المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الصلاة
كتاب الصلاة
...
كتاب الصلاة
وهي واجبة
__________
كتاب الصلاة
وهي في اللغة: الدعاء لقوله تعالى: {وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أي ادع لهم وإنما
عدي بـ "على" لتضمنه معنى الإنزال ءأي أنزل
رحمتك عليهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا
فليطعم وإن كان صائما فليصل" وقال الشاعر:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي
الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... نوما فإن لجنب
المرء مضطجعا
وفي الشرع: عبارة عن أقوال وأفعال مخصوصة
مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسلم فلا يرد عليه
صلاة الأخرس لأن الأقوال فيها مقدرة والمقدر
كالوجود وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء وقيل
لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلي في السابق
من الخيل.
واشتقاقها من الصلوين وأحدهما صلى كعصا وهما
عرقان من جانب الذنب وقيل عظمان ينحنيان في
الركوع والسجود وقال ابن فارس من صليت العود
إذا لينته لأن المصلي يلين ويخشع ورده النووي
بأن لام الكلمة في الصلاة واو وفي صليت ياء.
وجوابه أن الواو وقعت رابعة فقلبت ياء ولعله
ظن أن مراده صليت المخفف فتقول صليت اللحم
صليا إذا شويته وإنما أراد ابن فارس المضعف
وقال ابن الأعرابي صليت العصى تصلية أدرته على
النار لتقومه.
"وهي واجبة" بالكتاب لقوله تعالى {إِنَّ
الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
(1/249)
على كل مسلم،
بالغ، عاقل، إلا الحائض والنفساء وتجب على
النائم ومن زال عقله بسكر
ـــــــ
كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: 103] {وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [البينة: 5]
بالسنة منها قوله عليه السلام "بني الإسلام
على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم
رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" متفق
عليه من حديث ابن عمر.
وبالإجماع لأنهم أجمعوا على وجوب الخمس في
اليوم والليلة قال نافع ابن الأزرق لابن عباس
هل تجد الصلوات الخمس في القرآن قال نعم ثم
قرأ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ
وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ
تُظْهِرُونَ} [الروم: 18,17].
وفرضت ليلة الإسراء وهو بعد مبعثه بخمس سنين،
وقيل قبل الهجرة بسنة، وقيل بعد مبعثه بخمسة
عشر شهرا.
"على كل مسلم، بالغ، عاقل" أي مكلف بغير خلاف
إلا الحائض والنفساء فلا تجب عليهما لما مر
"وتجب على النائم" أي يجب عليه قضاؤها إذا
استيقظ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من
نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" رواه
مسلم من حديث أبي هريرة.
ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب قضاؤها
كالمجنون ويلحق به الساهي والجاهل فلو تركها
الجاهل قبل بلوغ الشرع بوجوبها لزمه قضاؤها
وقيل لا ذكره القاضي واختاره الشيخ تقي الدين
بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم
وأجرى ذلك الشيخ تقي الدين في كل من ترك واجبا
قبل بلوغ الشرع من تيمم وزكاة ونحوهما.
"و" تجب على "من زال عقله بسكر" لان سكره
معصية فلا يناسب إسقاط
(1/250)
أو إغماء أو
بشرب دواء ولا تجب على كافر
ـــــــ
الواجب عنه ولأنه إذا وجب بالنوم المباح
فبالمحرم بطريق الأولى.
وقيل يسقط إذا كان مكرها.
"أو إغماء" لما روي أن عمارا غشي عليه ثلاثا
ثم أفاق فقال هل صليت قالوا ما صليت منذ ثلاث
ثم توضأ وصلى تلك الثلاث.
وعن عمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه ولم
يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ولأنه لا تطول
مدته غالبا ولا تثبت عليه الولاية ويجوز على
الأنبياء ولأنه لا يسقط الصوم فكذا الصلاة
كالنائم وقيل تسقط عنه ولا يقضيها روي عن ابن
عمر وطاووس وغيرهما.
"أو بشرب دواء" وظاهره لا فرق بين أن يكون
مباحا أو محرما وقيل إن كان مباحا فلا
كالحيوان وفي المغني و الشرح إن طال زواله
بشرب المباح لم يجب القضاء كالجنون وإن لم يطل
وجب كالإغماء فرع: ما فيه السموم من الأدوية
إذا كان الغالب فيه السلامة وفي المغني و
الشرح ويرجى نفعه أبيح شربه في الأصح لدفع ما
هو أخطر منه كغيره من الأدوية والثاني يحرم
لأن فيه تعريضا للهلاك أشبه ما لو لم يرد به
التداوي وكما لو كان الغالب منه الهلاك فإن
قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه
وإن قلنا بإباحته فهو كالمباحات.
"ولا تجب على كافر" أصلي حكاه السامري وغيره
رواية واحدة لأنها لو وجبت عليه حال كفره لوجب
عليه قضاؤها ولأن وجوب الأداء يقتضي وجوب
القضاء واللازم منتف.
وعنه بلى وصححها في الرعاية ولا يجب عليه
القضاء إذا أسلم إجماعا لأنه اسلم خلق كثير في
عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده فلم
يؤمر أحد بقضاء لما فيه من التنفير عن الإسلام
وفي خطابه الفروع خلاف وأما المرتد
(1/251)
ولا مجنون ولا
تصح منهما وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه.
ـــــــ
فسيأتي.
ولا مجنون لقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع
القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن
المجنون حتى يعقل وعن الصبي حتى يحتلم" رواه
أبو داود والترمذي وحسنه من حديث عائشة.
ولأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ونقل
حنبل يعيد إذا أفاق ذكره أبو بكر.
فعلى الأولى يستثنى ما لو طرأ الجنون على
الردة فإنه يجب عليه قضاء أيام الجنون الواقعة
في الردة لان إسقاط القضاء عن المجنون رخصة
والمرتد ليس من أهلها وقيل لا يجب كالحيض.
"ولا تصح منهما" لان من شرط صحتها النية وهي
لا تصح من كافر ولا تقع من مجنون.
مسألة لا تجب على الأبله الذي لا يعقل ذكره
السامري كالمجنون وفي الرعاية يقضي مع قوله في
الصوم الأبله كالمجنون.
يقال رجل أبله بين البلاهة وهو الذي غلبت عليه
سلامة الصدر وفي الحديث "أكثر أهل الجنة
البله" يعني البله في أمر الدنيا لقلة
اهتمامهم بها وهم أكياس في أمر الآخرة وتباله
أرى من نفسه ذلك وليس به.
"وإذا صلى الكافر" على اختلاف أنواعه "حكم
بإسلامه" نص عليه لقوله عليه السلام "من صل
صلاتنا واستقبل قبلتنا فله ما لنا وعليه ما
علينا" لكن في البخاري من حديث أنس موقوفا في
قوله حين سأله ميمون بن سياه فقال "من شهد أن
لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا
وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه
ما على المسلم" وروى أبو داود من حديث أبي
هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهيت
عن قتل
(1/252)
ولا تجب على
صبي وعنه تجب على من بلغ عشرا ويؤمر بها لسبع
ويضرب على تركها لعشر
ـــــــ
المصلين" وظاهره أن العصمة تثبت بالصلاة وهي
لا تكون بدون الإسلام ولأنها عبادة تختص شرعنا
أشبهت الأذان ولا يعتد به ويحكم بكفر من سجد
لصنم فكذا عكسه.
وفائدته لو مات عقيبه ورثه المسلمون ودفن في
مقابرهم ولو أراد البقاء على الكفر فهو مرتد
فلو ادعى أنه كان متلاعبا أو مستهزئا لم يقبل
منه ذكره في عيون المسائل و منتهى الغاية
وغيرهما كالشهادتين.
ولا فرق بين أن تكون صلاته في دار الإسلام أو
الحرب جماعة أو فرادى وذكر أبو محمد التميمي
أنه محكوم بإسلامه إن صلى جماعة وفي صحة صلاته
في الظاهر وجهان فإن صحت لم تصح إمامته في
المنصوص وفي حجه وصومه قاصدا رمضان وزكاته
ماله وقيل وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا
كجنازة وسجدة تلاوة وجهان
"ولا تجب على صبي" في ظاهر المذهب للخبر
ولأنها عبادة بدنية فلم يلزمه كالحج والطفل لا
يعقل والمدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى
وتختلف فنصب الشارع عليه علامة ظاهرة وهي
البلوغ فعلى هذا تصح من المميز وهو من له سبع
سنين وثواب فعله له.
ويشترط لصحتها ما يشترط لصحة صلاة البالغ إلا
في السترة ذكره في الشرح وهو شامل لغة للصبية
كما ذكره ابن حزم.
"وعنه تجب على من بلغ عشرا" لضربه عليها وعنه
تجب على المراهق اختاره أبو الحسن التميمي
وعليهما يلزمه إتمامها وإلا فالخلاف في النقل.
"و" على الأولى "يؤمر بها لسبع ويضرب على
تركها لعشر" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين
واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم بالمضاجع"
رواه أحمد,
(1/253)
فإن بلغ في
أثنائها أو بعدها في وقتها لزم إعادتها ولا
يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها
إلا لمن نوى الجمع
ـــــــ
وأبو داود من رواية سوار بن داود وقد وثقه ابن
معين وغيره.
والمراد بهما استكمالهما والأمر والتأديب في
حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ويعتادها فلا
يتركها ثم البلوغ فيلزم الولي أمره بها
وتعليمه إياها والطهارة نص عليه.
وقوله يؤمر بها أي من جهة الولي لا من جهة
الشارع فإن النص يتضمن أمر الشارع للولي وهو
مأمور بأمره فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الصبي
ثم على من تلزمه نفقته.
"فإن بلغ في أثنائها" كمن تمت مدة بلوغه وهو
فيها وسمي بلوغا لبلوغه حد التكليف "أو بعدها
في وقتها لزمه إعادتها" لأنها نافلة في حقه
فلم يجزئه كما لو نواها نفلا وكما يلزمه إعادة
الحج إلا على رواية الوجوب ذكره في التلخيص و
البلغة.
وقدم جماعة وجوب الإعادة مطلقا وظاهره أنه لا
يلزمه إعادة الطهارة لأن ولا يجوز لمن وجبت
عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إلا لمن ينوي
الجمع أو لمشتغل بشرطها القصد غيرها قال في
الفروع وكذا إسلام لأن أصل الدين لا يصح نفلا
فإذا وجد فعلى وجه الوجوب ولأنه يصح بفعل غيره
وهو الأب "ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة
تأخيرها" أو بعضها "عن وقتها" أي وقت الجواز
مع القدرة والذكر إجماعا لما روى أبو قتادة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في
النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن نؤخر
الصلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى" رواه مسلم.
ولأنه يجب إيقاعها في الوقت فإذا خرج ولم يأت
بها كان تاركا للواجب مخالفا للأمر وهو عاص
مستحق العقاب ولأنه لو عذر بالتأخير لفاتت
فائدة التأقيت .
(1/254)
أو لمشتغل
بشرطها ومن جحد وجوبها كفر
ـــــــ
واستثنى من ذلك صورتين الأولى إلا لمن ينوي
الجمع لعذر فإنه يجوز له التأخير لأنه عليه
السلام كان يؤخر الأولى في الجمع ويصليها في
وقت الثانية وسيأتي ولأن وقتيهما يصير وقتا
واحدا لهما ومقتضاه لا يحتاج إلى استثنائه.
وجوابه أن كل صلاة لها وقت معلوم فيتبادر
الذهن إليه فيتعين إخراجه والثانية "أو لمشتغل
بشرطها" كذا في الوجيز و الحاوي واقتصر الأكثر
على الأول لأن الصلاة لا تصح بدونه إذا قدر
عليه وشرطه أن يكون مقدورا عليه قاله في الشرح
وقيده في الفروع بالقريب.
لكن قال الشيخ تقي الدين ليس مذهبا لأحمد
وأصحابه وإن الوقت يقدم واختار تقديم الشرط إن
انتبه قبل طلوعها.
ومن صحت صلاته مع الكراهة كالحاقن لا يجوز أن
يشتغل بالطهارة إن خرج الوقت ومن أبيح له
التأخير فمات قبل الفعل لم يأثم في الأصح
ويسقط إذن بموته قال القاضي لأنه لا يدخلها
النيابة فلا فائدة في بقائها في ذمته بخلاف
الزكاة والحج.
ومقتضاه أن له التأخير عن أول وقتها بشرط
العزم على فعلها ما لم يظن مانعا منها كموت
وقتل وحيض وكذا من أعير سترة أول الوقت ومتوضئ
عدم الماء في السفر وطهارته لا تبقى إلى آخر
الوقت ولا يرجو وجوده ومستحاضة لها عادة
بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعلها فيتعين الفعل
في أول الوقت ويأثم من عزم على الترك إجماعا
ومتى فعلت في وقتها فهي أداء.
"ومن جحد وجوبها كفر" إذا كان ممن لا يجهله
كالناشئ بين المسلمين في الأمصار زاد ابن تميم
وإن فعلها لأنه لا يجحدها إلا تكذيبا لله
ورسوله وإجماع الأمة جهر مرتدا بغير خلاف
نعلمه وإن ادعى الجهل كحديث الإسلام والناشئ
ببادية عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور.
(1/255)
فإن تركها
تهاونا لا جحودا دعي إلى فعلها فإن أبى حتى
تضايق وقت التي بعدها وجب قتله وعنه لا يقتل
حتى يترك ثلاثا ويضيق وقت الرابعة
ـــــــ
فإن قال أنسيتها قيل له صل الآن وإن قال أعجز
عنها لعذر أعلم أنه يجب عليه أن يصلي على حسب
حاله
"فإن تركها تهاونا" وكسلاً "لا جحودا دعي إلى
فعلها" لاحتمال انه تركها لعذر يعتد سقوطه
بمثله كالمرض ونحوه والداعي له الإمام ومن في
حكمه ويهدده فيقول له إن صليت وإلا قتلناك
وذلك في وقت كل صلاة
"فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله"
نص عليه واختاره الأكثر لقوله تعالى
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} إلى قوله
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}
[التوبة: 5] متى ترك الصلاة لم يأت بشرط
التخلية فيبقى على إباحة القتل.
ولقوله عليه السلام "من ترك الصلاة متعمدا فقد
برئت منه ذمة الله ورسوله" رواه أحمد بإسناده
عن مكحول وهو مرسل جيد.
ولأنها من أركان الإسلام لا تدخلها النيابة
فقتل تاركها كالشهادتين ومراده حتى تضايق وقت
الثانية عنها صرح به في الوجيز وقيل عنهما
قاله في الرعاية.
وعنه يجب قتله بدخول وقت الثانية وإن لم يضق
قدمه ابن تميم واختاره المجد.
قال في الفروع وهي أظهر لمفهوم النهي عن قتل
المصلين.
قال ابن حمدان إن وجب القضاء على الفور
واختاره أبو إسحاق ابن شاقلا إلا الأولى من
المجموعتين لأن وقتهما مع العذر واحد وحسنه في
المغني وظاهره أنه إذا لم يدع إليها لم يكفر
ولم يقتل بحال.
"وعنه لا يقتل حتى يترك ثلاثا" أي ثلاث صلوات
"ويضيق وقت الرابعة"
(1/256)
ولا يقتل حتى
يستتاب ثلاثا فإن تاب قبل منه وإلا قتل بالسيف
وهل يقتل حدا أو لكفره؟ على روايتين
ـــــــ
قدمه في التلخيص لأنه قد يترك الثلاث لشبهة
فإذا ترك الرابعة انتفت الشبهة فيقتل والأصح
حتى يضيق وقت الرابعة عنها وقيل بل عنهن وفي
المبهج و الواضح و تبصرة الحلواني رواية ثلاثة
أيام قتل وجوبا بضرب عنقه.
"ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا" أي ثلاثة أيام
وجوبا في الأشهر ويضيق عليه لأنه يقتل لترك
واجب فتقدمته الاستتابة كالمرتد وذكر القاضي
أنه يضرب وينبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي
ولا ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته قاله
الشيخ تقي الدين.
"فإن تاب قبل منه" كغيره ويصير مسلما بالصلاة
نقل صالح توبته أن يصلي وصوبه الشيخ تقي الدين
لأن كفره بالامتناع كإبليس وتارك الصلاة
وصحتها قبل الشهادتين كمرتد وظاهره أنه متى
راجع الإسلام لم يقض مدة امتناعه كغيره من
المرتدين لعموم الأدلة وقدم في الفروع وهو
ظاهر كلام جماعة منهم خلافه.
"وإلا قتل بالسيف" يضرب به عنقه لقول النبي
صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا
القتلة" رواه مسلم أي الهيئة من القتل.
"وهل يقتل حدا أو لكفره؟ على روايتين" أشهرهما
انه يقتل كفرا وهي ظاهر المذهب واختارها
الأكثر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "بين الرجل والكفر ترك الصلاة" رواه
مسلم.
وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من تركها فقد كفر" رواه الخمسة وصححه
الترمذي.
وروى عبادة مرفوعا "من ترك الصلاة متعمدا فقد
خرج من الملة" رواه الطبراني بإسناد جيد.
(1/257)
.......................................
ـــــــ
وقال عمر لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
ولأنه يدخل بفعلها في الإيمان فيخرج بتركها
منه كالشهادتين فعليها حكمه حكم الكفار من أنه
لا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر
المسلمين وذكر القاضي يدفن منفردا وذكر الآجري
من قتل مرتدا ترك بمكانه ولا يدفن ولا كرامة
وتبين منه زوجته قبل الدخول وكذا بعده إن لم
يتب ويصلي في الأشهر.
والثانية: ويقتل حدا قدمها في المحرر وابن
تميم واختارها ابن بطة وذكر أنها المذهب قال
في المغني وهي أصوب القولين وجزم بها في
الوجيز للعمومات منها قوله عليه السلام: "أسعد
الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا
من قلبه" رواه البخاري.
وقال: " إني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم
القيامة فهي إن شاء الله تعالى نائلة من مات
لا يشرك بالله شيئا" رواه مسلم.
وحديث عبادة رواه أحمد وغيره وصححه ابن حبان
وابن عبد البر ولأنها عبادة تحكم بإسلام
الكافر فلم يكفر بتركها كالزكاة والحج وهو
إجماع حكاه في الشرح وفيه نظر.
وأجيب عما تقدم على كفر النعمة أو على معنى
قارب الكفر فعليها حكمه كأهل الكبائر فتنعكس
الأحكام السابقة لأنه مسلم.
قال بعضهم وإذا دفن مع المسلمين طمس قبره حتى
ينسى وحكى النووي في شرح البخاري عن بعضهم أنه
لا يرفع قبره ولا يدفن في مقابر المسلمين
تحقيرا له وزجرا لأمثاله وهو غريب.
فرع: الجمعة كغيرها وقيل إن اعتقد وجوبها وصلى
ظهرا أربعا وقلنا هي ظهر مقصورة لم يكفر.
تنبيه : إذا ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه
كالطهارة فكتركها وكذا
(1/258)
...................................
ـــــــ
مختلفا فيه يعتقد وجوبه ذكره ابن عقيل وخالف
فيه المؤلف وأنه لا يكفر بترك غيرها من زكاة
وصوم وحج يحرم تأخيره تهاونا وكسلا اختاره
الأكثر وذكر ابن شهاب أنه ظاهر المذهب ويقتل
على الأصح وسيأتي .
(1/259)
باب الأذان
ـــــــ
باب الأذان
الأذان هو في اللغة الإعلام لقوله تعالى
{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
[التوبة: 3] أي إعلام وقوله { وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أي أعلمهم
يقال أذن بالشيء يؤذن أذانا وتأذينا وأذينا
على وزن رغيف إذا أعلم به وهو اسم وضع موضع
المصدر وأصله من الأذن وهو الاستماع كأنه يلقي
في آذان الناس ما يعلمهم به
وفي الشرع : الإعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه
بذكر مخصوص
والإقامة هي في الأصل مصدر أقام وحقيقته إقامة
القاعد وفي الشرع الإعلام بالقيام إليها بذكر
مخصوص كأن المؤذن أقام القاعدين وأزالهم عن
قعودهم
إعلام الأذان فيه فضل عظيم لقوله عليه السلام:
"المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة"
رواه مسلم من حديث معاوية ولقوله: "الإمام
ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر
للمؤذنين" رواه أحمد وغيره ولقوله: "من أذن
سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار"
رواه ابن ماجة من حديث ابن عباس وهو أفضل من
الإمامة في الأصح ومن الإقامة في قول الأكثر
وعنه فضلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم
تولاها بنفسه
وأجيب عنه بان عدم مواظبته عليه إما خوف تغيير
صيغته أو توهم سامع أن ثم غيره موصوفا بذلك أو
لضيق الوقت عنه واقتصر عليه في المغني وهما
مشروعان و الشرح وقيل إنما تركه لأنه لو أذن
لزم إجابته ولم يكن لأحد التخلف عن دعوته مع
أنه ورد "أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة
واحدة على راحلته في مطر وبلة" خرجه الترمذي
وغيره.
وله الجمع بينهما وذكر أبو المعالي أنه أفضل .
(1/260)
وهما مشروعان
ـــــــ
"وهما مشروعان" بالكتاب لقوله تعالى {وَإِذَا
نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58]
وبالسنة وهي كثيرة منها حديث عبد الله بن زيد
بن عبد ربه قال "لما أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب الناس به لجمع
الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في
يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس فقال وما
تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا
أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى قال فقال
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله اكبر أشهد
أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله
اشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول
الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على
الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا
إله إلا الله
قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال تقول إذا
قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي
على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد
قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا
الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبرته بما رأيت فقال "إنها لرؤيا حق إن
شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت
فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك" فقمت مع بلال
فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال فسمع ذلك عمر
بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول
والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل
الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فلله الحمد" رواه أحمد وأبو داود ولفظه له
وابن ماجة والترمذي بعضه وصححه
ومدار هذا الحديث عندهم على ابن إسحاق وقد صرح
بالتحديث فقال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي
عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه فذكره
وقال الترمذي سألت البخاري عن هذا فقال هو
عندي حديث صحيح .
(1/261)
للصلوات الخمس
دون غيرها للرجال دون النساء, وهما فرض على
الكفاية
ـــــــ
"للصلوات الخمس" وفي الفروع والجمعة ولا يحتاج
إليه لدخولها في الخمس دون غيرها من فائتة
ومنذورة وقيل بلى والفرق ظاهر بين المفروضات
وغيرها لأن المقصود منه الإعلام بوقت الصلاة
على الأعيان وهذا لا يوجد في غيرها وكذا عيد
وكسوف واستسقاء بل ينادي لذلك وألحق القاضي
بذلك التراويح والمنصوص أنه لا ينادي لها
كالجنازة على المعروف.
فرع : يسن أذان في أذن مولود حين يولد وفي
الرعاية وغيرها ويقيم في اليسرى.
"للرجال" بشرط الإسلام والعقل وأما العدالة
فسيأتي دون النساء لما روي عن أسماء بنت يزيد
قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليس على النساء أذان ولا إقامة" رواه النجاد.
وروي عن عمر وأنس ولا نعلم عن غيرهم خلافه لأن
الأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها وكذا
الإقامة لأن من لا يشرع له الأذان لا تشرع له
الإقامة كالمسبوق وعنه يسن لهن لفعل عائشة
أنها كانت تؤذن وتقيم رواه ابن المنذر وعنه مع
خفض الصوت والخنثى كامرأة.
"وهما فرض على الكفاية" على المذهب لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم "إذا حضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" متفق عليه.
والأمر يقتضي الوجوب وعن أبي الدرداء أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة لا
يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم
الشيطان" رواه أحمد والطبراني.
ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة فكان واجبا
كالجهاد فعلى هذا تجب على جماعة الرجال.
(1/262)
إن اتفق أهل
بلد على تركهما قاتلهم الإمام
ـــــــ
وعنه : على كل رجل عاقل يريد الصلاة وحده قدمه
في الرعاية حضرا.
وعنه : وسفرا وهو أظهر لأنه عليه السلام كان
يؤذن له ويقام فيهما وحكى القاضي عن أبي بكر
أنهما فرض كفاية على أهل المصر سنتان على
المسافرين اختاره المجد وكثير من أصحابنا وهو
مفهوم كلام أحمد على ما ذكره ابن هبيرة.
وقال السامري الصحيح أنه لا فرق بين المصر
والقرى ولا بين الحاضرين والمسافرين والواحد
والجماعة سواء قلنا هما واجبان أو مسنونان.
وعنه : هما سنة وهو ظاهر الخرقي لأنه دعاء إلى
الصلاة أشبه قوله الصلاة جامعة.
وفي الروضة هو فرض وهي سنة.
فعلى المذهب وقيل وعلى أنهما سنة "إن اتفق أهل
بلد على تركهما قاتلهم الإمام" لأنهما من
أعلام الدين الظاهرة فقوتلوا على الترك كصلاة
العيد.
والمراد بالإمام الخليفة ومن جرى مجراه
كنائبه.
ومقتضاه أنه إذا قام بهما من يحصل به الإعلام
غالبا أجزأ عن الكل ولا يجوز أخذ الأجرة
عليهما في أظهر الروايتين وإن كان واحدا نص
عليه وأطلقه جماعة وقيده بعضهم بالبلد الصغير
أو المحلة الكبيرة إذا كان يسمعهم جميعهم لأن
الغرض إسماعهم.
وفي المستوعب متى أذن واحد سقط عمن صلى معه
مطلقا خاصة وقيل يستحب اثنان.
قال في الفروع ويتوجه احتمال في الفجر فقط
كبلال وابن أم مكتوم ولا تستحب الزيادة عليهما
وقال القاضي: على أربعة لفعل عثمان إلا من
حاجة والأولى أن يؤذن واحد.
(1/263)
ولا يجوز أخذ
الأجرة عليهما في أظهر الروايتين فإن لم يوجد
متطوع رزق الإمام من بيت المال من يقوم بهما
ـــــــ
بعد واحد ويقيم من أذن أولا وإن لم يحصل
الإعلام بواحد زيد بقدر الحاجة كل واحد في
جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ويقيم أحدهم
والمراد بلا حاجة فإن تشاحوا أقرع وعلم منه أن
الصلاة تصح بدونهما لأن ابن مسعود صلى بعلقمة
والأسود بلا أذان ولا إقامة واحتج به أحمد لكن
يكره ذكره الخرقي وغيره
وذكر جماعة إلا بمسجد قد صلي فيه ونصه أو
اقتصر مسافر ومنفرد على الإقامة وهما أفضل لكل
مصل إلا لكل واحد ممن في المسجد فلا يشرع بل
حصل لهم الفضيلة كقراءة الإمام للمأموم
وهل صلاة من أذن لصلاته بنفسه أفضل لأنه وجد
منه فضل يختص الصلاة أم يحتمل أنها وصلاة من
أذن له سواء لحصول سنة الأذان ذكر القاضي أن
أحمد توقف نقله الأثرم
"ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر
الروايتين" لما روي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لعثمان بن أبي العاص: "واتخذ مؤذنا
لا يأخذ على أذانه أجرا" رواه أحمد وأبو داود
والترمذي وحسنه وقال العمل على هذا عند أهل
العلم
وقال وكرهوا أن يأخذ على أذانه أجرا ولأنه يقع
قربة لفاعله أشبه الإمامة
والثانية يجوز لأن فعله معلوم يجوز أخذ الرزق
عليه فجاز أخذ الأجرة كسائر الأعمال والأولى
أصح وخطأ ابن حامد من أجازه لأنه قياس مع وجود
النص والإقامة كالأذان معنى وحكما
"فإن لم يوجد متطوع رزق الإمام من بيت المال
من يقوم بهما" لا نعلم خلافا في جواز أخذ
الرزق عليه قاله في المغني و الشرح لأن
بالمسلمين حاجة إليه ونقل عنه المنع لكن قال
في الرعاية هو ضعيف وعلى ما
(1/264)
وينبغي أن يكون
المؤذن صيتا أمينا عالما بالأوقات فإن تشاح
فيه اثنان قدم أفضلهما في ذلك
ـــــــ
ذكره يرزقه الإمام من الفيء لأنه المعد
للمصالح فهو كأرزاق القضاة والغزاة وروى ابن
المنذر عن الشافعي أنه من خمس الخمس سهم النبي
صلى الله عليه وسلم وظاهره أنه إذا وجد متطوع
به لم يعط غيره منه لعدم الحاجة إليه.
"وينبغي" أي ويستحب "أن يكون المؤذن صيتا" أي
رفيع الصوت لقوله عليه السلام لعبد الله بن
زيد "قم مع بلال فألقه عليه فإنه اندى صوتا
منك" واختار أبا محذور للأذان لكونه صيتا
ولأنه أبلغ في الإعلام زاد في المغني وغيره
وأن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه.
"أمينا" أي عدلا لما روى أبو محذورة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمناء الناس
على صلاتهم وسحورهم المؤذنون" رواه البيهقي
وفيه يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام ولأنه
مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها ولا يؤمن أن
يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك ولأنه يؤذن على
موضع عال ولا يؤمن منه النظر إلى العورات
"عالما بالأوقات" ليتحراها فيؤذن في أولها
وإذا لم يكن عالما بها لا يؤمن منه الخطأ
واشترطه أبو المعالي كالذكورية والعقل
والإسلام.
ويستحب أن يكون بصيرا قاله في المغني و الشرح
لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط وكره ابن
مسعود وابن الزبير أذانه وكره ابن عباس
إقامته.
قال ابن تميم فإن كان له من يعرفه الوقت لم
يكره نص عليه لفعل ابن أم مكتوم وتستحب حريته
حكاه ابن هبيرة اتفاقا وظاهر كلام جماعة لا
فرق.
قال أبو المعالي ويستأذن سيده.
"فإن تشاح" تفاعل من الشح وهو النحل مع
حرص"فيه اثنان" لا يريدان أن يفوتهما "قدم
أفضلهما في ذلك" أي في الخصال المذكورة لأنه
عليه السلام قدم
(1/265)
ثم أفضلهما في
دينه وعقله ثم من يختاره الجيران فإذا استويا
أقرع بينهما
ـــــــ
بلالاً على عبد الله لكونه أندى صوتا منه
وقسنا بقية الخصال عليه
فإن استووا فيها فقال "ثم أفضلهما في دينه
وعقله" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم
قراؤكم" رواه أبو داود وغيره.
ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت ففي
الأفضلية في ذلك بطريق الأولى ولان مراعاتهما
أولى من مراعاة الصوت لأن الضرر بفقدهما أشد.
"ثم من يختاره الجيران" كذا في الفروع و الشرح
لأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في
التقديم ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو
أعف من النظر وحكم أكثرهم كالكل وذكر في
الكافي هذا رواية.
"فإن استويا أقرع بينهما" لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء
والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه
لاستهموا" متفق عليه.
وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع
بينهم سعد لأنها تزيل الايهام ويجعل من خرجت
له كالمستحق المتعين.
وعنه تقدم القرعة على من يختاره الجيران نقله
الجماعة وقدمها في الكافي و التلخيص و البلغة
وقيل يقدم الأدين الأفضل فيه ثم القرعة جزم به
في الوجيز .
وذكر القاضي والسامري وصاحب التلخيص أنهما مع
الاستواء يقدم من له مزية في عمارة المسجد أو
التقدم بالأذان فيه.
وفي الرعاية يقدم من له التقديم ثم الأعقل ثم
الأدين ثم الأفضل فيه ثم الأخبر بالوقت ثم
الأعمر للمسجد المراعي له ثم الأقدم تأذينا
فيه وقيل أو أبوه ثم من قرع مع التساوي وعنه
بل من رضيه الجيران.
(1/266)
والأذان: خمس
عشرة كلمة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة
كلمة فإن رجع في الأذان او ثني الإقامة فلا
بأس
ـــــــ
"والأذان" المختار "خمس عشرة كلمة لا ترجيع
فيه والإقامة إحدى عشرة كلمة" هذا هو المشهور
لحديث عبدالله بن زيد وكان بلال يؤذن كذلك
ويقيم حضرا وسفرا مع النبي صلى الله عليه وسلم
إلى أن مات وعليه عمل أهل المدينة.
قال أحمد هو آخر الأمرين وكان بالمدينة قيل له
إن أبا محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن
حديث أبي محذورة بعد فتح مكة فقال أليس قد رجع
النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقر
بلالا على أذان عبد الله ويعضده حديث أنس قال
"أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" متفق
عليه زاد البخاري إلا الإقامة وحديث ابن عمر
قال إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم مرتين والإقامة مرة مرة غير
أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة رواه
أحمد وأبو داود وابن خزيمة وصححه.
فائدة : قوله الله أكبر أي من كل شيء أو أكبر
من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله أو هو
بمعنى كبير وقوله أشهد أي أعلم وقوله حي على
الصلاة أي أقبلوا إليها وقيل أسرعوا والفلاح
الفوز والبقاء لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء
الله فيبقى فيها ويخلد وقيل هو الرشد والخير
وطالبهما مفلح لأنه يصير إلى الفلاح ومعناه
هلموا إلى سبب ذلك وختم بلا إله إلا الله
ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى كما بدأ به
وشرعت المرة إشارة إلى وحدانية المعبود
سبحانه.
"فإن رجع في الأذان او ثني الإقامة فلا بأس"
أي هو جائز نص عليه في رواية حنبل فقال أذان
أبي محذورة أعجب إلي وعليه عمل أهل مكة إلى
اليوم وهو يرجع فيعيد الشهادتين بعد ذكرهما
خفضا بصوت أرفع من الصوت الأول.
عن أبي محذورة "أن النبي صلى الله عليه وسلم
علمه الأذان تسع عشرة كلمة" رواه أحمد ,
(1/267)
ويقول في أذان
الصبح الصلاة خير من النوم مرتين
ـــــــ
وأبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن
حبان.
والحكمة: أن يأتي بهما بتدبر وإخلاص لكونهما
المنجيتين من الكفر المدخلتين في الإسلام وسمي
بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه أو إلى
الشهادتين بعد ذكرهما والمراد بالخفض أن يسمع
من بقربه أو أهل المسجد إن كان واقفا والمسجد
متوسط الخط والترجيع اسم للمجموع من السر
والعلانية.
وعنه لا يعتبر الترجيع فيه وأجاب في الشرح أن
النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر أبا محذورة
بذكر الشهادتين سرا ليحصل الإخلاص بهما فإنه
في الإسرار أبلغ وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم
يكن مقرا بهما حينئذ فإن في الخبر أنه كان
مستهزئا يحكي أذان مؤذن النبي صلى الله عليه
وسلم فسمعه فدعاه فأمره بالأذان وقصد نطقه
بهما ليسلم بذلك وهذا لا يوجد في غيره بدليل
أنه لم يأمر به بلالا ولا غيره ممن هو ثابت
الإسلام ويعضده أن خبر أبي محذورة متروك
بالإجماع لعدم عمل الشافعي به في الإقامة وأبي
حنيفة في الأذان.
وعنه: هما سواء وقاله إسحاق لصحة الرواية بهما
وأما تثنية الإقامة فهي كالأذان لأن في حديث
عبد الله بن زيد أنه أقام مثل أذانه رواه أبو
داود ولا تكره تثنيتها.
"ويقول في أذان الصبح" بعد الحيعلتين "الصلاة
خير من النوم" مرتين لقوله النبي صلى الله
عليه وسلم لأبي محذورة "فإذا كان أذان الفجر
فقل الصلاة خير من النوم مرتين" رواه أحمد
وأبو داود وفي رواية "أن بلالا جاء ذات يوم
فأراد أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل له إنه نائم قال فصرخ بأعلى صوته الصلاة
خير من النوم مرتين".
قال ابن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين
إلى صلاة الفجر وقيل يجب وجزم به في الروضة
ويسمى هذا التثويب ويستحب لأنه من ثاب
بالمثلثة إذا.
(1/268)
ويستحب أن
يترسل في الأذان ويحدر في الإقامة وأن يؤذن
قائما
ـــــــ
رجع لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين ثم
عاد إليها.
وقيل سمي به لما فيه من الدعاء وظاهره أنه
يقوله ولو أذن قبل الفجر وأنه يكره في غير
أذان الفجر وبين الأذان والإقامة لقول بلال
"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب
في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء" رواه أحمد
وغيره واختصت بذلك لأنه وقت ينام الناس فيه
غالبا فشرع ذلك للحاجة.
"ويستحب أن يترسل" أي يتمهل ويتأنى من قولهم
جاء فلان على رسله "في الأذان ويحدر" أي يسرع
الإقامة لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لبلال: "يا بلال إذا أذنت فترسل وإذا
أقمت فاحدر" رواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا
من حديث عبد المنعم صاحب السقاء وهو إسناد
مجهول ورواه الحاكم في مستدركه وعن عمر معناه
رواه أبو عبيد ولأنه إعلام الغائبين فالتثبت
فيه أبلغ والإقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة
إليه فيها.
ويسن أذانه أول الوقت وأن يقف على كل جملة قال
جماعة هما مجزومان وحكي عن أهل اللغة قال
إبراهيم النخعي شيئان مجزومان كانوا لا
يعربونهما الأذان والإقامة.
"وأن يؤذن قائما" لما روى أبو قتادة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "قم فأذن" وكان
مؤذنوه عليه السلام يؤذنون قياما.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أنه من
السنة لأنه أبلغ في الإسماع.
وظاهره أنه إذا أذن قاعدا أنه يصح لكن مع
الكراهة صرح به في الشرح وغيره كالخطبة قاعدا.
وعنه لا يعجبني وبعده ابن حامد.
فإن كان لعذر جاز ولم يذكروا الاضطجاع ويتوجه
الجواز لكن يكره
(1/269)
متطهراً على مو
ضع عالٍٍٍٍٍِِ
ـــــــ
لمخالفة السنة والماشي كالراكب وظاهره الكراهة
وهو رواية عنه وعنه لا وعنه يكره حضرا وقال
ابن حامد إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا بطل
وهو رواية في الثانية.
وأما الإقامة فتكره ماشيا أو راكبا نص عليه
وعنه لا وقال في الرعاية يباحان للمسافر حال
مشيه وركوبه في رواية.
"متطهرا" من الحدثين الأصغر والأكبر لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤذن إلا متوضئ"
رواه الترمذي والبيهقي مرفوعا من حديث أبي
هريرة وموقوفا هو أصح وحكم الإقامة كذلك فإن
أذن أو أقام محدثا فظاهر كلام جماعة وصرح به
في الشرح أنه يصح مع الكراهة وقدم ابن تميم
والجد عدمها نص عليه وهو المذهب كقراءة القرآن
وفي الرعاية وهو ظاهر كلام ابن تميم أنها تكره
الإقامة قولا واحداً للفصل بينهما وبين الصلاة
فإن كان جنبا فإنه يصح على الأصح مع الكراهة
لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر.
والثانية لا اختاره الخرقي وقدمه السامري لأنه
ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة.
وعلى الصحة إن أذن في مسجد مع جواز لبثه فيه
صح فهو كالأذان في مكان غصب.
وفيه روايتان أصحهما الصحة لعدم اشتراط البقعة
له لكن مع الإثم قاله ابن تميم وعدمها وهو
اختيار ابن عقيل ومقتضى قول ابن عبدوس فإنه
قطع باشتراط الطهارة له وفي الرعاية يسن أن
يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه وثوبه وربما يحتمله
كلام المؤلف.
"على موضع عال" أي: مرتفع كالمنارة ونحوها
لحديث رواه أبو داود ولأنه أبلغ في الإعلام
فلو خالف صح وكره كالخطبة.
(1/270)
مستقبل القبلة
فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولم
يستدر
ـــــــ
"مستقبل القبلة" لما روى أبو داود مرسلا أن
الذي رآه عبد الله بن زيد استقبل وأذن وحكى
ابن المنذر الإجماع على أنه من السنة ولأنها
أشرف الجهات فلو خالف فكالذي قبله.
"فإذا بلغ الحيعلة" وهي كلمة مولدة ليست من
كلام العرب كما يقال بسمل وسبحل وهيلل ونحوها
"التفت" برأسه وعنقه وصدره وظاهر المحرر أنه
لا يلتفت بصدره.
"يمينا وشمالا" فيكون يمينا حي على الصلاة ثم
يعيده يسارا ثم كذلك حي على الفلاح وقيل يقول
يمينا حي على الصلاة ثم يسارا حي على الفلاح
ثم كذلك ثانية وهو أخذها والأولى أن يقول
يمينا حي على الصلاة مرتين ويسارا حي على
الفلاح مرتين.
"ولم يستدر" أي لا يزيل قدميه قدمه جماعة وهو
ظاهر الخرقي وجزم به في الوجيز لما روى أبو
جحيفة قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
في قبة حمراء من أدم فخرج وتوضأ فأذن بلال
فجعلت أتتبع فاه هاهنا وها هنا يقول يمينا
وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح" متفق
عليه ورواه أبو داود وفيه فلما بلغ حي على
الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا
ولم يستدر.
وظاهره لا فرق فيه بين المنارة وغيرها وهو
المشهور وكأنه لم يعجبه الدوران في المنارة
وكما لو كان على وجه الأرض.
وعنه يزيل قدميه في المنارة ونحوها نصره في
الخلاف واختاره المجد وجزم به في الروضة لأنه
لا يحصل المقصود بدون ذلك زاد ويجعل اصبعيه في
أذنيه ويتولاهما معا أبو المعالي مع كبر البلد
للحاجة وظاهره أنه لا يلتفت في الإقامة وهو
وجه قاله أبو المعالي وجزم به الآجري وغيره .
(1/271)
ويجعل أصبعيه
في أذنيه ويتولاهما معاً
ـــــــ
والثاني يلتفت فيها في الحيعلة ويرفع صوته
مقدار طاقته ولا يجهد نفسه لئلا ينضر ما لم
يؤذن لنفسه أو لجماعة حاضرين وتكره الزيادة
وعنه التوسط أفضل.
"ويجعل أصبعيه" أي سبابتيه "في أذنيه" هذا هو
المذهب قال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل
العلم لما روى أبو جحيفة أن بلالا وضع أصبعيه
في أذنيه رواه أحمد والترمذي وصححه.
وأمر عليه السلام بلالا بذلك وقال: "إنه أرفع
لصوتك" رواه ابن ماجة وعنه يضم أصابعه إلى
راحتيه ويجعلهما على أذنيه وهو اختيار ابن
عبدوس وابن البنا وصاحب البلغة رواه أحمد عن
أبي محذورة وعن ابن عمر أنه أمر مؤذنا بذلك
رواه أبو حفص.
وعنه يبسط أصابعه مضمومة على أذنيه جزم به في
التلخيص زاد السامري عليها دون الإبهام
والراحة وقدمه في الرعاية قال في الشرح والأول
أصح لصحة الخبر وشهرته وعمل أهل العلم به
ليجتمع الصوت ويستدل الأصم على كونه أذانا
وأيهما فعل فحسن ويرفع وجهه إلى السماء فيه
كله نص عليه في رواية حنبل لأنه حقيقة التوحيد
وفي المستوعب عند كلمة الإخلاص وقيل
والشهادتين قاله في الرعاية.
"ويتولاهما معا" لما في حديث زياد بن الحارث
الصدائي حين أذن قال فأراد بلال أن يقيم فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : "يقيم أخو صداء
فإن من اذن فهو يقيم" رواه أحمد وأبو داود
وقال الترمذي إنما نعرفه من حديث الإفريقي وهو
ضعيف عند أهل الحديث ولأنهما ذكران يتقدمان
الصلاة فسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين.
وعنه لا فرق بينه وبين غيره ذكره أبو الحسين
لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد "ألقه على
بلال فألقاه عليه فأذن ثم قال له أقم أنت"
رواه أبو داود,
(1/272)
ويقيم في موضع
أذانه إلاأن يشق عليه ولا يصح الأذان إلا
مرتبا متواليا فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت
طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به
ـــــــ
ولأنه يحصل المقصود منه أشبه ما لو تولاهما
واحد وهو محمول على الجواز والأول على
الاستحباب ولو سبق المؤذن بالأذان فأراد
المؤذن أن يقيم فقال أحمد لو أعاد الأذان كما
صنع أبو محذورة فإن أقام من غير إعادة فلا
بأس.
"ويقيم في موضع أذانه" لقول بلال للنبي صلى
الله عليه وسلم: "لا تسبقني بآمين" لأنه لو
كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بها كذا
استنبطه الإمام أحمد ولقول ابن عمر كنا إذا
سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة
ولأنه أبلغ في الإعلام كالخطبة الثانية.
"إلا أن يشق عليه" مثل أن يؤذن في منارة أو
مكان بعيد من المسجد فإنه يقيم في غير موضع
أذانه لئلا تفوته بعض الصلاة لإمكان صلاته لكن
لا يقيم إلا بإذن الإمام لفعل بلال.
"ولا يصح الأذان إلا مرتبا" لأنه ذكر متعبد به
فلا يجوز الإخلال بنظمه كأركان الصلاة.
"متواليا" عرفا لأنه لا يحصل المقصود منه وهو
الإعلام بدخول الوقت بغير موالاة وشرع في
الأصل كذلك بدليل أنه عليه السلام علمه أبا
محذورة مرتبا متواليا.
"فإن نكسه" لم يصح لما ذكرنا "أو فرق بينه
بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به"
إذا طال التفريق بين جملة إما بالسكوت الطويل
أو الكلام المباح الكثير بطل لإخلاله
بالموالاة المشترطة ومثله نوم كثير أو إغماء
أو جنون وظاهره أن السكوت والكلام المباح
اليسير لا يبطلانه بل هو جائز لأن سليمان بن
صرد وله البغوي كان ولا يجوز إلا بعد دخول
الوقت يأمر غلامه بالحاجة في أذانه وكرد
السلام ولكن يكره ذلك إذا كان لغير حاجة فإن
كان التفريق بالمحرم كالسب والقذف لم يعتد به
لأنه فعل يخرجه عن أهلية الأذان كالردة ,
(1/273)
ولا يجوز إلا
بعد دخول الوقت، إلا الفجر
ـــــــ
وظاهره وإن كان يسيرا وجزم به في المحرر و
الوجيز وعلله المجد بأنه قد يظن سامعه متلاعبا
أشبه المستهزئ وعلله المؤلف بأنه محرم فيه زاد
بعضهم كالردة فدل أن كل محرم سواء.
والثاني يعتد به لانه لم يخل بالمقصود أشبه
المباح وظاهره أنه إذا ارتد بعد فراغه أنه لا
يبطل وهو الصحيح بخلاف الطهارة فإن حكمها باق
وقال القاضي يبطل قياسا عليها وحكم الإقامة
كذلك.
قال أبو داود قلت لأحمد الرجل يتكلم في أذانه
قال نعم قلت له يتكلم في الإقامة قال لا ولأنه
يستحب حدرها ويعتبر معهما النية واتحاد المؤذن
فلو أتى واحد ببعضه وآخر ببقيته لم تصح
كالصلاة مسألة لا تعتبر موالاة بين الإقامة
والصلاة إذا أقام عند إرادة الدخول في الصلاة
ويجوز الكلام بينهما وكذا بعد الإقامة قبل
الدخول فيها روي عن عمر رضي الله عنه.
"ولا يجوز" أي لايصح "إلا بعد دخول الوقت" لما
روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم
وليؤمكم أكبركم" متفق عليه.
ولأنه شرع للإمام بدخول الوقت وهو حث على
الصلاة فلم يصح في وقت لا تصح فيه كالإقامة
وفي الرعاية رواية بالكراهة وفيه نظر للإجماع
على خلافها والمستحب أن يكون في أول الوقت
لفعل بلال رواه ابن ماجة وظاهره أنه يجوز
مطلقا ما دام الوقت باقيا والمنع منه فيما
بعده ويتوجه بسقوط مشروعيته بفعل الصلاة.
"إلا الفجر" فإنه يجوز قبل الوقت نص عليه
وصححه جماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
"إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن
ابن أم مكتوم" متفق عليه زاد البخاري وكان
رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت
(1/274)
فإنه يؤذن لها
بعد نصف الليل
ـــــــ
أصبحت
ولأن وقتها يدخل على الناس وفيهم الجنب
والنائم فاستحب تقديم أذانه حتى يتهيؤوا لها
فيدركوا فضيلة أول الوقت.
وذكر في المغني و الشرح أنه لا يجوز أن يتقدم
على الوقت كثيرا لما في الصحيح من حديث عائشة
قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل
ذا ويرقى ذا.
قال البيهقي مجموع ما روي في تقديم الأذان قبل
الفجر إنما هو بزمن يسير واما ما يفعل في
زماننا من الأذان للفجر من الثلث الأخير فخلاف
السنة إن سلم جوازه وفيه نظر.
وعنه لا يصح قبل الوقت لها كغيرها.
ثم نبه على وقت الجواز فقال "فإنه يؤذن لها
بعد نصف الليل" كذا في المحرر و الوجيز لأن
معظمه قد ذهب وقرب الأذان وبذلك يخرج وقت
العشاء المختار ويدخل وقت الدفع من مزدلفة
ورمي جمرة العقبة روي الأثرم قال كان مؤذن
دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بمقدار ما
يسير الراكب ستة أميال فلا ينكره مكحول وقيده
في الكافي و الشرح بأن يجعله في وقت واحد في
الليالي كلها فلا يتقدم ولا يتأخر لئلا يغر
الناس وظاهره الاعتداد به وأنه لا فرق فيه بين
رمضان وغيره وصححه في الشرح في حق من عرف له
عادة بالأذان فيه واختاره جماعة وعليه العمل
لكن نص أحمد وجزم به في الوجيز أنه يكره قبل
الفجر فيه لئلا يغر الناس فيتركوا سحورهم.
ويستحب لمن أذن قبله أن يكون معه من يؤذن في
الوقت للخبر واشترطه طائفة من علماء الحديث
وألحق الشيرازي الجمعة به فأجازه قبل الوقت
ليدركها من بعد منزله واستثنى ابن عبدوس مع
الفجر الصلاة المجموعة وفيه
(1/275)
ويستحب أن يجلس
بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم ومن جمع
بين صلاتين أو قضاء فوائت أذن وأقام للأولى ثم
أقام لكل صلاة بعدها
ـــــــ
نظر لأن وقتهما كالواحدة.
"ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة
ثم يقيم" كذا في الوجيز لما روى تمام في
فوائده بإسناده عن أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " جلوس المؤذن بين الأذان
والإقامة في المغرب سنة" وقيده في المحرر
وغيره بقدر ركعتين قال بعضهم خفيفتين وقيل
والوضوء وقد روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لبلال: "اجعل بين أذانك وإقامتك قدر
ما يخلو الآكل من أكله والشارب من شربه
والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته" رواه أبو داود
والترمذي وقيل بقدر الوضوء والسعي وفي التبصرة
بقدر حاجته ووضوئه زاد الحلواني وصلاة ركعتين
وهذا كله إذا سن تعجيلها ولأن الأذان شرع
للإعلام فيسن تأخير الإقامة للإدراك كما يستحب
تأخيرها في غيرها وكذا كل صلاة فيسن تقديمها
لعموم النص وظاهره أنه لا تستحب الركعتان
قبلها في الظاهر عنه ولا يكره فعلهما قبلها في
المنصوص.
وعنه يسن للحديث الصحيح وعنه بين كل أذانين
صلاة قاله ابن هبيرة في غير المغرب.
"ومن جمع بين صلاتين" سواء كان جمع تقديم أو
تأخير "أو قضاء فوائت أذن وأقام للأولى ثم
أقام لكل صلاة بعدها" جزم به أكثر الأصحاب لما
وهل يجزئ أذان المميز للبالغين على روايتين
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين
الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء
بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه مسلم وقدم في
الرعاية أنه يؤذن لكل واحدة منهما ويقيم قال
في الشرح وهو مخالف للسنة الصحيحة وعنه إن جمع
بينهما بإقامة فلا باس وهو الذي في الشرح وخصه
بما إذا كان الجمع في وقت الثانية لأن الأولى
مفعولة في غير وقتها فهي كالفائتة والثانية
مسبوقة بصلاة فلم يشرع لها كالثانية من
الفوائت بخلاف جمع التقديم لأن الأولى مفعولة
في وقتها أشبه ما لم يجم.ع
(1/276)
وهل يجزئ أذان
المميز للبالغين؟ على روايتين
ـــــــ
وأما قضاء الفوائت فلما روى أبو عبيدة عن أبيه
عبد لله بن مسعود "أن المشركين يوم الخندق
شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع
صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر
بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى
العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى
العشاء" رواه النسائي والترمذي ولفظه له وقال
ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من
أبيه.
وقيده في الشرح بما إذا كان في الجماعة فإن
كان وحده كان استحباب ذلك في حقه أدنى لأن
الأذان والإقامة للإعلام ولا حاجة إليه هنا
وعنه لا بأس بالاكتفاء لهن بإقامة واحدة إذا
أذن وعنه يقيم في غيرأذان.
وكذا لو قضاها متفرقات من غير موالاة فأما إذا
كانت واحدة فيؤذن لها ويقيم وصرح في الكافي
أنه يسن الأذان للفائتة ثم إن خاف من رفع صوته
به أسر وإلا جهر فلو ترك الأذان لها فلا بأس.
"وهل يجزئ أذان المميز" وهو الذي يفهم الخطاب
ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف
الأفهام كذا قيل والصواب ضبطه به.
"للبالغين على روايتين" أولاهما الصحة نصره
القاضي وغيره وقدمه في المحرر وجزم به في
الوجيز مع الكراهة لما روى ابن المنذر بإسناده
عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال كان عمومتي
يأمرونني أن أأذن لهم وأنا غلام لم أحتلم وأنس
شاهد ذلك ولم ينكره.
وهذا مما يظهر ولا يخفى فكان كالإجماع ولأنه
ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالبالغ.
والثانية لا يصح قدمها في الفروع واختارها
جماعة لأنه لا يقبل خبره فلم يحصل الإعلام
بأذانه أو بأنه فرض كفاية وفعله نفل وهو أولى
(1/277)
وهل يعتد بأذان
الفاسق والأذان الملحن؟ على وجهين.
ـــــــ
قال الشيخ تقي الدين يتخرج فيه روايتان
كشهادته وولايته.
وظاهره أن المراهق يصح أذانه وهو كذلك نقله
حنبل.
"وهل يعتد بأذان الفاسق" أي العاصي لأن الفسق
لغة العصيان والترك لأمر الله والخروج عن طريق
الحق وشرعا من فعل كبيرة أو أكثر من الصغائر
والكبيرة ما فيها حد في الدنيا أو وعيد في
الآخرة نص عليه "والأذان الملحن" الذي فيه
تطريب يقال لحن في قراءته إذا طرب بها وغرد.
على وجهين وكذا في المحرر أحدهما لا يصح أذان
الفاسق صححه في التلخيص و الرعاية وقدمه
السامري لأنه لا يقبل خبره ولأنه عليه السلام
وصفه بالأمانة والفاسق غير أمين وكمرأة وخنثى
والثاني صحته كالإقامة لأنه مشروع لصلاته وهو
من أهل العبادة وجزم به في الوجيز مع الكراهة
فإن كان مستور الحال فيصح بغير خلاف نعلمه
قاله في الشرح ويصح في الأصح أذان الملحن
والملحنون مع بقاء المعنى مع الكراهة قال
القاضي كقراءة الألحان قال أحمد كل شيء محدث
أكرهه مثل التطريب ولأنه يحصل به المقصود.
والثاني لا يصح لما روى الدارقطني عن ابن عباس
قال "كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب
فقال عليه السلام: " إن الأذان سهل سمح فإن
كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن" وذكره ابن
الجوزي في الموضوعات.
فلو أحال أحدهما معنى كما لو نصب لام رسول
لأنه أخرجه عن كونه خبرا أو مد لفظة أكبر لأنه
يجعل فيها ألفا فيصير جمع كبر وهو الطبل أو
أسقط الهاء من اسم الله والصلاة بطل.
وتكره لثغة فاحشة وإلا فلا بأس لأنه روي أن
بلالا كان يجعل الشين سينا وفيه شيء والفصيح
أحسن وأكمل.
(1/278)
ويستحب لمن سمع
المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلتين
فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله
ـــــــ
"ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا
في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا
بالله" كذا في المحرر و الوجيز نص عليه ولا
نعلم خلافا في استحبابه لما روى عمر "أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال المؤذن
الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر
الله كبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال
أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا
رسول الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله ثم
قال حي على الصلاة فقال لا حول ولا قوة إلا
بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا
قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال
الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله
قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة"
رواه مسلم قال الأثرم هذا من الأحاديث الجياد
ولأنه خطاب فإعادته عبث بل سبيله الطاعة وسؤال
الحول والقوة وتكون الإجابة عقيب كل كلمة أي
لا تقارن ولا تتأخر وقيل يوافقه في الحيعلة مع
قول ذلك ليجمع بينهما.
وقال الخرقي وغيره يقول كما يقول لما روى أبو
سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا
سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول" متفق عليه.
قال الزركشي وهو المذهب وفيه نظر ولا فرق بين
المؤذن والسامع نص عليهما ولا الجنب والحائض
للخبر وظاهره ولو في طواف وقراءة لأن ذلك يفوت
بخلافهما ويستثنى منه المصلي ولو نفلا وتبطل
بالحيعلة.
قال أبو المعالي إن لم يعلم أنها دعاء إلى
الصلاة فروايتا ساه ولكن يجيبه إذا فرغ قاله
في الكافي وكذا المتخلي قاله أبو المعالي
ومقتضى كلامه أن المؤذن لا يجيب نفسه وهو ظاهر
كلام جماعة وصرح آخرون باستحبابه كالسامع وأن
يقولا ذلك خفية نص عليه.
قال في الفروع ويتوجه احتمال تجب إجابته للأمر
وظاهر كلامهم: أنه.
(1/279)
العلي العظيم
ويقول بعد فراغه اللهم رب هذه الدعوة التامة
والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة
والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي
وعدته إنك لا تخلف الميعاد
ـــــــ
يجيب ثانيا وثالثا حيث سن واختاره الشيخ تقي
الدين لكن لو سمع المؤذن وأجابه وصلى في جماعة
لا يجيب الثاني لأنه غير مدعو بهذا الأذان.
زاد المؤلف "العلي العظيم" وتتبعت ذلك فوجدته
في المسند من حديث أبي رافع "أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما
يقول حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح
قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"
ورواه الطبراني في معجمه الكبير وإسناده فيه
لين ويقول في التثويب صدقت وبررت وفي الإقامة
عند لفظها أقامها الله وأدامها زاد في
المستوعب و التلخيص ما دامت السموات والأرض
ويقول ذلك خفية.
فائدة: معنى لا حول ولا قوة إلا بالله إظهار
الفقر وطلب المعونة منه في كل الأمور وهو
حقيقة العبودية وقال أبو الهيثم أصل لا حول
ولا قوة من حال الشيء إذا تحرك يقول لا حركة
ولا استطاعة إلا بالله وقال ابن مسعود معناه
لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة
على طاعته إلا بمعونته قال الخطابي هذا أحسن
ما جاء فيه ويقال لا حيل لغة حكاه الجوهري
وعبر عنها الأزهري بالحوقلة وتبعه في الوجيز
على أخذ الحاء من حول والقاف من قوة واللام من
اسم الله تعالى.
"ويقول بعد فراغه" كل من المؤذن وسامعه "اللهم
رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت
محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة
وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف
الميعاد لما" روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب
هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا
الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي
وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" رواه
البخاري ورواه النسائي وأبو حاتم ,
(1/280)
.....................................
ـــــــ
والبيهقي وابعثه المقام المحمود معرفين كما
ذكره المؤلف ولم يثبت فيه الدرجة الرفيعة وروى
البيهقي في سننه في آخره إنك لا تخلف الميعاد
وظاهره أنه لا يستحب غير ذلك وفي الرعاية أنه
يرفع بصره إلى السماء ويدعو بما ورد
فقال أحمد إذا سألتم الله حاجة فقولوا في
عافية
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما روى
عبد الله بن عمرو مرفوعا "إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم صلوا علي فإنه
من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم
سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا
ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن
أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له
الشفاعة" رواه مسلم ولم يذكر السلام معه
فظاهره أنه لا يكره بدونه وقد ذكر النووي أنه
يكره للنص
تذنيب : اللهم أصله يا الله والميم بدل من يا
قاله الخليل وسيبويه وقال الفراء أصله يا الله
أمنا بخير فحذف حرف النداء ولا يجوز الجمع
بينهما إلا في الضرورة والدعوة بفتح الدال هي
دعوة الأذان سميت تامة لكمالها وعظم موقعها
وسلامتها من نقص يتطرق إليها وقال الخطابي
وصفها بالتمام لأنها ذكر الله يدعى بها إلى
طاعته وهذه الأمور التي تستحق صفة الكمال
والتمام وما سواها من أمور الدنيا فإنه معرض
للنقص والفساد.
وكان الإمام أحمد يستدل بهذا على أن القرآن
غير مخلوق قال لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص
والصلاة القائمة التي ستقوم بصلاتها ويفعل
بصلاتها والوسيلة منزلة عند الملك وهي منزلة
في الجنة والمقام المحمود الشفاعة العظمى في
موقف القيامة لأنه يحمده فيها الأولون
والآخرون والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب
الوقوع بوعد الله تعالى إظهار كرامته وعظيم
منزلته وقد وقع منكراً في الصحيح تأدبا مع
القرآن فيكون قوله الذي وعدته منصوبا على
البدلية أو على إضمار فعل أو مرفوعا على أنه
خبر لمتبدأ محذوف .
(1/281)
.......................................
ـــــــ
مسائل:
الأولى: إذا دخل المسجد لم يركع حتى يفرغ نص
عليه ليجمع بين الفضيلتين وعنه لا بأس قال في
الفروع ولعل المراد غير أذان الجمعة لأن سماع
الخطبة أهم واختاره صاحب النظم ولا يقوم
القاعد حتى يفرغ أو يقرب فراغه نص على معنى
ذلك لأن الشيطان ينفر حين يسمع النداء
الثانية : يعمل بالأذان في دارنا وكذا دار حرب
إن علم إسلامه
الثالثة : لا يؤذن غير الراتب إلا بإذنه إلا
أن يخاف فوات الوقت فيؤذن غيره
الرابعة : يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يرد الدعاء
بين الأذان والإقامة " رواه أحمد والترمذي
وحسنه وعند الإقامة فعله أحمد ورفع يديه وعن
ابن عمر مرفوعا "تفتح أبواب السماء لقراءة
القرآن وللقاء الزحف ولنزول القطر ولدعوة
المظلوم وللأذان" رواه الحاكم بإسناد ضعيف
(1/282)
باب شروط
الصلاة
وهي ما يجب لها قبلها وهي ست: أولها: دخول
الوقت
ـــــــ
باب شروط الصلاة
الشروط : جمع شرط كفلوس جمع فلس والشرائط جمع
شريطة قاله الجوهري والأشراط واحد شرط بفتح
الشين والراء وسمي شرطا لأنه علامة على
المشروط ومنه قوله تعالى {فَقَدْ جَاءَ
أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]
وفي الاصطلاح هو ما يلزم من انتفائه انتفاء
الحكم كالإحصان مع الرجم فالشرط ما لا يوجد
المشروط مع عدمه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده
وهو عقلي كالحياة للعلم ولغوي كإن دخلت الدار
فأنت طالق وشرعي كالطهارة للصلاة
وقال بعضهم هو ما يتوقف عليه صحة الشيء إن لم
يكن عذر ولا يكون منه
"وهي ما يجب لها قبلها" أي يتقدم على الصلاة
ويسبقها ويجب استمرارها فيها وبهذا المعنى
فارقت الأركان
"وهي ست" كذا بخط المؤلف بغير هاء وقياسه ستة
بالهاء لأن واحدها شرط وهو مذكر يلزم الهاء في
جمعه لقوله تعالى {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}
[الحاقة: 7] فكأنه قال شرائط الصلاة وهي ست
كما ذكره في الهداية والعمدة
"أولها دخول الوقت" لقوله تعالى {أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الاسراء: 78]
قال ابن عباس دلوكها إذا فاء الفيء ويقال هو
غروبها وقيل طلوعها وهو غريب قال عمر الصلاة
لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به وحديث
جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في
الصلوات الخمس ثم قال "يا
(1/283)
والثاني
الطهارة من الحدث والصلوات المفروضة خمس الظهر
ـــــــ
محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك" فالوقت سبب
وجوب الصلاة لأنها تضاف إليه وهي تدل على
السببية وتتكرر بتكرره وهو سبب نفس الوجوب إذ
سبب وجوب الأداء الخطاب
"والثاني الطهارة من الحدث" لقوله صلى الله
عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث
حتى يتوضأ" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يقبل
الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" رواه
مسلم من حديث ابن عمر
"والصلوات المفروضات خمس" في اليوم والليلة
وأجمع المسلمون على ذلك وأن غيرها لا يجب إلا
لعارض كالنذر وأما الوتر فسيأتي والأصل فيه
أحاديث منها ما في الصحيحين عن أبي ذر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال "فرض الله على
أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة فلم أزل أراجعه
واسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم
وليلة وقال هي خمس وهي خمسون في أم الكتاب"
وكان قيام الليل واجبا فنسخ في حق الأمة وكذا
في حقه عليه السلام على الأصح
قال القفال في محاسن الشريعة في الأربع لطيفة
حسن معها عدم الزيادة في الفرض عليها وهي أنك
إذا ذكرت آحادها فقلت واحد واثنان وثلاثة
وأربعة جمعت كل الأعداد وجدتها عشرة ولا شيء
من الأعداد يخرج أصله عن عشرة وأراد
بالمفروضات العينية ولهذا لم يذكر صلاة
الجنازة لكونها فرضا على الكفاية نعم ترد عليه
الجمعة فإنها من المفروضات العينية ولم يدخل
في كلامه
"الظهر" واشتقاقها من الظهور إذ هي ظاهرة في
وسط النهار والظهر لغة الوقت بعد الزوال وشرعا
اسم للصلاة من باب تسمية الشيء باسم وقته
فقولنا صلاة الظهر أي صلاة هذا الوقت وبدأ بها
المؤلف تبعا للخرقي ,
(1/284)
و هي الأولى
ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء
مثله بعد الذي زالت عليه الشمس
ـــــــ
ومعظم الأصحاب لبداءة جبريل بها لما صلى
بالنبي صلى الله عليه وسلم وبدأ ابن أبي موسى
والشيرازي وأبو الخطاب بالفجر لبداءته عليه
السلام بها السائل ولأنها أول اليوم ويعضده أن
إيجابها كان ليلا وأول صلاة تحضر بعد ذلك هي
الفجر فلم لا بدأ بها جبريل
وجوابه أنه يحتمل أنه وجد تصريح بأن أول وجوب
الخمس من الظهر ويحتمل أن الإتيان بها متوقف
على بيانها لأن الصلوات مجملة ولم تبين إلا
عند الظهر والحكمة أنه بدأ بها إشارة منه إلى
أن هذا الدين ظهر أمره وسطع نوره من غير خفاء
ولأنه لو بدأ بالفجر لختم بالعشاء في ثلث
الليل وهو وقت خفاء فلذلك ختم بالفجر لأنه وقت
ظهور لكن فيه ضعف إشارة إلى أن هذا الدين في
آخر الأمر يضعف
"وهي الأولى" قال عياض هو اسمها المعروف لأنها
أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه
وسلم عليهما السلام معلما له في اليومين وتسمى
أيضا الهجير لفعلها في وقت الهاجرة
"ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء
مثله بعد الذي زالت عليه الشمس" أجمع العلماء
على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس لحديث
جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه
جبريل فقال قم فصله فصل الظهر حين زالت الشمس
ثم جاءه من الغد للظهر فقال قم فصله فصلى
الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ثم قال ما بين
هذين وقت" إسناده ثقات رواه أحمد والترمذي
وقال البخاري هو أصح شيء في المواقيت وصححه
ابن خزيمة والترمذي وحسنه من حديث ابن عباس
نحوه وفيه فصلى الظهر حين زالت الشمس وكانت
قدر الشراك وهو بشين معجمة مكسورة وراء مهملة
وبالكاف وهو أحد سيور النعل .
(1/285)
إلى أن يصير ظل
كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس
ـــــــ
ثم اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل
طويل في جانب المغرب ثم ما دامت الشمس ترتفع
فالظل ينقص فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء
وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه فإذا زاد الظل
أدنى زيادة فهو الزوال فهو إذا ميلها عن وسط
السماء.
ويختلف فيء الزوال فيطول في الشتاء ويقصر في
الصيف لكن لا يقصر ظله وقت الزوال في بعض بلاد
خراسان لمسير الشمس ناحية عنها ذكره ابن
حمدان.
وذكر السامري وغيره أن ما كان من البلاد تحت
وسط الفلك مثل مكة وصنعاء في يوم واحد وهو
أطول أيام السنة لا ظل ولا فيء كوقت الزوال بل
يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فيء من نحو
المشرق للعلم بكونها قد أخذت مغربة ويختلف
باختلاف الشهر والبلد فأقل ما تزول في إقليم
الشام والعراق على ما نقله أبو العباس الشيحي
على قدم وثلث في نصف حزيران ويتزايد إلى أن
يبلغ عشرة أقدام وسدس في نصف كانون الأول وهو
أكثر ما تزول عليه الشمس فإذا أردت معرفة ذلك
فقف على مستو من الأرض وعلم الموضع الذي انتهى
إليه ظلك ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك
اليسرى وألصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت مساحة
هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو وقت زوال
الشمس وتجب به الظهر.
وعلم منه أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا
موسعا نص عليه في رواية أبي طالب وشرط ابن بطة
وابن أبي موسى مضي زمن يتسع لأدائها حذارا من
تكليف ما لا يطاق وجوابه أنه لا يكلف بالفعل
قبل الإمكان حتى يلزم تكليف ما لا يطاق وإنما
يثبت في ذمته بفعله إذا قدر كالمغمى عليه.
وأما آخره فقال "إلى أن يصير ظل كل شيء مثله
بعد الذي زالت عليه الشمس" وهو المراد بقولهم
سوى الزوال نص عليه لما سبق وصلاها عليه
السلام في حديث أبي موسى حين سأله السائل حين
زالت الشمس ثم
(1/286)
والأفضل
تعجيلها إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي
جماعة
ـــــــ
أخرها في اليوم الثاني حتى كان قريبا من وقت
العصر بالأمس وقال: "الوقت فيما بين هذين"
رواه مسلم وعن عبد الله ابن عمرو مرفوعا "وقت
صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل
كطوله ما لم تحضر العصر" رواه مسلم
قال الأثرم قيل لأبي عبد الله متى يكون الظل
مثله قال إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال
مثله ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس
ثم ينظر الزيادة عليه فإن بلغت قدر الشخص فقد
انتهى وقت الظهر وطول الإنسان ستة أقدام
وثلثان بقدمه تقريبا
وعنه آخره أول وقت العصر فبينهما وقت مشترك
قدر أربع ركعات قال أحمد الزوال في الدنيا
واحد وأنكر على المنجمين أنه يتغير في البلدان
ومثله لا يقول ذلك إلا عن توقيف
"والأفضل تعجيلها" لما روى أبو برزة قال "كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير
التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس"
وقال جابر "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
الظهر بالهاجرة" متفق عليهما
وقالت عائشة "ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي
بكر ولا من عمر" حديث حسن
قال في التلخيص ويحصل بأن يشتغل بأسباب الصلاة
من حين دخول الوقت وهو ظاهر الفروع فإنه لا
يعد حينئذ متوانيا ولا مقصرا وذكر الأزجي قولا
يتطهر قبله
"إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة" كذا
في المحرر و الوجيز أما في الحر فيستحب
تأخيرها مطلقا إلى أن ينكسر وحكاه الترمذي عن
ابن المبارك وأحمد وإسحاق وقال هو أشبه
بالاتباع وصححه في الشرح واقتصر عليه في
الكافي وقاله القاضي في الجامع والخرقي وابن
أبي موسى وغيرهم لما روى أبو هريرة مرفوعا
"إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن
(1/287)
ثم العصر وهي
الوسطى
ـــــــ
شدة الحر من فيح جهنم" متفق عليه وفي لفظ
أبردوا بالظهر وفيح جهنم هو غليانها وانتشار
لهيبها ووهجها
وصريحه أنه مختص بمن يصلي في جماعة وهو قول
أبي الخطاب وطائفة تعليلا بالمشقة واعتبر
القاضي في المجرد مع الخروج إلى الجماعة كونه
في البلاد الحارة ومساجد الجماعات
فأما تأخير ما في الغيم فيستحب لكل من يصلي
جماعة كما ذكره القاضي والسامري ونص عليه في
رواية المروذي لما روى ابن منصور عن إبراهيم
قال "كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر في
اليوم المتغيم" ولأنه وقت يخاف منه العوارض من
المطر ونحوه فيشق الخروج لكل صلاة منهما
فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين ليقرب من
الثانية لكي يخرج لهما خروجا واحدا طلبا
للأسهل المطلوب شرعا وعنه لا تؤخر بل تعجل مع
الغيم وهو ظاهر الخرقي و الكافي و التلخيص إذ
مطلوبية التأخير في عامة الأحاديث إنما وردت
في الحر وفيه وجه يستحب التأخير لكل مصل وظاهر
كلام أبي الخطاب ويؤخر الظهر لا المغرب وأما
الجمعة فيسن تقديمها مطلقا قال سهل ابن سعد ما
كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة وقال سلمة
بن الأكوع "كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه
وسلم ثم نرجع فنتتبع الفيء" متفق عليهما
وتأخيرها لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد
صلاتها ولمن يرمي الجمرات حتى يرميها أفضل
"ثم العصر" وهو العشي قال الجوهري والعصران
الغداة والعشي ومنه سميت صلاة العصر وذكر
الأزهري مثله تقول فلان يأتي فلانا العصرين
والبردين إذا كان يأتيه طرفي النهار فكأنها
سميت باسم وقتها
"وهي الوسطى" مؤنث الأوسط وهو والوسط الخيار
وفي صفة النبي
(1/288)
ووقتها من خروج
وقت الظهر إلى اصفرار الشمس وعنه إلى أن يصير
ظل كل شيء مثليه،
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم "أنه من أوسط قومه" أي من
خيارهم وليست بمعنى متوسطة لكون الظهر هي
الأولى بل بمعنى الفضلى.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" .
ولمسلم " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر"
وقاله أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم وصححه
النووي قال الماوردي هذا مذهب الشافعي قال
وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه
الأحاديث الصحيحة في العصر وقيل هي الصبح وقيل
الظهر وقيل المغرب لأنها وتر النهار ولا تقصر
وقيل هي العشاء وقيل إحدى الخمس مبهمة وقيل
جميعها وقيل الجمعة
ووقتها من خروج وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل
شيء مثله سوى فيء الزوال ومقتضاه أن بخروج وقت
الظهر يدخل وقت العصر من غير فاصل بين الوقتين
هذا هو المعروف في المذهب لحديث جابر أن جبريل
صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم العصر حين صار
ظل كل شيء مثله في اليوم الأول وظاهر الخرقي و
التلخيص أن بينهما وقتا فاصلا فلا تجب إلا بعد
الزيادة
وآخر وقتها المختار "إلى اصفرار الشمس" في
رواية نقلها الأثرم وغيره وصححها في الشرح
وابن تميم وجزم بها في الوجيز
قال في الفروع وهي أظهر لما روى عبد الله بن
عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وقت
العصر ما لم تصفر الشمس" رواه مسلم
"وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه" سوى ظل
الزوال إن كان وهي اختيار الخرقي وأبي بكر
والقاضي وكثير من أصحابه وقدمها في المحرر و
الفروع لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه
وسلم في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه
وقال الوقت فيما بين هذين وفي التلخيص أن ما
بينهما
(1/289)
ثم يذهب وقت
االاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس,
وتعجيلها أفضل بكل حال
ـــــــ
وقت جواز ثم هو وقت ضرورة إلى غروبها.
وفي الكافي أنه إذا خرج وقت الاختيار بقي وقت
الجواز إلى الغروب قال ابن تميم وظاهر الروضة
أن وقت العصر يخرج بالكلية بخروج وقت
الاختيار.
"ثم يذهب وقت الاختيار" وهو الذي يجوز تأخير
الصلاة إلى آخره من غير عذر وجزم في المحرر و
الشرح أنه لا يحل تأخيرها عن وقت الاختيار إلا
لعذر وظاهر كلام غيرهما الكراهة.
"ويبقى وقت الضرورة" وهو الذي تقع الصلاة فيه
أداء ويأثم فاعلها بالتأخير إليه لغير عذر.
"إلى غروب الشمس" لأن مقتضى الأحاديث ذهاب
الوقت بعد ما ذكر فيها ترك العمل به في
الإدراك قبل غيبوبة الشمس فيبقى ما عداه على
مقتضاه.
وظاهره أن وقت العصر يبقى إلى الغروب في حق
المعذور وغيره هذا هو المعروف في المذهب وعليه
أكثر العلماء لقوله عليه السلام: "من أدرك من
العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها"
متفق عليه وحينئذ لا فرق بين المعذور وغيره
إلا في الإثم وعدمه فالمعذور له التأخير وغيره
ليس له ذلك ويأثم به وظاهر الخرقي وابن أبي
موسى أن الإدراك مختص بمن له ضرورة كحائض طهرت
وصبي بلغ ومجنون أفاق ونائم استيقظ وذمي أسلم
وألحق ابن عبدوس به الخباز والطباخ والطبيب
إذا خشوا تلف ذلك وعلى هذا من لا عذر له لا
يدركها بذلك بل تفوت بفوات وقتها المختار وتقع
منه بعد ذلك قضاء وقاله بعض العلماء وهو أحد
احتمالي ابن عبدوس ووجهه الزركشي.
"وتعجيلها" في أول الوقت "أفضل بكل حال" وهو
قول أكثر العلماء لما روى
(1/290)
ثم المغرب وهي
الوتر, ووقتها من مغيب الشمس
ـــــــ
أبو برزة الأسلمي قال "كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله
في أقصى المدينة والشمس حية".
وعن رافع بن خديج قال "كنا نصلي العصر مع
النبي صلى الله عليه وسلم ثم ننحر الجزور ثم
يقسم لحمها عشرة أجزاء ثم تطبخ فنأكل لحما
نضيجا قبل أن تغيب الشمس" متفق عليهما .
والأحاديث الثابتة تدل على هذا فمنها ما روى
الترمذي مرفوعا أنه قال "الوقت الأول من
الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله"
وعنه مع غيم نقله صالح قاله القاضي ولفظ
روايته يؤخر العصر أحب إلي آخر وقت العصر عندي
ما لم تصفر الشمس فظاهره مطلقا.
تنبيه: قد استفيد من كلامهم أن من الصلوات ما
له إلا وقت واحد كالظهر والمغرب والفجر على
المختار وماله ثلاثة كالعصر والعشاء وقت فضيلة
وجواز وضرورة وفي كلام بعضهم أن لها وقت فضيلة
ووقت اختيار على الخلاف ووقت جواز على قول
ووقت كراهة أي تأخيرها إلى الاصفرار ووقت
تحريم التأخير إليه ومعناه أن يبقى ما لا يسع
الصلاة.
فائدة : يسن الجلوس بعدها إلى الغروب وبعد
الفجر إلى طلوعها ولا يستحب ذلك في بقيتها نص
عليه ذكره ابن تميم.
"ثم المغرب" وهو في الأصل مصدر غربت الشمس
بفتح الراء وضمها غروبا ومغربا ويطلق في اللغة
على وقت الغروب ومكانه فسميت هذه بذلك لفعلها
في هذا الوقت.
"وهي الوتر" أي وتر النهار وليس مراده الوتر
المشهور بل أنها وتر لكونها ثلاث ركعات.
"ووقتها من مغيب الشمس" إجماعا للأحاديث
المستفيضة بذلك وغيبوبة الشمس سقوط قرصها.
(1/291)
إلى مغيب الشفق
الأحمر
ـــــــ
وحكى الماوردي أنه لا بد من غيبوبة الضوء
المستعلي عليها.
قلت: ويعرف الغروب في العمران بزوال الشعاع من
رؤوس الجبال وإقبال الظلام من المشرق.
ويمتد وقتها "إلى مغيب الشفق الأحمر" قال
النووي وهذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز
غيره لأنه عليه السلام صلى المغرب حين غابت
الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب
الشفق وعن عبد الله بن عمرو "أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " وقت المغرب ما لم يغب
الشفق" رواهما مسلم ولأن ما قبل مغيب الشفق
وقت لاستدامتها فكان وقتا لابتدائها كأول
وقتها.
وقال مالك والشافعي في المشهور عنهما لها وقت
واحد مضيق مقدر آخره بالفراغ منها.
وقالت الشافعية هو عقيب غروب الشمس بقدر ما
يتطهر ويستر عورته ويؤذن خمس ركعات.
قال بعضهم: وأكل لقم يكسر بها سورة الجوع
والصحيح عندهم أنه يأكل حتى يشبع لأن جبريل
صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين
حين غابت الشمس وأجيب بحمله على الاستحباب
والاختيار وتأكيد فعلها أول الوقت وما سبق على
الجواز مع أنها متضمنة لزيادة وهي متأخرة عن
حديث جبريل لأنه كان أول فرض الصلاة بمكة
وأحاديثنا بالمدينة فتكون ناسخة لما يخالفها
على تقدير التعارض "الأحمر" كذا ذكره معظم
الأصحاب.
قال النووي وهو قول جمهور الفقهاء وأهل اللغة
لما روى ابن عمر مرفوعا قال "الشفق الحمرة"
رواه الدارقطني.
والصحيح وقفه ولأن الشمس أول ما تغرب يعقبها
شعاع فإذا بعدت عن
(1/292)
وتعجيلها أفضل
إلا ليلة جمع لمن قصدها, ثم العشاء
ـــــــ
الأفق قليلا زال الشعاع وبقيت حمرة ثم ترق
الحمرة وتنقلب صفرة ثم بياضا على حسب البعد
وعنه الشفق البياض روي عن أبي هريرة وأنس
لأخبار لا حجة فيها إن صحت وعنه هو الحمرة في
السفر وفي الحضر البياض واختاره الخرقي وعلله
بأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران
فيظن أنها قد غابت والأول أصح لقوله تعالى
{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق:16]
وقد قال الخليل بن أحمد وغيره البياض لا يغيب
إلا عند طلوع الفجر.
"وتعجيلها" أول وقتها "أفضل" إلا لعذر إجماعا
لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يصلي المغرب إذا وجبت".
وعن رافع بن خديج قال "كنا نصلي المغرب مع
النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه
ليبصر مواقع نبله" متفق عليهما.
"ولما فيه من الخروج من الخلاف "إلا ليلة جمع"
وهي ليلة المزدلفة سميت جمعا لاجتماع الناس
فيها وهي ليلة عيد الأضحى.
"لمن قصدها" أي لمحرم قصدها فيستحب له تأخيرها
ليصليها مع العشاء الآخرة إجماعا لفعل النبي
صلى الله عليه وسلم.
وكلامهم يقتضي لو دفع من عرفة قبل الغروب وحصل
بالمزدلفة وقت الغروب لم يؤخرها ويصليها في
وقتها وظاهره تعجيلها أفضل ولو مع غيم في
رواية وهو ظاهر المستوعب و الكافي و التلخيص
وفي أخرى يسن تأخيرها معه وهو الذي في المحرر
وقدمه في الرعاية وهل ذلك لكل مصل أو لمن يخرج
إلى الجماعة فيه وجهان.
فائدة: لا يكره تسميتها بالعشاء وبالمغرب
أولى.
"ثم العشاء" قال الجوهري العشي والعشية من
صلاة المغرب إلى العتمة ,
(1/293)
ووقتها من مغيب
الشفق إلى ثلث الليل الأول, وعنه نصفه
ـــــــ
والعشاء بالكسر والمد مثله وهو اسم لأول
الظلام سميت الصلاة بذلك لأنها تفعل فيه ويقال
لها عشاء الآخرة وأنكره الأصمعي وغلطوه في
إنكاره
"ووقتها من مغيب الشفق" أي المعهود وهو
"الأحمر" إن كان في مكان يستتر عنه الأفق
بالجبال أو نحوها استظهر حتى يغيب البياض
فيستدل به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه
ويمتد "إلى ثلث الليل الأول" نص عليه واختاره
الأكثر لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه
وسلم في اليوم الأول حين غاب الشفق وفي اليوم
الثاني حين كان ثلث الليل الأول ثم قال "
الوقت فيما بين هذين" رواه مسلم
وعن عائشة قالت "كانوا يصلون العتمة فيما بين
أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل" رواه البخاري
"وعنه نصفه" أي يمتد وقت الاختيار إلى نصف
الليل اختاره القاضي وابن عقيل والشيخان وقدمه
ابن تميم قال في الفروع وهو أظهر لما روى أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها إلى نصف
الليل ثم صلى ثم قال "ألا صلى الناس وناموا
ألا إنكم في صلاة ما انتظرتموها" متفق عليه
وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا قال "وقت العشاء
إلى نصف الليل" رواه مسلم
وفي المغني و الشرح أن الأولى أنها لا تؤخر عن
ثلث الليل لأنه يجمع الروايات والزيادة تعارضت
فيها الأخبار وصححه الحلواني لكن يقال ثبت
تأخيرها إلى نصف الليل عنه عليه السلام قولا
وفعلا وهو زيادة على الثلث فيكون الأخذ به
أولى وفي الوجيز يسن تأخيرها إلى ثلث الليل إن
سهل وفي التلخيص وما بينهما وقت جواز .
(1/294)
ثم يذهب وقت
الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر
الثاني وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة
بعده
ـــــــ
ثم يذهب وقت الاختيار على الخلاف فيه ويبقى
وقت الضرورة أي الإدراك إلى طلوع الفجر الثاني
لقوله عليه السلام: "ليس في النوم تفريط إنما
التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة إلى أن يدخل
وقت صلاة أخرى" رواه مسلم من حديث أبي قتادة
ولأنه وقت للوتر وهو من توابع العشاء فاقتضى
أن يكون وقتا لها لأن التابع إنما يفعل في وقت
المتبوع كركعتي الفجر والحكم فيه حكم الضرورة
في وقت العصر على ما ذكرناه ويحرم تأخيرها عن
وقت الاختيار بلا عذر ذكره الأكثر وقدم في
الرعاية وغيرها الكراهة وظاهر الروضة يخرج
الوقت مطلقا بخروج وقت الاختيار ولم يذكر في
الوجيز لها وقت ضرورة.
قال في الفروع ولعله اكتفى بذكره في العصر
وإلا فلا وجه لذلك.
وروى سعيد عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخيرها
مطلقا.
قال النووي لم يقل أحد من الأئمة إن تأخيرها
إلى بعد نصف الليل أفضل من التقديم.
"وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده"
هذا بيان لمعنى الفجر الثاني ويسمى المستطير
لانتشاره في الأفق قال تعالى {وَيَخَافُونَ
يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الدهر:
7] أي منتشرا فاشيا ظاهرا والفجر الأول الكاذب
المستطيل بلا اعتراض أزرق له شعاع ثم يظلم
ولدقته يسمى ذنب السرحان وهو الذئب لأن الضوء
يكون في الأعلى دون الأسفل كما أن الشعر يكون
على أعلى الذئب دون أسفله.
وقال محمد بن حسنويه سمعت أبا عبد الله يقول
الفجر يطلع بليل ولكنه يستره أشجار جنان عدن
وهذا قريب مما تقدم في زوال الشمس لابد من
ظهوره لنا ولا يكفي وجوده في نفس الأمر.
(1/295)
وتاخيرها أفضل
ما لم يشق
ـــــــ
"وتأخيرها" إلى آخر وقتها المختار بحيث يفعلها
فيه "أفضل مالم يشق" في قول أكثر العلماء من
الصحابة ومن بعدهم لما روي أبو برزة قال "كان
النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن تؤخر
العشاء التي تدعونها العتمة" متفق عليه.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا
العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" رواه أحمد
والترمذي وصححه.
ومحله ما لم تؤخر المغرب لغيم أو جمع وظاهره
أنه إذا شق على المأمومين والأصح أو على بعضهم
فإنه يكره ونص عليه في رواية الأثرم لأنه عليه
السلام كان يأمر بالتخفيف رفقا بهم وظاهره
أنها تؤخر ولو مع غيم.
وعنه يستحب تعجيلها معه وهل ذلك لكل مصل أو
لمن يخرج إلى الجماعة فيه وجهان ذكرهما ابن
تميم.
نعم ويلتحق بما ذكره عادم الماء العالم أو
الراجي وجوده في آخر الوقت أن التأخير أفضل
وكذا تأخيرها لمصلي كسوف إن أمن فوتها ولو
أمره والده بتأخيرها ليصلي معه آخر نص عليه
ويقدم في الكل إذا ظن مانعا منها.
فائدة : لا يكره تسميتها بالعتمة في الأصح وهي
في اللغة شدة الظلمة والأفضل أن تسمى العشاء.
فرع : يكره النوم قبلها لحديث أبي برزة
الأسلمي متفق عليه وعنه بلا موقظ لأنه عليه
السلام رخص لعلي رواه أحمد والحديث بعدها في
الجملة إلا لشغل وشيء يسير والأصح وأهل وعيال.
وسبب الكراهة أن نومه يتأخر فيخاف منه تفويت
الصبح عن وقتها أو عن أوله أو يفوته قيام
الليل ممن يعتاده وعلله القرطبي بأن الله جعل
الليل سكنا وهذا يخرجه عن ذلك ويستثنى منه ما
إذا كان في خير كقراءة حديث ومذاكرة فقه
وحكايات الصالحين وإيناس الضيف لأنه خير ناجز
فلا يترك لمفسدة متوهمة.
(1/296)
ثم الفجر
ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس
وتعجيلها أفضل
ـــــــ
"ثم الفجر" سمي به لانفجار الصبح وهو ضوء
النهار إذا انشق عنه الليل وقال الجوهري هو
آخر الليل كالشفق في أوله وقد أفجرنا كما تقول
قد أصبحنا من الصبح وهو مثلث الصاد حكاه ابن
مالك وهو ما جمع بياضا وحمرة والعرب تقول وجه
صبيح لما فيه من بياض وحمرة ولا يكره تسميتها
بصلاة الغداة في الأصح وهي من صلاة النهار نص
عليه
"و" أول "وقتها من طلوع الفجر الثاني" إجماعا
ويسمى الصادق لأنه صدقك عن الصبح
ويمتد وقتها المختار "إلى طلوع الشمس" لما روى
عبد الله ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "وقت الفجر ما لم تطلع الشمس" رواه
مسلم
وقال القاضي وابن عقيل يذهب وقت الاختيار
بالإسفار ويبقى وقت الإدراك إلى طلوع الشمس
قدمه في الرعاية
فعلى هذا يكره التأخير بعد الإسفار بلا عذر
وقيل يحرم
قال ابن البنا وبطلوع الشمس وغروبها يعتبر في
كل بلد بحسبه
فائدة: وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء
أطول من الصيف والعشاء على العكس
قال الشيخ تقي الدين ومن زعم أن وقت العشاء
بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلط
غلطا بينا باتفاق الناس
"وتعجيلها" أول الوقت إذا تيقنه أو غلب على
ظنه "أفضل" قدمه في الكافي و المستوعب و
الرعاية ونصره المؤلف وجزم به في الوجيز
قال في الفروع وهي أظهر لما روت عائشة قالت
"كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم
ينقلبن إلى بيوتهن
(1/297)
وعنه إن أسفر
المأمومون فالأفضل الإسفار
ـــــــ
حين يقضين الصلاة ما يعرفهن أحد من الغلس"
متفق عليه
وعن أبي مسعود الأنصاري "أن النبي صلى الله
عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر ثم لم يعد إلى
الإسفار حتى مات" رواه أبو داود وابن خزيمة في
صحيحه قال الحازمي إسناده ثقات والزيادة من
الثقة مقبولة.
قال ابن عبد البر "صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون"
ومحال أن يتركوا الأفضل وهم النهاية في إتيان
الفضائل.
"وعنه إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار" وهو
الذي في التحقيق وجزم به الشريف وأبو الحسين
وأبو الخطاب في رؤوس المسائل.
قال الحلواني العمل عليها وصححها ابن عقيل.
قال القاضي نقلها عبد الله والحسن بن ثواب
لفعله عليه السلام في العشاء فينبغي أن يكون
في الفجر مثله
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى
اليمن فقال "يا معاذ إذا كان الشتاء فغلس
بالفجر وإذا كان الصيف فأسفر فإن الليل قصير
والناس ينامون" رواه أبو سعيد الأموي في
مغازيه والبغوي في شرح السنة.
وظاهره اعتبار حال المأمومين كلهم والمذهب كما
صرح به الشيرازي والجد أو أكثرهم ولعله مراد
من أطلق.
وعنه الإسفار أفضل مطلقا لما روى الطحاوي عن
محمد بن خزيمة عن القعنبي عن عيسى بن يونس عن
الأعمش عن إبراهيم قال "ما اجتمع أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم على شيء ما اجتمعوا على
التنوير"
وعن علي وابن مسعود أنهما كانا يسفران بها
رواه سعيد.
وعن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه
أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان ويستثنى من ذلك
الحاج
(1/298)
ومن أدرك
تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها
ومن شك في دخول الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه
دخوله
ـــــــ
بمزدلفة لكن حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد
وإسحاق أن معنى الإسفار أن يضيء الفجر فلا يشك
فيه
قال الجوهري أسفر الصبح أي أضاء يقال أسفرت
المرأة عن وجهها إذا كشفته وأظهرته.
"ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها
فقد أدركها" جزم به في التلخيص وقدمه في
الرعاية و الفروع واختاره أبو الخطاب لما روت
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من
أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس أو من
الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها" رواه
مسلم وللبخاري فليتم صلاته وكإدراك الجمعة
والمسافر صلاة المقيم وذكر القاضي أنه يدركها
بإدراك أي جزء كان.
قال وهو ظاهر كلام الإمام وظاهره لا فرق بين
أن يكون أخرها لعذر كحائض تطهر ومجنون يفيق أو
لغيره.
ومحله الجمعة كما قيده في الوجيز وغيره وهو
الأصح فيها.
وعنه لا يدرك بدون ركعة اختارها الخرقي وصححها
الحلواني لتخصيص الشارع الإدراك بالركعة وهو
متفق عليه من حديث أبي هريرة وكالجمعة ومقتضاه
أن الصلاة كلها أداء إذا وقع بعضها خارج الوقت
في ظاهر المذهب ولو صلى دون ركعة ولهذا ينويه
وقطع به أبو المعالي في المعذور اعتبارا
بالتحريمة وقيل ومن شك في الوقت لم يصل حتى
يغلب على ظنه دخوله فإن أخبره بذلك مخبر عن
يقين قبل قوله وإن كان عن ظن لم يقبله قضاء
اعتبارا بالسلام فإنه وقت سقوط الفرض وقيل
الخارج عن الوقت ولا تبطل بخروج وقتها وهو
فيها خلافا لأبي حنيفة في الفجر لوجوبها كاملة
فلا تؤدى ناقصة ومثله عصر أمسه تغرب وهو فيها.
"ومن شك في" دخول "الوقت لم يصل حتى يغلب على
ظنه دخوله" لأن
(1/299)
فإن أخبره بذلك
مخبر عن يقين قبل قوله, وإن كان على ظن لم
يقبله
ـــــــ
الأصل عدم دخوله فلو صلى مع الشك لم يصح وإن
أصاب كما لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير
اجتهاد وقال ابن حمدان من أحرم بفرض مع ما
ينافيه لا مع ما ينافي الصلاة عمدا أو جهلا أو
سهوا فسد فرضه ونفله يحتمل وجهين فلو غلب على
ظنه دخوله كمن له صنعة جرت عادته بعمل شيء
مقدر إلى وقت الصلاة أو قارئ جرت عادته بقراءة
شيء فقرأه جازت صلاته جزم به جماعة لأنه أمر
اجتهادي فاكتفى فيه بغلبة الظن كغيره ولأن
الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظن
ولا يعيد بحال صرح به في المحرر إلا أن يتيقن
أن صلاته قبل الوقت وأما إذا تيقن كالعالم
بالمواقيت ودقائق الساعات وسير الكواكب إذا لم
يكن في السماء علة ولا مانع فمن باب أولى.
وقيل إن قدر على اليقين لم يعمل بالظن وهوظاهر
ما قدمه ابن تميم "فإن أخبره بذلك" أي بدخول
الوقت "مخبر" ثقة "عن يقين" علم بأن قال رأيت
الفجر طالعا والشفق غاربا "قبل قوله" لأن خبره
مع الثقة يفيد وجوب العمل به ولأنه خبر ديني
أشبه الرواية وظاهره ولو أمكنه اليقين.
"وإن كان عن ظن لم يقبله" لأنه يقدر على
الصلاة باجتهاد نفسه وتحصيل مثل ظنه أشبه حال
اشتباه القبلة زاد ابن تميم وغيره إلا أن
يتعذر عليه الاجتهاد فيعمل بقوله والأعمى
والمطمور القادران على التوصل بالاستدلال
كالبصير القادر لاستوائهما في إمكان التقدير
بمرور الزمان فإن كان الأعمى عاجزا عن معرفته
بنفسه قلد بصيرا عالما به فإن عدم من يقلده
فاجتهد وصلى أعاد إن أخطأ وإلا فلا ذكره
السامري وغيره وسيأتي والأصح أنه يعيد مطلقا.
تذنيب : إذا سمع أذان ثقة عارف بالوقت فله
تقليده لأن الظاهر أنه لا يؤذن إلا بعد دخول
الوقت فجرى مجرى خبره ولأنه مؤتمن لكن قال ابن
عقيل وأبو المعالي وابن تميم لا يعمل به في
دار الحرب حتى يعلم إسلامه ,
(1/300)
ومن اجتهد وصلى
فبان أنه وافق الوقت أو ما ببعده أجزأه, وإن
وافق قبله لم يجزئه, ومن أدرك من الوقت قدر
تكبيرة ثم
ـــــــ
وفي كتاب أبي المعالي و الرعاية لا أذان في
غيم لأنه عن اجتهاد ويجتهد هو فدل أنه لو عرف
أنه يعرف الوقت بالساعات أو تقليد عارف عمل به
جزم به المجد وقال الشيخ تقي الدين قال بعض
أصحابنا لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم
بالوقت وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء
المعتبرين.
قلت من الأمارات صياح الديك المجرب وكثرة
المؤذنين.
"ومتى اجتهد" قال الجوهري الاجتهاد بذل الوسع
في المجهود وفي الروضة الاجتهاد التام أن يبذل
الوسع في الطلب إلى أن يحس من نفسه بالعجز عن
مزيد طلب "وصلى فبان أنه وافق الوقت" أجزأه
لأن الصلاة وقعت الموقع لكونه أدى ما خوطب به
وفرض عليه "أو ما بعده أجزأه" لأن الصلاة تقع
بعد الوقت قضاء وهو مسقط للفرض ومجزئ عنه "وإن
وافق قبله لم يجزئه" لأنه أداها قبل وقت
الوجوب وتكون نفلا صرح به في الوجيز و الرعاية
وكذا إذا ظن أن عليه فائتة فأحرم بها فبان
أنها ليست عليه وقيل تبطل.
وذكر ابن تميم وغيره أنه إذا أخبره ثقة عن علم
أنه صلى قبل الوقت أعاد وإلا فلا.
ولا بد من الفرق فيما إذا اجتهد في القبلة
وصلى فلا إعادة عليه وإن أخطأ بخلاف الاجتهاد
في الوقت والفرق بينهما أن المجتهد في القبلة
أدى الصلاة بعد وجوبها عليه وفي الوقت أداها
قبل وجوبها ثم تجدد سبب الوجوب وأيضا فإن
تحصيل اليقين في الوقت ممكن بخلاف القبلة ذكره
ابن المنجا وفي الآخر نظر.
"ومن أدرك من الوقت" وهو مكلف "قدر تكبيرة" أي
تكبيرة الإحرام ولكن أطلقه أحمد والأصحاب
فلهذا قيل يجزئ "ثم" طرأ ما يسقط ,
(1/301)
جن أو حاضت
المرأة لزمهم القضاء وإن بلغ صبي أو أسلم كافر
أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس
بقدر تكبيرة لزمهم الصبح وإن كان قبل غروب
الشمس لزمهم الظهر والعصر.
ـــــــ
الفرض عنه كما إذا "جن أو حاضت المرأة لزمهم
القضاء" ذكره الأكثر وجزم به في الوجيز لأنها
وجبت بدخول الوقت والأصل عدم سقوطها وكآخر
الوقت وكالتي أمكن أداؤها.
وظاهر كلامهم أن المسألة مصورة بدخول الوقت
ولكن إدراك جزء من الوسط كذلك.
وعنه إنه لا قضاء عليه إلا أن يدرك منه ما
يتمكن من فعلها اختاره ابن أبي موسى وابن بطة
كما لو طرأ العذر قبل دخول الوقت واختار الشيخ
تقي الدين أن يضيق الوقت وفي وجوب الثانية من
صلاتي الجمع بوجوب الأولى روايتان إحداهما يجب
ويلزمه قضاؤها كما لو أدرك جزء من وقت العصر
والثانية لا وهي الأصح لأنه لم يدرك شيئا من
وقتها ولا وقت تبعها أشبه من لم يدرك شيئا
بخلاف الثانية فإنها تفعل تبعا للأولى فمدرك
وقتها مدرك لجزءمن وقت تبع الأولى.
"وإن" طرأ تكليف بأن "بلغ صبي أو أسلم كافر أو
أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس" ولو
"بقدر تكبيرة" وهو الأصح وقيل يجزئ كبعض
تكبيرة وفي الفروع وظاهر ما ذكره أبو المعالي
حكاية القول بإمكان الأداء وقد يؤخذ منه حكاية
القول بركعة فتكون فائدة المسألة وهو متجه
"لزمهم الصبح" أي صلاة الصبح لما تقدم من قوله
"من أدرك سجدة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد
أدركها" فقوله سجدة أي مقدار سجدة "وإن كان
ذلك قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر" لما
روى سعيد والأثرم عن ابن عباس وعبد الرحمن بن
عوف أنهما قالا إذا طهرت الحائض قبل مغيب
الشمس صلت الظهر والعصر وإذا رأت الطهر قبل أن
يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء ورواه الخلال
والبيهقي عن عبد الرحمن وفي
(1/302)
وإن كان قبل
طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء ومن فاتته
صلوات لزمه قضاؤها على الفور مرتبا
ـــــــ
الإسناد ضعف ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف
قال أحمد عامة التابعين يقولون به إلا الحسن
وحده قال لا تجب إلا الصلاة التي طهرت فيها
لأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر فإذا
أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض
الثانية ولأن ما دون الركعة تجب به الثانية
فوجبت به الأولى كالركعة وظاهره ولو لم يتسع
لفعلها وقدر ما تجب به الثانية ولا يعتبر زمن
يتسع للطهارة نص عليه "وإن كان قبل طلوع الفجر
لزمهم المغرب والعشاء" لما ذكرناه وعلل أبو
الخطاب ذلك بأن من لزمه عصر يومه لزمه ظهر
يومه كالمغمى عليه إذا أفاق قبل الغروب ومن
فاتته صلوات بعذر أو غيره لزمه قضاؤها وفاقا
وقال بعض الظاهرية المعذور لا يقضي واختاره
الشيخ تقي الدين وحكاه ابن كج عن ابن بنت
الشافعي وحكمته التغليط عليه.
"على الفور" في المنصوص إن لم يتضرر في بدنه
أو معيشة يحتاجها نص عليه لما روى أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال "من نام عن صلاة
أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه ولفظه
للبخاري.
وفي رواية "من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها"
رواه الدارقطني بإسناد فيه ضعف.
فأمر بالصلاة عند الذكر والأمر للوجوب وإنما
تحول عليه السلام بأصحابه لما ناموا وقال " إن
هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" لأنه سنة كفعل
سنة قبل الفرض وقيل لا يجب القضاء على الفور
وعلى الأول يجوز التأخير لفرض صحيح كانتظار
رفقة أو جماعة للصلاة.
"مرتبا" على الأصح لما روى جابر عن عمر بن
الخطاب "أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته
صلاة العصر يوم الخندق فصلاها بعد ما غربت
الشمس ثم صلى بعدها المغرب" متفق عليه .
(1/303)
قلت: أو كثرت
ـــــــ
وعن ابن عمر مرفوعا " من نسي صلاة فلم يذكرها
إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد
التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع
الإمام" رواه أبو بكر وأبو يعلى الموصلي
بإسناد حسن ولأنها صلوات مؤقتات فوجب الترتيب
فيها كالمجموعتين ولأن القضاء يحكي الأداء
فظاهره يختص بحالة العذر.
وجوابه أنه إذا وجبت الفورية والترتيب على
المعذور فغيره أولى وإنما قيده بالنسيان لأنه
قد خرج على سبب وعنه لا يجب الترتيب قاله في
المبهج لأن كل واحدة عبادة مستقلة والأداء
إنما كان واجبا في الأول لضرورة الوقت كالصوم
وأسقط القاضي في موضع الفورية والترتيب فيما
زاد على خمس وعلى الأول الترتيب شرط لصحتها
فلو أخل به لم يصح كالركوع والسجود.
قال في الفروع ويتوجه احتمال يجب الترتيب ولا
يعتبر للصحة.
مسألة: يستحب أن يصلي الفائتة جماعة ومن شك
فيما عليه من الصلاة فإن شك في زمن الوجوب قضى
ما يعلم وجوبه وإن شك في الصلاة بعد الوجوب
قضي ما يعلم به براءة ذمته نص عليه.
"قلت" الفوائت "أو كثرت" لأن الترتيب واجب فلم
يسقط بالكثرة كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم
عينها لكن إذا قلت الفوائت قضاها بسننها وإن
كثرت فالأولى الاقتصار على الفرض لفعله عليه
السلام يوم الخندق واستثنى أحمد سنة الفجر
وقال لا يهملها وقال في الوتر إن شاء قضاه وإن
شاء فلا ونقل مهنا يقضي سنة الفجر لا الوتر
لأنه دونها وأطلق القاضي وغيره يقضي السنن
والوتر كما يقضي غيره من الرواتب نص عليه ولا
يصح نفل مطلق على الأصح لتحريمه كأوقات النهي
وكذا يتخرج في النفل المبتدأ بعد الإقامة أو
عند ضيق وقت المؤداة مع علمه بذلك وتحريمه.
فائدة : قال الشيخ تقي الدين إن عجز فمات بعد
التوبة غفر له قال:
(1/304)
فإن خشي فوات
الحاضرة
ـــــــ
ولا تسقط بحج ولا تضعيف صلاة في المساجد
الثلاثة ولاغير ذلك
"فإن خشي فوات الحاضرة" سقط وجوب الترتيب في
الصحيح المشهور في المذهب لئلا تصيرا فائتتين
وفعل الحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف
الفائتة ولأن ترك الترتيب أيسر من ترك الوقت
وعنه لا يسقط اختاره الخلال لأنه ترتيب فلم
يسقط بضيق الوقت كترتيب الركوع والسجود ونقل
ابن منصور إذاكثرت الفوائت بحيث لا يتسع لها
وقت الحاضرة صلى الحاضرة في أول وقتها وهي
اختيار أبي حفص وصححه في المغني لأنه إذا لم
يكن بد من الإخلال بالترتيب ففعلها في أول
الوقت لتحصل فضيلة الوقت والجماعة أولى ولأن
فيه مشقة فإنه يتعذر معرفة آخر الوقت في حق
أكثر الناس
فعلى الأول المراد بفوات الحاضرة ضيق وقتها
حتى لا يتسع لفعلهما جميعا
وقيل: ما لا يتسع لفعل الفائتة وإدراك الحاضرة
وهل خروج وقت الاختيار كخروج الوقت؟ فيه وجهان
ولا يشتغل عن الحاضرة بالقضاء فإن خالف وقضى
صح نص عليه لا نافلة في الأصح وظاهره لا فرق
بين الحاضرة أن تكون جمعة أو غيرها فإن خوف
فوت الجمعة كضيق الوقت في سقوط الترتيب نص
عليه فيصلي الجمعة قبل القضاء وعنه لا يسقط
قال جماعة لكن عليه فعل الجمعة في الأصح ثم
يقضيها ظهرا فإن كان الذي عليه الفائتة الإمام
في الجمعة وصلاها مع ذكره فإن سقط الترتيب
لضيق الوقت صحت الجمعة وقضى ما عليه وإن قلنا
لا يسقط أعاد الجمعة إن كان الوقت باقيا فإن
ذكر الفائتة قبل إحرامه بالجمعة استناب فيها
وقضى الفائتة فإن أدرك الجمعة مع نائبه وإلا
صلى ظهرا وإن لم يفعل وصلى بهم فعلى الخلاف
وقيل: يلزمه أن يقضي ثم يأتي بما يدرك به
الجمعة وهو أشبه.
(1/305)
أو نسي الترتيب
سقط وجوبه
ـــــــ
أو نسي الترتيب بين فوائت حال قضائها أو بين
حاضرة وفائتة حتى فرغ منها.
"سقط وجوبه" وليس عليه إعادة نص عليه في رواية
الجماعة لقوله عليه السلام "عفي لأمتي عن
الخطأ والنسيان" ولأن المنسية ليس عليها أمارة
فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام.
وعنه لا تسقط مع النسيان كالمجموعتين.
وجوابه أنه لا يتحقق فيهما إذ لابد من نية
الجمع وهو متعذر مع النسيان.
وظاهره لا فرق بين أن يكون ذكر الفائتة ثم
نسيها أو لم يسبق لها ذكر وأنه لا يسقط
الترتيب بخشية فوات الجماعة في الحاضرة على
الأصح ولا بالجهل بوجوبه في الأصح لأنه نادر
ولأنه اعتقد بجهله خلاف الأصل وهو الترتيب فلم
يعذر فلو صلى الظهر ثم الفجر جاهلا ثم صلى
العصر في وقتها صحت عصره لاعتقاده لا صلاة
عليه كمن صلاها ثم تيقن أنه صلى الظهر بلا
وضوء أعاد الظهر وإن نسي ظهرا وعصرا من يومين
وجهل السابقة فعنه يبدأ بالظهر ثم بالعصر
اعتبارا بالترتيب الشرعي وعنه يتحرى فإن
استويا فعنه بما شاء وعنه يصلي ظهرين بينهما
عصرا وبالعكس لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين قال
في المغني وهو القياس.
فرع: إذا ذكر فائتة في حاضرة أتمها غيرالإمام
وعنه نفلا وقيل فرضا وعنه تبطل وإن نسي صلاة
من خمس يجهل عينها صلى خمسا نص عليه بنية
الفرض وعنه فجرا ثم مغربا ثم رباعية وإن ترك
عشر سجدات من صلاة شهرا قضى صلاة عشرة أيام
لجواز تركه كل يوم سجدة ذكره أبو المعالي.
(1/306)
باب ستر العورة
وهو الشرط الثالث: وسترها عن النظر بما لا يصف
البشرة واجب
ـــــــ
باب ستر العورة
العورة في اللغة النقصان والشيء المستقبح ومنه
كلمة عوراء أي قبيحة فهي سوءة الإنسان وكل ما
يستحيى منه وسميت عورة لقبح ظهورها ثم إنها
تطلق على ما يجب سترها في الصلاة وهو المراد
هنا وعلى ما يحرم النظر إليه وسيأتي في
النكاح.
"وهو الشرط الثالث" في قول أكثر العلماء.
قال ابن عبد البر أجمعوا على فساد صلاة من ترك
ثوبه وهو قادر على الاستتار به أو صلى عريانا
لقوله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ} [لأعراف: 31] لأنها وإن كانت نزلت
بسبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
ولقوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة حائض
إلا بخمار" رواه أحمد وأبو داود والترمذي
وحسنه من حديث عائشة ورواه الحاكم وقال على
شرط مسلم والمراد بالحائض البالغ ولأنه عليه
السلام نهى عن الطواف بالبيت عريانا فالصلاة
أولى لأنها أعلى وآكد منه.
والأحسن في الاستدلال أن يقال انعقد الإجماع
على الأمر به في الصلاة والأمر بالشيء نهي عن
ضده فيكون منهيا عن الصلاة مع كشف العورة
والنهي في العبادات يدل على الفساد وهذا محله
عند القدرة فإن عجز عنه وجب أن يصلي عريانا.
"وسترها" لا من أسفل والأظهر بلى إن تيسر
النظر "عن النظر بما لا يصف البشرة" أي السواد
والبياض "واجب" لأن الستر إنما يحصل بذلك فدل
(1/307)
وعورة الرجل
والأمة ما بين السرة والركبة
ـــــــ
على أنه إذا وصف بياض الجلد أو حمرته فليس
بساتر وإذا ستر اللون ووصف الخلقة أي حجم
العضو صحت الصلاة فيه لأن البشرة مستورة وهذا
لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقا
ويكفي نبات ونحوه وقيل لا يكفي حشيش مع وجود
ثوب ويكفي متصل به كيده ولحيته على الأصح وفي
لزوم طين وماء كدر لعدم وجهان لا بارية وحصير
ونحوهما مما يضر ولا حفيرة واختار ابن عقيل
يجب الطين لا الماء ويكون من فوق.
وظاهره أنه يجب سترها في غيرالصلاة بين الناس
وفي الرعاية يجب سترها مطلقا حتى خلوة عن نظر
نفسه لأنه يحرم كشفها خلوة بلا حاجة فيحرم
نظرها لأنه استدامة لكشفها المحرم.
قال في الفروع ولم أجد تصريحا بخلاف هذا لا
أنه يحرم نظر عورته حيث جاز كشفها فإنه لا
يحرم هو ولا لمسها اتفاقا وقد قال أبو المعالي
إذا وجب سترها في الصلاة عن نفسه وعن الأجانب
فهل يجب عن نفسه إذا خلا فيه وجهان أحدهما يجب
الستر عن الملائكة والجن والثاني يجوز.
وقوله واجب مطلقا إلا لضرورة كتداو ونحوه أو
لأحد الزوجين ولأمته المباحة أو هي لسيدها.
"وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة" نص
أحمد أن عورة الرجل ما ذكره لما روي عن علي
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا
تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت" رواته
ثقات رواه ابن ماجة وأبو داود وقال هذا الحديث
فيه نكارة قال ابن المنجا رواه أحمد وفيه نظر
وعن جرهد الأسلمي قال "مر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشفت فخذي فقال:
"غط فخذك فإن الفخذ عورة" رواه مالك وأحمد
وغيرهما وفي إسناده اضطراب.
(1/308)
و عنه أنها
الفرجان
ـــــــ
ولا فرق بين الحر والعبد وكذا من بلغ عشرا في
الأصح وأما الأمة فذكر معظم الأصحاب وهو
المذهب أن عورتها كالرجل لما روى عمرو ابن
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "إذا زوج
أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء
من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة"
رواه أحمد وأبو داود يريد به الأمة فإن الأجير
والعبد لا يختلف حاله بالتزويج وعدمه وكان عمر
ينهى الإماء عن التقنع وقال إنما القناع
للحرائر واشتهر ذلك ولم ينكر فكان كالإجماع.
وظاهره أن الركبة والسرة ليستا من العورة وهو
الأصح وعنه والركبة لخبر ضعيف وعنه وهما ذكره
ابن عقيل.
"وعنه أنها الفرجان" نقلها عنه مهنا واختاره
المجد وغيره في الرجل قال في الفروع وهذا أظهر
لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "يوم
خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى
بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم" متفق
عليه ولمسلم "فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله
صلى الله عليه وسلم.
ودخل أبو بكر وعمر على النبي صلى الله عليه
وسلم وهو كاشف فخذيه لم يغطهما" رواه أحمد من
حديث عائشة ولأنه ليس بمخرج فلم يكن عورة
كالساق وسمى الشارع الفخذ عورة لتأكد
الاستحباب.
قال البخاري ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن
جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم " الفخذ
عورة" وقال أنس "حسر النبي صلى الله عليه وسلم
الإزار عن فخذه" وحديث أنس أسند وحديث جرهد
أحوط.
وقال الطحاوي وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه
وسلم آثار متواترة فيها أن الفخذ عورة ولم
يضادها أثر صحيح.
وظاهر هذه الرواية مشاركة الأمة للرجل فيها.
قال ابن المنجا لم أجد في كتب الأصحاب تصريحا
بأن عورة الأمة الفرجان
(1/309)
والحرة البالغة
كلها عورة إلا الوجه, وفي الكفين روايتان
ـــــــ
في رواية وفيه نظر فإن أئمة من الأثبات قد
نقلوها منهم أبو الخطاب والشيرازي.
وعنه ما لا يظهر غالبا اختارها أبو الحسين
والمجد وقدمها في الكافي وجزم بها في الوجيز
لأنه لا يظهر غالبا أشبه ما تحت السرة.
وقيل البرزة كالرجل دون الخفرة وقيل ما عدا
رأسها عورة وهو ظاهر الخرقي وعلى الأول يسن
ستر رأسها في الصلاة.
فرع إذا أعتقت وهي في الصلاة مكشوفة الرأس
ووجدت سترة كالعريان يجدها فإن لم تعلم بالعتق
أو علمت به ولم تعلم بوجوب الستر فصلاتها
باطلة لأن شرط الصلاة لا يعذر فيها بالجهل وإن
لم تجد سترة أتمت صلاتها ولا إعادة.
"والحرة" البالغة "كلها عورة" حتى ظفرها نص
عليه ذكر ابن هبيرة أنه المشهور وقال القاضي
وهو ظاهر كلام أحمد لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: "المرأة عورة" رواه الترمذي وقال حسن
صحيح وعن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله
عليه وسلم " أتصلي المرأة في درع وخمار وليس
عليها إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور
قدميها" رواه أبو داود وصحح عبد الحق وغيره
أنه موقوف على أم سلمة وكرأسها وساقها فإنها
بالإجماع.
"إلا الوجه" لا خلاف في المذهب أنه يجوز
للمرأة الحرة كشف وجهها في الصلاة ذكره في
المغني وغيره وقد أطلق أحمد القول عورة وهو
محمول على ما عدا الوجه أوعلى غيرالصلاة وذكر
ابن تميم رواية أنه عورة وذكر القاضي عكسها
إجماعا.
"وفي الكفين" ظهرا وبطنا إلى الكوعين
"روايتان" الأولى وهي المذهب سبق
(1/310)
وأم الولد
والمعتق بعضها كالأمة وعنه: كالحرة
ـــــــ
حكمها والثانية أنهما ليسا من العورة كالوجه
واختاره المجد وجزم به في العمدة و الوجيز
لقوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال
ابن عباس وعائشة "وجهها وكفيها" رواه البيهقي
وفيه ضعف
ولأنه يحرم سترهما في الإحرام كما يحرم ستر
الوجه ويظهران غالبا وتدعو الحاجة إلى كشفهما
للبيع وغيره كالوجه.
وقال الشيخ تقي الدين والقدمين أيضا هذا كله
في الحرة البالغة أما غيرالبالغة كالمراهقة
والمميزة فكالأمة وظاهر إطلاق المؤلف يخالفه.
"وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة" قدمه في
الكافي و الفروع لأن الرق باق فيهما والمقتضي
للستر بالإجماع هو الحرية الكاملة ولم توجد
فتبقى على الأصل وكونهما لا ينقل الملك فيهما
لا يخرجهما عن حكم الإماء كالموقوفة وانعقاد
سبب الحرية في أم الولد لا يؤثر كالمكاتبة لكن
يستحب لهما ستر الرأس لما فيهما من شبه
الأحرار وللخروج من الخلاف والأخذ بالاحتياط.
"وعنه كالحرة" قدمه ابن تميم لأن أم الولد لا
تباع ولا ينقل الملك فيها والمعتق بعضها فيها
حرية تقتضي الستر فوجب كالحرة وقدم في المحرر
أن أم الولد كالأمة وصحح في المعتق بعضها أنها
كالحرة وجزم به في الوجيز لأن فيها حرية يغلب
حكمها احتياطا للعبادة كما وجب على الخنثى
المشكل ستر فرجيه احتياطا وقدم في التلخيص أن
أم الولد كحرة وفي المعتق بعضها روايتان.
فرع المكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة
كالقن لأنه يجوز بيعهن وعتقهن كالقن وعنه كحرة
وعنه المدبرة كأم الولد.
تنبيه : لم يتعرض المؤلف لعورة الخنثى المشكل
والمذهب أنه كرجل لأن الأصل عدم وجوب الستر
فلا نوجبه بالشك ويحب ستر فرجيه وإن قلنا
العورة الفرجان فقط لأن أحدهما فرج حقيقي ولا
يتحقق ستره إلا بسترهما وعنه كامرأة ذكره
القاضي وقدمه السامري قال ابن
(1/311)
ويستحب للرجل
أن يصلي في ثوبين فإن اقتصر على ستر
العورةأجزأإذا كان على عاتقه شيئ من اللباس،
ـــــــ
حمدان وهو أولى لأنه يحتمل أن يكون امرأة فوجب
ذلك احتياطا.
"ويستحب للرجل" حرا كان أو عبدا "أن يصلي في
ثوبين" ذكره بعضهم إجماعا.
قال ابن تميم وغيره مع ستر رأسه بعمامة لما
روى أبو هريرة "أن سائلا سأل النبي صلى الله
عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال أولكلكم
ثوبان" متفق عليه زاد البخاري ثم سأل رجل عمر
فقال إذا وسع الله عليكم فأوسعوا.
وقال إبراهيم كانوا يستحبون إذا وسع الله
عليهم أن لا يصلي أحدهم في أقل من ثوبين.
قال القاضي وهو في الإمام آكد ونقله أبو طالب
لأنه بين يدي المأمومين وتتعلق صلاتهم بصلاته
وصرح ابن تميم أنه لا يكره أن يصلي في ثوب
واحد إذا ستر عورته وعاتقيه.
قال في الشرح فإن لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص
أولى لأنه أبلغ ثم الرداء ثم المئزر
والسراويل.
"فإن اقتصر على ستر" هو بفتح السين مصدر ستر
وبكسرها ما يستر به "العورة أجزأه إذا كان على
عاتقه" شيء من اللباس وقال القاضي يجزئه ستر
العورة في النفل دون الفرض العورة أجزأه إذا
كان على عاتقه هو موضع الرداء من المنكب شيء
من اللباس يجب ستر عاتقه نص عليه مع القدرة
ذكره الجماعة لما روى أبو هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصلين أحدكم في
الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" رواه
البخاري ومسلم وقال "على عاتقيه" ولأحمد
اللفظان وظاهره لا فرق بين الفرض والنفل وهو
ظاهر الخرقي لقول إبراهيم كانوا يكرهون إعراء
المناكب في الصلاة رواه سعيد ولأن ما اشترط
للفرض اشترط للنفل كالطهارة.
(1/312)
وقال القاضي
يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض، ويستحب
للمرأة أن تصلي في درع ، وخمار ، وملحفة
ـــــــ
وعنه: سنة لأنه ليس بعورة أشبه بقية البدن
وعلى الأول يجزئه ستر أحد عاتقيه نص عليه وهو
قول الأكثر.
وعنه: يجب سترهما ذكره السامري وصاحب التلخيص
واقتصر ابن هبيرة في حكايته عن أحمد.
وفي وجه: يجزئه ستر عاتقيه أو أحدهما قدمه في
الرعاية.
وفي آخر: يجزئه وضع خيط ونحوه لأن هذا شيء
فيتناوله الخبر وفي آخر يجزئه ما يسمى لباسا
وإن قل دون حبل ونحوه وهذا ظاهر الخرقي وقدمه
في الكافي .
ومتى قلنا بوجوبه فهو شرط لصحة الصلاة في ظاهر
المذهب.
قال القاضي وعليه أصحابنا لأن النهي يقتضي
فساد المنهي عنه.
وعنه ليس بشرط ذكره القاضي وابن عقيل وحملها
المؤلف على أنه لا يجب ستر المنكبين جميعا لا
أنها تنفي الشرطية.
"وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون
الفرض" يعني إذا اقتصر على ستر العورة دون
المنكبين أجزأه في صلاة النفل دون الفرض نص
عليه في رواية حنبل ذكره السامري وغيره وجزم
به في الوجيز وقدمه في الرعاية لأن مبناه على
التخفيف ولذلك يسامح فيه بترك القيام
والاستقبال في حال سيره مع القدرة فسومح فيه
بهذا القدر "ويستحب للمرأة" الحرة "أن تصلي في
درع" قيل اسم لقميصها وقال الإمام أحمد هو شبه
القميص لكنه سابغ يغطي قدميها وخمار هو ما
تغطي به رأسها "وملحفة" هو شيء تلتحف به من
فوق الدرع روي استحباب ذلك عن عمر وابنه
وعائشة.
روى محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سليمان
التيمي عن محمد بن
(1/313)
فإن اقتصرت على
ستر عورتها أجزأها وإذا انكشف من العورة يسير
لا يفحش في النظر لم تبطل صلاته وإن فحش بطلت
ـــــــ
سيرين عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب قال تصلي
المرأة في درع وخمار وإزار وحكمته المبالغة في
سترها ولا تبين عجيزتها
"فإن اقتصرت على ستر عورتها أجزأها" لماروى عن
أم سلمة وميمونة "أنهما كانتا تصليان في درع
وخمار ليس عليهما إزار" رواه مالك
قال أحمد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما
زاد فهو خير وأستر ولأنها سترت ما يجب عليها
ستره أشبهت الرجل ويكره أن تصلي في نقاب وبرقع
نص على ذلك ولا تضم ثيابها زاد السامري في حال
قيامها
"وإذا انكشف من العورة يسير لا يفحش في النظر"
عرفا "لم تبطل صلاته" نص عليه واختاره السامري
وقدمه في التلخيص و المحرر لما روي أن عمرو بن
سلمة كان يؤم قومه قال عمرو وكانت علي بردة
إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي ألا
تغطوا عنا أست قارئكم رواه البخاري ولأن ثياب
الفقراء لا تخلو من خرق وثياب الأغنياء من فتق
والاحتراز من ذلك يشق فعفي عنه كيسير الدم
وعنه تبطل مطلقا اختاره الآجري لأنه حكم معلق
بالعورة فاستوى قليله وكثيره كالنظر ولو عبر
بقوله يسير وهو ما لا يفحش كأبي الخطاب والمجد
لكان أولى
"وإن فحش بطلت" لأن التحرز منه ممكن من غير
مشقة أشبه سائر العورة وحكى ابن المنذر
الإجماع على أن المرأة الحرة إذا صلت وجميع
رأسها مكشوف أن عليها الإعادة والأصل وجوب ستر
جميعها فعفي عنه في اليسير غير الفاحش للنص
وللمشقة فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل وظاهره
لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين الفرجين
وغيرهما
قال في الشرح وغيره إلا أن العورة المغلظة
يفحش منها ما لا يفحش من
(1/314)
ومن صلى في ثوب
حرير أو مغصوب لم تصح صلاته
ـــــــ
غيرها فاعتبر الفحش كل عضو بحسبه وهو معنى ما
ذكره ابن عقيل أنه يعفى عن يسير المخففة دون
المغلظة وظاهره ولو قصر زمنه وكشف كثير في زمن
يسير ككشف يسير سهوا في زمن طويل قال في
الرعاية إن فحش أو طال زمنه وإلا فروايتان.
تنبيه : إذا انكشفت عورته سهوا وقال ابن تميم
أو عمدا فسترها في الحال عفي عنه ولم تبطل
صلاته لأنه يسير في زمن يسير.
وعنه لا كما لو طال زمنه.
وقال التميمي إن بدت عورته وقتا واستترت آخر
لم يعد للخبر فلم يشترط اليسير.
قال في المغني ولا بد من اشتراطه لأنه يفحش
وإذا أطارت الريح سترته واحتاج عملا كثيرا في
أخذها فوجهان
"ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته"
هذا هو المشهور عن أحمد في الثوب المغصوب لما
روى أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا بقية عن
عثمان بن زفر عن هاشم الأوقص عن نافع عن ابن
عمر أنه قال "من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه
درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه ثم
أدخل أصبعيه في أذنيه وقال صمتا إن لم يكن
النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله".
قال البخاري هاشم غيرثقة وبقية مدلس ولأن
قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه فلم يقع
عبادة كالصلاة في زمن الحيض وكالنجس وحكم
الجزء المشاع أو المعين كذلك ذكره ابن عقيل
وهذا إذا كان ذاكرا عالما وظاهره يعم الرجل
والمرأة وهو كذلك في المغصوب.
وأما الحرير فتصح صلاة المرأة فيه لإباحته لها
وكذا الرجل في حالة العذر,
(1/315)
وعنه تصح مع
التحريم ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه
ـــــــ
ولو عبر بمن صلى في ثوب محرم عليه كما في
الوجيز لاستقام وظاهره ولا فرق بين الفرض
والنفل لأن ما كان شرطا في الفرض فهو شرط
للنفل وقيده في الشرح بما إذا كان هو الساتر
لها واختاره ابن الجوزي.
وعنه إن علم النهي لم يصح وإلا صحت.
"وعنه تصح مع التحريم" اختاره الخلال وصاحب
الفنون لأن النهي لا يعود إلى الصلاة وكعمامة
مغصوبة وخاتم ذهب وخف وتكة في الأصح وقيل بل
مع الكراهة وهو ظاهر المستوعب وعنه الوقف في
التكة وعنه يقف على إجازة المالك وعنه إن كان
شعارا لم يصح جزم به في الوجيز وقال أبو بكر
إن صلى في خاتم حديد أو صفر أعاد وعلى الأول
لو جهل أو نسي كونه غصبا أو حريرا أو حبس بغصب
حتى صلى فيه صحت على الأصح.
تنبيه إذا لم يجد غير سترة حرير صلى فيها ولا
إعادة.
وقيل روايتان ويصلي عريانا مع مغصوب فلو صلى
فيه أو غصب ستارة الكعبة وصلى لم تصح على
الأشهر.
والحرير أولى من النجس قاله ابن حمدان ولا يصح
نفل آبق ذكره ابن عقيل.
فرع: لم يتعرض المؤلف للخنثى المشكل في الحرير
والأشهر أنه في الصلاة وعنه وغيرها كرجل قاله
القاضي
"ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه" لأن ستر
العورة آكد من إزالة النجاسة لتعلق حق الآدمي
به في ستر عورته ووجوبه في الصلاة وغيرها فكان
تقديمه أولى لكونه متفقا على اشتراطه فلو صلى
عريانا مع وجوده أعاد قولا واحدا.
وعنه: لا يصلي فيه حتى يضيق الوقت.
وعلى الأول لو كان نجس العين كجلد ميتة صلى
عريانا من غير إعادة.
(1/316)
وأعاد على
المنصوص ويتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في
موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإنه قال لا
إعادة عليه ومن لم يجد إلا مايستر عورته سترها
ـــــــ
ذكره بعضهم فلو كان معه ثوبان نجسان صلى في
أقلهما وأخفهما نجاسة.
"وأعاد" ما صلى فيه "على المنصوص" وهو المذهب
لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه أشبه ما
لو صلى محدثا ويستثنى منه ما إذا عجز عن
إزالتها فإنه يصلي ولا يعيد لأنه شرط عجز عنه
فسقط كالسترة ذكره في الكافي.
"ويتخرج أن لا يعيد" هذا رواية عن أحمد
واختاره المؤلف وجزم به في التبصرة لأن الشرع
منعه نزعه أشبه إذا لم يمكنه وكالعجز عن
السترة "بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه
الخروج منه فإنه قال لا إعادة عليه" لأنه عاجز
عن الشرط فلم يلزمه كمن عدم الماء فخرج جماعة
فيه رواية من الإعادة في الثوب وخرجوا في
الثوب من المكان ولم يخرج آخرون وهو أظهر
لظهور الفرق لأن من لم يجد إلا ثوبا نجسا له
حالتان يمكنه الصلاة معها مع الخلل لأنه إذا
صلى عريانا لم يحمل النجاسة فقد فاته السترة
وحدها وإذا صلى في الثوب النجس فقد فاتته
طهارة الثوب وحده فاختيار إحدى الحالتين على
الأخرى يوجب الإعادة استدراكا للخلل الحاصل
بترك الشرط الذي كان مقدورا عليه من وجه بخلاف
المحبوس في المكان النجس فإنه ليس له إلا حالة
واحدة وهي الصلاة فالشرط ليس بمقدور عليه من
كل وجه وخرج في التعليق رواية عدم الإعادة في
الثوب من عدم الطهورين.
تنبيه : لم يتعرض المؤلف لكيفية الصلاة في
الموضع النجس والمنصوص أنه يجلس على قدميه
ويومئ بالركوع والسجود قدمه السامري وغيره
وعنه يومئ غاية ما يمكنه وعنه يسجد بالأرض
ومحله ما إذا كانت النجاسة يابسة أما إذا كانت
رطبة فإنه يومئ وجها واحدا قاله ابن تميم.
"ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها" وترك
ستر منكبيه وصلى قائما
(1/317)
فإن لم يكف
جميعها ستر الفرجين فإن لم يكفها جميعاً ستر
أيهما شاء والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه
وقيل القبل أولى،
ـــــــ
اختاره المؤلف وصححه في الشرح وجزم به في
الوجيز لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " إذا كان الثوب واسعا فخالف بين
طرفيه وإن كان ضيقا فاشدده على حقوك" رواه أبو
داود ولأن القيام متفق على وجوبه فلا يترك
لأمر مختلف فيه وكما لو لم يكف وقال القاضي
يستر منكبيه ويصلي جالسا لأن الجلوس بدل عن
ستر العورة لكونه يستر معظمها والمغلظ منها
وستر المنكب لا بد له فكان مراعاته أولى وبعد
ابن تميم ذلك وحمله ابن عقيل على سترة تتسع إن
تركها على كتفيه وسدلها من ورائه تستر دبره
وقدم في الفروع أنه إذا وجد ما يستر منكبيه
وعجزه فقط ستر ذلك وصلى جالسا نص عليه وهو
المذهب لأن ستر المنكبين الحديث فيه أصح.
"فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين" لأنهما أفحش
وهما عورة بلا خلاف لأن غيرهما كالحريم
والتابع لهما وعبر بعضهم عنهما بالسوأتين
لقوله تعالى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}
[طه: 121] سميا بذلك لأن كشفهما يسوء صاحبه.
"فإن لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء"
لاستوائهما "والأولى ستر الدبر على ظاهر
كلامه" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنه
أفحش وينفرج في الركوع والسجود "وقيل القبل
أولى" لأن به يستقبل القبلة والدبر يستتر
بالأليتين وقال ابن حمدان يعتبر أكثرهما سترا
وفي المذهب هل القبل أولى أم الدبر فيه
روايتان وهذا تفريع على ما ذكره أنه يستر
قائما.
وعلى الثاني فلا وظاهره لا فرق بين أن يكون
رجلا أو امرأة أو خنثى ويتوجه أنه يستر آلة
الرجل إن كان هناك امرأة وآلتها إن كان هناك
رجل.
(1/318)
وإن بذلت له
سترة لزمه قبولها إن كانت عارية فإن عدم بكل
حال صلى جالسا يومئ إيماء وإن صلى قائما جاز
ـــــــ
"وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إن كانت عارية"
هذا هو الصحيح لأن المنة لا تكثر فيها أشبه
بذل الحبل والدلو لاستقاء الماء وقيل لا يلزمه
كالهبة في الأصح
والثاني يلزمه قبولها هبة وذكره المؤلف
احتمالا لأن العار في كشف عورته أكثر من الضرر
فيما يلحقه من المنة وفهم منه أنه لا يلزمه
طلبها عارية ويلزمه تحصيلها بقيمة المثل
والزيادة كماء الوضوء "فإن عدم بكل حال صلى"
ولا تسقط عنه بغير خلاف نعلمه كما لو عجز عن
استقبال القبلة "جالسا" ندباً ولا يتربع بل
ينضم نقله الأثرم والميموني وقدم في الرعاية
أنه يتربع نص عليه في رواية محمد بن حبيب وقيل
وجوبا
"يومئ إيماء" أي بالركوع والسجود قدمه في
المحرر وغيره وجزم به أبو الحسين وأبو الخطاب
وصاحب الوجيز لما روي عن ابن عمر أن قوما
انكسرت بهم مركبهم فخرجوا عراة قال يصلون
جلوسا يومئون إيماء برؤوسهم ولم ينقل خلافه
ويومئ بالسجود أكثر من الركوع
"وإن صلى قائما" وسجد بالأرض "جاز" لقوله عليه
السلام "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا" وظاهره
أن صلاة الجالس بالإيماء أولى من صلاته قائما
لأن الجلوس فيه ستر العورة وهو قائم مقام
القيام ولو صلى قائما لسقط الستر لان غير بدل
لأن الستر آكد من القيام لأنه يجب في الصلاة
وغيرها ولا يسقط مع القدرة بحال والقيام يسقط
في النافلة ولأن القيام سقط عنهم لحفظ العورة
وهي في حال السجود أفحش فكان سقوطه أولى
لا يقال الستر كله لا يحصل وإنما يحصل بعضه
فلا يفي ذلك بترك ثلاثة أركان القيام والركوع
والسجود لأن العورة إن كانت الفرجين فقد حصل
(1/319)
وعنه أنه يصلي
قائما ويسجد بالأرض وإن وجد السترة قريبة منه
في أثناء الصلاة ستر وبنى وإن كانت بعيدة ستر
وابتدأ وتصلي العراة جماعة
ـــــــ
سترهما وإلا حصل ستر أغلظها وأفحشها.
وعنه يصلي جالسا ويسجد بالأرض لأن السجود آكد
من القيام لكونه مقصودا في نفسه ولا يسقط فيما
يسقط فيه القيام وهو النفل.
"وعنه" يلزمه "أنه يصلي قائما ويسجد بالأرض"
اختاره الآجري وغيره وقدمه ابن الجوزي لأن
المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة
على بعض شرط.
وعنه إن قام وأومأ بالسجود صح.
وقيل تقعد الجماعة ولا يقومون ويسجدون بالأرض.
وظاهره أنه لا إعادة عليه وصرح به جماعة
وألحقه الدينوري في وجوب الإعادة بفاقد
الطهورين وفي الرعاية أنه يعيد على الأقيس.
فرع إذا نسي السترة وصلى عريانا أعاد لتفريطه
كالماء.
"وإن وجد" العريان "السترة قريبة منه" عرفا
لأنه لا تقدير فيه "في أثناء الصلاة" وأمكنه
من غيرزمن طويل ولا عمل كثير ستر وبنى على ما
مضى من صلاته كأهل قباء لما علموا بتحويل
القبلة استداروا إليها وأتموا صلاتهم "وإن
كانت بعيدة ستر وابتدأ" لأنه لا يمكن فعلها
إلا بما ينافيها من العمل الكثير أو بدون
شرطها بخلاف التي قبلها وقيل يبني مطلقا وقيل
يبتدئ مطلقا وقيل إن انتظر من يناوله لها لم
تبطل لأنه انتظار واحد كانتظار المسبوق.
"وتصلي العراة جماعة" وجوبا لا فرادى لقول ابن
عمر السابق ولأنهم قدروا على الجماعة من غير
عذر أشبه المسبوقين ولا تسقط الجماعة لفوات
السنة في الموقف كما لو كانوا في ضيق لا يمكن
تقديم أحدهم .
(1/320)
وإمامهم في
وسطهم وإن كانوا رجالا ونساء صلى كل نوع
لأنفسهم وإن كانوا في ضيق صلى الرجال
واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن
الرجال
ـــــــ
وإذا شرعت الجماعة حال الخوف مع تعذر الاقتداء
بالإمام في بعض الصلاة والحاجة إلى مفارقته
وفعل ما يبطل الصلاة في غير تلك الحال فأولى
أن يشرع هنا.
وقال ابن عقيل جلوسا وجوبا وإن في منفرد
روايتين قال والصحيح أنه كالجماعة ويقومون صفا
واحدا.
"وإمامهم في وسطهم" لأنه أستر لهم فإن تقدمهم
لم يصح في الأصح وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة
وتقدمهم إمامهم وإن لم يسعهم صف واحد وقفوا
صفوفا وغضوا أبصارهم.
قال في الشرح وإن صلى كل صف جماعة فهو أحسن
وقال ابن تميم وغيره فإن كانوا نوعا واحدا
والموضع ضيق صلوا جماعة واحدة وإن كثرت
الصفوف.
"وإن كانوا رجالا ونساء صلى كل نوع لأنفسهم"
لأنها إن وقفت خلفه شاهدت العورة ومعه خلاف
سنة الموقف وربما أفضى إلى الفتنة.
"وإن كانوا في ضيق" بفتح الضاد مخففا من ضيق
ويجوز فيه الكسر على حذف مضاف تقديره ذي ضيق
"صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء
واستدبرهن الرجال" لما في ذلك من تحصيل
الجماعة مع عدم رؤية الرجال والنساء وبالعكس.
تنبيه : إذا صلى عريانا وأعار سترته لم يصح
ويستحب أن يعير إذا صلى بها ويصلي واحد بعد
آخر وهل يلزمهم انتظارها ولو خرج الوقت أم لا
كالقدرة على القيام بعده فيه وجهان.
فإن أستووا ولم يكن الثوب لواحد أقرع والأصح
يقدم إمام مع ضيق
(1/321)
ويكره في
الصلاة السدل وهو أن يطرح على كتفيه ثوبا ولا
يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ويكره اشتمال
الصماء وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره
ـــــــ
الوقت وتقدم المرأة عليه لأن عورتها أفحش ولا
يأتم مستتربعار ويصلي بها عار ثم يكفن ميت
وقيل يقدم هو وقيل الحي قاله ابن حمدان وهو
بعيد
"ويكره في الصلاة السدل" كذا ذكره جمع لما روى
أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى
عن السدل في الصلاة" رواه أبو داود بإسناد حسن
وروى سعيد عن إبراهيم قال "كانوا يكرهون السدل
في الصلاة"
وعنه : إن لم يكن تحته ثوب وعنه أو إزار فعلى
هذا لا إعادة قاله أبو بكر اتفاقا إن لم تبد
عورته وعنه بلى وحكى الترمذي عن أحمد لا يكره
قال ابن المنذر لا أعلم فيه حديثا يثبت
"وهو" إرخاء الثوب لغة قاله الجوهري واصطلاحا
أن يطرح على كتفيه ثوبا ولا يرد أحد "طرفيه
على الكتف الأخرى" قدمه السامري وصاحب التلخيص
و الفروع وجزم به في الشرح زاد ولا يضم طرفه
بيديه وهو رواية
وظاهره أنه إذا رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى
لا يكره لزوال معنى السدل ونقل صالح طرحه على
أحدهما ولم يرد أحد طرفيه على الآخر وقال ابن
عقيل هو إسبال الثوب على الأرض وقيل وضع وسط
الرداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره
وهي لبسة اليهود وقال القاضي هو وضع الرداء
على عنقه ولم يرده على كتفيه
ويكره اشتمال الصماء قدمه جماعة وجزم به في
الوجيز لما روى أبو هريرة وأبو سعيد "أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء"
رواه البخاري وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره
ومعنى الاضطباع أن يجعل وسط
(1/322)
وعنه أنه يكره
وإن كان عليه غيره ويكره تغطية الوجه والتلثم
على الفم والأنف
ـــــــ
الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه
الأيسر وجاء ذلك مفسرا في حديث أبي سعيد من
رواية إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعا نهى عن لبستين
وهما اشتمال الصماء وهو أن يضع ثوبه على أحد
عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب والاحتباء
وهو أن يحتبي به ليس على فرجه منه شيء
وقال السامري هو أن يلتحف بثوب يرد طرفيه إلى
أحد جانبيه ولا يبقى ليديه موضع تخرج منه وهو
المعروف عند العرب والأول قول الفقهاء وهم
أعلم بالتأويل وظاهره أنه إذا كان عليه ثوب لم
يكره لأنها لبسة المحرم وفعلها النبي صلى الله
عليه وسلم وأن صلاته صحيحة إلا أن تبدو عورته
صرح به في المحرر وغيره وعنه يعيد وفيه وجه
يكره فوق الإزار لا القميص وعلى الأول الكراهة
قيل لكشف كتفه الأيمن وقيل لظهور عورته فعلى
هذا ينبغي أن يكون محرما لإفضائه إليه ذكره في
الشرح
"وعنه يكره" مطلقا "وإن كان عليه غيره" لعموم
النهي
فرع إذا احتبى وعليه ثوب يستر عورته جاز وإلا
حرم وعنه يكره مطلقا وعنه المنع قاله ابن تميم
"ويكره تغطية الوجه" لما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يغطي الرجل
فاه" رواه أبو داود بإسناد حسن ففيه تنبيه على
كراهة تغطية الوجه لاشتماله على تغطية الفم
ولأن الصلاة لها تحليل وتحريم فشرع لها كشف
الوجه كالإحرام
"والتلثم على الفم والأنف" روي ذلك عن ابن عمر
ولقوله عليه السلام "أمرت أن أسجد على سبعة
أعظم" متفق عليه
وعنه : لا يكره في التلثم على الأنف روايتان
وسهل أحمد في تغطية اللحية وقال لا بأس بتغطية
الوجه لحر أو برد .
(1/323)
وكف الكم وشد
الوسط بما يشبه شد الزنار وإسبال شيء من ثيابه
خيلاء
ـــــــ
وكف الكم لقوله عليه السلام: "ولا أكف شعرا
ولا ثوبا" متفق عليه زاد في الرعاية وتشميره
وفي الوجيز وإرساله ويستثنى على كلامه بلا سبب
"و" يكره "شد الوسط" بفتح السين "بما يشبه شد
الزنار" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن
التشبه بأهل الكتاب" رواه أبو داود
وعنه يكره لبس المنطقة ونقل حرب يكره شد وسطه
على القميص لأنه من زي اليهود ولا بأس به على
القباء قال القاضي لأنه من عادة المسلمين وعنه
لا يكره
قال أحمد أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "لا يصلين أحدكم إلا وهو محتزم"
زاد ابن تميم إلا أن يشده لعمل الدنيا فيكره
وظاهره أنه إذا شده بمئزر أو حبل أنه لا بأس
به وقاله أحمد وذكره في الكافي وقدم ابن تميم
أنه يستحب نص عليه وقد فعله ابن عمر ويستثنى
منه المرأة فإنه يكره لها شد وسطها مطلقا
"و" يكره "إسبال شيء من ثيابه" كالقميص
والإزار والسراويل خيلاء ذكره في الكافي وجزم
به في الوجيز وقدمه في الرعاية في غير حرب
لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أسبل إزاره
في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام"
رواه أبو داود من حديث ابن مسعود
والمذهب كما ذكره في المستوعب و الشرح وصححه
في الفروع أنه حرام وهو ظاهر كلام أحمد لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء
لم ينظر الله إليه" متفق عليه
والمراد في غير حرب بلا حاجة نحو كونه حمش
الساقين ولم يرد التدليس على النساء ويكره فوق
نصف ساقيه نص عليه
(1/324)
فصل
ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد
الوجهين،
ـــــــ
وعلى الأصح تحت كعبه بلا حاجة وعنه ما تحتهما
فهو في النار.
ويجوز للمرأة زيادة إلى ذراع وقال جماعة ذيل
نساء المدن في البيت كرجل ويسن تطويل كم الرجل
إلى رؤوس أصابعه أو أكثر يسيرا وتوسيعها قصدا
وقصر كمها واختلف في سعته.
فصل
"ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد
الوجهين" اختاره أبو الخطاب وجزم به السامري
وصاحب التلخيص لما روى أبو طلحة قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تدخل
الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة" متفق عليه
والمراد به كلب منهي عن اقتنائه وقال أحمد في
رواية صالح الصورة لا ينبغي لبسها وكتعليقه
وستر الجدر به وفاقا وظاهره عام في الكل.
والثاني يكره ولا يحرم قاله ابن عقيل وقدمه
ابن تميم لقوله عليه السلام في آخر الخبر "
إلا رقما في ثوب" وكافتراشه وجعله مخدا لأنه
عليه السلام اتكأ على مخدة فيها صورة رواه
أحمد.
وعلم مما سبق أنه يحرم تصوير الحيوان وحكاه
بعضهم وفاقا لما روت عائشة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم
القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" رواه
البخاري.
فلو أزيل منها ما لا تبقى الحياة معه لم يكره
في المنصوص ومثله شجر ونحوه.
وكره الآجري الصلاة على ما فيه صورة وكذا في
الفصول ولو على ما يداس لقوله عليه السلام "
لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ,
(1/325)
ولا يجوز للرجل
لبس ثياب الحرير ولا ما غالبه الحرير ولا
افتراشه إلا من ضرورة
ـــــــ
ولا جنب" إسناده حسن
"ولا يجوز للرجل" ولا الخنثى ولو كافرا "لبس
ثياب الحرير" في الصلاة وغيرها في غير حال
العذر حكاه ابن المنذر إجماعا لقول النبي صلى
الله عليه وسلم "لا تلبسوا الحرير فإنه من
لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" متفق عليه
من حديث عمر رضي الله عنه
حتى تكة وشرابه نص عليه والمراد شرابه مفردة
كشرابة البريد لا تبعا فإنها كزر وعلل القاضي
والآمدي إباحة كيس المصحف لأنه يسير فعلى هذا
يستثنى
"ولا ما غالبه الحرير" لأن الغالب له حكم الكل
فحرم لعموم الخبر والقليل مستهلك فيه أشبه
الضبة من الفضة
وقال ابن عبد البر مذهب ابن عباس وجمع أن
المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره
وسيأتي وظاهر كلام أحمد أن الاعتبار بالظهور
وجزم به في الوجيز وقيل بالوزن قدمه في
الرعاية
"ولا افتراشه" لماروى حذيفة أن النبي صلى الله
عليه وسلم "نهى أن يلبس الحرير والديباج وأن
يجلس عليه" رواه البخاري
قال أحمد في رواية صالح وجعفرافتراش الحرير
كلبسه وكذا الاستناد إليه
ثم استثنى من ذلك بقوله "إلا من ضرورة" لأنها
تبيح المحرم بدليل أكل الميتة وظاهره إباحته
للنساء مطلقا لما روى أبو موسى أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "أحل الذهب والحرير للإناث
من أمتي وحرم على ذكورها " رواه جماعة منهم
الترمذي وصححه وأغرب ابن عقيل في فنونه فجوز
لهن لبسه دون الاستناد والافتراش .
(1/326)
فإن استوى هو
وما نسج معه فعلى وجهين ويحرم لبس المنسوج
بالذهب والمموه به
ـــــــ
فرع: يحرم تعليقه وستر الجدر به غيرالكعبة
المشرفة وفاقا وحرم الأكثر استعماله مطلقا فدل
أن في شخانة وخيمة وبقجة وكمران ونحوه الخلاف.
"فإن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين" كذا في
الفروع وغيره أحدهما يباح جزم به في الوجيز
لقول ابن عباس إنما نهى النبي صلى الله عليه
وسلم "عن الثوب المصمت من قز أما السدى أو
العلم فلا يرى به بأسا" رواه أحمد وأبو داود
بإسناد حسن ولأن الحرير ليس أغلب أشبه الأقل.
والثاني يحرم قال ابن عقيل هو الأشبه لعموم
الخبر ولأن النصف كثير لأنه لا يطلق على ما
نسج معه من الكتان والقطن كتان ولا قطن وقيل
يكره ولا يحرم كما لو شك في كثرة الحرير أو
مساواته غيره مع إباحة النصف.
تنبيه : أباح أحمد لبس الخز وهو ما سدي
بإبريسم وألحم بوبر أو صوف للخبر ولفعل
الصحابة وجعله ابن عقيل كغيره في الثياب
المنسوجة من الحرير وغيره وفرق بينهما أحمد
بأن هذا لبسه الصحابة وبأنه لا سرف ولا خيلاء
وعلم منه إباحة الصوف وكذا الكتان إجماعا
والنهي عنه من حديث جابر لا أصل له ونقل عبد
الله عن أبيه يكره للرجال ولعله محمول على
حالة لم ينبه عليها عبد الله مع أنه لبسه
الصحابة وغيرهم وكالقطن.
"ويحرم" على ذكر بلا حاجة "لبس المنسوج بالذهب
والمموه به" أي المطلي وكذا عبر في الوجيز ولا
فرق في الذهب بين خالصه ومشوبه والمنفرد
والخليط بخلاف الحرير لما تقدم في خبر أبي
موسى وظاهره أن المنسوج والمموه بالفضة ليس
كذلك والأشهر أنه كالذهب قدمه ابن تميم وفي
الفروع وقال في الرعاية وقيل أو فضة وقيل يكره
إلا في مغفر
(1/327)
فإن استحال
لونه فعلى وجهين وإن لبس الحرير لمرض أو حكة
أو في الحرب
ـــــــ
وجوشن وخوذة أو في سلاحه لضرورة.
"فإن استحال لونه" ولم يحصل منه شيء وقيل
مطلقا فعلى وجهين أحدهما يحرم للخبر والثاني
يباح وهو ظاهر الوجيز وصححه في الفروع لزوال
علة التحريم من السرف والخيلاء وكسر قلوب
الفقراء وقيل يكره وقيد ابن تميم إن كان بعد
استحالته لا يحصل منه شيء فهو مباح وجها واحدا
وقيل المنسوج بذهب كحرير.
"فرع" ما حرم استعماله حرم تملكه وتمليكه كذلك
وعمل خياطته لمن حرم عليه نصا.
"وإن لبس الحرير لمرض أو حكة" بكسر الحاء وهو
الجرب أو من أجل القمل جاز في ظاهر المذهب
قاله في الشرح وصححه في الفروع لأن أنسا روى
"أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما
في قميص الحرير فرأيته عليهما في غزاة" رواه
البخاري وفيه وفي مسلم عن أنس "أن النبي صلى
الله عليه وسلم رخص لهما في قميص الحرير في
سفر من حكة كانت بهما" وما ثبت في حق صحابي
ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل على اختصاصه به
وقسنا على المنصوص مما ينفع فيه لبس الحرير
ووهم في الشرح فأورد الرخصة في القمل فقط وعنه
لا يباح لعموم الخبر والرخصة يحتمل أن تكون
خاصة بهما وعلى الأول لا بد وأن يؤثر في
زوالها.
"أو في الحرب" المباح لغير حاجة روايتان
إحداهما الإباحة وهي ظاهر كلام الإمام في
رواية الأثرم وهو قول عطاء وعروة وكان له يلمق
من ديباج بطانته من سندس محشو قزا يلبسه في
الحرب ولأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء
وذلك غير مذموم في الحرب ومحله عند مفاجأة
العدو وقيل عند القتال وقيل في دار الحرب وعنه
مع نكاية العدو
(1/328)
أو ألبسه الصبي
فعلى روايتين ويباح حشو الجباب والفرش به
ويحتمل أن يحرم ويباح العلم الحرير في الثوب
إذا كان أربع أصابع فما دون
ـــــــ
والثانية التحريم للعموم ونصره في التحقيق لكن
إذا احتاج إليه مثل أن يكون بطانة لبيضة أو
درع أو نحوه أبيح.
وقال بعض أصحابنا يجوز مثل ذلك من الذهب لدرع
محوه به لا يستغني عن لبسه وهو محتاج إليه فرع
المذهب أنه يباح الحرير لحاجة برد أو حر ونحوه
لعدم وذكر ابن تميم أنه من احتاج إلى لبس
الحرير لحر أو برد أو تحصين من عدو ونحوه
أبيح.
"أو ألبسه الصبي فعلى روايتين" إحداهما يحرم
على وليه إلباسه حريرا أو ذهبا نص عليه في
رواية الجماعة وصححه في الشرح لقوله عليه
السلام "وحرم على ذكورها" وعن جابر قال "كنا
ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري" رواه
أبو داود وشقق عمر وابن مسعود وحذيفة قمص
الحرير على الصبيان رواه الخلال.
ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام
كتمكينهم من شرب الخمر وكونهم محلا للزينة مع
تحريم الاستمتاع بهم أبلغ في التحريم فعلى هذا
لو صلى فيه لم تصح على المذهب والثانية يباح
لعدم تكليفه.
قال سعيد حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم
التيمي قال "كانوا يرخصون للصبي في خاتم الذهب
فإذا بلغ ألقاه.
"ويباح حشو الجباب والفرش" بضم الراء جمع فراش
وقد تسكن "به" لأنه لا خيلاء فيه "ويحتمل أن
يحرم" وذكره ابن عقيل رواية كبطانة وللعموم
وفي تحريم كتابة المهر فيه وجهان "ويباح
العلم" بفتح اللام "الحرير" وهو طراز الثوب
"إذا كان أربع أصابع" مضمومة "فما دون" أي
فأقل نص عليه وقدمه غير واحد لما روى عمر "أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير
إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة" رواه مسلم
(1/329)
وقال أبو بكر
يباح وإن كان مذهبا وكذلك الرقاع ولبنة الجيب
وسجف الفراء ويكره للرجل لبس المزعفر
ـــــــ
وفي الوجيز دونها وفي الرعاية وغيرها قدر كف
عرضا فلو لبس أثوابا في كل واحد قدر ما يعفى
عنه ولو جمع صار ثوبا فقيل لا بأس وقيل يكره.
"وقال أبو بكر يباح وإن كان مذهبا" واختاره
المجد وحفيده وهو رواية لما روى معاوية "أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب
إلا مقطعا" رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن
ولأنه يسير أشبه الحرير ويسير الفضة والمذهب
أنه يحرم يسير ذهب تبعا نص عليه كالمفرد.
مسألة: يجوز بيع حرير لكافر ولبسه له قاله
الشيخ تقي الدين وظاهر كلام أحمد والأصحاب
التحريم كما هو ظاهر الأخبار وجزم به في شرح
مسلم وقال عن خلافه قد يتوهمه متوهم وهو وهم
باطل وليس في الخبر أنه أذن له في لبسها قد
بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى علي وأسامة
كما بعث إلى عمر ولم يلزم منه إباحة لبسه وهو
مبني على مخاطبتهم بفروع الإسلام وفائدتها
زيادة العقاب في الآخرة.
"وكذلك" تباح "الرقاع" وهو جمع رقعة وهي
الخرقة المعروفة "ولبنة" بفتح اللام وكسر
الباء" الجيب" قال صاحب المطالع جيب القميص
طوقه الذي يخرج منه الرأس فعلى هذه لبنته
الزيق "وسجف" جمع سجاف بضم السين مع ضم الجيم
وسكونها "الفراء" بكسر الفاء ممدودا واحده فرو
بغير هاء قاله الجوهري وأثبتها ابن فارس لأن
ذلك كله مساو للعلم وكذا حكم الخياطة به
والأزرار.
"ويكره للرجل لبس المزعفر" نقله الأكثر وهو
مذهب ابن عمر وغيره لأن النبي صلى الله عليه
وسلم "نهى الرجال عن المزعفر" متفق عليه.
وذكر الأزجي تحريمه عليه وقيل يعيد من صلى به
أو بمعصفر
(1/330)
والمعصفر
ـــــــ
اختاره أبو بكر وقدم جماعة لا يكره نص عليه
وقيل في غير الصلاة.
"والمعصفر" لما روى علي قال "نهاني رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن كذا وعن لبس المعصفر"
رواه مسلم وله أيضا "إن هذه من ثياب الكفار
فلا تلبسها ".
ويستثنى منه إلا في الإحرام فإنه لا يكره نص
عليه وظاهره أنه يباح للنساء لتخصيص الرجل
بالنهي قلت ويلتحق بما ذكره الأحمر المصمت نص
عليه واختار في المغني و الشرح أنه لا بأس به
والمذهب يكره ونقل المروذي يكره للمرأة كراهة
شديدة لغير زينة.
وكذا طيلسان في وجه وجلد مختلف في نجاسته
وافتراشه في الأشهر ومشيه في نعل واحدة بلا
حاجة وعلم منه أنه يباح الأبيض والأصفر
والأخضر وكذا الأسود لأنه عليه السلام دخل مكة
عام الفتح وعليه عمامة سوداء وعنه يكره الأسود
للجند وقيل في غير حرب ونقل المروذي فيمن ترك
ثيابا سودا يحرقها الوصي لأنها لباس الجند
أصحاب السلطان والظلمة.
تذنيب : يستحب التواضع في اللباس لما روى أحمد
عن عبد الرحمن بن مهدي عن زهير بن محمد عن
صالح بن كيسان عن عبد الله بن أبي أمامة عن
أبيه مرفوعا "البذاذة من الإيمان" رجاله ثقات
قال أحمد في رواية الجماعة وهو التواضع في
اللباس ونقل المروذي يكره الرقيق للحي ولا بأس
بغسله من العرق والوسخ نص عليه.
وكان ابن مسعود يعجبه إذا قام إلى الصلاة
الريح الطيبة.
والثياب النقية وقال غير واحد يباح المورد
والممسك ويكره للرجل أن يلبس ثياب المرأة
والعكس نص عليه كالزيق العريض للرجل واختلفت
عنه في كراهته للنساء قال القاضي إنما كرهه
أحمد لإفضائه إلى الشهرة.
فصل
(1/331)
.......................................
ـــــــ
يسن الرداء وقيل يباح كفتل طرفه نص عليه ويسن
إرخاء ذؤابة خلفه نص عليه وإطالتها كثيرا من
الإسبال قاله الشيخ تقي الدين وإن أرخى طرفها
بين كتفيه فحسن قاله الآجري.
وتسن السراويل وفي التلخيص لا بأس قال صاحب
النظم وفي معناه التبان وجزم بعضهم بإباحته
والأول أظهر.
قال أحمد السراويل أستر من الإزار ولباس القوم
كان الإزار فدل على أنه لا يجمع بينهما.
ويستحب القميص قاله القاضي ويباح القباء قال
صاحب النظم ولو للنساء والمراد ولا تشبه قاله
في الفروع وظاهر كلامهم لا فرق بين الجديد
والعتيق.
قال عبد الله بن محمد الأنصاري ينبغي للفقيه
أن يكون له ثلاثة أشياء جديدة سراويله ومداسه
وخرقة يصلي عليها ويجدد عمامته كيف شاء.
فرع ما حرم استعماله حرم بيعه وخياطته وكذا
أجرتها نص عليه .
(1/332)
باب اجتناب النجاسات
...
با ب اجتناب النجاسات
وهو الشرط الرابع
ـــــــ
با ب اجتناب النجاسات
وهو الشرط الرابع لقوله تعالى {وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ} قال ابن سيرين وابن زيد أمر بتطهير
الثياب من النجاسة التي لا يجوز الصلاة معها
وذلك لأن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا
يطهرون ثيابهم وهذا أظهر الأقوال فيها وهو حمل
اللفظ على حقيقته وهو أولى من المجاز فيكون
شرطا بمكة لكن صح أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يصلي قبل الهجرة في ظل الكعبة فانبعث أشقى
القوم فجاء بسلا حزور بني فلان ودمها وفرثها
فطرحه بين كتفيه وهو ساجد حتى أزالته فاطمة
رواه البخاري من حديث ابن مسعود.
قال المجد لا نسلم أنه أتى بدمها ثم الظاهر
أنه منسوخ لأنه كان بمكة قبل ظهور الإسلام
ولعل الخمس لم تكن فرضت والأمر بتجنب النجاسة
مدني متأخر بدليل خبر النعلين وصاحب القبرين
والأعرابي الذي بال في طائفة المسجد وحديث
جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه
وسلم: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي قال
"نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله" رواه أحمد
وابن ماجة وإسناده ثقات ذلك من الأحاديث فثبت
بها أنه مأمور باجتنابها ولا يجب ذلك في غير
الصلاة فتعين أن يكون فيها والأمر بالشيء نهي
عن ضده.
وعنه ليس بشرط للخبر السابق وعلى الأول فطهارة
بدن المصلي وسترته وبقعته محل بدنه والمذهب
وثيابه مما لا يعفي عنه شرط كطهارة الحدث.
فائدة: طهارة الحدث فرضت قبل التيمم ذكره
القاضي وجماعة في قياس الوضوء على التيمم في
النية مع تقدمه عليه.
(1/333)
فمتى لاقى
ببدنه نجاسة أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها أو
حملها لم تصح صلاته
ـــــــ
وفي الصحيحين أن عائشة قالت أنزلت آية التيمم
قيل هي آية المائدة أو سورة النساء
وقال أبو بكر بن العربي لا نعلم أية آية عنت
عائشة بقولها فأنزلت آية التيمم قال وحديثها
يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معروفا ولا
مفعولا لهم
وقال القرطبي معلوم أن غسل الجنابة لم يفرض
قبل الوضوء كما أنه معلوم عند جميع أهل السير
أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترضت عليه
الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء مثل وضوئنا
اليوم
قال أن آية الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها
المتقدم متلو في التنزيل وفي قولها فنزلت آية
التيمم ولم تقل آية الوضوء ما يبين أن الذي
طرأ لهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا
حكم الوضوء "فمتى لاقى ببدنه أو ثوبه نجاسة
غير معفو عنها أو حملها" زاد في المحرر أو حمل
ما يلاقيها "لم تصح صلاته" أقول متى باشرها
بشيء من بدنه أو ثوبه لم تصح ذكره معظم
الأصحاب وفي التلخيص أنه الأظهر وزاد إلا أن
يكون يسيرا وذكر ابن عقيل في سترته المنفصلة
عن ذاته إذا وقعت حال سجوده على نجاسة أنها لا
تبطل
فإن كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلي الى
جانبه وحائط لا يستند إليه صحت قاله ابن عقيل
وصححه في الفروع لأنه ليس بموضع لصلاته ولا
محمولا فيها واختار السامري والمجد وجماعة
أنها تبطل لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو
وقعت عليه فلو استند إليها حال قيامه أو ركوعه
أو سجوده بطلت
وظاهره أنه لو قابلها حال ركوعه أو سجوده
مباشرة أنها لا تبطل ,
(1/334)
وإن طين الأرض
النجسة أو بسط عليها شيئا طاهرا صحت صلاته مع
الكراهة
ـــــــ
ذكره في الكافي و المستوعب وفيه وجه كما لو
باشرها ببعض أعضائه فإن كانت بين رجليه لم
يصبها والقياس أنها كذلك وذكر السامري وابن
حمدان فيها الصحة وشرطها أن تكون النجاسة
غيرمعفو عنها لأن المعفو عنه لا أثر له وأما
إذا حملها لم تصح كما لو كانت على بدنه
فلو حمل آجرة باطنها نجس أو قارورة مسدودة
الراس فيها نجاسة لم تصح لأنه حامل لنجاسة في
غير معدنها أشبه حملها في كمه وكذا حمل مستجمر
والأصح فيه الصحة وفي حمل بيضة فيها فرخ ميت
وجهان وعلم منه أنه إذا حمل طاهرا طائرا أو
غيره أنها لا تبطل للخبر ولأن النجاسة في
معدنها فهي كالنجاسة في بدن المصلي
فرع إذا جهل كونها في الصلاة أو سقطت عليه
فأزالها أو زالت سريعا صحت في الأصح للخبر
ولأنه زمن يسير فعفي عنه كاليسير في القدر
وفيه وجه
"وإن طين الأرض النجسة أو بسط عليها شيئا
طاهرا صحت صلاته" جزم به في الوجيز وقدمه في
المحرر لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مباشر لها
وكما لو غسل وجه آجر نجس وكسرير تحته نجس أو
علو سفله غصب "مع الكراهة" في ظاهر كلام أحمد
وقدمه في الكافي و الرعاية وفي الشرح أنه أولى
لاعتماده على النجاسة وعنه يعيد ذكرها الشيخان
لاعتماده عليها أشبه ملاقاتها
وعنه إن بسط على نجاسة رطبة لم تصح وإلا صحت
اختاره ابن أبي موسى للاتصال وعلى الأول يشترط
أن يكون الحائل صفيقا فإن كان خفيفا فالأصح
المنع وحيوان نجس كأرض وقيل تصح هنا صححه ابن
تميم وكذا ما وضع على حرير يحرم جلوسه عليه
ذكره أبو المعالي فيتوجه إن صح جاز جلوسه عليه
وإلا فلا ذكره في الفروع ورأى ابن عمر
(1/335)
و إن صلى على
مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته إلا أن
يكون متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى فلا تصح
ـــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم "يصلي على حمار وهو
متوجه إلى خيبر" رواه مسلم.
قال الدارقطني هو غلط من عمرو بن يحيى المازني
والمعروف صلاته على البعير والراحلة لكنه من
فعل أنس.
"وإن صلى على مكان طاهر من بساط" أو حبل "طرفه
نجس" لا يصيبه صحت صلاته ذكره السامري وغيره
وصححه المؤلف لأنه ليس بحامل للنجاسة ولامصل
عليها وإنما اتصل مصلاه بها أشبه ما لو صلى
على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة وظاهره ولو
حاذاها بصدره إذا سجد في الأصح.
والثاني: المنع لأنها في حريم مصلاه والهواء
تابع للقرار أشبه الصلاة على سقف الحش وظاهره
ولو تحرك النجس بحركته وهو المذهب.
"إلا أن يكون متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى
فلا تصح" جزم به في الوجيز و الفروع وغيرهما
لأنه مستتبع لها فهو كحاملها فإن كان بيده أو
وسطه حبل مشدود في نجس أو سفينة صغيرة فيها
نجاسة تنجر معه إذا مشى لم يصح كحمله ما
يلاقيها وإلا صحت لأنه ليس بمستتبع لها.
ذكره السامري وجزم به في الفصول واختاره
المؤلف كما لو أمسك غصنا من شجرة عليها نجاسة
وقيل لا يصح جزم به في التلخيص وقاله القاضي
لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة.
قال المجد إن كان الشد في موضع نجس مما لا
يمكن جره معه كفيل لم يصح كحمله ما يلاقيها.
قال في الشرح والأول أولى لأنه لا يقدر على
استتباع الملاقي للنجاسة أشبه ما لو أمسك
سفينة عظيمة فيها نجاسة .
(1/336)
ومتى وجد عليه
نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أولا فصلاته
صحيحة وإن علم أنها كانت فيها لكنه نسيها أو
جهلها فعلى روايتين
ـــــــ
قال في الفروع ويتوجه مثلها حبل بيده طرفه على
نجاسة يابسة ومقتضى كلام المؤلف الصحة وكذا
حكم ما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة ذكره ابن
تميم
فرع : إذا داس النجاسة عمدا في الأشهر بطلت
وإن داسها مركوبة فلا قال ابن حمدان بلى إن
أمكن رده عنها ولم يردها
تنبيه : إذا شرب خمرا ولم يسكر غسل فمه وصلى
ولم يلزمه قيء نص عليه وقيل بلى يلزمه ولإمكان
إزالتها وقد روى أحمد وغيره من حديث ابن عمر
مرفوعا "لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما"
فالمراد نفي ثوابها لا صحتها قاله المجد وحكم
سائر النجاسات كذلك لأنها حصلت في معدتها
"ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في
الصلاة أو لا فصلاته صحيحة" لأن الأصل عدم
كونها في الصلاة لاحتمال حدوثها بعدها فلا
نبطلها بالشك
"وإن علم أنها كانت فيها لكنه نسيها أو جهلها
فعلى روايتين" وكذا في المحرر إحداهما لا تبطل
اختاره المؤلف وجزم به في الوجيز وقدمه ابن
تميم والمجد وقاله جماعة منهم ابن عمر لحديث
أبي سعيد في خلع النعلين ولو بطلت لاستأنفها
النبي صلى الله عليه وسلم والثانية:تبطل وهي
الأشهر فعلى هذا يعيد لأنها طهارة مشترطة فلم
تسقط بالجهل كطهارة الحدث
وأجيب بأن طهارة الحدث آكد لكونه لا يعفى عن
يسيرها وقال القاضي وابن عقيل يعيد مع النسيان
رواية واحدة وقطع به في التلخيص وكذا قال
الآمدي يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة
لأنه منسوب إلى التفريط بخلاف الجاهل وفي
المغني الصحيح التسوية بينهما لأن ما عذر فيه
(1/337)
وإذا جبر ساقه
بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر
وإن لم يخف لزمه قلعه وإن سقطت سنه فأعادها
بحرارتها فثبتت فهي طاهرة
ـــــــ
بالجهل عذر فيه بالنسيان بل أولى لورود النص
بالعفو عنه وكذا الخلاف إن عجز عنها حتى فرغ.
قال أبو المعالي أو زاد مرضه بتحريكه وفي
الرعاية أو جهل حكمها.
تنبيه إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وأمكن
إزالتها من غير عمل كثير ولازمن طويل فالحكم
كما لو علم بعد الصلاة فإن قلنا لا تبطل
أزالها وبنى وقال ابن عقيل تبطل رواية واحدة
وإن لم يمكن إزالتها إلا بعمل كثير او مضى زمن
طويل بطلت وقيل لا بل يزيلها ويبني.
"وإذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه
إذا خاف الضرر" قدمه في الكافي و التلخيص
وصححه ابن تميم والجد وجزم به في الوجيز
والمراد بخوف الضرر فوات نفس أو عضو أو مرض
لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب وهو
أهم من رعاية شرط الصلاة ولهذا لا يلزمه شراء
سترة ولا ماء للوضوء بزيادة تجحف بماله فإذا
جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله فترك شرط
مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى.
وعنه يلزمه إذا لم يخف التلف اختاره أبو بكر
لأنه غير خائف للتلف أشبه إذا لم يخف الضرر
والأول أولى فإن ستره اللحم لم يحتج إلى تيمم
وإلا تيمم له قاله ابن تميم وغيره.
وكذا إذا خاط جرحه بشيء بخس فإن خاف التلف لم
يلزمه رواية واحدة.
"وإن لم يخف" الضرر "لزمه قلعه" لأنه قادر على
إزالته من غير ضرر فلو صلى معه لم يصح فإذا
مات من يلزمه قلعه قلع وأطلقه جماعة قال أبو
المعالي وغيره ما لم يغطه اللحم للمثلة.
"وإن سقطت سنة" أو عضوه "فأعادها بحرارتها
فثبتت فهي طاهرة" على
(1/338)
وعنه أنها نجسة
حكمها حكم العظم النجس إذا جبر به ساقه ولا
تصح الصلاة في المقبرة
ـــــــ
المذهب لأنه جزء من جملة فكان حكمه حكمها
كسائر الحيوانات الطاهرة والنجسة
"وعنه إنها نجسة" اختارها القاضي لأنه لا حرمة
لها بدليل أنه لا يصلي عليها وقد أبينت من حي
فتكون نجسة "حكمها حكم العظم النجس إذا جبر به
ساقه" لتساويهما حينئذ في أصل النجاسة
وقيل إن ثبتت السن وغيرها ولم يتغير فهو طاهر
وإن ثبتت وتريح أو تغير فهو نجس يؤمر بقلعه
ويعيد ما صلى قبل زواله
وظاهره أنه إذا لم يثبت فإنه يزيله ويعيد ما
صلى به في الأصح
قال في المستوعب أصلهما الروايتان في نجاسته
فرع إذا جعل موضع سنه سن شاة مذكاة فصلاته معه
مجزئة ثبتت أو لم تثبت
وصلة وصل المرأة شعرها زاد في الشرح أو شعر
غيرها بشعر حرام لأن فاعل ذلك ملعون
وقيل يكره قدمه في الرعاية ولا بأس ببالآخر
بقرامل وتركها أفضل وعنه يكره رجحه في الشرح
وبعده ابن حمدان وعنه يحرم والأيم وذات الزوج
سواء
وقيل لا بأس بإذن زوج لكن إن كان شعر أجنبية
في حل النظر إليه وجهان وإن كان شعر بهيمة كره
ثم إن كان الشعر نجسا لم تصح الصلاة معه في
الأشهر وإن كان طاهرا وقلنا بالتحريم ففي صحة
الصلاة معه وجهان
"ولا تصح الصلاة في المقبرة" هي بتثليث الباء
لكن بفتحها هو القياس وبضمها المشهور وبكسرها
قليل والشيء إذا كثر في مكان جاز أن يبني
(1/339)
والحمام والحش
وأعطان الإبل وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها.
ـــــــ
من اسمه كقولهم أرض مسبعة إذا كثر فيها
السباع.
"والحمام" مشدد واحد الحمامات المبنية.
"والحش" بفتح الحاء وضمها البستان ويطلق على
المخرج لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين
وهي الحشوش فسميت الأخلية في الحضر حشوشا
بذلك.
"وأعطان الإبل" واحدها عطن بفتح الطاء وهي
المعاطن الواحد معطن بكسرها "وهي التي تقيم
فيها وتأوي إليها" قاله أحمد.
وقيل مكان اجتماعها إذا صدرت عن المنهل زاد
بعضهم وما تقف فيه لترد الماء.
قال في المغني و الشرح والأول أجود لأنه جعله
في مقابلة مراح الغنم لا نزولها في سيرها قال
جماعة أو لعلفها للنهي.
وما ذكره من عدم صحة الصلاة في هذه المواضع هو
المجزوم به في المذهب وعليه الأصحاب لما روى
أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"جعلت لي الأرض كلها مسجدا إلا المقبرة
والحمام" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحح
أنه مرسل وابن حبان والحاكم وقال أسانيده
صحيحة وقال ابن حزم خبر صحيح.
وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن
ذلك" رواه مسلم.
وعن البراء ابن عازب أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في
مبارك الإبل" رواه أحمد وأبو داود وصححه أحمد
وإسحاق وقال ابن خزيمة لم نر خلافا بين علماء
الحديث أن هذا الخبر صحيح والمنع منها تعبد
فيتناول ما يقع عليه الاسم
(1/340)
والموضع
المغصوب،
ـــــــ
وفي آخر بأنها مظنة النجاسة فأقيمت مقامها
وظاهره أن صلاة الجنازة لا تصح في المقبرة
كغيرها وهو إحدى الروايات قدمه في الرعاية
وعنه يكره ذكرها السامري وفي ثالثة وهي المذهب
صحتها فيها من غيركراهة فعلى هذا يستثنى.
ولا فرق فيها بين القديمة والجديدة تكرر نبشها
أو لا ولا يضر قبران لأنه لا يتناولها الاسم
وقيل بلى واختاره الشيخ تقي الدين.
قال في الفروع وهو أظهر بناء على أنه هل تسمى
مقبرة أم لا وظاهر كلامهم أن الخشخاشة فيها
جماعة قبر واحد فلا تمنع كما لو دفن بداره
موتى.
ونص أحمد وهو المذهب أنه لا يصلي في مشلح
حمّام ومثله أتونه وما تبعه في بيع وكره أحمد
الصلاة فوق الحمام والصحيح قصر النهي على ما
يتناوله النص وإن الحكم لا يتعدى إلى غيره لأن
الحكم إن كان تعبدا لم يقس عليه وإن علل فإنما
يعلل بمظنة النجاسة ولا يتخيل هذا في أسطحتها
لكن يصلى فيها للعذر وفي الإعادة روايتان.
وظاهره أنه لا يصلي فيها من أمكنه الخروج ولو
فات الوقت والحش ثبت الحكم فيه بالتنبيه لكونه
معدا للنجاسة ومقصودا لها ولانه قد منع من ذكر
الله تعالى ومن الكلام فيه فمنع الصلاة فيه
أولى وقال في المغني لا أعلم فيه نصا.
"والموضع المغصوب" على المذهب لأنها عبادة أتى
بها على الوجه المنهي عنه فلم تصح كصلاة
الحائض ولا فرق في الغصب بين دعوى الملك أو
المنفعة.
ويلحق به ما إذا أخرج ساباطا في موضع لا يحل
له أو غصب راحلة وصلى عليها أو سفينة أو لوحا
فجعله سفينة وصلى عليه أو مسجدا وغيره عن
هيأته أو بسط طاهرا على أرض مغصوبة أو مغصوبا
على أرض مباحة.
(1/341)
وعنه تصح مع
التحريم وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة
والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك
ـــــــ
فإن لم يغير المسجد عن هيأته بل منع الناس
الصلاة فيه فصلاته فيه صحيحة مع الكراهة في
الأصح ولا يضمنه بذلك فإن كانت الأبنية مغصوبة
والبقعة حلالا فروايتان.
وقيل هذا إن استند إليها وإلا كرهت وصحت فإن
صلى في أرض غيره بلا إذنه أو صلى على مصلاه
بلا إذنه ولم يغصبه أو أقام غيره من المسجد
وصلى فيه فوجهان.
ويستثنى منه الجمعة فإنها تصح في موضع غصب نص
عليه لأنها تختص ببقعته وفي طريق ضرورة
وحافتيها نص عليها وعلى راحلة فيها وذكر جماعة
وطريق أبيات يسيرة وكذا عيد وجنازة جزم به في
الشرح وقيل وكسوف واستسقاء.
"وعنه تصح" في هذه المواضع لما روى جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة
فليصل حيث أدركته" متفق عليه ولأنه موضع طاهر
فصحت الصلاة فيه كالصحراء ولم ينقل عن أحد من
العلماء أنهم أمروا بإعادتها ولأن النهي لمعنى
في غير الصلاة أشبه ما لو صلى وفي يده خاتم
ذهب.
"مع التحريم" للنهي وعنه مع الكراهة وفاقا
وعنه لا تصح إن علم النهي لخفاء دليله وقيل إن
خاف فوت الوقت صحت.
"وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة" وهي ما أعد
للذبح "والمزبلة" أي مرمى الزبالة وإن كانت
طاهرة "وقارعة الطريق" أي التي تقرعها الأقدام
مثل الأسواق والشوارع دون ما علا عن جادة
المارة يمنة ويسرة نص عليه.
وألحق صاحب الروضة بذلك المدبغة والمذهب خلافه
"وأسطحتها كذلك" أي لا تصح الصلاة فيها في
اختيار الأكثر وجزم به في الوجيز ,
(1/342)
وتصح الصلاة
إليها
ـــــــ
وصححه ابن الجوزي وفي الفروع وقدمه في المحرر
وغيره لما روى ابن عمر "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن المزبلة
والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام
وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله" رواه ابن
ماجة والترمذي وقال ليس إسناده بالقوي وقد
رواه الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري
عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.
وعلم منه أن الصلاة تصح فيها وهو الصحيح عنده
وهو قول أكثر العلماء ويحتمله كلام الخرقي
لأنه لم يذكرها ولعموم الأحاديث الصحيحة.
واستثنى في بعضها المقبرة والحمام فيبقى فيما
عداها على العموم مع أن حديث ابن عمر يرويه
زيد بن جبيرة وعبد الله بن عمر العمري وقد
تكلم فيهما من قبل حفظهما.
وفي لفظ ومحجة الطريق بدل قارعة وهي الطريق
الجادة المسلوكة في السفر وليس المراد كل طريق
لأنه لا يخلو موضع من المشي فيه ولهذا ذكر ابن
تميم وصاحب الشرح لا بأس بطرق الأبيات القليلة
تنبيه: أسطحة مواضع النهي كهي عند أحمد وأكثر
الأصحاب لأن الهواء تابع للقرار بدليل الجنب
يمنع من اللبث على سطح المسجد ويحنث بدخول سطح
الدار إذا حلف لا يدخلها فيعود الضمير إلى
الكل وهو ظاهر المغني وظاهر كلامه هنا أن
الأسطحة لا يكون لها حكم القرار وصححه في
المغني و الشرح لما ذكرنا.
قال أبو الوفاء لا سطح نهر لأن الماء لا يصلى
عليه واختار أبو المعالي وغيره الصحة كالسفينة
قال ولو جمد الماء فكالطريق وذكر بعضهم الصحة.
"وتصح الصلاة إليها" مع الكراهة نص عليه وجزم
به في الوجيز وقدمه جماعة لقوله عليه السلام:
"وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" .
(1/343)
إلا المقبرة
والحش في قول ابن حامد
ـــــــ
إلا المقبرة اختاره الشيخان قال في الفروع وهو
أظهر لما روى أبو مرثد الغنوي أنه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تصلوا إلى
القبور ولا تجلسوا إليها" رواه مسلم.
"والحش في قول ابن حامد" وهو رواية عن أحمد
وقيل وحمام وشرطه لا حائل ولو كمؤخرة الرحل
وظاهره ليس كسترة صلاة فيكفي الخط بل كسترة
المتخلي ولا يضر بعد كثير عرفا.
وعنه لايكفي حائط المسجد جزم به جماعة لكراهة
السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش وتأول ابن
عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلى
واستحسنه صاحب التلخيص.
وعنه لا يصلي إلى ذلك وقارعة الطريق فإن فعل
فقال أبو بكر في الإعادة قولان والصحيح أن
الإعادة على الجميع قاله ابن تميم وغيره
واختار أبو بكر خلافه.
قال القاضي: يقاس على ذلك سائر مواضع النهي
إلى الكعبة وفيه نظر لأن النهي عنده تعبد
وشرطه فهم المعنى.
تذنيب : مازال اسمه مما نهي عنه زال المنع منه
في الأشهر والمصلي في مسجد بني في مقبرة
كالمصلي فيها لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون
مقبرة لكن إن حدث حول المسجد لم يمنع الصلاة
فيه زاد في الشرح بغير خلاف لأنه لم يتبع ما
حدث بعده وكذا إن حدث في قبلته فهو كالمصلى
إليها.
مسألة : تصح الصلاة في أرض السباخ على الأصح
وفي الرعاية يكره كأرض الخسف نص عليه لأنه
موضع مسخوط عليه.
ولا تصح في عجلة سائرة ولا أرجوحة تحرك لأنه
ليس بمستقر القدمين على الأرض كما لو سجد على
بعض أعضاء السجود وترك الباقي معلقا وفيه
(1/344)
ولا تصح
الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها وتصح النافلة
ـــــــ
وجه وقدم في الشرح أنها تصح على العجلة إذا
أمكنه ذلك والمربوط في الهواء يوميء.
"ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها"
هذا هو المشهور وجزم به أكثر الأصحاب لقوله
تعالى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وللخبر
والمصلي فيها أو عليها غير مستقبل لجهتها.
ولأن المصلي فيها يستدبر منها ما يصلح أن يكون
قبلة مع القدرة وذلك يبطل الفرض والمصلي عليها
ليس مصليا وقد أمر بالصلاة إليها وظاهره لا
فرق بين أن يسجد على منتهى الكعبة أو يقف عليه
أو لا ذكره ابن هبيرة وصاحب التلخيص.
وجزم في المحرر وهو ظاهر كلام أحمد أنه إذا
وقف على منتهاها بحيث إنه لم يبق وراءه شيء
منها أو قام خراجها وسجد فيها فإنه يصح لأنه
استقبله ولم يستدبر منه شيئا كما لو صلى إلى
أحد أركانه وظاهر كلام الأكثر بخلافه وعنه يصح
وهو ظاهر ما قدمه في الكافي واختاره الآجري
كمن نذر الصلاة فيها وعنه مع الكراهة وعنه إن
جهل النهي لأنه معذور.
"وتصح النافلة" فيها على الأصح وعليها لا نعلم
فيه خلافا قاله في المغني و الشرح لما روى ابن
عمر قال "دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت
هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة
فأغلقوا عليهم فلما فتحوا كنت أول من ولج
فلقيت بلالا فينبغي هل صلى فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال نعم بين العمودين
اليمانيين" متفق عليه.
لا يقال فابن عباس قال لم يصل فيها لأنه نفي
والإثبات مقدم عليه خصوصا ممن كان حاضر القصة
ولأن مبناها على التخفيف والمسامحة بدليل
صحتها قاعدا أو إلى غيرالقبلة على الراحلة
وقدم في الرعاية أنه لا يصح نفل
(1/345)
إذا كان بين
يديه شيء منها
ـــــــ
فوقها في الأصح ويصح فيها على الأصح واقتصر
جماعة على الصحة هنا.
وشرطها "إذا كان بين يديه شيء منها" ليكون
مستقبلا بعضها فعلى هذا لو صلى إلى جهة الباب
أو على ظهرها ولا شاخص متصل بها لم يصح وذكره
في الشرح عن الأصحاب لأنه غير مستقبل بشيء
منها فإن لم يكن شاخصا فوجهان.
قال في المغني والأولى أنه لا يشترط كون شيء
منها بين يديه لأن الواجب استقبال موضعها
وهوائها دون حيطانها بدليل ما لو انهدمت
والعياذ بالله تعالى ولهذا تصح على أبي قبيس
فإنه أعلى منها وقيل لا تصح على ظهرها وقيل لا
تصح فيها إن نقض البناء وصلى إلى الموضع
والحجر منها نص عليه وهو ستة أذرع وشيء فيصح
التوجه إليه.
وقال ابن حامد وابن عقيل لا وقاله أبو المعالي
في المكي ويسن النفل فيه والفرض كداخلها في
ظاهر كلامهم.
مسألة : يستحب نفله فيها وعنه لا ونقل الأثرم
يصلي فيها إذا دخل وجاهه كذا فعل النبي صلى
الله عليه وسلم ولا يصلي حيث شاء ونقل أبو
طالب يقوم كما قام عليه السلام بين
الاسطوانتين.
(1/346)
باب استقبال
القبلة
وهو الشرط الخامس لصحة الصلاة إلا في حال
العجز عنه
__________
باب استقبال
القبلة
قال الواحدي القبلة الوجهة وهي الفعلة من
المقابلة والعرب تقول ماله قبلة ولا دبرة إذا
لم يهتد لجهة أمره وأصل القبلة في اللغة
الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها كالجلسة
للحال التي يجلس عليها إلا أنها الآن صارت
كالعلم للجهة التي يستقبلها المصلي وسميت قبلة
لإقبال الناس عليها وقيل لأنه يقابلها وهي
تقابله
"وهو الشرط الخامس لصحة الصلاة" لقوله تعالى
{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:
144] قال علي شطره قبله وقال ابن عمر "بينما
الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه
قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها
وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة"
متفق عليه
واختلف هل كانت شرعة التوجه إلى بيت المقدس
بالمدينة بالسنة أو القرآن على قولين ذكرهما
القاضي وذكر ابن الجوزي عن الحسن وأبي العالية
والربيع وعكرمة أنه كان برأيه واجتهاده
قال في الفروع ولم يصرحوا بصلاته قبل الهجرة
وسئل عنها ابن عقيل فقال الجواب ذكر ابن أبي
خيثمة في تاريخه أنه قيل "إن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى إلى الكعبة قبل الهجرة وصلى إلى
بيت المقدس بالمدينة"
"إلا في حال العجز عنه" كالمربوط إلى غير
القبلة والمصلوب ونحوهما لأنه شرط عجز عنه
فسقط كالقيام.
(1/347)
والنافلة على
الراحلة في السفر الطويل والقصير
ـــــــ
ومنه إذا اشتد الخوف عند التحام الحرب ويأتي
"والنافلة على الراحلة في السفر" هو عبارة عن
قطع المسافة وجمعه أسفار سمي بذلك لأنه يسفر
عن أخلاق الرجال قاله ثعلب.
"الطويل" قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه
جائز لكل من سافر سفرا تقصر فيه الصلاة أن
يتطوع على دابته حيثما توجهت به.
"والقصير" هو مغن عن الأول لأنه إذا جاز في
القصير جاز في الطويل من باب أولى وجزم به
الأصحاب لقوله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ
وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].
قال ابن عمر نزلت في التطوع خاصة ولما روى هو
أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يسبح على
ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان ابن
عمر يفعله" متفق عليه.
وللبخاري إلا الفرائض ولم يفرق بين طويل السفر
وقصيره ولأن ذلك تخفيف في التطوع لئلا يؤدي
إلى تقليله أو قطعه فاستويا فيه إذا كان مباحا
زاد في التلخيص وابن تميم وغيرهما إذا كان
يقصد جهة معينة لا من راكب التعاسيف.
ويومئ بالركوع والسجود وهو أخفض من ركوعه هذا
إذا كان الراكب يحفظ نفسه بفخذيه وساقيه
كراحلة القتب فأما إذا كان في الهودج
والعمارية فإن أمكنه الاستقبال في جميعها
والركوع والسجود لزمه كراكب السفينة لأنه ممكن
غير مشق وإن قدر على الاستقبال دونهما لزمه
وأومأ بهما نص عليه وقال أبو الحسن التميمي لا
يلزمه ذلك لأن الرخصة العامة يستوي فيها من
وجدت فيه المشقة وغيره كالقصر والجمع ولعله
موافق لظاهر كلامه.
(1/348)
وهل يجوز
التنفل للماشي على روايتين وإن أمكنه افتتاح
الصلاة إلى القبلة فهل يلزمه ذلك؟ على روايتين
ـــــــ
ويعتبر طهارة محله نحو سرج وركاب ولا فرق في
المركوب بين أن يكون بعيرا أو غيره وظاهره أنه
لا يجوز في الحضر على المذهب لأنه لم ينقل عنه
عليه السلام.
وعنه يجوز للسائر الراكب خارج المصر فعله أنس
لأنه راكب أشبه المسافر "وهل يجوز التنفل
للماشي" في السفر سائرا "على روايتين" إحداهما
لا يجوز وهو ظاهر الخرقي و الوجيز لأن الرخصة
وردت في الراكب والماشي بخلافه لأنه يأتي في
الصلاة بمشي متتابع وعمل كثير فلم يصح الإلحاق
والثانية: نقلها المثنى بن جامع يجوز اختاره
القاضي وجزم به ابن الجوزي وقدمه في المحرر
وصححه ابن تميم وفي الفروع لأن الصلاة أبيحت
للراكب لئلا ينقطع عن القافلة في السفر وهو
موجود في الماشي.
فعلى هذا يلزمه أن يفتتحها إلى القبلة إذا
أمكنه رواية واحدة ويركع ويسجد وضوء إليهما
لأنه ممكن ويفعل ما سوى ذلك ماشيا إلى جهة
سيره.
وقيل: يوميء بهما إلى جهة سيره وقيل ما سوى
القيام يفعله إلى القبلة غير ماش.
"وإن أمكنه" أي الراكب "افتتاح الصلاة" أي
بالإحرام "إلى القبلة" بالدابة أو بنفسه كراكب
راحلة منفردة تطيعه "فهل يلزمه ذلك على
روايتين" إحداهما يلزمه بلا مشقة جزم به في
الوجيز ونقله واختاره الأكثر وذكره أبو
المعالي وغيره المذهب لما روى أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر وأراد أن
يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث
كان وجهة ركابه رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه
وهو حديث حسن.
ولأنه أمكنه ابتداء الصلاة إلى القبلة فلزمه
وكراكب السفينة والثانية: لا
(1/349)
والفرض في
القبلة إصابة العين لمن قرب منها
ـــــــ
يلزمه اختاره أبو بكر ورجحه في المغني وغيره
لما فيه من المشقة ولحديث ابن عمر ولأنه جزء
من الصلاة أشبه سائرها.
ويحمل الخبر الأول على الاستحباب وعلم منه أنه
إذا لم يمكنه استقبالها به كراكب راحلة لا
تطيعه أو جمل مقطور لا يمكنه إدارته لم يلزمه
لأنه عاجز عنه أشبه الخائف.
وقال القاضي يحتمل أن يلزمه ولم يتعرض لذكر
الركوع والسجود والمذهب أنه يلزمه إذا أمكنه
من غير مشقة نص عليه لأنه كسفينة قاله جماعة
فدل أنه وفاق وقيل لا يلزمه وذكره في الرعاية
رواية للتساوي في الرخص العامة فدل أن السفينة
كذلك كالمحفة.
تذنيب : إذا نذر الصلاة عليها جاز وذكر القاضي
قولا لا فيتوجه مثله من نذر الصلاة في الكعبة.
فرع إذا عذر من عدلت به دابته عن جهة سيره أو
عدل هو إلى غير القبلة وطال بطلت وقيل لا
فيسجد للسهو لأنه مغلوب كساه وإن لم يعذر بأن
عدلت دابته وأمكنه ردها أو عدل إلى غيرها مع
علمه بطلت.
وكذا إن انحرف عن جهة سيره فصار قفاه إلى
القبلة عمدا إلا ان يكون ما انحرف إليه جهة
القبلة ذكره القاضي
وإن وقفت دابته تعبا أو منتظرا رفقة أو لم يسر
كسيرهم أو نوى النزول ببلد دخله استقبل القبلة
وإن نزل في أثنائها نزل مستقبلا وأتمها نص
عليه وإن أقام في أثنائها أتم صلاة مقيم وإن
ركب ماش فيها أتمها والمقدم بطلانها.
"والفرض في القبلة إصابة العين" أي عين الكعبة
"لمن قرب منها" وهو من كان معاينا لها أو
ناشئا بمكة أو كثر مقامه فيها فيلزمه بحيث لا
يخرج شيء من بدنه عنها نص عليه لأنه قادر على
التوجه إلى عينها قطعا فلم يجز العدول عنه
والتوجه إليها ظنا فعلى هذا لو خرج ببعض بدنه
عن مسامتها لم تصح,
(1/350)
وإصابة الجهة
لمن بعد عنها
ـــــــ
وقيل بلى فإن كان ثم حائل أصلي من جبل ونحوه
وتعذر عليه التعيين اجتهد إلى عينها.
وعنه أو إلى جهتها وذكر جماعة إن تعذر فكبعيد
ولا يضر علو عليها ولا نزول عنها إذا أخرجه
ذلك عن بنائها ولم يخرج عن موضعها لأن الواجب
استقبالها.
تنبيه : حكم من كان بالمدينة في استقبال قبلة
النبي صلى الله عليه وسلم حكم من كان بمكة
لأنه لا يقر على الخطأ وقال صاحب النظم وكذا
مسجد الكوفة لاتفاق الصحابة عليه لكن قال في
الشرح في قول الأصحاب نظر فإن صلاة الصف
المستطيل في مسجده عليه السلام صحيحة مع خروج
بعضهم عن استقبال عين الكعبة لكون الصف أطول
منها وقولهم إنه لا يقر على الخط صحيح لكن
إنما الواجب عليه استقبال الجهة وقد فعله
"وإصابة الجهة لمن بعد عنها" جزم به في الكافي
و الوجيز وقدمه في التلخيص و المحرر و الفروع
وهو المذهب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " ما بين المشرق والمغرب
قبلة" رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وحكاه عن
عمر وابنه وعلي وابن عباس ولأن الإجماع انعقد
على صحة صلاة الأثنين المتباعدين يستقبلان
قبلة واحدة وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط
مستو.
لا يقال مع البعد يتسع المحاذي لأنه إنما يتسع
مع التقوس أما مع عدمه فلا فعلى هذا لا يضر
التيامن والتياسر في الجهة.
والبعيد هنا من لم يقدر على المعاينة ولا على
من يخبره عن علم.
وعنه يلزمه إصابة عينها اختاره أبو الخطاب
وذكر أبو المعالي أنه المشهور لقوله تعالى
{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:
144] وقياسا على القريب والخبر الأول لا يمكن
حمله على عموم الأمكنة بل هو خاص
(1/351)
فإن أمكنه ذلك
بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين
لزمه العمل به
ـــــــ
بالمدينة وما شابهها.
فعلى هذا إن تيامن أو تياسر بطلت وفي الرعاية
عليها إن رفع رأسه نحو السماء فخرج بوجهه عن
القبلة منع وكذا ذكره ابن عبدوس وجعلاه فائدة
الخلاف وفيه نظر بل إنما يظهر في صورة يخرج
فيها المصلي عن استقبال العين إلى استقبال
الجهة وهذا لم يخرج عن العين إلى الجهة وإنما
خرج وجهه خاصة.
"فإن أمكنه ذلك" أي معرفة القبلة "بخبر ثقة"
عدل ظاهرا وباطنا وقيل أو مستور أو مميز "عن
يقين" أي عن علم لزمه تقليده في الأصح وليس له
الاجتهاد كالحاكم يقبل النص من الثقة ولا
يجتهد.
وقال في التلخيص القادر على معرفة القبلة ليس
له متابعة المخبر.
وظاهره أنه لا يقبل خبر فاسق لكن يصح التوجه
إلى قبلته في بيته فلو شك في حاله قبل قوله في
الأصح وإن شك في إسلامه فلا وأنه إذا أخبره عن
اجتهاد أنه لا يجوز تقليده في الأصح وقيل مع
ضيق الوقت ذكره القاضي ظاهر كلام أحمد واختاره
جماعة وقيل أو كان أعلم منه قلده.
وفي التمهيد يصليها على حسب حاله ثم يعيد إذا
قدر فلا ضرورة إلى التقليد كعادم الطهورين
يصلي ويعيد ويلزمه السؤال فظاهره يقصد المنزل
في الليل ليستخبر.
"أو استدلال بمحاريب" واحدها محراب وهو صدر
المجلس ومنه محراب المسجد وهو الغرفة وقال
المبرد لا يكون محرابا إلا أن يرتقي إليه بدرج
المسلمين عدولا كانوا أو فساقا "لزمه العمل
به" إذا علمها لهم لأن اتفاقهم عليها مع تكرر
الأعصار إجماع عليها ولا يجوز مخالفتها.
وعنه يجتهد فإن أخطأ فوجهان وعنه ولو بالمدينة
والمذهب الأول
(1/352)
وإن وجد محاريب
لا يعلم هل هي للمسلمين أولا لم يلتفت إليها.
وإن اشتبهت عليه في السفر اجتهد في طلبها
بالدلائل وأثبتها القطب
ـــــــ
ولا ينحرف لأن دوام التوجه إليه كالقطع
كالحرمين.
"وإن وجد محاريب" ببلد خراب "لا يعلم هل هي
للمسلمين أولا لم يلتفت إليها" لأنه لا دلالة
فيها لاحتمال كونها لغير المسلمين وإن كان
عليها آثار الإسلام لجواز أن يكون الباني
مشركا عملها ليغر بها المسلمين وعلم منه أنه
إذا علم أنها للكفار لا يجوز له التقليد لأن
قولهم لا يرجع إليه فمحاريبهم أولى وفي المغني
إذا علمت قبلتهم كالنصارى إذا رأى محاريبهم في
كنائسهم علم أنها مستقبلة للمشرق.
"وإن اشتبهت عليه في السفر" ولم يمكنه معرفتها
"اجتهد في طلبها" لأن ما وجب اتباعه عند وجوده
وجب الاستدلال عليه عند خفائه كالحكم في
الحادثة والمجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها
لأن من علم أدلة شيء كان مجتهدا فيه والجاهل
الذي لا يعرف أدلتها وإن كان فقيها وكذا
الأعمى فهذان فرضهما التقليد.
ويجب على من يريد السفر تعلم ذلك ومنعه قوم
لأن جهة القبلة مما يندر التباسه.
والمكلف يجب عليه تعلم ما يعم لا ما يندر
"بالدلائل" جمع دليل وهو أمور منها النجوم قال
الله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}
[النحل: 16].
"وأثبتها القطب" لأنه لا يزول عن مكانه إلا
قليلا ويمكن كل أحد معرفته قال جماعة وأصحها
وأقواها القطب بتثليث القاف حكاه ابن سيده وهو
نجم خفي شمالي.
وذكر السامري أنه الجدي وحوله أنجم دائرة
كفراشة الرحى في أحد طرفيها الجدي والآخر
الفرقدان وبين ذلك ثلاثة أنجم من فوق وثلاثة
من أسفل تدور هذه الفراشة حول القطب دوران
فراشة الرحى حول سفودها في كل يوم وليلة
(1/353)
فإذا جعله وراء
ظهره كان مستقبلا للقبلة والشمس والقمر
ومنازلهما وما يقترن بها كلها تطلع من الشرق
وتغرب في الغرب عن يمين المصلي.
ـــــــ
دورة وعليه تدور بنات نعش وهي سبعة أنجم
متفرقة مضيئة مما تلي الفرقدين وهو خفي جدا
يراه حديد النظر إذا لم يكن القمر طالعا.
"فإذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا للقبلة"
بالشام والعراق والجزيرة لأنه قد أخبر بذلك
ثقات عن يقين وقيل ينحرف في الشام إلى الشرق
قليلا وبالعراق يجعله حذاء أذنه اليمنى على
علوها ذكره المؤلف.
وذكر ابن تميم أنه إذا جعل القطب أو الجدي أو
الفرقدين أو بنات نعش وراءه فقد استقبلها فيما
ذكرنا وفيه وجه لا يجتهد وعليه أن يصلي إلى
أربع جهات.
"والشمس والقمر ومنازلهما وما يقترن بها
ويقاربها كلها تطلع من الشرق وتغرب في الغرب
عن يمين المصلي" وذلك معلوم لكن الشمس تختلف
مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها
فتطلع قرب الجنوب شتاء وقرب الصبا صيفا وهي في
الطلوع والغروب كما ذكره.
والقمر يبدو أول ليلة هلالا في المغرب عن يمين
المصلي ثم يتأخر كل ليلة منزلا حتى يكون في
السابع وقت المغرب في قبلة يصلي مائلا عنها
قليلا إلى المغرب ثم يطلع ليلة الرابع عشر من
المشرق قبل غروب الشمس بدرا.
فيكون مراده عند التكامل وليلة إحدى وعشرين
يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر
وليلة ثمان وعشرين يبدو عند الفجر كالهلال من
المشرق وتختلف مطالعه بحسب اختلاف منازله وهي
ثمانية وعشرون منزلا ينزل في كل ليلة واحدا
منها.
والشمس تنزل في كل منزل منها ثلاثة عشر يوما
فيكون عودها إلى المنزل الذي نزلت فيه عند
تمام حول كامل من أحوال السنة الشمسية
فالمنازل منها ما بين
(1/354)
والرياح الجنوب
تهب مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى
يمينه والشمال مقابلتها تهب إلى مهب الجنوب
والدبور تهب مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن
والصبا مقابلتها تهب إلى مهبها
ـــــــ
طلوعها إلى غروبها أربعة عشر منزلا ومن غروبها
إلى طلوعها كذلك فوقت الفجر منها منزلان وهو
نصف يخلو الليل وسواد الليل وسواد الليل اثنا
عشر منزلا.
"والرياح" وأمهاتها أربع لكن قال أبو المعالي
الاستدلال بها ضعيف.
"الجنوب تهب مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى
مارة إلى يمينه" والشمال مقابلتها تهب إلى مهب
الجنوب والدبور تهب مستقبلة شطر وجه المصلي
الأيمن والصبا مقابلتها تهب إلى مهبها مستقبلة
لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمينه في
الزاوية التي بين المشرق والقبلة فإذا
استقبلها المصلي كانت القبلة بالعراق عن يمينه
والمشرق على يساره وفي الشام من مطلع سهيل إلى
مطلع الشمس في الشتاء "والشمال مقابلتها" تهب
من ظهر المصلي لأن مهبها من القطب إلى مغرب
الشمس في الصيف "تهب إلى مهب الجنوب" فإذا
استقبلها يكون على يمينه والمغرب على يساره.
"والدبور تهب مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن"
من الزاوية التي بين القبلة والمغرب فإذا
استقبلها يكون القطب على يساره والمشرق على
يمينه.
"والصبا مقابلتها تهب إلى مهبها" فهي تهب يسرة
المتوجه إلى قبلة الشام لأن مهبها من مطلع
الشمس في الصيف إلى مطلع العيوق فإذا استقبلها
كانت القبلة بالعراق على يساره والمغرب على
يمينه وتسمى القبول لأن باب الكعبة وعادة
أبواب العرب إلى مطلع الشمس فتقابلهم وبقية
الرياح عن جنوبهم وشمائلهم ومن ورائهم.
فوائد : قال جماعة من أصحابنا يستدل بالأنهار
الكبار غير المحددة فكلها بخلقة الأصل تجري من
مهب الشمال من يمنة المصلي يسرته على انحراف
قليل الإنهرين أحدهما بخراسان ويسمى المقلوب
والآخر بالشام ويسمى العاصي فإنهما يجريان عكس
ذلك.
(1/355)
فإذا اختلف
اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه
ـــــــ
قال في المغني وهذا لا ينضبط لأن الأردن
بالشام يجري نحو القبلة وكثير منها يجري نحو
البحر يصب فيه.
وبالجبال فإن غالب وجوهها إلى القبلة خلفه
يعرفه أهله.
وبالمجرة في السماء وهي أول الليل ممتدة على
كتف المصلي الأيسر إلى القبلة وفي آخره على
الأيمن في الصيف وفي الاستدال بها فيه نظر
ولهذا لم يذكرها الأكثر منهم المؤلف.
مسألة : يستحب أن يتعلم أدلة القبلة والوقت
ويتوجه وجوبه فإن دخل الوقت وخفيت عليه لزمه
قولا واحدا لقصر زمنه ويقلد لضيق الوقت لأن
القبلة يجوز تركها للضرورة وهي شدة الخوف ولا
يعيد بخلاف الطهارة.
والأعمى يقلد فيه وله العمل بلمس محراب ونحوه
فإن قلد غيره ثم أبصر في الصلاة وفرضه قبول
الخبر أتمها وكذا إن كان فرضه الاجتهاد ورأى
ما يدل على صوابه وإن لم ير شيئا أو كان قلد
غيره لعماه بطلت في الأشهر ومن صلى باجتهاد أو
بيقين ثم عمي فيها بنى فقط.
"فإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما
صاحبه" لأن فرض كل واحد ما يؤدي إليه اجتهاده
فلا يجوز تقليد صاحبه وإن كان أعلم منه
كالعالمين يختلفان في الحادثة وظاهره لا فرق
بين اختلافهما في جهتين أو جهة والأول المذهب
والثاني قويل ولا يصح اقتداؤه به نص عليه لظنه
خطأه بإجماع.
وذكر في المغني أن قياس المذهب صحة الاقتداء
مع اختلافهما في جهتين وصححه في الشرح لأن كلا
منهما يعتقد صحة صلاة الآخر وأن فرضه التوجه
إلى ما توجه إليه فلم يمنع الاقتداء به
كالمصلين حول الكعبة.
وقيل: تبطل صلاة المأموم فقط وظاهر كلامهم يصح
ائتمامه به إذا لم يعلم
(1/356)
ويتبع الجاهل
والأعمى أوثقهما في نفسه
ـــــــ
حاله فإن كان اختلافهما في جهة فتيامن أحدهما
أو تياسر الآخر وفي صحة اقتداء أحدهما بالآخر
وجهان ذكرهما القاضي وذكر في الشرح أنه لا
يختلف المذهب في صحة الاقتداء لاتفاقهما في
الجهة الواجب استقبالها.
وظاهره ولو ضاق الوقت كالحاكم ليس له تقليده
غيره وكما لو كان متسعا وفيه وجه وهو الذي في
التلخيص وذكره القاضي ظاهر كلام أحمد لأنه قال
فيمن هو في مدينة فتحرى فصلى لغير القبلة في
بيت بعيد لأن عليه أن يسأل ورده المؤلف بأن
مقتضاه المنع من الاجتهاد في المصر لأنه يمكنه
التوصل بطريق الخبر عن يقين فإن اتفق
اجتهادهما فائتم أحدهما بالآخر فمن بان له
الخطأ انحرف وأتم وينوي المأموم المفارقة
للعذر ويتم ويتبعه من قلده في الأصح.
تنبيه : إذا صلى بلا اجتهاد ولا تقليد أو ظن
جهة باجتهاده فخالفها أعاد وإن تعذر الأمران
لخفاء الأدلة أو عدم من يقلده لجهله صحت صلاته
بتحر في الأشهر وإن صلى بلا تحر أعاد وعنه
يعيد إن تعذر التحري وقيل ويعيد في الكل إن
أخطأ وإلا فلا.
"ويتبع الجاهل والأعمى" وجوبا "أوثقهما في
نفسه" ذكره السامري وقدمه في الرعاية و الفروع
وجزم به في الوجيز وصححه ابن تميم والمراد به
أعلمها عنده وأصدقهما قولا وأشدهما تحريا
لدينه لأن الصواب إليه أقرب وظاهره أنه إذا
قلد المفضول لا يصح وهو ظاهر الخرقي وغيره
لأنه يترك ما يغلب على ظنه أنه الصواب فلم يجز
كالمجتهد ترك اجتهاده وقيل يستحب.
فعلى هذا له تقليد من شاء منهما ذكر في الشرح
أنه الأولى كما لو استويا وكعامي في الفتيا
على الأصح وعلى الأول لا عبرة بظنه فلو غلب
على ظنه إصابة المفضول لم يمنعه من تقليد
الفاضل فإن كان أحدهما أدين,
(1/357)
وإذا صلى
البصير في حضر فأخطأ أو صلى الأعمى بلا دليل
أعادا
ـــــــ
والآخر أعلم فوجهان فلو تساويا فمن شاء وقال
أبو الوفاء إن اختلفا فإلى الجهتين.
تذنيب : إذا قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما
لأنه دخل فيها بظاهر فلا يزول إلا بمثله
والمقلد إذا أخبر فيها بالخطأ عن يقين لزمه
الرجوع إليه لأنه لو أخبر بذلك المجتهد الذي
قلده فالجاهل والأعمى أولى وإن كان عن اجتهاد
أو لم يتبين له لم يلزمه لأنه شرع فيها بدليل
يقينا فلا يزول عنه بالشك وذكر في الشرح أن
الثاني إن كان أوثق من الأول وقلنا يلزمه
تقليد الأفضل فإنه يرجع إلى قول كالمجتهد إذا
تغير اجتهاده في أثنائها.
"وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ" أعاد ذكره
معظمهم وجزم به في المحرر وصححه ابن تميم لأن
ذلك لا يكون إلا لتفريط لأن الحضر ليس بمحل
للاجتهاد لقدرة من فيه على الاستدلال بمحاريب
المسلمين ولا فرق في ظاهر كلامهم بين أن يصلي
باجتهاد أو غيره.
وعنه لا إعادة عليه إذا صلى باجتهاد قدمه في
الرعاية وهو ظاهر المستوعب لأنه أتى بما أمر
به فخرج عن العهدة كالمصيب واحتج أحمد بقضية
أهل قباء وفي ثالثة ما لم يحط جزما.
وظاهره أن المكي كغيره وهو ظاهر في رواية صالح
وأنه لا يعيد مع الإصابة لأنه مأمور بها إلى
القبلة وقد وجدت
وقيل يعيد لأنه ترك فرضه وهو السؤال فإذا
أخبره ثقة عدل في الحضر بالقبلة فصلى إليها
وبان خطؤه أعاد ذكره في المغني و الشرح
وغيرهما لأنه قد تبين أن خبره ليس بدليل
ويستثنى من كلامه ما إذا كان محبوسا فيه ولا
يجد من يخبره فإنه يصلي بالتحري ولا يعيد قاله
أبو الحسن التميمي أشبه المسافر.
"أو صلى الأعمى بلا دليل أعاد" كتركه الواجب
عليه لأنه في الحضر.
(1/358)
فإن لم يجد
الأعمى من يقلده صلى وفي الإعادة وجهان وقال
ابن حامد إن أخطأ أعاد وإن أصاب فعلى وجهين
ومن صلى بالاجتهاد ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا
إعادة عليه،
ـــــــ
بمنزلة البصير لقدرته على الاستدلال بالحضر
ولمس المحاريب ويعلم أيضا بأن باب المسجد إلى
المغرب وغيره وظاهره أنه يعيد ولو أصاب لأنه
ترك فرضه مع أنه يغلب على ظنه عدم إصابته وفيه
وجه أنه يعيد مع الخطأ.
"فإن لم يجد الأعمى" والمقلد في السفر "من
يقلده" تحرى فإن صلى بدونه مع القدرة عليه قضى
وقيل إن أخطأ فإن عدم التحري "صلى" على حسب
حاله قاله أبو بكر لأنه لو لم يصل لأدى إلى
خلو الوقت عن صلاة في الجملة وهوغيرجائز كعادم
الطهورين.
"وفي الإعادة وجهان" وقيل روايتان حكاهما في
الشرح وغيره إحداهما يعيد مطلقا وهو ظاهر
الخرقي لأنه صلى بغير دليل والثانية لا لأنه
أتى بما أمر به وعادم للدليل.
"وقال ابن حامد إن أخطأ أعاد" لفوات الشرط وهو
عدم الإصابة والصلاة بغير دليل.
"وإن أصاب فعلى وجهين" أحدهما لا يعيد لأنه
استقبل القبلة فيها وهو إن كان فرضه السؤال
فقد سقط بعدم المسؤول والثاني بلى لأنها وقعت
في الوقت على نوع من الخلل استدراكا لما حصل.
"ومن صلى بالاجتهاد" ثم شك في اجتهاده لم
يلتفت وبنى لأنه دخل فيها بظاهر فلا يزول عته
بالشك وكذا إن زال ظنه ولم يبين له الخطأ ولا
ظهر له جهة أخرى "ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا
إعادة عليه" لما روى عامر بن ربيعة قال "كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة
مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على
حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم فنزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} " رواه ابن ماجة
والترمذي وقال ليس إسناده بذاك.
(1/359)
فإن أراد صلاة
أخرى اجتهد لها فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني
ولم يعد ما صلى بالأول
ـــــــ
ولأنه شرط عجز عنه أشبه سائر الشروط ولا فرق
بين كون الأدلة ظاهرة فاشتبهت عليه أو مستورة
بغيم أو ما يسترها عنه وكذا إذا قلد فأخطأ
مقلده.
"فإن أراد صلاة أخرى اجتهد لها" لأنها واقعة
متجددة فتستدعي طلبا جديدا كطلب الماء في
التيمم وكالحادثة في الأصح فيها كمفت ومستفت
وألزمه فيها أبو الخطاب وأبو الوفاء إن لم
يذكر طريق الاجتهاد.
"فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني" أي بالآخر
لأنه ترجح في ظنه والعمل به واجب وظاهره ولو
كان في صلاة فإنه يبني نقله الجماعة وهو الأصح
خلافا للشافعي لقصة أهل قباء والصلاة تتسع
الاجتهادين لطولها بخلاف حكم الحاكم.
وعنه تبطل وقال ابن أبي موسى يلزمه جهته
الأولية لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.
"ولم يعد ما صلى بالأول" لأنها لو وجبت
الإعادة لكان نقضا للاجتهاد بمثله وذلك
غيرجائز لعدم تناهيه وكالحاكم بغير خلاف نعلمه
فرع : إذا ظن الخطأ فيها بطلت وقال أبو
المعالي إن بان له صحة ما كان عليه ولم يطل
زمنه استمر وصحت وإن بان له الخطأ فيها بنى نص
عليه لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة أخرى
فلم يجز له تركها.
ولأن ما مضى منها كان صحيحا فجاز البناء عليه
ومن أخبر فيها بالخطأ يقينا لزمه قبوله وإلا
لم يجز وذكر جماعة إلا أن يكون الثاني يلزمه
تقليده فكمن تغير اجتهاده.
وخرج أبو الخطاب وغيره على منصوصه في الثياب
المشتبهة وجوب الصلاة إلى أربع جهات وهو رواية
والله أعلم .
(1/360)
باب النية
وهي الشرط السادس للصلاة ، على كل حال،
ـــــــ
باب النية
النية مشددة وحكي فيها التخفيف يقال نويت نية
ونواة وأنويت كنويت قاله الزجاج وانتويت كذلك
حكاه الجوهري
وهي في اللغة القصد وهو عزم القلب على الشيء
يقال نواك الله بخير أي قصدك به.
وفي الشرع العزم على فعل الشيء تقربا إلى الله
تعالى ومحلها القلب والتلفظ ليس بشرط إذ الغرض
جعل العبادة لله تعالى وذلك حاصل بالنية لكن
ذكر ابن الجوزي وغيره أنه يستحب أن يلفظ بما
نواه وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم يضر
فإن تلفظ بما نواه كان تأكيدا ذكره في الشرح.
"وهي الشرط السادس للصلاة" أي لا تصح إلا بها
بغير خلاف لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا
إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص عمل القلب وهو
أن يقصد بعمله الله وحده ولقوله عليه السلام:
"إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى".
ولأنها قربة محضة فاشترطت لها النية كالصوم
وقيل فرض وقيل ركن وعدها في التلخيص مع
الأركان لاتصالها بها وإلا فهي بالشروط أشبه
وقال سيدنا الشيخ عبد القادر هي قبل الصلاة
شرط وفيها ركن قال صاحب النظم فيلزم في بقية
الشروط مثلها وفيه نظر.
"على كل حال" أي لا تسقط بوجه فهي شرط مع
العلم والجهل والذكر والنسيان وغيرها .
(1/361)
ويجب أن ينوي
الصلاة بعينها إن كانت معينة وإلا أجزأته نية
الصلاة وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية
الفرضية في الفرض؟ على وجهين
ـــــــ
"ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة"
فرضا كانت كالظهر والعصر أو نفلا كالوتر
والسنة الراتبة ونحوها نص عليه وجزم به
الأصحاب لعموم الخبر فيلزمه نية الفعل
والتعيين لتتميز عن غيرها وقيل نية الفرض تغني
عن تعيينه ويحتمله كلام الخرقي وقيل إذا نوى
فرض الوقت فيه أو ما عليه من رباعية جهلها صح
وكفى وأومأ إليه أحمد وقيل يكفي نية الصلاة في
نفل معين ذكره في الترغيب.
"وإلا أجزأته نية" مطلق "الصلاة" إذا كانت
نافلة مطلقة كصلاة الليل لعدم التعيين فيها.
"وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية
الفرضية في الفرض على وجهين" قيل هما روايتان
إحداهما: لا يشترط جزم به معظم الأصحاب وصححه
ابن تميم وغيره لأن التعيين يغني عنها لكون
الظهر لا يقع من المكلف إلا فرضا كما أغنى عن
نية عدد الركعات والثانية: يشترط وهو قول ابن
حامد وصححه في الفروع ليتميز عن ظهر الصبي وعن
المعادة.
فعلى هذا يحتاج إلى نية الفعل والتعيين
والفرضية وكذا الخلاف في اشتراط نية الأداء في
الحاضرة ويصح القضاء بنية الأداء وعكسه إذا
بان خلاف ظنه ذكره الأصحاب قالوا ولا يصح
القضاء بنية الأداء وعكسه أي مع العلم.
وظاهره أنه لا يشترط إضافة الفعل إلى الله
تعالى فيهما وكذا في جميع العبادات في قول
الأصحاب وقال أبو الفرج الأشبه اشتراطه وقيل
يشترط فيما يقصد لعينه كالصلاة والصيام دون
الطهارة.
تنبيه : إذا نوى من عليه ظهران فائتتان ظهرا
منهما لم يجزئه عن واحدة منهما حتى يعين
السابقة لأجل الترتيب وقيل بلى كصلاتي نذر
لأنه مخير.
(1/362)
ويأتي بالنية
عند تكبيرة الإحرام فإن تقدمت قبل ذلك بالزمن
اليسير جاز ويجب أن يستصحب حكمها إلى آخر
الصلاة
ـــــــ
هنا في الترتيب وإن قصد بالفائتة أنها ظهر
أمسه والحاضرة أنها ظهر يومه لم يحتج إلى
وصفهما بالقضاء والأداء فإن كانتا عليه وحاضرة
فترك شرطا في واحدة لزمه إعادة واحدة في
الأشهر فإذا ظن أن عليه فائتة فنواها في وقت
حاضرة مثلها ثم بان أنها لم تكن عليه لم تجزئه
عن الحاضرة في الأظهر قاله ابن تميم.
والثاني: تجزئه كما لو نوى ظهر أمس وعليه ظهر
يوم قبله.
"ويأتي بالنية عندتكبيرة الإحرام" لأنه أول
الصلاة لتكون النية مقارنة للعبادة ويشترط أن
يدخل فيها بنية جازمة فإن دخل بنية مترددة لم
يصح.
"فإن تقدمت قبل ذلك بالزمن اليسير" عرفا "جاز"
هذا ظاهر ما في التلخيص و المحرر وقدمه ابن
تميم والجد لأنها عبادة فجاز تقديم نيتها
عليها كالصوم ولأن أولها من أجزائها فكفى
استصحاب النية فيها كسائر أجزائها.
وذكر السامري وابن الجوزي أنه لا يجوز تقديمها
إلا بعد دخول الوقت بالزمن اليسير وقدمه في
الرعاية وجزم به في الوجيز وعليه شرح ابن
الزاغوني كلام الخرقي معللا بأنها ركن فلا
تقبل قبل الوقت كبقية الأركان.
وقال الآمدي يجوز بالزمن الطويل كالصوم
ويحتمله كلام الخرقي واشترط الآجري مقارنتها
للتكبير كالشافعي وهذا كله ما لم يفسخها أي
يقطعها وبقاء إسلامه قال في الوسيلة و التعليق
أو يشتغل بعمل ونحوه كعمل من سلم عن نقص وقيل
أو يتكلم وكذا الحكم في سائر العبادات.
فرع: تصح النية للفرض من القاعد وفي التلخيص
لا وعليه لا ينعقد نفلا.
"ويجب أن يستصحب حكمها إلى آخر الصلاة" لأن كل
عبادة يشترط لها
(1/363)
فإن قطعها في
أثنائها بطلت، وإن تردد في قطعها فعلى وجهين،
ـــــــ
النية فيشترط استصحابها كالصوم ومعنى
الاستصحاب أن لا ينوي قطعها فدل على أنها إذا
ذهل عنها أو عزبت عنه في أثنائها أنها لا تبطل
لأن التحرز من هذا غير ممكن.
"فإن قطعها في أثنائها بطلت" نص عليه لأن
النية شرط وقد قطعها أشبه ما لو سلم ينوي
الخروج منها وفي ثانية لا تبطل كالحج وفرق في
المغني و الشرح بأن الحج لا يخرج منه
بمحظوراته بخلاف الصلاة وقيل لا تبطل إن
أعادها قريبا وهو بعيد.
"وإن تردد في قطعها" أو عزم على النسخ "فعلى
وجهين" أحدهما لا تبطل وهو قول ابن حامد لأنه
دخل بنية متيقنة فلا تزول بالشك كسائر
العبادات والثاني تبطل وجزم به في الوجيز لأن
استدامة النية شرط ومع التردد لا يبقى مستديما
وكذا إن علق قطعها على شرط بكذا في الرعاية
أنها لا تبطل وظاهره أنه إذا عزم على فعل
محظور كالحديث أنها لا تبطل وصرح به جمع.
أصل : إذا شك فيها في النية أو في تكبيرة
الإحرام استأنفها لأن الأصل عدمها فإن ذكر ما
شك فيه قبل قطعها فقدم في الرعاية أنه إن أطال
استأنفها وإلا فلا.
وقال جماعة إن لم يكن أتى بشيء من أفعال
الصلاة بنى لأنه لم يوجد مبطل لها وإن كان قد
عمل فيها عملا مع الشك بنى في قول ابن حامد
وقاله في التلخيص لأن الشك لا يزيل حكم النية
وقال القاضي تبطل وجزم به في الكافي لخلوه عن
نية معتبرة.
وقال المجد إن كان العمل قولا لم تبطل كتعمد
زيادة ولا يعتد به وإن كان فعلا كركوع وسجود
بطلت لعدم جوازه كتعمده في غير موضعه وحسنه
ابن تميم .
(1/364)
فإن أحرم بفرض
فبان قبل وقته انقلبت نفلا وإن أحرم به في
وقته ثم قلبه نفلا جاز ويحتمل أن لا يجوز إلا
لعذر مثل أن يحرم منفردا فيريد الصلاة في
جماعة
ـــــــ
"فإن أحرم بفرض فبان قبل وقته" أو بان عدمه أو
بفائتة فلم تكن "انقلبت نفلا" لأن نية الفرض
تشمل نية النفل فإذا بطلت نية الفرض بقيت نية
مطلق الصلاة.
وعنه لا تنعقد لأنه لم ينوه وظاهره أنه إذا
أحرم به قبل وقته مع علمه أنها لا تنعقد وهو
كذلك في الأصح.
"وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلا جاز" قدمه
جماعة وهو المذهب لأنه إكمال في المعنى كنقض
المسجد للإصلاح ولأن نية النفل تضمنتها نية
الفرض لكنه يكره لكونه أبطل عمله.
وقال القاضي في موضع لا تصح رواية واحدة كما
انتقل من فرض إلى آخر.
وفي الجامع أنه يخرج على روايتين وصحح في
المذهب أنه لا تصح لأنه أبطل عمله لغير سبب
ولا فائدة.
"ويحتمل أن لا يجوز إلا لعذر" أي لغرض صحيح
"مثل أن يحرم منفردا فيريد الصلاة في جماعة"
قدمه غير واحد لأنه ينتقل إلى أفضل من حاله
وذلك مطلوب في نظر الشرع وهل ذلك أفضل أم تركه
على روايتين صرح في الشرح بعدم الكراهة.
وعنه لا يجوز حكاها القاضي وعن أحمد فيمن صلى
ركعة من فريضة منفردا ثم حضر الإمام وأقيمت
الصلاة يقطع صلاته ويدخل معهم.
يتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة بطريق
الأولى فإن دخل معهم قبل قطعه ففي الإجزاء
روايتان.
(1/365)
وإن انتقل من
فرض إلى فرض بطلت الصلاتان ومن شرط الجماعة أن
ينوي الإمام والمأموم حالهما
ـــــــ
"وإن انتقل من فرض إلى فرض بطلت الصلاتان"
لأنه قطع نية الأولى ولم ينو للثانية من
أولها.
وقال ابن حمدان إن قلنا لا تجب نية القضاء صح
ما نقله إليه دون ما نقله عنه.
وفي الفروع أنه إذا نوى الثاني من أوله
بتكبيرة الإحرام أنه يصح وفي نفله الخلاف.
وكذا كل صلاة نواها فرضا واعتقد جوازه بعد
إتمامها فرضا كصلاة الفذ خلف الصف وفي الكعبة
وخلف الصبي والمتنفل على رواية والأقيس بقاؤها
نفلا وإن اعتقد عدم جوازه فوجهان وظاهره
البطلان.
وقوله بطلت الصلاتان فيه تجوز لأن الثانية لا
توصف به.
"ومن شرط الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم
حالهما" أي يشترط أن ينوي الإمام الإمامة على
الأصح كالجمعة وفاقا والمأموم لحاله لأن
الجماعة تتعلق به أحكام وجوب الإتباع وسقوط
السهو عن المأموم وفساد صلاته بصلاة إمامه
وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطا رجلا كان
المأموم أو امرأة صرح به في المستوعب.
وقيل إن كان المأموم امرأة لم يصح ائتمامها به
إلا بالنية لأن صلاته تفسد إذا وقفت بجنبه
ونحن نمنعه ولو سلم فالمأموم مثله ولا ينوي
كونها معه في الجماعة فلا عبرة بالفر.ق
وعنه يشترط في الفرض وظاهره أنه إذا نوى
أحدهما دون الآخر لم يصح لأن الجماعة إنما
تنعقد بالنية فاعتبرت منهما جميعا وأنه إذا
اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه فسدت
صلاتهما نص عليه لأنه ائتم بمن ليس
(1/366)
وإن أحرم
منفردا ثم نوى الائتمام لم يصح في أصح
الروايتين.
ـــــــ
بإمام في الصورة الثانية وأم من لم يأتم به في
الأولى.
وقيل: تصح فرادى جزم به في الفصول وإن لم
يعتبر نية الإمامة صحت في الأولى فرضا فرادى
وكذا إذا نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كامرأة
تؤم رجلا.
وإن شك في كونه إماما أو مأموما لم يصح لعدم
الجزم بالنية وفي المجرد ولو بعد الفراغ لا
تصح صلاة الإمام في الأشهر.
مسائل
الأولى : لا يشترط تعيين الإمام وقيل بلى فعلى
الأولى لو عينه فبان غيره بطلت وفيه وجه يتمها
منفردا.
الثانية : لا يشترط تعيين المأموم وقيل بلى
فعلى الأول إن عين مأموما وأخطأ ففي صحة صلاته
وجهان.
الثالثة : إذا جهل ما قرأ به إمامه لم يضر في
الأشهر.
الرابعة : إذا أحرم بجماعة فانفضوا قبل ركوعهم
بطلت وقيل يتمها وحده وكذا إن أحرم ظنا أنه
يأتيه مأموم ثم لم يأت وإن فعل ذلك وهو لا
يرجو مجيء أحد لم تصح صلاته في الأصح وإن نوى
زيد الاقتداء بعمرو ولم ينو عمرو الإمامة صحت
صلاة عمرو وحده.
"وإن أحرم منفردا ثم نوى الائتمام لم تصح في
أصح الروايتين" وهو المذهب وصححه في الشرح و
الفروع وجزم به في الوجيز لأنه لم ينو
الائتمام في ابتداء الصلاة ولأنه نقل نفسه
مؤتما فلم يجز كنية إمامته فرضا ولا فرق بين
أن يصلي وحده ركعة أو لا وفارق نقله إلى
الإمامة للحاجة إليه.
والثانية تصح كما لو نوى الإمامة ولأنه نقل
نفسه إلى الجماعة فعلى هذا
(1/367)
وإن نوى
الإمامة صح في النفل ولم يصح في الفرض ويحتمل
أن تصح وهو أصح عندي فإن أحرم مأموما ثم نوى
الانفراد لعذر جاز
ـــــــ
يكره وعنه لا ومتى فرغ قبل إمامه فارقه وسلم
نص عليه وإن انتظره ليسلم معه جاز "وإن" أحرم
منفردا ثم "نوى الإمامة صح في النفل" قدمه في
المحرر قال ابن تميم وغيره وهو المنصوص "لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قام يتهجد وحده فجاء
ابن عباس فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله
عليه وسلم" متفق عليه.
"ولم يصح في الفرض" على المذهب لأنه لم ينو
الإمامة في ابتداء الصلاة أشبه ما لو أحرم يوم
الجمعة بعد الخطبة وكمال العدد ثم انفضوا
فأحرم بالظهر ثم تكامل العدد وهو في الصلاة
فنوى الجمعة وعنه لا تصح في فرض ولا نفل قدمه
في التلخيص وقطع به بعضهم.
وفي الفروع اختاره الأكثر لأنه لم ينو الإمامة
في ابتدائها أشبه ما لو ائتم بمأموم.
"ويحتمل أن تصح" فيهما "وهو أصح عندي" هذا
رواية عنه واختارها المؤلف والشيخ تقي الدين
لأنه عليه السلام أحرم وحده فجاء جابر وجبار
فصلى بهما رواه أبو داود قاله في الشرح.
قلت: رواه مسلم في صحيحه ولأن الأصل مساواة
الفرض للنفل في النية والحاجة داعية إلى ذلك
فصح كحالة الاستخلاف "فإن أحرم مأموما ثم نوى
الانفراد لعذر" كمرض وغلبة نعاس وتطويل إمام
وغير ذلك جاز لما روى جابر قال "صلى معاذ
بقومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده
فقيل له فقال لآتين رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبره فقال أفتان أنت يا معاذ مرتين"
متفق عليه ولم يأمره بالإعادة.
وكالطائفة الأولى في صلاة الخوف فلو زال عذره
وهو يصلي فله الدخول معه ولا يلزمه وكمسبوق
مستخلف أتم من خلفه صلاتهم فعلى هذا إن فارقه
في ثانية الجمعة لعذر أتمها جمعة كمسبوق وإن
فارقه في
(1/368)
وإن كان لغير
عذر لم يجز في إحدى الروايتين وإن نوى الإمامة
لاستخلاف الإمام إذا سبقه الحدث صح في ظاهر
المذهب
ـــــــ
الأولى فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان.
وإن قلنا لا تصح الظهر قبل الجمعة أتم نفلا
وإن فارقه في قيام أتى ببقية القراءة وبعدها
له الركوع في الحال وإن ظن في صلاة سر أن
الإمام قرأ لم يقرأ وعنه بلى لأنه لم يدرك معه
الركوع.
فرع: لو سلم من له عذر ثم صلى وحده فظاهر
كلامهم لا يجوز فيحمل فعل من فارق معاذا على
ظن الجواز لكن لم ينكر عليه فدل على جوازه
وذكره في شرح مسلم.
"وإن كان لغير عذر لم يجز في إحدى الروايتين"
وهي الأصح كما لو ترك متابعة إمامه بغير نية
المفارقة والثانية يجوز ولا تبطل كما إذا نوى
المنفرد الإمامة بل هاهنا أولى فإن المأموم قد
يصير منفردا بغير نية وهو المسبوق إذا سلم
إمامه والمنفرد لا يصير مأموما بغير نية بحال
قال ابن تميم والإمام كالمأموم في ذلك.
فرع : تبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر
أو غيره اختاره الأكثر لا عكسه في الأظهر
ويتمها منفردا وعنه لا تبطل صلاة مأموم
ويتمونها فرادى والأشهر أو جماعة اختاره جمع
وقال القاضي وصاحب التلخيص إن فسدت صلاته بترك
ركن فسدت صلاتهم رواية واحدة وإن كان بفعل
منهي عنه كالحدث والكلام فروايتان.
واستثنى في المستوعب إذا صلى بهم محدثا ولم
يذكر حتى سلم فإنه لا تبطل صلاتهم رواية واحدة
استحسانا.
"وإن" أحرم مأموما ثم "نوى الإمامة لاستخلاف
الإمام إذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب" وهو
المنصور عند أصحابنا لما روي أن عمر لما طعن
أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم
الصلاة رواه البخاري فما
(1/369)
..................................
ـــــــ
عابه عائب ولا أنكره منكر فكان كالإجماع ولفعل
علي رواه سعيد.
وظاهره: سواء قلنا ببطلان صلاة الإمام أولا
وبالجملة فقد اختلفت الرواية فيها والأصح أنها
باطلة كتعمده ولقوله عليه السلام: "إذا فسا
أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة"
رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث علي بن طلق.
وعنه إن كان من السبيلين ابتدأ ومن غيرهما
يبني لأن نجاستهما أغلظ.
وعنه يبني مطلقا اختاره الآجري لخبر رواه ابن
ماجة والدارقطني عن عائشة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "من أصابه قيء أو رعاف أو
قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته
وهو في ذلك لا يتكلم" .
فعلى هذا إذا احتاج إلى عمل كثير فوجهان
أصحهما البناء قاله ابن تميم.
وعنه يخير والأول أولى وحديث عائشة فيه
إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي
وروايته عن الحجازيين ضعيفة عند أكثر المحدثين
وإن سبق الإمام الحدث فجهل هو والمأموم حتى
فرغوا من الصلاة فصلاة المأموم صحيحة.
تنبيه : إذا لم يستخلف الإمام فاستخلف الجماعة
أحدهم أو مسبوقا منهم أو من غيرهم أو استخلف
كل طائفة رجلا أو صلى بعضهم فرادى أو كلهم أو
تطهر الإمام وأتم بهم قريبا وبنى صح الكل على
المذهب
وله أن يستخلف لحدوث مرض أو خوف أو حصر عن
قراءة واجبة أو قصر ونحوه وظاهره وجنون وإغماء
واحتلام ولو مسبوقا نص عليه ويستخلف من يسلم
بهم.
وله استخلاف من لم يدخل معه نصا ويبني على
ترتيب الأول في الأصح,
(1/370)
وإن سبق اثنان
ببعض الصلاة فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما
فاتهما فعلى وجهين وإن كان لغير عذر لم يصح
وإن أحرم إماما لغيبة إمام الحي ثم حضر في
أثناء الصلاة فأحرم بهم
ـــــــ
فإن استخلف في الركوع لغت تلك الركعة.
وقال ابن حامد إن استخلفه فيه أو بعده قرأ
لنفسه وانتظره المأموم ثم ركع ولحق المأموم
وإن استخلف امرأة وفيهم رجل أو أميا وفيهم
قارئ صحت صلاة الثاني بالنساء والأميين فقط
وقال في الرعاية ومن استخلف فيما لا يعتد له
به لم يمنع اعتداد المأموم به.
"وإن سبق اثنان" أو أكثر "ببعض الصلاة فائتم
أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما" أو ائتم
مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر "فعلى وجهين"
أحدهما يصح قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز
لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة لعذر فجاز
كالاستخلاف واستدل في الشرح بقضية ابي بكر حين
تأخر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وفيه
نظر.
والثاني لا يصح لأنه ثبت لكل منهما حكم
الانفراد بسلام إمامه فصار كالمنفرد ابتداء
وبناه في الشرح على عدم الاستخلاف وعنه لا يصح
هنا وإن صح في التي قبلها اختاره المجد وعلى
الأول محله في غير الجمعة كما جزم في الوجيز
وصرح به القاضي لأنها إذا أقيمت بمسجد مرة لم
تقم فيه ثانية.
"وإن كان لغير عذر" السبق "لم يصح" كاستخلاف
إمام بلا عذر لأن مقتضى الدليل منعه وإنما ثبت
جوازه في محل العذر لقضية عمر فيبقى فيما عداه
على مقتضاه وظاهر كلامه في الكافي و الشرح أن
هذا راجع إلى المسألة قبلها وظاهر كلامه في
التلخيص أن في جواز ذلك من غير عذر روايتين.
"وإن أحرم إماما لغيبة إمام الحي ثم حضر في
أثناء الصلاة فأحرم بهم ,
(1/371)
وبنى على صلاة
خليفته وصار الإمام مأموما فهل تصح على وجهين
ـــــــ
وبنى على صلاة خليفته وصار الإمام مأموما فهل
تصح على وجهين" أشهرهما: أنه يصح ويجوز لما
روى سهل بن سعد "أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذهب إلى بني عمرو ابن عوف ليصلح بينهم
فحانت الصلاة فصلى أبو بكر وجاء النبي صلى
الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى
وقف في الصف وتقدم فصلى بهم" متفق عليه.
والثاني: لا صححه في الوسيلة وذكر أنه اختيار
أبي بكر لعدم الحاجة إليه وفعله عليه السلام
يحتمل أن يكون خاصاً له لأن أحدا لا يساويه في
الفضل ولا ينبغي لأحد أن يتقدم عليه بخلاف
غيره كما قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة
أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقيل يجوز ذلك للإمام الأعظم فقط.
(1/372)
باب صفة الصلاة
السنة أن يقوم إلى الصلاة إذا قال المؤذن قد
قامت الصلاة
ـــــــ
باب صفة الصلاة
يسن الخروج إليها بسكينة ووقار لخبر أبي هريرة
في الصحيحين ويقارب خطاه ويقول ما ورد فمنها
ما رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته إلى
الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين
عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا
ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك
وابتغاء مرضاتك وأسألك أن تنقذني من النار وأن
تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
أقبل الله إليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف
ملك" .
فإذا وصل المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول
واليسرى في عكسه ويقول ما ورد ولا يشبك أصابعه
ولا يخوض في حديث الدنيا ويجلس مستقبل القبلة
وإن سمع الإقامة لم يسع إليها إذا كان خارجه
ونصه لا بأس به يسيرا إن طمع أنه يدرك
التكبيرة الأولى واحتج بأنه جاء عن الصحابة
وهم مختلفون.
"السنة أن يقوم إلى الصلاة إذا قال المؤذن قد
قامت الصلاة" كذا في الكافي وغيره لأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك رواه ابن أبي
أوفى ولأنه دعاء إلى الصلاة فاستحب المبادرة
إليها.
قال ابن المنذر أجمع على هذا أهل الحرمين وهذا
إن رأى الإمام وإلا قام عند رؤيته وقيل إن كان
الإمام غائبا لم يصل إلى المسجد وقيل أو في
المسجد لم يقوموا حتى يروه وذكر في الشرح أنه
إن كان في المسجد أو قريبا منه قاموا قبل
رؤيته وإلا فلا.
(1/373)
ثم يسوي الإمام
الصفوف ثم يقول الله أكبر
ـــــــ
وعنه ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام
وذكر بعض أصحابنا الأولى أن يقوم إمام ثم
مأموم ولا يحرم الإمام حتى تفرغ الإقامة نص
عليه وهو قول جل أئمة الأمصار وعلم منه جواز
إقامة المقيم قبل ذلك والمراد بالقيام إليها
هو التوجه إليها ليشمل العاجز عنه.
"ثم يسوي الإمام الصفوف" بالمناكب والأكعب
استحبابا فيلتفت عن يمينه فيقول استووا رحمكم
الله وعن يساره كذلك.
وفي الرعاية يقول عن يساره اعتدلوا رحمكم
الله.
ويكمل الأول فالأول ويتراصون قال أنس "كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه
قبل أن يكبر فيقول: "تراصوا واعتدلوا" متفق
عليه زاد البخاري "فإني أراكم من وراء ظهري"
وروي عن عمر وعثمان.
قال في الفروع ويتوجه يجب تسوية الصفوف وهو
ظاهر كلام شيخنا لأنه عليه السلام رأى رجلا
باديا صدره فقال: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن
الله بين وجوهكم" ومن ذكر الإجماع على
استحبابه فمراده ثبوت استحبابه لا نفي وجوبه.
فائدة: يمينه والصف الأول وهو ما يقطعه المنبر
وعنه ما يليه للرجال أفضل وله ثوابه وثواب من
وراءه ما اتصلت الصفوف فكلما قرب منه فهو أفضل
وظاهر ما حكاه أحمد عن عبد الرزاق أن بقربه
أفضل ومرادهم أن بعد يمينه ليس أفضل من قرب
يساره.
وللأفضل تأخير المفضول والصلاة مكانه فتستثنى
وظاهر كلام جماعة لا وفي كراهة ترك الصف الأول
لقادر وجهان والصف الأخير للنساء أفضل.
"ثم يقول" قائما في فرض مع القدرة "الله أكبر"
فلا تنعقد إلا بها نطقا وما روي عن بعضهم أنه
سنة وأن الدخول فيها يكفي فيه مجرد النية فقال
النووي إنه لا يصح عنهم مع هذه الأحاديث.
(1/374)
لا يجزئه غيرها
فإن لم يحسنها لزمه تعلمها فإن خشي فوات الوقت
كبر بلغته
ـــــــ
لا يجزئه غيرها نص عليه لما روى علي رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح
الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها
التسليم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي مرسلا
قال الترمذي هذا أصح شيء في هذا الباب والعمل
عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله
صلاة أمرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل
القبلة ويقول الله أكبر" رواه أبو داود من
حديث رفاعة.
وقال عليه السلام للمسيء في صلاته: "إذا قمت
فكبر" متفق عليه.
ولم ينقل أنه كان يستفتحها بغير ذلك فلا تنعقد
بقول الله الأكبر أو الكبير أو الجليل ولا
الله أقبر بالقاف ولا الله فقط وقيل يكره وتصح
في الأوليين وظاهره أنه إذا نكسه لا يصح وهو
المشهور مسألة: إذا مد همزة الله لم تنعقد
لأنه غيّرالمعنى فصار استفهاما وكذا إن قال
أكبار لأنه يعني جمع كبر وهو الطبل وإن مططه
كره مع بقاء المعنى وصحت.
فرع: إذا تممه راكعا أو أتى به فيه أو كبر
قاعدا أو أتمه قائما انعقدت في الأصح نفلا
كسقوط القيام فيه ويدرك الركعة إن كان الإمام
في نفل ذكره القاضي.
"فإن لم يحسنها لزمه تعلمها" لأنها ركن في
الصلاة فلزمه تعلمها كالفاتحة زاد في الرعاية
في مكانه أو فيما قرب منه.
وقال في التلخيص إن كان في البادية لزمه قصد
البلد لتعلمه ولا تكفيه الترجمة بدلا بخلاف
التيمم "فإن" عجز أو "خشي فوات الوقت كبر
بلغته" ذكره السامري وغيره
(1/375)
ويجهر الإمام
بالتكبير كله ويسر غيره به وبالقراءة
ـــــــ
وصححه ابن تميم وجزم به في الوجيز وقدمه في
الفروع لأنه عجز عن اللفظ فلزمه كلفظة النكاح
وعنه لا يكبر إلا بنفلة اختاره الشريف لأنه
ذكر تعينت صيغته فلم يترجم عنه كالقراءة
وكالقادر فيحرم بقلبه وقيل يجب تحريك لسانه
وإن قدر على البعض قاله.
وحكم الذكر الواجب كالتكبير في ذلك بخلاف
المسنون فإنه لا يأتي به بغيرالعربية نص عليه
فإن ترجم عنه بطلت.
فرعان : الأول: إذا عرف لسانا فارسيا وسريانيا
فثالثها يخير ويقدمان على التركي وقيل يخير
كما يخير بين التركي والهندي.
الثاني : يلزم الأخرس ومن سقط عنه النطق تحريك
لسانه بقدر الواجب من القراءة ونحوها ذكره
القاضي وصاحب التلخيص وغيرهما لأن الصحيح
يلزمه النطق بتحريك لسانه فإذا عجز عن أحدهما
لزمه الآخر واختار المؤلف ورجحه في الشرح لا
كمن سقط عنه القيام سقط عنه النهوض إليه وإن
قدر عليه لأنه عبث ولم يرد الشرع به كالعبث
بسائر جوارحه وإنما لزم القادر ضرورة.
"و" يستحب "أن يجهر الإمام بالتكبير كله" بحيث
يسمع من خلفه وأدناه سماع غيره وذلك مطلوب لما
فيه من متابعة المأمومين لإمامهم وكذا جهره
بتسميع وسلام وقراءة في جهرية فإن لم يمكنه
إسماعهم جهر به بعضهم ليسمعهم لما في الصحيح
عن جابر قال "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم كبر أبو بكر يسمعنا" وكذا حكم
جهره بتحميد وسلام لحاجة فيسن.
"ويسر غيره به" أي بالتكبير "وبالقراءة" لأنه
لا حاجة إليه وربما لبس على المأمومين وإنما
سن له الإسرار بها في حال إخفاء الإمام لا في
حال جهره لأنه يسن له الإنصات والجمع بين
مسنونية الإسرار والإنصات متناقض.
(1/376)
بقدر ما يسمع
نفسه ويرفع يديه من ابتداء التكبير ممدودة
الأصابع مضمومة بعضها إلى بعض
ـــــــ
"بقدر ما يسمع نفسه" لأنه يجب على كل مصل أن
يجهر بكل قول واجب بقدر ما يسمع نفسه لأنه لا
يكون كلاما بدون الصوت وهو ما يتأتى سماعه
وأقرب السامعين إليه نفسه وهذا ليس يفيد في
مسنونية ذلك لأنه لو رفع صوته بحيث يسمع من
يليه فقط لكان مسرا آتيا بالمقصود وهذا إن لم
يمنع مانع من سماع نفسه فإن كان فبحيث يحصل
السماع مع عدمه
"ويرفع يديه" ندباً بغير خلاف نعلمه عند
افتتاحها وليس بواجب اتفاقا ويقال لتاركه تارك
السنة وقال القاضي لا بأس أن يقال هو مبتدع
فإن عجز عن رفع إحدى يديه رفع الأخرى فإن
كانتا في كميه رفعهما لخبر وائل بن حجر
"مع ابتداء التكبير" أي يكون ابتداء الرفع مع
ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه نص عليه
وهو الصحيح لماروى وائل بن حجر "أنه رأى النبي
صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير"
ولأن الرفع للتكبير فكان معه
وعنه يرفعهما قبل التكبير ثم يحطهما بعده لأنه
ينفي الكبرياء عن غير الله وبالتكبير يثبتها
لله والنفي مقدم ككلمة الشهادة وقيل يخير
قال في الفروع وهو أظهر فإن ترك الرفع حتى فرغ
من التكبير لم يرفع لأنها سنة فات محلها
"ممدودة الأصابع" لقول أبي هريرة "كان النبي
صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مدا" رواه أحمد
وأبو داود والترمذي بإسناد حسن
"مضموما بعضها إلى بعض" هذا هو المذهب لأن
الأصابع إذا ضمت تمتد وعنه مفرقة لما روى أبو
هريرة قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
كبر نشر أصابعه" ذكره أحمد ورواه الترمذي وقال
إنه خطأ ثم لو صح كان معناه المد لأن النشر لا
يقتضي التفريق كنشر الثوب.
(1/377)
إلى حذو منكبيه
أو إلى فروع أذنيه ثم يضع كف يده اليمنى على
كوع اليسرى
ـــــــ
ويكون مستقبلا ببطونهما القبلة ذكره ابن تميم
والمبهج و الفروع ولم يذكره آخرون منهم المؤلف
وقيل قائمة حال الرفع والحط.
"إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ذكره في
التلخيص وغيره واختاره الخرقي قال في الفروع
وهي أشهر لما روى ابن عمر قال "كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه
حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر" متفق عليه.
وعن مالك بن الحويرث "أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يرفع إلى فروع أذنيه" رواه مسلم
وظاهره التخيير لصحة الرواية بهما وعنه
يرفعهما إلى منكبيه اختاره الأكثر وذكر في
الشرح أن ميل أبي عبد الله إلى هذا أكثر لكثرة
رواته من الصحابة وقربهم.
وعنه إلى فروع أذنيه اختاره الخلال وصاحبه
وعنه إلى صدره ونقل أبو الحارث يجاوز بهما
أذنيه لأنه عليه السلام فعله.
وقال أبو حفص يجعل يديه حذو منكبيه وإبهاميه
عند شحمة أذنيه جمعا بين الأخبار وقاله في
التعليق ومن لم يقدر على الرفع المسنون حسب
إمكانه وإن لم يمكن رفعهما إلا بزيادة على
أذنيه رفعهما لأنه يأتي بالسنة وزيادة ويسقط
بفراغ التكبير كله.
فائدة: كشف يديه هنا وفي الدعاء أفضل ورفعهما
إشارة إلى الحجاب بينه وبين ربه كما أن
السبابة إشارة إلى الوحدانية ذكره ابن شهاب.
"ثم يضع كف يده اليمنى على كوع اليسرى" نص
عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع اليمنى
على اليسرى" رواه مسلم من حديث وائل.
وفي رواية لأحمد وأبي داود ثم وضع يده اليمنى
على كفه اليسرى،
(1/378)
ويجعلهما تحت
سرته وينظر إلى موضع سجوده ثم يقول سبحانك
اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك
ـــــــ
والرسغ والساعد.
ونقل أبو طالب بعضها على الكف وبعضها على
الذراع لابطنها على ظاهر كفه اليسرى وجزم
بمثله القاضي في الجامع ومعناه ذل بين يدي عز
نقله أحمد بن يحيى الرقي وعنه يخير وعنه
يرسلهما في صلاة الجنازة وعنه في صلاة التطوع.
"ويجعلهما تحت سرته" في أشهر الروايات وصححها
ابن الجوزي وغره لقول علي من السنة وضع اليمنى
على الشمال تحت السرة رواه أحمد وأبو داود
وذكر في التحقيق أنه لا يصح قيل للقاضي هو
عورة فلا يضعهما عليه كالعانة والفخذ فأجاب
بأن العورة أولى وأبلغ بالوضع عليه لحفظه.
وعنه تحت صدره وفوق سرته وعنه يخير اختاره في
الإرشاد لأن كلا منهما مأثور وظاهره يكره
وضعهما على صدره نص عليه مع أنه رواه.
"وينظر إلى موضع سجوده" لما روى أحمد في
الناسخ والمنسوخ عن ابن سيرين "أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقلب بصره إلى السماء
فنزلت {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ
خَاشِعُونَ} فطأطأ رأسه" ورواه سعيد ثنا حماد
بن زيد ثنا أيوب عن ابن سيرين وزاد فيه قال
كانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه
ولأنه أخشع وأكف لنظره إلا في صلاة الخوف عند
الحاجة وحال إشارته في التشهد فإنه ينظر إلى
سبابته لخبر ابن الزبير وصلاته تجاه الكعبة
فإنه ينظر إليها.
وفي الغنية يكره إلصاق الحنك بالصدر على الثوب
وأنه يروى عن الحسن أن العلماء من الصحابة
كرهته.
"ثم يقول" سرا "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك
اسمك وتعالى جدك
(1/379)
ولا إله غيرك
ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ـــــــ
ولا إله غيرك" ذكره معظم الأصحاب.
قال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم من
التابعين وغيرهم ونص عليه لأنه عليه السلام
كان يستفتح بذلك رواه أحمد وأبو داود والترمذي
ولفظه له من حديث أبي سعيد وهو من رواية علي
بن علي الرفاعي وقد وثقه أبو زرعة وابن معين
وتكلم فيه بعضهم.
وصحح أحمد قول عمر بمحضر من الصحابة وهو من
رواية عبدة عن عمر ولم يدركه وبأنه روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ليست بذاك
وليست وجهت وجهي والآية بعدها أفضل لخبر علي.
واختار الآجري قول ما في خبر علي كله واختار
ابن تقي الدين أن جمعهما أفضل ويجوز بما ورد
نص عليه.
قال الشيخ تقي الدين الأفضل أن يأتي بكل نوع
أحيانا وكذا صلاة الخوف.
ولا يجهر به إمام وإنما جهر به ليعلم الناس
"ثم يقول" سرا قبل القراءة نص عليه "أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم" ذكره في الكافي
وقدمه في الرعاية واختاره القاضي في الجامع
لقوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي إذا أردت القراءة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها قبل
القراءة.
وعنه أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم جزم به في المحرر وقدمه في التلخيص
لحديث أبي سعيد المرفوع قال الترمذي هو أشهر
حديث في الباب وهو متضمن للزيادة والأخذ بها
أولى لكن ضعفه أحمد وعنه بعد كمالها إن الله
هو السميع العليم اختارها في التنبيه والقاضي
في المجرد وابن عقيل والسامري جمعا بين الأدلة
وكيفما تعوذ فحسن وهذا كله واسع .
(1/380)
ثم يقرأ بسم
الله الرحمن الرحيم وليست من الفاتحة
ـــــــ
مسألة: الاستفتاح والتعوذ سنتان نص عليه وعنه
واجبان اختاره ابن بطة وعنه التعوذ ويسقطان
بفوات محلهما كالبسملة واختار الشيخ تقي الدين
التعوذ أول كل قربة
"ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" في أول
الفاتحة وأول كل سورة في قول أكثرهم لما روى
نعيم المجمر قال "صليت وراء أبي هريرة فقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى
بلغ ولا الضالين" الحديث ثم قال والذي نفسي
بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله
عليه وسلم" رواه النسائي وفي لفظ لابن خزيمة
والدارقطني "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبو بكر وعمر"
وزاد ابن خزيمة "في الصلاة"
"وليست من الفاتحة" جزم به أكثر الأصحاب وصححه
ابن الجوزي وابن تميم والجد وحكاه القاضي
إجماعا سابقا وكغيرها لما روى أبو هريرة قال
"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين
فإذا قال العبد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} قال الله تعالى حمدني عبدي "
رواه مسلم
ولو كانت آية لعدها وبدأ بها ولما تحقق
التنصيف لأن ما هو ثناء وتمجيد أربع آيات ونصف
وما هو للآدمي اثنان ونصف لأنها سبع آيات
إجماعا لكن حكى الرازي عن الحسن البصري أنها
ثمان آيات وقال النبي صلى الله عليه وسلم "في
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}
[الملك: 1] "إنها ثلاثون آية" رواه أحمد وأبو
داود والترمذي بإسناد حسن
ولا يختلف العادون أنها ثلاثون آية بدون
البسملة وهي قرآن على الأصح آية منه وكانت
تنزل فصلا بين السورغير براءة وعنه ليست من
القرآن إلا في النمل فإنها بعض آية فيها
إجماعا فلهذا نقل ابن الحكم لا تكتب أمام
الشعر ولا معه وذكر الشعبي أنهم كانوا
يكرهونه.
(1/381)
وعنه أنها منها
ولا يجهر بشيء من ذلك
ـــــــ
قال القاضي لأنه يشوبه الكذب والهجر غالبا.
"وعنه أنها منها" اختارها ابن بطة وأبو حفص
وصححه ابن شهاب لما روى أنس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال "أنزل علي سورة فقرأ {بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} " رواه مسلم "وكان
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقراءتها مع
الفاتحة" رواه الدارقطني بإسناد رجاله ثقات
واحتج أحمد بأن الصحابة أجمعوا على كتابتها في
المصاحف.
ثم اعلم أن مسألة البسملة عظيمة صنف فيها
الأئمة منهم الخطيب البغدادي قال الأصوليون
وقوة الشبهة في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} منعت التكفير من الجانبين فدل على
أنها ليست من المسائل القطعية خلافا للقاضي
أبي بكر.
فائدة: تكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان
والنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية
وإلى قيصر وغيره نص عليه فتذكر في ابتداء جميع
الأفعال وعند دخول المنزل والخروج منه للتبرك
وهي تطرد الشيطان وإنما يستحب إذا ابتدأ فعلا
تبعا لغيرها لا مستقلة فلم تجعل كالحمدلة
ونحوها.
"ولا يجهر بشيء من ذلك" قد مضى شرحه والآن لا
يجهر بالبسملة وإن قلنا هي من الفاتحة.
قال في الشرح لا خلاف عنه فيه وحكى الترمذي
أنه قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين
منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
وقد روى أحمد والنسائي على شرط الصحيح لا
يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ
البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد
لله رب العالمين وفي رواية مسلم لا يذكرون بسم
الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في
آخرها.
(1/382)
ثم يقرأ
الفاتحة
ـــــــ
وعنه يجهر لأخبار منها ما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أم الناس
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال الدارقطني
إسنادهم كلهم ثقات.
وعنه بالمدينة ليتبين أنها سنة لأن أهل
المدينة ينكرونها كما جهر ابن عباس بقراءة
الفاتحة في صلاة الجنازة وعنه يجهر في نفل
وقيل إن قلنا هي من الفاتحة جهر بها واختار
تقي الدين يجهر بها وبالتعوذ وبالفاتحة
بالجنازة ونحو ذلك أحيانا فإنه المنصوص عن
أحمد تعليما للسنة وللتأليف.
ويخير في غير صلاة في الجهر بها نقله الجماعة
وكالقراءة والتعوذ وعنه يجهر وعنه لا.
"ثم يقرأ الفاتحة" وهي ركن في كل ركعة في ظاهر
المذهب لما روى عبادة مرفوعا "لا صلاة لمن لم
يقرأ بفاتحة الكتاب" متفق عليه "وفي لفظ لا
تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" رواه
الدارقطني وقال إسناده صحيح.
وعن أبي هريرة مرفوعا " من صلى صلاة لم يقرأ
فيها بأم القرآن فهي خداج يقوله ثلاثا" رواه
مسلم والخداج النقصان في الذات نقص فساد
وبطلان تقول العرب أخدجت الناقة ولدها أي
ألقته وهو دم لم يتم خلقه.
فإن نسيها في ركعة لم يعتد بها وذكر ابن عقيل
أنه يأتي بها فيما بعدها مرتين ويعتد بها
ويسجد للسهو وعنه في الأوليين وعنه يكفي آية
من غيرها وظاهره ولو قصرت ولو كانت كلمة وعنه
سبع وعنه ما تيسر وعنه لا تجب قراءة في
غيرالأوليين والفجر لقول علي.
وحكى أبو الخطاب عن بعض العلماء أن الفاتحة
تتعين في ركعة ويأتي حكم المأموم في قراءتها.
بديعة : سميت بالفاتحة لأنه يفتتح بقراءتها في
الصلاة وبكتابتها في المصاحف وتسمى الحمد
والسبع المثاني وأم الكتاب والواقية والشافية
,
(1/383)
وفيها إحدى
عشرة تشديدة فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها
أو قطعها بذكر كثير أو لزمه استئنافها
ـــــــ
والأساس والصلاة وأم القرآن لأن المقصود منه
تقرير أمور الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات
القضاء والقدر لله تعالى ف {الْحَمْدُ
لِلَّهِ} إلى {الرَّحِيمِ} يدل على الإلهيات و
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يدل على المعاد و
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
يدل على نفي الجبر والقدر وعلى إثبات أن الكل
بقضاء الله تعالى و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها يدل على الثواب
وتسمى الشفاء والشافية والسؤال والدعاء.
وقال الحسن أودع الله تعالى فيها معاني القرآن
كما أودع فيه معنى الكتب السابقة وهي أفضل
سورة قاله ابن شهاب وغيره وهي مكية وقال مجاهد
مدنية وخطئ في ذلك وقيل نزلت مرتين فهي مكية
مدنية.
"وفيها إحدى عشرة تشديدة" بغير خلاف وهذا على
المذهب وعلى أن البسملة آية منها فيصير فيها
أربعة عشرة تشديدة لأن فيها ثلاثة ويلزمه أن
يأتي بقراءتها مرتبة مشدّدة غير ملحون فيها
لحنا يحيل المعنى مثل كسر كاف {إِيَّاكَ} أو
ضم تاء {أَنْعَمْتَ} أو فتح همزة الوصل في
{اهْدِنَا}.
"فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها
بذكر كثير أو لزمه استئنافها" وفيه مسائل.
الأولى : إذا ترك ترتيب الفاتحة ابتدأها لأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها مرتبة
متوالية وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولأن
القرآن معجز والإعجاز يتعلق بالنظم والترتيب
وهي ركن فلم يجز تنكيسها كتكبيرة الإحرام.
الثانية: إذا ترك شدة منها لزمه استئنافها لأن
الشدة أقيمت مقام حرف ومن ترك حرفا منها فكأنه
لم يقرأها لأن المركب ينعدم بعدم جزء من
أجزائه.
وذكر القاضي في الجامع أنها لا تبطل بترك شدة
لأنها غير ثابتة في خط المصحف وإنما هي صفة
للحرف ويسمى تاركها قارئا للفاتحة ولا يختلف.
(1/384)
......................................
ـــــــ
المذهب أنه إذا لينها ولم يحققها على الكمال
أنه لا يعيد الصلاة لأن ذلك لا يحيل المعنى
ويختلف باختلاف الناس.
قال في المغني و الشرح ولعله إنما أراد في
الجامع هذا المعنى فيكون قوله متفقا وفيه نظر.
الثالثة : إذا أطال قطعها بذكر كثير أوسكوت
طويل غير مأموم لزمه استئنافها لأنه يعد معرضا
عن الفاتحة بذلك وهو على أضرب:
أحدها : قطع بذكر أو سكوت مشروع كالتأمين
وسجود التلاوة والتسبيح بالتنبيه واستماع
قراءة الإمام فإنه لا يؤثر وإن طال ذكره ابن
تميم وكذا إذا سمع آية تقلد فسأل أنه لا يعد
معرضا وفي الشرح أنه إذا كثر استأنفها
الثاني : قطع غير مشروع كالتهليل والتسبيح
فذكر القاضي أن ذلك مبطل لها والأصح أن الكثير
مبطل لأنه أحل بالموالاة بخلاف اليسير فإنه
يعفى عنه.
الثالث : قطع بسكوت طويل غير مشروع فهذا مبطل
لها في ظاهر كلام الجماعة وسواء كان باختيار
أو مانع من عقله أو أرتج عليه لكن إن كان
يسيرا جرت العادة به لم يقطع قراءتها سواء نوى
قطعها أولا لأنه يسير فعفي عنه.
وقال القاضي يكون قطعها مع النية لتحقق
الإعراض ولو نوى قطع القراءة لم يقطع لأن
القراءة باللسان فلم ينقطع بخلاف نية الصلاة.
وقيل إن سكت مع ذلك يسيرا انقطعت.
الرابع: قطع بسكوت طويل مشروع كالمأموم يشرع
في القراءة ثم يسمع قراءة الإمام فينصت ثم
يتمها بعد فراغ إمامه فهذا لا يؤثر لأنه
مشروع.
(1/385)
فإذا قال {وَلا
الضَّالِّينَ} قال آمين يجهر بها الإمام
والمأموم في صلاة الجهر
ـــــــ
كالذكر
مسألة : يستحب أن يقرأها مرتلة معربة يقف عند
كل آية لقراءته عليه السلام ويكره الإفراط في
التشديد والمد والترجيع وإن أحال منها معنى
بلحن يقدر على إصلاحه لم يعتد به وإن لم يحل
صح ذكره جماعة فإن قرأ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ} بظاء قائمة فأوجه ثالثها إن عرف
الفرق بينهما بطلت وإلا فلا
"فإذا قال {وَلا الضَّالِّينَ} قال آمين" بعد
سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن وإنما
هي طابع الدعاء ومعناه اللهم استجب وقيل اسم
من أسمائه تعالى.
ويحرم تشديد الميم لأنه يصير بمعنى قاصدين
ويخير في مد همزته وقصرها والمد أولى ذكره
القاضي.
"يجهر بها الإمام والمأموم في صلاة الجهر" لما
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق
تأمينه تأمين الملائكة غفر له" متفق عليه.
وروى أبو وائل "أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول آمين يمد بها صوته" رواه أحمد وأبو
داود والدارقطني وصححه .
وقال عطاء كان ابن الزبير يؤمن ويؤمنون حتى إن
للمسجد للجة رواه الشافعي.
وعن أحمد ترك الجهر وعلى الأولى وهي الأصح
يقولها المأموم بعد الإمام وذكر جماعة معا.
وإن تركه إمام أو أسره جهر به مأموم ليذكر
الناس فإن تركه حتى قرأ
(1/386)
فإن لم يحسن
الفاتحة أو ضاق الوقت إن تعلمها قرأ قدرها في
عدد الحروف وقيل في عدد الآيات من غيرها فإن
لم يحسن إلا آية واحدة كررها بقدرها
ـــــــ
غيره لم يقله
ولم يتعرض المؤلف لذكر المنفرد وحكمه الجهر
بها قياسا عليهما
فرع: إذا قال آمين رب العالمين فقياس قول أحمد
في التكبير الله أكبر كبيرا لا يستحب
"فإن لم يحسن الفاتحة" لزمه تعلمها لأنها
واجبة في الصلاة فلزمه تحصيلها إذا أمكنه
كشروطها فإن لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح
صلاته
فإن كان عاجزا عنه إما لبعد حفظه "أو ضاق
الوقت عن تعلمها" سقط
قال أبو الفرج إذا طال زمنه قرأ لما روى رفاعة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "إذا
قمت إلي الصلاة فإن كان معك قراءة فاقرأ وإلا
فاحمد الله وهلله وكبر ثم اركع" رواه أبو داود
والترمذي وظاهره أنه لا ينتقل إلى الذكر إلا
عند العجز عن القراءة ويعتبر أن يكون ذلك
"قدرها في عدد الحروف" هذا قول في المذهب لأن
الثواب مقدر بالحرف فكفى اعتباره
"وقيل في عدد الآيات" دون عدد الحروف "من
غيرها" لقوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ
سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} ولأنه عليه السلام
عد الفاتحة سبعا ولأن من فاته صوم طويل لم
يعتبر في القضاء مثله والمذهب أنه يعتبر أن
يكون بعدد الآي والحروف من غير نقص لأن الحرف
مقصود بدليل تقدير الحسنات به كالآي وليكون
البدل كالمبدل حسب الإمكان وعنه يجزئه قراءة
آية
"فإن لم يحسن إلا آية كررها بقدرها" قدمه في
المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأنه بمثابة
من قرأها لكونها من جنس الواجب وظاهره لو أحسن
آية منها فقط كررها في الأصح لأن الآية منها
أقرب شبها إلى بقية الفاتحة
(1/387)
فإن لم يحسن
شيئا من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى
ولزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا
بالله
ـــــــ
من غيرها.
والثاني: يقرؤها مرة ويعدل إلى الذكر بقدر
بقيتها لأنه إذا قرأها مرة فقد أسقط فرضها
فيجب أن لا يعيدها كمن وجد بعض ما يكفيه لغسله
فإنه يستعمله ثم ينتقل إلى البدل في الباقي.
وذكر بعضهم: أنه إذا كان يحسن آخرها أتى قبله
بالذكر كبدل ثم أتى بما يحسن منها وعنه لا
يلزمه تكرار آية اختاره ابن أبي موسى.
وقيل يقرأ الآية وشيئا من غيرها.
وظاهر ما سبق أنه إذا أحسن بعض آية لا يكررها
ذكره في المغني وغيره بل يعدل إلي غيره وقيل
هي كآية والآية الطويلة كآية الدين لا تحتاج
إلى تكرار بخلاف القصيرة
"فإن لم يحسن شيئا من القرآن لم يجز أن يترجم
عنه بلغة أخرى" في المنصوص وصححه ابن تميم
لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً
عَرَبِيّاً} [يوسف: 2] و {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ} [الشعراء: 195]
قال أحمد القرآن معجز بنفسه أي في اللفظ
والمعنى.
قال الأصحاب ترجمته بالفارسية لا تسمى قرآنا
فلا يحرم على الجنب ولا يحنث بها من حلف لا
يقرأ وقيل يجوز لقوله تعالى: {وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ
وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وإنما ينذر كل
قوم بلسانهم وجوابه ما سبق.
"ولزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا
بالله" لما روى عبد الله بن أبي أوفى "أن رجلا
قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
(1/388)
فإن لم يحسن
إلا بعض ذلك كرره بقدره فإن لم يحسن شيئا من
الذكر وقف بقدر القراءة
ـــــــ
إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني
ما يجزئني فعلمه هؤلاء الخمس" رواه أحمد وأبو
داود والنسائي والدارقطني وزاد في صلاتي
بإسناد حسن ولم يأمره عليه السلام أن يصلي خلف
قارئ زاد بعضهم في الحوقلة العلي العظيم ولأن
هذا بدل من غير الجنس أشبه التيمم.
وعنه يكرره بقدر الفاتحة وقاله ابن عقيل وابن
الجوري.
والمذهب إسقاط الحوقلة كما ذكره في المحرر
وقدمه في الفروع.
وعنه يزيد على الخمس جملتين لتصير سبع جمل بدل
آيات الفاتحة من أي ذكر شاء فذكر الحلواني
يحمد ويكبر وذكر ابنه في التبصرة يسبح ونقله
صالح ونقل ابن منصور ويكبر ونقل الميموني
ويهلل ونقل عبد الله يحمد ويكبر ويهلل واحتج
بخبر رفاعة فدل أنه لا يعتبر الكل ولا شيء
معين.
فرع : إذا صلى وتلقف القراءة من غيره صحت ذكره
في النوادر وفي الفروع ويتوجه على الأشهر يلزم
غير حافظ يقرأ من مصحف.
"فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره" كما
قلنا فيمن يحسن بعض الفاتحة.
"فإن لم يحسن شيئا من الذكر" زاد بعضهم وعجز
عن قارئ يومه "وقف بقدر القراءة" أي قراءة
الفاتحة ذكره في المحرر و الوجيز لأن القيام
مقصود في نفسه لأنه لو تركه مع القدرة عليه لم
يجزئه وإن كان أخرس فمع القدرة تجب القراءة
والقيام بقدرها فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر
لقوله عليه السلام "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم" .
مسألة يستحب سكوت الإمام بعد الفاتحة ليقرأ من
خلفه لئلا ينازع فيها كنصه على السكوت قبلها
ونقل عبد الله يسكت قبل القراءة وبعدها وقيل:
(1/389)
ثم يقرأ بعد
الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل
وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه
ـــــــ
ظاهر كلام أحمد أن السكتة إذا فرغ من القراءة
كلها لئلا يصل القراءة بتكبيرة الركوع ولا يسن
السكوت ليقرأ المأموم.
"ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة" كاملة ندبا
يبتدئها بالبسملة نص عليه سرا وفي المغني و
الشرح أن الخلاف في الجهر هنا كالخلاف في أول
الفاتحة.
"تكون في الصبح من طوال المفصل" وهو من قاف
وفي الفنون من الحجرات وقيل من القتال وقيل من
والضحى وهو غريب.
"وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه"
لما روى سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال "ما
رأيت رجلا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه
وسلم من فلان قال سليمان فصليت خلفه فكان يقرأ
في الغداة بطوال المفصل وفي المغرب بقصاره وفي
العشاء بوسط المفصل" رواه أحمد والنسائي ولفظه
له ورواته ثقات.
وإن قرأ على خلاف ذلك فظاهر كلام جماعة أنه
يكره وصرح به في الواضح في المغرب وهذا إن لم
يكن عذر فإن كان عذر لم يكره بأقصر من ذلك
كمرض وسفر ونحوهما وإن لم يكن عذر كره بقصاره
في فجر لا بطواله في مغرب نص عليهما.
وعنه يجب بعدها قراءة شيء فظاهره ولو بعض آية
لظاهر الخبر وعلى المذهب تكره الفاتحة فقط
وقراءة السورة وإن قصرت أفضل من بعضها.
قال القاضي وغيره تجوز آية إلا أن أحمد استحب
كونها طويلة كآية الدين والكرسي ونص أحمد على
جواز تفريق السورة في ركعتين لفعله عليه
السلام وإن قرأ السورة قبل الفاتحة لم تقع
موقعها.
فائدة : ذكر جماعة أنه يقرأ في الثانية أقل من
الأولى وفي الظهر أكثر من العصر وذكر الخرقي
وتبعه ابن الجوزي والسامري أنه يقرأ في الأولى
من
(1/390)
ويجهر الإمام
بالقراءة في الصبح والأوليين في المغرب
والعشاء وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان لم
تصح صلاته
ـــــــ
الظهر بنحو ثلاثين آية وفي الأولى من العصر
على النصف لفعله عليه السلام رواه مسلم من
حديث أبي سعيد ونص عليه في رواية حرب قاله
القاضي في الجامع
"ويجهر الإمام في القراءة في الصبح والأوليين
في المغرب والعشاء" وهو مجمع على استحبابه
لفعله عليه السلام وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن
السلف وظاهره انه لا يشرع للمأموم بغير خلاف
لأنه مأمور بالإنصات وصرح غير واحد بالكراهة
وقيل يجهر في صلاة الجهر بالحمد
ولا للمنفرد والأشهر أنه يخير لأنه لا يراد
سماع غيره أشبه المأموم في سكتات الإمام بخلاف
الإمام وعنه يسن له لأنه غير مأمور بالإنصات
أشبه الإمام
ونقل الأثرم تركه افضل وقيل يجهر بدل الجمعة
وأما المرأة فان لم يسمعها أجنبي فقيل تجهر
كالرجل وقيل يحرم قال أحمد لا ترفع صوتها قال
القاضي أطلق المنع
فرع : يخير القائم لقضاء ما فاته بين جهر
وإخفات ويسر في قضاء صلاة جهر نهارا مطلقا
ويجهر بها ليلا في جماعة
مسألة : يكره جهر أمام أو منفرد نهارا في نفل
زاد بعضهم لا يسن له الجماعة وقيل لا ويخير
ليلا والأولى تركه إذا كان فيه ضرر وفعله إذا
كان فيه نفع
"وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان" كقراءة
ابن مسعود "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" "لم
تصح صلاته" جزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية
وعنه تصح وذكر ابن المنجا أنه المذهب لأن
القرآن ثبت بطريق مقطوع به وهو التواتر ولا
تواتر
(1/391)
وعنه: تصح ثم
ـــــــ
فيها بل أجمعت الصحابة على خلاف ذلك.
"وعنه: تصح" جزم به في المغني وقدمه ابن تميم
و في الفروع مع الكراهية وذكر الشيخ تقي الدين
أنها أنصهما لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يقرأ
القرآن غضا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم
عبد" رواه أحمد وفي ابن المنجا رواه البخاري
وهو وهم وقال أئمة من السلف مصحف عثمان أحد
الحروف السبعة وشرطه اتصال سنده وفي تعليق
الأحكام به الروايتان وظاهر كلام ابن تميم أن
الأحكام لا تتعلق بذلك عليهما واختار المجد لا
تبطل الصلاة به ولا تجزئ عن ركن القراءة.
تنبيه : ظاهر ما سبق أنها تصح بما وافق مصحف
عثمان زاد بعضهم على الأصح وصح سنده وإن لم
يكن من قراء العشرة نص عليه وفي تعليق الأحكام
به روايتان واختار أحمد قراءة نافع قال في
المغني و الشرح من طريق إسماعيل بن جعفر وعنه
قراءة أهل المدينة كلها سواء ثم قراءة عاصم من
طريق أبي بكر بن عياش ثم قراءة ابن عامر.
وأثنى أحمد على قراءة أبي أنه كره إدغامه
الكبير وعنه يحرم وعنه تكره قراءة حمزة روينا
لما فيهما من الكسر والإدغام الشديدين وزيادة
المد.
فعلى هذا إن أظهر ولم يدغم وفتح ولم يمل فلا
كراهة والصلاة بجميع ذلك صحيحة نص عليه وذكر
في الشرح أن أحمد لم يكره قراءة أحد من العشرة
إلا ما ذكر عن حمزة والكسائي.
وإن كان في القراءة زيادة حرف فهي أولى لأجل
العشر حسنات واختار الشيخ تقي الدين أن الحرف
الكلمة وفي المذهب يكره بما خالف عرف البلد.
"ثم" إذا فرغ من قراءته ثبت قائما وسكت حتى
ترجع إليه نفسه قبل أن
(1/392)
يرفع يديه
ويركع مكبرا فيضع يديه على ركبتيه
ـــــــ
يركع ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع قاله أحمد
لحديث سمرة فإذا فرغ من القراءة سكت رواه أبو
داود.
"يرفع يديه" مع ابتداء الركوع وذلك مستحب في
قول خلائق من الصحابة ومن بعدهم لما روى ابن
عمر قال "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا
استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا
أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه" متفق عليه
وروى أحمد بإسناد جيد عن الحسن "أن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك"
وكان ابن عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه حصبه
وأمره أن يرفع ومضى عمل السلف على هذا.
"ويركع مكبرا" وهو مشروع في كل خفض ورفع في
قول عامتهم لما روى أبو هريرة قال "كان النبي
صلى الله عليه وسلم يكبر إذا قام إلى الصلاة
ثم يكبر" متفق عليه.
"فيضع يديه" مفرجتي الأصابع "على ركبتيه"
استحبابا في قول الأكثر وذهب قوم إلى التطبيق
وهو أن يجعل المصلي إحدى كفيه على الأخرى ثم
يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع وهذا كان في أول
الإسلام ثم نسخ وقد فعله مصعب بن سعد فنهاه
أبوه وقال "كنا نفعل ذلك فأمرنا أن نضع أيدينا
على الركب" متفق عليه.
وفي حديث رفاعة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك" رواه
أبو داود.
والمذهب أن يفرج بين أصابعه لأنه عليه السلام
فرج أصابعه من وراء ركبتيه رواه أحمد من حديث
ابن مسعود.
وذكر ابن الجوزي وفي الكافي أنه يكون قابضا
لركبتيه .
(1/393)
ويمد ظهره
مستويا ويجعل رأسه حيال ظهره ولا يرفعه ولا
يخفضه ويجافي مرفقيه عن جنبيه وقدر الإجزاء
الانحناء بحيث يمكن مس ركبتيه
ـــــــ
"ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حيال ظهره"
اتفاقا "ولا يرفعه ولا يخفضه" لما روت عائشة
قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع
لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك" متفق
عليه.
وروي أنه عليه السلام كان إذا ركع لو كان قدح
ماء على ظهره ما تحرك لاستواء ظهره ذكره في
المغني و الشرح.
والمحفوظ ما رواه ابن ماجة عن وابصة بن معبد
قال "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وكان
إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء
لاستقر".
"ويجافي مرفقيه عن جنبيه" لما روى أبو حميد
"أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع فوضع يديه
على ركبتيه" كأنه قابض عليهما ووتر يديه
فنحاهما عن جنبيه رواه أبو داود والترمذي
وصححه.
"وقدر الإجزاء" في ركوع "الانحناء بحيث يمس
ركبتيه" بيديه كذا ذكره السامري وجماعة لأنه
لا يسمى راكعا بدونه ولا يخرج عن حد القيام
إلى الركوع إلا به والاعتبار بمتوسطي الناس لا
بالطويل اليدين ولا بقصيرهما.
قال ابن تميم وفي الفروع أو قدره من غيره وقيل
في أقل منه احتمالان وفي التلخيص وغيره أدناه
الانحناء بحيث تنال كفاه ركبتيه وفي الوسيلة
نص عليه.
وذكر ابن هبيرة أنهم اتفقوا على أن هذا مشروع
وقال المجد وضابط الإجزاء الذي لا يختلف أن
يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى
القيام المعتدل فإن كانتا عليلتين لا يمكنه
وضعهما انحنى ولم يضعهما فإن كانت إحداهما
عليلة وضع الأخرى ذكره في المغني.
فرع : إذا سقط من قيام أو ركوع ولم يطمئن عاد
إلى الركوع فاطمأن ,
(1/394)
ثم يقول: سبحان
ربي العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال ثم يرفع
رأسه قائلا سمع الله لمن حمده
ـــــــ
ولا يلزمه أن يقوم وإن اطمأن في ركوعه ثم سقط
انتصب قائما ثم ولا يعيد الركوع لأن فرضه قد
سقط والاعتدال عنه قد سقط بقيامه وإن ركع ثم
عجز عن القيام سجد عن الركوع فإن قدر على
القيام قبل سجوده عاد إليه وإن كان بعده لم
يلزمه العود إلى القيام لأن السجود قد صح
وأجزأ فسقط ما قبله.
قال في الشرح فإن قام من سجوده عالما بتحريم
ذلك بطلت لأنه زاد فعلا وإن كان جاهلا أو
ناسيا فلا ويعود إلى جلسة الفصل ويسجد للسهو.
"ويقول" في ركوعه "سبحان ربي العظيم" لما روى
حذيفة قال "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
فكان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم وفي
سجوده سبحان ربي الأعلى" رواه الجماعة إلا
البخاري.
وعن عقبة بن عامر قال لما نزلت {فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 52] قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم
فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}
قال اجعلوها في سجودكم" رواه أحمد وأبو داود.
والاقتصار عليها أفضل من غير زيادة وعنه
الأفضل ويحمده اختاره المجد.
قال أحمد جاء هذا وهذا والواجب مرة.
"ثلاثا" وهو أدنى "الكمال" لما روى أبو داود
والترمذي من حديث عون عن ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ركع أحدكم فقال
في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم
ركوعه وإذا سجد قال مثل ذلك" هذا مرسل لأن
عونا لم يلق ابن مسعود.
فالكمال للمنفرد وقيل ما لم يخف سهوا وقيل
بقدر قيامه وقيل سبع وهو ظاهر كلامه وقيل عشر
والإمام إلى عشر وقيل ثلاث ما لم
(1/395)
ويرفع يديه
فإذا قام قال: ربنا ولك الحمد
ـــــــ
يؤثر مأموم وقيل مالم يشق وظاهر الواضح قدر
قراءته وقال الآجري خمس ليدرك المأموم ثلاثا
وأما الوسط فقال أحمد جاء عن الحسن أنه قال
التسبيح التام سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث.
"ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده" إن
كان إماما أو منفردا لأنه عليه السلام كان
يقول ذلك وروى الدارقطني أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لبريدة "يا بريدة إذا رفعت رأسك
من الركوع فقل سمع الله لمن حمد ربنا ولك
الحمد" وظاهره أن ترتيب هذا الذكر واجب فلو
قال من حمد الله سمع له لم يجزئه لتغير المعنى
فإن الأول صيغة تصلح للدعاء معنى سمع أجاب
والثاني صيغة شرط وجزاء فافترقا أشبه ما لو
نكس التكبير.
"ويرفع يديه" لحديث ابن عمر قال "كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع
رفعهما" متفق عليه فيرفعهما مع رفع رأسه في
رواية لما تقدم.
وعنه بعد اعتداله نقل أحمد بن الحسين أنه رأى
أحمد يفعله.
وقيل: يرفعهما المأموم مع رأسه رواية واحدة
لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال والرفع إنما
جعل هيأة للذكر وكذا المنفرد إن قلنا لا يقول
بعد الرفع شيئا.
"فإذا قام" أي اعتدل قائما "قال: ربنا ولك
الحمد" هذا مشروع في حق كل مصل في قول أكثر
أهل العلم لما روى أبو هريرة قال "كان النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: "سمع الله لمن حمده
حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم
ربنا ولك الحمد" متفق عليه.
ويخير بين إثبات الواو وحذفها وبها أفضل نص
عليه وهو الأصح للاتفاق عليه من رواية ابن عمر
وأنس وأبي هريرة ويكون أكثر حروفا
(1/396)
ملء السماء
وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد
ـــــــ
ويتضمن الحمد مقدرا أو مظهرا فإن التقدير ربنا
حمدناك ولك الحمد لأن الواو لما كانت للعطف
ولا شيء ها هنا يعطف عليه ظاهرا.
دل أن في الكلام مقدرا وهو قول اللهم ربنا ولك
الحمد وبلا واو أفضل نص عليه لأنه متفق عليه
من حديث أبي هريرة وأكثر فعله عليه السلام
اللهم ربنا لك الحمد.
وعنه يقول "ربنا ولك الحمد" ولا يتخير قال في
المغني و الشرح وكيفما قال جاز وكان حسنا لأن
السنة وردت به.
فرع : إذا عطس حال رفعه فحمد الله لهما لا
يجزئه نص عليه لأنه لم يخلصه للرفع وصحح
المؤلف الإجزاء كما لو قاله ذاهلا وإن نوى
أحدهما تعين ولم يجزئه عن الآخر.
"ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء
بعد" أي حمدا لو كان أجساما لملأ ذلك ولمسلم
وغيره وملء ما بينهما والأول أشهر في الأخبار.
واقتصر عليه الإمام والأصحاب لما روى ابن أبي
أوفى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا رفع ظهره من الركوع قال: "سمع الله لمن
حمده ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض
وملء ما شئت من شيء بعد" رواه أحمد ومسلم.
والمعروف في الأخبار السماوات لما روى علي قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع
رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده ربنا
ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت
من شيء بعد" رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
وفي المحرر و الوجيز كالمقنع.
وهذا في حق الإمام والمنفرد كسائر الإذكار وهو
اختيار الأصحاب إذ
(1/397)
فإن كان مأموما
لم يزد على: ربنا ولك الحمد إلا عند أبي
الخطاب
ـــــــ
الأصل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم لا
سيما وقد عضده قوله عليه السلام: " صلوا كما
رأيتموني أصلي" .
وعنه يقتصر المنفرد على التسميع والتحميد فقط
حطا له عن رتبة الإمام ورفعا له عن رتبة
المأموم لأنه أكمل منه لعدم تبعيته.
وعنه يسمع فقط وعنه عكسه.
وظاهره أنه لا تستحب الزيادة على ذلك في رواية
وخصها في المغني و الشرح بالفريضة وكلام أحمد
عام ونقل عنه أبو الحارث إن شاء قال أهل
الثناء والمجد قال أحمد وأنا أقوله فظاهره
يستحب واختاره أبو حفص وصححه في المغني و
الشرح.
"فإن كان مأموما لم يزد على ربنا ولك الحمد"
في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام سمع
الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد" متفق
عليه.
واقتصاره على أمرهم بذلك يدل على أنه لا يشرع
في حقهم سواه ويأتي به حين يرفع لأنه ياخذ في
الرفع عقيب تسميع الإمام فيحمد حينئذ وأما
الإمام والمنفرد فيقولان ذلك بعد الاعتدال من
الركوع لأنهما في حال الرفع يشرعان في
التسميع.
"إلا عند أبي الخطاب" فإنه يزيد على ذلك ملء
السماء إلى آخره وهو رواية نقلها الأثرم
واختارها صاحب النصيحة والشيخ تقي الدين لأنه
ذكر مشروع في الصلاة أشبه بقية الأذكار وظاهره
اختصاص الزيادة عنده بما بعد التحميد.
وفي المغني لا أعلم خلافا أن المؤتم لا يسمع
لأنه أمر بالتحميد عقيب تسميع إمامه وعنه
ويسمع وحكاه في المحرر قولا كالإمام والمنفرد
ولأنه ذكر مشروع لهما فشرع للمأموم كسائر
الأذكار.
(1/398)
ثم يكبر ويخر
ساجدا ولا يرفع يديه فيضع ركبتيه ثم يديه.
ـــــــ
وجوابنا: بأن حديثنا خاص بالمأموم وحديث بريدة
عام وتقديم الصحيح الخاص أولى مع أن إسناد
حديث بريدة فيه جابر الجعفي وعمرو بن شمر وهما
ضعيفان عند أكثر المحدثين.
مسألة لم يتعرض المؤلف لهيأة اليدين بعد الرفع
والمنصوص عنه إن شاء أرسلهما وإن شاء وضع
يمينه على شماله وفي المذهب والتلخيص يرسلهما.
"ثم يكبر ويخر ساجدا" للنصوص "ولا يرفع يديه"
في ظاهر المذهب لقول ابن عمر وكان لا يفعل ذلك
في السجود متفق عليه وعنه بلى وعنه في كل خفض
ورفع وفيه عن ابن عمر وأبي حميد أحاديث صحاح
وحيث استحب رفعهما فقال أحمد هو من تمام
الصلاة من رفع أتم صلاة وعنه لا أدري.
قال القاضي إنما توقف على نحو ما يقوله ابن
سيرين أن الرفع من تمام صحتها لأنه قد حكي عنه
أن من تركه يعيد ولم يتوقف أحمد عن التمام
الذي هو تمام فضيلة وسنة ومن تركه فقد ترك
السنة.
"فيضع ركبتيه ثم يديه" على المشهور في المذهب
وهو قول عامتهم لما روى وائل بن حجر قال "رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه
قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه
النسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن غريب لا
نعرف أحدا رواه غير شريك والعمل عليه عند
أكثرهم ورواه أبو داود بإسناد جيد من غير طريق
شريك.
ولأنه أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل ورأي العين
وعنه عكسه لما روى أبو هريرة مرفوعا قال: "إذا
سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك
بروك البعير" رواه أحمد وأبو داود والنسائي
لكن قال الخطابي حديث وائل أصح وقال الحاكم هو
على شرط مسلم .
(1/399)
ثم جبهته وأنفه
ويكون على أطراف أصابعه والسجود على هذه
الأعضاء واجب
ـــــــ
وتقدير مساواته فهو منسوخ بما روى ابن خزيمة
عن أبي سعيد قال "كنا نضع اليدين قبل الركبتين
فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين" لكنه من
رواية يحيى بن سلمة بن كهيل وقد تكلم فيه ابن
معين والبخاري والمراد باليدين ها هنا الكفان.
"ثم جبهته وأنفه" بغير خلاف لما روى أبو حميد
الساعدي قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض" رواه
الترمذي وصححه.
"ويكون على أطراف أصابعه" أي أصابع رجليه
ويثنيهما إلى القبلة ذكره في المغني و الشرح
لقوله عليه السلام "أمرت أن أسجد على سبعة
أعظم" ذكر منها أطراف القدمين.
وفي الصحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد
غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه
القبلة" وفي رواية "وفتخ أصابع رجليه".
وفي المستوعب أنه يقيم قدمه ويجعل بطون
أصابعهما على الأرض.
وقال في التلخيص يجب جعل باطن أطرافها إلى
القبلة إلا أن يكون فيهما نعال أو خف وقيل يجب
فتخها إن أمكن قال في الرعاية ويكره أن يلصق
كعبيه في سجوده قاله في المستوعب.
فرع : إذا سقط على جنبه بعد قيامه من الركوع
ثم انقلب ساجدا لم يجزئه سجوده حتى ينويه لأنه
خرج عن سنن الصلاة وهيأتها وإن سقط منه ساجدا
أجزأه بغير نية لأنه على هيأتها فلو قطع النية
عن ذلك لم يجزئه قال ابن تميم وغيره ولا تبطل
صلاته.
"والسجود على هذه الأعضاء واجب" أي ركن مع
القدرة اختاره الأكثر وذكره ابن الجوزي قولا
واحدا وعنه لا يجب على غير الجبهة ذكرها
الآمدي لقوله عليه السلام "سجد وجهي" فدل على
أن السجود على
(1/400)
إلا الأنف على
إحدى الروايتين
ـــــــ
الوجه وبه يسمى ساجدا لا بوضع غيره من الأعضاء
ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب
كشفها كالجبهة.
قال القاضي في الجامع هذا ظاهر كلام أحمد فإنه
قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه ومعلوم
أنه قد أخل بالسجود على يديه ذكره في المغني و
الشرح فعلى هذه فيكون السجود على البقية سنة
والأول أولى لما روى ابن عباس مرفوعا " أمرت
أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده
إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين"
متفق عليه.
وقال: " إذا سجد أحدكم سجد معه سبعة آراب وجهه
وكفاه وركبتاه وقدماه" رواه مسلم وأجاب في
المغني و الشرح بأن سجود الوجه لا ينفي سجود
ما عداه وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود فإنا
نمنع في الجبهة على رواية ولم سلم فالجبهة هي
الأصل في السجود وهي تكشف عادة بخلاف غيرها.
"إلا الأنف" فإنه لا يجب السجود عليه "على
إحدى الروايتين" اختارها جماعة وهي ظاهر
الوجيز وصححها القاضي قاله في الوسيلة لأنه
عليه السلام لم يذكر الأنف منها.
وعن جابر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر رواه تمام في
فوائده وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على
الأنف.
والثانية: ركن ذكر ابن هبيرة أنها المشهورة
وقدمها ابن تميم والجد وصححها ابن المنجا
وغيره لما تقدم فمتى أخل بالسجود على عضو من
هذه لم تصح.
تنبيه : إذا عجز عن السجود بغير الجبهة سجد
بما يقدر عليه ما أمكنه ولا يجب أن يرفع إليه
شيئا يسجد عليه لأنه هو الهبوط ولا يحصل
بالرفع وإن
(1/401)
ولا يجب عليه
مباشرة المصلي بشيء منها إلا الجبهة على إحدى
الروايتين
ـــــــ
عجز عن الجبهة لعارض من مرض أو غيره سقط عنه
السجود بما يقدر عليه.
قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد
عليه إنه يجزئه حكاه في المغني و الشرح وصححه
ابن تميم.
وقيل لا يسقط جزم به القاضي في التعليق لأنه
لا يمكن وضعه بدون بعضها ويمكن رفعه بدون شيء
منها ويجزئه بعض كل عضو منها.
وذكر في التلخيص أنه يجب سجوده بباطن كفه أو
بعضه.
وفي الرعاية وقيل وأصابعه وهو قول ابن حامد
ولا يجزئ سجوده على أنفه عن جبهته وفاقا وحكى
ابن المنذر عن أبي حنيفة الإجزاء قال ولا أعلم
أحدا سبقه إلى هذا..
قلت ولعله ذهب إلى أن الجبهة والأنف عضو واحد
لإشارته عليه السلام إليه والعضو الواحد يجزئ
السجود على بعضه.
"ولا تجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها" أي من
أعضاء السجود وهو إجماع في القدمين لصحة صلاة
لابس الخفين وفي الركبتين لاتصالهما بالعورة
أو منها عند بعض وقول الجمهور في اليدين لما
روى عبد الله بن عبد الرحمن قال "جاءنا النبي
صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد
الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد"
رواه أحمد وابن ماجة.
"إلا الجبهة" فإنه يجب عليه مباشرة المصلى بها
"على إحدى الروايتين" ذكرها أبو الخطاب لقول
خباب "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا" رواه
البيهقي ومسلم وليس فيه جباهنا وأكفنا.
وعن علي قال: إذا سجد أحدكم فليحسر العمامة عن
جبهته رواه البيهقي وكان ابن عمر يكره السجود
على كور العمامة ولأنه سجد على ما هو حائل
(1/402)
................................
ـــــــ
له أشبه ما لو سجد على يديه والثانية لا يجب
وهي الأصح في المذهب ونصرها في المغني و الشرح
وقدمها في المحرر و الفروع لما روى أنس قال
"كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع
أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود"
متفق عليه.
قال البخاري قال الحسن كان القوم يسجدون على
العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
وروى البيهقي عن الحسن قال "كان أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم
وعلى عمائمهم".
وذكر القاضي أنه لو سجد على كور العمامة أو
كمه أو ذيله صحت صلاته رواية واحدة.
والجواب عن حديث خباب أنهم طلبوا منه ما يزيل
عنهم ضرر الرمضاء في جباههم وأكفهم بتأخير
الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحوه لا أنهم طلبوا
الرخصة في السجود على العمائم والأكمام لأنه
إنما طلبه الفقراء ولم يكن لهم عمائم ولا
أكمام طوال يتقون بها الرمضاء.
وعلى الصحة ففي كراهة حائل متصل حتى طين كثير
روايتان ولا يكره لعذر نقله صالح وغيره وذكر
السامري أن ظاهر ما نقله أكثر الأصحاب لا فرق
قال في الفروع وليس بمراد بل قال جماعة يكره
بمكان شديد الحر والبرد قال ابن شهاب لترك
الخشوع كمدافعة الأخبثين.
مسألتان:
الأولى: إذا سجد على يديه لم يجزئه قولا واحدا
لأن السجود عليها يفضي إلى تداخل أعضاء السجود
قال القاضي في الجامع لم أجد عن أحمد نصا فيها
ويجزئه إن قلنا: لا
(1/403)
ويجافي عضديه
عن جنبيه وبطنه عن فخذيه ويضع يديه حذو منكبيه
ويفرق بين ركبتيه
ـــــــ
يجب السجود على غيرالجبهة وإن قلنا بالوجوب
فلا لئلا يتداخل محل السجود بعضه في بعض
الثانية : إذا علا موضع رأسه على موضع قدميه
فلم تستعل الأسافل بلا حاجة جاز وقيل يكره
وقيل تبطل وقيل إن كثر وقال في التلخيص
التنكيس في السجود وهو استعلاء الأسافل واجب
والصحيح أن اليسير لا بأس به دون الكثير ولم
يذكر جماعة التنكيس في الواجبات والسنن
"و" يسن أن "يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن
فخذيه" وفخذيه عن ساقيه لما في الصحيح "أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يجنح
حتى يرى وضح إبطيه" وعن أبي حميد "أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه
وجبهته من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه
حذو منكبيه" رواه أبو داود وقال أبو عبد الله
في رسالته جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة لنفدت وذلك لشدة
رفع مرفقيه وعضديه وهذا ما لم يؤذ جاره
"ويضع يديه" يعني راحتيه على الأرض مبسوطتين
مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا سجد ضم
أصابعه" رواه أبو حاتم والبيهقي
"حذو منكبيه" لما تقدم ونقل عبد الله حذاء
أذنيه ونقل أبو طالب قريبة من أذنيه "ويفرق
بين ركبتيه" ورجليه لأنه عليه السلام كان إذا
سجد فرج بين فخذيه وذكر ابن تميم وغيره أنه
يجمع بين عقبيه ويكره افتراش الذراع في السجود
للنهي المتفق عليه من حديث أنس
مسألة: له أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال
ولم يقيده جماعة لخبر
(1/404)
ويقول سبحان
ربي الأعلى ثلاثا ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس
مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب
اليمنى
ـــــــ
أبي هريرة "أن الصحابة شكوا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم قال:
"استعينوا بالركب" .
قال ابن عجلان هو أن يضع مرفقيه على ركبتيه
إذا طال السجود.
وقيل في نفل وعنه يكره.
قال في الفروع وظاهر المسألة لو وضع جبهته
بالأرض ولم يعتمد عليها يجزئه.
وقد احتج بعض أصحابنا بأمره عليه السلام
بتمكين الجبهة من الأرض وبفعله ووجوب الرجوع
إليه وهذا يقتضي الوجوب فهذان وجهان.
وقد ذكروا لو سجد على حشيش أو قطن أو ثلج وبرد
ولم يجد حجمه لم يصح لعدم المكان المستقر
عليه.
"ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا" كالتسبيح في
الركوع على ما مر.
وفي المغني أنه يستحب الدعاء بما ورد لقوله
عليه السلام: "وأما السجود فأكثروا فيه من
الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" رواه مسلم ومعناه
حقيق وجدير وقال القاضي لا تستحب الزيادة عليه
في الفرض وفي النفل روايتان ورده المؤلف بما
صح من الأخبار وسنته عليه السلام أحق
بالاتباع.
"ثم يرفع رأسه" إذا قضى سجوده "مكبرا" ويكون
ابتداؤه مع ابتدائه وانتهاؤه مع انتهائه
"ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها
وينصب اليمنى" ويفتح أصابعه نحو القبلة لقول
أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم "ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل
حتى رجع كل عظم في موضعه" وفي حديث عائشة
"وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى" متفق
(1/405)
ثم يقول رب
اغفر لي ثلاثا ثم يسجد الثانية كالأولى ثم
يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا
على ركبتيه إلا أن يشق عليه
ـــــــ
عليه.
قال جماعة منهم الجد ويبسط يديه على فخذيه
مضمومة الأصابع زاد في التلخيص ويضم الإبهام
ولم يذكره آخرون "ثم يقول بين السجدتين "رب
اغفر لي ثلاثا" ذكره السامري وصاحب التلخيص و
الفروع وغيرهم لما روى حذيفة أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب
اغفر لي رب اغفر لي" رواه النسائي وابن ماجة
وإسناده ثقات.
وقال ابن أبي موسى مرتين وهو ظاهر الخرقي
للخبر وفي الرعاية يقول رب اغفر لي أو لنا
ثلاثا وفي الشرح إن قال رب اغفر لنا فلا بأس
ولم يعين أحمد في رواية جماعة ثلاثا بل قال
يقول رب اغفر لي قال حرب ومذهبه إن قال شيئا
وإن لم يقل جاز والأمر عنده واسع والأصح خلافه
ولا يكره في الأصح ما ورد عن ابن عباس قال
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين
السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني
وارزقني وعافني" رواه أبو داود وعنه يستحب في
نفل واختار المؤلف وفرض.
"ثم يسجد الثانية كالأولى" من التكبير
والتسبيح والهيأة لأنه عليه السلام كان يفعل
ذلك "ثم يرفع رأسه مكبرا" لأنه عليه السلام
كان يكبر في كل رفع وخفض.
"ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه" نص
عليه لحديث وائل بن حجر وعن ابن عمر قال "نهى
النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على
يديه إذا نهض في الصلاة" رواه أبو داود ولأنه
أشق فكان أفضل كالتجافي قال القاضي لا يختلف
قوله إنه لا يعتمد على الأرض سواء قلنا يجلس
للاستراحة أولا "إلا أن يشق عليه ,
(1/406)
فيعتمد بالأرض
وعنه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وأليتيه
ـــــــ
فيعتمد بالأرض" لما روى الأثرم عن علي قال من
السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض أن لا يعتمد
بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا
يستطيع.
وذكر في الشرح أنه إذا شق عليه اعتمد على
الأرض لا نعلم فيه خلافا واقتضى كلامه أنه لا
يجلس جلسة الاستراحة وهو المذهب المنصور عند
أصحابنا لما روى أبو هريرة "أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه" رواه
الترمذي بإسناد فيه ضعف وروي ذلك عن عمر وابنه
وعلي وابن مسعود وابن عباس
قال أحمد أكثر الأحاديث على هذا قال الترمذي
وعليه العمل عند أهل العلم.
قال أبو الزناد تلك السنة.
وفي الغنية يكره أن يقدم إحدى رجليه وإنه قيل
يقطع الصلاة وكذا في رسالة أحمد يكره.
"وعنه يجلس جلسة الاستراحة" اختارها أبو بكر
عبد العزيز وشيخه الخلال وذكر أن أحمد رجع عن
الأولى لما روى مالك ابن الحويرث "أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من
السجود قبل أن ينهض" رواه البخاري وقيل له ذلك
إن كان ضعيفا قال المؤلف وفي هذا جمع بين
الأخبار وإلا فمثل هذا لا يخفى على عمر وعلي
ومن سمينا.
فيجلس "على قدميه وأليتيه" نص عليه في رواية
المروزي وذكر ابن الجوزي أنه ظاهر المذهب لأنه
لو جلس مفترشا لم يأمن السهو وليفارق الجلسة
بين السجدتين.
وعليه يحمل قول ابن عباس في الإقعاء على
القدمين هو سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم
للاتفاق على أنه لا يستحب في هذه الصورة وذكر
الآمدي أن أصحابنا لا
(1/407)
ثم ينهض ثم
يصلي الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام
والاستفتاح
ـــــــ
يختلفون في ذلك.
وقيل يجلس مفترشا كالجلوس بين السجدتين قدمه
في الشرح و الفروع وذكره القاضي والمؤلف في
المغني احتمالا واحتج بحديث أبي حميد وقال هو
صحيح صريح لا ينبغي العدول عنه وقال الخلال
روي عن أحمد ما لا أحصيه كثرة أنه يجلس على
أليتيه وهل هي فصل بين الركعتين أو من الثانية
فيه وجهان
"ثم ينهض" بغير تكبير لأنه انتهى تكبيره عند
انتهاء جلوسه وقال أبو الخطاب ينهض مكبرا ورده
في المغني بأنه يفضي إلى أن يوالي بين
تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما
فيه.
بشرى روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إذا قام العبد يصلي أتي بذنوبه فوضعت
على رأسه أو عاتقه فكلما ركع أوسجد تساقطت
عنه" رواه ابن حبان في صحيحه.
"ثم يصلي الثانية كالأولى" لقوله عليه السلام
للمسيء في صلاته لما وصف له الركعة الأولى "ثم
افعل بعد ذلك في صلاتك كلها" وفهم منه مساواة
قراءة الثانية للأولى وسيأتي.
"إلا في تكبيرة الإحرام" لأنها وضعت للدخول في
الصلاة وهو منتف والاستفتاح بغير خلاف نعلمه
لما روى أبو هريرة قال "كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح
القراءة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} ولم يسكت" رواه مسلم.
واستثنى أبو الخطاب و المغني و الوجيز و
الفروع تجديد النية لاستصحابها حكما ولأنها
تراد للعقد وقد انعقدت
قال المجد وترك استثنائها أولى لأنها شرط لا
ركن ويجوز أن يتقدم الصلاة اكتفاء بالدوام
الحكمي .
(1/408)
وفي الاستعاذة
روايتان ثم يجلس مفترشا ويضع يده اليمنى على
فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق
الإبهام مع الوسطى
ـــــــ
"وفي الاستعاذة روايتان" كذا في المغني
إحداهما لا يتعوذ من تعوذ في الأولى قدمه في
المحرر و الفروع وهو قول عطاء والحسن والثوري
لظاهر خبر أبي هريرة المتقدم ولأن الصلاة جملة
واحدة فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى فلو
تركها في الأولى أتى بها في الثانية
قال ابن الجوزي رواية واحدة بخلاف الاستفتاح
نص عليه لأنه يراد لافتتاح الصلاة وهي للقراءة
وقيل يفتتح إن وجب
والثانية يستعيذ في كل ركعة لظاهر قوله تعالى
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
[النحل:98] ولحصول الفصل كالصلاتين فعلى هذه
يستعيذ المسبوق وعلى الأولى كالاستفتاح فإذا
قام للقضاء استفتح واستعاذ نص عليه لأن ما
يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته "ثم يجلس"
للتشهد إجماعا "مفترشا" كجلوسه بين السجدتين
لحديث أبي حميد "أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا جلس للتشهد جلس على رجله اليسرى ونصب
الأخرى وقعد على مقعدته" رواه البخاري.
وعنه إن تورك في أثنائه جاز ولا فضل فيه لما
روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركا
والأول أصح لأن حديث أبي حميد مقدم على حديث
ابن مسعود فإن أبا حميد ذكره في عشرة من
الصحابة فصدقوه وهو متأخر عن ابن مسعود فالأخذ
به متعين.
"ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى" وكذا
اليسرى لأنه أشهر في الأخبار لا يلقمهما
ركبتيه وفي الكافي واختاره صاحب النظم التخيير
كذا في الأخبار يديه وفيها كفيه وفي حديث وائل
بن حجر ذراعيه.
"يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع
الوسطى" كذا ذكره السامري وابن الجوزي وجزم به
في المحرر وقدمه في التلخيص و الفروع
(1/409)
ويشير بالسبابة
في تشهده مرارا ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى
ـــــــ
لما روى وائل بن حجر "أن النبي صلى الله عليه
وسلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد
من أصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة
بأصبعه الوسطى على الإبهام ورفع السبابة يشير
بها" رواه أحمد وأبو داود.
وعنه يبسطهما ويحلق الإبهام مع الوسطى وهي
ظاهر الخرقي.
وعنه يقبض أصابعه الثلاث ويعقد إبهامه كخمسين
قدمه ابن تميم واختاره المجد في شرح الهداية
لخبر ابن عمر.
وعنه هي كيسراه فيضع أصابعها مضمومة مستقبلا
بها القبلة لا مفرجة.
"ويشير بالسبابة" سميت به لأنهم كانوا يشيرون
بها إلى السب وسباحة لأنه يشار بها للتوحيد
والمراد سبابة اليمنى لفعله عليه السلام.
وظاهره لا بغيرها ولو عدمت قال في الفروع
ويتوجه احتمال لأن عليه التنبيه على التوحيد
"في تشهده مرارا" وكذا في المستوعب.
وظاهره أنه يشير بها في كل تشهده وهو رواية
والأشهر أن موضع الإشارة بها عند ذكر الله
لتنبه على الوحدانية زاد ابن تميم وذكر رسوله
وقدم في التلخيص أنه يرفعهما في تشهده مرتين
أو ثلاثا.
وذكر جماعة أنه يشير بها ولم يقولوا مرارا
وظاهره ولو مرة وهو ظاهر كلام أحمد والأخبار
وعلى كل حال لا يحركها في الأصح لفعله عليه
السلام.
قال في الغنية ويديم نظره إليها في كل تشهده
لخبر ابن الزبير رواه أحمد.
فائدة : يشير بالسباحة إذا دعا في صلاته أو
غيرها نص عليه لحديث وائل قال فرأيته يحركها
يدعو بها رواه أبو داود.
"ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى" لما روى ابن
عمر قال "كان رسول
(1/410)
ثم يتشهد فيقول
التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ـــــــ
الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة
وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه التي تلي
الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته
باسطها عليها" رواه مسلم.
قوله على فخذه اليسرى أي لا يخرج بها عنها بل
يجعل أطراف أصابعه مسامتة لركبتيه زاد في
المحرر وغيره مضمومة الأصابع زاد في المغني
وغيره مستقبلا بأطراف أصابعها القبلة.
قال في التلخيص قريبا من الركبة وفي الكافي أو
يلقمهما ركبتيه وقال ابن تميم إن قبض بها على
ركبته فلا بأس.
"ثم يتشهد" سرا لخبر ابن مسعود وهو في
الصحيحين وغيرهما.
"فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله
إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله".
ولفظه "كنا إذا جلسنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده
السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام
على فلان فسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: "إن الله هو السلام فإذا جلس أحدكم
فليقل التحيات لله إلى" آخره.
قال "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو"
وفي لفظ "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم
التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من
القرآن.
قال الترمذي هو أصح حديث في التشهد والعمل
عليه عندأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين
وليس في المتفق عليه حديث غيره.
ورواه أيضا ابن عمر وجابر وأبو هريرة وعائشة.
(1/411)
.......................................
ـــــــ
ويترجح بأنه اختص بأنه عليه السلام أمره بأن
يعلمه الناس رواه أحمد وليس تشهد ابن عباس
أفضل وهو "التحيات المباركات الصلوات الطيبات
لله"إلى آخره ولفظ مسلم "وأشهد أن محمدا رسول
الله" ولا تشهد عمر وهو "التحيات لله الزاكيات
لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك" إلى
آخره.
فإن تشهد بأحدها أجزأة حكاه ابن هبيرة اتفاقا
لكن قال بعض أصحابنا وهو الذي في التلخيص إنه
لايجزئ غير تشهد ابن مسعود فعلى هذا لو ترك
منه حرفا لم يجزئه.
وقد ذكر المؤلف وصححه هو وغيره أنه متى أخل
بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس وقدمه
جماعة كما إذا أسقط لفظا لا يسقط المعنى به.
فعلى هذا الواجب خمس كلمات وهي "التحيات لله
سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" أو "رسول
الله" لأن هذا يأتي على معنى الجميع وهو
المتفق عليه في الروايات.
وظاهره أنه لا يسمي في أوله وصرح القاضي
بالكراهة وأنه يرتب الجمل وهو وجه لأن إذا لم
يرتب فقد أخل به في ذكر مشروع فلم يصح
كالأذان.
فائدة: إذا قال السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين ينوي به النساء ومن لا شركة له في
صلاته في ظاهر كلامهم لقوله عليه السلام
"أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض".
مهمات التحيات جمع تحية وهي العظمة وقال أبو
عمرو الملك وقال ابن االأنباري السلام وقيل
البقاء والصلوات هي الخمس وقيل الرحمة وقيل
الأدعية وقيل العبادات والطيبات هي الأعمال
الصالحة.
(1/412)
هذا التشهد
الأول ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على
محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك
حميد مجيد وإن شاء قال كما صليت على إبراهيم
وآل إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وآل
إبراهيم
ـــــــ
وقال ابن الأنباري الطيبات من الكلام ومن خواص
الهيللة أن حروفها كلها مهملة تنبيها على
التجرد من كل معبود سوى الله تعالى وجوفية ليس
فيها شيء من الشفوية إشارة إلى أنها تخرج من
القلب.
"هذا التشهد الأول" وظاهره تخفيفه وأنه لا
يستحب الزيادة عليه ونصه فيها أساء ذكره
القاضي في الجامع واختار ابن هبيرة تسن الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم واختاره الآجري
وزاد وعلى آله وذكر جماعة لا باس بزيادة وحده
لا شريك له وقيل قولها أولى ويكرره مسبوق نص
عليه فإن سلم قبل تمامه قام ولم يتمه.
ثم يقول في التشهد الذي يعقبه السلام "اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل
محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد
مجيد".
هذا هو المشهور في المذهب واقتصر عليه أكثر
أصحابنا لما روى كعب بن عجرة قال خرج علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا قد عرفنا
كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال "قولوا
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى
آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد
مجيد" متفق عليه.
قال جدي في الانتصار إلا أن البخاري قال وآل
محمد بإسقاط على وليس كذلك فإنه رواه في كتاب
بدء الخلق وعلى آل محمد بإثباتها.
"وإن شاء قال كما صليت على إبراهيم وآل
إبراهيم وكما باركت
(1/413)
....................................
ـــــــ
على إبراهيم وآل إبراهيم" لما روى أحمد
والنسائي والترمذي وصححه من حديث كعب وقال فيه
"اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على
محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل
إبراهيم إنك حميد مجيد".
قلت ورواه البخاري من حديثه أيضا وظاهره أنه
مخير بينهما وهو رواية لورود الرواية بهما.
وعنه يقتصر على الأخير فقط اختاره ابن عقيل
وقدمه في المذهب والأول أولى لأنها وردت
بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت
عليه الأحاديث وهو الصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم حسب اختاره القاضي والشيخان وصححه
ابن تميم والجد في فروعه.
وقال ابن حامد وأبو الخطاب يجب الصلاة على ما
في خبر كعب وهو ظاهر كلامه في التلخيص و
المذهب لظاهر الأمر به.
مسائل:
الأولى: أن المشبه دون المشبه به فكيف تطلب
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "وتشبه بالصلاة
على إبراهيم وآله".
وجوابه: بأنه يحتمل أن مراده أصل الصلاة
بأصلها لا القدر بالقدر كقوله تعالى {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ} [البقرة:
183].
ويحتمل أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا
على النبي صلى الله عليه وسلم فيكون وعلى آل
محمد متصل بما بعده ويقدر له ما يتعلق به
والأول مقطوع عن التشبيه وفيهما نظر.
ويحتمل وهو أحسنها أن المشبه الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم وآله بالصلاة على إبراهيم
وآله فتقابلت الجملتان وتعذر أن يكون لآل
الرسول ما لآل إبراهيم
(1/414)
ويستحب أن
يتعوذ فيقول أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب
القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة
المسيح الدجال
ـــــــ
الذين هم الأنبياء فكان ما يوفر من ذلك حاصلا
للرسول صلى الله عليه وسلم والذي يحصل من ذلك
هو آثار التقلد والرضوان ومن كانت في حقه أكثر
كان أفضل
الثانية : السنة تقديم التشهد على الصلاة فإن
لم يفعل من غير تغيير المعنى والإخلال بشيء من
الواجبات فالأصح عدم الإجزاء وكذا لو أبدل آل
بأهل وقال القاضي يجزئه
الثالثة : كان يلزمه عليه السلام أن يقول في
تشهده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل
على محمد إلى آخره والشهادتين في الأذان ذكره
ابن عقيل وفيه وجه ذكره ابن حمدان
الرابعة : لا تجب الصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم خارج الصلاة وقيل بلى اختاره أبو
جعفر الطحاوي وأبو عبد الله الحليمي واللخمي
وابو عبد الله بن بطة والقائلون به قيل يجب في
العمر مرة واحدة وقيل كلما ذكر ودليله ظاهر
وله الصلاة على غيره منفردا نص عليه وكرهها
جماعة وحرمها آخرون وقاله الشيخ تقي الدين مع
الشعار
الخامسة: آل محمد عليه السلام أتباعه على دينه
ذكره القاضي لقوله تعالى {آلِ فِرْعَوْنَ}
يعني أتباعه على دينه وقيل كل تقي للخبر رواه
تمام في فوائده وقيل أزواجه ومن آمن به من
عشيرته وقيل هم بنو هاشم المؤمنون ونص أحمد
على أنهم أهل بيته فمنهم بنو هاشم
وفي بني المطلب روايتا زكاة وأفضل أهل بيته
علي وفاطمة وحسن وحسين وظاهر كلامه في موضع أن
حمزة أفضل من حسن وحسين
"ويستحب أن يتعوذ فيقول أعوذ بالله من عذاب
جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات
ومن فتنة المسيح الدجال" لما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فرغ أحدكم
من التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع"
(1/415)
وإن دعا بما
ورد في الأخبار فلا بأس
ـــــــ
وذكرهن رواه مسلم "وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يدعو بذلك" متفق عليه
وذكر ابن الجوزي وابن تميم تكرار أعوذ بالله
في كل جملة وحكى القاضي وجوب ذلك وذكره في
الرعاية رواية لظاهر الأمر به.
"وإن دعا بما ورد في الأخبار" أي أخبار النبي
صلى الله عليه وسلم وأخبار أصحابه زاد في
المغني و الشرح وأخبار السلف وبأمر الآخرة ولو
لم يشبه ما ورد فلا بأس وكذا ذكر الخرقي
والسامري لقوله "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه
إليه فيدعو."
وذكر ابن تميم أنه يدعو بما ورد وجزم به في
الوجيز و الفروع لما روي عن أبي بكر الصديق
أنه قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في
صلاتي قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما
كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة
من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" متفق
عليه وعن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم "اللهم
اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت
وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر
لا إله إلا أنت" رواه الترمذي وصححه
وعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة اللهم أعني
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" رواه أحمد
وقال عبد الله سمعت أبي يقول في سجوده اللهم
كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن
المسألة لغيرك.
قال وكان عبد الرحمن يقوله وقال سمعت الثوري
يقوله ومحله مالم يشق على مأموم أو يخف سهوا
إن كان منفردا.
وظاهره أنه لا يدعو بغير ذلك وعنه لا بأس أن
يدعو بجميع حوائج دنياه وآخرته اختاره في
المغني وصححه في الشرح لظواهر الأخبار وظاهر
كلام جماعة حواز الدعاء بما كان قربة إلى الله
تعالى وإن لم يرد به.
(1/416)
ثم يسلم عن
يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك
ـــــــ
أثر وقطع به في المحرر
فأما ما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله
"اللهم ارزقني جارية حسناء وحلة خضراء" لم يجز
لأنه من كلام الآدميين وعنه يجوز لقوله "ثم
ليتخير من الدعاء" إلى آخره وأجيب بحمله على
الدعاء المأثور فرع: يجوز الدعاء لمعين على
الأصح روي عن علي وأبي الدرداء وقيل في نفل
وعنه يكره والمراد بغير كاف الخطاب ذكره جماعة
وإلا بطلت لخبر تشميت العاطس وقوله عليه
السلام لإبليس "ألعنك بلعنة الله" قبل التحريم
أو مؤول ولا تبطل بقوله "لعنه الله" عند اسمه
على الأصح ولا من عوذ نفسه بقرآن لحمى ونحوها
ولا من لدغته عقرب فقال بسم الله ولا بالحوقلة
في أمر الدنيا
"ثم يسلم" وهو جالس بلا نزاع وأنه تحليلها وهو
منها لقوله وتحليلها التسليم وليس لها تحليل
سواه "عن يمينه" فيقول مطلقا لأنه أحد طرفيها
فاشترط له كالأول "السلام عليكم ورحمة الله
وعن يساره كذلك" روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي
وعمار وابن مسعود لقول ابن مسعود "إن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن
يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم
ورحمة الله حتى يرى بياض خده" رواه أبو داود
والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح والعمل عليه
عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم
وأصح الروايات عنه عليه السلام أنها تسليمتان
فعن سعد قال "كنت أرى النبي صلى الله عليه
وسلم يسلم عن يمينه ويساره حتى يرى بياض خده"
رواه مسلم ويسن التفاته فيهما
قال أحمد ثبت عندنا من غير وجه أنه كان عليه
السلام يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض
خده ويكون التفاته في الثانية أكثر.
(1/417)
فإن لم يقل
ورحمة الله لم يجزئه وقال القاضي يجزئه ونص
عليه أحمد في صلاة الجنازة
ـــــــ
قال المؤلف لفعله عليه السلام رواه ابن صاعد
وذكر ابن عقيل وابن الجوزي والسامري أنه يبتدئ
بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت عن
يمينه ويساره في الله جمعا بين الأحاديث.
ويجهر بالأولى ويسر الثانية نص عليه لتقدمها
أو لحصول التحلل بها واختار ابن حامد وقدمه في
الرعاية خلافها لئلا يسابقه المأموم في السلام
أو في القيام للقضاء إن كان مسبوقا وظاهر كلام
جماعة أنه يجهر وبالأولى أكثر وقيل يسرهما
كمأموم قال في المذهب ومنفرد ويستحب حذفه
ويجزمه ولا يعربه.
فرع : إذا نكس السلام مطلقا لم يجزئه وقيل بلى
وبعده المؤلف فإن نكره فأوجه ثالثها يجزئ مع
التنوين لإقامته مقام الألف واللام وقيل
تنكيره أفضل وفيه ضعف.
"فإن لم يقل ورحمة الله لم يجزئه" اختاره أبو
طالب وابن عقيل وصححه وقدمه في المستوعب و
الرعاية لأنه عليه السلام كان يقوله وهو سلام
في صلاة فيرد مقرونا بالرحمة فلم يجزئه بدونها
كالسلام في التشهد
فعلى هذا هي ركن وصححه في المذهب "وقال
القاضي: يجزئه" قال وهو ظاهر كلام أحمد لقوله
"وتحليلها التسليم" وهو حاصل بدون ذكر الرحمة
وجعله في شرح المحرر دليلا للأول وحمله على
السلام المعهود وفيه نظر
وعن علي أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره
السلام عليكم السلام عليكم رواه سعيد في سننه
ولان ذكر الرحمة تكرير للثناء فعلى هذا هي سنة
"ونص عليه أحمد في صلاة الجنازة" من حيث إنها
صلاة مفروضة.
(1/418)
وينوي بسلامه
الخروج من الصلاة فإن لم ينو جاز وقال ابن
حامد تبطل صلاته وإن كان في مغرب أو رباعية
نهض مكبرا إذا فرغ من التشهد
ـــــــ
واقتصر فيها على السلام من غير ذكر الرحمة لكن
الفرق ظاهر
وفي التلخيص و المحرر في وجوبها روايتان.
تتمة: إذا زاد وبركاته فلا بأس لفعل النبي صلى
الله عليه وسلم رواه أبو داود من حديث وائل
وتركها أفضل.
"وينوي بسلامه الخروج من الصلاة" هذا الاولى
لتكون النية شاملة لطرفي الصلاة "فإن لم ينو
جاز" نص عليه وقدمه ابن تميم يروي وجزم به في
الوجيز ونصره في الشرح لأن نية الصلاة قد شملت
جميعها والسلام من جملتها فاكتفي فيه بالنية
المستصحب حكمها وكتكبيرة الإحرام ولأنها عبادة
فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات.
"وقال ابن حامد تبطل صلاته" هو رواية عن أحمد
وصححه في المذهب واقتصر عليه ابن هبيرة لأنه
أحد طرفي الصلاة فوجبت فيه النية كالطرف الأول
فعلى هذا هي ركن.
وقيل إن سها عنها سجد للسهو فإن نوى الخروج
منها مع الحفظة والإمام والمأموم جاز نص عليه
لما روى سمرة بن جندب قال أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم
بعضنا على بعض رواه أبو داود وإسناده ثقات.
وقيل تبطل للتشريك وقيل يستحب وقال أبو حفص
السنة أن ينوي بالأولى الخروج وبالثانية على
الحفظة ومن معه إن كان في جماعة.
وإن نوى بسلامه الحاضرين ولم ينو الخروج فقال
ابن حامد تبطل وجها وحدا لتمحضه خطاب آدمي
والأشهر يجوز وعنه لا يترك السلام على إمامه
وإن وجبت الثانية اعتبر الخروج منها.
"وإن كان في مغرب أو رباعية نهض مكبرا إذا فرغ
من التشهد" كنهوضه
(1/419)
وصلى الثالثة
والرابعة مثل الثانية إلا أنه لا يجهر ولا
يقرأ شيئا بعد الفاتحة ثم يجلس في التشهد
الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى
ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الأرض.
ـــــــ
من السجود قائما على صدور قدميه كما تقدم.
وظاهره أنه لا يرفع يديه وحكاه بعضهم وفاقا
وعنه بلى اختاره المجد وحفيده وهي أظهر وقد
صححه أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال الخطابي وهو قول جماعة من أهل الحديث.
"وصلى الثالثة والرابعة مثل الثانية" لقوله
"ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" واقتضى كلامه
مساواة الثالثة للرابعة في عدم التطويل لأنها
مثلها "إلا أنه لا يجهر" فيهما بغير خلاف
نعلمه
"ولا يقرأ شيأ بعد الفاتحة" في قول أكثر أهل
العلم قال ابن سيرين لا أعلمهم يختلفون فيه
لحديث أبي قتادة أنه كان عليه السلام يقرأ في
الركعتين الأخريين بأم الكتاب وكتب عمر إلى
شريح يأمره بذلك ويستثنى الإمام في صلاة الخوف
إذا قلنا ينتظر الطائفة الثانية في الركعة
الثالثة فيقرأ سورة معها.
وعنه يستحب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم
رواه مسلم من حديث أبي سعيد وظاهر كلامهم لا
فرق بين الفرض والنفل.
"ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا" لحديث أبي
حميد فإنه وصف جلوسه في التشهد الأول مفترشا
والثاني متوركا وهذا بيان الفرق بينهما وزيادة
يجب الأخذ بها والمصير إليها.
وحينئذ لا يسن التورك إلا في صلاة فيها تشهدان
أصليان في الأخير منهما وعنه لا تورك في
المغرب والأول المذهب.
وصفته كما رواه الأثرم عن الإمام "يفرش رجله
اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل
أليتيه على الأرض" واختاره أبو
(1/420)
والمرأة كالرجل
في ذلك كله إلا أنها تجمع نفسها في الركوع
والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما
في جانب يمينها
ـــــــ
الخطاب وجزم به في المحرر و الفروع لقول أبي
حميد فإذاكان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى
إلى الأرض وأخرج قدمه من ناحية واحدة رواه أبو
داود.
وفي لفظ: جلس على أليتيه ونصب قدمه اليمنى
وذكر الخرقي والقاضي والسامري أنه يجعل باطن
قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وقدمه ابن تميم
وصححه المجد في شرح الهداية لأنه عليه السلام
كان يفعله رواه مسلم من حديث ابن الزبير.
وعنه يخرج قدمه الأيسر من تحت ساقه الأيمن
لحديث أبي حميد أيضا وأيها فعل جاز.
فرع: سئل أحمد هل يتورك في تشهد سجود السهو
قال نعم هو من بقية الصلاة وحمله في الشرح على
ما إذا كان السهو في صلاة فيها تشهدان وعلله
بأن تشهدها يتورك فيه وهذا تابع له وفيه نظر
فإن متقضى هذا أنه يتورك في كل تشهد كسجود
السهو بعد السلام في الرباعية وغيرها وقاله
القاضي لأنه تشهد ثان في الصلاة فيحتاج إلى
الفرق "والمرأة كالرجل في ذلك كله" لشمول
الخطاب لهما لقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي"
.
"إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود" أي
لا يسن لها التجافي لما روى زيد بن أبي حبيب
أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين
تصليان فقال "إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى
بعض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل" رواه أبو
داود في مراسيله ولأنها عورة فكان الأليق بها
الانضمام وذكر في المستوعب وغيره أنها تجمع
نفسها في جميع أحوال الصلاة لقول علي رضي الله
عنه.
"وتجلس متربعة" لأن ابن عمر كان يأمر النساء
أن يتربعن في الصلاة.
"أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها"
وكذا في الخرقي و المحرر
(1/421)
وهل يسن لها
رفع اليدين على روايتين
ـــــــ
و المذهب ونص عليه لأنه غالب فعل عائشة وأشبه
بجلسة الرجل وأبلغ في الانكماش والضم وأسهل
عليها وظاهره أنها مخيرة بين الجلوس متربعة
لاستوائهما ولكن السدل أفضل نص عليه واختاره
في "شرح الهداية".
ولا تجهر بقراءة إن سمعها أجنبي وإلا جهرت
كذكر, "وهل يسن لها رفع اليدين؟ على روايتين".
إحداهما: يسن قدمه ابن تميم والجد وهو عموم
كلام الأصحاب لأن أم سلمة كانت ترفع يديها
ورواه سعيد عن أم الدرداء ورواه الخلال عن
حفصة بنت سيرين وقياسا على الرجل.
والثانية : لا يسن جزم بها في الوجيز قال في
الشرح لأنه في معنى التجافي فعلى هذا هل يكره
أو يجوز على روايتين
والثالثة : ترفع دونه قاله أبو بكر وهو أوسط
الأقوال قاله المجد.
فائدة : لم يتعرض المؤلف لذكر الخنثى المشكل
وحكمه كامرأة قاله ابن تميم وابن حمدان
وغيرهما
فصل :
يستحب الذكر والاستغفار ثلاثا كما ورد في
الأخبار ذكره في الشرح وغيره قال في المستوعب
والرعاية ويقرأ آية الكرسي وكذا المعوذتين زاد
بعضهم و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ولم يذكره
الأكثر ويسبح ثلاثا وثلاثين ويحمد كذلك ويكبر
أربعا وثلاثين للخبر ذكره في المستوعب و
المذهب وغيرهما قالوا ويقول لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي
ويميت وهو على كل شيء قدير.
وفي المستوعب وغيره وهو حي لا يموت بيده الخير
كذا قالوا واتباع السنة أولى ويفرغ من عدد ذلك
معا قاله أحمد في رواية أبي داود للنص.
وعنه يخير بينه وبين إفراد كل جملة واختار
القاضي الإفراد.
(1/422)
.....................................
ـــــــ
ويستحب الجهر بذلك وحكى ابن بطال عن أهل
المذاهب المتبوعة خلافه وكلام أصحابنا مختلف
قاله في الفروع قال ويتوجه يجهر لقصد التعليم
فقط ثم يتركه.
والمقصود من العدد أن لا ينقص منه وأما
الزيادة فلا تضر شيئا لا سيما من غير قصد لأن
الذكر مشروع في الجملة فهو يشبه المقدر في
الزكاة إذا زاد عليه ويشرع للإمام أن يدعو بعد
الفجر والعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون
على الدعاء والأصح وغيرها جزم به جماعة.
ويستقبل المأموم ذكره السامري ولا يخص نفسه
بدعوة وإن فعل فلا بأس نص عليه وقيل يكره وهو
قول إسحاق.
ويشير إلى السماء في دعائه بأصبعه ويسمعه
المأموم وقيل إن قصد تعليمه وإلا خفض صوته
كالمأموم والمنفرد وعنه يكره الجهر مطلقا ولا
يجب الإنصات خلافا لابن عقيل.
قال ابن تميم: ويستحب للمأموم أن لا ينصرف قبل
إمامه إلا أن يطيل الجلوس فإن كان رجال أو
نساء استحب أن يقمن عقيب سلامه ويثبت الرجال
قليلا وينصرف كيف شاء عن يمينه وشماله وهو في
الصحيح وصححه الترمذي وقال العمل عليه عند أهل
العلم.
وفي الرعاية ينصرف عن يمينه وقيل أو عن يساره
إن سهل قال القاضي يمينه أولى إلا أن تكون جهة
انصرافه غيرها.
ومن أدب الدعاء بسط يديه ورفعهما إلى صدره
وكشفهما أولى وذكر جماعة أن الدعاء للرهبة
بظهر الكف لدعائه عليه السلام في الاستسقاء.
والبداءة بحمد الله تعالى والثناء عليه قال
الشيخ تقي الدين وختمه به والصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم أوله وآخره.
قال الآجري ووسطه وسؤاله بأسمائه وصفاته بدعاء
جامع مأثور ويكون
(1/423)
فصل
ويكره الالتفات في الصلاة
ـــــــ
متطهرا مستقبل القبلة ويلح ويكرره ثلاثا ولا
يسأم من تكراره في أوقات ولا يعجل وينتظر
الفرج من الله تعالى ويجتنب السجع
وسئل ابن عقيل هل يجوز أن يقال في القرآن سجع
فأجاب بالجواز قال ابن الصيرفي لو سكت عن هذا
كان أحسن ولا يعتد فيه
ويبدأ بنفسه ويعم ويؤمن المستمع وتأمينه في
أثناء دعائه وختمه به متجه ويكره رفع بصره
وظاهر كلام جماعة خلافه وشرطه الإخلاص
قال الآجري واجتناب الحرام وظاهر كلام ابن
الجوزي وغيره أنه من الأدب وقال الشيخ تقي
الدين تبعد إجابته إلا مضطرا أو مظلوما وكان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء
قال: "يا حي يا قيوم" رواه الترمذي من رواية
إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف.
فصل
"ويكره الالتفات في الصلاة" جزم به في المحرر
و الوجيز وغيرهما لما روت عائشة قالت سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في
الصلاة فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من
صلاة العبد" رواه البخاري وعن أنس مرفوعا قال
" إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في
الصلاة هلكة"
فإن كان لابد ففي التطوع لا الفريضة ولأنه
يكون به خارجا وجهه عن جهة الكعبة وأقل ما فيه
الكراهة
ويستثنى منه ما إذا كان لحاجة فإنه لا يكره
لما روى ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى وهو يلتفت إلى الشعب" رواه أبو داود
ورواه النسائي وفيه وكان أرسل فارسا إليه
يحرس.
(1/424)
ورفع بصره إلى
السماء وافتراش الذراعين في السجود والإقعاء
في الجلوس
ـــــــ
وعلى الأول: لا تبطل الصلاة به إلا أن يستدير
عن القبلة بجملته أو يستدبرها ما لم يكن في
الكعبة أو يختلف اجتهاده فيها أو في شدة خوف
فإن استدار بصدره مع وجهه لم تبطل ذكره ابن
عقيل والمؤلف خلافا لابن تميم وغيره ورفع بصره
إلى السماء وفاقا لما روى أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " ما بال أقوام يرفعون
أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في
ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم"
رواه البخاري
وكذا يكره تغميضه نص عليه واحتج بأنه فعل
اليهود ولأنه يغير هيأة المصلي وربما كان سببا
للنوم فأما مع الحاجة فلا وقد نقل أبو داود إن
نظر أمته عريانة غمض عينيه
"وافتراش الذراعين في السجود" أي يمدهما على
الأرض ملصقا لهما بها لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: " اعتدلوا في السجود ولا يبسط
أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" متفق عليه من حديث
أنس قال الترمذي وأهل العلم يختارونه
"والإقعاء في الجلوس" ذكره معظم الأصحاب وفي
الشرح أنه الأولى لما روت عائشة "أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يفرش رجله اليسرى وينصب
اليمنى ويقعد على مقعدته" متفق عليه وعن أبي
هريرة قال "نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن
ثلاث عن نقرة كنقر الديك وإقعاء كإقعاء الكلب
والتفات كالتفات الثعلب" رواه أحمد لأنه يتضمن
ترك الافتراش المسنون فعلا وقولا فكان مكروها
وحينئذ لا تبطل به
وقال ابن حامد والقاضي في شرحه الصغير تبطل به
وذكر ابن تميم وغيره أنه يكره الإقعاء من غير
حاجة
وعنه هو جائز روى مهنا عنه لا أفعله ولا أعيب
على من يفعله العبادلة كانوا يفعلونه.
(1/425)
هو أن يفرش
قدميه ويجلس على عقبيه وعنه أنه سنة ويكره أن
يصلي وهو حاقن
ـــــــ
"وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه" كذا فسره
الإمام أحمد واقتصر عليه في المغني و الفروع
قال أبو عبيد هذا قول أهل الحديث فأما عند
العرب فهو جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه
مثل إقعاء الكلب
قال في المغني ولا أعلم أحدا قال باستحباب
الإقعاء على هذه الصفة وقيل هو أن لا يمد ظهري
قدميه ويجلس على عقبيه أو بينهما على أليتيه
أوينصب قدميه ويجلس بينهما أو عليهما أو
يفرشهما ويجلس عليهما أو يجلس على وركيه
وأليتيه مع نصب ركبتيه أو فخذيه
وذكر في الرعاية رواية أن هذا كله يسن
وعنه أنه سنة لقول طاووس لابن عباس في الإقعاء
على القدمين فقال "هي السنة قال قلنا إنا
لنراه جفاء فقال هي سنة نبيك صلى الله عليه
وسلم" رواه مسلم
مسألة : يكره أن يعتمد على يده أو غيرها وهو
جالس لقول ابن عمر "نهى النبي صلى الله عليه
وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على
يديه" رواه أحمد وأبو داود وأن يستند إلى
الجدار ونحوه لأنه يزيل مشقة القيام إلا من
حاجة لأنه عليه السلام لما أسن وأخذه اللحم
اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه رواه أبو داود
فإن كان يسقط لو أزيل لم يصح ونقل الميموني لا
بأس بالاستناد إليه وحمل على الحاجة
"ويكره أن يصلي وهو حاقن" أي بوله سواء خاف
الجماعة أو لا لا نعلم فيه خلافا لما روت
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا
صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" رواه
مسلم
والمراد به أن يبتدئ بها مع المدافعة ولأنه
يشغله عن خشوع الصلاة وحضور قلبه فيها فإن فعل
صحت على المذهب كما لو صلى وقلبه مشغول بشيء
من الدنيا
(1/426)
أو بحضرة طعام
تتوق نفسه إليه ويكره العبث
ـــــــ
وعنه يعيد وعنه إن أزعجه وقاله ابن أبي موسى
ويتوجه أنه إذا خاف فوت الوقت فإنه يصلي معها
من غيركراهة وفي معناه الحاقب وهو الذي احتبس
غائطه.
وعبارته في الفروع أشمل قال ابن أبي الفتح وفي
معناهما من به ريح محتبسة فتجيء الروايات وحكم
الجوع والعطش المفرط كذلك قاله بعض أصحابنا.
قال ابن عقيل إنما جمع بينهما الشارع
لاستوائهما في المعني وكذا قال يكره ما يمنعه
من إتمام الصلاة بخشوعها كحر وبرد لأنه يقلقه
"أو بحضرة طعام تتوق نفسه إليه" جزم به في
المحرر و الوجيز.
قال الترمذي: هو أشبه بالاتباع وهو مروي عن
أبي بكر وعمر وابنه لقوله عليه السلام: "لا
صلاة بحضرة طعام" ولحديث ابن عمر وهو في
الصحيحين.
وللبخاري كان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام
الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه يسمع قراءة
الإمام وهذا ما لم يضق الوقت فإن ضاق فلا يكره
بل يجب.
وظاهره أنه إذا لم تتق نفسه إليه أنه يبدأ
بالصلاة من غيركراهة وقدم في الفروع وغيره أنه
يكره ابتداؤها تائقا لطعام والمعنى يقتضيه
وظاهره سواء كان بحضرته أولا لقول أبي الدرداء
من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على
صلاته وقلبه فارغ رواه أحمد في الزهد والبخاري
في تاريخه لكن الأول هو ظاهر الأخبار وعلى هذا
إن بدأ بالصلاة صحت إجماعا حكاه ابن المنذر
لأن البداءة بالطعام رخصة فإذا لم يفعلها صحت
كسائر الرخص.
"ويكره العبث" لأنه عليه السلام رأى رجلا يعبث
في صلاته فقال: "لو
(1/427)
والتخصر
والتروح وفرقعة الأصابع وتشبيكها
ـــــــ
خشع قلب هذا لخضعت جوارحه" قال في الهداية
للحنفية لأن العبث حرام خارج الصلاة فما ظنك
به فيها وخالفه غيره
"والتخصر" هو وضع يده على خاصرته لما روى أبو
هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
يصلي الرجل مختصرا" متفق عليه ولأنه يمنع
الخضوع والخشوع ويمنع من وضع اليمين على
الشمال وتكره صلاة الحازق من ضيق الخف ومن لا
يعقل غالبا كخوف أو غضب أو إزعاج وتخبيط ونحوه
والتروح بمروحة ونحوها وقاله جماعة منهم عطاء
لأنه من العبث زاد في الشرح و الفروع إلا
لحاجة كغم شديد نص عليه ومراوحته بين رجليه
مستحبة وتكره كثرته لأنه فعل اليهود
"وفرقعة الأصابع" لما روى الحارث عن علي قال
"لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة" رواه ابن
ماجه "وتشبيكها" لما روى كعب بن عجرة "أن
النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك
أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه" رواه
الترمذي وابن ماجة وإسناده ثقات.
وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك أصابعه
"تلك صلاة المغضوب" عليهم رواه ابن ماجة.
مسائل :
يكره أن يصلي وبين يديه ما يلهيه أو ينظر في
كتاب وأن يلف شعره أو ثوبه أو يصلي وهو معقوص
الشعر ولو فعلهما لعمل قبل صلاته أو مكتوف
اليدين ومس لحيته وأن يمسح أثر السجود.
وفي المغني إكثاره منه ولو بعد التشهد وعنه
وبعد الصلاة وأن ينفخ
(1/428)
وله رد المار
بين يديه
ـــــــ
فيها ويحرك الحصى وأن يخص موضع جبهته بما يسجد
عليه لأنه من شعار الرافضة وأن يعلق في قبلته
شيئا من مصحف وغيره ولا بأس بكونه على الأرض
وأن يكتب في القبلة وأن يصلي وبين يديه نجاسة
أو باب مفتوح أو إلى نار في قنديل وشمعة
والرمز بالعين والإشارة لغير حاجة وإخراج
لسانه وفتح فمه ووضعه فيه شيء لا بيده نص عليه
وأن يستصحب ما فيه صورة من فص أو ثوب وصلاته
إلى متحدث أو نائم نص عليه وعنه لا يكره النفل
وإلى كافر وصورة منصوبة نص عليهما
وظاهره: ولو كانت صغيرة لا تبدو للناظر إليها
وأنه لا يكره إلى غير منصوبة ولا سجوده على
صورة ولا صورة خلفه في البيت ولا فوق رأسه في
سقف أو عن أحد جانبيه إلى وجه آدمي نص عليه
وفي الرعاية أو حيوان غيره والأول أصح لأنه
كان عليه السلام يعرض إليها وإلى امرأة تصلي
بين يديه
وإن غلبه تثاؤب في صلاته كظم فإن أبي استحب
وضع يده على فيه على الأصح للخبر ولا يقال
تثاوب بل تثاءب
"و" يستحب "له رد المار بين يديه" كذا في
المحرر و الوجيز و الفروع وهو قول أكثر
العلماء لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا صلى أحدكم إلى
شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين
يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو
شيطان" متفق عليه
وعن ابن عمر مرفوعا "إذا كان أحدكم يصلي فلا
يدعن أحدا يمر بين يديه فإن أبي فليقاتله فإن
معه القرين " رواه مسلم
وعنه يجب رده آدميا كان أو غيره للفرض والنفل
في ظاهر كلامهم لظاهر الأخبار.
(1/429)
.......................................
ـــــــ
وعنه يختص بالفرض وظاهر كلامهم سواء كان بين
يديه سترة فمر دونها أو لم تكن فمر قريبا منه
وقيل: قدر خطوتين بحيث لو مشى ورده لم تبطل
وصرح به في الكافي لأنه موضع سجوده أشبه من
نصب سترة ولأن المراد بنصبها الإعلام بأنه في
الصلاة وفي الدفع إعلام صريح
وقيل هو مختص بمن بين يديه سترة إذا مر دونها
وهو ظاهر الرعاية وغيرها والنص شاهد له وهذا
ما لم يغلبه أو يكن محتاجا بأن كان الطريق
ضيقا ويتعين طريقا
وتكره الصلاة هناك ذكره في المذهب ولا يحرم أو
في مكة المشرفة في رواية قدمها ابن تميم لأنه
عليه السلام صلى بمكة والناس يمرون بين يديه
وليس بينهما سترة رواه أحمد وغيره
وألحق في المغني الحرم بمكة وظاهره لا فرق بين
مكة وغيرها وقدمه في الرعاية وأطلق في الفروع
الخلاف
فإن تركه يمر نقصت صلاته نص عليه وحمله القاضي
إن تركه قادرا فإن أبى دفعه فإن أصر فله قتاله
على الأصح ولو مشى فإن خاف فسادها لم يكرر
دفعه ويضمنه على الأصح فيهما.
والمذهب يحرم مروره بين مصل وسترته وظاهره ولو
بعد منها لما روى أبو جهيم عبد الله بن الحارث
بن الصمة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا
عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر
بين يديه" قال أبو النضر أحد رواته لا أدري
أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة متفق عليه.
وكذا يحرم بين يديه قريبا منها إذا لم يكن
سترة في الأصح وهو ثلاثة أذرع وقيل العرف لا
موضع سجوده وفي الفصول و الترغيب:
(1/430)
عد الآي
والتسبيح وقتل الحية والعقرب والقملة
ـــــــ
يكره وقيل النهي مختص بما بينه وبين سترته
وحكى ابن حزم الاتفاق على إثمه في هذه الصورة
فرع: للمصلي دفع العدو من سيل أو سبع أو سقوط
جدار ونحوه وإن كثر لم تبطل في الأشهر "و" له
عد الآي زاد ابن تميم والجد لما روى أنس قال
"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي
بأصابعه" رواه محمد بن خلف وكتكبيرات العيد
"والتسبيح" لأنه في معنى عد الآي قاله أبو بكر
وصححه ابن أبي موسى وقدمه السامري وجزم به في
المحرر ونص أحمد أنه يكره لأن المنقول عن
السلف عد الآي دون التسبيح لأنه يتوالى لقصره
فتتوالى حسناته فيكثر العمل بخلاف عد الآي
وأطلق ابن الجوزي والجد الخلاف
"وقتل الحية والعقرب" في قول أكثرهم لما روى
أبو هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب" رواه
الخمسة وصححه الترمذي وكرهه النخعي
والأول أولى "والقملة" لأن عمر وأنسا والحسن
البصري كانوا يفعلونه ولأن في تركها أذى له إن
تركها على جسده ولغيره إن ألقاها وهو عمل يسير
فلم يكره وعنه بلى وقال القاضي التغافل عنها
أولى
وفي جواز دفنها في مسجد وجهان وظاهره أنه مباح
قتلها فيه وهو المنصوص وعليه أن يخرجها أو
يدفنها قيل للقاضي يكره قتلها ودفنها فيه
كالنخامة فقال دفن النخامة كفارة لها وإذا
دفنها كأنه لم يتنخم فكذا القملة وفيه نظر لأن
أعماقه تجب صيانته عن النجاسة كظاهره بخلافها
وفي معناه البرغوث نقل المروذي أنه سئل عن قتل
القملة والبرغوث في المسجد فقال أرجو أن لا
يكون به بأس.
(1/431)
ولبس الثوب
والعمامة ما لم يطل فإن طال الفعل في الصلاة
أبطلها عمدا كان أو سهوا إلا أن يفعله متفرقا
ـــــــ
فائدة: له حك جسده يسيرا وقيل ضرورة ويجب رد
كافر عصم دمه عن بئر في الأصح كمسلم فيقطع
وقيل يتم وكذا إن فرمنه غريمه يخرج في طلبه
كإنقاذ غريق
"ولبس الثوب" "و" لف "العمامة" لما روى وائل
بن حجر "أن النبي صلى الله عليه وسلم التحف
بإزاره وهو في الصلاة" وكذا إن سقط رداؤه فله
رفعه ولأنه عمل يسير أشبه حمل أمامة وفتح
الباب لعائشة
"ما لم يطل" راجع إلى قوله وله رد االمارّ إلى
آخره لأنه قد صح عنه جواز أكثر هذه الأفعال
"فإن طال" أي كثر "الفعل" عرفا بلا ضرورة وقيل
ثلاثا وقيل ما ظن فاعله لا "في صلاة" في
الصلاة متواليا أبطلها إجماعا "عمدا كان أو
سهوا" إذا كان من غيرجنس الصلاة لأنه يقطع
الموالاة ويمنع متابعة الأذكار ويذهب الخشوع
فيها ويغلب على الظن أنه ليس منها وكل ذلك
مناف لها أشبه ما لو قطعها
فإن كان لضرورة لم يقطعها وكان حكمه حكم
الخائف جزم به في الشرح وغيره وعلم منه أنه لا
فرق بين العمد والسهو كما جزم به الأصحاب
لوجود المبطل وعنه لا تبطل بالسهو اختاره
المجد وعلى الأول يحتاج إلى الفرق بين الأقوال
والأفعال لأنه إذا تكلم ساهيا فيه الخلاف
بخلاف الفعل إذ القول أخف من الفعل بدليل أنها
تبطل بتكرار السجود دون تكرار الفاتحة إلا أن
يفعله متفرقا فلا تبطل به ولو طال المجموع
لاكل عمل منها لأنه عليه السلام أم الناس في
المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا
سجد وضعها رواه مسلم وللبخاري نحوه
وصلى عليه السلام على المنبر وتكرر صعوده
ونزوله عنه متفق عليه.
(1/432)
ويكره تكرار
الفاتحة والجمع بين سور في الفرض ولا يكره في
النفل ولاتكره قراءة أواخر السور وأوساطها
ـــــــ
وأخذ الحسن والحسين في كل الركعات متفرقا وقيل
تبطل به ذكره ابن تميم
فرع : إشارة أخرس مفهومة أو لا كفعل ولا تبطل
بعمل القلب في ظاهر المذهب ولا بإطالة نظر في
كتاب في الأصح
"ويكره تكرار الفاتحة" لعدم فعل ذلك وهي ركن
واختلف في تكرارها وأقل أحواله الكراهة
"والجمع بين سور في الفرض" في رواية لأنه خلاف
السنة المأثورة
والثانية: لا يكره وهي الصحيحة لقول ابن مسعود
"لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من
المفصل سورتين في ركعة" متفق عليه.
وعن ابن عمر "أنه كان يقرأ في المكتوبة
بالسورتين في ركعة" رواه مالك وكتكرار سورة في
ركعة وتفريق سورة في ركعتين نص عليهما لكن لا
تستحب الزيادة على سورة في ركعة ذكره جماعة
لفعله عليه السلام.
وعنه تكره المداومة "ولا يكره" أي الجمع بين
سور "في النفل" قال في الشرح رواية واحدة لأنه
عليه السلام قرأ في ركعة سورة البقرة و آل
عمران و النساء وكان عثمان يختم القرآن في
ركعة.
وقال أحمد صليت ركعتين ختمت فيهما القرآن.
وقيل يكره وهو بعيد "ولا تكره قراءة أواخر
السور وأوساطها" وهو المشهور عنه لقوله تعالى
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:
20] ولقول أبي سعيد "أمرنا أن نقرأ الفاتحة
وما تيسر" رواه أبو داود
وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة
الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان رواه الخلال.
(1/433)
وعنه يكره
ـــــــ
قال الحسن: غزوت مع ثلاثمائة من الصحابة فكان
أحدهم يقرأ إذا أم أصحابه بخاتمة البقرة
وبخاتمة الفرقان وبخاتمة الحشر وكان لا ينكر
بعضهم على بعض.
"وعنه يكره" في الفرض نقلها المروذي وقال سورة
اعجب إلي قال المروزي كان لأبي عبد الله قرابة
يصلي به فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر
السورة فلما أكثر قال أبو عبد الله تقدم أنت
فصل فقلت له هذا يصلي بكم منذكم قال دعنا منه
يجيء بآخر السورة وكرهه.
قال المؤلف: ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي
صلى الله عليه وسلم فإن المنقول عنه قراءة
السورة أو بعضها من أولها.
وعنه تكره المداومة وعنه قراءة الأوساط لا
الأواخر لعدم نقله وظاهره جواز قراءة أوائل
السور وصرح به بعضهم وتكره قراءة كل القرآن في
فرض وعنه لا كفرائض.
تذنيب : يستحب أن يقرأ كما في المصحف ويكره
تنكيس السور في ركعة أو ركعتين كالآيات وعنه
لا اختاره المجد وغيره للأخبار واحتج أحمد
بأنه عليه السلام تكلم على ذلك فدل على
التسوية.
وقال الشيخ تقي الدين ترتيب الآيات واجب لأن
ترتيبها بالنص وترتيب السور بالاجتهاد في قول
الجماهير فتجوز قراءة هذه قبل هذه وكذا في
الكتابة ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها
لكن لما اتفقوا على المصحف زمن عثمان صار هذا
مما سنه الخلفاء الراشدون.
وعلل المجد كراهة تنكيس الآيات بأنه مظنة تغير
المعنى بخلاف السور إلا ما ارتبطت وتعلقت
بالأولى كسورة قريش مع الفيل على رأي فحينئذ
يكره ولايبعد تحريمه عمدا لأنه تغيير لموضع
السورة فإن نكس الكلمات حرم وبطلت.
(1/434)
وله أن يفتح
على الإمام إذا ارتج عليه
ـــــــ
"و" يشرع "له أن يفتح على إمامه إذا ارتج
عليه" قاله عامة الأصحاب وروي عن عثمان وابن
عمر ورواه البيهقي بإسناد حسن عن علي وظاهره
لا فرق بين الفرض والنفل في القراءة الواجبة
أو غيرها وعنه إن طال وعنه في نفل وقيل إن سكت
وقيل يجوز في الفرض في الحمد وفي النفل مطلقا
وعنه تبطل به لقوله عليه السلام: "يا علي لا
تفتح على الإمام" رواه أبو داود بإسناد فيه
ضعف قال الشعبي فيه الحارث وكان كذابا وقيل
تبطل بتجرده للتفهيم والأول أصح لما روى ابن
عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة
فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي أصليت معنا قال
نعم قال فما منعك" رواه أبو داود وقال الخطابي
إسناده جيد.
ولأنه تنبيه فيها بما هو مشروع أشبه التسبيح
فعلى هذا يجب في الفاتحة كما لو نسي سجدة وقيل
لا يجب فيها كغيرها وظاهره أنها لا تبطل.
ولو فتح بعد أخذه في قراءة غيرها فإن عجز عن
إتمام ما أرتج عليه فقال ابن عقيل يسقط وتصح
صلاته وصلاة الأمي خلفه دون القارئ فإنه
يفارقه ويتم لنفسه وقيل عليه أن يخرج ثم إن
استخلف من يتم بهم وصلى معه جاز وإلا تعلم ما
ارتج عليه ثم صلى صححه المؤلف قال ابن تميم
وغيره وهو أظهر.
وظاهره أنه لا يفتح على غير إمامه نص عليه لأن
ذلك يشغله عن صلاته فإن فعل لم تبطل قال في
الشرح وكما لو فتنح غير المصلي عليه
تنبيه : إذا عطس أو بشر بما يسره فقال الحمد
لله أو أخبره بما يغمه فقال لا حول ولا قوة
إلا بالله أو خاطب بشيء من القرآن لم تبطل على
الأصح للأخبار لكن يكره لعاطس الحمد ونقل أبو
داود يحمد في نفسه ولا يحرك لسانه فلو عطس حال
شروعه في الحمد فنوى القراءة لما عطس ,
(1/435)
وإذا نابه شيء
مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح إن
كان رجلا وإن كانت امرأة صفحت ببطن كفها على
ظهر الأخرى
ـــــــ
فهل يجزئ عن فرض؟ على وجهين
وقال القاضي إذا قصد بالحمد الذكر أو القرآن
لم تبطل فإن قصد خطاب آدمي بطلت وإن قصدهما
فوجهان
"وإذا نابه شيء" أي أمر "مثل سهو إمامه" كما
لو أتى بفعل في غير محله لزم المأموم تنبيهه
"أو استئذان إنسان" داخل عليه "سبح إن كان
رجلا" ولو كثر ويجوز بقراءة وتكبير وتهليل في
الأظهر "وإن كانت امرأة صفحت"
وفي المحرر و الوجيز صفقت وهما سواء معناهما
متقارب وقيل التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على
باطن الأخرى وقيل بأصبعين من إحداهما على صفحة
الأخرى والتصفيق الضرب بجميع إحدى الصفحتين
على الأخرى نقله القاضي عياض "ببطن كفها على
ظهر الأخرى" لقوله عليه السلام في خبر سهل
"إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال
وليصفح النساء"
وعن أبي هريرة مرفوعا "التسبيح للرجال
والتصفيق للنساء" متفق عليهما وظاهره أنها لا
تسبح بل هو مكروه نص عليه كتصفيقه وتطبيق
وصفير ويكره بنحنحة في الأصح
وشرط التصفيق ما لم يطل قاله في الفروع وهو
مراد وظاهر ذلك لا تبطل بتصفيقها على جهة
اللعب قال في الفروع ولعله غير مراد وتبطل به
لمنافاته الصلاة والخنثى كامرأة
فرع : إجابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت
واجبة في الصلاة مطلقا نص عليه وإن قرأ آية
فيها اسمه صلى الله عليه وسلم في نفل نصا
وأطلقه بعضهم
ولا يجيب الوالد في نفل إن لزم بالشروع وسأله
المروذي عنها فقال: يروى
(1/436)
وإن بدره
البصاق بصق في ثوبه وإن كان في غيرالمسجد جاز
أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ويستحب
أن يصلي إلى سترة
ـــــــ
عن ابن المنكدر إذا دعتك أمك فيها فأجبه وأبوك
لا تجبه وكذا الصوم
"وإن بدره البصاق" ويقال بالسين والزاي أيضا
والمخاط أو النخامة "بصق في ثوبه" وحك بعضه
ببعض إذهابا لصورته إن كان في المسجد لما روى
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا قام
أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلا يبزقن قبل
قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف
ردائه فبزق فيه ثم رد بعضه على بعض" رواه
البخاري ولمسلم معناه من حديث أبي هريرة ولما
فيه من صيانة المسجد عن البصاق فيه
قال أحمد البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه
للخبر قال أبو الوفاء لأن بدفنه تزول القذارة
واختار المجد يجوز في بقعة يندفن فيها أصحهما
موضعها استحبابا ويلزم غيره إزالتها إن لم
يزلها فاعلها لخبر أبي ذر
"وإن كان في غير المسجد بصق عن يساره أو تحت
قدمه اليسرى" قاله جماعة لقوله عليه السلام:
"ليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى" وظاهره
أنه يكره أن يبصق أمامه أو عن يمينه لخبر أبي
هريرة "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها"
رواه البخاري.
ولأبي داود بإسناد جيد عن حذيفة مرفوعا "من
تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين
عينيه".
وفي الوجيز ويبصق في الصلاة أو المسجد في ثوبه
وفي غيرهما يسرة وفيه نظر
"ويستحب أن يصلي إلى سترة" مع القدرة عليها
بغير خلاف نعلمه وظاهره لا فرق بين الحضر
والسفر ولم يخش مارا لقوله عليه السلام "إذا
صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها" رواه
أبو داود وابن ماجة من حديث أبي سعيد.
(1/437)
مثل آخرة الرحل
فإن لم يجد خط خطاً
ـــــــ
وفي الواضح يجب وهو بعيد ويشهد له ما رواه ابن
عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في
فضاء ليس بين يديه شيء" رواه أحمد وأبو داود
والسترة ما يستتر به ولو بخيط مطلقا "مثل آخرة
الرحل" لقوله عليه السلام: "إذا وضع أحدكم بين
يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من يمر
وراء ذلك" رواه مسلم وصلى في الكعبة وبينه
وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع رواه أحمد
والبخاري.
فإن كان في مسجد ونحوه قرب من الجدار أو فضاء
فإلى شيء شاخص من شجرة أو بعير أو ظهر إنسان
أو عصا لأنه عليه السلام صلى إلى حربة وإلى
بعير رواه البخاري ويلقي العصا بين يديه عرضا
لأنها في معنى الخط.
ويستحب انحرافه عنها قليلا لفعله عليه السلام
رواه أحمد وأبو داود من حديث المقداد بإسناد
لين قال عبد الحق وليس إسناده بقوي لكن عليه
جماعة من العلماء على ما ذكر ابن عبد البر
ويكون بينه وبينها ثلاثة أذرع نص عليه.
وكلما دنا فهو أفضل للنص ولأنه أصون لصلاته
وطولها ذراع نص عليه وعنه مثل عظم الذراع وهذا
على سبيل التقريب لأنه عليه السلام قدرها
بمؤخرة الرحل وهو عود في مؤخره ضد قادمته
والمراد به رحل البعير وهو أصغر من القتب
والمؤخرة تختلف فتارة تكون ذراعا وتارة أقل
وعلى كل حال يجزئ الاستتار بها وعرضها لاحد له
لأنها قد تكون غليظة كالحائط ودقيقة كالسهم.
لكن قال أحمد ما كان أعرض هو أعجب إلي.
"فإن لم يجد خط خطا" نص عليه وهو المذهب لقوله
عليه السلام: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء
وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن
معه عصا فليخط خطا ولايضره ما مر بين يديه"
رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة .
(1/438)
فإذا مر من
ورائها شيء لم يكره وإن لم يكن سترة فمر بين
يديه الكلب الأسود البهيم بطلت صلاته وفي
المرأة والحمار روايتان
ـــــــ
وذكر الطحاوي أن فيه رجلا مجهولا وقال البيهقي
لا بأس به في مثل هذا وصفته كالهلال لا طولا
لكن قال في الشرح وكيفما خط أجزأه وعنه يكره
الخط
"فإذا مر من ورائها شيء لم يكره" للأخبار
السابقة "فإن لم يكن له سترة فمر بين يديه"
قريبا ومرادهم ثلاثة أذرع فأقل من قدمه أو
كانت تمر بينه وبينها "الكلب الأسود البهيم
بطلت صلاته" بغير خلاف نعلمه في المذهب لقوله
عليه السلام "إذا قام أحدكم فصلى فإنه يستره
إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإن لم يكن
فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب
الأسود" رواه أحمد من حديث أبي ذر والأسود
البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد ذكره جماعة
وعنه أو بين عينيه بياض وصححه ابن تميم فإن
كان فيه بياض في غير هذا الموضع فليس ببهيم
رواية واحدة وخص البهيم به مع أنه ليس في
الخبر لأنه شيطان.
مسألة: يباح قتل البهيم ذكره المؤلف وغيره
لقوله عيه السلام: "لولا أن الكلاب أمة من
الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم
فإنه شيطان" وذكر ابن تميم وغيره أنه يحرم
اقتناؤه.
"وفي المرأة والحمار" الأهلي "روايتان" كذا
أطلقهما في المحرر و الفروع إحداهما لا تبطل
نقلها الجماعة وهي ظاهر الوجيز لما روي أن
زينب بنت أبي سلمة مرت بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلم يقطع صلاته رواه أحمد وابن
ماجة بإسناد حسن.
وعن ابن عباس قال "أقبلت راكبا على حمار أتان
والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير
جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت
الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد .
(1/439)
......................................
ـــــــ
وعن عائشة قالت "كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي بالليل وأنا معترضة بينه وبين
القبلة" متفق عليهما
والثانية تبطل قدمه السامري وابن تميم ورجحه
في الشرح للنص السابق وحديث عائشة لا حجة فيه
لأن حكم الوقوف يخالف حكم المرور وحديث ابن
عباس ليس فيه إلا أنه مر بين يدي بعض الصف
وسترة الإمام سترة لمن خلفه.
وظاهره أنه لايقطعها غير ما ذكر وهو المذهب.
وعنه يقطعها شيطان قدمه ابن تميم وغيره وعنه
وسنور أسود وفي الصغيرة وجه وظاهره لا فرق بين
الفرض والنفل وعنه لا يبطل النفل وعنه
والجنازة.
فرع : وسترة مغصوبة ونجسة كغيرها قدمه في
الرعاية وفيه وجه فالصلاة إليها كالقبر قال
صاحب النظم وعلى قياسه سترة الذهب قال في
الفروع ويتوجه منها لو وضع المارّ سترة أو
تستر بدابة جاز.
تذنيب : سترة الإمام سترة لمن خلفه ذكره
الأصحاب وهو قول الفقهاء السبعة للأخبار ولا
عكس فلا يستحب لمأموم سترة وليست سترة له
ومعناه إذا مر ما يبطلها فظاهره أن هذا فيما
يبطلها خاصة وأن كلامهم في نهي الآدمي عن
المرور على ظاهره وكذا المصلي لا يدع شيئا يمر
بين يديه لأنه عليه السلام كان يصلي إلى سترة
دون أصحابه.
وقال صاحب النظم لم أر أحدا تعرض لجواز مرور
الإنسان بين يدي المأمومين فيحتمل جوازه
اعتبارا بسترة الإمام له حكما ويحتمل اختصاص
ذلك بعدم الإبطال لما فيه من المشقة على
الجميع.
قال القاضي عياض اختلفوا هل سترة الإمام سترة
لمن خلفه أم هي سترة له خاصة وهو سترة لمن
خلفه مع الاتفاق على أنهم يصلون إلى سترة
ولمسلم من
(1/440)
ويجوز له النظر
في المصحف وإذا مرت به آية رحمة أن يسألها
وآية عذاب أن يستعيذ منها وعنه يكره في الفرض
ـــــــ
حديث أبي هريرة مرفوعا إنما الإمام جنة أي
يمنع من نقص صلاة المأموم لا أنه يجوز المرور
قدام المأموم
"ويجوز له النظر في المصحف" والقراءة منه فيها
جزم به معظم الأصحاب لما روى الأثرم أن عائشة
كان يؤمها عبد لها في المصحف وقال الزهري كان
خيارنا يقرؤون في المصاحف وهو قول عطاء ولأنه
ليس بعمل كثير والفرض والنفل سواء قاله ابن
حامد
وعنه يجوز في النفل وحمل في الشرح كلام المؤلف
عليه وعنه لغير الحافظ وعنه يبطل فرض لقول ابن
عباس نهانا أن نؤم من المصاحف رواه أبو بكر بن
أبي داود وقيل ونفل أيضا لأنه اعتمد في فرض
القراءة على غيره كاعتماده بحبل في قيامه
"وإذا مرت به آية رحمة أن يسألها" أي يسأل
الرحمة من الله تعالى "وآية عذاب أن يستعيذ
منها" على المذهب لما روى حذيفة قال "صليت مع
النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح
البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى إلى أن
قال إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال
سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ: مختصر رواه مسلم
ولأنه دعاء وخير
وعنه يستحب قاله القاضي وغيره وظاهره لكل مصل
وسبق إذا تلى آية فيها ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم
"وعنه يكره في الفرض" لأن المنقول عنه عليه
السلام في النفل فيقتصر عليه وعنه يفعله إن
صلى وحده ونقل الفضل لا بأس أن يقوله مأموم
ويخفض صوته وقال أبو بكر الدينوري وابن الجوزي
معنى ذلك تكرار الآية قال ابن تميم وليس بشيء
قال أحمد إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} في صلاة
وغيرها
(1/441)
فصل
أركان الصلاة إثنا عشرالقيام وتكبيرة الحرام
ـــــــ
قال سبحانك قيل في فرض ونفل ومنع منه ابن عقيل
فيهما
فائدة : سئل بعض أصحابنا عن القراءة بما فيه
دعاء هل يحصلان له فتوقف ويتوجه الحصول لخبر
أبي ذر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من
كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نسائكم
فإنها صلاة وقرآن ودعاء " رواه الحاكم وقال
على شرط البخاري
فصل
"أركان الصلاة" جمع ركن وهو جانب الشيء الأقوى
وهو ما كان فيها ولا يسقط عمدا ولا سهوا
وسماها بعضهم فروضا وهو لفظي
"اثنا عشر" كذا في الوجيز وغيره وجلعها في
البلغة عشرة وعد منها النية لأن المشروع فيها
قسمان واجب ومسنون
والأول قسمان: ما لا يسقط مطلقا وهي الأركان
"القيام" لقوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ولحديث عمران "صل
قائما" ومحله في الفرض لقادر وهو قدر التحريمة
لأن المسبوق يدرك به فرض القيام ذكره في
الخلاف وغيره ميل رأسه
قال أبو المعالي وغيره وحده ما لم يصر راكعا
ويستثنى منه العريان والخائف ولمداواة وقصر
سقف لعاجز عن الخروج ومأموم خلف إمام الحي
العاجز عنه بشرطه فإن قام على رجل لم يجزئه
ذكره في المذهب وظاهر كلامهم يخالفه
ونقل خطاب بن بشر لا أدري
"وتكبيرة الإحرام" لحديث علي "تحريمها
التكبير" .
(1/442)
وقراءة الفاتحة
والركوع والاعتدال عنه والسجود والجلوس بين
السجدتين والطمأنينة في هذه الأفعال
ـــــــ
"وقراءة الفاتحة" أي في حق الإمام والمنفرد
ويتحملها إمام عن مأموم وكذا بدلها.
"والركوع" إجماعا وسنده قوله تعالى.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا}
[الحج: 77] وحديث المسيء في صلاته وهو ما رواه
أبو هريرة "أن رجلا دخل المسجد فصلى ثم جاء
فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه
ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل فعل ذلك ثلاثا ثم
قال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني
فقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر
معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم
ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن جالسا
ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" رواه الجماعة.
ولمسلم وعزاه عبد الحق إلى البخاري "إذا قمت
إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة
فكبر" فدل على ان المسماة في الحديث لا يسقط
بحال فإنها لو سقطت لسقطت عن الأعرابي لجهله
بها "والاعتدال عنه" لأنه عليه السلام داوم
على فعله وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" لو
طوله لم تبطل قال الحسن بن محمد الأنماطي رأيت
أبا عبد الله يطيل الاعتدال والجلوس بين
السجدتين لحديث البراء متفق عليه.
"والسجود" إجماعا "والجلوس بين السجدتين" لما
روت عائشة قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجود لم
يسجد حتى يستوي قاعدا" رواه مسلم.
"والطمأنينة في هذه الأفعال" لما سبق ولحديث
حذيفة "أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده
فقال له "ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة
التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وسلم" رواه
البخاري وظاهره أنها ركن واحد في الكل لأنه
يعم القيام وهي السكون وإن قل قدمه ابن تميم
والجد في فروعه.
(1/443)
والتشهد الأخير
والجلوس له والتسليمة الأولى والترتيب ومن ترك
شيئا منها عمدا بطلت صلاته
ـــــــ
وقيل بقدر الواجب وحكاه ابن هبيرة عن أكثر
العلماء وقيل بقدر ظنه أن مأمومه الضعيف وثقيل
اللسان أتى بما يلزمه
"والتشهد الأخير والجلوس له" هذا هو المذهب
وهو قول عمر وابنه وأبي سعيد الخدري لقوله
"إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل التحيات لله"
الخبر متفق عليه
وعن ابن مسعود قال "كنا نقول قبل أن يفرض
التشهد السلام على الله السلام على جبريل
وميكائيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا
تقولوا هكذا ولكن قولوا التحيات لله" ذكره
رواه النسائي وإسناده ثقات والدار قطني وقال
إسناد صحيح
وقال عمر لا تجزئ صلاة إلا بتشهد رواه سعيد
والبخاري في تاريخه والركن منه اللهم صل على
محمد مع ما يجزئ من التشهد الأول
وعنه واجب يسقط بالسهو وهو غريب وعنه سنة وقال
أبو الحسين لا يختلف قوله إن الجلوس فرض
واختلف قوله في الذكر فيه وهو معنى ما حكاه
ابن هبيرة عن أحمد
"والتسليمة الأولى" لقوله "وتحليلها التسليم"
وقالت عائشة "كان النبي صلى الله عليه وسلم
يختم صلاته بالتسليم" وثبت ذلك عنه من غير وجه
ولأنها نطق مشروع في أحد طرفيها فكان ركنا
كالطرف الآخر
"والترتيب" أي بين الأركان لأنه عليه السلام
كان يصليها مرتبة وعلمها للمسيء في صلاته
مرتبا بثم ولأنها عبادة تبطل بالحدث فكان
الترتيب ركنا فيها كغيرها
"ومن ترك منها شيأ عمدا بطلت صلاته" لأنه عليه
السلام نفى الصلاة
(1/444)
وواجباتها
تسعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام والتسميع
والتحميد في الرفع من الركوع والتسبيح في
الركوع والسجود مرة مرة وسؤال المغفرة بين
السجدتين مرة والتشهد الأول والجلوس له
ـــــــ
مع الجهل وأمره بالإعادة ولم يجعله عذرا وإذا
انتفى مع الجهل فمع العمد أولى وتركه سهوا
يأتي "وواجباتها تسعة" هذا هو القسم الثاني من
الواجبات وسمى أبو الفرج الواجب سنة اصطلاحا
قال ابن شهاب كما سمى المبيت ورمي الجمار
وطواف الصدر سنة وهو واجب
"التكبير غير تكبيرة الإحرام" في الأصح لأنه
عليه السلام كان يكبر وقال: "صلوا كما
رأيتموني أصلي" وعنه ركن لا يسقط بالسهو
كتكبيرة الإحرام وعنه يسقط في حق مأموم فقط
وعنه سنة لأنه عليه السلام لم يعلم المسيء في
صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
قلنا ولم يعلمه التشهد ولا السلام ولعله اقتصر
على تعليمه ما أساء فيه
"والتسميع" وهو قول سمع الله لمن حمده في حق
إمام ومنفرد
"والتحميد" وهو قول "ربنا ولك الحمد" في حق
الكل "في الرفع من الركوع" لما سبق من النصوص
فعلا له وأمرا به
"والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة" على
المذهب والزائد على المرة سنة
"وسؤال المغفرة بين السجدتين مرة" على المشهور
ولم ينقل تركه
وعنه سنة لأنه لم يعلمه المسيء في صلاته
"والتشهد الأول والجلوس له" اختاره الأكثر
لأنه عليه السلام فعله وداوم على فعله وأمر به
وسجد للسهو حين نسيه وهذا هو الأصل المعتمد
(1/445)
والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم في موضعها والتسليمة
الثانية في رواية
ـــــــ
عليه في سائر الواجبات لسقوطها بالسهو
وانجبارها بالسجود كواجبات الحج ويستثنى منه
غير مأموم قام إمامه عنه سهوا فيتابعه.
"والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" في
رواية اختارها الخرقي وفي المغني وهي ظاهر
المذهب وصححها في الشرح وجزم بها في الوجيز
لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
[الأحزاب: 56] والأمر للوجوب ولا موضع تجب فيه
الصلاة أولى من الصلاة المفروضة وعنه ركن
قدمها في المحرر و الفروع وصححها في المذهب و
الوسيلة وذكر ابن هبيرة أنها المشهورة وأنها
اختيار الأكثر لحديث كعب
وعنه سنة قال المروزي لأبي عبد الله إن ابن
راهويه يقول "لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم في التشهد بطلت صلاته فقال
ما اجترئ أن أقول مثل هذا وفي رواية هذا شذوذ
لقوله "إذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك " وكخارج
الصلاة في موضعها أي في التشهد الأخير بعد
الشهادتين.
"والتسليمة الثانية في رواية" قال القاضي وهي
أصح جزم بها في الوجيز لأنه عليه السلام كان
يسلمهما ولأنها عبادة شرع لها تحليلان فكانت
واجبة كالأولى.
وعنه أنها ركن كالأولى صححه في المذهب وقدمه
في التلخيص وابن تميم وابن حمدان وهي ظاهر
الهداية و المحرر لعموم قوله " وتحليلها
التسليم" فعلى هذا هما من الصلا.ة
وعنه سنة اختارها المؤلف وصححها في الشرح وجزم
بها في الوجيز وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ
عنه وعنه في النفل وعنه هما واجبتان
(1/446)
من ترك شيئا
منها عمدا بطلت صلاته ومن تركه سهوا سجد للسهو
وعنه ان هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها
ـــــــ
وذكر ابن هبيرة أنها المشهورة وصححها في
الوسيلة قال القاضي الثانية سنة في الجنازة
والنافلة رواية واحدة
"من ترك شيئا منها عمدا بطلت صلاته" لأنها
واجبة أشبهت الأركان "ومن تركه سهوا" أو جهلا
نص عليه "سجد للسهو" لأنه عليه السلام لما ترك
التشهد الأول سجد له قبل أن يسلم متفق عليه من
حديث عبد الله بن بحينة
ولولا أنه واجب لما سجد لجبره لأنه لا يزيد في
الصلاة لجبر ما ليس بواجب وغير التشهد من
الواجبات مقيس عليه ولا يمتنع أن يكون للعبادة
واجب يجبر إذا تركه وإن كانت لا تصح إلا بها
كالحج واقتضى كلامه أن الصلاة صحيحة بترك
الواجب سهوا لأنه عليه السلام بنى على صلاته
"وعنه أن هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها" لعدم
تعليمها للمسئ
تنبيه : إذا ترك شيئا ولم يدر أفرض أم سنة لم
يسقط فرضه للشك في صحته وإذا اعتقد الفرض سنة
أو بالعكس فصلاها على ذلك لم يصح لأنه بناها
على اعتقاد فاسد ذكره ابن الزاغوني
وظاهر كلامهم خلافه قال أبو الخطاب لايضره أن
لا يعرف الركن من الشرط والفرض من السنة ورد
المجد على من لم يصحح الائتمام بمن يعتقد أن
الفاتحة نفل بفعل الصحابة فمن بعدهم مع شدة
اختلافهم فيما هو الفرض والسنة ولأن اعتقاد
الفرضية والنفلية يؤثر في جملة الصلاة لا
تفاصيلها لأن من صلى يعتقد الصلاة فريضة فأتى
بأفعال تصح معها الصلاة بعضها فرض وبعضها نفل
وهو يجهل الفرض من السنة أو يعتقد الجميع فرضا
صحت صلاته إجماعا
فرع: الخشوع وهو ما يتعلق بالقلب سنة ذكره
المؤلف وجمع وذكر الشيخ وجيه الدين أنه واجب
قال في الفروع مراده والله أعلم
(1/447)
وسنن الأقوال
اثنا عشر الاستفتاح والتعوذ وقراءة بسم الله
الرحمن الرحيم وقول آمين وقراءة السورة والجهر
والإخفات وقول ملء السماء بعد التحميد وما زاد
على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود وعلى
المرة في سؤال المغفرة والتعوذ في التشهد
الأخير والقنوت في الوتر
ـــــــ
في بعضها وإن أراد في كلها فإن لم تبطل بتركه
فخلاف قاعدة ترك الواجب وإن أبطل به فخلاف
الإجماع وكلاهما خلاف الأخبار.
فائدة : من علم بطلان صلاته ومضى فيها أدب
لاستهزائه بها ذكره السامري ولا يكفر إذا صلى
محدثا بلا عذر متعمدا في قول الجماهير لأن
الكفر بالاعتقاد وهذا اعتقاد صحيح.
"وسنن الأقوال" هذا بيان القسم الثاني أو
الثالث "اثنا عشر" كذا في الكافي وغيره
"الاستفتاح والتعوذ وقراءة بسم الله الرحمن
الرحيم وقول آمين وقراءة السورة" وقد سبق
ذكرها.
"والجهر والإخفات" حكاه ابن هبيرة اتفاقا وقيل
واجبان وقيل الإخفات فقط وإن نسي فجهر فيما
يسر فيه بنى على قراءته سرا.
وإن أسر فيما يجهر فيه بنى على قراءته سرا
وعنه يستأنفها جهرا وإن كان فرغ من القراءة نص
عليه.
والفرق أن الجهر زيادة حصل بها المقصود وزيادة
فلا حاجة إلى إعادته والإسرار نقص فاتت به سنة
مقصودة وهو إسماع المأموم القراءة وقد أمكنه
الإتيان بها فينبغي أن يأتي بها.
"وقول ملء السماء بعد التحميد" لغير مأموم
"وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع
والسجود وعلى المرة في سؤال المغفرة والتعوذ
في التشهد الأخير والقنوت في الوتر" لما تقدم
في مواضعه
وعنه واجبة وفيه شيء وكذا يسن الدعاء في
التشهد الأخير وغير
(1/448)
فهذه لا تبطل
الصلاة بتركها ولا يجب السجود لها وهل يشرع
على روايتين وما سوى هذا من سنن الأفعال
ـــــــ
التعوذ ذكره أبو الخطاب في هدايته وعد من سنن
الأقوال السجود على أنفه وجلسة الاستراحة
والتسليمة الثانية في رواية
ومن سنن الأفعال الجهر والإخفات بالقراءة
وبآمين وهو بعيد "فهذه لا تبطل الصلاة بتركها"
لأنها غير واجبة فلا تبطل بتركها كمسنونات
الحج "ولا يجب السجود لها" لأن فعلها غير واجب
فجبرها أولى لكن يكره تركها
"وهل يشرع؟ على روايتين" إحداهما يشرع قدمه
ابن تميم وابن حمدان قال في الشرح لكل سهو
سجدتان رواه أحمد من حديث ثوبان ورواه ابن
ماجة حدثنا هشام بن عمار وعثمان بن أبي شيبة
قالا حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن
عبيد عن زهير بن سالم العنسي عن عبد الرحمن بن
جبير بن نفير عن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "لكل سهو سجدتان بعد ما
يسلم" وإسماعيل روايته عن الشاميين حجة
ورواه أحمد حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل
فذكره ولأن السجود جبران فشرع ليجبر ما فات
والثانية لا يشرع وهي ظاهر الوجيز لأن تركها
عمدا لا يبطل الصلاة فلم يشرع لسهوها سجود
كسنن الأفعال
ولأن السجود زيادة في الصلاة فلم يجز إلا
بتوقيف "وما سوى هذا من سنن الأفعال" وتسمى
هيآتها كرفع يديه عند الإحرام والركوع والرفع
منه ووضع اليمنى على اليسرى والنظر إلى موضع
سجوده ووضع اليدين على الركبتين في الركوع
والتجافي فيه وفي السجود ومد الظهر معتدلا
وجعله حيال رأسه والبداءة بوضع الركبتين قبل
اليدين في السجود وعكسه في القيام منه.
(1/449)
لا تبطل الصلاة
بتركها ولا يشرع السجود لها
ـــــــ
وفي التشهد الأول والتفريق بين ركبتيه في
السجود ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة مستقبلا
بهما القبلة ونصب قدميه وفتخ أصابعهما في
السجود والجلوس والافتراش بين السجدتين
وفي التشهد الأول والتورك في الثاني ووضع
اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلقة
والإشارة بالسبابة ووضع اليسرى على الفخذ
اليسرى مبسوطة والالتفات في السلام عن يمينه
ويساره والسجود على الأنف وجلسة الاستراحة
ونية الخروج منها في سلامه على ما سبق "لا
تبطل الصلاة بتركها" لأنها سنة
"ولا يشرع السجود لها" نصره واختاره الأكثر
لأنه لا يمكن التحرز من تركها لكثرتها فلو شرع
السجود لم تخل صلاة من سجود في الغالب وبه
يفرق بينها وبين سنن الأقوال وذكر جماعة منهم
أبو الخطاب الروايتين فيهما فعلى هذا لا فرق
وقدم ابن تميم وابن حمدان أنه يشرع كالأول
فإذا قلنا لا يسجد فسجد لم تبطل صلاته نص عليه
.
(1/450)
باب سجود السهو
ولا يشرع في العمد ويشرع للسهو في زيادة ونقص
وشك
ـــــــ
باب سجود السهو
قال صاحب المشارق السهو في الصلاة النسيان
فيها وقيل هو الغفلة وقيل النسيان عدم ذكر ما
قد كان مذكورا والسهو ذهول وغفلة عما كان
مذكورا وعما لم يكن.
فعلى هذا هو أعم من النسيان ولا مرية في
مشروعية سجود السهو.
قال الإمام أحمد "يحفظ عن النبي صلى الله عليه
وسلم خمسة أشياء سلم من اثنتين فسجد وسلم من
ثلاث فسجد وفي الزيادة والنقصان قام من انثتين
ولم يتشهد".
وقال الخطابي المعتمد عليه عند أهل العلم هذه
الأحاديث الخمسة يعني حديثي ابن مسعود وأبي
سعيد وأبي هريرة وابن بحينة.
"ولا يشرع في العمد" ذكره الأصحاب لقوله عليه
السلام: "إذا سها أحدكم فليسجد" فعلق السجود
على السهو لأنه شرع جبرانا والعامد لا يعذر
ولا ينجبر خلل صلاته بسجوده بخلاف الساهي
ولذلك أضيف السجود إلى السهو.
وقال الشافعي يسجد لترك القنوت والتشهد
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأن
ما تعلق الجبر بسهوه تعلق بعمده كجبران الحج
وجوابه بأنه يبطل بزيادة ركن.
"ويشرع للسهو في زيادة ونقص وشك" لأن الشرع
إنما ورد به في ذلك فدل أن حديث النفس لا يشرع
له سجود لعدم الاحتراز منه وهو معفو عنه
"للنافلة والفرض" في قول أكثر أهل العلم
للأخبار الواردة فيه ولأنها صلاة
(1/451)
فأما الزيادة
فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا
أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت الصلاة وإن كان
سهوا سجد له
ـــــــ
ذات ركوع وسجود فشرع لها السجود كالفريضة.
ويستثنى منه صلاة الجنازة لأنه لا سجود في
صلبها ففي جبرها أولى ولا في سجدة تلاوة لأنه
لو شرع كان الجبر زائدا على الأصل أو شكرا
ونظر إلى شيء يلهي.
وعنه يسجد في ذلك كله ذكره ابن تميم قال ابن
حمدان استحبابا ولا يسجد لسهو في سجدتي السهو
نص عليه وهو إجماع حكاه إسحاق لأنه يفضي إلى
التسلسل وكذا إن سها بعدهما قبل السلام وكثرة
سهو حتى يصير كوسواس ذكره ابن أبي موسى.
"فأما الزيادة" هذا شروع في بيان تفصيل
الأحوال الثلاثة وحكمها ثم هي تنقسم إلى قسمين
زيادة أقوال وزيادة أفعال وزيادة الأفعال
قسمان أحدهما قوله "فمتى زاد فعلا من جنس
الصلاة قياما" أي يقوم في موضع جلوس "أو
قعودا" أي يقعد في موضع قيام "أو ركوعا أو
سجودا عمدا بطلت الصلاة" إجماعا قاله في الشرح
لأنه بها يخل بنظم الصلاة ويغير هيأتها فلم
تكن صلاة ولا فاعلها مصليا.
"وإن كان سهوا سجد له قليلا" كان أو كثيرا
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود "
فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد
سجدتين" رواه مسلم ولأن الزيادة سهو فيدخل في
قول الصحابي سها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسجد بل هي نقص في المعنى فشرع لها السجود
لينجبر النقص لكن متى ذكر عاد إلى ترتيب
الصلاة بغير تكبير.
قال جماعة إن زاد عقيب ركعة جلوسا يسيرا زاد
جمع بقدر جلسة الاستراحة فهل يسجد لسهوه ويبطل
عمده فيه وجهان وفي التلخيص إن جلس عن قيام
ولم يتشهد ثم ذكر ولم يسجد للسهو قال القاضي:
(1/452)
وإن زاد ركعة
فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها وإن علم فيها
جلس في الحال وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم.
ـــــــ
سواء كان بقدر جلسة الاستراحة أو أطول لأن
صفتها تخالف صفة الجلوس للتشهد وقياس المذهب
أنه إن كان يسيرا لا يسجد لأنه لا يبطل عمده
الصلاة ولا وجه لما ذكره القاضي إلا إذا قلنا
تجبر الهيآت بالسجود ولهذا علل بتغاير
القعودين في الكيفية وقيل إن قام إلى خامسة في
رباعية وبطل فرضه وتصير نفلا وفيه نظر.
مسألة: إذا رفع رأسه من السجود يجلس للاستراحة
وكان موضع جلوسه للفصل أو التشهد ثم ذكر أتى
بذلك ولا سجود عليه.
ولو جلس للتشهد قبل السجود سجد كذلك وإن جلس
للفصل فظنه التشهد وطوله لم يجب السجود.
ولو نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان ويسجد
للسهو.
وإن قام أو سجد فيها إكراما لإنسان بطلت.
"وإن زاد ركعة" لخامسة في الرباعية أو رابعة
في المغرب أو ثالثة في الفجر "فلم يعلم حتى
فرغ منها سجد لها" لما روى ابن مسعود "أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا فلما انفتل
قالوا إنك صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم
سلم" متفق عليه وفي رواية قال: "إنما أنا بشر
أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتي
السهو" رواه مسلم.
"وإن علم" بالزيادة "فيها" أي في الركعة "جلس
في الحال" بغير تكبير نص عليه لأنه لو لم يجلس
لزاد في الصلاة عمدا وذلك مبطل لها "وتشهد إن
لم يكن تشهد" لأنه ركن لم يأت به "وسجد" للسهو
لقوله عليه السلام "من زاد أو نقص فليسجد
سجدتين".
"وسلم" لتكمل صلاته وظاهره أنه إذا كان قد
تشهد فإنه يسجد
(1/453)
وإن سبح به
أثنان لزمه الرجوع
ـــــــ
و يسلم وفي الشرح وغيره إن كان تشهد ولم يصل
على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد
للسهو ثم سلم.
تنبيه: إذا قام إلى ثالثة نهارا وقد نوى
ركعتين نفلا رجع إن شاء وسجد للسهو وله أن
يتمها أربعا ذكره في الشرح ولا يسجد وهو أفضل
وإن كان ليلا وكما لو قام إلى ثالثة في الفجر
نص عليه لأنها صلاة شرعت ركعتين أشبهت الفجر.
وإن سبح به وفي الفروع نبه وهو أولى لشموله
اثنان ثقتان فأكثر ويلزمهم تنبيهه.
وذكر صاحب النظم احتمالا في الفاسق كأذانه
وفيه نظر وفي المميز خلاف "لزمه الرجوع"
إليهما وظاهره سواء سبحا به إلى زيادة أو
نقصان وسواء قلنا يعمل بغلبة ظنه أولا وسواء
غلب على ظنه صوابهما أو خطؤهما نص عليه لأنه
عليه السلام رجع إلى قول أبي بكر وعمر وأمر
عليه السلام بتذكيره وعنه يستحب ذكرها القاضي
وعليها يعمل بيقينه أو الحري لا أنه لا يرجع.
وظاهره أنه لا يرجع إلى ثقة نص عليه لأنه عليه
السلام لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده وقيل
يرجع إليه في زيادة لا مطلقا واختار أبو محمد
الجوزي يرجع إلى واحد يظن صدقه قال في الفروع
ولعل المراد ما ذكره الشيخ إن ظن صدقه عمل
بظنه لا بتسبيحه لكن أطلق أحمد أنه لا يرجع
إليه وظاهر ما ذكروه أن المرأة كالرجل في هذا
وإلا لم يكن في تنبيهها فائدة ولما كره
تنبيهها بالتسبيح ونحوه ظاهره أنه يلزمه
الرجوع إليهما ولو تيقن صواب نفسه وهو قول أبي
الخطاب وذكره الحلواني رواية كالحاكم بحكم
بالشاهدين ويترك يقين نفسه والمذهب أنه لا
يلزمه الرجوع إليهما حينئذ ؛
(1/454)
فإن لم يرجع
بطلت صلاته وصلاة من أتبعه عالما فإن فارق
ـــــــ
لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين مقدم عليه.
وأجاب في المغني والشرح بأنه علم خطأهما فلا
يرجع إليهما فيه وكذا يقول في الشاهدين متى
علم الحاكم كذبهما أو غلطهما لم يجز الحكم
بشهادتهما ولا أظن أبا الخطاب يمنع من ذلك
ومراده ما قاله القاضي يترك الإمام اليقين
ومراده الأصل.
قال كالحاكم يرجع إلى الشهود ويترك الأصل
واليقين وهو براءة الذمم وكذا شهادتهما برؤية
لهلال يرجع إليهما ويترك الأصل واليقين وهو
بقاء الشهر.
فرع إذا اختلف الجماعة عليه سقط قولهم
كالبينتين إذا تعارضتا ويعمل بغلبة ظنه وفي
وجه وذكر في الوسيلة أنه أشبه بالمذهب أنه
يرجع إلى من وافقه وقال ابن حامد يرجع إلى قول
من أثبت الخطأ ويرجع منفرد إلى يقين وقيل لا
لأن من في الصلاة أشد تحفظا قال القاضي والأول
أشبه بكلام أحمد في الطواف.
"فإن لم يرجع" الإمام في موضع يلزمه الرجوع
"بطلت صلاته" نص عليه وجزم به الأصحاب لأنه
ترك الواجب عمدا "وصلاة من اتبعه عالما" على
الأصح فيهما لأنه اقتدى بمن يعلم بطلان صلاته
كما لو اقتدى بمن يعلم حدثه "فإن فارق" وسلم
صحت صلاته في أصح الروايات واختاره الأكثر
لأنه فارقه لعذر أشبه من فارق إمامه إذا سبقه
الحدث.
وعنه ينتظره ليسلم معه وجوبا وعنه استحبابا
وعنه يجب متابعته فيها وعنه يخبر المأموم في
انتظاره أو اتباعه وعنه تبطل في الكل ومعنى
الإبطال أنها تخرج أن تكون فرضا بل يسلم عقب
الرابعة وتكون لهم نفلا ذكره في الفصول عن
الأصحاب.
(1/455)
أو كان جاهلا
لم تبطل والعمل المستكثر في العادة من غير جنس
الصلاة يبطلها عمده وسهوه ولا تبطل باليسير
ولا يشرع له سجود وإن أكل أو شرب عمدا بطلت
صلاته قل أو كثر
ـــــــ
"أو كان" متبعه "جاهلا" وساهيا "لم تبطل" على
الأصح لأن الصحابة تابعوا النبي صلى الله عليه
وسلم في الخامسة في حديث ابن مسعود ولم تبطل
صلاتهم وتابعوه أيضا في حديث ذي اليدين ولم
يأمرهم بالإعادة
تنبيه: إذا أدركه مسبوق فيها انعقدت صلاته
واعتد بها قدمه ابن تميم وقاله القاضي بناء
على اقتداء المفترض بالمتنفل
والمذهب المنصوص عليه أنه لا يعتد بها لأنها
سهو وغلط وعنه الوقف نقلها أبو الحارث والأول
نصره المؤلف وهذا إذا لم يعلم بأنها زائدة فإن
علم لم يدخل معه مفترض وكذا لا يدخل معه في
سجود سهو بعد السلام على الأصح
"والعمل المستكثر في العادة" هذا شروع في بيان
القسم الثاني في زيادة الأفعال "من غيرجنس
الصلاة" لغير حاجة كالمشي والتروح ونحوهما
"يبطلها عمده وسهوه" لما فيه من قطع الموالاة
بين الأركان ما لم يكن ضرورة
"ولا تبطل باليسير" لحمل أمامة وفتح الباب
لعائشة وقد علم منه أن المرجع فيهما إلى العرف
وذكره في المستوعب و الشرح
"ولا يشرع له سجود" لعدم سجوده عليه السلام له
"وإن أكل أو شرب عمدا بطلت صلاته قل أو كثر"
لأنه عمل من غير جنس الصلاة فاستوى كثيره
وقليله كالجماع
وظاهره لا فرق بين الفرض والنفل وهو إجماع من
يحفظ عنه في الفرض لأنهما ينافيان الصلاة إلا
ما حكاه في الرعاية قولا أنها لا تبطل بيسير
شرب لكنه غير معروف .
(1/456)
وإن كان سهواً
لم تبطل إذا كان يسيراً
ـــــــ
وكذا النفل قدمه جماعة وذكر في الشرح أنه
الصحيح من المذهب وبه قال أكثرهم لأن ما أبطل
الفرض أبطل النفل كسائر المبطلات.
وعنه لا إذا كان يسيرا كغيرهما وعنه لا تبطل
بالشرب فقط لما روي أن ابن الزبير وسعيد بن
جبير شربا في التطوع.
قال الخلال سهل أبو عبد الله في ذلك وذكر ابن
هبيرة أنه المشهور عنه لأن مد النفل وإطالته
مستحبة مطلوبة فيحتاج معه كثيرا إلى جرعة
العطش كما سومح به جالسا وعلى الراحلة.
"وإن كان" الأكل أو الشرب "سهوا" أو جهلا ولم
يذكره جماعة لم تبطل إذا كان يسيرا كذا ذكره
معظم الأصحاب لأن تركهما عماد الصوم وركنه
الأصلي وفواته اقتضاء لإبطاله من إبطاله
الصلاة فإذا لم تؤثر فيه حالة السهو فالصلاة
أولى وكالسلام.
قال في الكافي فعلى هذا يسجد لأنه يبطل الصلاة
بعمده وعفي عن سهوه فيسجد له لجتس الصلاة وعنه
تبطل به وهو قول الأوزاعي وقدمه في الكافي
لأنه من غيرجنس الصلاة فاستوى سهوه وعمده
كالكثير وقيل تبطل بالأكل فقط وظاهره أنها
تبطل به إذا كان كثيرا بغير خلاف قاله في
الشرح لأن غيرهما يبطلها إذا كثر فهما أولى.
وقيل الفرض وحده قاله في الرعاية والمذهب أنها
لا تبطل بيسير شرب عرفا في نفل ولو عمدا.
وظاهر ما في المستوعب و التلخيص أن الفرض
والنفل لا يبطل بكثير ذلك سهوا.
تنبيه : إذا ترك بفيه سكرا ونحوه وبلع ما ذاب
فهو كالأكل وكما لو فتح فاه فنزل فيه ماء
المطر فابتلعه وقيل لا يبطل فيهما وإن بقي بين
أسنانه بقية.
(1/457)
وإن أتى بقول
مشروع في غيرموضعه عمدا كالقراءة في السجود
والقعود والتشهد في القيام وقراءة السورة في
الأخريين لم تبطل به ولا يجب السجود لسهوه وهل
يشرع على روايتين
ـــــــ
طعام يجري به ريقه فبلعه أو ازدرده بلا مضغ أو
ترك بفمه لقمة لم يمضغها ولم يبتلعها لم تبطل
للمشقة ولأنه عمل يسير لكنه يكره ذكره جمع
لأنه يشغله عن خشوع الصلاة.
فإن لاكها فهو كالعمل إن كثر تبطل وإلا فلا
ذكره في الكافي و الرعاية وقال في الروضة ما
أمكن إزالته بطلت بابتلاعه.
"وإن أتى" شرع في بيان زيادة الأقوال وهي
قسمان أحدهما ما يبطل عمده الصلاة كالسلام
وكلام الآدميين وسيأتي والثاني ما لا يبطلها
مطلقا وهو المراد بقوله "بقول مشروع في غير
موضعه" عمدا سوى السلام قاله في الوجيز و
الفروع وهو مراد من أطلق "كالقراءة في السجود
والقعود والتشهد في القيام وقراءة السورة في
الأخريين لم تبطل به" نص عليه لأنه مشروع في
الصلاة في الجملة.
وقيل تبطل به ذكره ابن الجوزي في مسبوكه وقاله
ابن حامد وأبو الفرج في قراءته راكعا أو ساجدا
فعلى هذا يجب السجود لسهوه و على الأول "لا
يجب السجود لسهوه" كسائر ما لا يبطل عمده
الصلاة.
"وهل يشرع؟ على روايتين" إحداهما يشرع صححه في
الوسيلة و الرعاية و الفروع ونصره جماعة فعلى
هذا هو مستحب وجزم به في الوجيز لعموم قوله
عليه السلام "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين"
والثانية لا يشرع قدمها في المغني لأنها لا
تبطل بعمده فلم يشرع السجود لسهوه كترك سنن
الأفعال.
وظاهره أنه إذا أتى بذكر أو دعاء متعمدا لم
يرد الشرع به فيها كقول:
(1/458)
وإن سلم قبل
إتمام صلاته عمدا أبطلها وإن كان سهوا ثم ذكر
قريبا أتمها وسجد
ـــــــ
آمين رب العالمين وفي التكبير الله أكبر كبيرا
أنه لا يشرع له سجود وجزم به في المغني و
الشرح لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
سمع رجلا يقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى فلم يأمره
بالسجود وفيه وجه أنها تبطل به ذكره ابن
الجوزي وفيه بعد.
"وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها" لأنه
تكلم فيها والباقي منها إما ركن أو واجب
وكلاهما تبطل الصلاة بتركه عمدا.
"وإن كان" السلام سهوا لم تبطل به رواية واحدة
قاله في المغني لأنه عليه السلام هو وأصحابه
فعلوه وبنوا على صلاتهم لأن جنسه مشروع فيها
أشبه الزيادة فيها من جنسها "ثم ذكر قريبا
أتمها" زاد غير واحد وإن انحرف عن القبلة أو
خرج من المسجد نص عليه "وسجد" لما روى ابن
سيرين عن أبي هريرة قال "صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي" قال ابن
سيرين قد سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا فصلى
بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في
المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده
اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده
الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من
أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم
أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل
في يده طول يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول
الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال لم أنس ولم
تقصر فقال كما يقول ذو اليدين فقالوا نعم
فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل
سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه
بم سلم فيقول نبئت أن عمران بن حصين قال ثم
سلم " متفق عليه ولفظه للبخاري.
لكن إن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض
إلى الإتيان بما بقي عليه
(1/459)
فإن طال الفصل
أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت
ـــــــ
من جلوس لأن هذا القيام واجب للصلاة فلزمه
الإتيان به مع النية وشرط الإتمام استمرار
الطهارة فلو أحدث استأنفها.
"فإن طال الفصل" بطلت في قول الجمهور لأنها
صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول
الفصل ولتعذر البناء معه ويرجع فيه إلى العرف.
قال في المغني و الشرح والمقاربة لمثل حاله
عليه السلام في خبر ذي اليدين إذ لم يرد
بتحديده نص وقيل قدر ركعة طويلة قاله القاضي
في الجامع وقيل قدر الصلاة التي هو فيها وقيل
مادام في المسجد لأنه محل للصلاة.
تنبيه : إذا لم يذكر المتروك حتى شرع في صلاة
غيرها فإن طال الفصل بطلت وإن لم يطل عاد إلى
الأولى وأتمها
وعنه يستأنفها اقتصر عليه في الكافي لتضمن
عمله قطع نيتها.
وعنه يستأنفها إن كان ما شرع فيه نفلا وذكر في
المبهج يكمل الأولى من الثانية نفلا كانت أو
فرضا لأنه سهو معذور فيه وفي الفصول فيما إذا
كانتا صلاتي جمع أتمها ثم سجد عقبيها للسهو عن
الأولى لأنهما كصلاة واحدة ولم يخرج من المسجد
والأول المذهب لأنه عمل عملا من جنس الصلاة
سهوا فلم تبطل كما لو زاد ركعة
وأما إتمام الأولى بالثانية فلا يصح لأنه قد
خرج من الأولى بالسلام ونية الخروج منها ولم
ينوها بعد ذلك ونية غيرها لا تجزئ عن نيتها
كحالة الابتداء "أو تكلم" في هذه الحال أي إذا
سلم يظن أن صلاته قد تمت "لغير مصلحة" الصلاة
كقوله يا غلام اسقني ماء ونحوه "بطلت" نص عليه
في رواية جماعة.
وهو المذهب لما روى معاوية بن الحكم أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إن صلاتنا هذه لا
يصلح فيها شيء من كلام الناس" رواه مسلم وأبو
داود وقال لا يحل
(1/460)
وإن تكلم
لمصلحتها ففيه ثلاث روايات إحداهن تبطل
والثانية لا تبطل والثالثة تبطل صلاة المأموم
دون الإمام اختارها الخرقي
ـــــــ
مكان لا يصلح
وعنه لا تفسد بالكلام في هذه الحال لأنه نوع
من النسيان أشبه المتكلم جاهلا وأطلق جمع
الخلاف "وإن تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات
إحداهن تبطل مطلقا" اختارها الخلال وصاحبه
وقدمها في المحرر و الرعاية وصححها جماعة وهي
اختيار أكثر الأصحاب لما روى زيد بن أرقم قال
كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو
إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا
لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا
بالسكوت ونهينا عن الكلام متفق عليه.
وللترمذي فيه "كنا نتكلم خلف رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصلاة" وزيد مدني وهو يدل
على أن نسخ الكلام كان بالمدينة ويعضده حديث
معاوية.
"والثانية لا تبطل" مطلقا نص عليه في رواية
جماعة وقدمه ابن تميم وذكر المؤلف أنه الأولى
وصححه في الشرح لأن النبي صلى الله عليه وسلم
وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا وبنوا على
صلاتهم فعلى هذا إن أمكنه استصلاح الصلاة
بإشارة ونحوها فتكلم فذكر في المذهب وغيره
أنها تبطل.
وعنه إن تكلم لمصلحتها سهوا لم تبطل وإلا بطلت
قال في المحرر وهو أصح عندي لأن النهي عام
وإنما ورد في حال السهو فيختص به ويبقى في
غيره على الأصل.
"والثالثة تبطل صلاة المأموم" لأنه لا يمكنه
التأسي بالخليفتين فإنهما كانا مجيبين للنبي
صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة بالنص ولا
بذي اليدين لأنه تكلم سائلا عن قصر الصلاة في
وقت يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره "دون الإمام
اختارها الخرقي" لأن له أسوة بالنبي صلى الله
عليه وسلم فإنه كان إماما وتكلم وبنى على
(1/461)
إن تكلم في صلب
الصلاة بطلت
ـــــــ
صلاته.
فعلى هذه المنفرد كالمأموم ذكره في الرعاية
وهو ظاهر المحرر وظاهره أن الخلاف جار بمن ظن
تمام ثم تكلم واختاره جمع وقال القاضي والمجد
هو على الإطلاق وصححه ابن تميم وقدمه في
الرعاية لأن الكلام هنا قد يكون أشد كإمام نسي
القراءة ونحوها فإنه يحتاج أن يأتي بركعة فلا
بد له من إعلام المأموم.
والكلام غير المبطل ما كان يسيرا فإن كثر وطال
أبطل اختاره الشيخان والقاضي زاعما أنه رواية
واحدة لأن الأحاديث المانعة من الكلام عامة
تركت في اليسير للأخبار فيبقى ما عداه على
مقتضى العموم.
وقيل لا تبطل وهو ظاهر كلامه واختاره القاضي
في الجامع الكبير لأن ما عفي عنه بالنسيان
استوى قليله وكثيره كالأكل في الصوم.
مسألة: لا بأس بالسلام على المصلي نص عليه
وفعله ابن عمر لقوله تعالى {فَإِذَا
دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] أي على أهل دينكم
وعنه يكره وهي قول ابن عقيل وقدمها في الرعاية
وقاله الشعبي وعطاء وأبو مجلز لأنه ربما غلط
فرد بالكلام.
وعنه يكره في فرض وقيل لا يكره إن عرف كيفية
الرد وإن كثر ذلك عرفا بلا ضرورة وإن رده لفظا
بطلت لأنه كلام آدمي أشبه تشميت العاطس ويرده
إشارة لفعله عليه السلام رواه أبو داود
والترمذي وصححه ولا يجب في الأصح.
وعنه يكره وعنه في فرض ولا يرده في نفسه بل
يستحب بعدها لرده عليه السلام على ابن مسعود
بعد السلام ولو صافح إنسانا يريد السلام عليه
لم تبطل.
"وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت" اعلم أن الكلام
فيها ينقسم إلى أقسام.
(1/462)
وعنه لا تبطل
إذا كان ساهيا أو جاهلاً ويسجد له
ـــــــ
أحدها : أن يتكلم عمدا عالماأنه فيها مع علمه
بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب
ذلك بطلت إجماعا حكاه ابن المنذر لما روى ابن
مسعود قال "كنا نسلم على النبي صلى الله عليه
وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ثم قال "إن في
الصلاة لشغلا" متفق عليه
وفي لفظ لأبي داود قال "فلما قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم الصلاة قال إن الله يحدث
من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا
تكلموا فيها" وأبعد في الرعاية فحكى قولا أنها
لا تبطل بكلام يسير
والثاني : أن يتكلم ساهيا وهو مبطل لها في قول
الأكثر للعموم
"وعنه لا تبطل إذا كان ساهيا" قدمه أبو الحسين
وابن تميم ونصره في التحقيق ولا فرق بين أن
يتكلم ساهيا أنه في صلاة أو يظن أن صلاته قد
تمت فيسلم أو جاهلا ويسجد له ويتكلم "أو
جاهلا" ذكره المؤلف وصاحب التلخيص لأنه عليه
السلام لم يأمر معاوية حين شمت العاطس جهلا
بتحريمه بالإعادة والساهي مثله لأن ما عذر فيه
بالجهل عذر فيه بالنسيان
وظاهره أنه لا فرق بين الجاهل بتحريم الكلام
أو الإبطال به
قال القاضي في الجامع لا أعرف عن أحمد نصا في
الجاهل بتحريم الكلام وألحق بعض أصحابنا
الحديث العهد بالإسلام به وفيه وجه لا تبطل
بحال ذكره في المغني احتمالا
لما روى أبو هريرة أن أعرابيا قال وهو في
الصلاة "اللهم ارحمني ومحمدا ولاترحم معنا
أحدا فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم
بالإعادة" رواه البخاري ثم قال والأولى أن
يخرج هذا على الروايتين في الناسي لأنه معذور
بمثله
الثالث : أن يتكلم جاهلا وقد ذكر
"ويسجد له" لعموم الأحاديث ولان عمده يبطلها
فوجب السجود
(1/463)
................................
ـــــــ
لسهوه كترك الواجبات لا يقال لم يأمر معاوية
بالسجود فكيف يسجد لأنه كان مأموما والإمام
يتحمل عنه سهوه
الرابع: أن يتكلم مغلوبا عليه وهو أنواع:
أحدها : أن تخرج الحروف بغير اختياره كما لو
غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب فبان حرفان أو سبق
لسانه حال قراءته إلى كلمة أخرى غيرالقرآن لم
تبطل نص عليه لأنه لا يمكنه التحرز منه وقيل
هو كالناسي.
الثاني : أن ينام فيتكلم فقد توقف أحمد عن
الجواب عنه والأولى أنها لا تبطل به لرفع
القلم عنه ولعدم صحة إقراره وعتقه.
الثالث : أن يكره على الكلام فصحح في المغني
الإبطال به وذكره ابن شهاب كما لو أكره على
زيادة ركن أو ركعة وذكر في التلخيص أنه
كالناسي لقوله عليه السلام "رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه" قال القاضي هو
أولى منه بالعفو وصحة الصلاة نصره في التحقيق
لأن الفعل غيرمنسوب إليه بدليل أنه لو أكره
على إتلاف مال لم يضمنه والناسي يضمن ما أتلفه
والأول أولى لأن النسيان يكثر بخلاف الإكراه.
الرابع : أن يتكلم بكلام واجب مثل أن يخشى على
ضرير أو صبي الوقوع في هلكة أو يرى حية تقصد
غافلا أو نارا يخاف أن تشتعل في شيء ولا يمكنه
التنبيه بالتسبيح فقال أصحابنا تبطل به لما
سبق وقيل لا وهو ظاهر كلام أحمد وصححه في
الرعاية لقصة ذي اليدين وقيل هو كالناسي.
وذكر ابن تميم وغيره أنه متى أمكن استغناؤه
بإشارة لم يجز أن يتكلم ولا يتكلم بزيادة على
حاجته وحاصله: أن المبطل منه ما كان على حرفين
كقوله أب ودم أي ظاهرا لأنه لا تنتظم كلمة من
أقل منهما فلو قال لا فسدت صلاته ؛
(1/464)
وإن قهقه أو
نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إلا ما
كان من خشية الله تعالى
ـــــــ
لأنها لام وألف
"وإن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو
كالكلام إلا ما كان من خشية الله تعالى" وفيه
مسائل:
الأولى : إذا قهقه وهي ضحكة معروفة فإن قال قه
قه فالأظهر أنها تبطل به وإن لم يبن حرفان
ذكره في المغني وقدمه الأكثر كالمتن وحكاه ابن
المنذر إجماعا لما روى جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض
الوضوء" رواه الدارقطني بإسناد فيه ضعف ولأنه
تعمد فيها بما ينافيها أشبه خطاب الآدمي
وظاهره: أنها لا تفسد بالتبسم وهو قول الأكثر
حكاه ابن المنذر
الثانية : إذا نفخ فيها فهو كالكلام إذا بان
حرفان ذكره في المذهب و الوجيز وصححه المؤلف
لما روي عن ابن عباس قال من نفخ في صلاته فقد
تكلم رواه سعيد وعن أبي هريرة نحوه لكن قال
ابن المنذر لا يثبت عنهما
وعنه: تبطل مطلقا لظاهر ما ذكرنا وعنه عكسها
روي عن جماعة منهم ابن مسعود وقيل لقدامة بن
عبد الله نتأذى بريش الحمام إذا سجدنا فقال
انفخوا رواه البيهقي بإسناد حسن وقدامة صحابي
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه
وسلم "نفخ في صلاة الكسوف" رواه أحمد وأبو
داود بإسناد حسن والبخاري تعليقا وكالحرف
الواحد والأولى حمله على ما إذا لم ينتظم
حرفان فإن انتظم بطلت
الثالثة : إذا انتحب بأن رفع صوته بالبكاء من
غير خشية كالكلام إذا بان حرفان لانه من جنس
كلام الآدميين وظاهره لا فرق بين ما غلب صاحبه
وما لم يغلبه لكن قال في المغني و النهاية إنه
إذا غلب صاحبه
(1/465)
........................................
ـــــــ
لم يضره لكونه غير داخل في وسعه ولم يحكيا فيه
خلافا
قوله فهو كالكلام أي يبطل إن كان عمدا وإن كان
ساهيا أو جاهلا خرج على الروايتين
الرابعة : إذا انتحب من خشية الله تعالى أنه
لا يضر لما روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن
أبيه قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء"
رواه أحمد وأبو داود
قال أحمد كان عمر يبكي حتى يسمع له نشيج وذكره
البخاري عن عبد الله بن شداد أنه سمعه وهو في
آخر الصفوف.
وظاهره وإن لم يكن عن غلبة وقاله القاضي وأبو
الخطاب وصححه ابن تميم وهو ظاهر كلام الأكثر
لأن الله تعالى مدح الباكين فقال {خَرُّوا
سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم: 58]
{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ}
[الإسراء: 109] وهو عام فيما تضمن حرفا أو
حروفا ولأنه ذكر ودعاء ولهذا مدح إبراهيم فقال
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
[التوبة: 114] وفي التفسير أنه كان يتأوه خوفا
من الله تعالى.
والثاني: تبطل ذكره المؤلف أنه الأشبه بأصول
أحمد لعموم النصوص والمدح على البكاء لا يخصصه
كرد السلام وتشميت العاطس وكما لو لم يكن من
خشية لأنه يقع على الهجاء ويدل بنفسه على
المعنى كالكلام وإن استدعى البكاء كره كالضحك
وإلا فلا.
فرع : إذا تأوه أو أن فبان حرفان من خوف الله
تعالى لم تبطل وإن كان عن غيرغلبة لأن الكلام
لا ينسب إليه ولا يتعلق به حكم من أحكام
الكلام فدل أنهما إذا ظهرا من بكاء أو بصاق أو
تثاؤب أو سعال لا من خشية الله تعالى أنها
تبطل.
قال في المستوعب وغيره إذا قلنا إن الكلام
ناسيا لا تبطل الصلاة به , فما
(1/466)
وقال أصحابنا
في النحنحة مثل ذلك وقد روي عن أبي عبد الله
أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة
للصلاة
فصل
وأما النقص فمتى ترك ركنا فذكره بعد شروعه في
قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها
ـــــــ
كان من هذه الأشياء غالبا لا تبطل به وإن بان
حرفان.
"وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك" أي هي
كالنفخ والقهقهة إن بان حرفان فسدت لأنه إذا
أبانهما كان متكلما أشبه ما لو أن.
"وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في
الصلاة" نقلها المروذي ومهنا "ولا يراها مبطلة
للصلاة" اختارها المؤلف ويعضده ما روى أحمد
وابن ماجه عن علي قال "كان لي مدخلان من رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار فإذا
دخلت عليه وهو يصلي يتنحنح لي" وللنسائي معناه
لا يدل بنفسه ولا مع لفظ غيره على معنى لكونها
حروفاً غير محققة كصوت أعقل ولا يسمى فاعلها
متكلما بخلاف النفخ والتأوه وأطلق في المحرر
الروايتين.
وقيل إن تنحنح لضرورة أو حاجة فبان حرفان
فوجهان وحمل الأصحاب ما روي عن الإمام أحمد
أنه لم يأت بحرفين ورده المؤلف بأن ظاهر حاله
أنه لم يعتبر ذلك لأن الحاجة تدعو إليها.
فصل
"وأما النقص فمتى ترك ركنا" ناسيا أوساهيا
غيرتكبيرة الإحرام أو النية إذا قلنا بركنيتها
"فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت"
الركعة "التي تركه منها" فقط نص عليه وجزم به
الأصحاب لأنه ترك ركنا ولم يمكن استدراكه
لتلبسه بالركعة التي بعدها فلغت ركعته وصارت
التي تشرع فيها
(1/467)
وإن ذكر قبل
ذلك عاد فأتى به
ـــــــ
عوضا عنها
ولا يعيد الاستفتاح نص عليه في رواية الأثرم
وقال الشافعي إن ذكر الركن المتروك قبل السجود
في الثانية فإنه يعود إلى السجدة الأولى وإن
ذكر بعد سجوده في الثانية وقعت عن الأولى لأن
الركعة قد صحت وما فعله في الثانية سهوا لا
يبطل كما لو ذكر قبل القراءة.
وذكر أحمد هذا القول فقر به إلا أنه اختار
الأول وذكره ابن تميم وغيره وجها والأول أقوى
لأن المزحوم في الجمعة إذا زال الزحام والإمام
راكع في الثانية فإنه يتبعه ويسجد معه ويكون
السجود من الثانية دون الأولى.
فعلى هذا إن كان الترك من الأولى صارت الثانية
أوليته والثالثة ثانيته والرابعة ثالثته ويأتي
بركعة وكذا القول في الثانية والثالثة
والرابعة فإن رجع عمدا مع علمه بطلت صلاته نص
عليه لتركه الواجب عمدا.
وظاهره: أنه لا يبطل ما مضى من الركعات قبل
المتروك ركنها وقال ابن الزاغوني بلى وبعده
ابن تميم وغيره.
"وإن ذكره قبل ذلك" أي قبل القراءة "عاد"
لزوما "فأتى به" أي بالمتروك نص عليه لكون
القيام غير مقصود في نفسه لأنه يلزم منه قدر
القراءة الواجبة وهي المقصودة ولانه أيضا ذكره
في موضعه كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة
فذكرها قبل السلام فإنه يأتي بها في الحال.
وقال في المبهج: من ترك ركنا ناسيا فلم يذكر
حتى شرع في ركن آخر بطلت تلك الركعة وذكره
بعضهم رواية.
فعلى الأول: إن لم يعد مع علمه بطلت صلاته وإن
كان سهوا أو جهلا لم تبطل لأنه فعل غير متعمد
أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك وتبطل تلك
(1/468)
وبما بعده وإن
كان بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة
ـــــــ
الركعة وقال أبو الخطاب إذا لم يعده لا يعتد
بما يفعله بعد المتروك فإن ذكر الركوع وقد جلس
أتى به وبما بعده.
فإن ذكر بعد أن قام من السجدة الثانية وكان
جلس للفصل أتى بالسجدة فقط ولم يجلس لأنه لم
يتركه وقيل بلى ثم يسجد وإلا جلس للفصل ثم
يسجد.
"و" يأتي معه "بما بعده" لوجوب الترتيب "وإن
كان بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة" كذا ذكره
جماعة منهم في المحرر لأن الركعة التي لغت
بترك ركنها غير معتد بها فوجودها كعدمها فإذا
سلم قبل ذكرها فقد سلم من نقص فإن طال الفصل
أو أحدث بطلت لفوات الموالاة كما لو ذكره في
يوم آخر وإن لم يطل بل كان عن قرب عرفا لم
تبطل وأتى بركعة.
وظاهره لو انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد
نص عليه ويسجد له قبل السلام نقله حرب بخلاف
ترك الركعة بتمامها وقال أبو الخطاب وجزم به
في التبصرة و التلخيص تبطل ونقله الأثرم وغيره
لأنه ترك ركن الصلاة ولم يمكنه استدراكه لكونه
خرج منها بالسلام والأول أولى كما لو كان
المتروك ركعة فإنه إجماع لخبر ذي اليدين.
لكن ذكر في المغني و الشرح إن كان المتروك
سلاما أتى به فحسب وإن كان تشهدا أتى به
وبالسلام وإن كان غيرهما أتى بركعة كاملة وهو
المنصوص وقيل يأتي بالركن وبما بعده قال ابن
تميم وهو أحسن وإن لم يعلم حتى شرع في صلاة
فقد سبق.
تنبيه : إذا ترك ركنا لا يعلم موضعه أو جهل
عين الركن المتروك بنى على الأحوط لئلا يخرج
من الصلاة وهو شاك فيها فيكون مغررا بها لقوله
عليه السلام "لا غرار في صلاة ولا تسليم" رواه
أبو داود قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن
تفسيره أما أنا فأرى أن لا يخرج منها إلا على
يقين أنها قد تمت فعلى
(1/469)
وإن نسي أربع
سجدات من أربع ركعات وذكر في التشهد سجد سجدة
فصحت له ركعة ويأتي بثلاث وعنه تبطل صلاته.
ـــــــ
هذا إذا ترك سجدة لا يعلم من الأولى أو
الثانية جعلها من الأولى وأتى بركعة.
وإن ترك سجدتين لا يعلم من ركعة أو ركعتين سجد
سجدة وحصلت له ركعة وإن ذكر بعد شروعه في
قراءة الثالثة لغت الأوليان فإن ترك ركنا لا
يعلم هل هو ركوع أو سجود جعله ركوعا وإن شك في
القراءة والركوع جعله قراءة وإن ترك اثنتين
متواليتين من الفاتحة جعلهما من ركعة وإن لم
يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين.
"وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في
التشهد سجد سجدة فصحت له ركعة ويأتي بثلاث"
نقله الجماعة وصححه في التلخيص وهو المذهب
لأنه قد بطل كل واحدة من الثلاث بشروعه في
التي بعدها وبقيت الرابعة ناقصة فيتمها بسجدة
فتصح وتصير أولاه ويأتي بالثلاث الباقية ثم
يتشهد ويسجد للسهو ويسلم.
وعنه تصح له ركعتان ويأتي بركعتين قال المؤلف
ويحتمل أن يكون هذا هو الصحيح لأن أحمد حكاه
عن الشافعي وقال هو أشبه من قول أبي حنيفة
وعنه لا يصح له سوى تكبيرة الإحرام فيبني
عليها "وعنه تبطل صلاته" وقاله إسحاق لأنه
يؤدي إلى التلاعب في الصلاة ويفضي إلى عمل
كثيرغيرمعتد به وهو ما بين التحريمة والركعة
الرابعة وبناه جماعة منهم صاحب الشرح على
المسألة قبلها فإن لم يذكر حتى سلم بطلت نص
عليه وذكره في المذهب و التلخيص رواية واحدة
لأن الركعة الأخيرة بطلت بسلامه وفيه وجه كما
لو لم يسلم وإن ذكر وقد قرأ في الخامسة فهي
أولاه ولغا ما قبلها ذكره في التلخيص وغيره
ولا يعيد الافتتاح وتشهده قبل سجدتي الأخيرة
زيادة فعلية وقبل السجدة
(1/470)
وإن نسي التشهد
الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما وإن
استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في
القراءة لم يجز له الرجوع.
ـــــــ
الثانية زيادة قولية.
"وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم
ينتصب قائما" كذا ذكره جماعة منهم صاحب المحرر
و الوجيز لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال "إذا قام أحدكم من
الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس وإذا استتم
قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو" رواه أحمد
وابو داود وابن ماجه من رواية جابر الجعفي وقد
تكلم فيه ولأنه أخل بواجب وذكره قبل الشروع في
ركن فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق أليتاه
الأرض.
وظاهره أنه يلزمه الرجوع سواء فارقت أليتاه
الأرض أو كان إلى القيام أقرب ويجب على مأموم
اعتدل متابعته.
"وإن استتم قائما" ولم يقرأ "لم يرجع وإن رجع
جاز" نص عليه وهو معنى ما في المحرر والمذهب و
التلخيص والكافي وذكر أنه قول الأصحاب كما لو
ذكره قبل الاعتدال ولأنه لم يتلبس بركن مقصود
لأن القيام ليس بمقصود في نفسه ولهذا جاز تركه
عند العجز بخلاف غيره من الأركان والأشهر يكره
رجوعه جزم به في الوجيز وذكره في الفروع وعنه
يمضي وجوبا صححه المؤلف لما تقدم من حديث
المغيرة ولان القيام ركن فلم يجز الرجوع بعد
الشروع فيه كالقراءة.
وعنه يلزمه الرجوع وقاله النخعي ويتبعه
المأموم.
"وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع" لحديث
المغيرة ولأنه شرع في ركن مقصود كما لو شرع في
الركوع وظاهره أنها تبطل صلاة الإمام إذا رجع
بعد شروعه فيها إلا أن يكون جاهلا أو ناسيا.
(1/471)
وعليه السجود
لذلك كله
ـــــــ
وكذا حال المأمومين إن تبعوه وإن سبحوا به قبل
أن يعتدل فلم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتبعوه وقيل
بل يفارقونه ويتمون صلاتهم.
"وعليه السجود لذلك كله" جزم به أكثر الأصحاب
لحديث المغيرة ولعموم قوله عليه السلام "إذا
سها أحدكم فليسجد سجدتين" وعنه إن كثر نهوضه
وإن قل قدمه ابن تميم.
وفي التلخيص إن بلغ حد الركوع سجد لأنه زاد ما
يبطل عمده الصلاة وقال القاضي في موضع إذا لم
يعتدل قائما فلا سجود وحكاه في شرح المذهب عن
شيخه لخبر رواه الدارقطني.
مسألة : حكم ترك الذكر فيه كتركهما فلو نسي
تسبيح ركوع فذكره بعد زواله عن حد الركوع حتى
انتصب قائما فوجهان
أحدهما : لا يرجع جزم به في المغني و الشرح
لانه يزيد ركوعا ويأتي بالتسبيح في ركوع
غيرمشروع فعلى هذا إن رجع بطلت لا سهوا بل
يسجد له فإن أدركه مسبوق في هذا الركوع لم
يدركها ذكره المؤلف.
والثاني : يجوز له الرجوع اقتصر عليه في
المحرر وذكره القاضي قياسا على القيام من ترك
التشهد وليس مثله لأن التشهد واجب في نفسه
غيرمتعلق بغيره بخلاف بقية الواجبات لأنها تجب
في غيرها كالتسبيح مع أن الأولى في التشهد لا
يرجع إما جزما كما في المغني أو استحبابا
كالمشهور وقياس بقية الواجبات مثله قاله في
المحرر وغيره.
(1/472)
فصل
وأما الشك فمن شك في عدد الركعات بنى على
اليقين وعنه يبني على غالب ظنه، وظاهر المذهب
أن المنفرد يبني على اليقين والإمام يبني على
غالب ظنه.
ـــــــ
فصل
"وأما الشك" هذا هو القسم الثالث مما يشرع له
سجود السهو "فمن شك في عدد الركعات بنى على
اليقين" اختاره الأكثر منهم أبو بكر وروي عن
عمر وابنه وابن عباس لما روى أبو سعيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا شك أحدكم
في صلاته فلم يدر كم صلى فليطرح الشك وليبن
على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم"
رواه مسلم.
وكطهارة وطواف ذكره ابن شهاب ولأن الأصل عدم
ما شك فيه وكما لو شك في اصل الصلاة وسواء
تكرر ذلك منه أو لا قاله في المستوعب وغيره.
"وعنه يبني على غالب ظنه" نقلها الأثرم وذكر
الشريف وأبو الخطاب أنها اختيار الخرقي.
وروي عن علي وابن مسعود لما روى ابن مسعود أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا شك أحدكم
في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد
سجدتين" متفق عليه وللبخاري بعد التسليم وفي
لفظ لمسلم "فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب".
واختار الشيخ تقي الدين أنه يستأنفها من يعرض
له أولا وقال على هذا عامة أمور الشرع وأن
مثله يقال في طواف وسعي ورمي جمار وغير ذالك.
"وظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين
والإمام يبني على غالب ظنه" جزم به في الكافي
و الوجيز وذكر في الشرح أنه المشهور عن أحمد
وأنه اختيار
(1/473)
فإن استويا
عنده بنى على اليقين ومن شك في ترك ركن فهو
كتركه وإن شك في ترك واجب فهل يلزمه السجود
على وجهين وإن شك في زيادة لم يسجد
ـــــــ
الخرقي جمعا بين الأخبار ولأن للإمام من ينبهه
ويذكره إذا أخطأ الصواب بخلاف المنفرد.
ومرادهم ما لم يكن المأموم واحدا فإن كان
فباليقين لأنه لا يرجع إليه بدليل المأموم
الواحد لا يرجع إلى فعل إمامه ويبني على
اليقين للمعنى المذكور ويعايا بها وذكر في
المذهب أن المنفرد يبني على الأقل رواية واحدة
وكذا الإمام في الأصح.
"فإن استويا عنده بنى على اليقين "وهو الأقل
بغير خلاف لأنه الأصل وهو شامل للإمام
والمنفرد وأما الماموم فيتبع إمامه مع عدم
الجزم بخطئه وإن جزم بخطئه لم يتبعه ولم يسلم
قبله وإن تيقن الإمام أنه مصيب فيما فعله لم
يسجد للسهو في الأشهر وسواء بنى على اليقين أو
غلبة الظن.
"ومن شك في ترك ركن فهو كتركه" ويعمل باليقين
لأن الأصل عدمه وقيل هو كركعة قياسا.
قال أبو الفرج التحري سائغ في الأقوال
والأفعال ومحله في غير تكبيرة الإحرام والنية
على ما مر.
"وإن شك في ترك واجب فهل يلزمه السجود على
وحهين" وكذا في الفروع أحدهما يلزمه السجود
قدمه في المحرر وصححه في الشرح لأن الأصل عدمه
والثاني لا قدمه في المستوعب و الرعاية وجزم
به في الوجيز وذكر في المذهب أنه قول أكثر
أصحابنا لان الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك.
"وإن شك في زيادة لم يسجد" لأن الأصل عدمها
وعنه يسجد اختاره القاضي كشكه فيها وقت فعلها
فلو بان صوابه أو سجد ثم بان لم يسه أو
(1/474)
وليس على
المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه
ـــــــ
سها بعده قبل سلامه في سجوده قبل السلام
فوجهان وقيل يسجد في النقص لا الزيادة.
وقال في الرعاية وهو أظهر فإن كان شكه بعد
السلام لم يلتفت إليه نص عليه لأن الظاهر أنه
أتى بها على الوجه المشروع وقيل بلى مع قصر
الزمن فإن طال فلا وجها واحدا.
فرع: إذا شك هل سهوه مما يسجد له أو لا أو ظن
أن له سهوا فسجد له فبان سجوده له سهوا فهل
يسجد فيه وجهان فإن كثر السهو حتى صار وسواسا
لم يلتفت إليه.
"وليس على المأموم سجود سهو" في قول عامة
العلماء لما روى ابن عمر "أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ليس على من خلف الإمام سهو فإن
سها الإمام فعليه وعلى من خلفه" رواه
الدارقطني وظاهره ولو أتى بما تركه بعد السلام
لكن إن معه أو سها معه أو فيما انفرد سجد وكذا
إن سها بعد مفارقة إمامه رواية واحدة.
"إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه" وحكاه إسحاق
وابن المنذر إجماعا لعموم قوله "إنما جعل
الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا" وسواء كان
السجود قبل السلام أو بعده.
وظاهره أنه يسجد مسبوق مع إمامه إن سها إمامه
فيما أدركه وكذا فيما لم يدركه.
وعنه لا يلحقه حكمه فلا يسجد معه بل يقضي ثم
يسجد إن سجد بعد السلام وإن سجد قبله تبعه
وعنه يخير بين متابعة إمامه وتأخير السجود إلى
آخر صلاته وإذا تبع المسبوق إمامه ثم قضى هل
يعيد السجود فيه روايتان إحداهما يعيده لأن
محله آخر صلاته وإنما سجد مع إمامه تبعا.
(1/475)
فإن لم يسجد
الإمام فهل يسجد المأموم على روايتين
فصل
وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب
ـــــــ
والثانية: لا لأنه قد سجد وانجبرت صلاته فإن
لم يسجد الإمام فهل يسجد المأموم على روايتين
فإذا لم يسجد معه سجد وجها واحدا وظاهره أنه
يسجد مع إمامه ولو لم يكمل التشهد ثم يتمه
وقيل ثم يعيد السجود إذا سلم
تنبيه : إذا قام مأموم لقضاء ما فاته فسجد
إمامه بعد السلام وقلنا يجب عليه متابعة إمامه
فهو كالقائم عن التشهد الأول نص عليه وهل يعود
أولا أو يخير فيه روايات فإن كان قرأ لم يرجع
على المذهب فإن أدركه في أحد سجدتي السهو سجد
معه فإذا سلم أتى بالثانية ثم قضى صلاته نص
عليه
وقيل: لا يأتي بها بل يقضي صلاته بعد سلام
إمامه ثم يسجد وإن أدركه بعد سجود السهو وقبل
السلام لم يسجد قاله في المذهب
"فإن لم يسجد الإمام فهل يسجد المأموم على
روايتين" إحداهما يسجد اختارها الأكثر لأنها
نقصت بسهو إمامه فلزمه جبرها وكما لو انفرد
لعذر ولعموم قوله فعليه وعلى من خلفه والثانية
لا قدمها في المحرر وهي ظاهر الوجيز وقاله
جماعة لأنه إنما يسجد تبعا ولم يوجد
قال في التلخيص وأصلهما هل سجود المأموم تبعا
أو لسهو إمامه فيه روايتان وهذا فيما إذا
تركهما الإمام سهوا فإن ترك سجود السهو الواجب
قبل السلام عمدا بطلت صلاة الإمام وفي صلاتهم
روايتان والمراد بالمأموم غير المسبوق ببعضها
فإنه لا يسجد كذلك في قول أكثرهم
فصل
"وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب" في
ظاهر المذهب وعنه:
(1/476)
ومحله قبل
السلام إلا في السلام قبل إتمام صلاته وفيما
إذا بنى الإمام على غالب ظنه وعنه أن الجميع
قبل السلام وعنه ما كان من زيادة فهو بعد
السلام وما كان من نقص كان قبله
ـــــــ
شرط لصحتها حكاه ابن تميم وغيره وعنه سنة
وتأولها بعضهم والأول هو المشهور عن أحمد قاله
ابن هبيرة سوى نفس سجود سهو قبل سلام فإنها
تصح مع سهوه ويبطل بتركه عمدا ولا يجب السجود
له.
"ومحله قبل السلام إلا في السلام قبل إتمام
صلاته وفيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه" هذا
هو المذهب واختاره الأكثر لحديث ابن مسعود وذي
اليدين ولأنه من تمامها فكان قبل السلام كسجود
صلبها وظاهره لا فرق بين أن يسلم عن نقص ركعة
أو أقل وقال في الخلاف و المحرر وغيرهما عن
نقص ركعة وإلا قبله نص عليه
"وعنه أن الجميع قبل السلامط اختاره أبو محمد
الجوزي وابنه أبو الفرج قال في الخلاف وهو
القياس لحديث ابن بحينة وغيره.
قال الزهري كان آخر الأمرين السجود قبل السلام
وعنه عكسه لحديث ثوبان لكل سهو سجدتان بعد
التسليم رواه سعيد من رواية إسماعيل بن عياش
عن الشاميين.
"وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام وما كان
من نقص كان قبله" وقاله أبو ثور لأنه عليه
السلام سجد في حديث ابن بحينة قبل السلام وكان
من نقص والصحيح أن كل سجود سجده عليه السلام
بعد السلام فهو بعد السلام وسائر السجود قبله.
وعنه عكسه وهذا الخلاف في محل وجوبه وهو ظاهر
المستوعب و التلخيص واختاره الشيخ تقي الدين
ويدل عليه كلام أحمد والثاني أنه في محل الفضل
ذكره القاضي وأبو الخطاب وجزم به في المحرر و
الوجيز وقدمه في الفروع .
(1/477)
وإن نسيه قبل
السلام قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من
المسجد ويكفيه لجميع السهو سجدتان إلا أن
يختلف محلهما ففيه وجهان
ـــــــ
قال القاضي لا خلاف في جواز الأمرين وإنما
الكلام في الأولى والأفضل فلا معنى لادعاء
النسخ.
"وإن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل"
عرفا "أو يخرج من المسجد" نص عليه وقدمه في
المستوعب و التلخيص و المحرر وغيرهم لما روى
ابن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد
بعد السلام والكلام" رواه مسلم.
ولأنه لتكميل الصلاة فلا يأتي به بعد طول
الفصل كركن من أركانها ولأن المسجد محل الصلاة
فاعتبرت فيه المدة كخيار المجلس وظاهره أنه
إذا طال أو خرج أو أحدث لم يسجد وصحت وأنه
يأتي به ولو تكلم صرح به في المحرر للخبر.
وعنه متى تكلم امتنع من السجود ولو كان في
المسجد وقيل إن تكلم لا لمصلحة الصلاة لم يسجد
وقيل إن طال الفصل وهو في المسجد لم يمنع وهو
ظاهر الخرقي لأن حكم المسجد حكم البقعة
الواحدة فكأنه باق في مصلاه بدليل الاقتداء
وقيل يسجد وإن خرج من المسجد ما لم يطل الفصل
صححه ابن تميم وهو ظاهر الوجيز لأنه عليه
السلام رجع إلى المسجد بعد خروجه منه لإتمام
الصلاة فالسجود أولى.
وعنه يسجد وإن خرج وطال الفصل كجبرانات الحج
وعنه لا يسجد مطلقا وفيه وجه إذا أحدث بعد
صلاته وتوضأ أنه يسجد.
تنبيه : إذا ذكره وهو في صلاة أخرى سجد إذا
سلم وقيل إن قرب الزمن ولا يجب بترك سجود
السهو ساهيا سجود آخر ولا يبطل به لأنه جابر
للعبادة كجبرانات الحج وعنه أنه متى تعذر
السجود الواجب بطلت.
"ويكفيه لجميع السهو سجدتان" إذا لم يختلف
محلهما بغير خلاف "إلا أن يختلف محلهما ففيه
وجهان" أحدهما يكفيه سجدتان نص عليه ونصره
(1/478)
ومتى سجد بعد
السلام جلس فتشهد ثم سلم
ـــــــ
المؤلف وهو ظاهر الوجيز وقول الأكثر لأنه عليه
السلام سها فسلم وتكلم بعد سلامه وسجد لهما
سجودا واحدا ولأنه شرع للجبر فكفى فيه سجود
واحد كما لو كان من جنس ولأنه إنما أخر ليجمع
السهو كله.
والثاني: يتعدد قدمه في المحرر لعموم حديث
ثوبان لكل سهو سجدتان بعد السلام ولأن كل سهو
يقتضي سجودا وإنما يتداخلان في الجنس الواحد.
وجوابه: بأن السهو اسم جنس فيكون التقدير لكل
صلاة فيها سهو سجدتان يدل عليه قوله بعد
السلام ولا يلزمه بعد السلام سجودان الجنسان
ما كان قبل السلام وبعده وقيل ما كان من زيادة
ونقص والأول أولى قاله المؤلف وإذا قيل
بالتداخل سجد قبل السلام لأنه الأصل وقيل بعده
وقيل الحكم للأسبق.
فرع : إذا شك في محل سجوده سجد قبل السلام ومن
شك هل سجد لسهوه أو لا سجد مرة في الأشهر فلو
فارق إمامه لعذر وقد سها الإمام ثم سها
المأموم فيما انفرد به فالمنصوص عنه أنهما جنس
واحد ويكفيه في الأصح سجود لسهوين أحدهما
جماعة والآخر منفردا.
"ومتى سجد بعد السلام" زاد المؤلف وغيره سواء
كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه إلى ما
بعده "جلس فتشهد" أي التشهد الأخير وجوبا "ثم
سلم" وهو قول جماعة منهم ابن مسعود لما روى
عمران "أن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسجد
سجدتين ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود
والترمذي وحسنه.
ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد يعقبه سلام
كسجود الصلب وفي توركه في شأنه وجهان ويكبر
للسجود والرفع منه لفعله عليه السلام وقيل إن
سجد بعد السلام كبر واحدة ذكره ابن تميم وصفته
وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود الصلب.
وقيل لا يتشهد اختاره الشيخ تقي الدين كسجوده
قبل السلام ذكره
(1/479)
ومن ترك السجود
الواجب قبل السلام عمدا بطلت الصلاة وإن ترك
المشروع بعد السلام لم تبطل.
ـــــــ
في الخلاف إجماعا ولأنه سجود مفرد أشبه سجدة
التلاوة.
"ومن ترك السجود الواجب قبل السلام عمدا بطلت
الصلاة" بما قبل السلام لأنه ترك الواجب عمدا
وعنه لا ذكره في المحرر قولا مع قطعه بوجوبه
كواجبات الحج.
"وإن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل" في ظاهر
المذهب لأنه جبر للعبادة خارج منها فلم تبطل
بتركها كجبرانات الحج وسواء تركه عمدا أو
سهوا.
وعنه: تبطل قياسا على المشروع قبل السلام
ويفرق بين الواجب في الصلاة والواجب لها لأن
الأذان والجماعة واجب لها ولا تبطل بترك شيء
من ذلك وفي صلاة المأمومين عليهما الروايتان.
(1/480)
المجلد الثاني
تابع لكتاب الصلاة
باب صلاة التطوع
...
باب صلاة التطوع
وهي أفضل تطوع البدن
------------------------------------------
باب صلاة التطوع
التطوع في الأصل فعل الطاعة وشرعا وعرفا طاعة
غير واجبة والنفل والنافلة الزيادة والتنفل
التطوع.
"وهي أفضل تطوع البدن" لما روى سالم بن أبي
الجعد عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير
أعمالكم الصلاة" رواه ابن ماجه وإسناده ثقات
إلى سالم قال أحمد سالم لم يلق ثوبان بينهما
معدان بن أبي طلحة وليست هذه الأحاديث صحاحا
ورواه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه
ومالك في موطئه بلاغا وله طرق فيها ضعف.
ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوعات
ولأنها تجمع أنواعا من العبادة الإخلاص
والقراءة والركوع والسجود ومناجاة الرب
والتوجه إلى القبلة والتسبيح والتكبير والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن أطلق أحمد والأصحاب أن الجهاد أفضل
الأعمال المتطوع بها قال أحمد لا أعلم شيئا من
الفرائض أفضل من الجهاد.
وذكر أكثر أصحابنا ثم العلم ثم الصلاة وعلى ما
ذكره في الجهاد أنه أفضل الأعمال المتطوع بها
والصلاة أفضل تطوع بدني محض.
وذكر جماعة أن النفقة فيه أفضل وجزم به آخرون
بأن الرباط أفضل من الجهاد.
وقال الشيخ تقي الدين استيعاب عشر ذي الحجة
بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم تذهب
فيه نفسه وماله ونقل مهنا طلب العلم أفضل
الأعمال لمن صحت نيته قيل فأي شيء تصحيح النية
قال ينوي يتواضع فيه وينفي عنه
(2/5)
وآكدها صلاة
الكسوف والاستسقاء ثم الوتر.
------------------------------------
الجهل.
وقيل بل الصوم لقوله عليه السلام لأبي أمامة "
عليك بالصوم فإنه لا مثل له " رواه النسائي
وفيه لين.
وقيل ما تعدى نفعه كعيادة مريض واتباع جنازة.
وظاهر كلام ابن الجوزي أن الطواف أفضل من
الصلاة فيه وقاله الشيخ تقي الدين وذكره عن
الجمهور وقيل الحج أفضل لأنه جهاد فإن فيه
مشهدا ليس في الإسلام مثله وهو يوم عرفة وإن
مات به فقد خرج من ذنوبه.
ونقل عنه مهنا أفضلية الذكر على الصلاة والصوم
قال في الفروع فيتوجه أن عمل القلب أفضل من
عمل الجوارح.
وحاصله أن أفضلها جهاد ثم توابعه ثم علم تعلمه
وتعليمه ثم صلاة ونص أن طواف الغريب أفضل منها
فيه والوقوف بعرفة أفضل منه في الصحيح ثم ما
تعدى نفعه فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق
وعتق أفضل من صدقة على أجنبي إلا زمن حاجة ثم
حج ثم عتق ثم صوم واختار الشيخ تقي الدين أن
الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب وهو معنى
كلام ابن الجوزي.
"وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء" لأنه يشرع
لها الجماعة مطلقا أشبها الفرائض وظاهره أن
صلاة الكسوف آكد من صلاة الاستسقاء لأنه عليه
السلام لم يتركها عند وجود سببها بخلاف
الاستسقاء فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى
ويلحق بهما في الآكدية ما تسن له الجماعة
كالتراويح ذكره في المذهب و المستوعب وهو معنى
ما في الفروع.
"ثم الوتر" قدمه جماعة منهم صاحب التلخيص وجزم
به في الوجيز وغيره وذكر ابن تميم وجها أنه
آكد مما تسن له الجماعة وهذا على المشهور أنه
ليس بواجب وقال القاضي ركعتا الفجر آكد منه
(2/6)
وليس بواجب
ووقته ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.
---------------------------------
لاختصاصها بعدد مخصوص وهو رواية وذكر المؤلف
أن السنن الراتبة آكد من التراويح ونقل حنبل
ليس بعد المكتوبة أفضل من قيام الليل.
"وليس بواجب" نص عليه وهو الصحيح من المذهب
لقوله عليه السلام للأعرابي حين سأله عما فرض
الله عليه من الصلاة قال "خمس صلوات قال هل
علي غيرها قال قال لا إلا أن تطوع" متفق عليه
وكذب عبادة رجلا يقول الوتر واجب وقال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس
صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة"
الخبر وعن علي قال الوتر ليس بحتم كهيئة
الصلاة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى
الله عليه وسلم رواه أحمد والترمذي وحسنه
ولأنه يجوز فعله على الراحلة ضرورة أشبه السنن
وعنه هو واجب اختاره أبو بكر لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: "من لم يوتر فليس منا" رواه
أحمد وأبو داود وفيه ضعف.
وعن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن
أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر
بواحدة فليفعل" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة
ورواته ثقات والنسائي وقال الموقوف أولى
بالصواب وكان عليه السلام يواظب عليه حضرا
وسفرا وقال أحمد من ترك الوتر عمدا فهو رجل
سوء ولا ينبغى ان تقبل له شهادة وأجيب بأنه
محمول على تأكيد الاستحباب.
"ووقته ما بين صلاة العشاء وطلع الفجر" الثاني
جزم به في المغني والتلخيص والوجيز وقدمه في
الفروع لقوله عليه السلام في حديث خارجة بن
حذافة "لقد أمدكم الله بصلاة هي خير لكم من
حمر النعم وهي الوتر فيما بين العشاء إلى طلوع
الفجر" رواه أحمد وغيره وفيه ضعف وعن معاذ
معناه مرفوعا رواه أحمد من رواية عبد الله بن
زحر وهو ضعيف وقال النبي صلى الله عليه وسلم
"أوتروا قبل أن تصبحوا" رواه مسلم.
(2/7)
وأقله ركعة
وأكثره إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين
ويوتر بواحدة.
--------------------------------
وعنه إلى الصلاة الفجر جزم به في الكافي ورواه
البهيقي عن ابن مسعود وإسناده ثقات وعن أبي
بصرة مرفوعا "إن الله زادكم صلاة فصل:وها
مابين العشاء إلى صلاة الصبح" رواه أحمد من
رواية ابن لهيعة ويحمل على حذف المضاف بدليل
الرواية الأولى ويدخل في كلامه مالو جمع
العشاء جمع تقديم وظاهره إذا أوتر قبل العشاء
أنه لا يصح وأنه إذا أخره حتى يطلع الفجر يكون
قضاء وصححه في المغنى وذكر في الشرح احتمالا
أنه يكون أداء لحديث أبي بصرة والأفضل فعله
آخر الليل لمن وثق لا مطلقا وقال القاضي وقته
المختار كوقت العشاء المختار وقيل كل الليل
سواء ومن له تجهد جعله بعده فإن أوتر أول
الليل لم يكره نص عليه .
"وأقله ركعة" لحديث أبي أيوب وهو قول كثير من
الصحابة "وأكثره" وفي الوجيز وأفضله "إحدى
عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة" نص
عليه وذكره جماعة لقول النبي صلى الله عليه
وسلم "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح
فأوتر بواحدة" متفق عليه وعن عائشة قالت كان
النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن
يخلو العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من
كل ركعتين ويوتر بواحدة رواه مسلم وظاهره أنه
لا يكره فعله بواحدة وإن لم يتقدمها صلاة حتى
في حق المسافر وعنه يركع ركعتين ثم يوتر.
قال أحمد الأحاديث التي جاءت عنه عليه السلام
أنه أوتر بركعة كان قبلها صلاة متقدمة.
وقال أبو بكر لا بأس بالوتر بركعة لعذر من مرض
أو سفر أو نحوه وقيل له سرد عشرة ثم يجلس
فيتشهد ثم يوتر بالأخيرة ويتشهد ويسلم نص
عليه.
وقيل له سرد إحدى عشرة بتشهد واحد وسلام وقيل
أكثره ثلاث عشرة ركعة لما روى أحمد حدثنا أبو
معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى
(2/8)
وإن أوتر بتسع
سرد ثمانيا وجلس فتشهد ولم يسلم ثم صلى
التاسعة وتشهد وسلم وكذلك السبع وإن أوتر بخمس
لم يجلس إلا في آخرهن.
--------------------------
ابن الجزار عن أم سلمة قالت كان النبي صلى
الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف
أوتر بسبع ويحتمل أنهما الركعتان اللتان كان
يصليهما جالسا بعد الوتر أو ركعتا الفجر وفيه
بعد.
واستحب أحمد أن تكون الركعة عقيب الشفع ولا
يؤخرها عنه وليس كالمغرب حتما خلافا لأبي
حنيفة ولا أنه ركعة قبله شفع لأحد له خلافا
لمالك وتمسكا بأخبار فيها ضعف على أنه لا حجة
فيها.
"وإن أوتر بتسع سرد ثمانيا وجلس فتشهد ولم
يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم" لما روت
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل
ذلك رواه مسلم وقيل كإحدى عشرة يسلم من كل
ركعتين ويوتر بركة قال في الخلاف عن فعله عليه
السلام قصد بيان الجواز وإن كان الأفضل غيره
وقد نص أحمد على جواز هذا.
"وكذلك السبع" أي يسرد ستا ويجلس ولا يسلم ثم
يصلي السابعة ويتشهد ويسلم نص عليه وجزم به في
الكافي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم رواه
أحمد وأبو داود وإسناده ثقات من حديث عائشة
والأشهر في المذهب ونص عليه أحمد أن السبع
كالخمس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
عائشة وإسناده ثقات.
"وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن" هذا
المذهب لقول عائشة كان النبي صلى الله عليه
وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من
ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرهن متفق
عليه وحكى ابن عقيل في جميع ذلك وجهين أحدهما
أنه يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة قال وهذا
آصح والثاني يصلي الجميع بسلام فيجلس عقب
الشفع ويتشهد ثم يقوم فيأتي بركعة ثم يتشهد
ويسلم .
(2/9)
وأدنى الكمال :
ثلاث ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى بعد
فاتحة الكتاب : {سَبَّحَ} ، وفي الثانية :
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي
الثالثة : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ويقنت
فيها.
-----------------------------------
"وأدني الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين" ذكره
الجماعة منهم أبو الخطاب وجزم به في المحرر
والوجيز والفروع لقول النبي صلى الله عليه
وسلم "افصل: بين الواحدة والثنتين بالتسليم"
رواه الأثرم بسنده عن نافع عن ابن عمر وهو قول
جماعة من الصحابة ومن بعدهم ولأن الواحدة
المفردة اختلفت في كراهتها والأفضل أن يتقدمها
شفع فلذلك كانت الثلاث أدنى الكمال لكن إن
سردهن بسلام جاز ذكره جماعة وقال القاضي إذا
صلى الثلاث بسلام ولم يكن جلس عقيب الثانية
جاز وإن كان جلس فوجهان أصحهما لا يكون وترا.
"يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {سَبَّحَ} وفي
الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لما
روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقرأ ذلك رواه أحمد والترمذي ورواه أبو داود
وغيره من حديث أبي بن أبي كعب زاد أحمد
والنسائي فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس
ثلاثا ولهما في رواية ورفع صوته بالآخرة وعنه
يضيف مع الإخلاص المعوذتين لأنه عليه السلام
كان يقرأ بذلك رواه ابن ماجه والدارقطني من
حديث عائشة لكن فيه ضعف وذكر في التحقيق أنه
لا يصح وقد أنكر أحمد وابن معين زيادتهما .
"ويقنت فيها" أي في الركعة الآخرة في جميع
السنة على الأصح لأنه عليه السلام كان يقول في
وتره أشياء تأتي وكان للدوام ولأن ما شرع في
رمضان شرع في غيره كعدده.
وعنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان
اختاره الأثرم لأن أبيا كان يفعل ذلك حين يصلى
التراويح ورواه أبو داود والبيهقي وفيه انقطاع
ثم هو رأي أبي وعنه أنه رجع عنها
(2/10)
بعد الركوع
فيقول اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك
ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك.
------------------------------------
وخير الشيخ تقي الدين في دعاء القنوت بين فعله
وتركه وأنه إن صلى بهم قيام رمضان فإن قنت
جميع الشهر أو نصفه الأخير أو لم يقنت بحال
فحسن.
" بعد الركوع" نص عليه روي عن الخلفاء
الراشدين لما روى أبو هريرة وأنس "أن النبي
صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع" متفق عليه
وعنه يسن قبله لكن يكبر ثم يقنت نص عليه روي
عن جمع من الصحابة قال الخطيب الأحاديث التي
جاء فيها قبل الركوع كلها معلولة ويرفع يديه
إلى صدره ويبسط بطونهما نحو السماء نص على
ذلك.
"فيقول" الإمام جهرا وكذا منفرد نص عليه وقيل
ومأموم وكان أحمد يسر وظاهر كلام جماعة أن
الجهر مختص بالإمام فقط قال في الخلاف وهو
أظهر.
"اللهم" أصله يا الله فحذفت ياء من أوله وعوض
عنها الميم في آخره ولذلك لا يجتمعان إلا في
ضرورة الشعر لئلا يجمع بين العوض والمعوض
ولخصوا في ذلك أن يكون الابتداء بلفظ اسم الله
تعالى تبركا وتعظيما أو طلبا للتخفيف بتصيير
اللفظين لفظا واحدا.
"إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك" أي نطلب منك
المعونة والهداية والمغفرة ونتوب إليك التوبة
الرجوع عن الذنب وفي الشرع الندم على ما مضى
من الذنب والإقلاع في الحال والعزم على ترك
العود في المستقبل تعظيما لله تعالى فإن كان
الحق لآدمي فلا بد أن يحلله "ونؤمن بك" أي
نصدق بوحدانيتك.
"ونتوكل عليك" قال الجوهري التوكل إظهار العجز
والاعتماد على الغير والاسم التكلان وقال ذو
النون المصري هو ترك تدبير النفس والانخلاع من
(2/11)
ونثني عليك
الخير كله نشكرك ولانكفرك ، اللهم إياك نعبد
ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو
رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار
ملحق.
------------------------------------
الحول والقوة وقال سهل بن عبد الله هو
الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد.
"ونثني عليك الخير كله" أي نمدحك ونصفك بالخير
والثناء في الخير خاصة وبتقديم النون يستعمل
في الخير والشر وقال أبو عثمان المعافري أثنيت
على الرجل وصفته بخير أو شر.
"نشكرك ولا نكفرك" أصل الكفر الجحود والشر قال
في المطالع والمراد هنا كفر النعمة لاقترانه
بالشكر.
"اللهم إياك نعبد" قال الجوهري معنى العبادة
الطاعة والخضوع والتذلل ولا يستحقه إلا الله
تعالى قال الفخر إسماعيل وأبو البقاء العبادة
ما أمر به شرعا من غيراطراد عرفي ولا اقتضاء
عقلي وسمي العبد عبدا لذلته وانقياده لمولاه
"ولك نصلي ونسجد" لا لغيرك "وإليك نسعى" يقال
سعى يسعى سعيا إذا عدا وقيل إذا كان بمعنى
الجري عدي بإلى وإذا كان بمعنى العمل فباللام
لقوله تعالى {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}
[الاسراء: من الآية19]
"ونحفد" بفتح النون ويجوز ضمها يقال حفد بمعنى
أسرع وأحفد لغة فيه بمعنى يحفد يسرع أي يبادر
بالعمل والخدمة.
"نرجو رحمتك" يقال رجوته أي أملته والرحمة سعة
العطاء "ونخشى عذابك" أي نخاف عقوبتك لقوله
تعالى {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ
الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:50].
"إن عذابك الجد" بكسر الجيم الحق لا اللعب
"بالكفار ملحق" بكسر الحاء أي لاحق بهم ومن
فتحها أراد أن الله يلحقه إياه وهو معنى صحيح
غير أن الراوية هي الأولى قال الخلال سألت
ثعلبا عن ملحق وملحق فقال العرب تقولهما
جميعا.
(2/12)
اللهم اهدنا
فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ، وبارك لنا فيما
أعطيت ، وتولنا فيمن توليت ، وقنا شر ما قضيت
، إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت
ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت.
------------------------------------
هذا الدعاء قنت به عمر رضي الله عنه وفي أوله
بسم الله الرحمن الرحيم وفي آخره اللهم عذب
كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك وهاتان
سورتان في مصحف أبي قال ابن سيرين كتبهما أبي
مصحفه إلى قوله ملحق زاد غير واحد ونخلع ونترك
من يكفرك.
"اللهم اهدنا فيمن هديت" أصل الهدى الرشاد
والبيان لقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: من
الآية52] فأما قوله تعالى {إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ} [القصص: من الآية56] فهي من
الله تعالى التوفيق والإرشاد وطلب الهداية من
المؤمنين مع كونهم مهتدين بمعنى طلب التثبت
عليها أوبمعنى المزيد منها.
"وعافنا فيمن عافيت" المراد بها العافية من
الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعافيك الله من
الناس ويعافيهم منك.
"وبارك لنا فيما أعطيت" البركة الزيادة وقيل
هي حلول الخير الإلهي في الشيء والعطية الهبة
والمراد بها ما أنعم به.
"وتولنا فيمن توليت" الولي ضد العدو وهو فعيل
من تليت الشيء إذا عنيت به ونظرت فيه كما ينظر
الولي في مال اليتيم لأنه تعالى ينظر في أمر
وليه بالعناية ويجوز أن يكون من وليت الشيء
إذا لم يكن بينه ويينه واسطة بمعنى أن الولي
يقطع الوسائط بينه وبين الله تعالى حتى يصير
في مقام المراقبة والمشاهدة وهو مقام الإحسان.
"وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضي عليك"
سبحانه لاراد لأمره ولا معقب لحكمه فإنه يفعل
ما يشاء يحكم ما يريد "إنه لا يذل من واليت
ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت" رواه
أحمد ولفظه له وتكلم فيه ,
(2/13)
اللهم إنا نعوذ
برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك لا
نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
------------------------------------
وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث الحسن بن
علي قال علمني النبي صلى الله عليه وسلم كلمات
أقولهن في قنوت الوتر "اللهم أهدني.... إلى :
وتعاليت. وليس فيه: ولا يعز من عاديت" ورواه
البيهقي وأثبتها فيه وتبعه المؤلف والرواية
إفراد الضمير وجمعها المؤلف لأن الإمام يستحب
له أن يشارك المأموم في الدعاء وفي الرعاية لك
الحمد على ما قضيت نستغفرك اللهم ونتوب إليك
لا لجأ ولا ملجأ ولا ملتجأ ولا منجأ منك إلا
إليك.
"اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من
عقوبتك وبك منك" قال الخطابي في هذا معنى لطيف
وذالك أنه سأل الله أن يجيره برضاه من سخطه
وهما ضدان ومتقابلان وكذلك المعافاة والمؤاخذة
بالعقوبة لجأ إلى ما لا ضد له وهو الله أظهر
العجز والانقطاع وفزع منه إليه فاستعاذ به منه
قال ابن عقيل لا ينبغي أن يقول في دعائه أعوذ
بك منك إذ حاصله أعوذ بالله من الله وفيه نظر
إذ هو ثابت في الخبر.
"لا نحصي ثناء عليك" أي لا نطيقه ولا نبلغه
ولا تنتهي غايته لقوله تعالى {عَلِمَ أَنْ
لَنْ تُحْصُوهُ} المزمل: من الآية20] تطيقوه.
"أنت كما أثنيت على نفسك" اعترف بالعجز عن
تفضيل الثناء ورد إلى المحيط علمه بكل شيء
جملة وتفصيلا فكما أنه لا نهاية لسلطانه
وعظمته لا نهاية لثناء عليه لأنه تابع للمثني
عليه روي هذا عن علي أنه صلى الله عليه وسلم
كان يقول في آخر وتره:" اللهم إني أعوذ برضاك
من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا
أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " رواه
الخمسة ورواته ثقات.
قال في الشرح ويقول في قنوت الوتر ما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو معنى ما
نقله أبو الحارث يدعو بما شاء واقتصر جماعة
على دعاء " اللهم اهدني " وظاهره أنه يستحب
وإن لم يتعين واختاره أحمد.
(2/14)
وهل يمسح وجهه
بيديه ؟ على روايتين ولا يقنت في غير الوتر.
-------------------------------------
ونقل المروزي يستحب بالسورتين وأنه لا توقيت.
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه
قال ابن تميم من أوله ووسطه وآخره وفي التبصرة
وعلى آله وقوله تعالى {وَقُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً}
[الاسراء: من الآية111] قال في الفروع فيتوجه
قولها قبيل الأذان وفي نهاية أبي المعالي
يكره.
فرع: المنفرد يفرد الضمير ويجهر به نص عليه
وعند الشيخ تقي الدين يجمعه لأنه يدعو لنفسه
وللمؤمنين ويؤمن مأموم على الأصح إن سمع وعنه
أنه يقنت معه ويجهر به وعنه يتابعه في الثناء
ويؤمن على الدعاء وعنه يخير وإن لم يسمع دعاء
نص عليه وذكر أبو الحسين رواية فيمن صلى خلف
من يقنت في الفجر أنه يسكت ولا يتابعه.
"و هل يمسح وجهه بيديه" إذا فرغ "على روايتين"
أشهرهما أنه يمسح بهما وجهه نقله أحمد واختاره
الأكثر لما روى السائب بن يزيد عن أبيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع
يديه ومسح بهما وجهه رواه أبو داود من رواية
ابن لهيعة وكخارج الصلاة.
والثانية لا نقلها الجماعة واختارها الآجري
لضعف الخبر وعنه يكره صححها في الوسيلة وعنه
يمرهما على صدره.
وإذا سجد رفع يديه نص عليه لأنه مقصود في
القيام فهو كالقراءة ذكره القاضي وغيره وقيل
لا وهو أظهر.
"ولا يقنت في غير الوتر" رويت كراهته عن ابن
مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء وصرح
ابن تميم بأنه بدعة وعن أحمد الرخصة فيه في
الفجر ورواه الخطيب عن أبي بكر وعمر وعلي
بأسانيد كمال قال أحمد حدثنا عبد الرازق حدثنا
أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس قال
ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في
الفجر حتى فارق الدنيا رواه الخطيب وجماعة من
(2/15)
إلا أن تنزل
بالمسلمين نازلة فللإمام خاصة القنوت في صلاة
الفجر.
----------------------------------------
طريق أبي جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي عيسى
بن ماهان وثقه جماعة وضعفه آخرون.
ولأن عمر كان يقنت فيها بمحضر من الصحابة
وغيرهم بل نص أحمد على أنه لا يقنت فيها وقال
لا يعجبني لما روى مسلم عن أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على حي من أحياء
العرب ثم تركه وروى أبو هريرة وابن مسعود نحوه
مرفوعا.
وعن أبي مالك الأشجعي قال قلت لأبي إنك قد
صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
وعمر وعثمان وخلف علي هاهنا بالكوفة نحوه من
خمس سنين أكانوا يقنتون في الفجر فقال أي بنى
محدث رواه أحمد بإسناده صحيح والترمذي وقال
العمل عليه عند أهل العلم وليس فيه في الفجر.
ويجاب عن حديث أنس السابق أنه أراد طول القيام
فإنه يسمى قنوتا أو أنه كان يقنت إذا دعا لقوم
أو دعا عليهم للجمع بينهما ويؤيده ما روى سعيد
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
لا يقنت في الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا
عليهم وعن فعل عمر أنه كان في أوقات النوازل
وعن سعيد بن جبير قال أشهد على ابن عباس أنه
قال القنوت في الفجر بدعة رواه الدارقطني
ولأنها صلاة مفروضة فلم يسن فيها كبقية
الصلوات.
"إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة" هي الشديدة من
شدائد الدهر "فللإمام" أي يستحب للإمام الأعظم
لأنه عليه السلام هو الذي قنت فيتعدى الحكم
إلى من يقوم مقامه وعنه ونائبه وعنه بإذنه
وعنه وإمام جماعة وعنه كل مصلٍ.
"خاصة القنوت في صلاة الفجر" هذا رواية عن
أحمد واختاره المؤلف وغيره لفعل النبي صلى
الله عليه وسلم وعنه والمغرب قاله أبو الخطاب
لأنه عليه السلام قنت في المغرب والفجر رواه
مسلم وقيل والعشاء والمشهور في المذهب:
(2/16)
ثم السنن
الرتبة وهي عشر ركعات ركعتان قبل الظهر
وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد
العشاء وركعتان قبل الفجر وهما آكدها.
------------------------------------
أنه يقنت في الصلوات كلها قدمه في المحرر
والفروع وجزم به في الوجيز لفعل النبي صلى
الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رواه أحمد
وأبو داود.
قال في الشرح والأول أولى لأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه إلا
في الوتر والفجر.
ويستثني من ذلك الجمعة فإنه لا يقنت فيها على
المنصوص وقيل بلى ويرفع صوته في الصلاة جهرية
وظاهر كلامهم مصلقا قال في الفروع ويتوجه لا
يقنت لرفع الوباء في الأظهر لأنه لم يثبت
القنوت في طاعون عمواس ولا في غيره ولأنه
شهادة للأخبار فلا يسأل رفعه.
"ثم السنن الراتب" التي تفعل مع الفرائض "وهي
عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها
وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء
وركعتان قبل الفجر" كذا ذكره معظم الأصحاب
لقول ابن عمر حفظت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين
بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد
العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة
لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها
حدثنني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع
الفجر صلى ركعتين متفق عليه وكذا أخبرت عائشة
رواه الترمذي وصححه.
"وهما آكدها" أي أفضلها لقول عائشة لم يكن
النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل
أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر متفق عليه
وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم
صلوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل رواه أحمد
وأبو داود وقيل سنة المغرب.
ويستحب تخفيف سنة الفجر وقراءة ما ورد لا
الفاتحة فقط وتجوز راكبا وتوقف أحمد في موضع
نقل أبو الحارث سمعت فيه شيئا ما اجترئ
(2/17)
قال أبو الخطاب
: وأربع قبل العصر ليست من الرواتب.
-------------------------------------
عليه.
ويستحب الاضطجاع بعدهما على جنبه الأيمن قبل
فرضه نص عليه لقول عائشة "كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا صلى ركعتين الفجر اضطجع وفي
رواية فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع" متفق
عليه وذهب الظاهرية إلى وجوبه وعن أحمد لا
يستحب لأن ابن مسعود أنكره ونقل أبو طالب يكره
الكلام بعدهما إنما هي ساعة تسبيح ولعل المراد
العلم ولقول الميموني كنا نتناظر أنا وأبو عبد
الله في المسائل قبل صلاة الفجر وغير الكلام
المحتاج إليه ويتوجه لا يكره لحديث عائشة.
"وقال أبو الخطاب وأربع قبل العصر" اختارها
الآجري وقال اختاره أحمد لحديث علي كان النبي
صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربعا
يفصل: بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين
ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين رواه الترمذي
وحسنه وعن ابن عمر مرفوعا "رحم الله امرأ صلى
قبل العصر أربعا" رواه أحمد ويحمل هذا على
الترغيب.
"وليست من الرواتب" لأن ابن عمر لم يحفظها
واختار الشيخ تقي الدين أربعا قبل الظهر لما
روت أم حبيبة مرفوعا "من صلى في يوم وليلة
اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة بنى الله له
بيتا في الجنة" رواه مسلم والترمذي وزاد أربعا
قبل الظهر وأخبرت به عائشة عن صلاته عليه
السلام رواه مسلم .
تذنيب: فعل جميع الرواتب في البيت أفضل في قول
الجمهور وعنه سنة المغرب والفجر زاد في المغني
والعشاء في بيته والباقي في المسجد لأن ابن
عمر أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهن
في بيته متفق عليه وعنه التسوية.
وكل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى
فعلها وبعدها إلى آخر وقتها ويستحب الفصل:
بينهما بكلام أو قيام لقول معاوية أمرنا بذلك
رواه
(2/18)
ومن فاته شيء
من هذه السنن سن له قضاؤه ، ثم التراويح وهي
عشرون ركعة.
----------------------------------
مسلم وتجزئ سنة عن تحية مسجد من غير عكس فإن
فاتته سنة الظهر قبلها قضاها بعدها وبدأ بها
وهي وسنة الفجر بعدهما في الوقت قضاء ذكره ابن
الجوزي وصاحب التلخيص وقيل أداء.
"ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤه" قدمه
ونصره جماعة وجزم به في الوجيز وصححه في
الفروع لما روى أبو هريرة مرفوعا "من لم يصل
ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس" رواه
الترمذي والبيهقي وقال تفرد به عمرو بن عاصم
وهو ثقة
وعن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها رواه
الترمذي وإسناده ثقات وعنه تقضى سنة الفجر إلى
الضحى وقيل لا تقضى إلا هي إلى وقت الضحى
وركعتا الظهر.
مسألة: يكره ترك الرواتب فإن داوم عليها رد
قوله وأثم قاله القاضي والمشهور لا لكن قال
أحمد من ترك الوتر فهو رجل سوء .
فصل: تسن المحافظة على أربع قبل الظهر وأربع
بعدها وأربع قبل العصر وأبع بعد المغرب وقال
المؤلف ست وأربع بعد السنن قال في المستوعب
التنقل بين المغرب والعشاء مرغب فيه وهو
التهجد ويجوز فعل ركعتين بعد الوتر جالسا ولا
يستحب في قول الأكثر وعدها الآمدي من السنن
الرواتب قال في الرعاية وهو غريب.
"ثم التراويح" سميت به لأنهم كانوا يجلسون بين
كل أربع يستريحون وقيل لأنها مشتقة من
المراوحة وهي التكرار في الفعل وهي سنة سنها
النبي صلى الله عليه وسلم وليست محدثة لعمر
وهي من أعلام الدين الظاهرة وقال أبو بكر تجب
والصحيح الأول لأن في المتفق عليه من حديث
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها
بأصحابه ليلتين أو ثلاثا ثم تركها خشية أن
تفترض.
"وهي عشرون ركعة" في قول أكثر العلماء وقد روى
مالك عن يزيد بن
(2/19)
يقوم بها في
رمضان في جماعة ويوتر بعدها في جماعة.
---------------------------------------
رومان قال كان الناس يقومون في زمن عمر رضي
الله عنه في رمضان بثلاث وعشرين ركعة والسر
فيه أن الراتبة عشر فضوعفت في رمضان لأنه وقت
جد وتشمير وقال مالك ست وثلاثون وزعم أنه
الأمر القديم وتعلق بفعل أهل المدينة وحكى
الترمذي عنهم أنها إحدى وأربعون ركعة واختاره
إسحاق.
وقال السائب بن يزيد أمر عمر أبيا وتميما أن
يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة رواه مالك وقال
أحمد روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء وقال
عبد الله رأيت أبي يصلي في رمضان مالا أحصي
وقال أيضا لا بأس بالزيادة على عشرين ركعة
وحكاه في الرعاية قولا.
"يقوم بها في رمضان" بعد سنة العشاء وقبل
الوتر وعنه أو بعد العشاء جزم به في العمدة لا
قبلها وخالف فيه بعض الحنفية وأفتى به بعض
أئمتنا لأنها من صلاة الليل وشنع الشيخ تقي
الدين عليه ونسبه إلى البدعة ولا تكفيها نية
واحدة في الأصح.
"في جماعة ويوتر بعدها في الجماعة" نص عليه
قال أحمد كان علي وجابر وعبد الله يصلونها في
الجماعة وروى عن البيهقي علي أنه كان يجعل
للرجال إماما وللنساء إماما وفي حديث أبي ذر
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهله وأصحابه
وقال "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له
قيام ليلة" رواه أحمد وصححه الترمذي وفهم منه
أن وقتها ممتد إلى الفجر الثاني وظاهره لا فرق
بين المسجد وغيره وجزم في المستوعب وغيره أن
السنة المأثورة فعلها جماعة في المساجد.
وفعلها أول الليل أحب إلى أحمد لكن ذكر ابن
تميم وغيره أنه لا بأس بتأخيرها بمكة وشمل
كلامه ما إذا كان أوله غيم وقلنا بالصوم فإنها
تفعل واختاره ابن حامد والسامري واختار أبو
حفص لا وهو الأظهر قاله في التلخيص
(2/20)
فإن كان له
تهجد جعل الوتر بعده ، وإن أحب متابعة الإمام
فأوتر معه قام إذا سلم الإمام فشفعها بأخرى.
ويكره التطوع بين التراويح. وفي التعقيب
روايتان.
-----------------------------------
أنواع: يسن أن يجهر فيها وفي الوتر بالقراءة
واستحب أحمد أن يبتدئ فيها بسورة القلم ثم
يسجد ثم يقوم فيقرأ من البقرة ولا يزيد فيه
على ختمة إلا أن يوتروا ولا ينقص عنها نص عليه
وقيل يعتبر حالهم ويدعو لختمه قبل ركوع آخر
ركعة منها ويرفع يديه ويطيل الأولى ويعظ بعدها
نص على الكل وقيل يختم في الوتر ويدعو وقيل
يدعو بعد كل أربع كبعدها وكرهه ابن عقيل وقال
هو بدعة ويستريح بين كل أربع فعله السلف ولا
بأس بتركه وقراءة الأنعام في ركعة بدعة .
"فإن كان تهجد جعل الوتر بعده" لقوله النبي
صلى الله عليه وسلم "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل
وترا" متفق عليه وهذا على سبيل الأفضلية "وإن
أحب متابعة الإمام فأوتر معه قام إذا سلم
الإمام فشفعها بأخرى" نص عليه وجزم به الأشياخ
لقوله عليه السلام "لا وتران في ليلة" رواه
أحمد وأبو داود من حديث قيس بن طلق عن أبيه
وقيس فيه لين.
قال السامري وينوي بالركعة فسخ الوتر وعنه
يعجبني أن يوتر معه اختاره الآجري وقال القاضي
إن لم يوتر معه لم يدخل في وتره لئلا يزيد على
ما اقتضته تحريم الإمام فلو أوتر ثم صلى لم
ينقض وتر نص عليه ونصره المؤلف ثم لا يوتر
ويتوجه احتمال يوتر وعنه ينقضه وعنه بركعة ثم
يصلي مثنى مثنى ثم يوتر وعنه يخير في نقضه
وظاهر ما سبق أنه لا بأس بالتراويح مرتين في
مسجد أو مسجدين جماعة أو فرادى.
"ويكره التطوع بين التروايح" نص عليه وقال روي
عن عبادة وأبي الدرداء وعقبة بن عامر وظاهره
لا فرق بين الإمام وغيره لما فيه من التطويل
ولقلة مبالاتهم بمتابعة إمامهم ولا يكره
الطواف نص عليه قال ابن تميم مع إمامه .
"وفي التعقيب روايتان" كذا في الفروع إحداهما
يكره جزم به في
(2/21)
وهو أن يتطوع
بعد التراويح والوتر في جماعة. وصلاة الليل
أفضل من النهار و أفضلها وسط الليل.
----------------------------------
المذهب و المستوعب و التلخيص لمخالفة أمره
عليه السلام زاد أبو بكر والمجد ما لم ينتصف
الليل رواية واحدة ذكره ابن تميم وغيره
والثانية ونقلها عنه الجماعة وصححها في المغني
و الشرح وجزم بها في الوجيز أنه لا يكره لقول
أنس لا يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه
قيل والكراهة قول قديم نقله محمد بن الحكم.
"وهو أن يتطوع" أي يصلي مطلقا "بعد التراويح
و" بعد "الوتر في جماعة" نص عليه هذا بيان
لمعنى التعقيب وهو ظاهره أنه إذا تطوع بعدهما
وحده لا يكره وصرح به ابن تميم وذكره منصوصا
وظاهر المغني وغيره ولم يقيده في الترغيب
جماعة واختاره في النهاية ومحله عند القاضي
إذا لم يكن رقد وقيل أو أكل واستحبه ابن أبي
موسى لمن فسخ وتره.
"وصلاة الليل أفضل من النهار" وأفضلها وسط
الليل والنصف الأخير أفضل من الأول وصلاة
الليل أفضل من النهار لما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الصلاة
بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم وقال عمرو
بن العاص ركعة بالليل خير من عشر ركعات
بالنهار رواه ابن أبي الدنيا ولأنها أبلغ في
الإسرار وأقرب إلى الإخلاص فالتطوع المطلق
أفضله صلاة الليل قال أحمد ليس بعد المكتوبة
أفضل من قيام الليل وهل هي أفضل من السنن
الراتبة فيه خلاف.
"وأفضلها وسط الليل" ذكره جماعة منهم في
الوجيز قال آدم بن أبي إياس حدثنا أبو هلال
الراسبي عن الحسن مرفوعا" أفضل الصلاة بعد
المكتوبة الصلاة في جوف الليل الأوسط" وفي
الصحيح مرفوعا "أفضل الصلاة صلاة داود كان
ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" .
ويروى أن داود عليه السلام قال يا رب أي وقت
أقوم لك قال لا تقم أول الليل ولا آخره ولكن
وسط الليل حتى تخلو بي وأخلو بك ولم يذكر
(2/22)
والنصف الأخير
أفضل من الأول. وصلاة الليل مثنى مثنى وإن
تطوع في النهار بأربع فلا بأس.
-------------------------------------
الكافي والمذهب أن الأوسط أفضل وفي الرعاية
آخره خير ثم وسطه.
"والنصف الأخير أفضل من الأول" لقوله تعالى
{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ} [الذريات: 17، 18] وورد أن
العرش يهتز وقت السحر وفي الصحيح مرفوعا قال
"ينزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين
يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب
له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له"
ومن الثلث الأوسط والثلث بعد النصف أفضل مطلقا
نص عليه.
وعنه الاستغفار في السحر أفضل من الصلاة.
ولا يقومه كله إلا ليلة عيد وقيامه كله عمل
الأقوياء حتى ولا ليالي العشر قال أحمد إذا
نام بعد تهجده لم يبن عليه السهر وقيام الليل
من المغرب إلى طلوع الفجر والناشئة لا تكون
إلا بعد رقدة وتكره مداومة قيام الليل وهو
مستحب إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال "وصلاة الليل مثنى مثنى" متفق عليه فإن
زاد على ذلك فاختار ابن شهاب والمؤلف أنه لا
يصح قال أحمد فيمن قام في التراويح إلى ثالثة
يرجع وإن قرأ لأن عليه تسليما ولا بد للخبر
وعنه يصح مع الكراهة ذكره جماعة وهو المشهور
وسواء علم العدد أو نسيه قوله مثنى هو معدول
عن اثنتين اثنتين ومعناه معنى المكرر فلا يجوز
تكريره وإنما كرره عليه السلام للفظ لا للمعنى
وذكر الزمخشري منعت الصرف للعدلين عدلها من
صيغتها وعدلها عن تكرارها.
"وإن تطوع في النهار بأربع" كالظهر فلا بأس
لفعله عليه السلام رواه النسائي من حديث علي
وعن ابن عمر نحوه وعن أبي أيوب مرفوعا "من
تطوع قبل الظهر أربعا لا يسلم فيهن تفتح له
أبواب السماء" رواه أبو داود
(2/23)
والأفضل مثنى.
وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم. ويكون
في حال القيام متربعا.
-----------------------------------
والترمذي وصححه البخاري وإن لم يجلس إلا في
آخرهن فقد ترك الأولى يقرأ في كل ركعة مع
الفاتحة سورة فإن زاد على أربع نهارا كره
رواية واحدة وفي الصحة روايتان قاله في المذهب
وقدم في الفروع الصحة.
"والأفضل مثنى" لما روى علي بن عبد الله
البارقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"
رواه الخمسة وصححه البخاري وقال أحمد إسناده
جيد وعلي بن عبد الله روى له مسلم ولأنه أبعد
من السهو وأشبه بصلاة الليل وقيل لا يصح إلا
مثنى ذكره في المنتخب.
زيادة كثرة ركوع وسجود أفضل من طول قيام وقيل
نهارا وعنه طول القيام قدمه في الرعاية وعنه
التساوي اختاره المجد وحفيده وبالجملة ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه أو تطويله
فالأفضل اتباعه فيه وكان أحمد يعجبه أن يكون
له ركعات معلومة.
"وصلاة القاعد على النصف" في الأجر "من صلاة
القائم" لقوله عليه السلام في حديث عمران "من
صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر
القائم" رواه أحمد والبخاري وقي المستوعب إلا
المتربع رواه أحمد عن شاذان عن شريك عن
إبراهيم بن مهاجر عن مولاه السائب عن عائشة
مرفوعا بهذه الزيادة ومرادهم مع القدرة فأما
مع العجز فهما سواء ويتوجه فرضا ونفلا ما يأتي
في الجماعة في تكميل الأجر .
و يستحب أن "يكون في حال القيام متربعا" روي
عن ابن عمر وأنس قالت عائشة رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم يصلي متربعا رواه النسائي
والدارقطني وعنه يفترش وقاله زفر والفتوى عليه
وذكر أبو المعالى يحتبي وفي الوسيلة إن كثر
ركوعه وسجوده لم يتربع فعلى الأول يثني رجليه
في سجوده وكذا في حال ركوعه جزم به في
المستوعب و المحرر وعنه لا وهي أقيس لأن
(2/24)
وأدنى صلاة
الضحى : ركعتان وأكثرها ثمان. ووقتها إذا علت
الشمس.
----------------------------------------
هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم فينبغي أن
يكون على هيئته قال المؤلف وهذا أصح في النظر
إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس وأخذ به.
فرع: : لم يتعرض المؤلف للتطوع مضطجعا وظاهره
أنه لا يصح وقدمه في الفروع ونقل ابن هانئ
صحته ورواه الترمذي عن الحسن وهل يومئ أم يسجد
فيه وجهان وله القيام عن جلوس وكذا عكسه وخالف
فيها أبو يوسف ومحمد لأن الشروع ملزم كالنذر.
"وأدنى" أي "أقل صلاة الضحى ركعتان" لما روى
أبو هريرة قال أوصاني خليلي صلى الله عليه
وسلم بثلاث بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي
الضحى وأن أوتر قبل أن أنام وعن أبي الدرداء
نحوه متفق عليه وفي لفظ لأحمد ومسلم وركعتي
الضحى كل يوم
ويكره مداومتها بل تفعل غبا نص عليه لقول
عائشة ما رأيت البني صلى الله عليه وسلم يصلي
الضحى قط متفق عليه ولما فيه من التشبيه
بالفرائض وقال الآجري وابن عقيل وأبو الخطاب
يستحب مداومتها ونقله موسى بن هارون للخبر
السابق واختاره الشيخ تقي الدين لمن لم يقم في
ليله.
"وأكثرها ثمان" قاله الأصحاب لما روت أم هانئ
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات
ضحى متفق عليه واختار في الهدى أنها صلاة بسبب
الفتح شكرا لله تعالى وإن الأمراء كانوا
يصلونها إذا فتح الله عليهم وقاله بعض العلماء
وعن أحمد أكثرها اثنتا عشرة ركعة وهي في الشرح
احتمال لقول أنس إن النبي صلى الله عليه وسلم
قال "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له
قصرا في الجنة من ذهب" رواه ابن ماجه والترمذي
وقال غريب.
"ووقتها إذا علت الشمس" في الوجيز ومعناه أن
وقتها من خروج وقت النهي إلى أن تتعالى الشمس
والأفضل فعلها عند اشتداد حرها ؛
(2/25)
وهل يصح التطوع
بركعة ؟ على روايتين.
------------------------------------
لما روى زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال" صلاة الأوابين حين ترمض الفصال "
رواه أحمد ومسلم ومعناه أن تحمي الرمضاء وهي
الرمل فتبرك الفصال من شدة الحر ومنه سمي
رمضان ويمتد وقتها إلى قبيل الزوال .
"وهل يصح التطوع بركعة" أي بفرد "على روايتين"
كذا في الهداية إحداهما تصح قدمها في المحرر و
الفروع ونصرها أبو الخطاب وابن الجوزي وهو قول
عمر رواه سعيد حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه
عنه ولأن الوتر مشروع وهو ركعة والثانية لا
جزم بها في الوجيز وهي ظاهر الخرقي وقواها في
المغني لأنه خلاف قوله عليه السلام " صلاة
الليل مثنى مثنى " ولأنه لا يجزئ في الفرض
فكذا في النفل كالسجدة ولم يرد أنه فعل الوتر.
فرع: يجوز التطوع جماعة وقيل ما لم يتخذ عادة
وقيل يكره قال أحمد ما سمعته.
فصل:
تسن صلاة الاستخارة أطلقه الإمام والأصحاب
فظاهره ولو في حج وغيره من العبادات لحديث
جابر رواه البخاري ويستحب صلاة الحاجة إلى
الله تعالى وإلى آدمي لما روى عبد الله بن أبي
أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من
كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم
فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن
على الله تعالى وليصل على النبي صلى الله عليه
وسلم ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله الله العلي العظيم سبحان رب العرش
العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات
رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر لا تدع
لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة
هي لك رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين" رواه
ابن ماجه والترمذي وقال غريب وفي إسناده مقال
فإنه من رواية
(2/26)
------------------------------------
أبي الورقاء وهو مضعف في الحديث.
وصلاة التوبة لما روى علي قال حدثني أبو بكر
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهرثم يصلي
ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له" ثم قرأ
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَْ} إلى
آخرها رواه أبو داود والترمذي وقال حسن.
وعقب الوضوء للخبر الصحيح قال ابن هبيرة وأن
كان بعد عصر احتسب بانتظاره بالوضوء الصلاة
فيكتب له ثواب مصل.
وتحية المسجد فإن جلس قبل الصلاة سن له أن
يقوم فيصلي لأنه عليه السلام أمر رجلا بذلك
رواه مسلم.
وليلة العيدين في رواية وقال جمع لقوله عليه
السلام "من قام ليلتي العيدين محتسبا لم يمت
قلبه يوم تموت القلوب" رواه ابن ماجة من حديث
أبي أمامة وفيه بقية روايته عن أهل بلدة جيدة
وهو حديث حسن.
وصلاة التسبيح عند جماعة ونصه لا وضعف الخبر
المروي في ذلك وهو ما روى ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم علمها لعمه العباس أربع
ركعات يقرأ في كل ركعة الفاتحة وسورة ثم يسبح
ويحمد ويهلل ويكبر خمسة عشر مرة ثم يقولها في
ركوعه ثم في رفعه منه ثم في سجوده ثم في رفعه
منه ثم في سجوده ثم في رفعه منه عشرا عشرا ثم
كذلك في كل ركعة مرة في كل يوم ثم في الجمعة
ثم في الشهر ثم في العمر رواه أحمد وقال لا
يصح وأبو داود وابن خزيمة والآجري وصححوه
وادعى الشيخ تقي الدين أنه كذب وفيه نظر قال
المؤلف لا بأس بها فإن الفضائل لا يشترط لها
صحة الخبر وفيه نظر فإن عدم قول أحمد بها يدل
على أنه لا يرى العمل بالخبر الضعيف في
الفضائل.
ويستحب إحياء ما بين العشائين للخبر قال جماعة
وليلة عاشوراء وليلة
(2/27)
وسجود التلاوة
صلاة وهو سنة.
--------------------------------
أول رجب وليلة نصف شعبان وفي الرعاية وليلة
نصف رجب وفي الغنية وبين الظهر والعصر ولم
يذكر ذلك آخرون وهو أظهر وقيل وصلاة الرغائب
واختلف الخبر في صفتها والأصح أنها لا تفعل
قال ابن الجوزي وأبو بكر الطرسوسي هي موضوعة .
فصل:
"وسجود التلاوة صلاة" لأنه سجود لله تعالى
يقصد به التقرب إليه له تحريم وتحليل فكان
صلاة كسجود الصلاة فعلى هذا يشترط له ما يشترط
لصلاة النافلة في قول أكثر العلماء لقوله عليه
الصلاة والسلام " لا يقبل الله صلاة بغير طهور
" رواه مسلم فيدخل في عمومه السجود ولأنه سجود
أشبه سجدتي السهو وهو على الفور فلا يقضي
لأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد وقيل إن
طال الفصل: وهو ظاهر ما في الشرح لأنه إذا لم
يطل لم يبعد سببها وعنه وإن سمعها غير المتطهر
تطهر وسجد وقد سبق أنه لا يجوز التيمم لخوفه
فوته مع وجود الماء وقد حكى النووي الإجماع
على اشتراط الطهارة له وللشكر.
"وهو سنة" نص عليه وهو المذهب لقول زيد بن
أرقم قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم
{وَالنَّجْمِ} فلم يسجد فيها متفق عليه ورواه
الدارقطني ولفظه فلم يسجد منا أحد وقال عمر إن
الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء رواه
البخاري وعليها يسجد في الأصح في طواف مع قصر.
فصل:
ويتيمم محدث ويسجد مع قصره وإذا نسي سجدة لم
يعدها لأجله ولا يسجد لهذا السهو.
ونقل صالح وجوبه في الصلاة فقط وعنه مطلقا
لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ
(2/28)
للقارئ
والمستمع دون السامع. ويعتبر أن يكون القارئ
يصلح إماما له.
----------------------------------
عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ}
[الانشقاق:21]ولا يذم إلا على ترك واجب ولأنه
سجود يفعل في الصلاة أشبه سجود صلبها وجوابه
بأنه ينتقض عندهم بسجود السهو.
"للقارئ والمستمع" في الصلاة وغيرها بغير خلاف
علمناه ونص عليه لما روى ابن عمر قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السجدة
فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانا
لجبهته متفق عليه ولمسلم في غير صلاة والألف
واللام بدل الإضافة أي ومستمعه وبه عبر في
المحرر والوجيز والفروع لأنه كتال وكذا يشاركه
في الأجر فدل على المساواة قال في الفروع وفيه
نظر.
وروى أحمد بإسناد فيه مقال عن أبي هريرة
مرفوعا "من استمع آية كتبت له حسنة مضاعفة ومن
تلاها كانت له نورا يوم القيامة" لكن لا يسجد
في صلاة لقراءة غير إمامه في الأصح كما لا
يسجد مأموم لقراءة نفسه فإن فعل بطلت في وجه
وعنه يسجد وعنه في نفل وقيل يسجد إذا فرغ.
"دون السامع" جزم به معظم الأصحاب وهو المنصوص
لما روي أن عثمان بن عفان مر بقاص فقرأ سجدة
ليسجد معه عثمان فلم يسجد وقال إنما السجدة
على من استمع ولا يعلم له مخالف في عصره ولأنه
لا يشارك القارئ في الأجر فلم يشاركه في
السجود وفيه وجه يسجد كالمستمع.
"ويعتبر أن يكون القارئ يصلح إماما له" أي
يجوز اقتداؤه به لما روى عطاء أن رجلا من
الصحابة قرأ سجدة ثم نظر إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا
معك رواه الشافعي مرسلا وفيه إبراهيم بن يحيى
وفيه كلام
(2/29)
فإن لم يسجد
القارئ لم يسجد. وهو أربع عشرة سجدة.
---------------------------------
وقال ابن مسعود لتميم بن خذلم وهو غلام يقرأ
عليه سجدة فقال اسجد فإنك إمامنا فيها رواه
البخاري تعليقا.
فلا يسجد قدام إمامه ولا عن يساره مع خلو
يمينه ولا رجل لتلاوة امرأة وخنثى وقيل بلى في
الكل كما يسجد لتلاوة أمي وزمن لأن ذلك ليس
بواجب عليه ولا يسجد رجل لتلاوة صبي في وجه.
"فإن لم يسجد القارئ لم يسجد" نص عليه لقوله
ولو سجدت سجدنا معك وقدم في الوسيلة أنه إذا
كان التالي في غير صلاة ولم يسجد سجد مستمعه
قال أحمد إذا ترك الإمام السجود فإن شاء أتي
به.
تنبيه: لا يجزئ ركوع ولا سجود عن سجدة التلاوة
في الصلاة نص عليه لأنه سجود مشروع أشبه سجود
الصلاة وعنه بلى وعنه يجزئ ركوع الصلاة وحده
ذكرها في المستوعب وهي قول القاضي لقوله تعالى
{وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [صّ: من
الآية24] وأجيب بأن المراد به السجود لقوله
{وَخَرَّ} وذكر في المذهب أنه إن جعل مكان
السجود ركوعا لم يجزئه وبطلت صلاته .
فائد: ذكر في المغني و الشرح أن السجدة إذا
كانت آخر السورة سجد ثم قام فقرأ شيئا ثم ركع
من غير قراءة وإن شاء ركع في آخرها لأن السجود
يؤتى به عقيب الركوع نص عليه وهو قول ابن
مسعود.
"وهو أربع عشرة سجدة" وهذا هو المشهور والصحيح
من المذهب وعنه خمس عشرة لما روى أبو داود عن
عمرو ابن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم
أقرأه خمس عشرة سجدة فعلى هذا سجدة ص من عزائم
السجود وأختاره أبو بكر وابن عقيل.
والصحيح أنها ليست من عزائم السجود بل سجدة
شكر لما روى البخاري عن ابن عباس قال ص ليست
من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم
(2/30)
في الحج منها
اثنتان ويكبر إذا سجد وإذا رفع.
------------------------------
يسجد فيها وقال البني صلى الله عليه وسلم سجد
داود توبة ونسجدها شكرا رواه النسائي.
فعلى هذا يسجد خارج الصلاة فإن سجد فيها عالما
بطلت ذكره الجماعة وقيل لا تبطل وهو أظهر لأن
سببها من الصلاة فإذا سقط منها بقي أربع عشرة
منها ثلاث في المفصل: لأنه عليه السلام سجد في
النجم وسجد معه المسلمون والمشركون رواه
البخاري من حديث ابن عباس وسجود الفريقين معه
لكونها أول سجدة لا لغيره وعن أبي هريرة قال
سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الانشقاق وفي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} رواه
مسلم.
"في الحج منها اثنتان" هذا قول عمر وابنه وعلي
وأبي الدرداء وأبي موسى وابن عباس لقوله عليه
السلام" في الحج سجدتان " رواه أبو داود وابن
ماجه من حديث عمرو بن العاص وهو من رواية عبد
الله بن منين عن عمرو ولم يرو عنه غير الحارث
بن سعيد وقوله صلى الله عليه وسلم " من لم
يسجدهما فلا يقرأهما " رواه أحمد وغيره من
رواية ابن لهيعة وعنه الأولى فقط وعنه عكسه.
تنبيه: إذا قرأ سجدة ثم أعادها ففي تكرارها
وجهان وقيل يوحدها الراكب في صلاة ويكرره غيره
ويتوجه مثله تحية مسجد إن تكرر دخوله ويأتي
فيمن تكرر دخوله مكة.
فائد: موضع سجدة ص عند {وَأَنَابَ} و حم عند
{يَسْأَمُونَ} لأنه من تمام الكلام وقيل
{يَعْبُدُونَ} واختاره جماعة لأن الأمر
بالسجود فيها وعنه يخير.
"ويكبر إذا سجد و"يكبر "إذا رفع" هذا هو
المذهب لما تقدم من حديث ابن عمرو ولأنه سجود
مفرد أشبه السجود بعد السلام للسهو وقيل لا
يكبر للرفع منه بل يسلم إذا رفع وهو ظاهر
الخرقي وقيل إن كان في غير
(2/31)
ويجلس ويسلم
ولا يتشهد فإن سجد في الصلاة رفع يديه نص عليه
وقال القاضي : لا يرفعهما.
---------------------------------------
الصلاة كبر للإحرام والسجود والرفع منه وقاله
أبو الخطاب وصححه في الرعاية كما لو صلى
ركعتين.
"ويجلس" كذا قاله في المحرر و الوجيز لأنهما
صلاة يشترط لها التكبير فاشترط لها ذلك ولم
يذكره آخرون والمراد الندب ولهذا لم يذكروا
جلوسه في الصلاة لذلك.
"ويسلم" وهو ركن في أصح الروايتين ويجزئ واحدة
نص عليه وعنه لا يجزئ إلا اثنتان ذكرها القاضي
في المجرد وعنه لا سلام له لأنه لم ينقل" ولا
يتشهد" لأنه صلاة لا ركوع فيه فلم يشرع التشهد
كصلاة الجنازة بل لا تسن نص عليه وخرج أبو
الخطاب أنه يتشهد قياسا على الصلاة وفيه بعد
والأفضل سجوده عن القيام فإن سجد عن جلوس فحسن
قاله أحمد.
مسألة: يقول فيه وفي سجود الشكر سبحان ربي
الأعلى وجوبا وإن زاد ما ورد فحسن وذكر في
الرعاية أنه يخير بين التسبيح وبين ما ورد
والأولى أن يقول فيه ما يليق بالآية.
"فإن سجد في الصلاة رفع يديه نص عليه" قدمه
جماعة وجزم به في الوجيز لما روى وائل بن حجر
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل
رفع وخفض ويرفع يديه في التكبير.
"وقال القاضي لا يرفعها" وهو رواية وفي الشرح
أنه قياس المذهب لقول ابن عمر كان لا يفعل في
السجود متفق عليه وهو مقدم على الأول لأنه أخص
منه وأطلق في الفروع الخلاف وظاهره أنه
يرفعهما إن كان في غير صلاة في الأصح.
أصل يكره اختصار السجود وهو جمع آياته
وقراءتها في وقت ليسجد
(2/32)
ولا يستحب
للإمام السجود في صلاة لا يجهر فيها فإن فعل
فالمأموم مخير بين اتباعه وتركه ويستحب سجود
الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم.
-----------------------------
فيها وقيل هو أن يحذف في قراءته آيات السجود
قال المؤلف وكلاهما محدث وفيه إخلال بالترتيب.
"ولا يستحب للإمام السجود في صلاة لا يجهر
فيها" ولا قراءة السجدة فيها بل يكرهان ذكره
جماعة منهم صاحب الفروع لأن فيه إبهاما على
المأمومين وقيل لا يكره لما روى ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الظهر ثم قام
فركع فرأى أصحابه أنه قرأ {تَنْزِيلُ} السجدة
رواه أبو داود وفي المغني والشرح اتباع السنة
أولى.
"فإن فعل المأموم مخير بين اتباعه وتركه" هذا
قول أكثر الأصحاب لأنه ليس بمسنون للإمام ولم
يوجد المقتضي للسجود. وقال القاضي يلزمه
متابعته واختاره المؤلف لقوله "إنما جعل
الإمام ليؤتم به" وما ذكروه ينتقض بالأطرش
والبعيد ومقتضاه أنه يلزمه متابعته في صلاة
الجهر وهو الأصح وأنه لا تكره قراءتها فيها
وكذا يخرج في وجوب متابعته في سجود سهو مسنون
وتشهد أول إن قلنا هو سنة قاله ابن تميم .
"ويستحب سجود الشكر" خلافا لأبي حنيفة ومالك
في كراهته وفي ابن تميم لأمير الناس وهو غريب
"عند تجدد النعم واندفاع النقم" كذا قاله
جمهور أصحابنا لما روى أبو بكرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر
به خر ساجدا رواه أحمد والترمذي وقال حسن غريب
والعمل عليه عند أكثر العلماء وسجد عليه
السلام حين قال له جبريل يقول الله من صلى
عليك صليت عليه ومن سلم سلمت عليه رواه أحمد
وسجد حين شفع في أمته فأجيب رواه أبو داود
وسجد الصديق حين جاءه قتل مسيلمة رواه سعيد
وسجد علي حين رأى ذا الثدية في الخوارج رواه
أحمد وسجد كعب حين بشر بتوبة الله عليه وقصته
متفق عليها .
(2/33)
ولا يسجد له في
الصلاة.
------------------------------
وظاهره لا فرق بين النعم الباطنة والظاهرة
وقيده القاضي وجماعة بالظاهرة لأن العقلاء
يهنؤون بالسلامة من العارض ولا يفعلونه في كل
ساعة وظاهره أنه يسجد لأمر يخصه وهو المنصوص
ويشترط لها ما يشترط لسجود التلاوة.
"ولا يسجد له في الصلاة" لأن سببه ليس منها
فإن فعل بطلت إلا أن يكون جاهلا أو ناسيا وعند
ابن عقيل فيه روايتان من حمد لنعمة أو استرجع
لمصيبة واستحبه ابن الزاغواني فيها كسجدة
التلاوة وفرق القاضي بأن سبب سجود التلاوة
عارض في الصلاة وإذا رأى مبتلى في دينه سجد
بحضوره وإن كان في بدنه كتمه عنه قال إبراهيم
النخعي كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية
بحضرة المبتلى ذكره ابن عبد البر.
(2/34)
فصل:
في أوقات النهي.
وهي خمسة: بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد
العصر حتى تغرب.
------------------------------
فصل:
في أوقات النهي
"وهي خمسة" هذا هو المشهور في المذهب وظاهر
الخرقي أنها ثلاثة بعد الفجر حتى تطلع الشمس
وبعد العصر حتى تغرب وهو يشمل وقتين ولعله
اعتمد على أحاديث عمر وأبي هريرة وأبي سعيد.
"بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى
تغرب" لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال "لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى
تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغيب
الشمس" متفق عليه وفيهما من حديث عمر وأبي
هريرة مثله إلا أنهما قالا بعد الفجر وبعد
العصر.
(2/34)
وعند طلوع
الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول
وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب.
----------------------------------
ويتعلق النهي من طلوع الفجر الثاني نص عليه
وهو قول الأكثر لما روى ابن عمر مرفوعا " لا
صلاة بعد الصبح إلا ركعتين " رواه أحمد
والترمذي وقال هذا ما أجمع عليه أهل العلم وفي
لفظ للترمذي "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا
ركعتي الفجر" وعن ابن المسيب نحوه مرسلا رواه
البيهقي وعنه من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس
اختاره أبو محمد رزق الله التميمي وذكر في
التحقيق أنه قول أكثرهم وفي العصر يفعلها إلا
بالوقت بغير خلاف نعلمه وظاهره ولو في وقت
الظهر جمعا وتفعل سنة الظهر بعدها ولو في جمع
تأخير والاعتبار بالفراغ منها لا بالشروع قاله
غير واحد.
"وعند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح" هو بكسر
القاف أي قدر رمح والظاهر أنه الرمح المعروف
وقال في المستوعب حتى تبيض وعند قيامها حتى
تزول وظاهره ولو في يوم الجمعة وفيه وجه لا
نهي فيه واختاره الشيخ تقي الدين وظاهره ولو
لم يحضر الجامع لظاهر الخبر والأصل بقاء
الإباحة إلى أن يعلم.
"وإذا تضيفت للغروب" أي مالت له وعنه إذا
اصفرت حتى تغرب لما روى مسلم عن عقبة بن عامر
قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين
تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم
الظهيرة حتى تزول وحين تضيف الشمس للغروب حتى
تغرب .
وعن عمرو بن عبسة معناه بأطول منه رواه أحمد
ومسلم وفيه فإنها تطلع وتغيب بين قرني شيطان
والمراد به حزبه وأتباعه وقيل قوته وغلبته.
وقيل هما جانبا الرأس ومعناه أنه يدني رأسه
إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها
من الكفار كالساجدين له في الصورة فيكون له
ولشيعته تسلط ظاهر من أن يلبسوا على المصلين
صلاتهم كما منع من
(2/35)
ويجوز قضاء
الفرائض فيها وتجوز صلاة الجنازة.
-----------------------------------
الصلاة في الأماكن التي هي مأوى الشيطان وفي
حديث عمرو بن عبسة ثم أقصر عن الصلاة فإن
حينئذ تسجر جهنم فهو معلل حينئذ وظاهره لا فرق
بين مكة وغيرها في ذلك وعنه لا نهى بمكة
ويتوجه إن قلنا الحرام كمكة في المرور بين يدي
المصلي أن هنا مثله.
وكلامه في الخلاف أنه لا يصلي فيه اتفاقا وعنه
ولا نهى بعد عصر وعنه ما لم تصفر ولا بين
الشتاء والصيف.
"ويجوز قضاء الفرائض فيها" لقوله عليه السلام
" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
لا كفارة لها إلا ذلك" وعنه لا يجوز لعموم
النهي.
وأجيب بأنه محمول على التطوع جمعا بين الأدلة
وكذا الخلاف عندنا في النذر ولا فرق بين أن
يكون مطلقا أو معينا فلو نذرها وقت نهي انعقدت
مع الكراهة ومع التحريم لا تنعقد وقيل لا
تنعقد وقت نهي مطلقا.
"وتجوز صلاة الجنازة" بعد الفجر والعصر إجماعا
لطولهما فإن الانتظار فيهما يضر بالميت زاد
ابن تميم وحكاه في الرعاية قولا الفرض منها
وعنه لا يصلي بعد الفجر حتى تطلع الشمس وظاهره
أنه لا يصلي على قبر وغائب وقت نهي وقيل نفلا
وصحح في المذهب يجوز على قبر في الوقتين
الطويلين لطول زمانهما وحكي مطلقا وفي الفصول
لا يجوز بعد العصر لأن العلة في جوازه على
الجنازة خوف الانفجار وقد أمن في القبر قال في
الفروع وصلى قوم من أصحابنا بعد العصر بفتوى
بعض المشايخ ولعله قاس على الجنازة وحكي لي
عنه أنه علل بأنها مفروضة وهذا يلزم عليه
فعلها في الأوقات الثلاثة.
فرع: تقدم الجنازة على صلاة الفجر والعصر
وتؤخر عن الباقي وذكر في المذهب أنه يبدأ
بالجنازة مع سعة الوقت ومع ضيقه بالفرض قولا
واحدا.
(2/36)
وركعتا الطواف
وإعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد بعد
الفجر والعصر. وهل تجوز في الثلاثة الباقية؟
على روايتين.
--------------------------------
"و" تجوز "ركعتا الطواف" فيهما وهو قول جماعة
من الصحابة لما روى جبير بن مطعم أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " لا تمنعوا أحدا طاف بهذا
البيت وصلى فيه في أي ساعة شاء من ليل أو نهار
" رواه الترمذي وصححه ولأنهما تابعتان للطواف
ويجوز فرضه ونفله وقت النهي وعنه لا يجوز
لعموم النهي وأجيب بأنه مستثنى من حديث ابن
عباس مع أن حديثنا لا تخصيص فيه .
"و" يجوز "إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في
المسجد بعد الفجر والعصر" لما روى يزيد بن
الأسود قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو برجلين لم
يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا
يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال لا تفعلا
إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة
فصليا معهم فإنها لكما نافلة رواه الترمذي
وصححه وهذا نص في الفجر والعصر مثله ولأنه متى
لم يعد لحقه تهمة في حقه وتهمة في حق الإمام
فصريحه أنه يشترط لذلك أن يكون في المسجد مع
الجماعة وعبر به غير واحد.
وذكر في الشرح أن ظاهر كلامه لا فرق بين
المصلي جماعة أو فرادى وفيه شيء وعنه لا يجوز
لعموم النهي وجوابه واضح.
وشرط القاضي لجوازه أن تكون إعادتها مع إمام
الحي وهو ظاهر ما في المستوعب و التلخيص وفي
الوجيز كالمقنع إلا أنه قال إلا المغرب بمسجد
غير الثلاثة هو فيه قال جماعة أو دخل وهم
يصلون بعدهما لكن قال ابن تميم وغيره لا يستحب
الدخول.
"وهل تجوز في الثلاثة الباقية على روايتين".
إحداهما لا تجوز على الجنازة فيها قدمه في
المحرر و الرعاية ونصره المؤلف لحديث عقبة
وذكره الصلاة مع الدفن ظاهر في الصلاة على
الميت ,
(2/37)
ولا يجوز
التطوع بغيرها في شيء من هذه الأوقات الخمسة
إلا ما له سبب كتحية المسجد وسجود التلاوة
وصلاة الكسوف وقضاء السنن الراتبة فإنها على
روايتين.
-------------------------------
وكالنوافل ولأنها أوقات خفيفة لا يخاف على
الميت فيها.
والثانية تجوز للعموم ولأنها أبيحت في بعض
الأوقات فتباح في الباقي كالفرائض وحكاهما في
المذهب في الكراهة وقال ابن أبي موسى يصلى
عليها في جميع الأوقات إلا حال الغروب زاد في
الرعاية والزوال ومحل ذلك ما لم يخف عليه فإن
خيف صلي عليه في كل وقت رواية واحدة.
وفي الطواف يجوز قولا واحدا قاله في المذهب و
التلخيص وقدمه في المحرر وعنه لا يجوز لحديث
عقبة ويجوز فيها إعادة الجماعة لتأكيد ذلك
للخلاف في وجوبه والثانية المنع لحديث عقبة.
"ولا يجوز التطوع بغيرها" أي يحرم ابتداء
التطوع المطلق "في شيء من هذه الأوقات الخمسة"
لما تقدم وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها رواه أبو
داود قالت أم سلمة سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم ينهى عنهما عن الركعتين بعد العصر ثم
رأيته يصليهما وقال " يا بنت أبي أمية إنه
أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين
اللتين بعد الظهر فهما هاتان " متفق عليه قال
الزركشي وهذا مما لا خلاف فيه وفيه شيء فإنه
روي عن أحمد أنه قال لا نفعله ولا نعيب على من
يفعله.
وعنه: الرخصة بعد العصر ما لم تصفر الشمس قال
ابن المنذر رخصت فيه طائفة بعد العصر مطلقا
منهم علي والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان
بن بشير وأيوب وعائشة وظاهره أنه لو خالف
وأحرم به لم ينعقد وذكره في التلخيص وغيره
الصحيح من المذهب وعنه بلى. وفي جاهل روايتان
قال ابن تميم وظاهر الخرقي أن إتمام النفل في
وقت النهي لا بأس به ولا يقطعه بل يخففه
"إلا ما له سبب كتحية المسجد وسجود التلاوة
وصلاة الكسوف ,
(2/38)
باب صلاة
الجماعة
-------------------------------------
وقضاء السنن الراتبة فإنها على روايتين"
إحداهما يجوز الكل فيها اختارها صاحب الفصول
والمذهب والمستوعب والشيخ تقي الدين وألحق به
الاستخارة فيما ينوب وعقب الوضوء لقوله "إذا
دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين"
وقوله "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا
ذكره" وقوله "إن الشمس والقمر آتيان من آيات
الله فإذا رأيتموها فصل:وا" هذا وإن كان عاما
من وجه فهو خاص من وجه آخر فيترجح على أحاديث
النهي بحديث أم سلمة وكتحية المسجد حال خطبة
الجمعة وليس عليها جواب صحيح وأجاب القاضي بأن
المنع هنا اختص الصلاة فهو آكد وهذا على العكس
أظهر قال مع أن القياس المنع تركناه لخبر سليك
وسجود التلاوة مستحب مأمور به.
والثانية المنع اختاره الأكثر قاله الشريف
وابن الزاغواني وصححه القاضي وصاحب الوسيلة
وهو أشهر لعموم النهي وإنما ترجح عمومها على
أحاديث التحية وغيرها لأنها حاظرة وتلك مبيحة
أو نادبة والصلاة بعد العصر من خصائصه عليه
السلام.
فعلى هذا لا يسجد لتلاوة في وقت قصير وعنه
يقضي ورده ووتره قبل صلاة الفجر وعنه يقضي
وتره والسنن مطلقا إن خاف إهمالها أو نسيانها
واختار المؤلف يقضي سنة الفجر بعدها ويقضي
غيرها بعد العصر.
ولم يتعرض المؤلف لصلاة الاستسقاء وفي المغني
و الشرح أنها لا تفعل وقت نهي بلا خلاف وذكر
جماعة روايتين وصحح السامري الجواز والله
أعلم.
باب صلاة الجماعة
شرع لهذه الأمة ببركة نبيها محمد صلى الله
عليه وسلم الاجتماع للعبادة في أوقات معلومة ,
(2/39)
وهي واجبة
للصلوات الخمس على الرجال لا شرط.
------------------------------
فمنها ما هو في اليوم والليلة للمكتوبات ومنها
ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة ومنها ما هو
في السنة متكررا وهو صلاتا العيدين لجماعة كل
بلد ومنها ما هو عام في السنة وهو الوقوف
بعرفة لأجل التوصل والتوادد وعدم التقاطع.
"وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال لا شرط"
نص عليه وهو قول الأكثر وقاله عطاء والأوزاعي
لقوله تعالى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: من
الآية102] فأمر بالجماعة في حال الخوف ففي
غيره أولى يؤكده قوله تعالى {وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ} [البقرة: من الآية43] وقد روى
أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة
الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا
ولقد هممت بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي
بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب
إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم
بالنار " متفق عليه وعنه شرط ذكرها في الواضح
والإقناع وصححها ابن عقيل قياسا على الجمعة
لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا
من عذر " رواه أبو داود من رواية يحيى بن أبي
حية وهو ضعيف وصحح عبد الحق أنه من قول ابن
عباس ورواه ابن ماجه والبيهقي وإسناده ثقات
لكن قال الشريف لا يصح عن أصحابنا في كونها
شرطا.
وعنه سنة وقاله أكثر العلماء لما روى ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة
الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "
وفي حديث أبي سعيد " بخمس وعشرين درجة " رواه
البخاري ذكر ابن هبيرة أنه نشأ من ضرب خمسة في
مثلها ويزاد على ذلك الوحدة والاجتماع وذكر
الشيخ تقي الدين وجها أنها فرض كفاية ومقاتلة
تاركها كالأذان.
وعلى الأول ينعقد باثنين جمعة وعيد ولو أنثى
وعبد لا بصبي في فرض نص عليه .
(2/40)
وله فعلها في
بيته في أصح الروايتين.
-----------------------------------
ويشترط فيهم أن يكونوا أحرارا ولو سفرا في شدة
خوف فلو صلى منفرد مطلقا صحت ولا ينقص أجره مع
لعذر وبدونه في صلاته فضل خلافا لأبي الخطاب
وغيره في الأولى ولنقله عن أصحابنا في
الثانية.
وكذا قيل للقاضي عندكم لا فضل في صلاة الفذ
فقال قد تحصل المفاضلة بين شيئين ولا خير في
أحدهما وفيه نظر لأنه يلزم من ثبوت النسبة
بينهما بجزء معلوم ثبوت الأجر فيهما وإلا فلا
نسبة ولا تقدير
واختار الشيخ تقي الدين كأبي الخطاب فيمن
عادته الانفراد مع العذر وإلا تم أجره وذكر في
موضع آخر أن من صلى قاعدا لعذر له أجر القائم
واختاره جماعة لما روى أحمد والبخاري أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " إذا مرض العبد أو
سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما " قال في
الفروع ويتوجه احتمال تساويهما في أصل الأجر
وهو الجزاء أو الفضل بالمضاعفة.
وظاهره أنها لا تجب على النساء بل يستحب لهن
وعنه لا وعنه يكره ومال أبو يعلى الصغير إلى
وجوبها إذا اجتمعت ولا الصبيان إلا على رواية
وجوبها عليهم قاله في المذهب ولا خنثى مشكل
قاله ابن تميم وفي وجوبها لفائتة والمنذورة
وجهان.
فرع: للنساء حضور جماعة الرجال وعنه الفرض
وكرهه القاضي وابن عقيل للشابة وهو أشهر
والمراد المستحسنة وقيل يحرم في الجمعة وغيرها
مثلها فمجالس الوعظ كذلك وأولى.
"وله فعلها في بيته في أصح الروايتين"كذا قاله
جمع ونصره المؤلف لقوله عليه السلام " جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة
فليصل حيث أدركته " متفق عليه وفعلها في
المسجد هو السنة والثانية يجب فعلها في المسجد
زاد في الشرح و الرعاية قريب منه لقوله عليه
السلام " لاصلاة لجار المسجد إلا في المسجد "
وعن مثله وزاد:
(2/41)
ويستحب لأهل
الثغر الاجتماع في مسجد واحد والأفضل لغيرهم
الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة
إلا بحضوره ثم ما كان أكثر جماعة ثم في المسجد
العتيق.
------------------------------
جار المسجد من أسمعه المنادي رواه البيهقي
بإسناده جيد وقيل لا يصح في غيرمسجد مع القدرة
عليه وهو بعيد وفي المحرر إن فعلها في المسجد
فرض كفاية وعنه فرض عين لإرادة التحريق.
"ويستحب لأهل الثغر" هو موضع المخافة من فروج
البلدان "الاجتماع في مسجد واحد" لأنه أعلى
للكلمة وأوقع للهيبة فإذا جاءهم خبر عن عدوهم
سمعه جميعهم وتشاوروا في أمرهم وإن جاء عين
للكفار رأى كثرتهم فأخبر بها قال الأوزاعي لو
كان الأمر إلي لسمرت أبواب المساجد التي
للثغور ليجتمع الناس في مسجد واحد.
"الأفضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام
فيه الجماعة إلا بحضوره" لأنه يحصل به ثواب
عمارة المسجد وتحصيل للجماعة لمن يصلي فيه
وذلك معلوم في حق غيره زاد في الشرح وابن تميم
وكذلك إن كانت تقام فيه مع غيبته إلا أن في
قصد غيره كسر قلب جماعة فجبر قلوبهم أولى
"ثم ما كان أكثر جماعة" ذكره في الكافي وغيره
وفي الشرح أنه الأولى وصححه ابن تميم لما روى
أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
صلاة الرجل مع رجل أزكى من صلاته وحده وصلاته
مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما هو
أكثر فهو أحب إلى الله " رواه أحمد وأبو داود
وصححه ابن حبان.
"ثم" إن استويا فيكون الأفضل فعلها "في المسجد
العتيق" لأن الطاعة فيه أسبق والمذهب أنه يقدم
على الأكثر جماعة وقيل إن استويا في القرب
والبعد قال في الرعاية وهو أظهر وفي الوجيز
العتيق أفضل ثم
(2/42)
وهل الأولى قصد
الأبعد أو الأقرب؟ على روايتين. ولا يؤم في
مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه إلا أن يتأخر
لعذر فإن لم يعلم عذره انتظر وروسل.
-----------------------------------
الأبعد ثم ما تمت جماعته.
"وهل الأولى قصد الأبعد أو الأقرب على
روايتين" إحداهما قصد الأبعد أفضل جزم به في
الوجيز وقدمه في المحرر و الفروع لما روى أبو
موسى مرفوعا "إن أعظم الناس في الصلاة أجرا
أبعدهم ممشى" رواه مسلم ولكثرة حسناته بكثرة
خطاه.
والثانية قصد الأقرب لما تقدم ولأن له جوارا
فكان أحق بصلاته كما أن الجار أحق بمعروف جاره
وكما لو تعلقت الجماعة بحضوره وقيل يقدمان على
الأكثر جمعا.
مسأله: قدم الجماعة مطلقا على أول الوقت ذكروه
في كتب الخلاف وهل فضيلة أول الوقت أفضل أم
انتظار كثرة الجمع فيه وجهان.
"ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه"
قال أحمد ليس لهم ذلك وصرح في الكافي
والمستوعب والمحرر والفروع بأنها تحرم لأنه
بمنزلة صاحب البيت وهو أحق بها لقوله عليه
السلام " لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا
بإذنه " ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه وتبطل
فائد: اختصاصه بالتقدم ومع الإذن هو نائب عنه
وحيث قلنا بأنه يحرم فظاهره أنها لا تصح وفي
الرعاية تصح مع الكراهة ويستثنى منه ما إذا
كان سلطانا فإنه أحق من إمام المسجد.
"إلا أن يتأخر لعذر" لصلاة أبي بكر بالناس حين
غاب النبي صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن
عوف ليصلح بينهم متفق عليه وفعل ذلك عبد
الرحمن بن عوف مرة فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " أحسنتم " رواه مسلم وفي الكافي يجوز مع
غيبة الإمام الراتب والأشهر لا إلا مع تأخره
وضيق الوقت .
(2/43)
ما لم يخش خروج
الوقت فإن صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد
استحب له إعادتها إلا المغرب وعنه يعيدها
ويشفعها برابعة.
------------------------------
"فإن لم يعلم عذره انتظر وروسل" لأن الائتمام
به سنة وفضيلة فلا يترك مع الإمكان ولما فيه
من الافتئات بنصب غيره وقيده في الفروع تبعا
لغيره بما إذا كان قريبا ولم يحصل به مشقة
وتأخر عن وقته المعتاد
"ما لم يخش خروج الوقت" فإنه يقدم غيره لئلا
يفوت الوقت وتصير الصلاة قضاء وكذا إن كان
بعيدا أو لم يغلب على الظن حضوره أو غلب ولا
يكره ذلك صلوا قاله ابن تميم والجد في فروعه.
"فإن صلى" فريضة وظاهره ولو في الجماعة "ثم
أقيمت الصلاة" في جماعة "وهو في المسجد" أو
جاءه غير وقت نهي ولم يقصد الإعادة أو دخل
إليهم وهم يصلون قاله في المغني والشرح "استجب
له إعادتها" ذكره جمع لما تقدم ولئلا يتوهم
رغبته عنه وظاهره لا فرق في إعادتها مع إمام
الحي أو غيره وقال القاضي يستحب مع إمام الحي
وقد سبق وقد علم أنها لا تجب الإعادة وعنه بلى
مع إمام الحي بشرطه
"إلا المغرب" قدمه الأكثر لأن التطوع لا يكون
بركعة ولو كان صلى وحده ذكره القاضي وغيره.
وعنه صححه ابن عقيل وابن حمدان للعموم لما روي
عن حذيفة أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وكان
قد صلاهن في جماعة رواه الأثرم.
"ويشفعها برابعة" في المنصوص يقرأ فيها بالحمد
وسورة كالتطوع نقله أبو داود وفيه وجه لا
يشفعها وهو ينبني على صحة التطوع بفرد وإن لم
يشفعها صحت والأولى فرضه نص عليه لأنها وقعت
فريضة فأسقطت الفرض وكإعادتها منفردا ذكره
القاضي وغيره ولهذا ينوي المعادة نفلا.
وفي مذهب مالك هل ينوي فرضا أو نفلا أو إكمال
الفضيلة أو يفوض
(2/44)
ولا تكره إعادة
الجماعة في غير المساجد الثلاثة.
-----------------------------------
الأمر إلى الله تعالى ومذهب الشافعي ينوي
الفرض ولو كانت الأولى فرضه قال بعض أصحابنا
ينوي ظهرا أو عصرا ولا يتعرض للفرض وعند بعضهم
كلاهما فرض كفرض الكفاية إذا فعله طائفة ثم
فعله طائفة أخرى.
فرع: المسبوق في ذلك يتمه بركعتين من الرباعية
نص عليه لقوله عليه السلام "وما فاتكم فأتموا"
وقيل يسلم معه.
"ولا تكره إعادة الجماعة" أي إذا صلى إمام
الحي ثم حضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا
جماعة هذا قول ابن مسعود وذكره بعضهم رواية
واحدة لعموم قوله " تفضل صلاة الجماعة على
صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " وقوله " من
يتصدق على هذا فليصل معه " فقام رجل من القوم
فصلى معه رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي
سعيد وإسناده جيد وحسنه الترمذي.
وقال القاضي يكره لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب
ولأنه مسجد له إمام راتب فكره فيه إعادة
الجماعة كالمسجد الحرام وقيل في غير مساجد
الأسواق وهو ظاهر وقيل المساجد العظام وقيل لا
يجوز والأول أولى لأنه قادر على الجماعة
فاستحب له كالمسجد الذي في ممر الناس وحينئذ
يؤذن لها ويقيم قاله ابن تميم ويكره قصدها
للإعادة زاد بعضهم ولو كان صلى فرضه وحده
ولأجل تكبيرة الإحرام لفوتها له لا لقصد
الجماعة نص على ذلك قال في التلخيص وفضيلة
التكبير الأولى لا تحصل إلا بشهود تحريم
الإمام
"في غير المساجد الثلاثة" فإنه يكره إعادتها
فيها روي عن أحمد قال في الشرح وذكره أصحابنا
لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام
الراتب فيها وتعظيما لها وما ذكره في المسجد
الأقصى وهو رواية والمذهب أنه يكره في مسجد
مكة والمدينة وعلله أحمد بأنه أرغب في توفير
الجماعة وعنه يكره في المساجد الحل وغيرها مع
كثرة الجمع إلا مع ثلاثة أنفس أو
(2/45)
وإذا أقيمت
الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وإن أقيمت وهو
في نافلة أتمها إلا أن يخشى فوات الجماعة
فيقطعها وعنه يتمها ومن كبر قبل سلام الإمام
فقد أدرك الجماعة.
----------------------------
أقل قال في الرعاية وفيه بعد.
مسألة: ليس للإمام إعادة الصلاة مرتين وجعل
الثانية عن فائتة أو غيرها والأمة متفقون على
أنه بدعة مكروهة ذكره الشيخ تقي الدين
"وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"
رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا وكان عمر
يضرب على صلاة بعد الإقامة وظاهره أنه لا يجوز
ابتداء فعل نافلة بعد أقامة الفريضة مع أن
صلاة نكرة في سياق النفي فتعم لكن بعد الفائتة
تجوز بشرطه
"وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها خفيفة" لقوله
تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:
من الآية33] وظاهره ولو خارج مسجد قال ابن
تميم وغيره لا يزيد على ركعتين إلا أن يكون قد
شرع في الثالثة نص عليه فإن سلم عنها جاز "إلا
أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها" لأن الفرض أهم
وظاهره أنه أراد وخص صاحب النهاية بفوات
الركعة الأولى قال ابن منجا وكل متجه لكن في
حمل كلامه على ما ذكر نظر "وعنه" يتمها للآية
الكريمة.
"ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة"
هذا هو المجزوم به في المذهب لأنه أدرك جزءا
من صلاة الإمام أشبه ما لو أدرك ركعة وكإدراك
المسافر ولأنه يلزم أن ينوي الصفة التي عليها
وهو كونه مأموما فينبغي أن يدرك فضل الجماعة
وشرطه جلوسه مع الإمام في التشهد وقيل أو قبل
سلام الثانية وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه لا
يكون مدركا لها إلا بإدراك ركعة معه وذكره
الشيخ تقي الدين رواية واختارها لقوله عليه
السلام في خبر أبي هريرة " من أدرك ركعة من
الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة "
(2/46)
ومن أدرك
الركوع فقد أدرك الركعة وأجزأته تكبيرة واحدة
والأفضل اثنتان.
--------------------------
متفق عليه.
"ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" لما روى
أبو هريرة مرفوعا "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن
سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع
فقد أدرك الركعة" رواه أبو داود بإسناد حسن
ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام وهو يأتي
به مع التكبيرة ثم يدرك مع الإمام بقية
الركعة.
وشرط حصولها إذا اجتمع مع الإمام فيه بحيث
ينتهي إلى قدر الإجزاء في الركوع وإن لم يطمئن
وقيل إن أدرك معه الطمأنينة حكاه ابن عقيل وفي
التلخيص وجه يدركها ولو شك في إدراكه راكعا
لأن الأصل بقاء الركوع فإن كبر والإمام في
الركوع ثم لم يستطيع حتى رفع إمامه لم يدركه
نص عليه ولو أحرم قبل رفعه لم يدركه ولو أدرك
ركوع المأمومين "وأجزأته تكبير واحدة" وهي
تكبيرة الإحرام وتسقط تكبيرة الركوع نص عليه
واحتج بأنه فعل زيد بن ثابت وابن عمر ولا يعرف
لهما مخالف في الصحابة ولأنه اجتمع عبادتان من
جنس واحد في محل فأجزأ الركن عن الواجب كطواف
الزيارة والوداع قيل للقاضي لو كانت تكبيرة
الركوع واجبة لم تسقط فأجاب بأن الشافعي أوجب
القراءة وأسقطها إذا أدركه راكعا وعنه يجب
معها تكبيرة الركوع صححه ابن عقيل وابن الجوزي
وهو ظاهر كلام جماعة لوجوبها ويتوجه أنه لا بد
من قيام بعد تكبيرة الإحرام فإن نواهما
بتكبيرة لم تنعقد ذكر القاضي أنه الظاهر من
قول أحمد لأنه لو شرك بين الواجب وغيره في
النية أشبه ما لو عطس عند رفع رأسه فقال ربنا
ولك الحمد عنهما وعنه بلى اختاره الشيخان
ورجحه في الشرح لأن نية الركوع لا تنافي نية
الافتتاح لأنهما من جملة العبادة وإن نوى
بتكبيرة الركوع لم يجزئه لأن تكبيرة الإحرام
ركن ولم يأت بها
"والأفضل اثنتان" خروجا من الخلاف قال أبو
داود قلت لأحمد يكبر
(2/47)
وما أدرك مع
الإمام فهو آخر صلاته وما يقضيه أولها يستفتح
ويتعوذ ويقرأ السورة.
--------------------------------
مرتين أحب إليك قال إن كبر تكبيرتين ليس فيه
اختلاف.
فرع: إذا أدركه في غير ركوع سن دخوله معه ندبا
للخبر وظاهره مطلقا وينحط معه عن قيام بلا
تكبير نص عليه لأنه لا يعتد له به وقد فاته
محل التكبير ويقوم مسبوق بتكبير نصا ولو لم
تكن ثانيته وإن قام قبل سلام الثانية ولم يرجع
انقلبت نفلا في الأصح.
"وما أدرك" المسبوق "مع الإمام فهو آخر صلاته
وما يقضيه أولها" هذا هو المشهور في المذهب
وصححه وجزم به جماعة لما روى أحمد عن ابن
عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فاقضوا " ورواه النسائي من
حديث ابن عيينة كذلك
قال مسلم أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة فاقضوا
ولا أعلم رواها عن الزهري غيره وفيه نظر فقد
رواها احمد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقد
رويت عن أبي هريرة وجه وذكر صاحب التحقيق
والمؤلف أنه متفق عليه من حديث أبي هريرة وفيه
نظر وفي رواية لمسلم واقض ما سبقك والمقضي هو
الفائت فيكون على صفته
"يستفتح ويتعوذ ويقرأ السورة" مع الفاتحة لأنه
أول صلاته فعلى هذا لو أدرك من رباعية أو مغرب
ركعة تشهد عقب قضاء ركعة على المذهب كالرواية
الثانية وعنه في المغرب فقط وعنه يتشهد عقب
ركعتين قدمها في الرعاية لأن المقضي أول صلاته
وهذه صفة أولها قال في الكافي والشرح لأنهما
ركعتان يقرأ فيهما الفاتحة والسورة وهما
متواليتان كغير المسبوق وعنه ما يدركه أول
صلاته وما يقضيه آخرها لقوله عليه السلام " ما
أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " متفق عليه من
حديث أبي قتادة وأبي هريرة وأجيب بأن المعنى
فأتموا قضاء للجمع
(2/48)
ولا تجب
القراءة على المأموم.
---------------------------------
بينهما وعليها يتشهد عقيب ركعة وذكر المؤلف إن
تشهد عقيب ركعة أو ركعتين جاز لأن مسروقا
وجندبا ذكرا ذلك عند ابن مسعود فصوب فعل مسروق
ولم ينكر فعل جندب ولم يأمره بالإعادة.
ويستفتح ويستعيذ ويقرأ السورة فيما يدركه فقط
وقيل يقرا السورة مطلقا وذكر ابن أبي موسى أنه
المنصوص عليه قال المؤلف لا أعلم فيه خلافا
بين الأئمة الأربعة لكن بنى ابن هبيرة وجماعة
قراءتها على الخلاف وهو ظاهر رواية الأثرم
ويخرج عليه الجهر والقنوت وتكبير العيد وكذا
التورك والافتراش وقال صاحب المحرر لا يحتسب
له تشهد الإمام الأخير إجماعا من أول صلاته
ولا من آخرها ويأتي بالتشهد الأول ويكرره حتى
يسلم إمامه ويتوجه فيمن قنت مع إمامه لا يقنت
ثانيا كمن سجد معه للسهو لا يعيده على الأصح
ويلزمه القراءة فيما يقضيه قال المجد لا أعلم
فيه خلافا.
"ولا تجب القراءة" أي قراءة الفاتحة "على
المأموم" روي ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود
وجابر وابن عمر وهو قول الأكثر لما روى أحمد
حدثنا أسود بن عامر حدثنا الحسن بن صالح عن
أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من كان له إمام فقراءته له قراءة "
قال في الشرح هذا إسناده متصل صحيح وضعفه
جماعة لأن فيه ليث ابن أبي سليم وجابر الجعفي
ورواه الدارقطني عن عبد الله بن شداد مرسلا
قال في الأحكام هو الصحيح وصوبه الدارقطني
والمراد بأنه لا قراءة على مأموم أي يحملها
الإمام عنه وإلا فهي واجبة عليه نبه عليه
القاضي كما يحمل عنه سجود سهو وسترة وكذا تشهد
أول إذا سبقه بركعة وسجدة تلاوة ودعاء قنوت
قاله في التلخيص وغيره وعنه تجب ذكرها الترمذي
والبيهقي واختارها الآجري ونقل الأثرم لا بد
للمأموم من قراءة الفاتحة ذكره ابن الزاغواني
لما روي عن عبادة مرفوعا "إني أراكم تقرؤون
وراء إمامكم لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا
صلاة لمن يقرأ بها" رواه أبو داود والترمذي
وحسنه ,
(2/49)
ويستحب أن يقرأ
في سكتات الإمام وما لا يجهر فيه أو لا يسمعه
لبعده فإن لم يسمعه لطرش فعلى وجهين.
-----------------------------
وفيه ابن إسحاق مدلس.
وقيل في صلاة السر ذكره في النوادر والأول أصح
لقوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ} [لأعراف:204] قال أحمد أجمع
الناس على أن هذه الآية في الصلاة قال ابن
مسعود لا أعلم في السنة القراءة خلف الإمام
وقال ابن عمر قراءته تكفيك وقال علي ليس على
الفطرة من قرأ خلف الإمام وقال ابن مسعود وددت
من قرأ خلف الإمام أن أملأ فاه ترابا روى ذلك
سعيد.
"ويستحب أن يقرأ" الفاتحة "في سكتات الإمام"
ولو لتنفس نقله ابن هانئ ولا يضر تفريقها
وظاهره أن للإمام سكتات بعد تكبيرة الإحرام
وفراغ الفاتحة ويستحب أن يكون قدرها وفراغ
القراءة وقال المجد هما سكتتان على سبيل
الاستحباب إحداهما تختص بأول ركعة للاستفتاح
والثانية عند فراغه من القراءة كلها ليرد إليه
نفسه.
"وما لا يجهر فيه" لأن القراءة مشروعة فيها
وإنما ترك لأجل التشويش وهذا المعنى مفقود هنا
وفي المستوعب يقرا الفاتحة وسورة وفي الشرح
يقرأ في الجهر في سكتات الإمام بالفاتحة وفي
السر يقرأ بها وسورة كالإمام والمنفرد وذكر
الشيخ تقي الدين هل الأفضل قراءة الفاتحة
للاختلاف في وجوبها أم غيرها لأنه استمعهما
فمقتضى نص أحمد وأكثر أصحابه الثاني وفيه شيء
فلو قرأ حال الرجعة إمامه كره وقيل يستحب
بالفاتحة وقيل يحرم وروي عن تسعة من الصحابة.
"أولا يسمعه لبعده" أي يستحب له أن يقرأ نص
عليه فإن سمع قراءته فالمذهب يكره وقيل يعيد
أومأ إليه أحمد فإن سمع همهمة الإمام ولم يفهم
قراءته لم يقرأ نص عليه في رواية الجماعة وعنه
بلى اختاره
(2/50)
وهل يستفتح
ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام ؟ على روايتين
ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع ليأتي
به بعده.
-------------------------
الشيخ تقي الدين قاله في الفروع وهي أظهر.
"فإن لم يسمعه لطرش فعلى وجهين" وكذا في
الفروع وسئل أحمد عن الأطروش هل يقرأ قال لا
أدري فظاهره التوقف لكن إن كان بعيدا قرأ وإن
كان قريبا وهي مسألة: المتن فوجهان أحدهما
يستحب لأنه لا يسمع فلا يكون مأمورا بالإنصات
ومحله ما لم يشغل غيره عن الاستماع ويخلط على
من يقرب منه قاله في المغني والشرح والثاني
يكره جزم به في الوجيز لما فيه من التشويش على
المصلين.
"وهل يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام على
روايتين" إحداهما يستحب قدمه في الرعاية وجزم
به في الوجيز لأن سماعه لقراءة إمامه قامت
مقام قراءته بخلاف الاستفتاح والتعوذ ومحله ما
لم يسمع قراءة إمامه قاله في الشرح وغيره
والثانية يكرهان وذكر ابن المنجا أنها هي
الصحيحة لأن ذلك يشغله عن القراءة وهي أهم
وعنه يكره التعوذ فقط اختاره القاضي لأن
التعوذ إنما شرع من أجل القراءة فإذا سقطت سقط
التبع بخلاف الاستفتاح لأنه أمكن من غير
اشتغال عن الإنصات وظاهره أنهما يسنان في صلاة
السر نص عليه.
فرع: إذا جهل ما قرأ به إمامه لم يضر وقيل
يتمها وحده وقيل تبطل نقل ابن أصرم يعيد فقال
أبو إسحاق لأنه لم يدر هل قرأ الحمد أم لا ولا
مانع من السماع وقال الشيخ تقي الدين بل لتركه
الإنصات الواجب.
"ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع
ليأتي به بعده" الأولى أن يشرع في أفعال
الصلاة بعد شروع الإمام لقوله عليه السلام "
إنما جعل الإمام ليؤتم فإذا كبر فكبروا وإذا
ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا " وقال البراء
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال " سمع
الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره
(2/51)
فإن لم يفعل
عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي فإن
ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا فهل تبطل
صلاته؟ على وجهين.
---------------------------------
حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا
ثم نقع سجودا بعده " متفق عليهما
فإن كبر معه للإحرام لم تنعقد صلاته لأنه ائتم
بمن لم تنعقد صلاته وإن سلم معه كره وصح وقيل
لا كسلامه قبله بلا عذر عمدا أو سهوا يعيده
بعده وإلا بطلت وإن فعل الباقي معه كره
لمخالفة السنة ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه
في الركن ذكره السامري وجماعة وقال في المبهج
تبطل وبعده في الرعاية وقيل إن سارقه بالركوع
بطلت لا بغيره.
ولا يجوز أن يسبقه جزم به الأكثر لقوله عليه
السلام " أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل
الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " متفق
عليه ونقل مهنا تبطل وفي الكافي والشرح أنه
ظاهر كلامه والصحيح أنها لا تبطل فعلى هذا متى
سبقه بالركوع وجب عليه العود ليركع معه وهو
المراد بقوله "ليأتي به بعده".
"فإن لم يفعل عمدا" أي لم يعد حتى لحق الإمام
فيه "بطلت صلاته عند أصحابنا" حكاه في المحرر
قولا لأنه ترك الواجب عمدا "إلا القاضي" فإنها
لا تبطل عنده وصححه في المذهب وذكر في التلخيص
أنه المشهور وقدمه في المحرر لأنه سبق يسير
وقد اجتمع معه في الركن المقصود وعلى هذا إن
عاد بطلت في وجه وبعده ابن حمدان وظاهره أنه
إذا فعل ذلك سهوا أو جهلا أنها تصح في الأصح.
"فإن" سبقه بركن مثل أن "ركع ورفع قبل ركوع
إمامه عالما عمدا فهل تبطل صلاته على وجهين"
وكذا ذكره أبو الخطاب وذكر السامري وجماعة
أنهما روايتان إحداهما تبطل نص وقدمه في
المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأنه سبقه
بركن كامل وهو معظم الركعة أشبه ما لو سبقه
بالسلام وللنهي والثانية لا تبطل ذكره في
التلخيص أنه المشهور لأنه
(2/52)
وإن كان جاهلا
أو ناسيا لم تبطل وهل تبطل تلك الركعة؟ على
روايتين فإن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل
رفعه بطلت صلاته إلا الجاهل والناسي تصح
صلاتهما وتبطل تلك الركعة.
-------------------------------
سبقه بركن واحد أشبه التي قبلها فعلى هذه لا
يعتد له بتلك الركعة في أصح الروايتين قاله في
المذهب والأصح أن الركوع ركن وعنه كاثنين.
"وإن كان جاهلا أو ناسيا لم تبطل" لقوله عليه
السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " "وهل
تبطل تلك الركعة" إذا فاته ذلك مع إمامه على
روايتين المذهب أنها تبطل إن لم يأت بما فاته
مع إمامه لأنه لم يقتد بإمامه في الركوع أشبه
ما لم يدركه والثانية لا تلغى بل يعتد لأنه
معذور بجهله أو نسيانه قال ابن تميم وكما لو
كان عامدا وقلنا بصحة صلاته بالسبق بركن غير
الركوع قال في المحرر وخرج منها الأصحاب صحة
الصلاة مع العمد لأن الجاهل عامد والجهل
بالحظر لا يبيح المحظور.
"فإن" سبقه بركنين بأن "ركع ورفع قبل ركوعه ثم
سجد قبل رفعه" عمدا "بطلت صلاته" جزم به
الأصحاب لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة
"إلا الجاهل والناسي تصح صلاتهما" لأن التحريم
بالصلاة صحيح ولم يوجد ما يبطله لأن فعل
الجاهل والناسي يعذران فيه للخبر "وتبطل تلك
الركعة" لأنه لم يقتد بإمامه فيها وهذا إذا لم
يأت بذلك مع إمامه قال ابن تميم وابن حمدان
والجد وأما السبق بالأقوال فإنه لا يضر سوى
تكبيرة الإحرام والسلام كما تقدم قال في
المستوعب إذا سبق إمامه في جميع الأقوال لم
يضره إلا تكبيرة الإحرام فإنه يشترط أن يأتي
بها بعده والمستحب أن يتأخر بما عداها وحكم
التخلف عن الإمام بركن أو أكثر يأتي في صلاة
الجمعة.
فرع: إذا تركت متابعة إمامه مع علمه بالتحريم
بطلت فإن تخلف عنه بركعة فأكثر لعذر تابعه
وقضى كمسبوق.
(2/53)
ويستحب للإمام
تخفيف الصلاة مع إتمامها وتطويل الركعة الأولى
أكثر من الثانية ولا يستحب له انتظار داخل في
الركوع في إحدى الروايتين.
----------------------------------
"ويستحب للإمام تخفيف الصلاة مع إتمامها" لما
في الصحيحين من حديث ابن مسعود مرفوعا قال "يا
أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس
فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة"
ولحديث معاذ ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال
من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة إلا أن يؤثر
المأموم التطويل وعددهم منحصر وهو عام في كل
الصلوات مع أنه سبق أنه يستحب أن يقرأ في
الفجر بطوال المفصل: ويكره سرعة تمنع المأموم
فعل ما يسن قاله السامري غيره وظاهره أن
المنفرد لا يكون كذلك لقوله عليه السلام " إذا
صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء "
"وتطويل الركعة الأولى" من كل صلاة "أكثر من
الثانية" لما روى أبو قتادة قال كان النبي صلى
الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى متفق
عليه وقال أبو سعيد كانت صلاة الظهر تقام
فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ
ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الركعة الأولى مما يطولها رواه مسلم وليلحقه
القاصد إليها لئلا يفوته من الجماعة شيء.
فإن طول الثانية عنها فإن كان يسير كالغاشية
مع سبح فلا أثر له قال الإمام أحمد فيمن طول
قراءة الثانية على الأولى يجزئه وينبغي أن لا
يفعل فإن كان في صلاة خوف في الوجه الثاني
كانت الثانية أطول.
"ولا يستحب له انتظار داخل في الركوع في إحدى
الروايتين" بل يكره لأن انتظاره تشريك في
العبادة فلم يشرع كالرياء ويتخرج بطلانها في
تشريكه في نية خروجه منها.
والثانية: يستحب قدمه في المستوعب والمحرر
والفروع ونصره المؤلف وجزم به في الوجيز لأنه
انتظار ينفع ولا يشق فشرع كتطويل الركعة
الأولى وتخفيف الصلاة وكالانتظار في صلاة
الخوف ما لم يشق على متابعيه نص عليه وجزم به
الأكثر زاد الشيخان أو يكثر
(2/54)
وإذا استأذنت
المرأة إلى المسجد كره منعها وبيتها خير لها.
---------------------------
الجمع لأنه يبعد أن لا يكون فيهم من يشق عليه
زاد جماعة أو طال ذلك
وقيل يستحب لمن جرت عادته بالصلاة معه لكن قال
صاحب التلخيص وجمع ولا يميز بين داخل وقال
القاضي وهو جائز وليس بمستحب وإنما ينتظر من
كان ذا حرمة كأهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل
فلو أحس بداخل حال القيام فكالركوع ذكره في
الشرح وغيره وفي الحال تشهده وجهان وظاهر
الوجيز والفروع مطلقا وفي الخلاف لا في السجود
لأن المأموم لا يعتد به.
"وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها"
صرح به جماعة لقوله عليه السلام " لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن وليخرجن
تفلات " رواه أحمد وأبو داود وتخرج غير متطيبة
لهذا الخبر وقال عليه السلام " إذا أستأذنكم
نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن " متفق
عليه وأمته كامرأته وظاهره أن لها حضور صلاة
الرجال جماعة للخبر وعنه الفرض وكرهه القاضي
وابن عقيل للشابة وذكره ابن هبيرة اتفاقا
والمراد للمستحسنة خوف الفتنة بها قال بعض
الحنفية والفتوى اليوم على الكراهة في كل
الصلوات لظهور الفساد واستحبه ابن هبيرة وقيل
يحرم في الجمعة قال في الفروع ويتوجه في غيرها
مثلها وإن مجالس الوعظ كذلك وأولى.
"وبيتها خير لها" أطلقه الأصحاب وهو مراد وجزم
به المجد وغيره للأخبار الخاصة في النساء
بالنسبة إلى مسجده عليه السلام وروى أحمد
حدثنا هارون أخبرني عبد الله بن وهب حدثنا
داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن
عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها
جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول
الله إني أحب الصلاة معك قال " قد علمت أنك
تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك
في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في
دارك وصلاتك في مسجد قومك خير من
(2/55)
----------------------------
صلاتك في مسجدي " قالت فأمرت فبني لها مسجد في
أقصى بيت من بيتها وأتته فكانت تصلي فيه حتى
لقيت الله عز وجل وهو حديث حسن إن شاء الله
تعالى.
وأطلق في عيون المسائل والمستوعب والرعاية أن
الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف وبالمدينة
بخمسين ألفا وبالأقصى نصفه لخبر أنس فيكون
المراد غير صلاة المرأة في بيتها فلا تعارض
وكذا مضاعفة النفل على غيرها لكن كلام الأصحاب
أن النافلة بالبيت أفضل للأخبار ومسجد المدينة
مراد لأنه السبب وهذا أظهر ويحتمل أن مرادهم
التفضيل المذكور بالنسبة إلى سائر المساجد أو
إلى غير البيوت فلم تدخل البيوت فلا تعارض.
مسائل
الجن مكلفون في الجملة يدخل كافرهم النار
ومؤمنهم الجنة لا أنه يصير ترابا كالبهائم
وثوابه النجاة من النار وهم في الجنة كغيرهم
بقدر ثوابهم خلافا لمن قال لا يأكلون ولا
يشربون فيها أو أنهم في ربض الجنة ولم يبعث
إليهم نبي قبل نبينا وليس منهم رسول ذكره
القاضي وغيره وقيل بلى وهو قول الضحاك وقال
ابن حامد هم كالإنس في التكليف والعبادات وفي
النوادر تنعقد الجمعة والجماعة بالملائكة
وبمسلمي الجن وهو موجود زمن النبوة والمراد في
الجمعة من لزمته كما هو ظاهر كلام ابن حامد
فإن المذهب لا ينعقد بآدمي لا تلزمه كمسافر
وصبي فهنا أولى
وذكر الشيخ تقي الدين أنهم كالإنس في الحد
والحقيقة فلا يكون تكليفهم مساويا لما على
الإنس لكن يشاركونهم في جنس التكليف بالأمر
والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع فقد يدل
على مناكحتهم وغيرها ويقتضيه إطلاق الأصحاب.
وفي المغني لا تصح الوصية لجني لأنه لا يملك
بالتمليك كالهبة قال
(2/56)
فصل: في
الإمامة
السنة أن يؤم القوم أقرؤهم.
-----------------------------------------
في الفروع فيتوجه من انتفاء التمليك منا منع
الوطء لأنه في مقابلة مال وإذا صح نكاح جنية
فهي في الحقوق كآدمية لظاهر الشرع إلا ما خصه
الدليل وأنه لا بد من شروط صحة ذلك.
ويقبل قولهم أن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم
وكافرهم كالحربي ويجري التوارث الشرعي وأنه
يعتبر لصحة صلاتهم ما يعتبر لصحة صلاة الآدمي
وظاهر ما سبق أنهم في الزكاة والصوم والحج
كذلك ويحرم عليهم ظلم الإنس وظلم بعضهم بعضا
ويسقط فرض غسل ميت بغسلهم قال في الفروع
ويتوجه مثله كل فرض كفاية إلا الأذان.
وكذا تحل ذبيحته لوجود المقتضي وعدم المانع
ولعدم اعتبار التكليف فيه وقال ابن مسعود ذكر
عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة
حتى أصبح قال" ذاك رجل بال الشيطان في أذنه "
متفق عليه خص الأذن لأنها حاسة الانتباه قيل
ظهر عليه وسخر منه ويتوجه أنه على ظاهره كقيئه
فيكون بوله وقيؤه طاهرا وهو غريب.
فصل: في الإمامة
"السنة: أن يؤم القوم أقرؤهم" هذا ظاهر المذهب
وجزم به معظم الأصحاب لما روى أبو سعيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كانوا
ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم "
رواه أحمد ومسلم وعن أبي مسعود أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم
بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة
فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا " وفي
لفظ سلما "ولا يؤمن الرجل في سلطانه,
(2/57)
ثم أفقههم ثم
أسنهم ثم أقدمهم هجرة.
----------------------------------
ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" رواه
مسلم قال الطبري لما استخلف عليه السلام أبا
بكر بعد قوله "يؤم القوم أقرؤهم" صح أن أبا
بكر أقرؤهم وأعلمهم لأنهم لم يكونوا يتعلمون
شيئا من القرآن حتى يتعلموا معانيه وما يراد
به كما قال ابن مسعود كان الرجل منا إذا علم
عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل
بهن.
لكن أجاب أحمد عن حديث أبي بكر في تقديمه مع
تقدم قوله "أقرؤكم أبي" أراد به الخلافة
ومراده بالأقرأ أجوده كما جزم به في الوجيز
وقدمه في الفروع لقوله عليه السلام " من قرأ
القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأ
ولحن فيه فله بكل حرف حسنة " رواه الترمذي
وقال حسن صحيح ولأنه أعظم في الأجر.
وقيل: يقدم الأكثر قرآنا لقوله عليه السلام "
ليؤمكم أكثركم قرآنا " وعليهما إذا عرف واجب
الصلاة وما يحتاجه فيها وقيل وسجود السهو وقيل
وجاهل يأتي بها عادة والمنصوص خلافه وعنه يقدم
الأفقه عليه اختاره ابن عقيل إذا كان يقرأ ما
يكفي في الصلاة لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا
يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فقدم كالإمامة
الكبرى والحكم.
"ثم أفقههم" للخبر السابق فإن اجتمع فقيهان
قارئان وأحدهما أفقه أو أقرأ قدم فإن كانا
قارئين قدم أجودهما قراءة وأكثرهما ويقدم قارئ
لا يعرف أحكام صلاته على فقيه أمي فإن اجتمع
فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة قدم لأن
علمه يؤثر في تكميل الصلاة.
"ثم أسنهم" اختاره الخرقي وذكر السامري وصححه
في المذهب وفي الرعاية أنه أشهر وجزم به في
الوجيز لقوله عليه السلام لمالك بن الحويرث "
إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم
أكبركم " متفق عليه ولأنه أقرب إلى الخشوع
وإجابة الدعاء.
(2/58)
ثم أشرفهم ثم
الأتقى ثم من تقع له القرعة وصاحب البيت وإمام
المسجد أحق بالإمامة ،.
------------------------------
"ثم أقدمهم هجرة" للخبر ومعناه أن يكون أحدهما
أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام قيل
بنفسه وقيل بآبائه وقيل بكل منها لأنه قربة
وطاعة فقدم به وسبق الإسلام كالهجرة قاله في
الشرح والفروع.
"ثم أشرفهم" لقوله عليه السلام "الأئمة من
قريش" وقال "قدموا قريشا ولا تقدموها" والنسب
يكون بعلو النسب ذكره في المغني والشرح فعليه
تقدم بنو هاشم ثم قريش وظاهر كلام أحمد يقدم
الأقدم هجرة ثم الأسن ثم الأشرف وقدمه في
المحرر وقال الخرقي يقدم الأسن ثم الأشرف ثم
الأقدم هجرة وقدمه في الفروع وقال ابن حامد
الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن عكس ما في
المتن
"ثم الأتقى" وجزم به في الوجيز لأنه أقرب إلى
الإجابة وقد ورد إذا أم الرجل القوم وفيهم من
هو خير منه لم يزالوا في سفال ذكره الإمام
أحمد في رسالته وقال جماعة ثم الأتقى والأورع
وقيل يقدمان على الأشرف وذكره في الشرح
احتمالا لقوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: من
الآية13] الحجرات ولأن شرف الدين خير من شرف
الدنيا.
"ثم من تقع له القرعة" ذكره في المذهب
والتلخيص وجزم به في الوجيز وهو رواية لأن سعد
بن أبي وقاص أقرع بين الناس في الأذان يوم
القادسية فالإمامة أولى ولأنهم تساووا في
الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر
الحقوق ثم اختيار الجماعة في رواية وقيل يقدم
القائم بعمارة المسجد وجزم به في الفصول فإن
اختلفت الجماعة عمل بالأكثر فإن استووا قيل
يقرع وقيل يختار السلطان الأولى وقيل يقدم
بحسن الخلق وفاقا لأبي حنيفة ومالك وقيل
والخلقة وفاقا لمالك وزاد بحسن اللباس وهذا
كله على سبيل الاستحباب بغير خلاف علمناه.
"وصاحب البيت" بشرطه "وإمام المسجد أحق
بالإمامة" من الكل بغير
(2/59)
إلا أن يكون
بعضهم ذا سلطان والحر أولى من العبد،.
--------------------------
خلاف نعلمه لما روي أن ابن عمر أتى أرضا له
عندها مسجد يصلي فيه مولى له فصل:ى ابن عمر
معهم فسألوه أن يؤمهم فأبى وقال صاحب المسجد
أحق ولأن في تقديم غيره افتياتا وكسرا لقلبه
وقال ابن عقيل إنما يكون أولى مع التساوي
والأول أولى ويستحب تقديمهما للأفضل منهما
ويستثنى من الأولى أن السيد يقدم على عبده في
بيت العبد لفعل الصحابة رواه صالح ولعموم
ولايته.
"إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان" فهو أولى في
المنصوص لأنه عليه السلام أم عتبان بن مالك
وأنسا في بيوتهما ولأن له ولاية عامة وكذا
الوالي من قبله زاد في الكافي ونائبهما وأقتضى
ذلك أن السلطان مقدم على خليفته وذكر أبو
الخطاب وجها أنهما يقدمان عليه لعموم قوله
عليه السلام " من زار قوما فلا يؤمهم " ولأن
ولاية صاحب البيت والمسجد خاصة وإمامة السلطان
عامة ولذلك لا يتصرف السلطان إلا بالغبطة
كالوكيل بخلاف المالك فافترقا وقال ابن حامد
صاحب البيت وحده أحق بها وهو أولى.
فرع: معير ومستأجر أولى في الأصح من مستعير
ومؤجر وفي الوجيز وساكن البيت أحق ومقتضاه أن
المستعير مقدم على المالك وفيه نظر على
المذهب.
"والحر أولي من العبد" ذكره الأصحاب لأنه أكمل
في أحكامه وأشرف ويصلح إماما في الجمعة والعيد
ولو تبعض وعنه العبد أولى إن كان أفضل أو أدين
لما ذكرناه واقتضى ذلك صحة إمامته في قول
الجمهور لأن عائشة كان يؤمها غلام لها وفيه
شيء ولعموم" يؤم القوم أقرؤهم" وصلى ابن مسعود
وحذيفة وأبو ذر وراء أبي سعيد مولى أبي أسيد
وهو عبد رواه صالح في مسائلة ولأنه من أهل
الأذان فصح أن يكون إماما كالحر فعلى هذا لا
يكره جزم به غير واحد.
(2/60)
والحاضر أولى
من المسافر والبصير أولى من الأعمى في أحد
الوجهين.
------------------------------------
"والحاضر أولى من المسافر" ذكره معظم الأصحاب
لأنه إذا أم حصل جميع الصلاة في جماعة بخلافه
وقال القاضي إن كان إماما فهو أحق جزم به ابن
تميم لأنه عليه السلام كان يصلي بهم عام الفتح
ويقول لأهل البلد " صلوا أربعا فإنا سفر "
رواه أبو داود فعلى هذا يتمها المقيم بعد
السلام كمسبوق فإن أتم المسافر فروايتا متنفل
بمفترض وقال ابن عقيل ليس بجيد لأنه الأصل
فليس بمتنفل وصحح في الشرح الصحة لأن المسافر
إذا نوى الإتمام لزمه فيصير المجموع فرضا فعلى
هذا لا تكره إمامته بمسافر كعكسه وفي الفصول
إن نوى المسافر القصر احتمل أن لا يجزئه لأن
الائتمام لزمه حكما.
"والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين" ذكره
عن واحد وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع
لأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة
باجتهاده.
والثاني يقدم الأعمى وهو رواية لأنه أخشع
لكونه لا يشتغل في الصلاة بما يلهيه وعنه هما
سواء وقاله القاضي لأن الخشوع مع توقي النجاسة
يتقابلان فيتساويان قال المؤلف والأول أولى
لأن البصير لو غمض عينيه كره له ذلك ولو كان
فضيلة لكان مستحبا لأنه يحصل بتغميضه ما يحصله
الأعمى فإن كان الأعمى أصم ففي صحة إمامته
وجهان وظاهره أنها تكره إمامته لأنه عليه
السلام استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يصلي
بهم وهو أعمى رواه أحمد وغيره من حديث أنس.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لإمامة البدوي والأصح
أنها لا تكره إمامته ويقدم الحضري وتكره إمامة
من يصرع نص عليه قال جماعة ومن تضحك صورته أو
رؤيته وقيل والأمرد وفي المذهب وغيره وإمامة
من اختلف في صحة إمامته قال في الفروع فيؤخذ
منه إمامة الموسوس,
(2/61)
وهل تصح إمامة
الفاسق والأقلف؟ على روايتين.
---------------------------------------
وهو متجه لئلا يقتدي به عامي وظاهر كلامهم لا
قال في المذهب والمتوضئ أولى من المتيمم.
"وهل تصح إمامة الفاسق والأقلف على روايتين"
إحداهما لا تصح إمامة الفاسق مطلقا قاله أكثر
الأصحاب وقدمه السامري وصاحب الفروع وذكر ابن
هبيرة أنها الأشهر قال ابن الزاغوني وهي
اختيار المشايخ لقوله تعالى {أَفَمَنْ كَانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا
يَسْتَوُونَ} [السجدة:18] ولما روى ابن ماجه
عن جابر مرفوعا "لا يؤمن امرأة رجلا ولا
أعرابي مهاجرا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره
سلطان يخاف سوطه وسيفه"
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم بينكم
وبين ربكم " قال البيهقي إسناده ضعيف
ولأنه لا يقبل إخباره لمعنى في دينه أشبه
الكافر ولا يؤمن على شرائط الصلاة ولا فرق بين
أن يكون فسقه من جهة الاعتقاد أو من جهة
الأفعال فمتى كان يعلن ببدعته ويتكلم بها
ويناظر عليها لم يصح.
قال أحمد لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء إذا
كان داعية أي يظهرها ويدعوا إليها وعليه حمل
المؤلف كلام الخرقي ومن صلى خلف من يعلن
ببدعته أو بسكر أعاد فيكون موافقا لما اختاره
الشيخان من أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون
خفيه.
قال في الوجيز لا يصح خلف الفاسق المشهور فسقه
لكن ظاهر كلامه وهو مذهب مطلقا فعلى هذا تصح
خلف عدل استنابه ولا إعادة في المنصوص وقيل إن
كان المستنيب وحده عدلا فوجهان صححه أحمد
وخالف القاضي وغيره
وظاهر كلامهم لا يؤم فاسق فاسقا وقاله القاضي
وغيره بخلاف الأمي لأنه لا يمكنه رفع ما عليه
من النقص والفسق يزول بالتوبة ويعيد في
المنصوص إذا
(2/62)
----------------------------------
علم فسقه.
ودخل في كلامه الجمعة والمذهب أنها تصلي خلفه
لأنها تختص بإمام واحد فالمنع منها خلفه يؤدي
إلى تفويتها دون سائر الصلوات نعم لو أقيمت في
موضعين في أحدهما عدل فعلها وراءه
ونقل ابن الحكم أنه كان يصلي الجمعة ثم يصلي
الظهر أربعا وذكر غير واحد الإعادة ظاهر
المذهب كغيرها وصححه ابن عقيل وعنه لا إعادة
قال في الرعاية هي الأشهر لأنها صلاة مأمور
بها كغير ها.
وكذا إن خاف فتنة أو أذى صلى خلفه وأعاد نص
عليه فإن نوى الانفراد ووافقه في أفعالها لم
يعد على الأصح وألحق المؤلف وصاحب التلخيص
العيد بالجمعة
والثانية تصح مع الكراهة ذكر الشريف أنها قول
أكثرهم روى ابن مسعود وواثلة وأبو الدرداء عن
النبي صلى الله عليه وسلم هذا بأسانيد ضعيفة
رواها الدارقطني وعن مكحول عن أبي هريرة
الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو
فاجرا رواه أبو داود والدارقطني وقال مكحول لم
يلق أبا هريرة ومن دونه ثقات وضعف في التحقيق
إسناده.
وعن عمر مرفوعا "صلوا على من قال لا إله إلا
الله وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله" رواه
الخلال والدارقطني بإسناد ضعيف وكما تصح مع
فسق المأموم وعنه في نفل جزم به جماعة وذكره
بعضهم رواية واحدة
وأما إمامة الأقلف فعنه تصح مع الكراهة ذكره
في المحرر وقدمه ابن تميم وصاحب الفروع وجزم
في الوجيز لأنه إن أمكنه غسل النجاسة غسلها
وإلا عفي عن إزالتها لعدم الإمكان والثانية:
لا تصح لأنه حامل لنجاسة ظاهرة يمكنه إزالتها
وهل ذلك لترك الختان الواجب أو لعجزه عن غسل
النجاسة فيه وجهان وقيل إن كثرت
(2/63)
وفي إمامة أقطع
اليدين وجهان.
---------------------------------------
إمامته لم تصح وعلى المنع تصح إمامته بمثله
قاله جماعة زاد ابن تميم إن لم يجب الختان
وقيل يصح في التراويح إذا لم يكن قارئ غيره.
فروع:
الأول: تصح خلف من خالف في فرع: نص عليه لفعل
الصحابة والتابعين مع شدة الخلاف ما لم يعلم
أنهم تركوا ركنا أو شرطا وذكر ابن أبي موسى في
الصلاة خلف شارب نبيذ معتقدا حله روايتين وذكر
أنه لا يصلي خلف من يقول الماء من الماء أو
يجيز ربا الفضل.
الثاني: إذا ترك ركنا أو شرطا عند المأموم
فعنه يعيد المأموم اختاره جمع وقدمه في
المستوعب والمحرر لاعتقاده فساد صلاة إمامه
كما لو اعتقد مجمعا عليه فبان خلافه وعنه لا
يعيد اختاره المؤلف الشيخ تقي الدين كالإمام
وكعلم المأموم لما سلم في الأصح.
الثالث: إذا ترك الإمام عمدا ما يعتقده وحده
واجبا بطلت صلاتهما وقال السامري تفسد صلاة
المأموم إن علم في الصلاة بحال الإمام.
الرابع: إذا ترك ركنا أو شرطا أو واجبا مختلفا
فيه بلا تأويل ولا تقليد أعاد ذكره الآجري
إجماعا لتركه فرضه ولهذا أمر عليه السلام الذي
ترك الطمأنينة بالإعادة وعنه لا لخفاء الطرق
وعنه إن طال
الخامس: إذا فعل ما يعتقد تحريمه في غير
الصلاة من المختلف فيه فإن داوم على ذلك فسق
وإن لم يداوم فذكر المؤلف أنه لا بأس بالصلاة
خلفه لأنه من الصغائر وذكر السامري أنه يفسق
قال ابن عقيل لو شرب النبيذ عامي بلا تقليد
لعالم فسق وهو معنى كلام القاضي بناء على ما
صرح به جماعة أنه لا يجوز أن يقدم على فعل لا
يعلم جوازه ويفسق إن كان مما يفسق به.
"وفي إمامة أقطع اليدين" أو أحدهما "وجهان"
وقيل روايتان حكاهما.
(2/64)
ولا تصح الصلاة
خلف كافر ولا أخرس ولا من به سلس البول.
----------------------------------
الآمدي إحداهما يصح اختاره القاضي وجزم به في
الوجيز لأنه لا يخل بركن في الصلاة كقطع الأنف
والثاني لا اختاره أبو بكر لإخلاله بالسجود
على عضو وقيل إن كثرت إمامته وحكم أقطع
الرجلين أو أحدهما كذلك واختار في المغني
والشرح أنها لا تصح إمامته بمثله ذكره في
الكافي وجزم ابن عقيل بأنها تكره إمامة من قطع
أنفه
"ولا تصح الصلاة خلف كافر" وفاقا لأنها تفتقر
إلى النية والوضوء وهما لا يصحان منه ولأنه
ائتم بمن ليس هو من أهل الصلاة أشبه ما لو
ائتم بمجنون وسواء علم بكفره في الصلاة أو بعد
الفراغ منها لأن الكفر لا يخفى غالبا فالجاهل
به مفرط وقيل يصح إن كان يسره وعلى هذا لا
إعادة على من صلى خلفه وهو لا يعلم كما لو
ائتم بمحدث وهو لا يعلم وجوابه بأن المحدث
يشترط أن لا يعلم حدث نفسه والكافر يعلم حال
نفسه
تنبيه: إذا علمه مسلما فصل:ى خلفه فقال بعد
الصلاة هو كافر لم تبطل لأنها كانت محكوما
بصحتها وهو ممن لا يقبل قوله وإن قال بعد
سلامه هو كافر تهزءا فنصه يعيد المأموم كمن ظن
كفره أو حدثه فبان خلافه وقيل لا كمن جهل حاله
لأن الظاهر من المصلين الإسلام سيما إذا كان
إماما وإن علم له حالان أو إفاقة وجنون لم يدر
في أيهما ائتم وأم فيهما ففي الإعادة أوجه
ثالثها إن علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته
لم يعد وإلا أعاد ذكره في الشرح
"ولا أخرس" لأنه أخل بفرض الصلاة كالمضطجع يؤم
القائم وظاهره أنها لا تصح ولو بمثله نص عليه
وقاله أكثر الأصحاب لأنه مأيوس من نطقه وفي
الأحكام السلطانية والكافي أنها تصح قال في
الشرح هو قياس المذهب قياسا على الأمي والعاجز
عن القيام يؤم مثله.
"ولا من به سلس البول" لأن في صلاته خللا غير
مجبور ببدل لكونه يصلي مع خروج النجاسة التي
يحصل بها الحدث من غير طهارة أشبه ما لو
(2/65)
ولا عاجز عن
الركوع والسجود والقعود ، ولا تصلح خلف عاجز
عن القيام إلا إمام الحي المرجو زوال علته،.
----------------------------------
ائتم بمحدث يعلم بحدثه وإنما صحت صلاته في
نفسه للضرورة ولو عبر بمن حدثه مستمر كالوجيز
والفروع لكان أولى وتصح إمامته بمثله ذكره في
الشرح وفي الفروع وجهان.
مسألة: لا يصح ائتمام المتطهر بعادم الطهورين
ولا القادر على الاستقبال بالعاجز عنه لأنه
تارك لشرط يقدر عليه المأموم أشبه ائتمام
المعافى بمن حدثه مستمر.
"ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود" أي لا
تصح إمامة عاجز عن ركن أو شرط بالقادر عليه
ذكره في المحرر والفروع لأنه أخل بركن لا يسقط
في النافلة فلم يجز كالقارئ بالأمي وقيل يجوز
واختاره الشيخ تقي الدين كالقاعد يؤم القائم
وعلى الأول ولا فرق فيه بين إمام الحي وغيره
وقاس أبو الخطاب المنع على صلاة الجنازة
والمربوط وأما القيام فهو أخف بدليل سقوطه في
النافلة قال في الشرح أمر النبي صلى الله عليه
وسلم المصلين خلف الجالس بالجلوس ولا خلاف أن
المصلي خلف المضطجع لا يضطجع وتصح إمامتهم
بمثلهم جزم به في الفروع وفي الشرح أنه قياس
المذهب لأنه عليه السلام صلى بأصحابه في المطر
بالإيماء.
"ولا تصح خلف عاجز عن القيام" لأنه عجز عن ركن
من أركان الصلاة فلم يصح الاقتداء به كالعاجز
عن القراءة "إلا إمام الحي" وهو الإمام الراتب
في المسجد لما في المتفق عليه من حديث عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيته وهو
شاك فصل:ى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار
إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال " إنما جعل
الإمام ليؤتم به " إلى قوله " وإذا صلى جالسا
فصلوا جلوسا أجمعون " قال ابن عبد البر روي
هذا مرفوعا من طرق متواترة ولأن إمام الحي
يحتاج إلى تقديمه بخلاف غيره والقيام أخف
بدليل سقوطه في النفل.
(2/66)
ويصلون وراءه
جلوسا فإن صلوا قياما صحت صلاتهم في أحد
الوجهين.
----------------------------------
"المرجو زوال علته" لئلا يفضي إلى ترك القيام
على الدوام أو مخالفة الخبر ولا حاجة إليه
والأصل فيه فعله عليه السلام وكان يرجى برؤه
وعنه: يصح مع غير إمام الحي وإن لم يرج زواله
"ويصلون وراءه جلوسا" لما تقدم قال في الخلاف
هذا استحسان والقياس لا تصح لأنه عليه السلام
صلى في مرض موته قاعدا وصلى أبو بكر والناس
خلفه قياما متفق عليه من حديث عائشة
وأجاب أحمد عنه بأنه لا حجة فيه لأن أبا بكر
ابتدأ بهم قائما فيتمها كذلك والجمع أولى من
النسخ ثم يحتمل أن أبا بكر كان هو الإمام قال
ابن المنذر وقد روي عن عائشة أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى في مرضه خلف أبي بكر في
ثوب متوشحا ورواه أنس أيضا وصححهما الترمذي
قال ولا نعرف أنه عليه السلام صلى خلف أبي بكر
إلا في هذا الحديث.
قال مالك العمل عليه عندنا.
لا يقال لو كان هو الإمام لكان عن يسار النبي
صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح أنه كان عن
يسار أبي بكر لأنه يحتمل أنه فعل ذلك لأن خلفه
صف وفعل مثل قولنا أسيد بن حضير وجابر وقيس بن
فهر وأبو هريرة لكن المستحب له أن يستخلف لأن
الناس مختلفون في صحة إمامته مع أن صلاة
القائم أكمل وكمالها مطلوب
"فإن صلوا قياما صحت صلاتهم في أحد الوجهين"
هذا هو المشهور وصححه في التلخيص والفروع
وقدمه في المحرر لأن النبي صلى الله عليه وسلم
حين صلى وراءه القوم قياما لم يأمرهم بالإعادة
ولأن القيام هو الأصل وقد أتوا به.
والثاني لا يصح أومأ إليه أحمد للنهي عنه وقيل
لا تصح صلاة من علم وجوب الجلوس دون من جهله
كالراكع دون الصف.
(2/67)
وإن ابتدأ بهم
الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما
ولا تصح إمامة المرأة والخنثى للرجال ولا
للخناثى.
----------------------------------
فرع: إذا قدر المقتدي والمريض على الإتيان
بجميع الأركان فلا بأس بإمامتهما
"وإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل" أي حصل
له علة "فجلس، أتموا خلفه قياما" لقصه أبي بكر
ولأن القيام هو الأصل فإذا بدأ به في الصلاة
لزمه في جميعها إذا قدر عليه كمن أحرم في
الحضر ثم سافر قاله في الشرح وظاهره أنه لا
يجوز الجلوس نص عليه وذكر الحلواني ولم يكن
إمام الحي.
"ولا تصح إمامة المرأة والخنثى للرجال ولا
للخناثى" لا يصح أن يأتم رجل بامرأة في الصحيح
من المذهب وهو قول عامتهم قال البيهقي وعليه
الفقهاء السبعة والتابعون لما روى ابن ماجه عن
جابر مرفوعا " لا تؤمن امرأة رجلا " ولأنها لا
تؤذن للرجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون
وكذا لا تصح إمامتها بالخنثى لاحتمال أن يكون
رجلا وظاهره لا فرق بين الفرض والنفل على
الصحيح وأنه لو صلى خلفها وهو لا يعلم لا تصح
وعليه الإعادة ذكره السامري وغيره وعنه تصح في
النفل وعنه في التراويح قدمه في التلخيص وجزم
به ابن هبيرة.
وخص بعض أصحابنا الجواز بذي الرحم وبعضهم
بكونها عجوزا وبعضهم بأن تكون أقرأ من الرجل
وعلى الصحة تقف خلفهم ويقتدون بها في جميع
أفعال الصلاة لأن أم ورقة قالت يا رسول الله
إني أحفظ القرآن وإن أهل بيتي لا يحفظونه فقال
" قدمي الرجال أمامك وقومي فصل:ي من ورائهم "
ذكره صاحب النهاية ولأنه أستر
وقيل: لا بد أن يتقدمهم أحدهم وفيه بعد وعنه
يقتدون بها في القراءة وتقتدي بهم في غيرها
فينوي الإمامة أحدهم واختار الأكثر الصحة في
الجملة؛
(2/68)
ولا إمامة
الصبي البالغ.
----------------------------------
لخبر أم ورقة العام وهو ما رواه أبو داود أن
النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تؤم أهل
دارها وجعل لها مؤذنا فظاهره الصحة مطلقا
والخاص وهو ما رواه الدارقطني أنه أذن لها أن
تؤم نساء أهل دارها قال في الشرح هذه زيادة
يجب قبولها لكن إن صح فيحمل على النفل جمعا
بينه وبين النهي.
وأما الخنثي فلا تصح إمامته للرجل لاحتمال أن
يكون امرأة ولا بخنثى مثله لجواز أن يكون
الإمام امرأة والمأموم رجلا وقبل اقتداء خنثى
بمثله وإن قلنا لا يؤم خنثى نساء وفيه نظر
وظاهره صحة إمامه المرأة بالنساء وسيأتي وكذا
إمامة الخنثى بهن لأن غايته أن يكون امرأة
وإمامتها بهن صحيحة وإذا أمها وقفت خلفه وقال
ابن عقيل إذا أم الخنثى قام وسطهن وقيل لا يصح
صلاته في جماعة وذكره القاضي عن أبي حفص
البرمكي.
"ولا إمامة الصبي لبالغ في فرض" نص عليه
واختاره أكثر الأصحاب ورواه الأثرم عن ابن
مسعود وابن عباس وقال عليه السلام " لا تقدموا
صبيانكم " ولأنها حال كمال والصبي ليس من
أهلها أشبه المرأة بل آكد لأنه نقص يمنع
التكليف وصحة الإقرار والإمام ضامن وليس هو من
أهل الضمان لأنه لا يؤمن منه الإخلال بشرط
القراءة حالة السر.
وعنه يصح فيه اختاره الآجري وذكره المجد
تخريجا وبناه جماعة على اقتداء المفترض
بالمتنفل وظاهره يقتضي صحة إمامته إن لزمته
وهو متجه لأن عمرو بن سلمة كان يؤم قومه وهو
ابن ست سنين أو سبع سنين رواه البخاري وأبو
داود وقال فيه وأنا ابن سبع سنين أو ثمان
سنين.
وجوابه أن الأمر لم يبلغ النبي صلى الله عليه
وسلم لكنه خلاف الظاهر قال الخطابي كان أحمد
يضعف أمر عمرو بن سلمة وقال مرة دعه ليس بشيء
وقال في رواية أبي داود لا أدري أي شيء هذا
وعلى الصحة يقدم العبد عليه ذكره ابن تميم
وظاهره أن الخلاف فيمن يعقلها ولقولهم وتصح
منه إذا بلغ سبع
(2/69)
إلا في النفل
على إحدى الروايتين ولا تصح إمامة محدث ولا
نجس يعلم ذلك فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا
الصلاة صحت صلاة المأموم وحده.
------------------------------------
سنين فدل أن ما دونها لا يصح نعم تصح بمثله
وجزم في المنتخب بخلافه.
"إلا في النفل على إحدى روايتين" جزم به
الأكثر ونصره الشريف وأبو الخطاب وصححه في
المستوعب والفروع لأنه متنفل يؤم متنفلين وهي
أخف إذ الجماعة تنعقد به فيها إذا كان مأموما
والثانية لا يصح لما ذكرناه.
"ولا تصح إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك" هذا هو
المجزوم به عند المعظم لأنه أخل بشرط الصلاة
مع القدرة أشبه المتلاعب لكونه لا صلاة له في
نفسه وظاهره أن من صلى خلفه فعليه الإعادة
سواء جهل الحدث أو علمه وصرح به في المذهب
وغيره خلافا للإشارة وبناه في الخلاف على
إمامة الفاسق لفسقه بذلك وقيل للقاضي هو أمين
على طهارته لا يعرف إلا من جهته فإذا علمنا
بقوله لم يقبل رجوعه كما لو أقرت بانقضاء
العدة وزوجت ثم رجعت قال فيجب لهذا المعنى أن
لا يقبل قوله قبل الدخول في الصلاة وعلى أن
دخولها في عقد النكاح اعتراف بصحته فلم تصدق
وهذا من أمر الدين فقيل كقبل الصلاة وعلله في
الفصول بأنه فاسق وإمامته عندنا لا تصح ولكن
الفرق واضح بأن الفاسق متطهر وإنما تخلفت
الصحة لمانع بخلافه هنا
"فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت
صلاة المأموم وحده" ذكره جماعة منهم المؤلف في
المحرر والتلخيص لما روى البراء بن عازب أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى الجنب
بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم " رواه
محمد بن الحسين الحراني وهو قول جماعة من
الصحابة وهو محل الشهرة ولم ينكر فكان إجماعا
ولأن الحدث مما يخفى ولا سبيل إلى معرفته فكان
المأموم معذورا وهذا في غير الجمعة إذا كان
بالإمام أربعين فإنها لا تصح كما لو كان
المأموم محدثا فيها وعنه يعيد كالإمام اختاره
أبو الخطاب,
(2/70)
ولا تصح إمامة
الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة وهو يدغم حرفا
لا يدغم وهو يبدل حرفا أو يلحن فيها لحنا يحيل
المعنى.
------------------------------------
روي عن علي ولم يثبت ولأنه صلى بهم محدثا أشبه
ما لو علم وحكم النجاسة كالحدث لأن كلا منهما
طهارة لها والمجزوم به في المحرر اختصاص الحكم
بالحدث لأن النجاسة أخف وخفاؤها أكثر فلذلك
صحت صلاة الإمام مع نسيانها
وعلم منه: أنه إذا علم هو والمأموم فيها
استأنف المأموم على الأصح لأنه ائتم بمن صلاته
فاسدة أشبه ما لو ائتم بامرأة وعنه يبني ذكرها
ابن عقيل لأن ما مضى من صلاتهم صحيح فكان لهم
البناء عليه جماعة أو فرادى فإن علم معه واحد
أعاد الكل نص عليه واختار القاضي والمؤلف يعيد
من علم وإن علمه اثنان فأنكره هو أعادوا نقله
أبو طالب واحتج بخبر ذي اليدين وقيل بل هما
فقط.
فائد: إذا علم أن على إمامه فائتة وصحت صلاته
في وجه ففي صلاة المأموم وجهان وإن علم أنه
ترك واجبا عليه فيها سهوا أو شك في إخلال
إمامه بشرط أو ركن صحت صلاته معه بخلاف ما لو
ترك الستارة أو الاستقبال لأنه لا يخفى غالبا.
"ولا تصح إمامة الأمي" منسوب إلى الأم وقيل
أمة العرب "وهو من لا يحسن الفاتحة" أي لا
يحفظها أي لا تصح إمامته بمن يحسنها مضت السنة
على ذلك قاله الزهري لأن القراءة شرط مقصود في
الصلاة فلم يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز
عنه كالطهارة والسترة وهو يتحملها عن المأموم
وليس هو من أهل التحمل "أو يدغم" في الفاتحة
"حرفا لا يدغم" أي في غير مثله وغير ما يقاربه
في المخرج وهو الأرت وفي المذهب هو الذي في
لسانه عجلة تسقط بعض الحروف "أو يبدل حرفا
بغيره" وهو الألثغ كمن يبدل الراء غينا "أو
يلحن فيها لحنا يحيل المعنى" ككسر كاف
{إِيَّاكَ} وضم تاء {أَنْعَمْتَ} وفتح همزة
{اهْدِنَا} في الأصح فيها وظاهره: إذا لم يحل
(2/71)
إلا بمثله وإن
قدر على إصلاح ذلك لم تصح صلاته وتكره إمامة
اللحان.
---------------------------------------
المعنى كفتح دال {نَعْبُدُ} ونون {َسْتَعِينُ}
لا يكون أميا وصرح به جماعة لأن المعنى
المقصود حاصل.
وعنه: تصح في ذلك في كله حكاها الآمدي وابن
تميم وتأولها القاضي وقيل إن لم يكثر وقيل في
نفل وظاهر ما ذكره المؤلف أنها لا تصح سواء
علم المأمومون بحاله أو جهلوه فإن علموا كونه
أميا لما سلم فوجهان وإن بطلت صلاة قارئ خلف
أمي بطل فرض القارئ في ظاهر كلامه ثم هل تبقى
نفلا فتصح صلاة الكل أو لا تبقى فتبطل أو
الإمام فيه أوجه
"إلا بمثله" في الأصح لأنه يساويه فصحت إمامته
كالعاجز عن القيام.
تنبيه: لا يصح اقتداء عاجز عن نصف الفاتحة
الأول بعاجز عن نصفها الأخير ولا عكسه ولا
اقتداء قادر على الأقوال الواجبة بالعاجز عنها
فإن لم يحسنها وأحسن بقدرها من القرآن لم يجز
أن يأتم بمن لا يحسن شيئا من القرآن وجوزه
المؤلف قال ابن تميم وفيه نظر وإن صلى خلف من
يحسن دون السبع فوجهان.
فائد: إذا شك قارئ في صلاة سر هل إمامه أمي
صحت عملا بالظاهر فإن أسر في صلاة جهر فوجهان
فإن أخبر أنه قرأ فلا إعادة عليها لأن الظاهر
صدقه وتستحب الإعادة ذكره في الشرح.
"وإن قدر على إصلاح ذلك لم تصح صلاته" ولا
صلاة من ائتم به لأنه ترك ركنا مع القدرة على
الإتيان به أشبه تارك الركوع والسجود.
"وتكره إمامة اللحان" وهو كثير اللحن وتصح نص
عليه إن كان لا يحيل المعنى فإن أحاله في غير
الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده
وذكره في الشرح لأنه مستهزئ ومتعمد ونقل
إسماعيل بن إسحاق لا يصلي خلفه.
(2/72)
والفأفاء الذي
يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر التاء ومن لا
يفصح ببعض الحروف وأن يؤم نساء أجانب لا رجل
معهن أو قوما أكثرهم له كارهون.
---------------------------------------
"والفأفاء الذي يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر
التاء" لأن في قراءتهم نقصا عن حال الكمال
بالنسبة إلى من لا يفعل ذلك ولأنهم يأتون
بالحرف الواجب وإنما يزيدون حركة أو فاء أو
تاء وذلك غير مؤثر كتكرير الآية.
"و" تكره إمامة "من لا يفصح ببعض الحروف"
كالقاف والضاد في حق البدوي وغيره للنقص
وظاهره صحة إمامته أعجميا كان أو عربيا وقيل:
من قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} بظاء قائمة لا
تصح لأنه يحيل المعنى يقال ظل يفعل كذا إذا
فعله نهارا وقد سبق.
"وأن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن" كذا ذكره
معظم الأصحاب لأنه عليه السلام نهى أن يخلو
الرجل بالأجنبية ولما فيه من مخالطة الوسواس
وحكم الواحدة كالجمع واقتضى ذلك أنه إذا أم
محارمه أو أجنبيات معهن رجل فلا كراهة لأن
النساء كن يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم الصلاة قيل نسيبا لإحداهن جزم به في
الوجيز وقيل محرما وعنه يكره في الجهر مطلقا
قال في الفروع وعلى كل حال لا وجه لاعتبار
كونه نسيبا وفي الفصول يكره للشواب وذوات
الهيئة الخروج ويصلين في بيوتهن فإن صلى بهن
رجل محرم جاز وإلا لم يجز وصحت الصلاة.
"أو قوما أكثرهم له كارهون" في قول أكثرهم لما
روى أبو أمامة مرفوعا قال " ثلاثة لا تجاوز
صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة
باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له
كارهون " رواه الترمذي وهو حسن غريب وفيه لين
وأخبر عليه السلام أن صلاته لا تقبل رواه أبو
داود من رواية الإفريقي وهو ضعيف عند الأكثر
وقيل ديانة نص عليه وجزم به في الوجيز .
(2/73)
ولا بأس بإمامة
ولد الزنى والجندي إذا سلم دينهما.
----------------------------------------
وظاهره أنه إذا كرهه اثنان أو ثلاثة لا يكره
وقال أحمد حتى يكرهه أكثرهم
قال القاضي المستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه
فإن استوى الفريقان فوجهان والأولى أن لا
يؤمهم إزالة لذلك الاختلاف ذكره في الشرح
وغيره.
أما إذا كان ذا دين وسنة فكرهوه لذلك فلا
كراهة في حقه بل يكره إن كان لخلل في دينه أو
فضله قاله الأكثر.
وقال الشيخ تقي الدين إذا كان بينهم معاداة من
جنس معاداة أهل الأهواء أو المذاهب فلا ينبغي
أن يؤمهم لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم
بالائتلاف وقال جده أو لدنيا وهو ظاهر كلام
جماعة وقيل تفسد صلاته لخبر أبي أمامة السابق.
"ولا بأس بإمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم
دينهما لعموم قوله عليه السلام " يؤم القوم
أقرؤهم " وصلى التابعون خلف ابن زياد وهو ممن
في نسبه نظر وقالت عائشة ليس عليه من وزر
أبويه شيء قال تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى} [الاسراء: من الآية15] ولأن
كلا منهما حر مرضي في دينه فصل:ح لها كغيره.
وكذا حكم الخصي واللقيط والمنفي بلعان
والأعرابي إذا سلم دينهم وصلحوا لها. وقيل:
يكره اتخاذ ولد الزنا إماما راتبا.
وعنه: أحب أن يصلي خلف الجندي وعنه لا يعجبني
إمامة الأعرابي إلا أن يكون قد سمع لأن الغالب
عليهم الجهل قال في الشرح والمهاجر أولى.
مسألة: لا يكره على الأصح إمامة ابن بأبيه
وظاهر رواية أبي داود لا يتقدمه في غير الفرض
وإن أذن الأفضل للمفضول لم يكره في المنصوص
وبدون إذنه يكره نص عليه وقيل إلا خوف أذى
والمراد سوى إمام
(2/74)
ويصح ائتمام من
يؤدي الصلاة بمن يقضيها ويصح ائتمام المفترض
بالمتنفل.
-----------------------------------------
المسجد وصاحب البيت كما أنه يحرم كما سبق.
"ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها"
رواية واحدة قاله الخلال لأن الصلاة واحدة
وإنما اختلف الوقت وكذا عكسه لما قلناه وعنه
لا يصح مطلقا لاختلاف النية وفي المذهب إذا
قضى الظهر خلف من يؤديها صح وجها واحدا وفي
العكس روايتان
وإن قضى ظهر يوم خلف ظهر يوم آخر فالأصح الصحة
وذكره بعضهم قولا واحدا هذا فيما إذا اتحدت
الصلاة فإذا اختلفت فسيأتي.
"ويصح إئتمام المفترض بالمتنفل" في رواية
نقلها إسماعيل بن سعيد وأبو داود واختارها
المؤلف وصاحب النصيحة والتبصرة والشيخ تقي
الدين لما روى جابر أن معاذا كان يصلي مع
النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع
إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة متفق عليه
ولفظه لمسلم ورواه الدارقطني وزاد وهي له تطوع
وهي لهم مكتوبة.
وصلى عليه السلام بطائفة من أصحابه ركعتين ثم
سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم
رواه أحمد
ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال أشبه
المتنفل خلف المفترض وذكر الشيخ تقي الدين
وجها لحاجة نحو كونه أحق بالإمامة.
والثانية لا تصح نقلها حنبل وأبو الحارث
وصححها ابن عقيل وصاحب التلخيص ونصرها جماعة
وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع لقوله
عليه السلام " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا
تختلفوا عليه " ولأن صلاة المأموم لا تتأدى
بنية الإمام أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي
الظهر وهو ينتقض بالمسبوق في الجمعة إذا أدرك
أقل من ركعة فإنه ينوي الظهر خلف من يصليها.
(2/75)
ومن يصلي الظهر
بمن يصلي العصر إحدى الروايتين ، و الأخرى لا
تصح فيهما.
------------------------------------
"ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في إحدى
الروايتين" ومثله صلاة كل مفترض خلف مفترض
بفرض غيره وقتا واسما وسيأتي "والأخرى لا تصح
فيها" وهو المذهب لأن الاختلاف في الصفة
كالاختلاف في الوضوء فيجب أن يكون الصحة
وعدمها كما تقدم.
مسائل
الأولى: إذا صلى فرضا رباعية خلف من يصلي
الظهر أربعا وقيل أو المغرب فإذا تم فرضه قبل
إمامه هل ينتظره أو يسلم قبله أو يخير فيه
أوجه.
فإن كانت إحداهما تخالف الأخرى كصلاة كسوف
واستسقاء وجنازة وعيد منع فرضا وقيل نفلا لأنه
يفضي إلى المخالفة في الأفعال
الثانية: إذا صلى ظهرا تامة خلف من يصلي
الجمعة لم يصح على الأصح وقيل إن صح بناء
الظهر على نية الجمعة صح وإلا فلا وقيل إن
أدرك ما يعتد به صح وإن كملت الجمعة كمن هو في
ظهر كما لو سبق الإمام الحدث في التشهد وقد
أدركه إنسان فيه فالخلاف.
الثالثة: إذا صلى مريض بمثله ظهرا قبل إحرام
صلاة الجمعة وقلنا يصح ثم حضر الإمام الجمعة
لم ينقلب ظهره نفلا في الأصح.
(2/76)
فصل: في الموقف
السنة أن يقف المأموم خلف الإمام،
------------------------------------
فصل: في الموقف
"السنة أن يقف المأمومون" رجالا كانوا أو نساء
"خلف الإمام" لفعله عليه
(2/76)
فإن وقفوا
قدامه لم يصح.
-----------------------------------
السلام كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه
خلفه وقد روي أن جابرا وجبارا وقف أحدهما عن
يمينه والآخر عن يساره فأخذ بأيديهما حتى
أقامهما خلفه رواه مسلم وأبو داود ولا ينقلهما
إلا إلى الأكمل.
وعن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا رواه
الترمذي بإسناد ضعيف وقال: غريب والعمل عليه
عند أهل العلم وكان ابن مسعود يرى أن يقف
الاثنان عن جانبي الإمام لأنه صلى بين علقمة
والأسود وقال هكذا رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم فعل رواه أحمد وفيه هارون بن عنترة وقد
وثقه جماعة وقال ابن حبان لا يحتج به وقال ابن
عبد البر لا يصح رفعه والصحيح أنه من قول ابن
مسعود وأجيب بأنه منسوخ أو على الجواز وأجاب
ابن سيرين بأن المسجد كان ضيقا رواه البيهقي
ويستثنى منه أن إمام العراة يقف وسطا وجوبا
والمرأة إذا صلت بالنساء.
"فإن وقفوا قدامه لم يصح" في قول أكثر العلماء
لقوله عليه السلام "إنما جعل الإمام ليؤتم به"
والمخالفة في الأفعال مبطلة لكونه يحتاج في
الاقتداء إلى الالتفات خلفه ولأنه لم ينقل عنه
عليه السلام ولا هو في معنى المنقول فلم يصح
كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام وهو عام في
كل الصلوات ولو بإحرام فأكثر لأنه ليس موقفا
بحال.
والاعتبار بمؤخر القدم وإلا لم يضر كطول
المأموم لأنه يتقدم برأسه في السجود قال في
الفروع ويتوجه العرف
فإن صلى قاعدا فالاعتبار بمحل القعود وهو
الألية حتى لو مد رجليه وقدمها على الإمام لم
يضر وإن كان مضطجعا فبالجنب وذكر الشيخ تقي
الدين وجها يكره ويصح والمراد وأمكن الاقتداء
وهو متجه أشبه من خلفه
وقيل: تصح جمعة وعيد وجنازة لعذر واختاره
الشيخ تقي الدين وقال من تأخر بلا عذر فلما
أذن جاء فصل:ى قدامه عزر.
(2/77)
وإن وقفوا عن
يمينه أو عن جانبيه صح ، وإن كان واحدا وقف عن
يمينه وإن وقف خلفه أو عن يساره لم يصح.
-----------------------------------
فعلى الأول لا تصح صلاتهم قال ابن تميم وفي
صلاة الإمام وجهان هذا إن لم يكن خلفه صف لكن
يستثنى منه المرأة إذا أمت رجالا في تراويح
وداخل الكعبة إذا تقابلا أو جعل ظهره إلى ظهر
إمامه لأنه لا يعتقد خطأه فإن جعل ظهره إلى
وجهه لأنه مقدم عليه فإن وقفوا حول الكعبة
مستديرين صحت فإن كان المأموم أقرب من جهته من
الإمام في جهته جاز فإن كانا في جهة واحدة
بطلت وقدم في الرعاية لا يضر وفي شدة الخوف
نصا إذا أمكن المتابعة.
"وإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح" لما
تقدم وقيل إن وقف بينهما ففي الكراهة احتمالان
"وإن كان واحدا وقف عن يمينه" لإدارة النبي
صلى الله عليه وسلم ابن عباس وجابر إلى يمينه
لما وقفا عن يساره رواه مسلم ويندب تخلفه
قليلا خوفا من التقدم ومراعاة للمرتبة فإن عدم
صحة مصافته لم يصح والمراد لمن لم يحضر معه
أحد فيجيء الوجه: تصح منفردا وكصلاتهم قدامه
ففي صحة صلاته وجهان.
"وإن وقف خلفه" لأنه صار فذا "أو عن يساره لم
يصح" كذا ذكره جماعة والمراد إذا صلى ركعة
فأكثر نص عليه مع خلو يمينه وعنه يصح اختاره
أبو محمد التميمي والمؤلف قال في الفروع وهي
أظهر.
وفي الشرح هي القياس كما لوكان عن يمينه وكون
النبي صلى الله عليه وسلم رد ابن عباس وجابر
لا يدل على عدم الصحبة بدليل رد جابر وجبار
إلى ورائه مع صحة صلاتهما عن جانبيه.
وقيل: يصح إن كان خلفه صف لأنه عليه السلام
صلى وأبو بكر عن يمينه وكان أبو بكر هو الإمام
وفيه شيء وحكم الجماعة كالواحد.
(2/78)
وإن أم امرأة
وقفت خلفه وإن اجتمع أنواع تقدم الرجال ،
---------------------------------------
تنبيه: إذا كبر عن يساره أداره من ورائه إلى
يمينه فإن كبر الآخر عن يساره أخذهما بيده إلى
ورائه فإن شق ذلك أو تعذر تقدم الإمام فصل:ى
بينهما أو عن يسارهما ولو تأخر الأيمن قبل
إحرام الداخل ليصليا خلفه جاز وفي النهاية
والرعاية بل أولى لأنه لغرض صحيح.
ولو أدركها الداخل جالسين كبر وجلس عن يمين
صاحبه أو يسار الإمام ولا تأخر إذن للمشقة
وظاهره أن الزمنى لا يتقدمون ولا يتأخرون
للعلة.
"وإن أم امرأة وقفت خلفه" لقوله عليه السلام "
أخروهن من حيث أخرهن الله " وسواء أكان معه
رجل أو رجال
ولا يصح وقوف امرأة فذا فإن وقفت وحدها فهي فذ
وصححه في الكافي وإن وقفت مع رجل فكذا في قول
جماعة ونقله المجد عن أكثر الأصحاب وعنه لا
اختاره القاضي وأبو الوفاء فإن كان في صف
الرجال كره ولم تبطل صلاة من يليها وخلفها
ذكره ابن حامد واختاره جماعة كما لو وقفت في
غير صلاة.
وذكر ابن عقيل فيمن يليها رواية تبطل وفي
الفصول أنه الأشبه وإن أحمد توقف وذكر الشيخ
تقي الدين أنه المنصوص وقيل ومن خلفها وقيل
وأمامها ولا تبطل صلاتها.
وذهب الشريف وأبو الوفاء إلى خلافه للنهي عن
وقوفها والوقوف معها فهما سواء فإن وقفت عن
يمينه فظاهره يصح وعن يساره إن لم تبطل صلاتها
ولا من يليها فكرجل في ظاهر كلامهم وفي
التعليق إذا كان الإمام رجلا وهو عريان فإنها
تقف عن يمينه.
"وإن اجتمع أنواع تقدم الرجال" أحرارا كانوا
أو عبيدا لقوله عليه السلام " ليلني منكم أولو
الأحلام " والنهى رواه مسلم ويقدم الأفضل
فالأفضل .
(2/79)
ثم الصبيان ثم
الخناثى ثم النساء كذلك يفعل في تقديمهم إلى
الأمام إذا اجتمعت جنائزهم ومن لم يقف معه إلا
كافر أو امرأة.
--------------------------------------
"ثم الصبيان" لأنه عليه السلام صلى فصف الرجال
ثم صف خلفهم الغلمان رواه أبو داود وأحمد
بمعناه وزاد والنساء خلف الغلمان وفيه لين
وضعف وفي المذهب رواية تأخيرهم عن الكل
"ثم الخناثى" لأنه يحتمل أن يكونوا رجالا وفيه
إشارة إلى صحة وقوف الخناثى صفا.
قال بعض أصحابنا هو مبني على أن وقوف المرأة
إلى جانب الرجل لا يبطل الصلاة وعلى أن الرجل
الواحد إذا وقف مع امرأة لا يكون فذا وإلا لم
يصح صفهم
وإن أم رجل خنثى صح في الأصح فيقف عن يمينه
صححه في الشرح وقيل خلفه وإن أم رجلا وخنثى
وقف الرجل عن يمينه والخنثى خلفهما وفي الشرح
يقف عن يسار الإمام أو يمين الرجل ولا يقفان
خلفه لجواز أن يكون امرأة إلا عند من أجاز
للرجل مصافتها فإن أم امرأة وخنثى فقال ابن
تميم يقفان خلفه متباعدين.
"ثم النساء" فلو انفردت عن صف النساء أو صلت
بامرأة مثلها فوقفت خلفها لم يصح وفي الكافي
عكسه لأنها يجوز وقوفها منفردة بدليل حديث
أنس.
"وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الأمام" وإلى
القبلة في قبر لضرورة إذا اجتمعت جنائزهم
وسيأتي
"ومن لم يقف معه إلا كافر" اتفاقا "أو امرأة"
أو خنثى فهو فذ قاله ابن حامد وفي الكافي
والتلخيص لأنهم من غير أهل الوقوف معه وفيه
وجه وذكره في المحرر عن القاضي وصححه ابن عقيل
لأنه وقف معه مفترض صلاته صحيحة أشبه الرجل .
(2/80)
أو محدث يعلم
حدثه فهو فذ ، وكذلك الصبي إلا في النافلة.
-------------------------------------
"أو محدث يعلم حدثه فهو فذ" أي لا تصح صلاته
لأن وجوده كعدمه وكذا إذا وقف معه سائر من لا
تصح صلاته قاله في الشرح فدل أن صحة صلاته صحة
مصافته فلو جهل الحدث حتى سلما صحت ولم يكن
فذا نص عليه قال القاضي كجهل مأموم حدث إمامه
وفي الفصول إن بان مبتدعا أعاد ولأن المبتدع
لا يؤم بخلاف المحدث فإن المتيمم يؤم.
"وكذلك الصبي" إذا وقف معه في فرض لأنه لا تصح
إمامته بهم فلم يصح أن يصافهم كالمرأة لكن روى
الأثرم أن أحمد سئل عن وقوف الصبي مع الفرض
فتوقف وقال ما أدري فذكر له حديث أنس فقال ذاك
في التطوع.
والمنصوص عنه وجزم به في الوجيز أنه فذ
وانعقاد الجماعة به ومصافته مبني على صحة
إمامته لأنه ليس من أهل الشهادة وفرضه نفل
وقيل: تصح مصافته وإن لم تصح إمامته لأنها لا
تشترط لها صحة الإمامة كالفاسق والعبد
والمفترض خلف المتنفل قاله ابن عقيل وصححه ابن
تميم وابن المنجا في الخلاصة قال في الفروع
وهو أظهر ولأنه لو اشترط في صحتها صحة الإمامة
لما صحت مصافة الأخرس وظاهر كلام أبي الخطاب
صحة إمامته في الجملة دون مصافته حيث جوز أن
يكون إماما في النفل.
وعلى الصحة فيقف رجل وصبي خلفه وعلى الأول عن
يمينه أو من جانبيه نص عليه "إلا في النافلة"
لحديث أنس وعنه لا كالفرض.
فرع: إذا وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر
أو غيره دخل الآخر في الصف أو وقف عن يمين
الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه فإن لم يمكنه
نوى مفارقته وأتم منفردا لأنه عذر أشبه ما لو
سبق إمامه الحدث .
(2/81)
ومن جاء فوجد
فرجة وقف فيها فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام
فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه فإن صلى
ركعة فذا لم يصح.
----------------------------------------
"ومن جاء فوجد فرجة" بضم الفاء هي الخلل في
الصف "وقف فيها" لقوله عليه السلام " إن الله
وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف " قال
ابن تميم فإن كانت بحذائه كره أن يمشي إليها
عرضا وإن كان الصف غير مرصوص دخل فيه نص عليه.
"فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام" لأنه موقف
الواحد "فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم
معه" بنحنحة أو كلام وجها واحدا لما في ذلك من
حصول من يقف معه ويتبعه وظاهره يكره جذبه نص
عليه
وقيل: يحرم اختاره ابن عقيل لما فيه من التصرف
فيه بغير إذنه ولو كان عبده أو ابنه لأنه لا
يملك التصرف فيه حال العبادة كالأجنبي.
وقال ابن عقيل: جوز أصحابنا جذب رجل يقوم معه
صفا وصححه في المغني للحاجة فجاز كالسجود على
ظهر إنسان أو قدمه حال الزحام وفي المغني
والشرح أنه إذا امتنع من الخروج معه لم يكرهه
وصلى وحده أو انتظر جماعة أخرى.
"فإن صلى فذا ركعة لم يصح" وقاله النخعي
وإسحاق لما روى علي بن شيبان أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " لا صلاة لفرد خلف الصف "
رواه أحمد وابن ماجه وعن وابصة بن معبد أن
النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف
الصف فأمره أن يعيد الصلاة رواه أحمد والترمذي
وحسنه وابن ماجه وإسناده ثقات قال ابن المنذر
ثبت أحمد وإسحاق هذا الحديث.
ولأنه خالف الوقوف أشبه ما لو وقف قدام الإمام
وظاهره لا فرق بين العامد والعالم وضدهما على
المذهب وفيه إشارة إلى أنه لو أحرم بالصلاة
فذا أنها تصح وعنه عكسها اختاره في الروضة
وعنه إن علم النهي وعنه تصح حكاها الدينوري
لأن أبا بكرة واسمه نفيع ركع دون
(2/82)
وإن ركع فذا ثم
دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الإمام
صحت صلاته وإن رفع ولم يسجد صحت وقيل إن علم
النهي لم يصح.
---------------------------------------
الصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم" زادك
الله حرصا ولا تعد " رواه البخاري ولم يأمره
بالإعادة.
وجوابه: بأنه عليه السلام نهاه عن العود
والنهي يقتضي الفساد وعذره فيما فعله بالجهل
وفيه نظر على المذهب
وعنه: في النفل وبناه في الفصول على من صلى
بعض الصلاة منفردا ثم نوى الائتمام وفي
النوادر رواية يصح لخوفه تضييقا وهو معنى قول
بعضهم لعذر وحيث صحت فالمراد مع الكراهة قال
في الفروع ويتوجه إلا لعذر وهو ظاهر كلام
شيخنا وقيل تصح فذا في صلاة الجنازة قاله في
التعليق وجزم جماعة أنه أفضل إن تعين صفا
ولأحمد من رواية عبد الله العمري عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة
فكانوا ستة فجعل الصف الأول ثلاثة والثاني
اثنين والثالث واحدا قال في الفصول ويعايا بها
ورده في المغني لعدم صحة الخبر فيه قال لأن
أحمد لو علم فيه حديثا لم يعده إلى غيره.
"وإن ركع فذا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر
قبل رفع الإمام صحت صلاته" ذكره جماعة لأنه
أدرك في الصف ما يدرك به الركعة "وإن رفع"
الإمام من الركوع ولم يسجد صحت" قدمه السامري
والشيخان لأن أبا بكرة فعله وفعله أيضا زيد بن
ثابت وابن مسعود كما لو أدرك الركوع معه وعنه
لا يصح قدمه ابن تميم وابن حمدان وصححه ابن
الجوزي وجزم به في الوجيز لأنه لم يدرك في
الصف مايدرك به ركعة أشبه من صلى ركعة فذا
وجعلها في المنتخب والوجيز فيما إذا سجد
الإمام.
"وقيل إن علم النهي لم يصح" هذا رواية
واختارها الخرقي لأنه عليه.
(2/83)
وإن فعله لغير
عذر لم يصح إذا كان المأموم يرى من وراء
الإمام صحت صلاته إذا اتصلت الصفوف وإن لم ير
من وراءه لم تصح.
-------------------------------------
السلام لم يأمر أبا بكرة بالإعادة ونهاه عن
العود والنهي يقتضي الفساد وظاهره لا فرق بين
من دخل قبل رفع الإمام رأسه من الركوع أو بعده
وهو المنصوص "وإن فعله لغير عذر" وهو المراد
بقوله في الفروع لغير غرض وفي الكافي والشرح
ولا خشي الفوات "لم يصح" قدمه في المحرر وجزم
به في الوجيز وصححه ابن تميم وفي الفروع لأن
الرخصة وردت في المعذور فلا يلحق به غيره وقيل
يصح قدمه في الكافي لأن الموقف لا يختلف بخيفة
الفوات وعدمه.
"وإذا كان المأموم يرى" الإمام أو "من وراء
الإمام صحت صلاته إذا اتصلت الصفوف" جزم به
الخرقي والمؤلف في الكافي ونهاية أبي المعالي
لأنه أمكنه الاقتداء بإمامه من غير خلل فوجب
أن يصح لانتفاء عدم الرؤية وعدم الاتصال
المفسدين لها وكما لو صلى في الصف الأول ويرجع
فيه إلى العرف.
وفي التلخيص والرعاية أو ثلاثة اذرع لظاهر
الأمر بالدنو من الإمام إلا ما خصه الدليل
وفسره في المغني ببعد غير معتاد ولا يمنع
الاقتداء ومعناه في الشرح والمذهب على أنه لا
يعتبر اتصال الصفوف في المسجد قال أبو الحسن
الآمدي لا خلاف في المذهب أنه إذا كان في أقصى
المسجد وليس بينه وبين الإمام ما يمنع
الاستطراق والمشاهدة أنه يصح اقتداؤه به وإن
لم تتصل الصفوف لأن المسجد بني للجماعة فكل من
حصل في محل الجماعة بخلاف خارج المسجد فإنه
ليس معدا للاجتماع فيه فلذلك اشترط الاتصال
فيه
"وإن لم ير من وراءه لم تصح" قدمه ابن تميم
وهو ظاهر كلامه وصرح به في الخلاصة لقول عائشة
لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة
الإمام فإنكن دونه في حجاب فعللت النهي
بالحجاب وهو موجود هنا ولأنه
(2/84)
وعنه تصح إذا
كان في المسجد ولا يكون الإمام أعلى من
المأموم.
---------------------------------------
لا يمكنه الاقتداء في الغالب كما لو لم يسمع
التكبير
"وعنه تصح إذا كانا في المسجد" أي إذا صلى في
المسجد بسماع التكبير فيه ولم ير إمامه ولا
بعض من معه صح صححه ابن عقيل وفي الكافي وقدمه
في المحرر والرعاية والفروع وجزم به في الوجيز
لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به
بسماع التكبير أشبه المشاهدة وعنه في النفل
وعنه والفرض مطلقا لظلمة وضرر فيدخل فيه
الجمعة وقيل تصح فيها رواية واحدة.
تتمات: إذا اقتدى به خارج المسجد وهو يراه أو
من خلفه في بعض الصلاة صح جزم به أبو الحسين
وذكره المجد الصحيح في المذهب.
ولو جاوز ثلاثمائة ذراع أو كانت جمعة في دار
ودكان واعتبر جماعة اتصال الصفوف عرفا فإن كان
بينهما نهر تجري فيه السفن أو طريق ولم تتصل
الصفوف إن صحت الصلاة فيه لم يمنع الاقتداء في
رواية اختاره المؤلف وغيره لعدم النص في ذلك
والإجماع وقال صاحب المحرر هو القياس ترك
للآثار قال في الكافي إلا أن يكون ذلك عريضا
يمنع الاتصال. وعنه: يمنع اختاره الأكثر
للآثار.
ومثله إذا كان بسفينة وإمامه في أخرى لأن
الماء طريق وليست الصفوف متصلة والمراد شدة في
غير الخوف كما ذكره القاضي وغيره وألحق الآمدي
بالنهي النار والبئر وقيل والسبع وإن كان
بينهما حائل يمنع الرؤية لكن يسمع التكبير
فالخلاف.
"ولا يكون الإمام أعلى من المأموم" وذلك مكروه
وذكره جماعة وهو ظاهر المذهب لما روى أبو داود
عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في في مكان أرفع
من مكانهم " وروى الدارقطني معناه بإسناد حسن
وقال ابن مسعود لحذيفة: ألم تعلم أنهم كانوا
ينهون عن ذلك قال:
(2/85)
فإن فعل وكان
كثيرا فهل تصح صلاته ؟ على وجهين ويكره للإمام
أن يصلي في طاق القبلة.
----------------------------
بلى رواه الشافعي بإسناد ثقات.
وظاهره: لا فرق بين أن يقصد تعليمهم أم لا
وعنه لا يكره وعنه إن أراد التعليم لحديث سهل
أنه عليه السلام صلى على المنبر ثم نزل
القهقرى فسجد وسجد معه الناس ثم عاد حتى فرغ
ثم قال " إنما فعلت هذا لتأتموا ولتعلموا
صلاتي " متفق عليه. والظاهر أنه علو يسير لأنه
كان على الدرجة السفلى جمعا بينه وبين ما سبق
وقيل يجوز له خاصة.
"فإن فعل وكان كثيرا" وهو ذراع عند القاضي
وقدره أبو المعالي مقدار قامة المأموم لحاجته
إلى رفع رأسه إليه وهو منهي عنه "فهل تصح
صلاته" أي الإمام "على وجهين" المذهب صحتها
لفعل حذيفة وعمار رواه أبو داود والثاني لا
تصح قاله ابن حامد وصححه ابن عقيل للنهي فعلى
هذا إن ساواه بعضهم صحت صلاته وصلاتهم في
الأصح زاد بعضهم بلا كراهة وفي النازلين إذن
الخلاف ولا بأس بعلو المأموم نص عليه.
ولا يعيد الجمعة من يصليها فوق سطح المسجد روي
عن أبي هريرة أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة
الإمام رواه الشافعي ورواه سعيد عن أنس ولأنه
يمكنه الإقتداء به أشبه المتساويين وقيدها في
الكافي إذا اتصلت الصفوف
"ويكره للإمام أن يصلي في طاق القبلة" أي
المحراب روي عن ابن مسعود وغيره لأنه يستتر عن
بعض المأمومين أشبه ما لو كان بينهم وبينه
حجاب وحينئذ فيقف عن يمين المحراب نص عليه فإن
كان حاجة كما صرح به كضيق المسجد وكثرة الجمع
لم يكره وعنه لا يكره مطلقا كسجود فيه وكما لو
شاهده المأموم وعنه يستحب ذكرها ابن أبي موسى.
فائدة: اتخاذ المحراب فيه مباح نص عليه وقيل
يستحب أومأ إليه أحمد واختاره الآجري وابن
عقيل ليستدل به الجاهل لكن قال الحسن:
(2/86)
أو يتطوع في
موضع المكتوبة إلا من حاجة ويكره للمأمومين
الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم.
------------------------------
الطاق في المسجد أحدثه الناس وكان يكره كل
محدث.
وعن سالم بن أبي الجعد لا تزال هذه الأمة بخير
ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى
وعن علي أنه كان إذا مر بمسجد يشرف قال هذه
بيعة احتج به أحمد وظاهره الكراهة.
"أو يطوع في موضع المكتوبة" نص عليه لما روى
المغيرة بن شعبة مرفوعا قال "لا يصلين الإمام
في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى
عنه" رواه أبو داود ولأن في تحويله من مكانه
إعلاما لمن أتى المسجد أنه صلى فلا ينتظره
ويطلب جماعة أخرى وقال ابن عقيل لا يكره لكن
تركه أفضل كالمأموم "إلا من حاجة" فيهما
والحاجة هنا أن لا يجد موضعا يتحول إليه.
"ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت
صفوفهم" ذكره في المحرر والوجيز والفروع رواه
البيهقي عن ابن مسعود وعن هارون بن مسلم عن
قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا أن
نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونطرد عنها طردا رواه ابن ماجه وفيه
لين وقال أنس كنا نتقي هذا على عهده صلى الله
عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود وإسناده ثقات
قال أحمد لأنه يقطع الصف قال بعضهم فتكون
سارية عرضها مقام ثلاثة بلا حاجة ويتوجه أكثر
أو العرف فلو كان الصف صغيرا قدر ما بين
الساريتين لم يكره لأن الصف لا ينقطع بذلك
وعنه لا يكره كالإمام وكقطع المنبر لأنه عليه
السلام لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين.
مسألة: يكره اتخاذ غير إمام مكانا بالمسجد لا
يصلي فرضه إلا فيه ويباح في النفل جمعا بين
الخبرين وفي الرعاية يكره مداومته بموضع منه
وقال المروذي كان أحمد لا يوطن الأماكن ويكره
إيطانها وظاهره ولو كانت فاضلة ويتوجه لا يكره
وهو ظاهر ما سبق من تحري نقرة الإمام وأنه لا
(2/87)
ويكره للإمام
إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة فإن
كان معه نساء لبث قليلا لينصرف النساء وإذا
صلت امرأة بالنساء قامت وسطهن في الصف.
---------------------------------
يكره ولو لحاجة كإسماع حديث وتقديس وإفتاء
ونحوه لأنه يقصد.
"ويكره للإمام إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل
القبلة" لقوله عائشة كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول "
اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا
الجلال والإكرام " رواه مسلم ولأنه إذا بقي
على حاله ربما سها فظن أنه لم يسلم أو ظن غيره
أنه في الصلاة فيستحب له أن يقوم أو ينحرف عن
قبلته لقول سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه رواه البخاري
وذكر جماعة يستحب أن لا يطيل الإمام جلوسه إلى
القبلة من غير حاجة وظاهره يستحب أن يدعو
مستقبل المأمومين وأنه يكره استقبالها فيه
ذكره غير واحد والمأموم والمنفرد على حالها
قال في التلخيص ويأتيان بالذكر وهما مستقبلان
القبلة مثني رجلهما.
"فإن كان معه نساء لبث" الإمام ومن معه من
الرجال "قليلا لينصرف النساء" لأنه عليه
السلام وأصحابه كانوا يفعلون ذلك قال الزهري
فنرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء
قبل أن يدركهن أحد من الرجال رواه البخاري من
حديث أم سلمة ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى
اختلاط الرجال بالنساء ويستحب أن لا ينصرف
المأموم قبل إمامه لقوله عليه السلام "لا
تسبقوني بالانصراف" رواه مسلم ولئلا يذكر سهوا
فيسجد له زاد في المغني والشرح إلا أن يخالف
الإمام السنة في إطالة الجلوس أو ينحرف فلا
بأس بذلك.
"وإذا صلت امرأة بالنساء قامت وسطهن في الصف"
روي عن عائشة ورواه سعيد عن أم سلمة ولأنه
يستحب لها التستر وهذا أستر لها أشبه إمام
العراة وفيه إشارة إلى أن النساء يصلين جماعة
وصرح باستحبابه غير واحد فإن تقدمتهن صح لكونه
موقفا في الجملة للرجل ويحتمل أنه لا
(2/88)
فصل:
ويعذر في الجمعة والجماعة المريض ومن يدافع
أحج الأخبثين أو بحضرة طعام هو محتاج إليه
--------------------------------
يجوز لأنها خالفت موقفها أشبه ما لو خالف
الرجل موقفه وإن أمت واحدة وقفت عن يمينها
كالمأموم من الرجال فإن وقفت خلفها جاز لأنه
موقف لها لحديث أنس ذكره في الشرح تبعا للكافي
والمذهب أنه لا يجوز مع أنه لا دلالة في حديث
أنس.
غريبة: قال في المستوعب وغيره من الأدب أن يضع
الإمام نعله عن يساره والمأموم بين يديه لئلا
يؤذي غيره.
فصل:
"ويعذر في" ترك "الجمعة والجماعة- المريض"
لأنه عليه السلام لما مرض تخلف عن المسجد وقال
مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه وسواء
خاف طول المرض أو كثرته وكذا خوف حدوثه لما
روى أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله
عليه وسلم فسر العذر بالخوف والمرض لكن إن لم
يتضرر بإتيانها راكبا ومحمولا أو تبرع به أحد
أو بأن يقود أعمى لزمته الجمعة وقيل لا
كالجماعة نقل المروذي في الجمعة يكتري ويركب
وحمله القاضي على ضعف عقب المرض فأما مع المرض
فلا يلزمه لبقاء العذر ويستثنى منه ما إذا كان
في الجامع فتلزمه الجماعة.
"ومن يدافع أحد الأخبثين" لما تقدم "أو بحضرة
طعام هو محتاج إليه" ويأكل حتى يشبع نص عليه
لخبر أنس في الصحيحين وعنه ما يكسر به نفسه
إلا أن يخاف ضررا جزم به جماعة في الجمعة وذكر
ابن حامد إن بدأ بالطعام ثم أقيمت الصلاة
ابتدر إلى الصلاة لحديث عمرو بن أمية أن النبي
صلى الله عليه وسلم دعي إلى الصلاة وهو يحتز
من كتف شاة فأكل منها فقام وصلى متفق عليه قال
في الفروع ولعل مراده مع عدم الحاجة وهو
(2/89)
والخائف من
ضياع ماله وفواته أو ضرر فيه أو موت قريبه أو
على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا
شيء معه أو فوت رفقته أو غلبة النعاس
-------------------------------------------
ظاهر.
"والخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه"
كمن يخاف على ماله من لص أو سلطان أو يخاف على
بهيمة من سبع أو شرود وكمن له خبز في تنور أو
طعام على نار أو ماء في زرع أو يخاف ضياع ماله
أو إباق عبده أو يرجو وجدانهما في تلك الحال
أو يكون مستأجرا على حفظ مال ونحو ذلك لأن
المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر
الذي هو عذر بالاتفاق وقال ابن عقيل خوف فوت
المال عذر في ترك الجمعة إذا لم يتعمد سببه بل
حصل اتفاقا.
"أو موت قريبه" نص عليه أو تمريضه ونقل ابن
منصور وليس له من يخدمه وأنه لا يترك الجمعة
وكذا إن خاف على أهله أو ولده لأن ابن عمر
استصرخ على سعيد بن زيد وهو يتجمر للجمعة
فأتاه بالعقيق وترك الجمعة قال في الشرح ولا
نعلم في هذا خلافا.
"أو" يخاف "على نفسه من ضرر" كسبع أو سيل
ونحوهما "أو سلطان" يأخذه "أو ملازمة غريم ولا
شيء معه" يعطيه لأن حبس المعسر ظلم وكذا إن
كان الدين مؤجلا وخشي أن يطالبه به قبل محله
وظاهره أنه إذا قدر على أداء دينه فلا عذر
للنص.
فإن وجب عليه حد لله تعالى أو لآدمي أو قصاص
فمثله لأنه يتعين عليه وفاؤه لكن في القصاص
إذا رجا العفو على مال وجهان أظهرهما أنه عذر
حتى يصالح لأن الحدود لا تدخلها المصالحة
بخلاف القصاص
"أو" أراد سفرا مباحا إنشاء أو استدامة قاله
ابن تميم وابن حمدان يخاف "فوت رفقته" لأن
عليه في ذلك ضررا "أو غلبة النعاس" لأن رجلا
صلى مع
(2/90)
أو الأذى
بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة
الباردة المظلمة.
----------------------------------
معاذ ثم انفرد فصل:ى وحده عند تطويل معاذ وخوف
النعاس والمشقة فلم ينكر عليه النبي صلى الله
عليه وسلم حين أخبره
وظاهره: أنه يعذر بغلبته سواء خاف فوتها في
الوقت أو مع الإمام وهو ظاهر الشرح وفي
الرعاية أنه أشهر وقدمه في الفروع وظاهر
المستوعب والتلخيص أنه يعذر إذا خاف فوتها مع
الإمام فقط وذكر ابن تميم يعذر في الجماعة لا
الجمعة وقيل لا فيهما وهو ظاهر الكافي وفي
المذهب والوجيز يعذر فيهما بخوفه نقض الوضوء
بانتظاره.
"أو الأذى بالمطر والوحل" لأخبار منها ما في
الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم
مطير زاد مسلم في يوم جمعة إذا قلت أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله فلا تقل
حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فعل ذلك من
هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم إن
الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في
الطين والدحض وثلج وجليد وبرد كذلك وعنه سفرا.
فائد: الوحل بتحريك الحاء والتسكين لغة رديئة.
"والريح الشديد في الليلة المظلمة الباردة"
لقول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم
ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطير في
السفر صلوا في رحالكم متفق عليه ورواه ابن
ماجه بإسناد صحيح ولم يقل في السفر وفي الفروع
بريح باردة في ليلة مظلمة ولم يذكر بعضهم
مظلمة وعنه أعذار في السفر قال الآمدي الأعذار
كالمطر والوحل والريح أعذار في السفر وفي
الحضر روايتان وذكر أبو المعالي أن كل ما أذهب
الخشوع كالحر المزعج عذر ولهذا جعله الأصحاب
كالبرد في المنع من الحكم والإفتاء.
مسائل:
يلحق بما تقدم إذا خاف تطويل الإمام كثيرا
وليس رؤية البلة في طريقه عذرا,
(2/91)
---------------------------
نص عليه.
الثانية يكره حضور المسجد من أكل بصلا أو فجلا
أو نحوه حتى يذهب ريحه وعنه يحرم وظاهره ولو
خلا المسجد من آدمي لتأذي الملائكة والمراد
حضور الجماعة ولو لم يكن بمسجد ولو في غير
صلاة وظاهره أنه لا يخرج وجزم جماعة بخلافه
لكن إن حرم دخوله وجب إخراجه وإلا استحب.
فائد: يقطع الرائحة الكريهة مضغ السذاب أو
السعد قاله بعض الأطباء.
الثالثة إذا طرأ بعض الأعذار في الصلاة أتمها
خفيفة إن أمكن وإلا خرج منها والمأموم يفارق
إمامه ويتمها أو يخرج منها قال أبو الدرداء من
فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على
صلاته و قلبه فارغ رواه البخاري.
(2/92)
باب صلاة أهل
الأعذار
ويصلي المريض كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم لعمران بن حصين "صلي قائما فإن لم تستطع
فعلى جنب" .
---------------------------
باب صلاة أهل
الأعذار
الأعذار جمع عذر كأقفال جمع قفل
"ويصلي المريض كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم لعمران بن حصين "صل قائما فإن لم تستطيع
فقاعدا فإن لم تستطيع فعلى جنب" " خ" كذا وجد
بخط المؤلف بخاء معجمة إشارة إلى أن البخاري
أخرجه وكذا رواه جماعة زاد النسائي "فإن لم
تستطع فمستلقيا".
وعن علي مرفوعا "يصلي المريض قائما فإن لم
يستطع صلى قاعدا فإن لم يستطع أن يسجد أومأ
وجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن لم يستطع أن
يصلى قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة
فإن لم يستطيع صلى مستلقيا رجلاه مما يلي
القبلة" رواه الدارقطني.
(2/92)
فأن صلى على
ظهره ورجلاه إلى القبلة صحت صلاته على أحد
الوجهين.
--------------------------------
فإذا أمكنه القيام لزمه إجماعا ولو معتمدا إلى
حائط أو نحوه أو على إحدى رجليه.
وقال ابن عقيل لا يلزمه اكتراء من يقيمه
ويعتمد عليه فإن عجز عنه أو يلحقه بالقيام ضرر
من زيادة مرض أو ضعف أو تأخر برء صلى قاعدا
لقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: من الآية78]
متربعا ندبا وقيل وجوبا ويثني رجليه في ركوع
وسجود كمتنفل وفي النهاية والرعاية إن قدر أن
يرتفع إلى حد الركوع لزمه وإلا ركع جالسا وعنه
إن أطال القراءة تربع وإلا افترش ولا يفترش
مطلقا وعنه لا يقعد إلا إن عجز عن قيامه
لدنياه وهو قول ميمون بن مهران وأسقطه القاضي
بضرر متوهم وأنه لو تحمل الصيام والقيام حتى
ازداد مرضه أثم ثم إن الإمام والأصحاب اعتبروا
الخوف وهو ضد الأمن فقالوا يصلي صلاة الخوف
إذا لم يؤمن هجوم العدو.
والمذهب أنه يصلي كما ذكرنا ولو كان بتعديه
بضرب ساقه كتعديها بضرب بطنها فنفست فإن عجز
فعلى جنبه الأيمن أفضل فإن صلى على الأيسر
فظاهر كلام جماعة جوازه لظاهر خبر عمران ولأن
المقصود استقبال القبلة وهو حاصل وقال الآمدي
يكره مع قدرته على الأيمن
"فإن" تركه قادر و "صلى على ظهره ورجلاه إلى
القبلة صحت صلاته في أحد الوجهين" ذكره في
التلخيص والمذهب والمحرر وجزم به في الوجيز
وقدمه في الفروع مع الكراهة وهو ظاهر كلام
أحمد لأنه نوع استقبال ولهذا يوجه الميت إليه
عند الموت والثاني لا يصح قال في الشرح وهو
أظهر ولأنه نقله عند العجز عن صلاة على جنب
فدل أنه لا يجوز مع القدرة عليه لأنه ترك
الاستقبال بوجهه و جملته ونقل الأثرم يصلي كيف
شاء كلاهما جائز فظاهره التخيير بينهما أما
إذا عجز عن.
(2/93)
ويومئ بالركوع
والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن عجز عن
ذلك أومأ بطرفه ولا تسقط عنه الصلاة.
--------------------------------------
الصلاة على جنب تعين أن يصلي مستلقيا وجها
واحدا.
"ويومئ بالركوع والسجود" لقوله عليه السلام
"وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"
واعتبار بالأصل ما أمكنه نص عليه وقال أبو
المعالي وأقل ركوعه مقابلة وجهه ما وراء
ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة وتتمتها الكمال
"ويجعل سجوده أخفض من ركوعه" للخبر وليتميز
أحدهما عن الآخر وإن سجد ما أمكنه على شيء
رفعه كره وأجزأه نص عليهما لأنه أتي بما يمكنه
من الانحطاط أشبه ما لو أومأ وعنه يخير وذكر
ابن عقيل رواية بالمنع كيده ولا بأس بسجوده
على وسادة ونحوها وعنه هو أولى من الإيماء
واحتج بفعل أم سلمة وابن عباس وغيرهما قال
ونهى عنه ابن مسعود وابن عمر.
"فإن عجز" هو بفتح الجيم في الماضي وكسرها في
المستقبل في الأشهر "عن ذلك أومأ بطرفه" أي
بعينه لما روى زكريا الساجي بإسناده عن جعفر
ابن محمد عن أبيه عن على بن الحسين عن الحسين
بن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "فإن لم يستطع أومأ بطرفه" وظاهر
كلام جماعة لا يلزمه وصوابه في الفروع لعدم
ثبوته وفي المستوعب يومئ بطرفه أو قلبه وفي
الفروع يومئ بطرفه ناويا مستحضر الفعل والقول
إن عجز عنه بقلبه كأسير عاجز لخوفه وفي الخلاف
زيادة عليهما أو حاجبيه وقاسه على الإيماء
برأسه ولا يلزم عليه الإيماء بيديه لأنه لا
يمتنع أن يلزمه وقد قال أحمد يصلي مضطجعا
ويومئ فأطلق وجوب الإيماء ولم يخصه ببعض
الأعضاء.
"ولا تسقط عنه الصلاة" ما دام عقله ثابتا ذكره
ونصره جماعة لأنه مسلم بالغ عاقل أشبه القادر
على الإيماء برأسه وعنه تسقط اختارها الشيخ
تقي الدين لظاهر خبر عمران وروي عن أبي سعيد
نحوه.
(2/94)
وإن قدر على
القيام أو القعود في أثناء الصلاة انتقل إليه
وأتمها ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع
والسجود أومأ بالركوع قائما وبالسجود قاعدا.
--------------------------------
"وإن" صلى قاعدا ثم "قدر على القيام أو" صلى
على جنب ثم قدر على "القعود في أثناء الصلاة
انتقل إليه وأتمها" لأن المبيح العجز وقد زال
ولأن ما صلى كان العذر موجودا وما بقى قد أتى
بالواجب فيه ولا يقرأ حال نهوضه إلى القيام
لكن إن قدر على القيام قبل القراءة لزمه أن
يأتي بها بعد قيامه وإن كان بعد القراءة قام
فركع من غير قراءة وعكسه لو مرض في أثنائها
جلس وله القراءة في هويه ويأتي بها على حسب
حاله.
"ومن قدر على القيام" لزمه لقوله تعالى
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: من
الآية238] ولخبر عمران ولأنه ركن قدر عليه فلم
يسقط بالعجز عن غيره كالقراءة "وعجز عن الركوع
والسجود أومأ بالركوع قائما" لأن الراكع
كالقائم في نصب رجله فوجب أن يومئ به في قيامه
"و" أومأ "بالسجود قاعدا" لأن الساجد كالجالس
في جمع رجليه فوجب أن يومئ في جلوسه ليحصل
الفرق بين الإيمائين.
مسائل
منها إذا كان في بيت سقفه قصير يتعذر خروجه
منه أو في سفينة يعجز عن القيام فيها والخروج
منها صلى جالسا نص عليه وقيل بل يقوم ما أمكنه
كالأحدب.
ومنها إذا قدر قائما منفردا وجالسا جماعة خير
بينهما قال في الشرح لأنه يفعل في كل منها
واجبا ويترك واجبا وقيل جماعة أولى وقيل يلزمه
قائما منفرد لأنه ركن بخلاف الجماعة.
ومنها لو تقوس ظهره فصار كالراكع فمتى ركع زاد
في انحنائه قليلا ؛
(2/95)
وإذا قال ثقات
من العلماء بالطب للمريض إن صليت مستلقيا أمكن
مداواتك فله ذلك ولا تجوز الصلاة في السفينة
قاعدا لقادر على القيام.
---------------------------
ليقع الفرق وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى
رقبته وإذا سجد قرب وجهه من الأرض ما أمكنه
وإن قدر أن يسجد على صدغيه لم يلزمه لأنه ليس
من أعضاء السجود.
"وإذا قال ثقات من العلماء بالطب" ومعناه في
المحرر "للمريض" أو لمن به رمد ونحوه "إن صليت
مستلقيا أمكن مداواتك فله ذلك" لأنه عليه
السلام صلى جالسا حين جحش شقة والظاهر أنه لم
يكن لعجزه عن القيام بل فعله إما للمشقة أو
خوف الضرر وكلاهما حجة فأم سلمة تركت السجود
لرمد بها ولأنه يخاف منه الضرر أشبه المرض
وذلك وسيلة إلى عافيته وهي مطلوبة شرعا ويشترط
إسلامهم وثقتهم لأنه أمر ديني فاشترط له ذلك
كغيره وظاهره أنه لا يقبل فيه أقل من ثلاثة
لأنه جمع قال ابن المنجا وليس بمراد لأن قول
الاثنين كاف صرح به المؤلف وغيره وحكاه في
الفروع قولا وقيل عن يقين والمذهب أنه يقبل
قول مسلم ثقة ونص أحمد أنه يفطر بقول واحد إن
الصوم مما يمكن العلة
"ولا تجوز الصلاة في السفينة قاعدا لقادر على
القيام" لأنه قادر على ركن الصلاة فلم يجز
تركه كما لو يكن فيها وظاهره الجواز إذا عجز
وقد سبق فلو قدر فيها على انتصاب يخرج به من
حد الراكع فظاهره اللزوم وإن كان لا يقدر على
الخروج منها صلى على حسب حاله فيها وأتى بما
يقدر عليه من التيامن وغيره وكلما دارت انحرف
إلى القبلة في الفرض وقيل لا يجب كالنفل في
الأصح فيه فإن كانت ضيقة لا يمكن كل من فيها
الصلاة قائما في حالة صلوا فرادى ما لم يضق
الوقت وإن أمكن الإتيان فيها بجميع واجبات
الصلاة لم يلزمه الخروج حاضرا كان أو مسافرا
واقفة كانت أو مسافرة فرضا كانت الصلاة أو
نفلا قدمه جماعة وصححه في الشرح كالصلاة على
الأرض وعنه يلزمه لأنها ليست حال استقرار قال
جماعة: متى
(2/96)
وتجوز صلاة
الفرض على الراحلة خشية التأذي بالوحل وهل
يجوز للمريض ؟ على روايتين.
------------------------------
كان فيه مشقة على أصحابه لم يجب نص عليه
وظاهره أن النفل فيها يصح مطلقا.
مسألة: تقام الجماعة في السفينة وعنه إذا صلوا
جلوسا نص عليه وصلى جماعة فيها قياما جماعة
وهم يقدرون على الخروج منهم أبو هريرة وأبو
سعيد رواه سعيد والبيهقي.
"وتجوز صلاة الفرض على الراحلة" واقفة وسائرة
وعليه الاستقبال وما يقدر عليه "خشية التأذي
بالوحل" نصره المؤلف وقدمه جماعة وجزم به في
الوجيز وصححه في الفروع لما روى يعلى بن مرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق
هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم
والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن
فأذن وأقام ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم
على راحلته فصل:ى بهم يومئ إيماء يجعل السجود
أخفض من الركوع رواه أحمد والترمذي وقال العمل
عند أهل العلم وفعله أنس ذكره أحمد ولم ينقل
عن غيره خلافه فإن قدر على النزول مضرة لزمه
ذلك والقيام والركوع كغير حالة المطر ويومئ
بالسجود لما فيه من الضرر.
وعنه لا يجوز ذلك لقول أبي سعيد أبصرت عيناي
رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى
جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه ولأن
القيام والسجود من أركان الصلاة فلم يسقط
بالمطر كبقية الأركان وأجيب بأنه عذر يبيح
الجمع فأثر في أفعال الصلاة كالسفر والمرض
والحديث محمول على اليسير عملا بالظاهر لأنه
كان في مسجده في المدينة فلم يؤثر بخلاف
الكثير الذي يلوث الثياب والبدن.
"وهل يجوز ذلك للمريض؟ على روايتين" إحداهما
يجوز قدمها في المحرر واختارها أبو بكر وجزم
بها في الوجيز لأن مشقة النزول في المرض أكثر
من مشقة النزول بالمطر لكن قيدها في رواية
إسحاق إذا لم
(2/97)
----------------------------------
يستطع النزول ولم يصرح أحمد بخلافه والثانية
المنع قال في الفروع نقله واختاره الأكثر لأن
ابن عمر كان ينزل مرضاه واحتج به أحمد لأن
الصلاة على الأرض أسكن له وأمكن بخلاف صاحب
الطين.
وظاهر المذهب أنه لا يلزمه النزول مع مشقة
شديدة أو زيادة ضرر وصرح به في الشرح وظاهر
كلام جماعة أن فيه الروايتين أما إذا خاف
انقطاعا عن الرفقة أو العجز عن الركوب فيصلي
كخائف على نفسه من عدو.
فرع: من أتى بكل فرض أو شرط للصلاة وصلى عليها
بلا عذر أو في سفينة ونحوها من أمكنه الخروج
وافقة أو سائرة صحت ومن كان في ماء وطين أومأ
كمصلوب ومربوط والغريق يسجد على متن الماء.
(2/98)
فصل: قصر
الصلاة.
----------------------------------
فصل: في قصر الصلاة
أجمعوا على قصرها بشرطه وسنده قوله تعالى
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ
الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: من
الآية101] علق القصر بالخوف لأن الآية نزلت
على الغالب أسفاره عليه السلام وأكثرها لم يخل
من عدو.
وذكر الشيخ تقي الدين أن القصر قسمان مطلق وهو
ما اجتمع فيه قصر الأفعال والعذر كصلاة الخوف
حيث كان مسافرا فإنه يرتكب فيها مالا يجوز في
صلاة الأمن والآية وردت على هذا ومقيد وهو ما
اجتمع فيه قصر العدد فقط كالمسافر أو قصر
العمل فقط كالخائف وهو حسن.
لكن يرد عليه قول يعلى لعمر بن الخطاب ما لنا
نقصر وقد أمنا فقال سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال "صدقة تصدق الله بها عليكم
فاقبلوا صدقته" رواه مسلم فظاهر ما فهمناه
تقيد قصر العدد بالخوف والنبي صلى الله عليه
وسلم أقرهما على ذلك وقيل قوله {إِنْ
خِفْتُمْ} كلام مبتدأ معناه وإن خفتم.
وقال ابن عمر صحبت النبي صلى الله عليه وسلم
فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبو
(2/98)
ومن سافر سفرا
مباحا يبلغ ستة عشر فرسخا،.
-----------------------------
بكر وعمر وعثمان كذلك متفق عليه
"ومن سافر سفرا مباحا" ذكره أكثر الأصحاب
وحكاه ابن هبيرة اتفاقا لأنه عليه السلام كان
يترخص في العود من السفر وهو مباح وكالغزو وفي
الوجيز سفرا جائز وهو أعم والمراد من ابتدأ
سفرا مباحا وصرح به في الفروع والأصح أو هو
أكثر قصده وعنه لا يترخص في سفره النزهة
والتفرج أختاره أبو المعالي لأنه إنما شرع
إعانة على تحصيل المصلحة ولا مصلحة في هذا
وظاهر كلام ابن حامد اختصاصه بسفر الطاعة وقال
في المبهج إذا سافر لتجارة مكاثر في الدنيا
فهو سفر معصية والأول أولى وهو شامل إذا غربت
المرأة ومعها محرم فله الترخص وكذا الزاني
وقاطع الطريق وفيهما وجه ودل على جوازه في سفر
واجب من باب التنبيه: ولا قصر في سفر المعصية
وأباح في التلخيص تناول الميتة للضرورة ولو
عصى في سفره المباح لم يمنع الترخص كارتكابها
في الحضر لا يمنعه ومن نقل سفره المباح إلى
معصية لم يترخص في الأصح لزوال سببه وإن نقل
سفر المعصية إلى مباح وقد بقي مسافة قصر في
الأصح لأن وجود ما مضى من سفره كعدمه
مسألة: إذا سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال
ابن عقيل وصاحب التلخيص لا يباح له الترخص
لقوله عليه السلام "لا تشد الرحال إلا لثلاثة
مساجد" متفق عليه وقال المؤلف الصحيح جوازه
والحديث محمول على نفي الفضيلة قال ابن المنجا
السفر المكروه كزيارة القبور والمشاهد ملحق
بالسفر المحرم وفيه نظر واختلف كلام الحلواني
هل السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم أو
الوالدين واجب أو طاعة كزيارته عليه السلام
لكن قال أبو محمد الجويني يحرم الشد إلى غير
المساجد الثلاثة نقله النووي وذكر الشيخ تقي
الدين يجب السفر المنذور إلى المشاهد
"يبلغ ستة عشر فرسخا" الفرسخ واحد الفرسخ وهو
ثلاثة أميال هاشمية ,
(2/99)
فله قصر
الرباعية خاصة إلى ركعتين إذا فارق بيوت قريته
أو خيام قومه.
------------------------------
وبأميال بني أمية ميلان ونصف والميل اثنا عشر
ألف قدم ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون
إصبعا معترضة معتدلة كل أصبع ست حبات شعير
بطون بعضهما إلى بعض عرض كل شعيرة ست شعرات
برذون وذلك أربعة برد مسيرة يومين قاصدين نص
عليه وهو قول عمر وابن عباس لما روى الدارقطني
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من
مكة إلى عسفان" ضعفه أحمد ويحيى مع أن أحمد
احتج به مع تضعيفه وظاهر كلامهم أن هذا تقريب
وقال أبو المعالي تحديد والبر والبحر سواء فلو
قطعه في زمن يسير في البحر قصر كما لو قطعها
في البر في أقل من يومين وذكر صاحب المسالك أن
من دمشق إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلا ومن
دمشق إلى الكسوة اثني عشر ميلا
وعن ابن عباس وابن عمر يقصر في يوم وقاله
الأوزاعي وروى أبو داود أن دحية افطر في ثلاثة
أميال وأفطر معه أناس كثيرون وقيل تقصر في
طويل السفر وقصيره والأول أولى لأنه مسافة
تجمع مشقة السفر من الحل والعقد فجاز القصر
فيه كغيره قال المؤلف والحجة مع من أباح القصر
لكل مسافر إلا أن الإجماع انعقد على خلافه.
"فله قصر الرباعية خاصة إلى ركعتين" ولا قصر
في المغرب والفجر إجماعا حكاه ابن المنذر لأن
الفجر لو قصرت صارت ركعة ولا نظير لذلك في
الفرائض والمغرب وتر النهار فلو قصر منها ركعة
لم يبق وترا وركعتان كان إجحافا بها وإسقاطها
لأكثرها ولا نظير لها في الفرض
"إذا فرق بيوت قريته أو خيام قومه" لأن الله
تعالى لصاحب القصر لمن ضرب في الأرض وقبل
مفارقة ما ذكر لا يكون ضاربا ولا مسافرا ولأن
ذلك أحد طرفي السفر أشبه حالة الانتهاء ولأنه
عليه السلام كان يقصر إذا ارتحل فعلى هذا لا
يقصر إذا فارق بيوت قريته العامرة بشرط أن لا
يرجع أو لا ينوي الرجوع قريبا فإن فعل لم
يترخص حتى يرجع ويفارقه ولو لم ينوي الرجوع
لكن بدا له لحاجة لم
(2/100)
وهو أفضل من
الإتمام وإن أتم جاز.
---------------------------------------
يترخص بعد نية عوده حتى يفارقه ثانيا وقيل
والخراب كما لو وليه عامر وقال أبو المعالي أو
جعل مزارع وبساتين يسكنه أهله ولو في فصل:
النزهة وقيل يقصر بمفارقه سور بلده وظاهره ولو
اتصل به بلد واعتبر أبو المعالي انفصاله ولو
بذراع ويعتبر في ساكن القصور والبساتين مفارقة
ما نسبوا إليه عرفا.
"وهو أفضل من الإتمام" نص عليه لأنه عليه
السلام داوم عليه ولم ينقل عنه الإتمام وكذلك
الخلفاء الراشدون من بعده وروى أحمد عن أبن
عمر مرفوعا "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما
يكره أن تؤتي معصيته" وفيه وجه أن الإتمام
أفضل لأنه أكثر عملا وعددا وهو الأصل أشبه غسل
الرجلين.
"وإن أتم جاز" في المشهور للآية ولحديث يعلى
قالت عائشة أتم النبي صلى الله عليه وسلم
وقصره قاله الشافعي ورواه الدارقطني وصححه
وبين سلمان أن القصر رخصة بمحضر اثني عشر
صحابيا رواه البيهقي بإسناده حسن ولما أتمت
عائشة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم
"أحسنت" رواه أبو داود الطيالسي والدارقطني
وقال إسناد حسن وقيل يجب القصر وهو قول جماعة
وعنه الوقف وقال مرة لا يعجبني الإتمام وكرهه
الشيخ تقي الدين قال في الفروع وهو أظهر.
مسائل
الاولى: يعتبر تحقيق المسافة فلو شك في قدر
السفر لم يقصر وإن بان بعده أنه طويل كما لو
صلى شاكا في دخول الوقت وقال ابن أبي موسى
وابن عقيل متى بلغ المسافة قصر وعنه إن بلغ
عشرين فرسخا.
الثانية: أنه لا بد أن يقصد جهة معينة فلو
سافر ولم يقصدها لم يقصر وأنه لا بد من الجزم
ببلوغ المسافة فلو علم صاحبه في بلد بعيد ونوى
إن وجده قبله لم يقصر وقيل إن بلف مسافة قصر
قصر وكذا سائح وتائه.
الثالثة: إذا سافر ليترخص فقد ذكروا لو سافر
ليفطر حرم وقيل يكره ومثله من لا خف في رجله
فلبسه لغرض المسح خاصة , لا
(2/101)
فإن أحرم في
الحضر ثم سافر وفي السفر ثم أقام أو ذكر صلاة
حضر في سفر أو صلاة سفر في حضر.
---------------------------------
يستحب له , كما لا يستحب إن شاء السفر لغرض
الترخص ويأتي من سافر يقصد حل يمينه.
الرابعة: يقصر ويترخص مسافر مكرها كأسير على
الأصح كامرأة وعبد تبعا لزوج وسيد في نيته
وسفره وفيهما وجه لا قصر وقال أبو المعالي
والجيش مع الأمير والجندي مع أميره إن كان
رزقهم في مال أنفسهم ففي أيهما يعتبر نيته فيه
وجهان وإلا فكالأجير والعبد لشريكين ترجح نية
إقامة أحدهما والأسير إذا صار ببلدهم فإنه يتم
في المنصوص تبعا لإقامتهم كسفرهم.
الخامسة: يوتر ويركع سنة الفجر في السفر ويخير
في غيرهما وعند الشيخ تقي الدين يسن ترك
غيرهما وأطلق أبو المعالي التخيير في النوافل
والسنن ونقل ابن هاني يتطوع أفضل وجزم به في
الفصول والمستوعب واختاره الشيخ تقي الدين في
غير الرواتب ونفله بعضهم إجماعا.
"فإن أحرم في الحضر ثم سافر وفي السفر ثم
أقام" أتم نص عليهما لأنها عبادة اجتمع لها
حكم الحضر والسفر فغلب حكم الحضر كالمسح وفي
الثانية وجه اعتبار بحالة أدائها كصلاة صحة في
مرض والمسألة: مصورة في راكب السفينة فلو سافر
بعد دخول الوقت لم يجز القصر في قول أصحابنا
لأنه تعين فعلها أربعا فلم يجز النقصان منها
كالمنذورة.
وعنه يجوز وحكاه ابن المنذر إجماعا لأنها
مؤداة في السفر أشبه ما لو دخل وقتها فيه وقيل
إن ضاق الوقت لم يقصر وجها واحدا.
"أو ذكر صلاة حضر في سفر" أتمها إجماعا حكاها
أحمد وابن المنذر إلا أنه قال اختلف فيه عن
الحسن ولأن القضاء معتبر بالأداء وهو أربع.
أو ذكر "صلاة سفر في حضر" أتم نص عليه وقاله
الأوزاعي لأن القصر من رخص السفر فبطل بزواله
كالمسح ثلاثا وكذا لو أخرها مسافر
(2/102)
أو ائتم مسافر
بمقيم أو بمن يشك فيه أو أحرم بصلاة يلزمه
إتمامها ففسدت وأعادها أو لم ينوي القصر لزمه
أن يتم.
------------------------------
عمدا حتى خرج وقتها أو ضاق عنها قاله في
المحرر وغيره لأنها تعلقت بذمته كالدين والأصل
الإتمام وقيل يقصر فيهما إذا ذكر صلاة حضر في
سفر.
"أو ائتم مسافر بمقيم" أتم نص عليه قال ابن
عباس تلك السنة رواه أحمد ولأنها صلاة مردودة
من أربع فلا يصليها خلف من يصلي الأربع
كالجمعة وسواء أدرك معه جميع الصلاة أو بعضها
اعتقده مسافرا أو لا وعنه في ركعة فأكثر فعلى
الأول إن أدرك معه تشهد الجمعة أتم نص عليه
وعلى الثانية يقصر ويتوجه تخريج من صلاة الخوف
يقصر مسافر مطلقا كما خرج بعضهم إيقاعها مرتين
على صحة مفترض بمتنفل وشمل ما إذا أحرم
المسافرون خلف مسافر فأحدث واستخلف مقيما
فليزمهم الإتمام دون إمامهم المحدث
"أو بمن يشك فيه" أي في إقامته وسفره لزمه أن
يتم وإن بان أن الإمام مسافر لعدم نيته لكن
إذا علم أو غلب على ظنه أن الإمام مسافر
بإمارة وعلامة كهيئة لباس إلا أن إمامه نوى
القصر فله أن ينويه عملا بالظن ولو قال إن قصر
قصرت وإن أتم أتممت لم يضر وإن سبق إمامه
الحدث فخرج قبل علمه بحاله فله القصر عملا
بالظاهر وقيل يلزمه الإتمام لأنه الأصل.
"أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها" كما لو اقتدى
بمقيم أو نوى الإتمام ففسدت بالحدث ونحوه
"وأعادها" أتم لأنها وجبت عليه بتلبسه بها
وقيل إن بان أن الإمام محدث قبل السلام ففي
وجوب الإتمام وجهان
"أو لم ينو القصر" عند الإحرام "لزمه أن يتم"
ذكره معظم الأصحاب لأنه الأصل وإطلاق النية
ينصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى
الانفراد الذي هو الأصل فعلى هذا إن شك في
النية في الصلاة أتم فإن ذكر أنه كان
(2/103)
وقال أبو بكر:
لا يحتاج الجمع والقصر إلى نية.
---------------------------------------
نوى القصر لم يقصر ذكره في المذهب والشرح لأنه
لزمه الإتمام فلم يزل.
"وقال أبو بكر" وجماعة "لا يحتاج الجمع والقصر
إلى نية" لأنه مخير قبل الدخول في الصلاة فكذا
بعده والقصر هو الأصل لخبر عمر وعائشة ولأن
السفر حال يبيح القصر فإذا تلبس المسافر بها
فيه بغير نية جاز له القصر لقيام السفر مقام
نيته كالإتمام في الحضر فعلى هذا لو نوى
الإتمام ثم أراد القصر قصر لأنه رخصة وقيل لا
لأن ما يوجب الأربع قد وجد.
مسائل
منها: إذا صلى مسافر ومقيم خلف مسافر أتم
المقيم إذا سلم إمامه إجماعا.
ومنها: إذا أم مسافر مقيمين فأتم بهم الصلاة
صح لأن المسافر يلزمه الإتمام بنبيه وعنه تفسد
صلاة المقيمين قال القاضي لأن الركعتين
الأخرتين نفل في حق الإمام فلا يؤم بهما
مفترض.
ومنها: إذا انتقل مسافر من القصر إلى الإتمام
جاز وفرضه الأوليان قاله ابن عقيل وغيره وإن
فعله عمدا مع بقاء نية القصر فهل تبطل صلاته
على وجهين وإن لم تعتبر نية القصر وصلى أربعا
سجد للسهو على الأصح ولا يجب ذلك على الأشهر
فإن كان إماما وعلم المأموم أنه لم يرد
الإتمام سبحوا به ولم يتابعوه لأنه سهو فإن
تابعوه فوجهان.
ومنها: إذا شك هل نوى إمامه الإتمام أو قام
سهوا لزم متابعته وقال ابن عقيل إن قام إلى
ثالثة عمدا أتم فإن سلم منها عمدا بطلت وإن
قام سهوا لم يلزمه الإتمام فإن شاء سجد وجلس
وإن شاء أتم.
ومنها: إذا نوى مسافر القصر خلف مقيم عالما
بذلك لم يصح وقيل بلى ويتمها وقيل ويقصرها وفي
وجوب نية سفر القصر في أوله وجهان.
(2/104)
ومن له طريقان
بعيد وقريب فسلك البعيد أو ذكر صلاة سفر في
آخر فله القصر وإذا نوى الإقامة في بلد أكثر
من إحدى وعشرين صلاة أتم وإلا قصر.
-----------------------------
وإذا نوى الظهر تامة مسافر أو عبد خلف إمام
جمعة لم يصح نص عليه.
"ومن له طريقان بعيد وقريب فسلك البعيد" قصر
كذا في الوجيز وغيره لأن المسافة بعيدة أشبه
المنفرد وكما لو كان الآخر مخوفا أو مشقا وقال
ابن عقيل إن سلكه لرفع أذية واجتلاب نفع قصر
قولا واحدا وإن كان لا لغرض صحيح خرج على
الروايتين في سفر النزهة قال ابن حمدان ومثله
بقية رخص السفر.
"أو ذكر صلاة سفر في" سفر "آخر فله القصر" لأن
وجوبها وفعلها وجدا في السفر أشبه ما لو أداها
وقيل يتمها لذكره لها في إقامة متخللة وظاهره
أنه إذا ذكرها فيه أنه يقصر وفاقا وفيه وجه
يتمها لأنه مختص بالأداء كالجمعة قال ابن تميم
وغيره وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها.
"وإذا نوى الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين
صلاة" أي اثنين وعشرين صلاة أتم وإلا قصر هذا
هو المشهور عن أحمد وفي الكافي انه المذهب
واختاره الخرقي والأكثر لما احتج به أحمد
ومعناه متفق عليه من حديث جابر وابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة
من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس
والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج
إلى منى وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد
أجمع على إقامتها وقال أنس أقمنا بمكة عشرا
نقصر الصلاة متفق عليه قال الأثرم سمعت أبا
عبد الله يذكر حديث أنس ويقول هو كلام ليس كل
أحد ووجهه أنه حسب مقام النبي صلى الله عليه
وسلم بمكة ومنى وليس له وجه غير هذا.
(2/105)
وإن أقام لقضاء
حاجة.
-----------------------------------
وعنه إن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم
وإلا قصر قدمه السامري وصاحب التلخيص وجزم به
في الوجيز وصححه القاضي وذكر ابن عقيل أنه
المذهب لأن الذي تحقق أنه عليه السلام نواه
إقامة أربعة أيام لأنه كان حاجا والحاج لا
يخرج قبل يوم التروية
وعنه إن نوى إقامة أربعة أيام أتم وإلا قصر
قدمه في المحرر لقول النبي صلى الله عليه وسلم
"يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا" وبأن عمر
أجلا اليهود من جزيرة العرب وضرب لهم أجلا
ثلاثا.
وفي النصيحة فوق ثلاثة أيام لا خمسة عشر يوما
بل في رستاق ينتقل فيه نص عليه كقصره عليه
السلام بمكة ومنى وعرفة عشرا ويحتسب يوم
الدخول والخروج من المدة على الأظهر ولا فرق
بين أن يكون البلد للمسلمين أو لغيرهم.
وفي التلخيص أن إقامة الجيش للغزو لا يمنع
الترخص وإن طال لفعله عليه السلام وظاهره أنه
إذا نوى الإقامة بموضع يتعذر فيه الإقامة
كالبرية لا يقصر لأنه نوى الإقامة والمذهب بلى
لأنه لا يمكنه الوفاء بهذه النية فلغت وبقي
حكم السفر الأول مستداما فلو نوى المسافر
إقامة مطلقة وقيل بموضع تقام فيه أنه يتم ومن
نوى إقامة تمنع القصر ثم نوى السفر قبل فراغها
فقيل تقصر وقيل إذا سافر.
"وإن أقام لقضاء حاجة" قصر لأنه عليه السلام
أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة إسناده
ثقات رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وقال تفرد
معمر بروايته مسندا ورواه علي بن المبارك
مرسلا ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة
أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين رواه البخاري
وقال أنس أقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة رواه
البيهقي بإسناد حسن قال ابن المنذر أجمعوا أن
المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة
(2/106)
أو حبس ظلما أو
لم ينوي الإقامة قصر أبدا.
------------------------------
ولو أتى عليه سنون ولا فرق بين أن يغلب على
ظنه كثرة ذلك أو قلته وصرح به في الكافي وابن
تميم وقيل إن ظن قضاء حاجته من استواء ريح أو
خروج قافلة لم يقصر كما لو علم.
"أو حبس ظلما" قصر لما روى الأثرم أن ابن عمر
أقام بأذربيحان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال
الثلج بينه وبين الدخول وفي معناه إذا حبسه
مرض أو مطر فإن حبس بحق لم يقصر "أو لم ينو
الإقامة قصر أبدا" لما تقدم وعن علي قال يقصر
الذي يقول أخرج اليوم أخرج غدا شهرا وعن سعد
أنه أقام في بعض قرى الشام أربعين يوما يقصر
الصلاة رواهما سعيد ولا فرق إذا لم ينو
الإقامة أو نواها مدة لا تمنع القصر بين أن
يكون البلد منتهى قصده أو لم تكن على المنصوص
وهو ظاهر كلام الخرقي والأكثر لأنه عليه
السلام قصر في حجه مدة مقامه بمكة وكان منتهى
قصده وكذلك الخلفاء من بعده وقال بعض أصحابنا
إذا كان منتهى قصده لم يقصر حتى يخرج منه
لانتهاء سفره وهذا كله إذا لم يكن فيه زوجه أو
تزوج فإنه يتم على الأشهر وعنه أو أهل أو
ماشية لأنه قول ابن عباس وقيل أو مال وقيل إن
كان به ولد أو والد أو دار قصر وفي أهل غيرهما
ومال وجهان
فرعان: الأول: إذا مر المسافر بوطنه أتم وعنه
لا ولا حاجة فيه وإلا قصر.
الثاني: إذا نسي حاجة في بلده فرجع لأخذها عن
قرب قصر في رجوعه اختاره المؤلف وفي وجه لا
اختاره القاضي وحكاه عن أحمد وفي رجوعه إلى
غير وطنه وجهان فإن نوى أن يقيم به ما يمنع
القصر لم يقصر في رجوعه وقيل إن قصد بلدا
بعينه ونوى الرجوع قريبا قصر في رجوعه نص
عليه.
مسألة: إذا سافر من ليس بمكلف سفرا طويلا ثم
كلف بالصلاة في أثنائه فله القصر مطلقا فيما
بقي.
(2/107)
والملاح الذي
معه أهله وليس له نية الإقامة ببلد ليس له
الترخص.
---------------------------------
"والملاح" صاحب السفينة قاله الجوهري "الذي
معه أهله وليس له نية الإقامة ببلد ليس له
الترخص" أي يعتبر للسفر المبيح كونه منقطعا
فإن كان دائما كما مثله لم يترخص نص عليه وهو
قول الحسن وعطاء لأنه غير ظاعن عن وطنه وأهله
أشبه المقيم فعلى هذا لا يترخص بفطر رمضان
لأنه يقضيه في السفر وكما تعتد امرأته مكانها
كمقيم.
وظاهره أنه لا بد من اجتماع الأمرين فلو انتفى
أحدهما لم يمنع الترخص ولم يعتبر القاضي فيه
أن يكون معه أهله وهو خلاف نصوصه لأن الشبه لا
يحصل حقيقة إلا بمجموع الأمرين ومثله مكار
وساع وبريد وراع ونحوهم نص عليه وقيل عنه
يترخص اختاره المؤلف سواء كان معه أهله أو لا
لأنه أشق.
(2/108)
فصل: في الجمع
يجوز الجمع بين الظهر والعصر والعشاءين، في
وقت إحداهما لثلاثة أمور: السفر الطويل والمرض
الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف،.
---------------------------------------
فصل: في الجمع
"يجوز الجمع" وتركه أفضل وعنه فعله اختاره أبو
محمد الجوزي وغيره كجمعي عرفه ومزدلفة وعنه
التوقف "بين الظهر والعصر والعشاءين في وقت
إحداهما" فهذه الأربع هي التي تجمع في وقت
إحداهما الظهر والعصر والمغرب والعشاء "لثلاثة
أمور السفر الطويل" نص عليه وهو قول أكثرهم
لما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر
الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا
وإذا ارتحل بعد رفع الشمس صلى الظهر والعصر
حتى جميع ثم سار وكان يفعل مثل ذلك في المغرب
والعشاء رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب
وعن أنس معناه متفق عليه
وظاهره: لا فرق بين أن يكون نازلا أو سائرا في
جمع التقديم أو التأخير وقال القاضي لا يجوز
إلا لسائر وعنه لسائر وقت الأولى فيؤخر إلى
الثانية اختاره الخرقي لما روى ابن عمر قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله
السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها
وبين العشاء قال سالم وكان ابن عمر يفعله متفق
عليه وقال ابن أبي موسى الأظهر من مذهبه أن
صفة الجمع فعل الأولى آخر وقتها والثانية أول
وقتها وظاهره أنه لا يجوز في القصر على المذهب
وفيه وجه.
"والمرض الذي يلحقة بترك الجمع فيه مشقة وضعف"
نص عليه وصححه جماعة وجزم به في المحرر وغيره
لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف
ولا مطر وفي رواية من غير خوف ولا سفر رواهما
مسلم من حديث ابن
(2/109)
والمطر الذي
يبل الثياب إلا أن جمع المطر يختص العشاءين في
أصح الوجهين.
---------------------------------------
عباس ولا عذر بعد ذلك إلا المرض وقد ثبت جواز
الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض وفي الوجيز يجوز
بكل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة عدا النعاس
ونحوه انتهى.
واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر وشرط بعضهم
إن جاز له ترك القيام واحتج أحمد بعد الغروب
ثم تعشى ثم جمع بينهما وعنه لا يجوز لما سبق.
تنبيه: يجوز لمرضع نص عليه للمشقة بكثرة
النجاسة وفي الوسيلة رواية لا قال أبو المعالي
كمريض وكمن به سلس البول ذكره في المحرر ولكن
من يعجز عن الطهارة والتيمم لكل صلاة وعن
معرفة الوقت كأعمى ونحوه أومأ إليه أحمد ومن
له شغل أو عذر يبيح ترك جمعة وجماعة قال ابن
حمدان وغيره.
"والمطر الذي يبل الثياب" نص عليه وهو قول
الأكثر لما تقدم من حديث ابن عباس وفعله ابن
عمر رواه مالك قال أبو سلمة من السنة إذا كان
يوم مطر أن يجمع بين المغرب والعشاء رواه
الأثرم.
وروى النجاد بإسناده أن النبي صلى الله عليه
وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة
وفعله أبو بكر وعمر وعثمان وحكم الثلج كذلك في
المنصوص وفيهما وجه لا يجوز قال ابن تميم وهو
ظاهر كلام أحمد وظاهره أنه لا يجوز لطل ولا
لمطر خفيف لا يبل الثياب وهو الأصح لعدم
المشقة وفيه وجه.
"إلا أن جمع المطر يختص العشاءين في أصح
الوجهين" نص عليه واختاره جمهور الأصحاب قال
في الفروع وهو الأشهر لأنه لم يرد إلا في
المغرب والعشاء ومشقتهما أكثر من حيث إنهما
يفعلان في الظلمة ومشقة السفر لأجل السير
وفوات الرفقة وهو معدوم هنا.
(2/110)
وهل يجوز لأجل
الوحل ، أو الريح الشديدة الباردة أو لمن يصلي
في بيته أو في مسجد طريقه تحته ساباط؟ على
وجهينز.
------------------------------------------
والثاني يجوز بين الظهر والعصر كالعشاءين وهو
رواية، اختاره القاضي وأبو الخطاب وصححه في
المذهب لأنه معنى أباح الجمع فأباحه بين الظهر
والعصر كالسفر.
"وهل يجوز لأجل الوحل أو الريح الشديدة أو لمن
يصلي في بيته أو في المسجد طريقة تحت ساباط
على وجهين" وفيه مسائل.
الأولى يجوز الجمع لأجل الوحل في الأصح قال
القاضي قال أصحابنا هو عذر يبيح الجمع بمجرد
ويلحق به المشقة كالمطر.
والثاني: لا يبيحه ذكره أبو الخطاب لأن مشقته
دون مشقة المطر فلا يصح قياسه عليه وفيه نظر
لأن الإنسان يتأذى به في نفسه وثيابه وذلك
أعظم ضررا من البلل.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون ليلا أو نهارا على
المذهب وقيده الشريف وأبو الخطاب في رؤوس
المسائل وظاهر كلام ابن أبي موسى اعتبار
الظلمة ليلا.
الثانية: يجوز في الريح الشديدة صححه ابن
الجوزي والآمدي وابن تميم قال أحمد في رواية
الميموني إن ابن عمر كان يجمع في الليلة
الباردة واحد ليلا وزاد في المذهب والكافي
والمستوعب مع ظلمة والثاني المنع وقد علما.
الثالثة: يجوز لمن يصلي وحده أو في جماعة في
بيته أو مسجد طريقه تحت ساباط أو بينه وبينه
خطوات يسيرة في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي
لأن الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة
وعدمها كالسفر
والثاني: لا يجوز اختاره ابن عقيل وصححه في
المذهب لعدم المشقة وقيل إن كان يصلي الثانية
جماعة في وقتها لم يجمع وإلا جمع.
(2/111)
ويفعل الأرفق
به من تأخير الأولى إلى وقت الثانية ، أو
تقديم الثانية إليها. وللجمع في وقت الأولى
ثلاثة شروط نية الجمع عند إحرامها، ويحتمل أن
تجزئه النية قبل سلامها.
-----------------------------------
"ويفعل الأرفق به من تأخير الأولى إلى وقت
الثانية أو تقدم الثانية إليها" كذا ذكره
جماعة ومنهم صاحب الوجيز وصححه في الشرح لحديث
معاذ السابق تفرد به قتيبة قال البخاري قلت له
مع من كتبت هذا عن الليث قال مع خالد المدائني
قال البخاري وخالد هذا كان يدخل الأحاديث على
الشيوخ وروى ابن عباس نحوه رواه الشافعي وأحمد
وأخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوما في
غزوة تبوك ثم خرج فصل:ى الظهر والعصر جميعا ثم
دخل ثم خرج فصل:ى المغرب والعشاء جميعا رواه
مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ قال
ابن عبد البر هذا حديث صحيح ثابت الإسناد ولأن
الجمع من رخص السفر فلم يختص بحاله كسائر رخصه
وتقدم أنه مختص بحالة السير في رواية وحمل على
الاستحباب والمنصوص عنه أن الجمع في وقت
الثانية أفضل وذكره المجد وقدمه في الفروع
لأنه أحوط وفيه خروج من الخلاف وعمل بالأحاديث
كلها وقيل في جمع السفر وقيل التقديم وجزم به
غير واحد في جمع المطر ونقله الأثرم وأن في
جمع السفر تؤخر.
وما ذكره المؤلف هنا هو قول في المذهب واختاره
الشيخ تقي الدين وذكره ظاهر مذهب أحمد المنصوص
عنه وهو يعم أقسامه لكن قال في الشرح المستحب
أن يؤخر الأولى عن أول وقتها شيئا قال أحمد
يجمع بينهما إذا اختلط الظلام أو غاب الشفق
فعله ابن عمر.
"وللجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط" الأول:
"نية الجمع" في الأشهر قال القاضي وغيره هو
المذهب لأنه عمل فيدخل في عموم قوله "إنما
الأعمال بالنيات" "عند إحرامها" على المذهب
لأن كل عبادة اشترطت فيها النية اعتبرت في
أولها كنية الصلاة "ويحتمل أن تجزئه النية قبل
سلامها" هذا.
(2/112)
وألا يفرق
بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء، فإن صلى
السنة بينهما بطل الجمع في إحدى الروايتين.
-----------------------------------
قول وصححه ابن الجوزي لأن موضع الجمع عند
الفراغ من الأولى إلى الشروع في الثانية فإذا
لم تتأخر النية عنه أجزأه وقيل تجزئه بعد سلام
الأولى قبل إحرام الثانية وقيل محل النية ثم
إحرام الثانية لا قبله ولا بعده وعلى الأولى
لا تجب في الثانية وهو الأشهر.
"و" الثاني الموالاة وهو أن "لا يفرق بينهما"
فرقة طويلة لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة
ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل وظاهره اشتراط
تقديم الأولى على الثانية وهو كذلك لتكون
الثانية تابعة لأنها لم يدخل وقتها وسواء جمع
في وقت الأولى أو الثانية على الأشهر وقيل
يسقط بالنسيان قدمه ابن تميم لأن إحداهما هنا
تبع لاستقرارها كالفوائت "إلا بقدر الإقامة
والوضوء" كذا في المحرر والفروع لأن ذلك يسير
وهو معفو عنه وهما من مصالح الصلاة وظاهره
تقدير اليسير بذلك وصحح في المغني وجزم به في
الوجيز أن مرجعه إلى العرف كالقبض والحرز.
ويشترط في الوضوء أن يكون خفيفا فإن طال بطل
الجمع واستثنى معها جماعة الذكر اليسير كتكبير
عيد "فإن صلى السنة بينهما بطل الجمع في إحدى
الروايتين" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز
وهو ظاهر الفروع لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل
كما لو قضى فائتة.
والثانية لا تبطل لأنها تابعة للصلاة فلم يقع
الفصل: بأجنبي كما لو تيمم.
وفي الانتصار يجوز تنفله بينهما ونقل أبو طالب
لا بأس أن يطوع بينهما وهذا إذا لم يطل الصلاة
فإن أطالها بطل الجمع رواية واحدة فإن تكلم
بكلمة أو كلمتين جاز وذكر القاضي أن الجمع
يبطل بالتفريق اليسير واعتبر في الفصول
الموالاة قال ومعناها ألا يفصل: بينهما بصلاة
ولا كلام لئلا يزول معنى الاسم وهو الجمع وقال
إن سبقه الحدث في الثانية
(2/113)
وأن يكون العذر
موجودا عند افتتاح الصلاتين وسلام الأولى وإن
جمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع في وقت
الأولى ما لم يضق عن فعلها.
------------------------------------
وقلنا تبطل به فتوضأ أو اغتسل ولم يطل ففي
بطلان جمعه احتمالان.
"و" الثالث "أن يكون العذر" المبيح "موجودا
عند افتتاح الصلاتين وسلام الأولى" كذا ذكره
الأكثر منهم في المحرر والوجيز لأن افتتاح
الأولى موضع النية وفراغها وافتتاح الثانية
موضع الجمع وقيل لا يشترط عند سلام الأولى
وأنه متى انقطع ثم عاد قبل طول الفصل: صح
الجمع قال ابن تميم وغيره سواء قلنا باعتبار
نية الجمع أو لا وقيل يشترط دوامه في الأولى
وظاهره أنه إذا انقطع المطر في الأولى ولم يعد
أنه يبطل الجمع لكن إن حصل وحل وقلنا بجوازه
له لم يبطل
ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع
المطر ونحوه بخلاف غيره وإن انقطع السفر في
الأولى بطل الجمع مطلقا ويصح ويتمها وإن انقطع
في الثانية كمن نوى الإقامة فيها أو دخلت
السفينة البلد بطل الجمع كما لو كان قبل
الشروع فيها كالقصر والمسح فعلى هذا تنقلب
نفلا وقيل تبطل وقيل لا يبطل الجمع كانقطاع
المطر في الأشهر والفرق أنه لا يتحقق انقطاع
المطر لاحتمال عوده في أثناء الصلاة ويخلفه
الوحل وهو عذر مبيح بخلاف مسألتنا ومريض
كمسافر وظاهر ما سبق أنه إذا قدم المسافر أو
أقام أو عوفي بعد الثانية صح الجمع وإن كان
الوقت باقيا كما لو قدم في أثناء الوقت.
"وإن جمع في وقت الثانية كفاه" أي أجزأه "نية
الجمع في وقت الأولى" لأنه متى أخرها عن ذلك
بغير نية صارت قضاء لا جمعا "ما لم يضق عن
فعلها" كذا جزم به الأكثر لأن تأخيرها عن
القدرة الذي يضيق عن فعلها حرام وذكر المجد
وغيره أن ينويه قبل أن يبقى من وقت الأولى
بقدرها لفوت فائد: الجمع وهي التخفيف
بالمقارنة بينهما وقيل أو قدر تكبيرة أو
(2/114)
واستمرار العذر
إلى دخول وقت الثانية ولا يشترط غير ذلك.
-------------------------------------
ركعة وذكره في المغني احتمالا لأنه يدركها به
وحمل الأول على أنه الأولى وقيل ينويه من
الزوال والغروب
"و" يشترط "استمرار العذر إلى دخول وقت
الثانية" لأن المجوز للجمع العذر فإذا لم
يستمر وجب أن لا يجوز لزوال المقتضي كالمريض
يبرأ والمسافر يقدم والمطر ينقطع وظاهره أنه
لا يعتبر وجود العذر في وقت الثانية لأنهما
صارتا واجبتين في ذمته فلا بد له من فعلهما
ويشترط الترتيب في الجمعين لكن إن جمع في وقت
الثانية وضاق الوقت عنهما قال في الرعاية أو
ضاق وقت الأولة عن إحداهما ففي سقوط الترتيب
لضيقه وجهان
"ولا يشترط غير ذلك" أي مما تقدم اشتراطه في
جمع التقديم من نية الجمع عند الافتتاح ووجود
العذر عند إحرامهما وسلام الأولى والموالاة
لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء بكل حال
والأولى معها كصلاة فائتة وهذا هو الأصح.
والثاني: يشترط لأن حقيقته ضم الشيء إلى الشيء
ولا يحصل مع التفريق فعلى هذا إن ترك الموالاة
أثم وصحت كما لو صلى الأولى في وقتها مع نية
الجمع ثم تركه وعلى الأول لا بأس بالتطوع
بينهما نص عليه ولو صلى الأولى وحده ثم
الثانية إماما أو مأموما أو صلى إمام الأولى
وإمام الثانية أو صلى معه مأموم الأولى وأخر
الثانية أو نوى الجمع خلف من لا يجمع أو بمن
لا يجمع صح.
مسائل: الأولى: إذا بان فساد أولاهما بعد
الجمع بنسيان ركن أو غيره بطلت وكذا الثانية
فلا جمع ولا تبطل الأولى ببطلان الثانية ولا
الجمع إن صلاها قريبا وإن ترك ركنا ولم يدر من
أيهما تركه أعادهما إن بقي الوقت وإلا قضاهما.
(2/115)
فصل: في صلاة
الخوف
قال الإمام أبو عبد الله رحمه الله تعالى : صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو
ستة كل ذلك جائز لمن فعله.
-----------------------------------
فصل: في صلاة الخوف
وهي ثابتة بقوله تعالى {وَإِذَا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ}
[النساء: من الآية102] وما ثبت في حقه صلى
الله عليه وسلم ثبت في حق أمته ما لم يقم دليل
على اختصاصه لأن الله تعالى أمر باتباعه
وتخصيصه بالخطاب لا يقتضي اختصاصه بالحكم
بدليل قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً} [التوبة: من الآية103] وبالسنة وقد
ثبت وصح أنه عليه السلام صلاها وأجمع الصحابة
على فعلها وصلاها علي وأبو موسى الأشعري
وحذيفة فإن قلت فالنبي صلى الله عليه وسلم لم
يصلها يوم الخندق.
وجوابه: بأنه كان قبل نزولها قال في الشرح
ويحتمل أنه عليه السلام نسيها يومئذ ولم يكن
يومئذ قتال يمنعه منها
" قال الإمام أبو عبد الله" أحمد بن محمد بن
حنبل "رحمه الله تعالى صح عن النبي صلى الله
عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة"
وقال في رواية أخرى ستة
(2/116)
باب صلاة
الجمعة
-------------------------------------
باب صلاة الجمعة
وهي بتثليث الميم حكاه ابن سيده والأصل الضم
واشتقاقها من اجتماع الناس للصلاة وقيل لجمعها
الجماعات وقيل لجمع طين آدم فيها وقيل:
(2/128)
وهي واجبة على
كل مسلم مكلف.
----------------------------------
لأن آدم جمع فيها خلقه رواه أحمد من حديث أبي
هريرة وقيل لأنه جمع مع حواء في الأرض فيها
وفيه خبر مرفوع وقيل لما جمع فيها من الخير
قيل أول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي واسمه
القديم يوم العروبة وهو أفضل أيام الأسبوع.
"وهي واجبة" بالإجماع وسنده قوله تعالى {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ} [الجمعة: من الآية9] والسعي الواجب
لا يجب إلا إلى واجب والمراد به الذهاب إليها
لا الإسراع وبالسنة فمنها قول ابن مسعود قال
النبي صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن آمر
رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن
الجمعة بيوتهم" وقال أبو هريرة وابن عمر قال
النبي صلى الله عليه وسلم "لينتهين أقوام عن
ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم
ليكونن من الغافلين" رواهما مسلم.
وهي صلاة مستقلة بنفسها لعدم انعقادها بنية
الظهر ممن لا تجب عليه ولجوازها قبل الزوال لا
أكثر من ركعتين قال أبو يعلى الصغير وغيره ولا
تجمع في محل يبيح الجمع وعنه ظهر مقصورة وفي
الانتصار والواضح هي الأصل والظهر بدل زاد
بعضهم رخصة في حق من فاتته وهي أفضل من الظهر.
"على كل مسلم مكلف" لأن الإسلام والعقل شرطان
للتكليف وصحة العباد فلا تجب على مجنون إجماعا
ولا على صبي في الصحيح من المذهب لما روى طارق
بن شهاب مرفوعا "الجمعة حق واجب على كل مسلم
في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي
أو مريض" رواه أبو داود وقال طارق قد رأى
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا
وإسناده ثقات.
ولأن البلوغ من شرائط التكليف بالفروع وعنه
يجب على مميز ذكرها في
(2/129)
ذكر حر مستوطن
ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ
تقريبا.
----------------------------
المذهب والشرح وزاد بناء على تكليفه وذكر
السامري إن لزمت المكتوبة صبيا لزمته وقيل لا
واختاره المجد وقال هو كالإجماع للخبر.
"ذكر" ذكره ابن المنذر إجماعا لأن المرأة ليست
من أهل الحضور في مجامع الرجال وفي نهاية
الأزجي رواية أنها تلزمها.
"حر" هو المشهور وهو قول أكثرهم ولأن العبد
مملوك المنفعة محبوس على سيده أشبه المحبوس
بالدين وعنه يلزمه اختاره أبو بكر لعموم الآية
وقياسا على الظهر فيستحب أن يستأذن سيده ويحرم
منعه ومخالفته قال المؤلف لا يذهب إليها من
غير إذن وعنه يلزمهم بإذن سيد ومقتضاه لا تجب
على المعتق بعضه وقيل يلزمه في نوبته وهو ظاهر
والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن لبقاء الرق
وتعلق حق السيد.
"مستوطن" ببناء معتاد ولو كان فراسخ نقله
الجماعة من حجر أو قصب ونحوه متصلا أو متفرقا
يشمله اسم واحد لا يرتحل عنه شتاء ولا صيفا
"ليس بينه وبين موضع الجمعة" إذا كان خارجا عن
المصر "أكثر من فرسخ" نص عليه "تقريبا" عن
مكان الجمعة وعنه عن أطراف البلد.
وعنه الاعتبار بسماع النداء لقوله عليه السلام
"الجمعة على من سمع النداء" رواه أبو داود
وقال إنما أسنده قبيصة قال البيهقي هو من
الثقات قال في الشرح الأشبه أنه من كلام عبد
الله بن عمرو ورواه الدارقطني ولفظه "إنما
الجمعة على من سمع النداء" والعبرة بسماعه من
المنارة لا بين يدي الإمام نص عليه زاد بعضهم
غالبا من مكانها أو من أطراف البلد.
وعنه يجب على من يقدر على الذهاب إليها والعود
إلى أهله في يومه روي عن أنس والحسن والأول
المذهب لظاهر الآية ولأنهم من أهل الجمعة
يسمعون
(2/130)
إذا لم يكن له
عذر ولا تجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة ولا
خنثى ومن حضرها
---------------------------
النداء كالمصر واعتبار سماع النداء غير ممكن
لأنه يكون فيهم الأصم وثقيل السمع وقد يكون
بين يدي الإمام فيختص بسماعه أهل المسجد
فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع فيه النداء
غالبا إذا كان المؤذن صيتا والرياح ساكنة
والأصوات هادئة والعوارض منتفية هو فرسخ فلو
سمعته قرية من فوق فرسخ لعلو مكانها أو لم
تسمعه من دونه لجبل حائل أو انخفاضها فعلى
الخلاف وحيث عليه لزمهم لم تنعقد بهم لئلا
يصير التابع أصلا وأما إذا كان في البلد فيجب
عليه السعي إليها قرب أو بعد سمع النداء أو لم
يسمعه لأن البلد كالشيء الواحد "إذا لم يكن له
عذر" من مرض ونحوه لأنه معذور.
"ولا تجب على المسافر" له القصر لأن النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج
وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع
الخلق الكثير وكما لا يلزمه بنفسه لا يلزمه
بغيره نص عليه لكن إن كان عاصيا بسفره لزمته
وذكر ابن تميم إن حضر مكانها فإن كان سفره دون
مسافة القصر وجبت عليه بغيره لا بنفسه
فإن أقام ما يمنع القصر ولم ينو استيطانا
لزمته في الأشهر لعموم الآية والأخبار ولم
تنعقد به لعدم الاستيطان وفي صحة إمامته فيها
وجهان وعنه لا تلزمه جزم به في التلخيص وهو
ظاهر كلامه هنا وفي الكافي لأن الاستيطان من
شرائط الوجوب قال إبراهيم كانوا يقيمون بالري
السنة وأكثر وبسجستان لا يجمعون ولا يشرقون
رواه سعيد.
فرع: لا جمعة بمنى كعرفة نص عليه نقل يعقوب
ليس بينهما جمعة إنما يصلي الظهر ولا يجهر
وقيل ولا يوم التروية.
"ولا عبد ولا امرأة" لما ذكرناه "ولا خنثى"
لأنه لا يعلم كونه رجلا لكن يشكل عليه بأنه
إذا قيل إنها فرض الوقت والظهر بدل عنها "ومن
حضرها.
(2/131)
منهم أجزأته
ولم تنعقد به ولم يجز أن يؤم فيها وعنه في
العبد أنها تجب عليه ومن سقطت عنه لعذر إذا
حضرها وجبت عليه وانعقدت به ومن صلى الظهر ممن
عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح
صلاته.
-----------------------------------
منهم" أي من هؤلاء" أجزأته" لأن إسقاط الجمعة
عنهم تخفيفا فإذا حضرها أجزأت كالمريض "ولم
تنعقد به" لأنه ليس من أهل الوجوب وإنما يصح
منهم الجمعة تبعا لمن انعقدت به فلو انعقدت
بهم لانعقدت بهم متفرقين كالأحرار المقيمين.
"ولم يجز أن يؤم فيها" لئلا يصير التابع
متبوعا وهو في المرأة اتفاق وكذا مسافر له
القصر وقيل تلزمه تبعا للمقيمين قاله الشيخ
تقي الدين وحكاه بعضهم رواية تلزمه بحضورها في
وقتها ما لم ينضر بالانتظار وتنعقد به ويؤم
فيها كمن سقطت عنه تخفيفا لعذر مرض وخوف
ونحوهما لزوال ضرره فهو كمسافر يقدم وإن قلنا
تلزم عبدا وصبيا صحت إمامتهما وانعقدت بهما
وصححه في الفروع في العبد وقال القاضي في
المجرد لا تصح إمامة الصبي فيها ولو وجبت عليه
"وعنه في العبد أنها تجب عليه" اختارها أبو
بكر لعموم الآية وقياسا على الظهر فيستحب أن
يستأذن سيده ويحرم منعه ومخالفته قال المؤلف
لا يذهب إليها من غيرإذن وعنه تلزم بإذن سيد.
تنبيه: من لم تجب عليه لمرض أو سفر أو اختلف
في وجوبها كعبد فهي أفضل في حقه ذكره ابن عقيل
وللمرأة حضورها وقيل يكره للشابة فقط وقيل لا
يجوز.
"ومن سقطت عنه لعذر" كمرض وخوف "إذا حضرها
وجبت عليه وانعقدت به" وأم فيها لأن سقوطها
لمشقة السعي فإذا تحمل وحضرها انتقت المشقة
ووجبت عليه وانعقدت به كالصحيح "ومن صلى الظهر
ممن عليه حضور الجمعة" أي ممن تلزمه "قبل صلاة
الإمام لم تصح صلاته" ذكره.
(2/132)
والأفضل لمن لا
تجب عليه ألا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام.
-----------------------
الأصحاب لأنه صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب
به فلم تصح كما لو صلى العصر مكان الظهر وكشكه
في دخول الوقت لأنها فرض الوقت
فعلى هذا يعيدها ظهرا إذا تعذرت الجمعة ثم إن
ظن أنه يدرك الجمعة سعى إليها لأنها المفروضة
في حقه وإلا انتظر حتى يتيقن أن الإمام صلى ثم
يصلي الظهر وقيل إن أمكنه إدراكها وإلا صحت
ظهره وحكى أبو إسحاق ابن شاقلا وجها أن فرض
الوقت الظهر فتصح مطلقا ولا تبطل بالسعي إلى
الجمعة وكذا إذا صلى الظهر شاكا هل صلى الإمام
الجمعة أو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت
الجمعة لم يصح في الأشهر ويعيدونها إذا فاتت
الجمعة لكن يستثنى على الأول ما لو أخر الإمام
الجمعة تأخير منكرا فللغير أن يصلي ظهرا
ويجزئه عن فرضه جزم به المجد وجعله ظاهر كلامه
لخبر تأخير الأمراء الصلاة عن وقتها.
" والأفضل لمن لا تجب عليه" كالمسافر والمريض
"أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام" ذكره
جماعة منهم صاحب الوجيز لأنه ربما زال عذره
فلزمته الجمعة لكن يستثنى من ذلك من دام عذره
كامرأة وخنثى فالتقديم في حقهما أفضل ولعله
مراد من أطلق وظاهره أنهم إذا صلوا قبل الإمام
أنها صحيحة على الأصح وهو قول عامتهم لأنهم
أدوا فرض الوقت ولو زال عذره لم تلزمه الجمعة
كالمعضوب إذا حج عنه ثم برئ وقيل بلى وهو
رواية في الترغيب كصبي بلغ في الأشهر وقيل إن
زال عذره والإمام في الجمعة لزمته وقيل إن
عوفي المريض بين الإحرام والسلام أعادها وفي
زوال عذر غيره وجهان
والثانية: لا تصح قبل الإمام اختاره أبو بكر
كمن تجب عليه وعلى الأولى لو صلاها ثم حضر
الجمعة كانت له نفلا لأن الأولى أسقطت الفرض
وقيل بل فرضا.
(2/133)
ولا يجوز لمن
تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال ويجوز
قبله وعنه لا يجوز وعنه يجوز في الجهاد خاصة.
--------------------------------
مسألة: لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من
أهل فرضها الصلاة جماعة في المصر لحديث فضل
صلاة الجماعة وفعله ابن مسعود واحتج به أحمد
زاد السامري وغيره على الأول بأذان وإقامة وفي
كراهتها في مكانها وجهان
ومن خاف فتنة أو ضررا صلى حيث يأمن ذلك ونقل
الأثرم لا يصلي فوق ثلاثة جماعة ذكره ابن عقيل
تبعا لشيخه ومن لزمته الجمعة فتركها بلا عذر
تصدق بدينار أو بنصفه للخبر ولا يجب قاله في
الفروع.
"ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها
بعد الزوال" أي بعد اللزوم قبل فعلها رواية
واحدة لتركها بعد الوجوب كما لو تركها لتجارة
بخلاف غيرها وهذا بناء على استقرارها بأوله
ولهذا خرج الجواز مع الكراهة ما لم يحرم بها
لعدم الاستقرار ويجوز إذا خاف فوت رفقة سفر
مباح وقيل مندوب.
"ويجوز قبله" أي قبل الزوال بعد طلوع الفجر
اختاره المؤلف لما روى الشافعي عن سفيان بن
عيينة عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر قال لا
تحبس الجمعة عن سفر وكما لو سافر من الليل
"وعنه لا يجوز" قدمها في المحرر والرعاية وجزم
بها في الوجيز لما روى الدارقطني عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من سافر من
دار إقامة يوم جمعة دعت عليه الملائكة أن لا
يصحب في سفره وأن لا يعان على حاجته" ولأن هذا
وقت يلزم من كان على فرسخ السعي إليها فلم يجز
في البلد السفر بطريق الأولى وبدليل الاعتداد
بالغسل وأنه يسن التبكير إليها فمنع من السبب
إلى تفويتها قال أحمد من سافر يوم جمعة قل من
يفعله إلا رأى ما يكره وعليها له السفر إن أتى
بها في طريقه وإلا كره رواية واحدة.
"وعنه يجوز للجهاد خاصة" وأنه أفضل نقلها أبو
طالب لأنه عليه السلام
(2/134)
فصل:
ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها: الوقت
وأوله أول وقت صلاة العيد وقال الخرقي يجوز
فعلها في الساعة السادسة.
------------------------------------
جهز جيش مؤتة يوم الجمعة وروى أحمد أن النبي
صلى الله عليه وسلم جهز زيد بن حارثة وعليا
وعبد الله بن رواحة فتخلف عبد الله بن رواحة
لصلاة الجمعة فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من
الدنيا وما فيها" فراح منطلقا وذكر القاضي أن
الروايات إن دخل وقتها وإلا جاز وعلى المنع له
السفر إن أتى بها في قرية بطريقه وإلا كره
رواية واحدة وظاهر كلام جماعة لا يكره.
فصل:
ويشترط لصحتها أربعة شروط أحدهما: الوقت لأنها
مفروضة فاشترط لها كبقية الصلوات فلا تصح قبل
الوقت ولا بعده إجماعا "وأوله أول وقت صلاة
العيد" نص عليه قدمه السامري وصاحب التلخيص
وقاله القاضي وأصحابه لقول عبد الله ابن سيدان
شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته
قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر فكان خطبته
وصلاته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم شهدتها
مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال
النهار فما أحدا عاب ذلك ولا أنكره رواه
الدارقطني وأحمد واحتج به قال كذلك روي عن ابن
مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل
الزوال ولم ينكر فكان كالإجماع ولأنها صلاة
عيد أشبهت العيدين فعلى هذا هل هو وقت لوجوبها
كما اختاره أبو حفص ابن بدران وغيره أو وقت
جوازها نقله واختاره الأكثر وذكر القاضي وغيره
أن المذهب فيه روايتان.
"وقال الخرقي يجوز فعلها في الساعة السادسة"
حكاه ابن هبيرة رواية عن أحمد واختاره أبو بكر
وابن شاقلا والمؤلف لما روى جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان
(2/135)
وآخره آخر وقت
الظهر فإن خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهرا وإن
خرج وقد صلوا ركعة أتموها جمعة وإن خرج قبل
ركعة فهل يتمونها ظهرا أو يستأنفونها؟ على
وجهين.
------------------------
يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنزيحها حين
تزول الشمس رواه مسلم وفي نسخة للخرقي الخامسة
واختاره ابن أبي موسى وظاهره أنه لا يجوز
فعلها قبل ذلك وأغرب ابن عقيل في مفرداته أن
مذهب قوم من أصحابنا أنه يجوز فعلها في وقت
الفجر.
وعنه تلزم بالزوال اختاره الآجري وهو قول أكثر
العلماء لما روى سلمة بن الأكوع قال كنا نصلي
الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت
الشمس متفق عليه وفعلها بعده أفضل وأنها لا
تفعل أول النهار لأن التوقيت لا يثبت إلا
بدليل وللخروج من الخلاف وتعجيلها في أول
وقتها أفضل صيفا وشتاء لأن التأخير يشق على
الناس لاجتماعهم أوله بخلاف الظهر.
"وآخره وقت الظهر" بغير خلاف لأنها بدل منها
أو واقعة موقعها فوجب الإلحاق لما بينهما من
المشابهة.
"فإن خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهرا" لفوات
الشرط قال في الشرح لا نعلم فيه خلافا "وإن
خرج وقد صلوا ركعة أتموها جمعة" نص عليه وذكره
الأكثر وهو المذهب لأن الوقت إذا فات لم يمكن
استدراكه فسقط اعتباره في الاستدامة للعذر
وكالجماعة في حق المسبوق وعنه يعتبر الوقت في
جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في
جميعها كالطهارة
"وإن خرج قبل" فعل "ركعة فهل يتمونها ظهرا أو
يستأنفونها على وجهين" كذا في المحرر والفروع
أحدهما يتمونها ظهرا لأنهما صلاتا وقت فجاز
بناء إحداهما على الأخرى كصلاة السفر مع الحضر
والثاني يستأنفونها ظهرا لأنهما صلاتان
مختلفان فلم تبن إحداهما على الأخرى ,
(2/136)
الثاني: أن
يكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها فلا
تجوز إقامتها في غير ذلك.
----------------------------------------------
كالظهر والصبح وظاهره أنهم لا يتمونها جمعة
وهو ظاهر الخرقي قال ابن المنجا وهو قول أكثر
الأصحاب لأنه عليه السلام خص إدراكها بالركعة
وقيل يتمونها جمعة حكاه ابن حامد وأبو بكر
والقاضي وذكر ابن الجوزي أنه الصحيح من المذهب
وذكره في الرعاية نصا وقياسا على بقية الصلوات
ورد بالحديث السابق وبأن الفرق بينها وبين
سائر الصلوات ثابت في كثير من الأحكام فيمتنع
القياس فلو دخل وقت المغرب وهم فيها فقيل كذلك
وقيل تبطل لأن وقت المغرب ليس وقتا لها ووقت
العصر ووقت الظهر التي الجمعة بدلها فعلى
المذهب لو بقي من الوقت قدر الخطبة والتحريمة
لزمهم فعلها وإلا لم يجز وكذا يلزمهم إن شكوا
في خروجه عملا بالأصل.
"الثاني: أن يكون بقرية يستوطنها أربعون من
أهل وجوبها فلا تجوز إقامتها في غير ذلك" لأنه
عليه السلام كتب إلى قرى عرينة أن يصلوا
الجمعة وأسعد بن زرارة جمع بهم بهزم النبيت
ولأن القرية المبنية بما جرت به العادة
يستوطنها العدد فدل على أنها لا تصح من أهل
الخيام وبيوت الشعر والحركاوات لأن ذلك لم
يقصد للاستيطان غالبا ولذلك كانت قبائل العرب
حوله عليه السلام ولم يأمرهم بها زاد في
المستوعب وغيره ولو اتخذوها أوطانا لأن
استيطانهم في غير بنيان وقدم الأزجي واختاره
الشيج تقي الدين صحتها ووجوبها على المستوطنين
بعمود أو خيام قال في الفروع وهو متجه نقل أبو
النصر العجلي ليس على أهل البادية جمعة لأنهم
يتنقلون
وفي تصريح المؤلف بالقرية تنبيه: على أنه لا
يشترط لصحتها المصر وتشترط الإقامة فيها فلو
رحل عنها أهلها في بعض السنة لم يصح قال ابن
تميم وكذا لو دخل قوم بلدا لا ساكن به بنية
الإقامة به سنة فلا جمعة عليهم ولو أقام ببلد
ما يمنع القصر وأهله لا تجب عليهم فلا جمعة
أيضا فلو خربت القرية وعزم أهلها
(2/137)
وتجوز إقامتها
في الأبنية المتفرقة إذا شملها اسم واحد وفي
ما قارب البنيان من الصحراء. الثالث: حضور
أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب.
------------------------------
على عمارتها والإقامة بها فعليهم الجمعة وإن
عزموا على النقلة فلا.
"وتجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة إذا شملها
اسم واحد" قياسا على القرية المتصلة واعتبر
أحمد في رواية ابن القاسم اجتماع المنازل في
القرية قاله القاضي وقال أيضا متقاربة
الاجتماع والصحيح أن التفريق إذا لم تجر به
عادة لم تصح فيها الجمعة زاد في الشرح إلا أن
يجتمع منها ما يسكنه أربعون فتجب بهم الجمعة
ويتبعهم الباقون قال ابن تميم والجد في فروعه
وربض البلد له حكمه وإن كان بينهما فرجة.
تنبيه: إذا تقارب قريتان في كل منهما دون
الأربعين لم يصح فعل الجمعة في واحدة بتكميل
الأخرى فإن كمل في أحدهما لزمهم فعلها وإن كمل
في كل منهما فالأولى جمع كل قرية في موضعها
وقال القاضي القرية إذا كانت في المصر على
فرسخ فما دون لزمهم قصده والأصح خلافه كما لو
كانت إلى جنب قرية أخرى فلو كان في قرية
أربعون وإلى جنبها مصر فيه دونه لزم أهله قصد
القرية
"و" تجوز إقامتها "فيما قارب البنيان من
الصحراء" وأنه لا يشترط لها البنيان لقول كعب
بن مالك إن اسعد بن زرارة أول من جمع بنا في
هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له
نقيع الخضمات قال كم كنتم يومئذ قال أربعون
رجلا رواه أبو داود والدارقطني قال البيهقي
حسن الإسناد صحيح قال الخطابي حرة بني بياضة
على ميل من المدينة وقياسا على الجامع وظاهره
وإن لم يكن عذر ويجوز للمسافر القصر والفطر
فيه ذكره القاضي وقيل لا تصح إلا في جامع إلا
لعذر لكن قال ابن عقيل إذا صلى في الصحراء
استخلف من يصلي بالضعفة.
"الثالث حضور أربعين" رجلا "من أهل القرية في
ظاهر المذهب" وهو الأصح واختاره عامة المشايخ
لما تقدم من حديث كعب وقال أحمد:
(2/138)
وعنه تنعقد
بثلاثة فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرا.
----------------------------------
بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير
إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم
وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة
وقال جابر مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق
جمعة وأضحى وفطرا رواه الدارقطني وفيه ضعف
"وعنه تنعقد بثلاثة" اختاره الشيخ تقي الدين
لقوله تعالى {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ
اللَّهِ} [الجمعة: من الآية9] وهذا جمع وأقله
ثلاثة وعنه في القرى الخاصة لقلتهم وعنه
بخمسين لما روى أبو هريرة قال لما بلغ أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم خمسين جمع بهم رواه
أبو بكر النجاد وعنه بسبعة وعنه بخمسة وعنه
بأربعة وعلى الروايات كلها لا يعتبر كون
الإمام زائدة على العدد على المذهب وعنه بلى
فعليها لو بان محدثا ناسيا لم يجزئهم إلا أن
يكونوا بدونه العدد المعتبر ويتخرج لا مطلقا
قال المجد بناء على رواية أن صلاة المؤتم بناس
حدثه تفسد إلا أن يكون قرأ خلفه.
فرع: إذا رأى الإمام وحده العدد فنقص لم يجز
أن يؤمهم ولزمه استخلاف أحدهم وبالعكس لا يلزم
واحدا منهما ولو أمره السلطان أن لا يصلي إلا
بأربعين لم يجز بأقل ولا أن يستخلف لقصر
ولايته بخلاف التكبير الزائد وبالعكس الولاية
باطلة لتعذرها من جهتها ويحتمل أن يستخلف لها
أحدهم
" فإن نقصوا قبل إتمامها" لم يتموها جمعة لأنه
شرط فاعتبر في جميعها كالطهارة و "استأنفوا
ظهرا" نص عليه وجزم به السامري وصاحب التلخيص
وقيل يتمون ظهرا وقيل جمعة ولو بقي وحده ولو
لم يسجد في الأولى وقيل جمعة إن بقي معه اثنا
عشر رجلا لأنه العدد الباقي مع النبي صلى الله
عليه وسلم وكانوا في الصلاة رواه البخاري
والمراد في انتظارها كما روى مسلم في الخطبة
وللدارقطني بقي معه أربعون رجلا تفرد به علي
بن عاصم وإنما انفضوا لظنهم جواز الانصراف.
(2/139)
ويحتمل أنهم إن
نقصوا قبل ركعة أتموا ظهرا وإن نقصوا بعد ركعة
أتموا جمعة ومن أدرك مع الإمام منها ركعة
أتمها جمعة ومن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرا
إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي.
----------------------------------
ولأبي داود في مراسيله أن خطبته عليه السلام
هذه كانت بعد صلاته الجمعة فظنوا لا شيء عليهم
في الانصراف قال في الفروع ويتوجه أنهم انفضوا
لقدوم التجارة لشدة المجاعة أو ظن وجوب خطبة
واحدة وقد فرغت قال في الشرح ويحتمل أنهم
عادوا فحضروا القدر الواجب ويحتمل أنهم عادوا
قبل طول الفصل:.
"ويحتمل" هذا وجه "أنهم إن نقصوا قبل ركعة
أتموا ظهرا وإن نقصوا بعد ركعة أتموا جمعة"
وهو قياس قول الخرقي واختاره المؤلف وذكره
قياس المذهب قال المزني وهو الأشبه عندي
كالمسبوق والأول أصح والفرق بأن المسبوق أدرك
ركعة من جمعة تمت شرائطها وصحت فجاز البناء
عليها بخلاف هذه وإن بقي العدد أتم جمعة قال
أبو المعالي سواء سمعوا الخطبة أو لحقوهم قبل
نقصهم بلا خلاف كبقائه من السامعين.
"ومن أدرك مع الإمام منها ركعة" أي بسجدتيها
وتظهر فائدته فيما لو زحم عن السجود أتمها
جمعة رواه البيهقي عن ابن مسعود وابن عمر وعن
أبي هريرة مرفوعا "من أدرك ركعة من الجمعة فقد
أدرك الصلاة" رواه الأثرم ورواه ابن ماجه
ولفظه "فليصل إليها أخرى" قال ابن حبان هذا
خطأ وقال ابن الجوزي لا يصح.
"ومن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرا" لمفهوم ما
وعنه يكون مدركا للجمعة لقوله عليه السلام "ما
أدركتم فصل:وا وما فاتكم فاقضوا" وكالظهر
وكإدراك المسافر صلاة المقيم والفرق بأن
المسافر إدراكه إدراك إلزام وهذا إدراك إسقاط
للعدد وبأن الظهر ليس من شرطها الجماعة بخلاف
مسألتنا وظاهر كلام المؤلف صحة دخول معه وهو
الأصح بشرط أن ينويها بإحرامه ولهذا قال "إذا
كان قد نوى الظهر في قول الخرقي" صححه
الحلواني,
(2/140)
وقال أبو إسحاق
بن شاقلا ينوي جمعة ويتمها ظهرا ومن أحرم مع
الإمام ثم زحم عن السجود سجد على ظهر إنسان أو
رجله فإن لم يمكنه سجد إذا زال الزحام،
-------------------------------
وهو الأظهر لأن النية قصد يتبع العلم ويوافق
الفعل فالمصلي ظهرا لا ينوى جمعة لأنه ينوي
غير ما يفعله ولأن الظهر لا تتأدى بينة الجمعة
ابتداء فكذا استدامته كالظهر مع العصر وهذا
فيما إذا دخل وقتها وإلا كانت نفلا.
"وقال أبو إسحاق بن شاقلا ينوي جمعة" تبعا
لإمامه "ويتمها ظهرا" وذكر القاضي المذهب
كصلاة المسافر مع المقيم وضعفه المجد بأن قال
فر من اختلاف النية ثم التزمه في البناء
والواجب العكس أو التسوية ولم يقل أحد بالبناء
مع اختلاف يمنع الاقتداء وقيل الخلاف مبني على
أن الجمعة هل هي ظهر مقصورة أم صلاة مستقلة
فيه وجهان
ومحل ذلك ما إذا كانت بعد الزوال فإن كان قبله
لم يصح دخول من فاته معه في أظهر الوجهين فإن
دخل انعقدت نفلا والثاني يصح دخوله في نية
الجمعة ثم يبني عليها ظهرا ويجب أن يصادف ظهره
زوال الشمس.
"ومن أحرم مع الإمام ثم زحم على السجود"
بالأرض "سجد على ظهر إنسان أو رجله" أي قدمه
وجوبا إن أمكن ذكره معظمهم لقول عمر إذا اشتد
الزحام فليسجد على ظهر أخيه رواه أبو داود
الطيالسي وسعيد وهذا قاله بمحضر من الصحابة
وغيرهم في يوم جمعة ولم يظهر له مخالف ولا
يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب وصح كالمريض
يومئ وقيل لا يجوز ذلك وذكر ابن عقيل أنه لا
يسجد على ظهر أحد ويومئ غاية الإمكان فأما إن
احتاج إلى وضع يديه أو ركبتيه وقلنا يجوز في
الجبهة فوجهان ذكره ابن تميم وغيره.
"فإن لم يمكنه" انتظر و "سجد إذا زال الزحام"
وتبع إمامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر وهو موجود
هنا والمفارقة وقعت صورة
(2/141)
إلا أن يخاف
فوات الثانية فيتابع إمامه وتصير أولاه ويتمها
جمعة وإن لم يتابعه عالما بتحريم ذلك بطلت
صلاته وإن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الإمام في
التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلامه وصحت جمعته
وعنه يتمها ظهرا.
------------------------------
لا حكما فلم تؤثر "إلا أن يخاف فوات الثانية
فيتابع إمامه وتصير أولاه ويتمها جمعة" ذكره
ابن الجوزي وصاحب التلخيص لقوله عليه السلام
"فإذا ركع فاركعوا" ولأنه مأموم خاف فوت
الثانية فلزمته المتابعة كالمسبوق وعنه لا
يتابعه بل يشتغل بسجود الأولى وكما لو زال
الزحام والإمام قائم فإن لم يزل الزحام حتى
سجد الإمام في الثانية تابعه وهل تحصل له ركعة
يتمها جمعة أو يصلي ظهر فيه وجهان
"فإن لم يتابعه عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته"
لتركه متابعة إمامه عمدا ومتابعته واجبة لقوله
"فلا تختلفوا عليه" وترك الواجب عمدا يبطلها
وفاقا "وإن جهل تحريمه فسجد" أي إذا جهل تحريم
ترك متابعة إمامه في الثانية لم تبطل صلاته
ولم يعتد بسجوده لأنه أتى به في موضوع الركوع
جهلا فهو كالساهي وقال أبو الخطاب يعتد به "ثم
أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد
سلامه" لأنه أتى بسجود معتد به "و" إذا اعتد
له بذلك "صحت جمعته" لأنه أدرك مع الإمام ركعة
والجمعة تدرك بها ويسجد للسهو قاله أبو الخطاب
وخالف فيه المؤلف قال ابن تميم وهو أظهر لأنه
ليس على المأموم سجود سهو "وعنه يتمها ظهرا"
لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها لأن ما
أتى به من السجود لم يتابع إمامه فيه حقيقة
وإنما أتى به على وجه التدارك فلم يكن مدركا
للجمعة.
مسائل
الأولى: إذا أدرك الركوع وزحم عن السجود أو
أدرك القيام وزحم عن
(2/142)
الرابع: أن
يتقدمها خطبتان ،
-----------------------------------
الركوع والسجود حتى سلم إمامه أو سبقه الحدث
ففاته ذلك بالوضوء وقلنا يبني استأنف ظهرا نص
عليه لاختلافهما في فرض وشرط كظهر وعصر
ولافتقار كل منهما إلى النية.
وعنه يتمها ظهرا لأنه لم يدرك ركعة كاملة أشبه
المسبوق بركوع الثانية وعنه يتمها جمعة اختاره
الخلال كمدرك ركعة وعنه يتم جمعة من زحم عن
سجود أو نسيه لإدراكه الركوع كمن أتى بالسجود
قبل سلام إمامه على الأصح لأنه أتى به في
الجماعة والإدراك الحكمي كالحقيقي لحمل الإمام
السهو عنه.
الثانية: إذا فاته مع الإمام الركوع والسجود
بنوم أو غفلة ونحوه لغت تلك الركعة نص عليه
وكذا إن فاته الركوع فقط في رواية فإن فاته
ركعة فأكثر لم يقض قبل سلام إمامه نص عليه في
الجمعة بل يتابعه فإذا سلم الإمام قضى ما فاته
كالمسبوق فعلى هذا إن فاته ركن أتى به ثم لحق
إمامه وإن كان ركوعا في الأشهر وإن كان ركنين
لغت ركعته نص عليه وقال ابن عقيل يأتي بهما
كنصه في المزحوم فإن زحم عن الجلوس للتشهد أتى
به قائما وأجزأه قاله ابن حامد والأولى انتظار
زوال الزحام.
الثالثة: إذا أحرم مع الإمام فزحم وأخرج من
الصف فصل:ى فذا لم يصح وإن أخرج في الثانية
فإن نوى مفارقته أتمها جمعة في قياس المذهب
وإلا فروايتان إحداهما يتمها جمعة كمسبوق
والثانية يعيد لأنه فذ في الركعة.
"الرابع أن يتقدمها خطبان" لقوله تعالى
{فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:
من الآية9] والذكر هو الخطبة فأمر بالسعي إليه
فيكون واجبا ولمواظبته عليه السلام عليها مع
قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" وعن عمر وعائشة
قصرت الصلاة من أجل الخطبة ويشترط اثنتان
لقوله ابن عمر:
(2/143)
ومن شرط صحتهما
حمد الله تعالى والصلاة على رسوله وقراءة آية
،
----------------------------------------
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين
وهو قائم يفصل: بينهما بجلوس متفق عليه"
ولأنهما مقام الركعتين فالإخلال بإحداهما
إخلال بإحدى الركعتين وعنه تجزئه واحدة
والمنصوص أنهما بدل من الركعتين ويشترط
تقديمهما على الصلاة لفعله عليه السلام
وأصحابه بخلاف غيرهما لأنهما شرط في صحة
الجمعة والشرط مقدم أو لاشتعال الناس بمعايشهم
فقدما لأجل التدارك وأن يكونا في وقت تصح فيه
الجمعة من مكلف مستور العورة قاله القاضي.
"ومن شرط صحتهما حمد الله تعالى" لما روى أبو
هريرة مرفوعا "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله
فهو أجذم" رواه أبو داود ورواه جماعة مرسلا
وروى أبو داود عن ابن مسعود قال كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا تشهد قال الحمد لله ويتعين
هذا اللفظ في قول الجمهور.
"والصلاة على رسوله" محمد صلى الله عليه وسلم
لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى
افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان ويتعين لفظ
الصلاة أو يشهد أنه عبده ورسوله وأوجبه الشيخ
تقي الدين لدلالته عليه ولأنه إيمان به
والصلاة دعاء له وبينهما تفاوت وقيل لا يشترط
ذكره لأنه عليه السلام لم يذكر ذلك في خطبته
وعملا بالأصل
"وقراءة آية" كاملة لما روى جابر بن سمرة قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرا آيات ويذكر
الناس رواه مسلم ولأنهما أقيما مقام ركعتين
والخطبة فرض فوجبت فيها القراءة كالصلاة
وظاهره أنهما لا تتعين قال أحمد يقرأ ما شاء
وإنه لا يجزئ بعض آية في الأصح لأن الحكم لا
يتعلق بما دونها بدليل منع الجنب منها وقال
أبو المعالي لو قرأ آية لا تستقل بمعنى أو حكم
كقوله {ثُمَّ نَظَرَ} أو {مُدْهَامَّتَانِ} لم
يكف قيل يشترط في إحداهما والمذهب أنه من
قراءة آية ولو كان جنبا مع تحريمها وعنه لا
يشترط قراءة آية فيها,
(2/144)
والوصية بتقوى
الله تعالى وحضور العدد المشترط.
---------------------------
اختاره المؤلف فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة
ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أجزأ قال
أبو المعالي وفيه نظر لقول أحمد لا بد من خطبة
وكما لا يجزئ عنها قراءة فاطر أو الحج نص
عليه.
"الوصية بتقوى الله تعالى" لأنه المقصود وقيل
في الثانية والمذهب في كل منهما وذكر أبو
المعالي والشيخ تقي الدين ولا يكفي ذكر الموت
وذم الدنيا ولا بد أن يحرك القلوب ويبعث بها
إلى الخير فلو اقتصر على أطيعوا الله واجتنبوا
معاصيه فالأظهر لا يكفي وإن كان فيه وصية لأنه
لا بد من اسم الخطبة عرفا
وتشترط الموالاة بين أجزائهما والصلاة في
الأصح لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين فلوا قرأ
سجدة فنزل فسجد لم يكره وظاهر كلامه في
التلخيص والرعاية أنه لا يضر تفريق كثير بدعاء
لسلطان ونحوه.
ولا يكون ذلك بغير العربية إلا عند العجز
كالقراءة ثم هل يجب إبدال عاجز عن قراءة بذكر
أم لا لحصول معناها فيه وجهان.
ويبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة ثم بالموعظة ثم
القراءة في ظاهر كلام جماعة
"و" يشترط "حضور العدد المشترط" لسماع القدر
الواجب لأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد
كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا قبل فوات
ركن منها بنوا وإن كثر التفريق أو فات منها
ركن أو أحدث فتطهر ففي البناء والاستئناف مع
اتساع الوقت وجهان ويرفع صوته بهما بحيث يسمع
العدد المعتبر إذا لم يعرض مانع فإن لم يسمعوا
لخفض صوته أو بعد لم يصح وكذا إن كانوا صما
خلافا للمجد فإن قرب الأصم وبعد من يسمع فقيل
لا يصح لفوت المقصود وقيل بلى كما لو كان أهل
القرية طرشا أو عجما وهو عربي وإن كانوا كلهم
خرسا صلوا ظهرا في
(2/145)
وهل يشترط لهما
الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة على
روايتين.
------------------------------------
الأصح وتشترط النية ذكره في الفنون والأشهر
أنها تبطل بكلام محرم ولو يسيرا.
"وهل يشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من
يتولى الصلاة على روايتين" إحداهما: يشترط
تقدم الطهارة قدمه السامري وغيره لأنه عليه
السلام لم يكن يفصل: بين الخطبة والصلاة
بطهارة فدل على أنه كان متطهرا ولأنه ذكر شرط
في الجمعة أشبه تكبيرة الإحرام
والثانية: لا واختارها الأكثر وجزم بها في
الوجيز ولأنه ذكر يتقدم الصلاة أشبه الأذان
وعنه تشترط الكبرى اختاره جماعة ونصه تجزئ
خطبة الجنب جزم به الشريف وأبو الخطاب لأن
تحريم لبثه لا تعلق له بواجب العبادة كمن صلى
ومعه درهم غصب لكن قيده القاضي في جامعه وابن
الجوزي والسامري وصاحب التلخيص فيه بأن يكون
المنبر خارج المسجد لأنه لبثه فيه معصية تنافي
العبادة وقيل إن جاز للجنب قراءة آية أو لم
تجب القراءة في الخطبة فوجهان كالأذان وستر
العورة وإزالة نجاسة كطهارة صغرى.
الثانية: إحداهما لا تشترط الطهارة بل تستحب
قدمه الأكثر وجزم به في الوجيز وذكر في
التلخيص أنه مشهور لأن الخطبة منفصل:ة عن
الصلاة أشبها الصلاتين لكن في فعل اثنين
للخطبتين وجهان والثانية يشترط قدمه في
الرعاية لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين وعنه لا
يشترط مع العذر كالحدث ذكر في الشرح أنه
المذهب لأنه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة
للعذر فهاهنا أولى وعلى الجواز لا يشترط حضور
النائب الخطبة كالمأموم لتعينها عليه وعنه بلى
لأنه لا تصح جمعة من لم يحضرها إلا تبعا
كمسافر وإن أحدث واستخلف من لم يحضر الخطبة صح
على الأشهر ولو لم يكن صلى معه على الأصح وإن
منعنا الاستخلاف أتموا
(2/146)
ومن سننهما أن
يخطب على المنبر أو موضع عال ويسلم على
المأمومين إذا أقبل عليهم ،
---------------------------------
فرادى جمعة بركعة كمسبوق وقيل مطلقا لبقاء حكم
الجماعة كمنع الاستخلاف وقيل ظهرا لأن الجماعة
شرط كما لو اختل العدد وإن جاز الاستخلاف
فأتموا فرادى لم تصح جمعتهم ولو كان في
الثانية كما لو أنقص العدد وأولى
مسألتان الأولى: إذا قلنا يعتد بأذان المميز
والفاسق ففي خطبته وجهان زاد في الرعاية إن صح
أن يؤم غير من خطب وإن لم تصح إمامة العبد ففي
صحة خطبته وجهان.
الثانية: لمن لا يحسن الخطبة قراءتها من صحيفة
ذكره أبو المعالي وابن عقيل قال كالقراءة في
الصلاة لمن لا يحسن القراءة في المصحف والمذهب
أنه لا بأس بالقراءة في المصحف كالقراءة من
الحفظ فهذا مثله.
"ومن سننهما أن يخطب على منبر" لما روى سهل بن
سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى
امرأة من الأنصار "أن مري غلامك النجار يعمل
لي أعواد أجلس عليها إذا كلمت الناس" متفق
عليه وفي الصحيح أنه عمل من أثل الغابة فكان
يرتقي عليه واتخاذه كان في سنة سبع من الهجرة
وقيل سنة ثمان وكان ثلاث درج ويسمى منبرا
لارتفاعه من النبر وهو الارتفاع واتخاذه سنة
مجمع عليها قاله في شرح مسلم ويكون صعوده فيه
على تؤدة إلى الدرجة التي تلي السطح قاله في
التلخيص.
"أو موضع عال" إن لم يكن لأنه في معناه
لاشتراكهما في المبالغة في الإعلام ويكونان عن
يمين مستقبلي القبلة وقال أبو المعالي إن وقف
بالأرض وقف على يسار مستقبلي القبلة بخلاف
المنبر ويسلم
" على المأمون إذا أقبل عليهم بوجهه" لما روى
ابن ماجه عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا صعد المنبر سلم ورواه الأثرم عن أبي
بكر وعمر وابن
(2/147)
ويجلس إلى فراغ
الأذان ويجلس بين الخطبتين ويخطب قائما،
--------------------------------------
مسعود وابن الزبير ورواه أبو بكر النجاد عن
عثمان وكسلامه على من عنده في خروجه قال
القاضي وجماعة لأنه استقبال بعد استدبار أشبه
من فارق قوما ثم عاد إليهم وعكسه المؤذن قاله
المجد وظاهره استحباب استقبال الخطيب الناس
وهو كالإجماع قاله ابن المنذر.
ولم يذكر المؤلف رد السلام عليه وهو فرض كفاية
وكذا كل سلام مشروع على الجماعة المسلم عليهم
لا فرض عين وقيل سنة كابتدائه وفيه وجه غريب
واجب ذكره الشيخ تقي الدين.
"ويجلس إلى فراغ الأذان" لما روى ابن عمر قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد
المنبر حتى يخلو المؤذن ثم يقوم فيخطب مختصر
رواه أبو داود وذكره ابن عقيل إجماع الصحابة
ولأنه يستريح بذلك من تعب الصعود ويتمكن من
الكلام التمكن التام وهذا النداء هو الذي
يتعلق به وجوب السعي لأنه الذي كان عهده عليه
السلام وعنه بالأول لسقوط الفرض به ولأن عثمان
سنه وعملت به الأمة ومن بعد منزله سعى في وقت
يدركها كلها إذا علم حضور العدد بعد طلوع
الفجر لا قبله.
"ويجلس بين الخطبتين" لما روى ابن عمر قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو
قائم يفصل: بينهما بجلوس متفق عليه وكجلسته
الأولى ويستحب تخفيفها قال في التلخيص بقدر
سورة الإخلاص وعنه يجب الجلوس بينهما اختاره
النجاد لفعله عليه السلام والأول اصح لأن
جماعة من الصحابة منهم علي سردوا الخطبة من
غير جلوس ولأنه ليس فيها ذكر مشروع فلم يجب
كالأولى.
"ويخطب قائما" نص عليه واختاره الأكثر لفعله
عليه السلام ولأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال
فلم يجب له القيام كالأذان وعنه يجب مع القدرة
جزم به في النصيحة وبالجلوس بينهما وقال
الطحاوي عن قول الشافعي لم يقله
(2/148)
ويعتمد على سيف
أو قوس أو عصا ويقصد تلقاء وجهه ويقصر الخطبة
ويدعو للمسلمين.
---------------------------------
غيره وليس كذلك.
"ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا" لما روى الحكم
بن حزن قال وفدت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا على سيف
أو قوس أو عصا مختصر رواه أبو داود ولأنه أمكن
له وإشارة إلى أن هذا الدين فتح به ويكون
اعتماده على ذلك بإحدى يديه في ظاهر كلامه قال
في الفروع ويتوجه باليسرى والأخرى بحرف المنبر
فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما
"ويقصد تلقاء وجهه" لفعله عليه السلام ولأن في
التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عن الآخر
وظاهره أنه إذا التفت أو استدبر الناس أنه
يجزئ مع الكراهة صرحوا به في الاستدبار لحصول
المقصود وفيه وجه لا يجزئ لتركه الجهة
المشروعة وينحرف إليه المأمومون إذا خطب نص
عليه لفعل الصحابة.
"ويقصر الخطبة" لما روى مسلم عن عمار مرفوعا
"إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه
فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة" وفي التعليق
والثانية أقصر جعله أصلا لإفراد الإقامة
ويستحب رفع صوته حسب الإمكان "ويدعوا
للمسلمين" لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة
ففيها أولى ولا يجب في الثانية وقيل ويرفع
يديه جزم به في الفصول واحتج بالعموم وقيل لا
يستحب قال المجد هو بدعة وفاقا للمالكية
والشافعية وغيرهم وقد يفهم من كلامه أن الدعاء
لا يسن للمسلمات وليس كذلك لأن جمع المذكر
يشملهم ولم يذكر المؤلف الدعاء للسلطان فيها
ولا لمعين وهو جائز بل قيل يستحب للسلطان حتى
قال أحمد أو غيره وكان لنا دعوة مستجابة
لدعونا بها لإمام عادل ولأن في صلاحه صلاح
المسلمين ولأن أبا موسى كان يدعو في خطبته
لعمر وروى البزار "أرفع الناس درجة يوم
القيامة إمام عادل" قال أحمد إني لأدعو
بالتسديد
(2/149)
ولا يشترط إذن
الإمام وعنه يشترط.
فصل:
وصلاة الجمعة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة
ويستحب أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي
الثانية بالمنافقين.
---------------------------------------------
والتوفيق فإذا فرغ منها نزل عند لفظة الإقامة
في وجه قاله في التلخيص وفي الآخر إذا فرغ
منها وينزل مسرعا.
"ولا يشترط إذن الإمام" في الأصح لأن عليا صلى
بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوبه
عثمان رواه البخاري بمعناه ولأنها فرض الوقت
أشبهت الظهر قال أحمد وقعت الفتنة بالشام تسع
سنين فكانوا يجمعون.
"وعنه يشترط" لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا
الأئمة وهي من أعلام الدين الظاهرة أشبهت
الجهاد وعنه إن لم يتعذر وعنه يشترط لوجوبها
لا لجوازها وإن لم يعلم بموته إلا بعد الصلاة
واشترط إذنه فعنه لا إعادة للمشقة وعنه بلى
لبيان الشرط.
فرع: إذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه
الجمعة جاز اتباعهم نص عليه قال القاضي ولو
قلنا من شرطها إمام عادل إذا كان خروجهم
بتأويل سائغ وقال ابن أبي موسى يصلي معه
الجمعة ويعيدها ظهرا.
فصل:
وصلاة الجمعة ركعتان إجماعا حكاه ابن المنذر
قال عمر صلاة ا لجمعة ركعتان تمام غير قصر وقد
خاب من افترى رواه أحمد.
"يجهر فيها بالقراءة" قاله الأئمة لفعله صلى
الله عليه وسلم ونقله الخلف عن السلف وقد روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم "صلاة النهار
عجماء إلا الجمعة والعيدين" .
"ويستحب أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي
الثانية بالمنافقين بعد".
(2/150)
وتجوز إقامة
الجمعة في موضعين من البلد للحاجة.
--------------------------------------
الفاتحة ذكره الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقرأ بهما رواه مسلم من حديث ابن
عباس وفي المغني والشرح في الثانية بالغاشية
فحسن لفعله عليه السلام رواه مسلم من حديث
النعمان بن بشير وعنه يقرأ في الثانية بسبح
قال مالك أدركت عليه الناس والذي جاء به
الحديث الغاشية مع سورة الجمعة وقيل يقرأ في
الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية لفعله عليه
السلام رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير
ورواه أبو داود من حديث سمرة وقال الخرقي
وسورة قال الحلواني وهذا يدل على أنه لا يختص
بسورة معينة وقال في الشرح ومهما قرأ به فحسن
وهو ظاهر الوجيز لكن الأولى الاقتداء به عليه
السلام لأن سورة الجمعة تليق بها لما فيها من
ذكرها والأمر بها والحث عليها.
تذنيب: يسحب أن يقرأ في فجر يوم الجمعة الم
تنزيل السجدة و هل أتى على الإنسان نص عليه
لأنه عليه السلام كان يقرأ بهما متفق عليه من
حديث أبي هريرة قال الشيخ نقي الدين واستحب
ذلك لتضمنهما ابتداء خلق السموات والأرض وخلق
الإنسان إلى أن يدخل الجنة أو النار وتكره
مداومته عليها في المنصوص بكذا في المذهب
خلافة لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة أو لظن
الوجوب فإن سها عن السجدة فعن أحمد يسجد للسهو
قال القاضي كدعاء القنوت قال ولا يلزم على هذا
تغيير سجود التلاوة في غير صلاة الفجر في غير
صلاة الجمعة لأنه يحتمل أن يقال فيه مثل ذلك
ويحتمل أن يفرق بينهما لأن الحث والترغيب وجد
في هذه السجدة أكثر والسنة إكمالها قال الشيخ
تقي الدين ويكره تحريه قراءة سجدة غيرها.
"وتجوز إقامة الجمعة في موضعين" فأكثر "من
البلد للحاجة" كسعة البلد وتباعد أقطاره أو
بعد الجامع أو ضيقه أو خوف فتنة ولأنها تفعل
في الأمصار العظيمة في مواضع من غير نكير فكان
إجماعا قال الطحاوي وهو الصحيح من مذهبنا وعنه
لا يجوز لأنه عليه السلام وأصحابه لم
(2/151)
ولا تجوز مع
عدمها فإن فعلوا فجمعة الإمام هي الصحيحة فإن
استوتا فالثانية باطلة فإن وقعتا معا أو جهلت
الأولى بطلتا معا.
------------------------------------
يقيموها في أكثر من موضع واحد والأول أصح
والجواب لعدم حاجتهم إلى أكثر ولأن الصحابة
كانوا يؤثرون بسماع خطبته وشهود جمعته وإن
بعدت منازلهم وظاهره إذا استغنى بجمعتين لم
تجز الثالثة
"ولا تجوز مع عدمها" لا نعلم فيه خلافا إلا عن
عطاء "فإن فعلوا" أي فعلوها في موضعين من غير
حاجة "فجمعة الإمام هي الصحيحة" لأن في تصحيح
غيرها افتئاتا عليه وتفويتا لجمعته وظاهره ولو
تأخرت وهو ظاهر كلام جماعة وذكر ابن حمدان أنه
أولى وسواء قلنا إذنه شرط أولا وقيل السابقة
هي الصحيحة لأنها لم يتقدمها ما يفسدها.
"فإن استويا" في الإذن وعدمه "فالثانية باطلة"
لأن الاستغناء حصل بالأولى فأنيط الحكم بها
لكونها سابقة ويعتبر السبق بالإحرام وقيل
بالشروع في الخطبة وقيل بالسلام وظاهره ولو
كانت إحداهما في المسجد الأعظم أو قصبة البلد
في وجه وفي الآخر تصح الواقعة فيها ولو كانت
الثانية وصححه بعضهم لأن لهذه المعاني مزية
فقدم بها كجمعة الإمام.
"فإن وقعتا معا" ولا مزية لإحداهما بطلتا لأنه
لا يمكن تصحيحهما ولا تعيين إحداهما بالصحة
أشبه ما لو جمع بين أختين وتلزمهم الجمعة إن
أمكن لأنه مصر لم يصل فيه جمعة صحيحة فإن سبقت
إحداهما وعلمت بطلت الثانية ولزم أهلها الظهر
فإن علموا بذلك في أثنائها استأنفوا ظهرا صححه
المؤلف لأن ما مضى لم يكن فعله جائزا بخلاف
المسبوق وجزم القاضي وغيره وقدمه في الرعاية
يتمونها ظهرا.
"أو جهلت الأولى بطلتا معا" لما ذكرناه وكذا
إذا جهل الحال هل وقعتا معا أو في وقتين فهل
يصلون ظهرا كما ذكره في الشرح أنه الأولى
وقدمه في الشرح للشك في شرط إقامة الجمعة أو
جمعة لأنا لا نعلم المانع من صحتها والأصل
عدمه فيه وجهان قال ابن تميم الأشبه أنهم
يعيدون
(2/152)
وإذا وقع العيد
يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد وصلى ظهرا جاز إلا
للإمام.
------------------------------------
جمعة أي بشرطها.
"وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزأ بالعيد
وصلى ظهرا جاز" لأنه عليه السلام صلى العيد
وقال "من شاء أن يجمع فليجمع" رواه أحمد من
حديث زيد بن أرقم وحينئذ تسقط الجمعة إسقاط
حضور لا وجوب فيكون حكمه كمريض لا كمسافر
ونحوه عمن حضر العيد مع الإمام عند الاجتماع
ويصلي الظهر كصلاة أهل الأعذار وعنه لا تسقط
الجمعة للعموم كالإمام.
"إلا للإمام" هذا المذهب لما روى أبو داود
وابن ماجة من حديث أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "قد اجتمع في يومكم هذا
عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون"
ورواته ثقات وهو من رواية بقية وقد قال حدثنا
ولأنه لو تركها لامتنع فعلها في حق من تجب
عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه فعلى هذا إن
اجتمع معه العدد المعتبر أقامها وإلا صلوا
ظهرا.
وعنه: تسقط عنه كهم قدمه ابن تميم وحكاه
السامري عن الأصحاب واحتج المؤلف بأن ابن
الزبير لم يصلها وكان إماما ولأنها إذا سقطت
عن المأموم سقطت عن الإمام كحالة السفر وجزم
ابن عقيل بأن له الاستنابة وقال الجمعة تسقط
بأدنى عذر كمن له عروس تجلى فكذا المسرة
بالعيد ورده في الفروع وعنه لا تسقط عن العدد
المعتبر فتكون فرض كفاية.
فرع: يسقط العيد بالجمعة سواء فعلت قبله أو
بعده لفعل ابن الزبير وقول ابن عباس أصاب
السنة رواه أبو داود فعلى هذا لا يلزمه شيء
إلى العصر لكن قال ابن تميم إن فعلت بعد
الزوال اعتبر العزم على الجمعة لترك صلاة
العيد وذكر أبو الخطاب والمؤلف وصاحب الوجيز
السقوط بفعل الجمعة وقت عيد وفي مفردات ابن
عقيل احتمال يسقط الجمع وتصلى فرادى.
(2/153)
وأقل السنة بعد
الجمعة ركعتان وأكثرها ست ركعات ،.
فصل:
ويستحب أن يغتسل للجمعة في يومها والأفضل فعله
عند مضيه إليها ،
------------------------------------
"وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان" نص عليه لأنه
عليه السلام كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق
عليه من حديث ابن عمر "وأكثرها ست ركعات" نص
عليه لقول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه
وسلم يفعله رواه أبو داود واختاره في المغني
أربعا روي عن ابن عمر لفعله عليه السلام وأمره
رواه مسلم من حديث أبي هريرة وقيل إن شاء صلى
بسلام أو سلامين مكانه نص عليه وعنه في بيته
أفضل وقيل لا سنة لها.
ويسن أن يفصل: بكلام أو انتقال من موضعه للخبر
وظاهره لا سنة لها قبلها نص عليه قال الشيخ
تقي الدين وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه
وعليه جماهير الأئمة لأنها وإن كانت ظهرا
مقصورة فتفارقها في أحكام وعنه ركعتان اختاره
ابن عقيل وعنه أربع وقاله طائفة من أصحابنا
قال عبد الله رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن
المؤذن ركعات.
فصل:
"ويستحب أن يغتسل للجمعة في يومها" ولا يجب
حكاه ابن عبد البر إجماعا وفيه نظر قال
الترمذي العمل على أنه مستحب لقول النبي صلى
الله عليه وسلم في خبر عائشة "لو أنكم تطهرتم
ليومكم هذا" وظاهره حصول الفضيلة به ولو أحدث
بعده ولم يتصل به الرواح
"والأفضل فعله عند مضيه إليها" لأنه أبلغ في
المقصود وفيه خروج من الخلاف وذكر جماعة من له
زوجة فالمستحب أن يجامع ثم يغتسل نص عليه
للخبر
(2/154)
ويتنظف ويتطيب
ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إليها ماشيا ويدنو من
الإمام ويشتغل بالصلاة والذكر ويقرأ سورة
الكهف في يومها ،.
--------------------------------
"ويتنظف ويتطيب" لما روى أبو سعيد مرفوعا قال
"لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من
طهر ويدهن بدهن ويمس من طيب امرأته ثم يخرج
فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت
إذا تكلم إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة
الأخرى" رواه البخاري.
قوله "ويمس من طيب امرأته" يعني ما ظهر لونه
وخفي ريحه لتأكد الطيب وظاهر كلام أحمد
والأصحاب خلافه.
"ويلبس أحسن ثيابه" لوروده في بعض الألفاظ
وأفضلها البياض ويعتم ويرتدي "ويبكر إليها"
ولو كان مشتغلا بالصلاة في منزله "ماشيا"
لقوله عليه السلام "ومشى ولم يركب" ويكون
بسكينة ووقار بعد طلوع الفجر الثاني وقيل بعد
صلاته لا بعد طلوع الشمس ولا بعد الزوال فإن
كان عذر فلا بأس بالركوب كالعود
" ويدنو من الإمام" مستقبل القبلة لقوله عليه
السلام "من غسل واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم
يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له
بكل خطوة يخطوها أجر سنة عمل صيامها وقيامها"
رواه أحمد وأبو داود من حديث أوس بن أوس
وإسناده ثقات.
"ويشتغل بالصلاة والذكر" والقراءة لما في ذلك
من تحصيل الأجر بشرط أن يكون غير سامع للخطبة
بأن يحضر قبلها أو في مكان بعيد.
"ويقرأ سورة الكهف في يومها" لما روى البيهقي
بإسناده عن أبي سعيد مرفوعا "من قرأ سورة
الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين
الجمعتين" رواه سعيد موقوفا وقال "ما بينه وما
بين البيت العتيق" زاد أبو المعالي وصاحب
الوجيز أو ليلتها لقوله عليه السلام "من قرأ
سورة الكهف في يوم الجمعة أو ليلته وقي فتنة
الدجال" .
(2/155)
ويكثر الدعاء
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا
يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماما.
-------------------------------------
"ويكثر الدعاء" رجاء أن يصادف ساعة الإجابة
لقوله عليه السلام "إن في الجمعة ساعة لا
يوافقها عبد مسلم سأل الله تعالى شاء إلا
أعطاه إياه وأشار بيده يقللها" متفق عليه من
حديث أبي هريرة واختلف فيها فقال أحمد أكثر
الحديث في الساعة التي ترجى فيها الإجابة إنها
بعد العصر وترجى بعد زوال الشمس وفي الدعوات
للمستغفرين عن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى
الجمعة انصرف فوقف في الباب فقال اللهم أجبت
دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت لما أمرتني
فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين
"و" يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم" أي في يوم الجمعة لقوله عليه السلام
"أكثروا علي من الصلاة في يوم الجمعة" رواه
أبو داود وغيره بإسناد حسن قال الأصحاب
وليلتها لقوله عليه السلام "أكثروا الصلاة علي
ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى علي صلى الله
عليه عشرا" رواه البيهقي بإسناد جيد وقد روي
الحث عليها مطلقا لما روى ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال "أولى الناس بي يوم
القيامة أكثرهم علي صلاة" رواه الترمذي وحسنه.
فائد: روى ابن السني من حديث أنس مرفوعا "من
قرأ إذا سلم الإمام يوم الجمعة قبل أن يثني
رجليه فاتحة الكتاب {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} والمعوذتين سبعا غفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر وأعطي من الأجر بعدد من آمن
بالله ورسوله"
"ولا يتخطى رقاب الناس" لما روى أحمد أن النبي
صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رأى رجلا
يتخطى رقاب الناس فقال له "اجلس فقد آذيت"
ولما فيه من سوء الأدب والأذى وذلك مكروه وقد
صرح جماعة بتحريمه.
"إلا أن يكون إماما" فلا يكره له ذلك للحاجة
لتعيين مكانه وألحق به في
(2/156)
أو يرى فرجة
فيتخطى إليها وعنه يكره ولا يقيم غيره فيجلس
مكانه إلا من قدم صاحبا له فجلس في موضع يحفظه
له.
--------------------------------
الغنية المؤذن
"أو يرى" المصلي "فرجة فيتخطى إليها" لأنهم
أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم وعنه إن وصلها بدونه
كره وإلا فلا ذكره المؤلف وقدمه في الفروع
وعنه لا يكره مطلقا وعنه يكره تخطيه ثلاثة
صفوف وقيل يكره إلا أن تكون الفرجة أمامه.
"وعنه يكره" مطلقا لما روى سهل بن معاذ مرفوعا
"من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى
جهنم" رواه الترمذي
"ولا يقيم غيره فيجلس مكانه" وذلك حرام لما
روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه متفق
عليه ولكن يقول افسحوا قاله في التلخيص لما
روى مسلم عن جابر مرفوعا "لا يقيم أحدكم أخاه
يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده ولكن ليقل
افسحوا" ولأن المسجد بيت الله والناس فيه سواء
وظاهره ولو كان عبده أو ولده إلا الصغير وسواء
كان راتبا له يجلس فيه أولا وفي الرعاية يكره.
"إلا من قدم صاحبا له فيجلس في موضع يحفظه له"
لأن ابن سيرين كان يفعل ذلك لأنه قعد فيه
لحفظه له ولا يحصل ذلك إلا بإقامته وعلله في
الشرح بأن النائب يقوم باختياره وفي الفروع
قال أصحابنا إلا من جلس بمكان يحفظه لغيره
بإذنه أو دونه ولم يذكر جماعة أو دونه لأنه
توكيل في اختصاص مباح كتوكيله في تمليك المباح
ومقاعد الأسواق لكن إن جلس في مكان الإمام أو
طريق المارة أو استقبل المصلين في مكان ضيق
أقيم قاله أبو المعالي.
مسألة: إذا آثر بمكانه الأفضل فقيل يكره وقيل
لا كما لو جلس وقيل إن آثر عالما أو دينا جاز
ولا يكره القبول في الأصح وفي الفصول:
(2/157)
وإذا وجد مصلى
مفروشا فهل له رفعه على وجهين ، ومن قام من
موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو أحق به ،
ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين
يوجز فيهما.
-----------------------------------
لا يجوز الإيثار وكذا الخلاف إن آثر بمكانه
فسبق إليه آخر وصحح في الشرح وابن حمدان أنه
لا يجوز لأنه قام مقامه أشبه ما لو تحجر مواتا
ثم آثر به غيره وهذا بخلاف ما لو وسع لرجل في
طريق فمر غيره لأنها جعلت للمرور فيها والمسجد
جعل للإقامة فيه.
"وإذا وجد مصلى مفروشا فهل له رفعه على وجهين"
كذا في الفروع أحدهما: لا يجوز قدمه في المحرر
لأنه كالنائب وعنه ولما فيه من الافتئات على
صاحبه والتصرف في ملكه بغير إذنه والإفضاء إلي
الخصومة وقاسه في الشرح على السابق إلى رحبة
المسجد ومقاعد الأسواق فعلى هذا له رفعه إذا
حضرت الصلاة قاله في الفائق والثاني: له رفعه
والصلاة مكانه جزم به في الوجيز لأنه لا حرمة
له بنفسه والفضيلة بالسبق بالبدن وقيل إن كان
صاحبه لا يصل إليه إلا بتخطي الناس رفعه وإلا
فلا.
وعلم منه أنه لا يصلي عليه وقدمه في الرعاية
يكره وجزم جماعة بتحريمه وقال في الفروع
ويتوجه إن حرم رفعه فله فرشه وإلا كره وأطلق
شيخنا ليس له فرشه
"ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو
أحق به" لما روى مسلم عن أبي أيوب مرفوعا "من
قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" وقيده
بعضهم بما إذا عاد قريبا وأطلقه الأكثر منهم
المؤلف وقيده في الوجيز بما إذا عاد ولم
يتشاغل بغير وذكره في الشرح وتبعه ابن تميم إن
لم يصل إليه إلا بالتخطي فكمن رأى فرجة وجوزه
أبو المعالي.
"ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس ركعتين يوجز
فيهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا جاء
أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل
ركعتين"
(2/158)
ولا يجوز
الكلام والإمام يخطب.
----------------------------------
متفق عليه زاد مسلم "وليتجوز فيهما" وكذا قال
أحمد والأكثر ولا يزيد عليهما هذا إذا كانت
تقام في مسجد فإن لم يكن لم يصل وفي المغني
والتلخيص والمحرر إن لم تفته معه تكبيرة
الإحرام فإن جلس قام فأتى بهما أطلقه أصحابنا
لقوله عليه السلام "قم فاركع ركعتين" قال
المجد في شرحه ما لم يطل الفصل: فإن ذكر فائتة
أو قلنا له ستة صلاها وكفت إن كانت الفائتة
ركعتين فأكثر لأن تحية لا تحصل بغيرهما ولو
نوى التحية والفرض فظاهر كلامهم حصولهما له
كنظائرهما.
مسائل
منها: إذا صعد المنبر انقطع التنفل مطلقا وفي
كلام بعضهم بخروجه وهو أشهر في الأخبار ولولم
يشرع في الخطبة وجوز ابن عقيل وابن الجوزي لمن
يسمعها وقيل يكره وظاهر كلامهم لا تحريم إن لم
يحرم الكلام فيها وهو متجه قاله في الفروع
ويحققه من هو فيه ومن نوى أربعا صلى ركعتين.
ومنها: إذا نعس استحب له أن يتحول لقوله عليه
السلام "إذا نعس أحدكم في مجلسه فليتحول إلى
غيره" صححه الترمذي.
ومنها: أنه لا يكره الاحتباء وقت الخطبة نص
عليه وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان
لنهيه عليه السلام عنه رواه أبو داود والترمذي
وحسنه وفيه ضعف ولأنه يصير متهيئا للنوم
والسقوط وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي ما
رأيت أحمد جالسا إلا القرفصاء إلا أن يكون في
صلاة وهي أن يجلس على أليتيه رافعا ركبته إلى
صدره ومفضيا بأخمص قدميه إلى الأرض وربما
احتبى بيده ولا جلسة أخشع منها.
"ولا يجوز الكلام والإمام يخطب" قدمه في
المحرر وجزم به في الوجيز ونصره المؤلف وصححه
في التلخيص لقوله {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [لأعراف: من
الآية204] ولقوله عليه السلام "من قال:
(2/159)
إلا له أو لمن
كلمه ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها.
------------------------------------
صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له" رواه أحمد
وأبو داود ولقوله عليه السلام في خبر ابن عباس
"والذي يقول أنصت ليس له جمعة" رواه أحمد من
رواية مجالد ولقوله عليه السلام لأبي الدرداء
"إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ" رواه
أحمد.
وظاهره: لا فرق بين القريب والبعيد سمع الخطبة
أو لا وقيل وحالة الدعاء المشروع وعنه يحرم
على سامع اختاره القاضي وجمع وعنه يكره مطلقا
وعنه يجوز.
فعلى الأول : يباح ما يحتاج إليه كتحذير ضرير
ونحوه لأنه يجوز في الصلاة وتشميت عاطس ورد
السلام نطقا كإشارته به لأنه مأمور به لحق
آدمي أشبه الضرير فدل على أنه يجب والثاني:
يمنع من ذلك نطقا وهو ظاهر كلامه لأنه مأمور
بالإنصات ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
إذا ذكر كالدعاء اتفاقا والأفضل لمن لا يسمع
أن يشتغل بذكر الله خفية وقيل بل سكوته أفضل
فيسجد لتلاوة وفي الفصول إن بعد ولم يسمع
همهمة الإمام جاز أن يقرأ وأن يذاكر في الفقه
ولمن يسمع تسكيت المتكلم إشارة نص عليه وإشارة
أخرس مفهمة ككلامه.
"إلا له أو لمن كلمه" كذا أطلقه جماعة وقيده
في المحرر والفروع لمصلحة لأنه عليه السلام
كلم سليكا وكلمه هو رواه ابن ماجه بإسناد صحيح
من حديث أبي هريرة وسأل عمر عثمان فأجابه وسأل
العباس بن مرداس النبي صلى الله عليه وسلم
الاستسقاء وعنه يكرهان ولا منع كأمر إمام
بمعروف.
"ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها" من غير
كراهة لما روى مالك والشافعي بإسناد جيد عن
ثعلبة بن مالك قال كانوا يتحدثون يوم الجمعة
وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر
فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين وقيل: يكره.
(2/160)
وعنه يجوز
فيها.
-----------------------------------------
وعنه: يجوز فيها" فبالقياس على الإمام وعلى من
كلمه ولم يتعرض المؤلف للكلام بين الخطبتين
وفيه أوجه الجواز والكراهة والتحريم وجعل
الشيخان أصل التحريم سكوته لتنفس.
مسائل
الأولى: ليس له أن يتصدق على سائل وقت الخطبة
و لا يناوله إذن للإعانة على محرم وإلا جاز نص
عليه وفي الرعاية يكره فإن كانت المسألة:
قبلها ثم جلس لها جاز كالصدقة على من لم يسأل
أو سأل الإمام الصدقة لإنسان وقيل يكره السؤال
والتصدق في المسجد جزم به في الفصول وظاهر
كلام ابن بطة يحرم السؤال وقاله في إنشاد
الضالة وهذا مثله وأولى.
الثانية: يكره العبث والشرب حال الخطبة إن
سمعها وإلا جاز نص عليه قيل لا بأس بالشرب إذا
اشتد عطشه وجزم أبو المعالي بأنه إذن أولى
وقال في الفصول وكره جماعة شربه بعد الأذان
بقطعه لأنه بيع منهي عنه وكذا شربه على أن
يعطيه الثمن بعد الصلاة لأنه بيع ويتخرج
الجواز للحاجة دفعا للضرر وتحصيلا لاستماع
الخطبة.
الثالثة: يستحب لمن صلى الجمعة أن ينتظر صلاة
العصر فيصليها في موضعه ذكره في الفصول
والمستوعب ولم يذكره الأكثر ويستحب انتظار
الصلاة بعد الصلاة لقوله عليه السلام "إنكم لن
تزالوا في صلاة ما انتظرتموها" وذكر الشيخان
وجماعة جلوسه بعد فجر وعصر إلى طلوعها وغروبها
لا في بقية الصلوات نص عليه لكن اقتصر على
الفجر لفعله عليه السلام رواه مسلم عن جابر بن
سمرة.
(2/161)
باب صلاة
العيدين
وهي فرض كفاية إن اتفق أهل بلد على تركها
قاتلهم الإمام ، وأول وقتها إذا ارتفعت الشمس
وآخره إذا زالت.
--------------------------------------
باب صلاة العيدين
سمي به لأنه يعود ويتكرر لأوقاته وقيل لأنه
يعود بالفرح والسرور وقيل سمي به تفاؤلا ليعود
ثانية كالقافلة وجمع بالياء وأصله الواو
للزومها في الواحد وقيل للفرق بينه وبين أعواد
الخشب.
"وهي فرض كفاية" في ظاهر المذهب والإجماع على
مشروعيتها وسنده قوله تعالى {فصل لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ} هي صلاة العيد في قول عكرمة وعطاء
وقتادة قال في الشرح وهو المشهور في التفسير
وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده
يداومون عليها ولأنها من أعلام الدين الظاهرة
فكانت واجبة كالجهاد بدليل قتل تاركها ولم تجب
على الأعيان لحديث الأعرابي متفق عليه ولأنه
لا يشرع لها أذان أشبهت صلاة الجنازة وعنه فرض
عين اختاره الشيخ تقي الدين وعنه سنة مؤكدة
جزم به في التبصرة فلا يقاتل تاركها
كالتراويح.
وعلى الوجوب "إن اتفق أهل بلد على تركها
قاتلهم الإمام" كالأذان "وأول وقتها إذا
ارتفعت الشمس" لأحاديث النهي وكما قبل الطلوع
الشمس ولأنه عليه السلام ومن بعده لم يصلوها
إلا بعد ارتفاع الشمس بدليل الإجماع على فعلها
ذلك الوقت ولم يكن يفعل إلا الأفضل وروى الحسن
أن النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى الفطر
والأضحى حين تطلع الشمس فيتم طلوعها وكان يفتح
الصلاة إذا حضر.
"وآخره إذا زالت" لأنها شاركت الضحى في أول
وقتها فكذا يجب أمن يشاركه في آخره.
(2/162)
فإن لم يعلم
بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصل:ى بهم
، ويسن تقديم الأضحى وتأخير الفطر ، والأكل في
الفطر قبل الصلاة والإمساك في الأضحى حتى يصلي
والغسل والتبكير إليها بعد الصبح ماشيا.
---------------------------------
"فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من
الغد فصل:ى بهم" لما روى أبو عمير بن أنس عن
عمومة له من الأنصار قال غم علينا هلال شوال
فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا
أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر النبي صلى الله
عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم وأن
يخرجوا غدا لعيدهم رواه أحمد وأبو داود
والدارقطني وحسنه وقال مالك لا يصلى في غير
يوم العيد قال أبو بكر الخطيب سنة الرسول الله
صلى الله عليه وسلم أولى أن تتبع وحديث أبي
عمير صحيح فالمصير إليه واجب كالفرائض وكذا لو
مضى أيام قال ابن حمدان وفيه نظر وقال القاضي
في الخلاف لا تصلى إذا.
"ويسن تقديم الأضحى وتأخير الفطر" لما روى
الشافعي مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم
كتب إلى عمرو بن حزم أن "عجل الأضحى وأخر
الفطر وذكر الناس" ولأنه يتسع بذلك وقت
الأضحية ووقت إخراج صدقة الفطر ويكون تعجيل
الأضحية بحيث يوافق من بمنى في ذبحهم نص عليه.
"والأكل في الفطر قبل الصلاة" لقول بريدة كان
النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر
حتى يأكل تمرات رواه البخاري وزاد في رواية
منقطعة ويأكلهن وترا وفي شرح الهداية أن الأكل
فيه آكد من الإمساك في الأضحى والتوسعة على
الأهل والصدقة
"والإمساك في الأضحى حتى يصلي" لما تقدم فإن
كان له أضحية استحب له أن يأكل من كبدها لأنه
أسرع تناولا وهضما وإن لم يكن فإن شاء أكل قبل
خروجه نص عليه "والغسل" وقد سبق "والتبكير
إليها" للمأموم ليحصل له الدنو من الإمام
وانتظار الصلاة فيكثر ثوابه "بعد الصبح" أي
بعد صلاة الصبح قاله جماعة وذهب آخرون أنه بعد
طلوع الشمس فعله رافع وينويه قاله ابن المنذر
"ماشيا" لما روى الحارث عن
(2/163)
على أحسن هيئة
إلا المعتكف يخرج في ثياب اعتكافه أو إماما
يتأخر إلى وقت الصلاة.
----------------------------------------
علي قال "من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا"
رواه الترمذي وقال العمل على هذا عند أكثر أهل
العلم وقال أبو المعالي إن كان البلد ثغرا
استحب الركوب وإظهار السلاح ويستثنى من كلامه
من له ضرورة من مرض ونحوه فإنه يخرج راكبا
كالعود لقول علي ثم تركب إذا رجعت رواه
البيهقي.
"على أحسن هيئة" لما روى جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يعتم ويلبس برده الأحمر في
العيدين والجمعة رواه ابن عبد البر وعن ابن
عمر أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه رواه
البيهقي بإسناد جيد ويكون مظهرا للتكبير وعنه
يظهر في الفطر فقط لا عكسه "إلا المعتكف" في
العشر الآخر أو عشر ذي الحجة "يخرج من" معتكفه
إلى المصلى "في ثياب اعتكافه" نص عليه لقوله
عليه السلام "ما على أحدكم أن يكون له ثوبان
سوى ثوبي مهنته" لجمعته وعيده إلا المعتكف
فإنه يخرج في ثياب اعتكافه واستحبه السلف
وذكره ابن المنذر عن جماعة من العلماء ولأنه
أثر العبادة فاستحب بقاؤه كالخلوق وعنه ثياب
جيدة ورثة سواء للمعتكف وغيره وقال القاضي في
موضع معتكف كغيره في زينة وطيب ونحوهما.
"أو إماما يتأخر إلى وقت الصلاة" لما روى أبو
سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج
يوم الفطر والأضحي إلى المصلى فأول شيء يبدأ
به الصلاة رواه مسلم ولأن الإمام ينتظر ولا
ينتظر لابسا أجمل ثيابه لأنه منظور إليه من
بين سائر الناس لكن إن كان معتكفا فظاهر كلامه
خروجه في ثياب اعتكافه وقال ابن تميم وغيره
يسن للإمام التجمل والتنظف وإن كان معتكفا.
فرع: لا بأس بخروج النساء إلى العيد لكن لا
يتطيبن ولا يلبسن ثوب شهرة أو زينة ولا يخالطن
الرجال لقوله عليه السلام "وليخرجن تفلات"
وعنه يستحب اختاره ابن حامد والمجد للحديث
الصحيح وفاقا للشافعي في غير ذوي الهيئات
والمستحسنات وعنه يكره وعنه للشابة وعنه
(2/164)
وإذا غدا من
طريق رجع في أخرى وهل من شرطها الاستيطان وإذن
الإمام والعدد المشترط للجمعة ؟ على روايتين.
---------------------------------
لا يعجبني خروجهن في وقتنا لقول عائشة متفق
عليه.
"وإذا غدا عن طريق رجع في أخرى" لما روى جابر
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى
العيد خالف الطريق رواه البخاري ورواه مسلم من
حديث أبي هريرة وعلته لتشهد له الطريقان أو
لمساواته لهما في التبرك بمروره بهم وسرورهم
برؤيته أو ليتبرك الطريقان بوطئه عليهما أو
لزيادة الأجر بالسلام على أهل الطريق الآخر أو
لتحصل الصدقة على الفقراء من أهل الطريقين
فينبغي طرده في غيرها قلنا ويلزمه في الجمعة
نقله ابن تميم وفي شرح الهداية أنه المنصوص
لكن الظاهر أن المخالفة فيه شرعت لمعنى خاص
فلا يلتحق به غيره وظاهره لا فرق بينهما وقيل
الأولى سلوك الأبعد في الخروج والأقرب في
العود وصححه النووي
"وهل من شرطها" أي صحتها إذا "الاستيطان وإذن
الإمام والعدد المشترط للجمعة على روايتين"
وكذا في المحرر وأسقط الإذن كالفروع إحداهما:
يشترط ذلك واختاره الأكثر فلا تقام إلا حيث
تقام الجمعة لأنها صلاة لها خطبة راتبة أشبهت
الجمعة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق
العيد في حجة ولم يصل لكن إن فاتت قضيت تطوعا
من كل أحد والثانية: لا قدمه وصححه جماعة وجزم
في الوجيز فيفعلها المسافر والعبد والمرأة
والمنفرد لأن أنسا كان إذا لم يشهد العيد مع
الإمام جمع أهله ومواليهم وأمر عبد الله مولاه
فصل:ى بهم ركعتين رواه سعيد وذكره البخاري في
صحيحه وإنما لم يقمها النبي صلى الله عليه
وسلم لاشتغاله عنها بالمناسك لأنها أهم لكونها
فرض عين وصلاة العيد سنة في حق المسافر وعلى
الأولى يفعلونها تبعا قال في الشرح وغيره إن
صلوا بعد خطبة الإمام صلوا بغير خطبة لئلا
يؤدي إلى تفريق الكلمة.
وصحح ابن الزاغوني أنه يشترط الاستيطان وذكره
ابن عقيل رواية
(2/165)
وتجب فيما زاد
على النصاب بالحساب إلا السائمة الرابع تمام
الملك فلا زكاة في دين الكتابة ولا في السائمة
الموقوفة.
---------------------------
"وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب" أما زيادة
الحب فيجب فيها بالحساب اتفاقا وكذا زيادة
النقدين لقوله عليه السلام "هاتوا ربع العشور
من كل أربعين درهما درهما وليس عليكم شيء حتى
تتم مائتين فتجب فيها خمسة دراهم فما زاد
فبحساب ذلك" رواه الأثرم والدارقطني وروي عن
علي وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة
ولأنه مال من الأرض يتجزأ ويتبعض من غير ضرر
أشبه الأربعين وظاهره أنه يجب ولو لم يبلغ نقد
أربعين درهما أو أربعة دنانير.
"إلا السائمة" فلا زكاة في وقصها لما روى أبو
عبيد في غريبه مرفوعا أنه قال "ليس في الأوقاص
صدقة" وقال الوقص ما بين النصابين وفي حديث
معاذ أنه قيل له أمرت في الأوقاص بشيء قال لا
وسأسأل رسوله الله صلى الله عليه وسلم فسأله
فقال "لا" رواه الدارقطني ولما فيه من ضرر
وعدم التشقيص وقيل يجب اختاره الشيرازي فعليه
لو تلف بعير من تسع أو ملكه قبل التمكن إن
اعتبرنا سقط تسع شاة ولو تلف منها ستة زكى
الباقي ثلث شاه ولو كانت مغصوبة فأخذ منها
بعيرا بعد الحول زكاه بتسع شاة.
"الرابع: تمام الملك" لأن الملك الناقص ليس
نعمة كاملة وهي إنما تجب في مقابلتها إذ الملك
التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق فيه حق
غيره يتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده حاصلة
له قاله أبو المعالي
"فلا زكاة في دين الكتابة" وفاقا لعدم
استقراره لأنه يملك تعجيز نفسه ويمتنع من
الأداء ولهذا لا يصح ضمانها وفيه رواية فدل
على الخلاف هنا
"ولا في السائمة الموقوفة" على معين قال في
التلخيص الأشبه أنه لا زكاة وجزم به في الكافي
لنقصه والثاني: يجب وهو المنصوص للعموم وكسائر
أملاكه وبنى بعض أصحابنا الخلاف على الملك
الموقوف
(2/166)
فيصلي ركعتين
يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ ستا
وفي الثانية بعد القيام من السجود خمسا.
------------------------------------
أواخر خلافته
"فيصلي ركعتين" إجماعا لما في الصحيحين عن ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم
الفطر فصل:ى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها
ولقول عمر صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان
تمام غير قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى
رواه أحمد
"يكبر في الأولى بعد" تكبيرة الإحرام و
"الاستفتاح وقبل التعوذ ستا" زوائد "وفي
الثانية بعد القيام من السجود خمسا" زوائد نص
عليه وهو الذي ذكره أكثر الأصحاب لما روى أحمد
حدثنا وكيع حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن سمعه
من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى
الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة
سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة إسناد حسن قال
عبد الله قال أبي أنا أذهب إلى هذا ورواه ابن
ماجه وصححه ابن المديني وفي رواية أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال "التكبير سبع في
الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما
كلتيهما" رواه أبو داود والدارقطني
وعنه سبع زوائد في الأولى روي عن أبي بكر وعمر
وعلي والفقهاء السبعة وهو ظاهر ما تقدم وعنه
خمس في الأولى وأربع في الثانية واحتج بفعل
أنس وعنه يصلي أهل القرى بغير تكبير قال أحمد
اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في
التكبير وكل جائز وقال ابن الجوزي ليس يروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير وفي
العيدين حديث صحيح وقد علم منه أن التكبير في
الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ وهو السنة
نص عليه لأن الاستفتاح لأول الصلاة والاستعاذة
للقراءة وعنه الاستفتاح بعد التكبيرات الزوائد
اختاره الخلال وصاحبه لأن الاستعاذة تلي
الاستفتاح في سائر الصلوات فكذا هنا والقراءة
بعد الاستعاذة وعنه يخير
(2/167)
ويرفع يديه مع
كل تكبيرة ويقول الله أكبر كبيرا والحمد لله
كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على
محمد النبي وآله وسلم تسليما وإن أحب قال غير
ذلك.
----------------------------------
"ويرفع يديه مع كل تكبيرة" نص عليه لحديث وائل
بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع
يديه مع التكبير قال أحمد فأرى أن يدخل فيه
هذا كله وعن عمر أنه كان يرفع يديه في كل
تكبيرة في الجنازة والعيد وعن زيد كذلك رواهما
الأثرم
"ويقول" بين كل تكبيرتين وعقب الآخرة منها في
ظاهر كلامه وصححه في شرح الهداية والمذهب أنه
لا يأتي بالذكر بعد التكبير الأخيرة في
الركعتين "الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا
وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد
النبي وآله وسلم تسليما" لما روى عقبة بن عامر
قال سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات
العيد قال "يحمد الله ويثني عليه ويصلي على
النبي صلى الله عليه وسلم" رواه الأثرم وحرب
واحتج به أحمد ولأنها تكبيرات حال القيام
فاستحب أن يتخللها ذكر كتكبيرات الجنازة
"وإن أحب قال غير ذلك" لأن الغرض الذكر بعد
التكبير لا ذكر مخصوص لعدم وروده فلهذا نقل
حرب أن الذكر غير مؤقت يؤيده أنه روى عنه يحمد
ويكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
وعنه ويدعو وعنه ويسبح ويهلل وظاهره قول شيء
لا وقوف مجرد.
فروع: الأول: إذا شك في عدد التكبير بنى على
الأقل
الثاني: إذا نسي التكبير حتى ركع سقط أو لم
يأت به لأنه سنة فات محله وكذا إن ذكره قبل
الركوع في الأصح كما لو نسي الاستفتاح أو
التعوذ حتى شرع في القراءة والثاني لا يسقط
فعلى هذا يأتي به وإن كان فرغ من القراءة لم
يعدها وإن كان فيها أتى به ثم استأنفها لتسلم
من أن يتخللها غيرها وقيل إن كان المنسي يسيرا
لم يستأنف القراءة.
(2/168)
ثم يقرأ بعد
الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية
ويجهر بالقراءة ويكون بعد التكبير في الركعتين
وعنه يوالي بين القراءتين.
-------------------------------------
الثالث: إذا أدرك الإمام راكعا أحرم ثم ركع
ولا يشتغل بقضاء التكبير لأنه ذكر مشروع
كالاستفتاح وكما لو نسيه الإمام حتى ركع وإن
أدركه قائما بعد فراغه من التكبير الزائد لم
يقضه نص عليه وقال ابن عقيل يأتي به وعن أحمد
إن لم يسمع قراءة الإمام اختاره بعض أصحابنا
فإن سبقه ببعض التكبير فعلى الخلاف
"ثم يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسبح وفي
الثانية بالغاشية" على المذهب لما روى سمرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين
بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} رواه
أحمد ولابن ماجه من حديث ابن عباس والنعمان بن
بشير مثله وروي عن عمر وأنس ولأن فيه حثا على
الصدقة والصلاة في قوله {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى}
[الأعلى:15،14] هكذا فسره سعيد بن المسيب وعمر
بن عبد العزيز وعنه الأولى {ق} والثانية
{اقْتَرَبَتِ} اختاره الآجري لفعله عليه
السلام رواه مسلم "وعنه: لا توقيت" اختاره
الخرقي
"ويجهر بالقراءة" لما روى الدارقطني عن ابن
عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر في
القراءة في العيدين والاستسقاء وقال المجد لا
نعلم فيه خلافا إلا ما رواه الحارث الأعور عن
علي أنه كان يسمع من يليه ولم يجهر ذلك الجهر
قال في الشرح وحكاه ابن أبي موسى عن أحمد.
"ويكون بعد التكبير في الركعتين" هذا هو
المشهور وقاله الفقهاء السبعة وذكره ابن
المنذر عن ابن عباس ولأنه تكبير في إحدى ركعتي
العيد فكان قبل القراءة كالأولى
"وعنه: يوالي بين القراءتين" اختاره أبو بكر
وهو قول جابر بن عبد الله وعقبة بن عامر ذكره
ابن المنذر لأنه ذكر مسنون في قيام الركعة
الأخيرة فكان بعد القراءة كدعاء القنوت.
(2/169)
فإذا سلم خطب
خطبتين يجلس بينهما يستفتح الأولى بتسع
تكبيرات والثانية بسبع،
----------------------------------
"فإذا سلم" يحتمل أنه أراد السلام من الصلاة
وهو أظهر ويحتمل أن يراد به السلام المعروف
وجزم به في النصيحة فقال إذا استقبلهم سلم
وأومأ بيده.
"خطب خطبتين" بعد الصلاة كخطبتي الجمعة فلو
خطب قبل الصلاة لم يعتد بها في قول جمهور
العلماء وهما كالجمعة في أحكامها على الأصح
حتى في الكلام نص عليه إلا التكبير مع الخاطب
واستثنى جماعة الطهارة واتحاد الإمام والقيام
والجلسة والعدد لكونهما سنة لا شرطا للصلاة في
الأصح فأشبها الذكر بعد الصلاة والأذان.
"يجلس بينهما" لما روى جابر قال خرج النبي صلى
الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائما ثم
قعد قعدة ثم قام رواه ابن ماجه من رواية
إسماعيل بن مسلم البصري وهو متروك.
وعن عبيد الله بن عتبة قال السنة أن يخطب
الإمام في العيدين خطبتين يفصل: بينهما بجلوس
رواه الشافعي من رواية إبراهيم بن يحيى وفيه
كلام وهل يجلس عقيب صعوده إلى المنبر ليسترح
كما هو الأظهر والمنصوص عن أحمد والشافعي في
الأم أو لا لأن الجلوس في الجمعة لموضع الأذان
فيه وجهان.
ويسن أن "يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية
بسبع" لما روى سعيد عن عبيد الله بن عتبة قال
يكبر الإمام يوم العيد قبل أن يخطب تسع
تكبيرات وفي الثانية سبع تكبيرات والتكبير في
الأولى نسقا وفاقا وظاهر كلامه جالسا وقيل
قائما كسائر أذكار الخطبة وظاهره أنه يبدأ
بالتكبير في الثانية كالأولى وعنه بعد فراغها
اختاره القاضي قال أحمد قال عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة إنه من السنة وقيل التكبيرات شرط
واختار الشيخ تقي الدين أنه يفتحها بالحمد
لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم
افتتاح خطبة بغيره.
(2/170)
يحثهم في خطبة
الفطر على الصدقة ويبين لهم ما يخرجون ويرغبهم
في الأضحية في الأضحى ويبين لهم حكم الأضحية
والتكبيرات الزوائد والذكر بينهما والخطبتان
سنة.
-----------------------------------------------
"يحثهم في خطبة الفطر على الصدقة" لقوله عليه
السلام "اغنوهم من السؤال في هذا اليوم"
"ويبين لهم ما يخرجون" أي من جنسها وقدرها
ووجوبها ووقتها.
"ويرغبهم في الأضحية في الأضحى" لقوله عليه
السلام لفاطمة "قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن
لك بأول قطرة من دمها أن يغفر لك ما قد سلف من
ذنوبك" وعن زيد بن أرقم قال أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم يا رسول الله ما هذه الأضاحي
قال "سنة أبيكم إبراهيم" قالوا فما لنا قال
"بكل شعرة حسنة" قالوا والصوف قال "بكل شعرة
حسنة" قال الحاكم صحيح الإسناد
"ويبين لهم حكم الأضحية" لأنه أن ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم ذكر في خطبة الأضحي كثيرا
من أحكامها من رواية أبي سعيد والبراء وجابر
وغيرهم
" والتكبيرات الزوائد والذكر بينهما" سنة في
الأشهر لأنه ذكر مشروع بين التحريمة والقراءة
أشبه الاستفتاح فعلى هذا إن نسيه فلا سجود
للسهو في الأصح وعنه شرطا للصلاة وفي الروضة
إن نسى التكبيرات الزوائد أتم ولم تبطل وساهيا
لا يلزمه سجود لأنها هيئة وفيه نظر.
"والخطبتان سنة" لماروى عطاء عن عبد الله بن
السائب قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم
العيد فلما قضى الصلاة قال "إنا نخطب فمن أحب
أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب
فليذهب" رواه ابن ماجه وإسناده ثقات وأبو داود
والنسائي وقالا مرسل ولو وجبت لوجب حضورها
واستماعها كخطبة الجمعة وذكر القاضي وابن عقيل
أنهما شرط.
فائد: السنة لمن حضر العيد من النساء حضور
الخطبة وأن ينفردن بموعظة
(2/171)
ولا يتنفل قبل
الصلاة في موضعها ومن كبر قبل سلام الإمام صلى
ما فاته على صفته وإن فاتته الصلاة استحب له
أن يقضيها على صفتها.
-----------------------------------
إذا لم يسمعن خطبة الرجال وفي نهاية أبي
المعالي إذا فرغ فرأى قوما لم يسمعوها استحب
إعادة مقاصدها لهم لفعله عليه السلام فدل على
استحبابه في حق النساء والمراد مع عدم خوف
فتنة.
"ولا يتنفل قبل الصلاة ولا بعدها في موضعهما"
وهو مكروه نص عليه لقول ابن عباس خرج النبي
صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصل:ى ركعتين لم
يصل قبلهما ولا بعدهما متفق عليه قال أحمد لا
أرى الصلاة وفي المستوعب وغيره لا يسن وفي
المحرر لا سنة لها قبلها ولا بعدهما وفيه نظر
وقيل يصلي تحية المسجد واختاره أبو الفرج وجزم
به في الغنية وهو أظهر وظاهره جواز فعل الصلاة
بعدها في غير موضعهما ونص عليه وروى حرب عن
ابن مسعود أنه كان يصلي يوم العيد إذا رجع إلى
منزله أربع ركعات واحتج به إسحاق فلو فارق
موضعهما ثم عاد بعد الصلاة لم يكره التنفل نص
عليه.
فرع: يكره قضاء فائتة موضع العيد قبل مفارقته
نص عليه لئلا يقتدى به.
"ومن كبر قبل سلام إمامه صلى ما فاته" على
صفته نص عليه لعموم قوله عليه السلام "ما
أدركتم فصل:وا وما فاتكم فاقضوا" ولأنها أصل
بنفسها فتدرك بإدراك التشهد كسائر الصلوات
وقال القاضي يصلي أربعا كالجمعة وإذا أدرك معه
ركعة قضى أخرى وكبر فيها ستا زوائد أو خمسا
على الخلاف
وظاهر المذهب أن المسبوق في القضاء يراعي
مذهبه في التكبير لأنه في حكم المنفرد في
القراءة والسهو فكذا في التكبير وعنه بمذهب
إمامه لئلا يكبر في الركعتين عددا يخالف
الإجماع في الأصل وكمأموم وكذا إن فاتته ركعة
أو ركعتان بنوم أو غفلة.
"وإن فاتته الصلاة استحب له أن يقضيها على
صفتها" قدمه في المحرر والفروع وجزم به في
الوجيز وهو الأصح لفعل أنس ولأنه قضاء.
(2/172)
وعنه أربعا
وعنه أنه مخير بين ركعتين وأربع ويسن التكبير
في ليلتي العيدين، وفي الأضحى.
------------------------------------
صلاة فكان على صفتها كسائر الصلوات وظاهره متى
شاء وعند ابن عقيل قبل الزوال وإلا من الغد
وعنه إن قضى جماعة كبر ولا يكبر المنفرد وقال
ابن البناء إذا قضى ركعتين فهل يكبر على وجهين
"وعنه: أربعا" لقول ابن مسعود من فاتته الصلاة
مع الإمام يوم العيد فليصل أربعا رواه سعيد
والأثرم ورويا أن عليا أمر رجلا يصلي بضعفة
الناس أربعا واحتج به أحمد في رواية الأثرم
وكقضاء الجمعة بلا تكبير لأنه إنما يصلي تطوعا
فكان على صفته بسلام كالظهر وعنه أو بسلامين
"وعنه: أنه مخير بين ركعتين وأربع" لأنه تطوع
بالنهار فكان مخيرا فيه كالمطلق ولأن كلا قد
جاء الأثر به عن الصحابة ولا مرجح فكان له فعل
ما شاء فإن خرج وقتها فكالسنن في القضاء
مسألة: يجوز استخلافه للضعفة وفي صفة صلاة
الخليفة الخلاف وأيهما سبق سقط به الفرض وضحى
وتنويه المسبوقة نفلا.
"ويسن التكبير في ليلتي العيدين" وفي خصوصا في
الفطر وهو آكد من الأضحى نص عليه من غروب
الشمس لقوله تعالى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [البقرة: من الآية185]
قال أحمد كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعا
ويجهر به في الخروج إلى المصلى فيهما في قول
الأكثر وهو ممتد إلى فراغ الإمام من خطبته لأن
شعار العيد لم ينقض فسن كما في حال الخروج
وعنه إلى خروج الإمام إلى الصلاة لفعل ابن عمر
رواه الشافعي والدارقطني وعنه إلى وصوله
المصلى لأن التكبير في الخروج هو الذي اتفقت
عليه الآثار وما بعده ليس فيه نص ولا إجماع.
"وفي الأضحى" يسن فيه المطلق في عشر ذي الحجة
ولو لم ير بهيمة الأنعام ويرفع صوته قاله أحمد
والمراد لغير أنثى وأيام العشر الأيام
(2/173)
يكبر عقيب كل
فريضة في جماعة وعنه يكبر وإن كان وحده من
صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام
التشريق إلا المحرم فإنه يكبر من صلاة الظهر
يوم النحر.
----------------------------------------------
المعلومات وأيام التشريق المعدودات
"يكبر عقيب كل فريضة في جماعة" هذا هو المذهب
لأن ابن عمر كان لا يكبر إذا صلى وحده وقال
ابن مسعود إنما التكبير على من صلى في جماعة
رواه ابن المنذر ولأنه ذكر مختص بوقت العيد
فاختص بالجماعة كالخطبة فيكبر الإمام إلى
القبلة كغيره والأشهر يقبل على الناس ثم يكبر
لفعله عليه السلام ولأنه أقرب إلى المحافظة
وقيل يخير
"وعنه أنه يكبر وإن كان وحده" قدمه في التلخيص
وغيره للعموم ولأنه ذكر مشروع للمسبوق أشبه
التسليمة الثانية
"من صلاة الفجر يوم عرفة إلى" بعد صلاة "العصر
من آخر أيام التشريق" لما روى جابر أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يصلى الصبح يوم عرفة
أقبل علينا فقال الله أكبر ومد التكبير إلى
آخر أيام التشريق رواه الدارقطني من رواية
عمرو بن شمر عن جابر الجعفي وهما ضعيفان قيل
لأحمد بأي حديث تذهب في ذلك قال بالإجماع عمر
وعلي وابن عباس وابن مسعود ولأن الله تعالى
أمر بالذكر في الأيام المعدودات وهي أيام يرمى
فيها أشبهت يوم النحر وعنه يكبر من ظهر يوم
النحر إلى عصر آخر أيام التشريق وروي عن زيد
بن ثابت والزهري وعنه من ظهر يوم النحر إلى
صلاة الفجر آخر أيام التشريق روي عن عثمان
رواه سعيد قال النووي القول الأول هو الراجح
وعليه العمل في الأمصار وظاهر ما سبق أنه لا
يكبر في الفطر عقب الفرائص لعدم نقله وفيه وجه
وجزم به في التلخيص ولا عقب نافلة ولو صليت
جماعة
"إلا المحرم فإنه يكبر من صلاة الظهر يوم
النحر" إلى عصر آخر أيام التشريق لأنه قبل ذلك
مشغول بالتلبية والجهر به مسنون إلا في حق
النساء ,
(2/174)
فإن نسي
التكبير قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد.
-----------------------------------------------
ويأتي به كالذكر عقب الصلاة وعنه يكبر تبعا
للرجال فقط وعنه لا يكره كالأذان وحمله القاضي
على الجهر والمسافر كالمقيم ولو لم يأتم بمقيم
والمميز كالبالغ.
فرع: إذا فانته صلاة من أيام التشريق فقضاها
فيها من عامه كبر لأنها مفروضة فيه ووقت
التكبير باق وإن قضاها في غيرها لم يكبر
كالتلبية وفيه وجه بلى كالدعاء وإن فاتته من
غيرها فقضاها فيها كبر في رواية ذكره المؤلف
وعنه لا يكبر لبعد أيامها لأنه سنة فات وقتها.
فائد: سميت أيام التشريق من تشريق اللحم وهو
تقديده وقيل من قولهم أشرق ثبير وقيل لأن
الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس وقيل هو التكبير
دبر الصلوات وأنكره أبو عبيد.
"فإن نسي التكبير قضاه" مكانه ويعود فيجلس من
قام أو ذهب لأن فعله جالسا في مصلاه سنة فلا
تترك مع إمكانها وقال جماعة إن كبر ماشيا فلا
بأس قال المؤلف هو أقيس كسائر الأذكار وظاهره
أنه يأتي به ولو طال الفصل: والمذهب يكره "ما
لم يحدث" لأنه مبطل للصلاة والذكر تابع لها
بطريق الأولى "أو يخرج من المسجد" لأنه سنة
فات محلها وقيل أو يتكلم لأنه شرع عقيبها
فنافاه ما ينافيها والوجه الثاني يأتي به
كالتلبية والدعاء وأطلقهما في الفروع.
فإن نسيه الإمام كبر المأموم ليحرز الفضيلة
بخلاف سجود السهو لأنه من الصلاة ففي الانفراد
به ترك المتابعة وإذا سلم وعليه سجود سهو أتى
به ثم كبر لأنه من تمام الصلاة.
تنبيه: فإن اجتمع عليه تلبية وتكبير فإن لم
يرم جمرة العقبة حتى صلى الظهر يوم النحر كبر
ثم لبى نص عليه لأن التكبير مشروع مثله في
الصلاة فكان أشبه بها والمسبوق ببعض الصلاة
يقضي الصلاة يقضي ما فاته ثم يكبر نص عليه
كالذكر
(2/175)
وفي التكبير
عقيب صلاة العيد وجهان وصفة التكبير شفعا الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد.
-------------------------------------
والدعاء.
"وفي التكبير عقيب صلاة العيد وجهان" أحدهما
لا يكبر وقال أبو الخطاب هو ظاهر كلام أحمد
وقدمه في الفروع وقال في الفطر إن قيل فيه
مقيد نقله الجماعة لأن الأثر إنما جاء في
المكتوبات والثاني يكبر اختاره أبو بكر وأبو
الوفاء وقال هو الأشبه بالمذهب وفي الشرح انه
الأولى لأنها مفروضة مؤقتة تسن لها الجماعة
كالمكتوبة وخصه في الكافي بعيد الفطر
"وصفة التكبير شفعا الله أكبر الله أكبر لا
إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد" لأنه عليه السلام كان يقول كذلك رواه
الدارقطني وقاله علي وحكاه ابن المنذر عن عمر
قال أحمد اختياري تكبير ابن مسعود وذكر مثله
وقال النخعي كانوا يكبرون كذلك رواه أبو بكر
النجاد ولأنه تكبير خارج الصلاة له تعلق بها
ولا يختص الحاج فكان شفعا كالأذان واستحب ابن
هبيرة تثليث التكبير أولا وآخرا وأما تكبيره
ثلاثا في وقت واحد فلم أره في كلامهم ولعله
يقاس على الاستغفار بعد الفراغ من الصلاة وعلى
قول سبحان الملك القدوس بعد الوتر لأن الله
وتر يحب الوتر.
تتمات: لا بأس قوله لغيره تقبل الله منا ومنك
نقله الجماعة كالجواب وقال لا أبتدئ به وعنه
الكل حسن وعنه يكره ولا بأس بالتعريف عشية
عرفة بالأمصار نص عليه وقال إنما هو دعاء وذكر
قيل تفعله أنت قال لا وأول من فعله ابن عباس
وعمرو بن حريث وعنه يستحب ذكرها الشيخ تقي
الدين ومن تولى صلاة العيد أقامها كل عام
لأنها راتبة ما لم يمنع منها بخلاف كسوف
واستسقاء ذكره القاضي وغيره.
(2/176)
باب صلاة
الكسوف
وإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى
الصلاة جماعة.
---------------------------------------
باب صلاة الكسوف
يقال كسفت بفتح الكاف وضمها ومثله خسفت وقيل
الكسوف للشمس والخسوف للقمر وقيل عكسه وهو
مردود بقوله تعالى {وَخَسَفَ الْقَمَرُ}
[القيامة:8] وقيل الكسوف في أوله والخسوف في
آخره وقيل الكسوف الذهاب كله.
وفعلها ثابت بالسنة المشهورة واستنبطها بعضهم
من قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا
تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ
وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ}
[فصلت: من الآية37] فصل:ت.
"وإذا كسفت الشمس أو القمر" استعمله فيهما
"فزع الناس إلى الصلاة" هي سنة مؤكدة حكاه ابن
هبيرة والنووي إجماعا وقدم لقوله عليه السلام
"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا
يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك
فصلوا" متفق عليه فأمر بالصلاة لهما أمرا
واحدا وروى أحمد معناه ولفظه "فافزعوا إلى
المساجد" وروى الشافعي من رواية إبراهيم بن
أبي يحيى إن القمر خسف وابن عباس أمير على
البصرة فخرج فصل:ى بالناس ركعتين في كل ركعة
ركعتان وقال إنما صليت كما رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم يصلي وهو شامل للحضر والسفر
والرجال والنساء وإن حضرها غير ذوي الهيئات مع
الرجال فحسن وكان للصبيان حضورها واستحبه ابن
حامد لهم ولعجائز كجمعة وعيد.
"جماعة" في جامع أفضل لقول عائشة خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام وكبر
وصف الناس وراءه متفق عليه ولما فيه من
المبادرة بها لخوف فوتها بالتجلي وعنه بالمصلى
أفضل.
(2/177)
وفرادى بإذن
الإمام وغير إذنه وينادى لها الصلاة جامعة
يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة
طويلة ويجهر بالقراءة ثم يركع ركوعا طويلا ثم
يرفع رأسه فيسمع ويحمد ثم يقرأ الفاتحة وسورة
ويطيل وهو دون القيام الأول ثم يركع فيطيل وهو
دون الركوع الأول ثم يرفع ثم يسجد سجدتين
طويلتين ،.
----------------------------------------------
"وفرادى" لأنها نافلة ليس من شرطها الاستيطان
فلم يشترط لها جماعة كالنوافل بإذن الإمام
وغير إذنه لأنها نافلة وإذنه ليس شرطا فيها
وكصلاتها منفردا وعنه بلى كالعيد
"وينادى لها الصلاة جامعة" لأن النبي صلى الله
عليه وسلم بعث مناديا فنادى الصلاة جامعة متفق
عليه والأول منصوب على الإغراء والثاني على
الحال وفي الرعاية برفعهما ونصبهما
ووقتهما: من حين الكسوف إلى الانجلاء ولا تقضى
كاستسقاء وتحية مسجد
"فيصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة
سورة طويلة" من غير تعيين وذكر جماعة أنه يقرأ
قدر سورة البقرة أو هي ويجهر بالقراءة على
الأصح وظاهره ولو في كسوف الشمس "ثم يركع
ركوعا طويلا" من غير تقدير وقال القاضي وجزم
به في التلخيص وغيره إنه بقدر مائة آية وقال
ابن أبي موسى بقدر معظم القراءة وقيل نصفها
"ثم يرفع رأسه فيسمع ويحمد" كغيرها ثم يقرأ
الفاتحة وسورة ويطيل وهو دون القيام الأول"
قيل كمعظمها "ثم يركع فيطيل وهو دون الركوع
الأول" نسبته إلى القراءة كنسبة الأول منها
"ثم يرفع" وظاهره من غير إطالة "ثم يسجد
سجدتين طويلتين" في الأصح وقيل يطيله كالركوع
وقيل وكذا الجلوس بينهما وظاهره أنه لا يطيله
وصرح به ابن عقيل والأكثر كما لا يطيل القيام
عن ركوع يسجد بعده وحكاه القاضي عياض إجماعا,
(2/178)
ثم يقوم إلى
الثانية فيفعل مثل ذلك ثم يتشهد ويسلم فإن
تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة.
-----------------------------------
لعدم في ذكره الروايات وانفرد أبو الزبير عن
جابر مرفوعا بإطالته فيكون فعله مرة ليتبين
الجواز أو أطاله قليلا ليأتي بالذكر الوارد
فيه والأصل ما روت عائشة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قام في خسوف الشمس فاقترأ قراءة
طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع
ركوعا هو أدنى من الركوع الأول ثم سمع وحمد ثم
فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك حتى استكمل أربع
ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف
متفق عليه. وقال ابن عباس خسفت الشمس فقام
النبي صلى الله عليه وسلم قياما طويلا نحوا من
سورة البقرة وفي حديث أسماء ثم سجد فأطال
السجود وفي حديث عائشة انه جهر بقراءته قال
ابن عبد البر هذا أصح ما في الباب وباقي
الروايات معللة ضعيفة وقال أحمد أصح حديث في
الباب حديث ابن عباس وعائشة
"ثم يقوم إلى الثانية فيفعل مثل ذلك" لكن يكون
دون الأولى في كل ما يفعل فيها قال القاضي
وابن عقيل القراءة في كل قيام أقصر مما قبله
وكذا التسبيح وذكر أبو الخطاب وغيره قراءة
القيام الثالث أطول من الثاني
"ثم يتشهد ويسلم" لما روى النسائي عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم تشهد ثم سلم وظاهره
أنه لا يشرع لها خطبة على المذهب لأنه عليه
السلام أمر بها دون الخطبة وعنه لها خطبتان
تجلى الكسوف أو لا اختاره ابن حامد والسامري
ولم يذكر القاضي نصا بعدمهما إنما أخذوه من
نصه لا خطبة للاستسقاء
"فإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة" لقوله
عليه السلام في حديث أبي مسعود "فصلوا وادعوا
حتى ينكشف ما بكم" متفق عليه ولأن المقصود
التجلي وقد حصل وظاهره أنه لا يقطعها لكونه
منهيا عنه وشرع تخفيفها لزوال السبب وقال
القاضي إن كان بعد ركوع الأول أتمها صلاة
(2/179)
وإن تجلى قبلها
أو غابت كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصل وإن
أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع فلا بأس.
---------------------------------------
كسوف وإن كان فيه أو قبله أتمها بركوع واحد.
"وإن تجلى قبلها" لم يصل لقوله عليه السلام
"إذا رأيتم فافزعوا إلى الصلاة حتى تنجلي"
فجعله غاية للصلاة والمقصود منها زوال العارض
وإعادة النعمة بنورهما وقد حصل فإن خف قبلها
شرع فيها وأوجز أو غابت الشمس "كاسفة أو طلعت
والقمر خاسف لم يصل" لأنه ذهب وقت الانتفاع
بهما وقيل إن طلعت والقمر خاسف صلى ويعمل
بالأصل في بقائه فلو شك في التجلي لغيم أتمها
من غير تخفيف ولو انكشف الغيم عن بعض القمر
ولا كسوف عليه أتمها لأن الباقي لا يعلم حاله
والأصل بقاءه والأشهر يصلي إذا غاب القمر
خاسفا ليلا لأنه لم يذهب وقت الانتفاع بنوره
والثاني لا لغيبوبته كالشمس وفي منع الصلاة له
بطلوع الفجر كطلوع الشمس وجهان إن فعلت وقت
نهي.
فرع: إذا فرغ منها ولم يذهب الكسوف لم يعدها
بل يذكر ويدعو ويعمل بالأصل في بقائه وذهابه
وقال ابن حامد يصلي ركعتين ركعتين حتى ينجلي
لفعله عليه السلام رواه أبو داود عن النعمان
بن بشير.
"وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع فلا
بأس" وفي المحرر والفروع جاز كصلاة الخوف روى
مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى ست ركعات بأربع سجدات وعن أبي بن كعب
أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة
خمس ركوعات وسجد سجدتين رواه أبو داود وعبد
الله بن أحمد.
قال المؤلف لا يزيد على أربع لأنه لم يرد وفيه
نظر
وفي السنن كصلاة النافلة وعنه أربع ركوعات في
كل ركعة أفضل قال النووي وبكل نوع قال به بعض
الصحابة وحمل بعضهم ذلك على اختلاف
(2/180)
ولا يصلي لشيء
من سائر الآيات إلا للزلزلة الدائمة.
------------------------------------------------
حال الكسوف ففي بعض الأوقات تأخر الانجلاء
فزاد في عدد الركوع وفي بعضها أسرع فاقتصر وفي
بعضها توسط فتوسط واعترض عليه بأن تأخر
الانجلاء لا يعلم في الركعة الأولى وقد اتفقت
الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء
وقال بعض السلف هو محمول على بيان الجواز في
جميعها قال النووي وهذا أقوى وظاهره أنه لا
يجوز الزيادة في السجود وصرح به في الفروع
لأنه لم يرد.
فرع: الركوع الثاني سنة وتدرك به الركعة في
وجه واختاره أبو الوفاء إن صلاها الإمام بثلاث
ركوعات لإدراكه معظم الركعة.
"ولا يصلى لشيء من سائر الآيات" لعدم نقله عن
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع أنه وجد
في زمانهم انشقاق القمر وهبوب الرياح والصواعق
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا هبت الريح شديدة اصفر لونه وقال
"اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا" لأن
الرياح نعمة لقوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}
[الروم: من الآية46] "إلا للزلزلة" هي وجفة
الأرض واضطرابها وعدم سكونها الدائمة نص عليه
لفعل ابن عباس رواه سعيد والبيهقي وروى
الشافعي عن علي نحوه وقال لو ثبت هذا الحديث
لقلنا به وعن أحمد يصلى لكل آية ذكره الشيخ
تقي الدين قول المحققين من العلماء لأنه عليه
السلام علل الكسوف بأنه آية وهذه صلاة رهبة
كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء وقد
أمر الله تعالى عباده أن يدعوه خوفا وطمعا وفي
النصيحة يصلون لكل آية ما أحبوا ركعتين أم
أكثر كسائر الصلوات وأنه يخطب.
تنبيه: تقدم الجنازة على الكسوف ويقدم هو على
الجمعة إن أمن فوتها أو لم يشرع في خطبتها
وكذا على العيد والمكتوبة مع سعة الوقت في
الأصح فإن
(2/181)
-------------------------------------
خاف بدأ بالفرض وفي تقديم الوتر إن خاف فوته
والتراويح عليه وجهان وقيل إن صليت التراويح
جماعة قدمت لمشقة الانتظار وإن كسف بعرفة صلى
ثم دفع وإن منعت وقت نهي ذكر ودعا وقيل لا
يتصور كسوف إلا في ثامن أو تاسع وعشرين ولا
خسوف إلا في إبدار القمر واختاره الشيخ تقي
الدين ورده في الفروع بما ذكره أبو شامة في
تاريخه أن القمر خسف ليلة السادس عشر من جمادى
الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة وكسف الشمس في
غده والله على كل شيء قدير واتضح بذلك ما صوره
الشافعي من اجتماع الكسوف والعيد واستبعده أهل
النجامة وكسف الشمس يوم مات إبراهيم عاشر ربيع
الأول قاله غير واحد ويستحب العتق في كسوفها
نص عليه لأمر به عليه السلام قال في المستوعب
وغيره لقادر وهو الظاهر.
(2/182)
باب صلاة
الاستسقاء
وإذا أجدبت الأرض وقحط المطر فزع الناس إلى
الصلاة ،.
-------------------------------------
باب صلاة
الاستسقاء
هو استفعال من السقيا قال القاضي عياض
الاستسقاء بالدعاء بطلب السقيا فكأنه قال باب
الصلاة لأجل طلب السقيا على صفة مخصوصة.
"وإذا أجدبت الأرض" أي أصابها الجدب وهو نقيض
الخصب "وقحط المطر" أي احتبس "فزع الناس إلى
الصلاة" وهي سنة مؤكدة لقول عبد الله بن زيد
خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه
إلى القبلة يدعوا وحول رداءه ثم صلى ركعتين
جهر فيهما بالقراءة متفق عليه وظاهره يسن حضرا
وسفرا جماعة وفرادى والأفضل جماعة حتى ولو كان
القحط في غير أرضهم وظاهره اختصاصها بالجدب
فلو غار ماء عين أو نهر أو نقص وضر فروايتان
ولا استسقاء لانقطاع مطر عن أرض غير مسكونة
ولا مسلوكة لعدم الضرر.
(2/182)
وصفتها في
موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد وإذا أراد
الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة
من المعاصي والخروج من المظالم والصيام.
------------------------------------
"وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد"
لأنها في معناها قال ابن عباس سنة الاستسقاء
سنة العيدين فعلى هذا تسن في الصحراء وأن يصلي
ركعتين يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا
من غير أذان ولا إقامة لأنه عليه السلام لم
يقمها إلا في الصحراء وهي أوسع عليهم من غيرها
وقال ابن عباس صلى النبي صلى الله عليه وسلم
ركعتين كما كان يصلي في العيد قال الترمذي
حديث حسن صحيح وعن النبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر أنهم كانوا يصلون صلاة يكبرون
فيها سبعا وخمسا رواه الشافعي من رواية
إبراهيم بن أبي يحيى وهو مرسل وعن ابن عباس
نحوه وزاده فيه وقرأ سبح وفي الثانية بالغاشية
رواه الدارقطني وعنه ركعتين كصلاة التطوع وهي
ظاهر الخرقي لقوله عبد الله بن زيد استسقى
النبي صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين رواه
البخاري والأول أصح لأنها مطلقة ورواية ابن
عباس مقيدة وقد علم أنها تفعل أول النهار وقيل
الزوال وذكره ابن عبد البر من جماعة من
العلماء.
"وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس" أي
يخوفهم ويذكرهم بالخير فيما يرق به قلوبهم
وينصحهم ويذكرهم بالعواقب "وأمرهم بالتوبة من
المعاصي والخروج من المظالم" وذلك واجب لأن
المعاصي سبب القحط والتقوى سبب للبركات لقوله
تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ
مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} [لأعراف: من
الآية96] "والصيام" لأنه وسيلة إلى النزول
الغيث وقد روي دعوة الصائم لا ترد ولما فيه من
كسر الشهوة وحضور القلب والتذلل للرب زاد
جماعة ثلاثة أيام وأنه يخرج صائما
وظاهر ما ذكروه: أنه لا يلزم الصوم بأمره مع
أنهم صرحوا بوجوب طاعته
(2/183)
والصدقة وترك
التشاحن ويعدهم يوما يخرجون فيه ويتنظف لها
ولا يتطيب ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا
ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ويجوز خروج
الصبيان وقال ابن حامد يستحب.
-------------------------------------
في غير المعصية وذكره بعضهم إجماعا قال الفروع
ولعل المراد في السياسة والتدبير والأمور
المجتهد فيها لا مطلقا ولهذا جزم بعضهم يجب في
الطاعة ويسن في المسنون ويكره في المكروه.
"والصدقة" لأنها متضمنة للرحمة المفضية إلى
رحمتهم بنزول الغيث وترك التشاحن وهو تفاعل من
الشحناء وهي العداوة لأنها تحمل على المعصية
والبهت وتمنع نزول الخير بدليل قوله عليه
السلام "خرجت لأخبركم بليلة القدر بتلاحى فلان
وفلان فرفعت"
"ويعدهم يوما" أي يعينه لهم "يخرجون فيه"
ليتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة "ويتنظف
لها" من إزالة الرائحة وتقليم الأظفار ونحوهما
لئلا يؤذي الناس وهو يوم يجتمعون له أشبه
الجمعة.
"ولا يتطيب" وفاقا لأنه يوم استكانة وخضوع
"ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا" لما روى
ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم
للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا حتى
أتى المصلى قال الترمذي حديث حسن صحيح.
"ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ" لأنه أسرع
إلى إجابتهم وظاهره تخرج العجائز ومن لا هيئة
لها والأشهر لا يستحب بل قال ابن عقيل ظاهر
كلام أحمد أنه لا يجوز خروجهم وقيل يستحب وهو
ظاهر كلام جماعة ولا تخرج ذات هيئة لأن الضرر
في خروجهن أكثر.
"ويجوز خروج الصبيان" كالبهائم لأن الرزق
مشترك بين الكل لكن المميز يستحب خروجه "وقال
ابن حامد يستحب" لما روى البزار مرفوعا "لولا
أطفال رضع وعباد ركع وبهائم رتع لصب عليكم
العذاب صبا" ولأنهم لا ذنوب لهم فيكون دعاؤهم
مستجابا كالمشايخ.
(2/184)
وإن خرج أهل
الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين.
-----------------------------------
والمذهب الأول لأن النص لا يدل على الاستحباب
وألا لزم استحباب خروج البهائم وفي الفصول نحن
لخروج الشيوخ والصبيان أشد استحبابا قال ويؤمر
سادة العبيد بإخراج عبيدهم وإمائهم ولا يجب
والمراد مع عدم الفتنة.
"وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا" لأنه خروج لطلب
الرزق والله ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق
المسلمين والمذهب يكره لأنهم أعداء الله فهم
بعيدون من الإجابة وإذا غيث المسلمون فربما
ظنوه بدعائهم ونقل الميموني أنه لا يكره وهو
ظاهر كلام أبي بكر
"ولم يختلطوا بالمسلمين" لقوله تعالى
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [لأنفال: من
الآية25] ولأنه لا يؤمن أن يصبيهم عذاب فيعم
من حضر وظاهره أنهم لا يفردون بيوم لئلا يتفق
نزول غيث يوم خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم
وربما افتتن بهم غيرهم وقال ابن أبي موسى
والسامري وصاحب التلخيص إفرادهم بيوم أولى
لئلا يظنوا إنما حصل من السقيا بدعائهم وفي
خروج عجائزهم الخلاف ولا تخرج منهم شابة بلا
خلاف في المذهب ذكره في الفصول وجعل لأهل
الذمة من خالف دين الإسلام في الجملة.
فائد: يستحب الاستسقاء بمن ظهر صلاحه لأنه
أقرب إلى الإجابة وقد استسقى عمر بالعباس
ومعاوية بيزيد بن الأسود واستسقى به الضحاك بن
قيس مرة أخرى ذكره المؤلف وقال السامري وصاحب
التلخيص لا بأس بالتوسل في الاستسقاء بالشيوخ
والعلماء المتقين وقال في المذهب ويجوز أن
يستشفع إلى الله برجل صالح وقيل يستحب قال
أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي إنه يتوسل
بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه وجزم به
في المستوعب وغيره.
(2/185)
فيصلي بهم ثم
يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد
ويكثر فيه الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها
الأمر به ،
---------------------------------------
"فيصلي بهم" ركعتين كالعيد وعنه بلا تكبير
زائد وهو ظاهر الخرقي وفي النصيحة يقرأ في
الأولى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} وفي
الثانية ما أحب "ثم يخطب خطبة واحدة" لأنه لم
ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فيه
بأكثر منها
وعنه خطبتين كالعيد وهي بعد الصلاة على الأصح
قال ابن عبد البر وعليه جماعة الفقهاء لقول
أبي هريرة صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم
ثم خطبنا رواه أحمد وكالعيد
وعنه قبلها روي عن عمر وابن الزبير كالجمعة
وعنه يخير اختاره جماعة وعنه لا خطبة لها
صححها ابن عقيل ونصرها في الخلاف فعليها يدعو
بعدها وعلى الأول يخطب على منبر ويجلس
للاستراحة ذكره الأكثر كالعيد في الأحكام
والناس جلوس
"يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد" لقول ابن عباس
صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الاستسقاء كما صنع في العيد وعنه يفتتحها
بالحمد كالجمعة وقيل بالاستغفار لأنه مناسب
قال المحرر والفروع ويكثر فيها الدعاء والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك معونة
على الإجابة وعن عمر قال الدعاء موقوف بين
السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على
نبيك رواه الترمذي.
"ويكثر فيها الاستغفار" لأنه سبب لنزول الغيث
روى سعيد أن عمر خرج يستسقي فلم يزد على
الاستغفار فقالوا ما رأيناك استسقيت فقال لقد
طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي ينزل به المطر
ثم قرأ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10 ، 11 ] مدرارا
نوح وعن علي نحوه
"وقراءة الآيات التي فيها الأمر بت" لقوله
تعالى {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
(2/186)
ويرفع يديه
فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم
اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مجللا سحا عاما
طبقا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من
القانتين اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا
بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم إن بالبلاد
والعباد من اللأواء والجهد
--------------------------------
تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: من الآية3].
"ويرفع يديه" في الدعاء وهو سنة لقول أنس كان
النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء
من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع حتى يرى
بياض إبطه متفق عليه قال جماعة وظهورهما نحو
السماء لحديث رواه مسلم
"فيدعوا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم" روى
ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
استسقى قال ذلك كله وروى ابن عباس مرفوعا
"اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا
غدقا عاجلا غير رائث" رواه ابن ماجه وإسناده
ثقات قوله غير رائث أي غير بطيء ولا متأخر
وظاهره أن الدعاء مختص به وأن الناس يؤمنون
وقال الخرقي بل يدعون.
"اللهم" أي يا لله "اسقنا "بوصل الهمزة وقطعها
"غيثا" هو مصدر والمراد به المطر ويسمى الكلأ
غيثا "مغيثا" هو المنقذ من الشدة يقال غاثه
وأغاثه وغيثت الأرض فهي مغيثة ومغيوثة "هنيئا"
هو ممدود مهموز وهو الذي يحصل من غير مشقة
"مريئا" السهل النافع وهو ممدود مهموز المحمود
العاقبة "غدقا" بفتح الدال وكسرها والمغدق
الكثير الماء والخير "مجللا" السحاب الذي يعم
العباد والبلاد نفعه "سحا" الصب يقال سح الماء
يسح إذا سال من فوق إلى أسفل وساح يسيح إذا
جرى على وجه الأرض "عاما" شاملا "طبقا" بفتح
الطاء والباء الذي طبق البلاد مطره "دائما" أي
متصلا إلى أن يحصل الخصب "اللهم اسقنا الغيث
ولا تجعلنا من القانطين" القانط اليائس لقوله
تعالى {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}
[الزمر: من الآية53] أي لا تيأسوا "اللهم سقيا
رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق
اللهم إن بالبلاد والعباد من اللأواء" أي:
الشدة وقال الأزهري شدة المجاعة "والجهد" بفتح
الجيم.
(2/187)
والضنك ما لا
نشكوه إليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا
الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من
بركاتك اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري
واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم
إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا
مدرارا" ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول
رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على
لأيمن.
------------------------------------
المشقة وبضمها الطاقة قاله الجوهري وقال ابن
منجا هما المشقة ورد بما سبق
"والضنك" الضيق "ما لا نشكوه إلى إليك اللهم
أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع" قال الجوهري
الضرع لكل ذات ظلف أو خف "واسقنا ممن بركات
السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا
الجوع والجهد والعري واكشف عنا من البلاء ما
لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت
غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا" المدرار
الدائم إلى وقت الحاجة هذا الدعاء بكماله رواه
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أن
قوله "اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء
ولا هدم ولا غرق" رواه الشافعي في مسنده عن
المطلب بن حنطب وهو مرسل
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال
"اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي
بلدك الميت" رواه أبو داود.
"و" يسن للإمام أن "يستقبل القبلة في أثناء
الخطبة" لأنه عليه السلام حول إلى الناس ظهره
واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه متفق عليه
وقيل يستقبل بعد الخطبة وأطلقهما في الفروع
قال النووي فيه استحباب استقبالها للدعاء
ويلحق به الوضوء والغسل والتيمم والقراءة
وسائر الطاعات إلا ما خرج بدليل كالخطبة
"ويحول رداءه" بعد استقبالها لما في حديث عبد
الله أنه حول رداءه حين استقبل القبلة رواه
مسلم "فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على
الأيمن"
(2/188)
ويفعل الناس
كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم ويدعو سرا
حال استقبال القبلة فيقول اللهم إنك أمرتنا
بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا
فاستجب لنا كما وعدتنا.
---------------------------------------------
نص عليه لما روى أحمد وغيره من حديث أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ودعا الله
وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه ثم قلب رداءه
فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
وكان الشافعي يقول بهذا ثم رجع فقال يجعل
أعلاه أسفله لما روى عبد الله بن زيد أن النبي
صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء
فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها فثقلت عليه
فقلبها الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
رواه أحمد وأبو داود وأجيب عن هذه الرواية على
تقدير ثبوتها فهي ظن من الراوي وقد نقل
التحويل جماعة لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه
أسلفه ويبعد أنه عليه السلام ترك ذلك في جميع
الأوقات لثقل الرداء
"ويفعل الناس كذلك" وهو قول أكثرهم لأن ما ثبت
في حقه ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل على
اختصاصه كيف وقد عقل المعنى وهو التفاؤل بقلب
الرداء ليقلب ما بهم من الجدب إلى الخصب مع
أنه روى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم حول رداءه ليتحول القحط رواه
الدارقطني.
"ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم" لعدم نقله
ولم يذكرها المؤلف في الكافي وظاهر ما سبق أنه
لا تحويل في كسوف ولا حالة الأمطار والزلزلة
صرح به في الفروع وغيره
"ويدعوا سرا حال استقبال القبلة" لأنه أقرب
إلى الإخلاص وأبلغ في الخشوع لقوله تعالى
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
[لأعراف:55] الأعراف ويسن الجهر ببعضه حتى
يحصل التأمين.
"فيقول اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا
إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما
وعدتنا" لأن في ذلك استنجازا لما وعد من فضله,
(2/189)
فإن سقوا وإلا
عادوا ثانيا وثالثا وإن سقوا قبل خروجهم شكروا
الله تعالى وسألوه المزيد من فضله.
---------------------------------------------
حيث قال {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ} [البقرة: من الآية186] فإن دعا
بغير ذلك فلا بأس فإذا فرغ منه استقبلهم بوجهه
ثم حثهم على الصدقة والبر والخير ويصلي على
النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوا للمؤمنين
وللمؤمنات ويقرأ آية ويقول أستغفر الله لي
ولكم ولجميع المسلمين وقد فرغ منها ذكره
السامري
" فإن سقوا" فذلك فضل من الله ونعمة "وإلا
عاودوا ثانيا وثالثا" لأنه أبلغ في التضرع وقد
روي أن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء ولأن
الحاجة داعية إلى ذلك فاستحب كالأول وقال أصبغ
استسقي للنيل بمصر خمسة وعشرين مرة متوالية
وحضره ابن وهب وابن القاسم وجمع.
"وإن" تأهبوا للخروج و "سقوا قبل خروجهم شكروا
الله تعالى وسألوه المزيد من فضله" لأنهم إذا
فعلوا ذلك زادهم الله من فضله قال الله تعالى
{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}
[ابراهيم: من الآية7] وظاهره أنهم لا يصلون
لأنها تراد لنزول الغيث وقد وجد وقال القاضي
وابن عقيل والجد في فروعه وجمع إنه يستحب
خروجهم بعد التأهب ويصلون شكرا لله ويسألون
المزيد لأن الصلاة شرعت لإزالة العارض من
الجدب وذلك لا يحصل بمجرد النزول وقيل يخرجون
ولا يصلون وقيل عكسه وذكر ابن منجا أن التشاغل
عند نزول الغيث بالدعاء مستحب لقوله عليه
السلام "يستجاب الدعاء عند ثلاث التقاء الجيوش
وإقامة الصلاة ونزول الغيث" وقالت عائشة كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال
"اللهم صيبا نافعا" رواه أحمد والبخاري فلو
سقطوا بعد خروجهم صلوا وجها واحدا فإن كان في
الصلاة أتمها وفي الخطبة روايتان.
مسألة: ذكر القاضي وجمع أن الاستسقاء ثلاثة
أضرب أحدها ما وصفنا وهو أكملها الثاني
استسقاء الإمام يوم الجمعة في خطبتها كما.
(2/190)
وينادى لها
الصلاة جامعة وهل من شرطها إذن الإمام؟ على
روايتين ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج
رحله وثيابه ليصيبها.
----------------------------------
فعل النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه من
حديث أنس والثالث يدعو الله تعالى عقيب
صلواتهم وفي خلواتهم.
"وينادى لها الصلاة جامعة كالكسوف وهل من
شرطها إذن الإمام على روايتين" إحداهما لا
يشترط اختارها أبو بكر وابن حامد وقدمها في
الفروع وهي ظاهر كلام الأكثر لأنها نافلة
أشبهت النوافل فعليها يفعلها المسافر وأهل
القرى ويخطب بهم أحدهم والثانية يشترط لفعله
عليه السلام بأصحابه وكذلك الخلفاء من بعده
وكالعيد فعليها إن خرجوا بغير إذنه دعوا
وانصرفوا بلا صلاة وفي ثالثة يعتبر إذنه
للصلاة والخطبة دون الخروج لها والدعاء وقال
أبو بكر إن خرجوا بغير إذن صلوا ودعوا من
غيرخطبة.
"ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله" هو
مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث "وثيابه
ليصيبها" لقول أنس أصابنا ونحن مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه
من المطر فقلنا لم صنعت هذا قال "لأنه حديث
عهد بربه" رواه مسلم وروي أنه عليه السلام كان
ينزع ثيابه في أول المطر إلا الإزار يتزر به
ولم يذكر المؤلف استحباب الوضوء والغسل منه
وذكره جماعة واقتصر في الشرح على الوضوء فقط
لأنه روي أنه عليه السلام كان يقول إذا سال
الوادي "اخرجوا بنا إلى الذي جعله الله طهرا
فنتطهر به" قال أبو المعالي ويقرأ عند فراغه
{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}
[يونس: من الآية89] تفاؤلا بالإجابة.
فائد: إذا سمع الرعد ورأى البرق سبح لما في
الموطأ أن عبد الله بن الزبير كان إذا سمع
الرعد ترك الحديث وقال سبحان من يسبح الرعد
بحمده والملائكة من خيفته ولا يتبع البصر
البرق لأنه منهي عنه.
(2/191)
وإن زادت
المياه فخيف منها استحب أن يقول اللهم حوالينا
ولا علينا اللهم على الظراب والآكام وبطون
الأودية ومنابت الشجر ربنا ولا تحملنا ما لا
طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت
مولانا فانصرنا
------------------------------------
"وإن زادت المياه فخيف منها استحب أن يقول
اللهم حوالينا ولا علينا" إلى آخره واقتصر في
المذهب والفروع على ذلك لما في الصحيح أنه
عليه السلام كان يقول ذلك ما عدا الآية وهي
اللائقة بالحال فاستحب قولها كسائر الأقوال
اللائقة بمحالها وفهم منه أن ماء العيون إذا
زادت كذلك وأنه لا يصلى بل يدعو لأنه أحد
الضررين فاستحب الدعاء لانقطاعه قال النووي
ولا يشرع له الاجتماع في الصحراء وقد مر أن
الآمدي قال يصلى لكثرة المطر.
قوله "اللهم حوالينا" أي أنزله حوالي المدينة
مواضع النبات ولا علينا في المدينة ولا في
غيرها من المباني
"اللهم على الظراب" جمع ظرب قال الجوهري هو
بسكر الراء واحد الظراب وهي الروابي االصغار
"والآكام" بفتح الهمزة يليها مدة على وزن آصال
وتكسر الهمزة بغير مد على وزن جبال فالأول جمع
أكم ككتب وأكم جمع إكام كجبال وأكم واحده أكمة
فهو مفرد جمع أربع مرات قال عياض هو ما غلظ من
الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا وكان أكثر
ارتفاعا مما حوله كالتلول ونحوها وقال مالك هي
الجبال الصغار قال الخليل هي حجر واحد.
"وبطون الأودية" هي الأمكنة المنخفضة "ومنابت
الشجر" أي أصولها لأنه أنفع لها "ربنا ولا
تحملنا ما لا طاقة لنا به" أي لاتكلفنا من
الأعمال ما لا نطيق وقيل هو حديث النفس
والوسوسة وعن مكحول هو الغلمة وعن إبراهيم هي
الحب وعن محمد بن عبد الوهاب هو العشق وقيل هو
شماتة الأعداء وقيل هو الفرقة والقطيعة نعوذ
بالله منها "واعف عنا" أي تجاوز وامح عنا
ذنوبنا "واغفر لنا" أي استر علينا ذنوبنا ولا
تفضحنا "وارحمنا" فإنا لا ننال العمل بطاعتك
ولا ترك معاصيك إلا برحمتك "أنت مولانا"
ناصرنا وحافظنا "فانصرنا
(2/192)
على القوم
الكافرين.
---------------------------
على القوم الكافرين".
يستحب أن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته ويحرم
بنوء كذا لخبر زيد بن خالد وهو في الصحيحين
وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعا
ولا يكره في نوء كذا خلافا للآمدي إلا أن يقول
مع ذلك برحمة الله تعالى.
(2/193)
|