الكفر, وقال القاضي عياض
وجماعة من العلماء في قوله "من أتى عرافا
فصدقه3 فقد كفر بما أنزل على محمد4" أي جحد
تصديقه بكذبهم, قال:5 وقد يكون على هذا إذا
اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي صلى
الله عليه وسلم لهم كفر حقيقة, انتهى.
والصواب رواية حنبل, و إنما6 أتى به تشديدا
وتأكيدا, وقد بوب على ذلك البخاري في صحيحه
بابا7, ونص أن بعض الكفر دون بعض, ونص عليهما
أئمة الحديث,
ـــــــ
1 في "ط" "لدعواه".
2 في النسخ الخطية "المجد" والمثبت من "ط".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 أخرجه أحمد في مسنده "9536" والحاكم في
المستدرك "1/8" من حديث أبي هيريرة.
5 ليست في "ط".
6 في "ط" "أنه".
7 انظر صحيح البخاري كتاب الإيمان باب كفران
العشير وكفر دون كفر وذلك قبل حديث "29".
(10/212)
وإن أسلم أبوا1
حمل أو طفل أو أحدهما لا جده وجدته, والمنصوص:
أو مميز لم يبلغ, نقل ابن منصور: لم يبلغ
عشرا, فمسلم, وكذا إن سباه مسلم منفردا, وعنه:
كافر, كسبيه معهما على الأصح, وإن سبي مع
أحدهما فمسلم, وعنه: يتبع أباه, وعنه: المسبي
معه منهما, اختاره الآجري.
ويتبع سابيا ذميا كمسلم, وقيل: إن سباه منفردا
فمسلم. ونقل عبد الله والفضل بن زياد: يتبع
مالكا مسلما كسبي, اختاره شيخنا, وإن ماتا أو
أحدهما في دارنا, وقيل: أو دار حرب فمسلم, على
الأصح, نقله الجماعة, وجزم به الأصحاب إلا
المحرر, فيؤخذ رواية. وفي
ـــــــ
قال ابن رجب في شرح البخاري: وللعلماء في هذه
الأحاديث مسالك متعددة, منهم من حملها على من
فعل ذلك مستحلا, منهم مالك وإسحاق, ومنهم من
حملها على التغليظ والكفر الذي لا ينقل عن
الملة, منهم ابن عباس وعطاء, قال النخعي: هو
كفر بالنعم ونقل عن أحمد, وقاله طاوس. وروي عن
أحمد إنكار من سمى شارب الخمر كافرا وكذلك2
أنكر القاضي جواز إطلاق اسم كفر النعمة على
أهل الكبائر, وحكى ابن حامد عن أحمد جواز
إطلاق الكفر والشرك على بعض الذنوب التي لا
تخرج عن الملة, وروي عن أحمد أنه كان يتوقى
الكلام في تفسير هذه النصوص تورعا, ويمرها كما
جاءت من غير تفسير, مع اعتقادهم أن المعاصي لا
تخرج عن الملة, انتهى ملخصا
ـــــــ
1 في الأصل و"ط" "وأبو".
2 في "ط" "لذلك".
(10/213)
الموجز
والتبصرة رواية: لا بموت أحدهما. نقل أبو طالب
في يهودي أو نصراني مات وله ولد صغير: فهو
مسلم إذا مات أبواه ويرث أبويه. ونقل جماعة إن
كفله المسلمون فمسلم ويرث الولد الميت لعدم
تقدم الإسلام, واختلاف الدين ليس من جهته,
كالطلاق في المرض, ولأنه يرث إجماعا, فلا يسقط
بمختلف فيه, وهو الإسلام, وكما تصح الوصية لأم
ولده, ولأنه لا يمتنع حصول إرثه قبل اختلاف
الدين, كما قال الكل: إن الدين لا يمنع الإرث
وإن لم يكن الميت مالكا له يوم الموت, لكن في
حكم المالك, كذا ذكره القاضي وقال: فإن قيل:
نقل الكحال وجعفر في نصراني مات عن نصرانية
حامل فأسلمت ثم ولدت لا ترث: "إنما ترث
بالولادة وحكم بالإسلام, قيل يحتمل أن يخرج من
هذا رواية: لا يرث" وإنه القياس, ويحتمل
التفرقة وأنه ظاهر تعليل أحمد, لقوة المانع,
لأنه مسلم بأمر مجمع عليه وهو إسلام أمه, وهو
حمل, والمسقط ضعيف, للخلاف في إسلامه بالموت,
ولو كان الحمل لا يرث كما في المحرر لم يحتج
إلى التخريج, ولا هذا الفرق. ولم يذكر في
الفصول إرثه, فظاهره كالطفل. وذكر أيضا في
كتاب الروايتين: في إرث الطفل روايتين. وظاهر
الفصول أنه كمن أسلم قبل قسم التركة.
ـــــــ
........................................
(10/214)
وقال في مكان
آخر بعد رواية الكحال: جعل تجدد الإسلام مانعا
من إرثه مع كوننا نجعل للحمل حكما في باب
الإرث, وذلك أن من أصله أن يورث القريب الكافر
إذا أسلم قبل القسم. وقال شيخنا: قيد ذلك بما
إذا أسلمت أمه قبل الوضع, فإنه في هذه الصورة
يصير مسلما بلا ريب, قال: وتعليل ابن عقيل
ضعيف.
وأطفال الكفار1 في النار, وعنه الوقف, واختار
ابن عقيل وابن الجوزي في الجنة كأطفال
المسلمين. ومن بلغ منهم مجنونا, واختار
ـــــــ
تنبيه" قوله: "وأطفال الكفار في النار, وعنه
الوقف, واختار ابن عقيل وابن الجوزي في الجنة"
انتهى. قال ابن حمدان في2 نهاية المبتدئين:
وعنه الوقف, واختاره ابن عقيل وابن الجوزي
وأبو محمد المقدسي, انتهى. فخالف المصنف في
النقل عن ابن عقيل وابن الجوزي, وزاد الشيخ
الموفق, والذي رأيته في المغني3 أنه نقل رواية
الوقف واقتصر عليها. وقال الشيخ عبد الله
كتيله في كتاب العدة: ذكر شيخ مشايخي في
المغني3 في4 الجهاد أن أحمد سئل عن أولاد
المجوس يموت أحدهم وهو ابن خمس سنين؟ فقال:
يدفن في مقابر المسلمين لقوله عليه السلام:
"فأبواه يهودانه وينصرانه5 و يمجسانه"6 يعني
أنهما لم يمجساه فبقي على الفطرة. وسئل الإمام
أحمد عن أولاد المشركين فقال: أذهب إلى قول
النبي صلى الله عليه وسلم "الله أعلم بما
ـــــــ
1 في "ط" "الكافر".
2 ليست في "ط".
3 "13/254".
4 بعدها في "ط" "كتاب".
5 ليست في "ط".
6 أخرجه البخاري "1358" ومسلم "2658" من حديث
أبي هريرة.
(10/215)
شيخنا تكليفهم
في1 القيامة, للأخبار2 ومثلهم من بلغ منهم
مجنونا, فإن جن بعد بلوغه فوجهان "م 8".
وظاهره يتبع أبويه بالإسلام كصغير, فيعايا
بها. ونقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم
وصار رجلا: وهو بمنزلة الميت هو مع أبويه وإن
كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا, قال:
هو معهما, ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة,
وقاله شيخنا وذكر في الفنون عن أصحابنا: لا
يعاقب, قال: وإذا منع حائل البعد شروط التكليف
فأولى
ـــــــ
كانوا عاملين"3, وقال أيضا الإمام أحمد, نحن
نمر هذه الأحاديث على ما جاءت ولا نقول شيئا,
انتهى. ولم أر ذلك في المغني4.
"مسألة 8" قوله: "ومثلهم من بلغ مجنونا, فإن
جن بعد بلوغه فوجهان", انتهى. "أحدهما" هو في
النار وإن قلنا أطفال الكفار في الجنة, وهو
الظاهر إذا جن بعد تكليفه, وهو الصواب, حيث
تمكن من الإسلام, وهو ظاهر كلام الأصحاب
وغيرهم. "والوجه الثاني" هو كأطفال الكفار,
ولعل الخلاف إذا جن قريبا من البلوغ, وهو
الظاهر, وقول المصنف, بعد بلوغه, فيه إيهام,
والصواب ما قلناه بحيث إن يتمكن من الإسلام.
5فهذه ثمان مسائل في هذا الباب5.
ـــــــ
1 بعدها في "ر" "يوم".
2 منها ما ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى
"4/246" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
"إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم ويبعث
إليهم رسولا في عرصة القيامة فمن أجابه أدخله
الجنة ومن عصاه أدخله النار".
3 أخرجه البخاري "1384" ومسلم "2659" من حديث
أبي هريرة.
4 بل هو فيه انظر المغني "13/254".
5 5 ليست في "ط".
(10/216)
فيهما, ولعدم
جواز إرسال رسول إليهما بخلاف أولئك, وقال: إن
عفو الله عن الذي كان يعامل ويتجاوز لأنه لم
تبلغه الدعوة وعمل بخصلة من الخير. وفي نهاية
المبتدئ: لا يعاقب, وقيل: بلى إن قيل بحظر
الأفعال قبل الشرع. وقال ابن حامد: يعاقب
مطلقا لقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ
أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] وهو عام,
ولأن الله ما أخلى عصره من قائم له بحجة, كذا
قال. ولأحمد ومسلم1 عن أبي هريرة مرفوعا
"والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة
يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت
به إلا كان من أصحاب النار" قال في شرح مسلم:
خص اليهود والنصارى للتنبيه لأن لهم كتابا,
قال: وفي مفهومه إن لم تبلغه دعوة الإسلام فهو
معذور, قال: وهذا جار على ما تقرر في الأصول
لا حكم قبل ورود الشرع, على الصحيح.
قال القاضي أبو يعلى في قوله: {وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}
[الاسراء: 15] في هذا دليل على أن معرفة الله
لا تجب عقلا, وإنما تجب بالشرع, وهو بعثة
الرسل وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع
عليه بالنار. قال: وقيل: معناه أنه لا يعذب
فيما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة
الرسول ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في
دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها لم
يلزمه قضاء شيء منها,
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أحمد "8609" ومسلم "153" "240".
(10/217)
لأنها لم تلزمه
إلا بعد قيام حجة السمع. والأصل فيه قصة أهل
قباء حين استداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا1.
ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بفرض الصلاة
قالوا: عليه القضاء; لأنه قد رأى الناس يصلون
في المساجد بأذان وإقامة, وذلك دعا إليها, ذكر
ذلك ابن الجوزي, ولم يزد عليه, فدل على
موافقته.
والمشهور في أصول الدين عن أصحابنا أن معرفة
الله تعالى وجبت شرعا, نص عليه, وقيل: عقلا,
وهي أول واجب لنفسه, ويجب قبلها النظر لتوقفها
عليه, فهو أول واجب لغيره, ولا يقعان ضرورة,
وقيل: بلى, وكذا إن أعدما2 أو أحدهما بلا موت,
كزنا ذمية ولو بكافر, أو اشتباه ولد مسلم بولد
كافر, نص عليهما, قال القاضي: أو وجد بدار
حرب, وقال في مسألة الاشتباه: تكون القافة في
هذا؟ قال: ما أحسنه, وإن لم يكفرا ولدهما ومات
طفلا دفن في مقابرنا, نص عليه واحتج
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه "2/130".
2 في "ط" "أعدما".
(10/218)
بقوله "فأبواه
يهودانه" 1 قال صاحب النظم. كلقيط, ويتوجه
كالتي قبلها.
ويدل على خلاف النص عن أبي هريرة مرفوعا "ما
من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه
وينصرانه ويشركانه" فقال رجل: يا رسول الله
أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: "الله أعلم بما
كانوا عاملين" متفق عليه2. وفي مسلم3 "على هذه
الملة حتى يبين عنه لسانه" وفسر أحمد
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص "215".
2 تقدم تخريجه ص "216".
3 في صحيحه "2658" "23".
(10/219)
الفطرة فقال:
التي فطر الله1 الناس عليها, شقي أو سعيد.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "د".
(10/220)
قال القاضي:
المراد به الدين, من كفر أو إسلام, قال: وقد
فسر أحمد هذا في غير موضع, وذكر الأثرم: معناه
على الإقرار بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم
{وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]
وبأن له صانعا ومدبرا وإن عبد شيئا غيره وسماه
بغير اسمه وأنه ليس المراد على الإسلام; لأن
اليهودي يرثه ولده الطفل, إجماعا, ونقل يوسف:
الفطرة التي فطر الله العباد عليها, وقيل له
في رواية الميموني: هي التي فطر الله الناس
عليها الفطرة الأولى1؟ قال: نعم.
قال ابن حامد: اختلف قوله في تعذيب أطفال
المشركين والكلام منه في ذلك مبني على2 مقالته
في تفسير الفطرة. ثم ذكر هذه الروايات. وقال
ابن عقيل: المراد به يحكم بإسلامه ما لم يعلم
له أبوان كافران, ولا يتناول من ولد بين
كافرين لأنه انعقد كافرا, كذا قال.
وإن بلغ ممسكا عن إسلام وكفر قتل قاتله, وفيه
احتمال, وقيل: يقتل إن حكم بإسلامه بما تقدم,
لا بالدار. ذكره أبو الخطاب وغيره.
ومن قبلت توبته لم يجز تعزيره, في ظاهر
كلامهم, لأنه لم يجب غير القتل وقد سقط, والحد
إذا سقط بالتوبة أو استوفي لم تجز الزيادة
عليه, كسائر الحدود. وقال شيخنا فيمن شفع عنده
في شخص فقال: لو جاء
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط" "ما".
(10/221)
النبي صلى الله
عليه وسلم يشفع فيه ما قبل1, إن تاب بعد
القدرة عليه قتل2, لا قبلها, في أظهر قولي
العلماء فيهما, ويسوغ تعزيره, وهذا اختيار
المالكية يعزر بعد التوبة.
ووجه شيخنا هذا المعنى في مكان آخر بأن قتله
من حيث هو رسول حق لله, وقد سقط فيعزر لحق
البشرية كتعزير ساب المؤمنين بعد إسلامه, قال:
ومن لم يعاقبه بشيء قال: اندرج حق البشرية في
حق الرسالة, فإن الجريمة الواحدة إذا أوجبت
القتل لم يجب غيره, عند أكثر الفقهاء, ولهذا
اندرج حق الله في حق الآدمي بعفوه عن قود وحد
قذف, قال: وفي الأصلين خلاف, فمذهب "م": يعزر
القاتل بعد العفو, ومذهب "هـ": لا يسقط حد
القذف بالعفو, ولهذا تردد من أسقط القتل
بالإسلام, هل يؤدب حدا أو تعزيرا على خصوص
القذف والسب؟ تقدم احتمال يعزر لحق السلطنة
بعد عفو الآدمي, للتهذيب والتقويم3, فدل من
التعليل على تعزير المرتد, وهو من القاضي
اعتبار للمصلحة المرسلة على عادته. وفي
الأحكام السلطانية: وأما إن4 لم يتب أو تاب
ولم تقبل ظاهرا قتل فقط, جعله الأصحاب أصلا,
لعدم الجلد مع الرجم 5والله أعلم5.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ر" "ما أقبل".
2 في الأصل "قبل".
3 ص "106".
4 في الأصل "من" وفي "ط" "إذا".
5 5 ليست في "ر" و"ط".
(10/222)
|