المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الجنائز
باب الجنائز
...
كتاب الجنائز
----------------------------------
كتاب الجنائز
الجنائز بفتح الجيم لا غير جمع جنازة بالكسر والفتح لغة ويقال بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه ميت ويقال عكسه فإذا لم يكن عليه ميت فلا يقال نعش ولا جنازة وإنما يقال له سرير قاله الجوهري واشتقاقه من جنز إذا ستر والمضارع بكسر النون وكان من حقه أن يذكر بين الوصايا والفرائض لكن ذكر هنا لأن أهم ما يفعل بالميت الصلاة فذكر في العبادات.
فصل: يستحب الإكثار من ذكر الموت والاستعداد لقوله عليه السلام "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" هو بالذال المعجمة ويكره الأنين على الأصح وكذا تمنى الموت عند نزول الشدائد ويستحب أن يقول "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي" ومراد الأصحاب غير تمني الشهادة على ما في الصحيح "من تمنى الشهادة خالصا من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء" ولا يكره لضرر بدنه وقيل يستحب وفي كراهة موت الفجأة راويتان وفيه خبران متعارضان رواه أحمد ولعل الجمع بينهما يختلف باختلاف الأشخاص وكذا هما في حقنة لحاجة وقطع العروق وفصدها.
مسألة: التداوي مباح وتركه أفضل نص عليه واختار القاضي وجماعة فعله وقيل يجب زاد بعضهم إن ظن نفعه ويحرم بمحرم مأكول وغيره من صوت ملهاة وغيره نقله الجماعة في ألبان الأتن واحتج بتحريمها وفي الترياق والخمر ونقله المروزي في مداواة الدبر بالخمر ويجوز ببول إبل فقط ونقل الفضل في حشيشة تسكر تسحق وتطرح مع دواء لا بأس أما مع الماء فلا وشدد فيه وذكر جماعة أن الدواء المسموم إن غلب منه السلامة ورجي نفعه أبيح شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره وقيل لا لأن فيه تعريضا للتلف ويكره أن يستطب مسلم ذميا لغير ضرورة وأن يأخذ منه دواء لم يبين

(2/194)


تستحب عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية.
------------------------------------
مفرداته وصرح في المذهب بجوازه.
"تستحب عيادة المريض" والسؤال عن حاله لأخبار وقيل بعد ثلاثة أيام لفعله عليه السلام رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أنس وأوجب الشيرازي وجماعة عيادته لظاهر الأمر به والمراد مرة واختاره الآجري وفي الرعاية فرض كفاية كوجه في ابتداء السلام ويغب بها وظاهر إطلاق جماعة خلافه قال في الفروع ويتوجه اختلافه باختلاف الناس والعمل بالقرائن
بكرة وعشيا ويكره وسط النهار نص عليه وفي رمضان ليلا لا مبتدع نص عليهما ويأخذ بيده ويقول لا بأس طهور إن شاء الله تعالى لفعله عليه السلام ويخبر بما يجد بلا شكوى وكان أحمد يحمد الله أولا لخبر ابن مسعود إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك.
وينفس له في أجله لخبر رواه ابن ماجه عن أبي سعيد فإن ذلك لا يرد شيئا ويدعو له ويستحب بما رواه أبو داود والحاكم وقال على شرط البخاري عن ابن عباس مرفوعا "ما من مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله يقول سبع مرات أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي" لكن ذكر ابن الجوزي يكره أن يعود امرأة غير محرم أو تعوده وتعود امرأة امرأة من أقاربها وإن كانت أجنبية فهل يكره يحتمل وجهين وأطلق غيره عيادتها.
"وتذكيره" إذا خيف موته قاله في الوجيز "التوبة" لأنها واجبة عليه على كل حال وهو أحوج إليها من غيرها لقوله عليه السلام "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" يعنى ما لم تبلغ روحه إلى حلقه "والوصية" لقوله عليه السلام "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" متفق عليه من حديث عمر

(2/195)


فإذا نزل به تعاهد بل حلقه بالماء أو الشراب وندى شفتيه بقطنة ولقنه قول لا إله إلا الله مرة ولم يزد على ثلاث إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه بلطف ومداراة ويقرأ عنده سورة يس وتوجيهه إلى القبلة.
-------------------------------------------
"فإذا نزل به" أي نزل الملك به لقبض روحه "تعاهد" أرفق أهله وأتقاهم لربه "بل حلقه بماء أو شراب وندى شفتيه بقطنة" لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة ويسهل عليه النطق بالشهادة.
"ولقنه قول لا إله إلا الله" لما روى مسلم عن أبي سعيد مرفوعا "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" وأطلق على المختضر ميتا باعتبار ما هو واقع لا محالة وعن معاذ مرفوعا "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد واقتصر عليها لأن إقراره بها إقرار بالأخرى وفيه شيء وفي الفروع احتمال وقال بعض العلماء يلقن الشهادتين لأن الثانية تبع فلهذا اقتصر في الخبر على الأولى قال أبو المعالي ويكره من الورثة بلا عذر.
"مرة" نقله مهنا وأبو طالب "ولم يزد على ثلاث" لئلا يضجره وعن ابن المبارك لما حضره الموت فجعل رجل يلقنه لا إله إلا الله فأكثر عليه فقال إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم "إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه بلطف ومداراة" ذكره النووي إجماعا لأن اللطف مطلوب في كل موضع فهنا أولى.
"ويقرأ عنده سورة "يّس" لقوله عليه السلام "اقرؤوا {يّس} على موتاكم" رواه أبو داود وابن ماجه وفيه لين من حديث معقل بن يسار ولأنه يسهل خروج الروح ونص على أنه يقرأ عنده فاتحة الكتاب وقيل وتبارك.
"و" يستحب "توجيهه إلى القبلة" لقوله عليه السلام عن البيت الحرام "قبلتكم أحياء وأمواتا" رواه أبو داود ولقول حذيفة وجهوني.
وعلى جنبه الأيمن أفضل نص عليه إن كان المكان واسعا وعنه:

(2/196)


فإذا مات أغمض عينيه وشد لحييه ولين مفاصله وخلع ثيابه وسجاه بثوب يستره وجعل على بطنه مرآة أو نحوها.
------------------------------------------
مستلقيا اختاره الأكثر وعنه سواء وعلى الثانية يرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة ذكره جماعة ويستحب تطهير ثيابه ذكره في المغني والشرح لأن أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" رواه أبو داود وذكر ابن الجوزي عن بعض العلماء أن المراد بثيابه عمله
"فإذا مات أغمض عينيه" لأن عليه السلام أغمض أبا سلمة وقال "إن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" رواه مسلم وعن شداد مرفوعا "إذا حضرتم الميت فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال" رواه أحمد ولئلا يقبح منظره ويساء به الظن ويقول من يغمضه بسم الله وعلى وفاة رسول الله نص عليه.
فرع: يغمض الرجل ذات محرم وتغمضه وكره أحمد أن تغمضه حائض أو جنب أو يقرباه وتغمض الأنثى مثلها أو صبي وفي الخنثى وجهان.
"وشد لحييه" لئلا يدخله الهوام أو الماء في وقت غسله
"ولين مفاصله" لتبقى أعضاؤه سهلة على الغاسل لينة ومعناه أن يرد ذراعيه إلى عضديه ثم يردهما إلى جنبيه ثم يردهما ويرد ساقيه إلى فخذيه وهما إلى بطنه ثم يردهما ويكون ذلك عقب موته قبل قسوتها فإن شق ذلك تركه
"وخلع ثيابه" لئلا يحمى جسده فيسرع إليه الفساد ويتغير وربما خرجت منه نجاسة فلوثتها "وسجاه" أي غطاه "بثوب يستره" لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة متفق عليه ولأنه أعظم في كرامته وينبغي أن يعطف فاضل الثوب عند رأسه ورجليه لئلا يرتفع بالريح.
"وجعل على بطنه مرآة" بكسر الميم التي ينظر فيها "أو نحوها" من حديد أو

(2/197)


ووضعه على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه ويسارع في قضاء دينه وتفريق وصيته وتجهيزه إذا تيقن موته بانفصال كفيه وميل أنفه وانخساف صدغيه ،.
------------------------------------------------
طين لقول أنس ضعوا على بطنه شيئا من حديد ولئلا ينتفخ بطنه قال ابن عقيل وهذا لا يتصور إلا وهو ظهره.
"ووضعه على سرير غسله" لأنه يبعد عن الهوام ويرتفع عن نداوة الأرض "متوجها" إلى القبلة على جنبه الأيمن وقيل على ظهره "منحدرا نحو رجليه" أي يكون رأسه أعلى من رجليه لينصب عنه ماء الغسل وما يخرج منه.
"و" يجب أن "يسارع في قضاء دينه" لما روى الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعا "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" ولا فرق بين دين الله تعالى ودين الآدمي زاد في الرعاية قبل غسله وقال السامري قبل دفنه بوفائه أو برهن أو ضمين عنه إن تعذر وفاؤه عاجلا ولما فيه من إبراء الذمة.
"و" يسن "تفريق وصيته" لما فيه من تعجيل الأجر واقتضى ذلك تقديم الدين على الوصية لقول علي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية وذهب أبو ثور إلى عكسه لظاهر النص وجوابه أن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض فكان في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها قال الزمخشري ولذلك جيء بكلمة أو التي للتسوية أي فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع وإن كان مقدما عليها.
"وتجهيزه" لقوله عليه السلام "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" رواه أبو داود ولأنه أصون له وأحفظ من التغيير لكن لا بأس أن ينتظر من يحضره من وليه وغيره إن كان قريبا ولم يخش عليه أن يشق على الحاضرين نص عليه فإن مات فجأة أو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته قال أحمد من غدوة إلى الليل وقال القاضي ترك يومين أو ثلاثة ما لم يخف فساده.
"إذا تيقن موته بانفصال كفيه وميل أنفه وانخساف صدغيه,

(2/198)


واسترخاء رجليه ،
--------------------------------------
واسترخاء رجليه" لأن هذه العلامات دالة على الموت يقينا زاد في الشرح والرعاية وامتداد جلدة وجهه وظاهر المستوعب والتلخيص والفروع أن ذلك راجع إلى المسارعة في تجهيزه وكلام ابن تميم دال على أنه راجع إلى قوله "ولين مفاصله" وما بعده وظاهر كلامه في المذهب وصرح به ابن المنجا أنه راجع إلى قضاء الدين وما بعده لأن الأولين لا ولاء به لأحد عليهما إلا بعد الموت والتجهيز قبل تيقن الموت تفريط.
مسألة: لا يستحب النعي وهو النداء بموته بل يكره نص عليه ونقل صالح لا يعجبني وعنه يكره إعلام غير صديق أو قريب ونقل حنبل أو جار وعنه أو أهل دين ويتوجه يستحب لإعلامه عليه السلام أصحابه بالنجاشي في اليوم الذي مات فيه متفق عليه من حديث أبي هريرة وفيه كثرة المصلين فيحصل لهم ثواب ونفع للميت ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه نص عليه.

(2/199)


فصل: في غسل الميت
غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية ،
--------------------------------------
فصل: في غسل الميت
"غسل الميت" المسلم "وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية" لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه" متفق عليه من حديث ابن عباس وقال عليه السلام "صلوا على من قال لا إله إلا الله" رواه الخلال والدارقطني وضعف ابن الجوزي طرقه كلها والسترة واجبة في الحياة فكذا بعد الموت ولأن في تركه أذى للناس وهتكا لحرمته ولا نعلم فيه خلافا وظاهر الوجيز أن حمله كفاية وصرح في المذهب بالاستحباب وأما اتباعه فسنة ذكره المؤلف وابن تميم ؛

(2/199)


وأولى الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته.
-------------------------------------------
لحديث البراء فعلى ما ذكره يسقط فرضها برجل أو خنثى أو امرأة.
ويسن لها الجماعة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ويشترط لغسله ماء طهور وإسلام غاسل وعقله ولو جنبا وحائضا وفي مميز روايتان كأذانه فدل على أنه لا يكفي من الملائكة وهو ظاهر كلام الآكثر وفي الانتصار يكفي إن علم
تذنيب: كره أحمد للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله إلا أن يكون محتاجا فيعطى من بيت المال فإن تعذر أعطي بقدر عمله وذكر بعضهم أن ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة أنه يجوز على الصحيح لكن ذكر القاضي في الجامع أنه إذا أعطي على الصلاة والحج وتعليم القرآن من غير شرط أنه يجوز وأحسبه كلامه في الخصال إذا اختص فاعله أن يكون من أهل القربة إذا فعله عن نفسه عاد نفعه إلى غيره كالجهاد والقضاء والإمامة جاز أخذ الرزق عليه وإن لم يعد نفعه إلى غيره لم يجز كالصلاة والصيام والحج وكل ما لم يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالبناء يجوز أخذ الأجرة عليه فقط.
"وأولى الناس به وصيه" العدل لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سرين ولأنه حق للميت يقدم فيه وصيه على غيره.
وقيل أو فاسق وقيل لا تصح الوصية بذلك وقيل بالصلاة فقط مع وجود عصبته الصالح للإمامة
"ثم أبوه" لاختصاصه بالحنو والشفقة لأنه مقدم على الابن في ولاية النكاح فكذلك في الصلاة "ثم جده" وإن علا فلمشاركة الأب في المعنى وعنه يقدم الابن على الجد لا على الأب قال في الفروع ويتوجه تخريج في النكاح.
"ثم الأقرب فالأقرب من عصباته" فيقدم الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الأخ

(2/200)


ثم ذوو أرحامه إلا الصلاة عليه فإن الأمير أحق بها بعد وصيه وغسل المرأة أحق الناس به الأقرب فالأقر ب من نسائها ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين.
------------------------------------------------
من الأبوين ثم الأب على ترتيب الميراث وعنه يقدم أخ وابنه على جد وعنه سواء
"ثم ذوو أرحامه" كالميراث ثم الأجانب وهم أولى من زوجه وأجنبية أولى من زوج وسيد وزوج أولى من سيد وزوجة أولى من أم ولد ثم صديقه قاله بعضهم قال في الفروع فيتوجه منه تقديم الجار على أجنبي.
"إلا الصلاة عليه فإن الأمير" وهو الإمام أو الحاكم من قبله "أحق بها بعد وصيه" لأنه عليه السلام كان يصلي على الجنائز ولم ينقل أنه كان يستأذن أحدا من العصبيات وقد دل على أن الوصي يقدم على الأمير لأن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر قاله أحمد وقال أوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وأوصت أم سلمة أن يصلي عليها سعيد بن زيد وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو هريرة فإن قدم الوصي غيره فوجهان فإن وصى إلى اثنين قيل يصليان معا وقيل منفردين ووصيته إلى فاسق مبني على صحة إمامته.
"وغسل المرأة أحق الناس به" وصيتها قاله في المحرر والفروع زاد في الوجيز وغير الفاسقة والمؤلف ترك ذكرها استغناء بما سبق" الأقرب من نسائها" فتقدم أمها وإن علت ثم بنتها وإن نزلت ثم القربى كالميراث وعمتها وخالتها سواء لا ستوائها في القرب والمحرمية وكذا بنت أخيها وبنت أختها وقيل تقدم بنت الأخ ثم أقرب نساء محارمها ثم الأجنبيات.
فرع: تسن البداءة بمن يخاف عليه ثم بأقرب ثم بأفضل ثم بأسن ثم بقرعة
"ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين" هذا هو

(2/201)


وكذلك السيد مع سريته.
------------------------------------
المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة "ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك" رواه أحمد والدارقطني بإسناد فيه ابن إسحاق.
وروى ابن المنذر أن عليا غسل فاطمة وقد روي عن عائشة أنها قالت لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه وقد وقع ولم ينكر ولأن آثار النكاح من عدة الوفاة والإرث باقية فكذا الغسل.
والثانية: ليس له ذلك لأنها فرقة تباح بها أختها سواها فوجب أن يحرم النظر واللمس كالمطلقة قبل الدخول ولأن البينونة حصلت بالموت وما زالت عصمة النكاح فلم يجر كالأجنبية وعنه يجوز لعدم غيره فيحرم نظر عورة وحكي عنه المنع مطلقا كالمذهب فيمن أبانها في مرضه وعنه يجوز لها دونه اختاره الخرقي وابن أبي موسى
والفرق أن للمرأة رخصة في النظر للأجنبي بخلاف الرجل إذ محذور الشهوة فيها أخف وقد نفاه المؤلف وحمل كلامه على التنزيه وفيه نظر فإنه ظاهر رواية صالح وعلى الأولى يشمل ما قبل الدخول وأنها تغسله وإن لم تكن في عدة كما لو ولدت عقب موته والمطلقة الرجعية إن أبيحت وعنه المنع بناء على تحريمها وكذلك السيد مع سريته لأنها فراش له ومملوكة وحكم الملك في إباحة اللمس والنظر حكم الزوجة في الحياة بل بقاء الملك أولى لبقاء وجوب تكفينها ومؤنة دفنها كالحياة بخلاف الزوجة.
والثانية: المنع لأن الملك ينتقل منها إلى غيره وعلى الأولى لا يغسل أمته المزوجة والمعتدة من زوج فإن كانت في استبراء فوجهان ولا المعتق بعضها وحكم أم الولد كالأمة وفيه وجه لأنها عتقت بموته ولم يبق علقة من ميراث ونحوه.
فائد: السرية هي الأمة التي بوأها بيتا منسوبة إلى السر وهو الجماع ,

(2/202)


وللمرأة والرجل غسل من له دون سبع سنين وفي ابن سبع وجهان ، وإن مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين.
------------------------------------
وضموا السين لأن الحركات قد تغير في الأبنية خاصة كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وقال الأخفش هي مشتقة من السر لأنه يسر بها.
"وللمرأة والرجل غسل من له دون سبع سنين" ذكرا كان أو أنثى نص عليه واختاره الأكثر لأنه لا عورة له بدليل أن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبي الصغير فتغسله مجرد بغير سترة وتمس عورته والنظر إليها وعنه الوقف في الرجل للجارية وقيل بمنعه اختاره المؤلف وصاحب الوجيز لأن عورتها أفحش.
وعنه يغسل ابنته الصغيرة وعنه يكره دون السبع إلى ثلاث.
"وفي ابن السبع وجهان" أحدهما يجوز قدمه ابن تميم لأنه فاقد أهلية فهم الخطاب وليس محلا للشهوة أشبه الطفل لكن قال أحمد يستر إذا بلغ السبع والثاني لا اختاره أبو بكر وابن حامد وهو ظاهر المحرر والوجيز لأنه بلغ سنا يحصل فيه التمييز أشبه من فوقها ولأنه مأمور بالصلاة والتفرقة بينهم في المضاجع وقيل تحد الجارية بتسع لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة رواه أحمد وذكره البخاري.
وظاهره أنه إذا زاد على السبع لا يغسله غير نوعه صرح به في النهاية وغيرها لأنه يصير محلا للشهوة ويحرم النظر إلى عورته المغلظة كالبالغ وعنه إلى عشر اختاره أبو بكر أمكن الوطء أولا.
"وإن مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين" هذا هو المنصور في المذهب لما روى تمام في فوائده عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما

(2/203)


وفي الأخرى يصب عليه من فوق القميص ولا يمس ولا يغسل مسلم كافرا ولا يدفنه
--------------------------------------
ييمم الرجال" ولأنه لا يحصل بالغسل من غير مس تنظيف ولا إزالة نجاسة بل ربما كثرت
والمنصوص أنه يلف على يده خرقة لئلا يمسه وقيل لا يجب إن كان ذا رحم محرم وعلم منه أنه لا مدخل للرجال في غسل الأقارب من النساء ولا بالعكس في قول أكثرهم لتحريمها كالأجنبية وبناه ابن تميم على تحريم النظر إلى ما لا يظهر غالبا وعنه لا بأس بغسل ذات محرم من فوق قميص عند الضرورة.
"وفي الأخرى يصب عليه الماء من فوق القميص" لأنه أمكن غسله مع ستر ما حرم النظر إليه "ولا يمس" وتغطى وجوههم وقيل بل يمس من وراء حائل وعنه هو والتيمم سواء والرجال أولى بالخنثى وقيل النساء.
"ولا يغسل مسلم كافرا" لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: من الآية13] وفي غسله تول لهم ولأنه لا يصلي عليه كالأجنبي.
"ولا يدفنه" ولا يحمله ولا يكفنه ولا يتبع جنازته للنهي عن الموالاة وهو عام ولأنه تعظيم وتطهير له أشبه الصلاة عليه وفارق غسله في حياته فإنه لا يقصد ذلك.
ولا فرق فيه بين القريب والزوجة وغيرهما وعنه يجوز ذلك كله اختاره الآجري وأبو حفص قال رواه الجماعة وعنه يجوز دون غسله قدمه ابن تميم واختاره المجد قال في الرعاية وهو أظهر لعدم ثبوته في قصة أبي طالب
وعنه دفنه كالعدم لأنه عليه السلام لما أخبر بموت أبي طالب قال لعلي اذهب فواره رواه أبو داود والنسائي وإذا غسل فكثوب نجس فلا

(2/204)


إلا ألا يجد من يواريه غيره ، وإذا أخذ في غسله ستر عورته وجرده قال القاضي يغسله في قميص خفيف واسع الكمين.
-------------------------------------------
وضوء ولا نية للغسيل ويلقى في حفرة وإذا أراد أن يتبعه ركب وسار أمامه.
"إلا أن لا يجد من يواريه غيره" فإنه يلزمنا دفنه في ظاهر كلام أصحابنا لأن قتلى بدر ألقوا في القليب ولأنه يتضرر بتركه ويتغير ببقائه زاد بعضهم وكذا حمله وتغسيله.
وظاهر ما سبق أن الكافر لا يغسل مسلما نص عليه وقد تقدم وفيه وجه يجوز إن لم تجب نية غسله ويغسل حلال محرما وبالعكس لأن كل واحد منهما تصح طهارته وغسله.
"وإذا أخذ في غسله ستر عورته" وهو ما بين سرته وركبته على المذهب حذارا من النظر إليها لقوله عليه السلام لعلي "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت"
"وجرده" نص عليه في رواية الأثرم وهو المذهب لأن ذلك أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له من التنجيس إذ يحتمل خروجها منه ولفعل الصحابة بدليل أنهم قالوا لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا والظاهر أنه عليه السلام أمرهم به وأقرهم عليه.
"وقال القاضي" وهو رواية عن أحمد واقتصر ابن هبيرة في حكايتها عنه فقط واختارها الشريف وابن عقيل وقدمها السامري وصاحب التلخيص "يغسله في قميص خفيف واسع الكمين" لأنه عليه السلام غسل في قميصه رواه مالك وأحمد قال يعجبني أن يغسل وعليه ثوب يدخل يده من تحت الثوب ولأنه أستر للميت وإن لم يكن واسع الكمين توجه أن يفتق رؤوس الدخاريص وأدخل يده منها والأول أشهر وغسله عليه السلام في قميص من خصائصه واحتمال المفسدة منتفية في حقه لأنه طيب حيا وميتا وظاهره أنه لا يغطى وجهه نقله الجماعة والحديث المروي فيه لا أصل له.

(2/205)


ويستر الميت عن العيون ولا يحضره إلا من يعين في غسله ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ويعصر بطنه عصرا رفيقا ويكثر صب الماء حينئذ ثم يلف على يده خرقة فينجيه.
---------------------------------------
وظاهر كلام أبي بكر يسن وأومأ إليه لأنه ربما تغير لدم أو غيره فيظن السوء.
"ويستر الميت عن العيون" تحت ستر أو سقف لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته أو تظهر عورته.
واستحب ابن سيرين أن يكون البيت مظلما ذكره أحمد لأنه أستر فدل على أنه لا يستحب تغسيله تحت السماء لئلا يستقبلها بعورته وللخبر ولا ينظر الغاسل إلا لما لا بد منه
"ولا يحضره إلا من يعين في غسله" لأنه ربما حدث أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله وربما ظهر فيه شيء وهو في الظاهر منكر فيتحدث به فيكون فضيحة والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف من يعين الغاسل بصب ونحوه واستثنى القاضي وابن عقيل أن لوليه الدخول عليه كيف شاء.
"ثم يرفع إلى قريب من الجلوس ويعصر بطنه" ليخرج ما في جوفه من نجاسة "عصرا رفيقا" لأن الميت في محل الشفقة والرحمة وعنه يفعله في الثانية وعنه بل في الثالثة لأنه لا يلين حتى يصيبه الماء ويستثنى منه الحامل فإنه لا يعصر بطنها لخبر رواه الخلال وظاهره أنه لا يجلسه لأن فيه أذية له ويكون ثم بخور لئلا يظهر منه ريح.
"ويكثر صب الماء حينئذ" ليذهب ما خرج ولا يظهر رائحته "ثم يلف على يده خرقة فينجيه" وفاقا لأن في ذلك إزالة النجاسة وطهارة للميت من غير تعدي النجاسة إلى الغاسل وظاهره أنه لا يكفي مسحها ولا وصول الماء بل يجب أن ينجى ويكفيه خرقة واحدة قاله في المجرد وقال غيره بل لا بد لكل فرج من خرقة لأن كل خرقة خرج عليها شيء من النجاسة لا يعتد بها إلا أن تغسل

(2/206)


ولا يحل مس عورته ، ويستحب ألا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ثم ينوي غسله ويسمي ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما ويوضئه.
----------------------------------
"ولا يحل مس عورته" لأن النظر إليها حرام فمسها أولى "ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة" لفعل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم وليزيل ما على بدنه من النجاسة ويأمن مس العورة المحرم مسها قال ابن عقيل بدنه عورة إكراما له من حيث وجب ستر جميعه فيحرم نظره ولا يجوز أن يحضره إلا من يعين في أمره وهو ظاهر كلام أبي بكر فحينئذ يعد الغاسل خرقتين إحداهما للسبيلين والأخرى لبقية بدنه
"ثم ينوي غسله" وهي فرض على الغاسل على الأصح لأنها طهارة تعبدية أشبهت غسل الجنابة والثانية وهي ظاهر الخرقي وابن أبي موسى وابن عقيل في التذكرة لا لأن القصد التنظيف أشبه غسل النجاسة والأولى أولى لأنه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف ولجاز غسله بماء الورد ونحوه وظاهر أنه لا يجب الفعل وهو وجه فلو كان الميت تحت ميزاب فنوى غسله إنسان ومضى زمن بعد النية أجزأ ويجب في آخر وهو ظاهر كلام أحمد فعلى هذا لا يجزئ فلو حمل ووضع تحت ميزاب بنية غسله أجزأ وجها واحدا وكذا حكم الغريق
"ويسمي" وفيها الروايات السابقة "ويدخل أصبعيه" وهما السبابة والإبهام بعد غسل كفيه نص عليه "مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما" لإزالة ما على تلك الأعضاء من الأذى ولا يجب ذلك في الأصح والأولى أن يكون ذلك بخرقة نص عليه صيانة لليد وإكراما للميت قاله الزركشي وقال ابن أبي موسى يصب الماء على فيه وأنفه ولا يدخله فيها.
"ويوضئه كوضوء الصلاة لما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم عطية في غسل ابنته "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" .

(2/207)


ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه ويضرب الستر ويغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يفيض الماء على جميع بدنه
---------------------------------------------
وظاهره أنه يمسح رأسه قال أحمد يوضأ الميت مرة واحدة في الغسلة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعاد وهو مستحب لقيام موجبه وهو زوال عقله وظاهر كلام القاضي وابن الزغواني أنه واجب.
"ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه" لأنه لا يؤمن معه وصوله إلى جوفه فيفضي إلى المثلة وربما حصل من الانفجار وبهذا علل أحمد "ويضرب السدر فيغسل برغوته" هو مثلث الراء "رأسه ولحيته وسائر بدنه" لقوله عليه السلام في المحرم "اغسلوه بماء وسدر" وقوله للنساء اللاتي غسلن ابنته "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك بماء وسدر" ولأن الرغوة تزيل الدرن ولا تعلق بالشعر وتزول بمجرد مرور الماء وصريحه أن استعماله يكون في جميع البدن.
وفي الكافي والمحرر وقدمه في الفروع أنه يكون في الرأس واللحية فقط ولا يشترط كونه يسيرا خلافا لابن حامد وقال إنه الذي وجد عليه أصحابنا ليجمع بين العمل بالخبر ويكون الماء باقيا على إطلاقه
وقال القاضي وأبو الخطاب يغسل أول مرة بماء وسدر ثم يغسل عقب ذلك بالماء القراح فيكون الجميع غسلة واحدة والاعتداد بالآخر منها لأن أحمد شبه غسله بغسل الجنابة لأن السدر إن كثر سلب الطهورية واليسير لا يؤثر بناء على أن الماء تزول طهوريته بتغير بالطهارات والمؤلف لا يراه لكن إن غلب على أجزائه سلبه الطهورية قولا واحدا والمنصوص أنه يكون في كل الغسلات
"ثم يغسل شقة الأيمن ثم الأيسر" لقوله عليه السلام "ابدأن بميامنها" ولأنه مسنون في غسل الحي فكذا الميت
"ثم يفيض الماء على جميع بدنه" ليعمه بالغسل وصفته أن يغسل رأسه

(2/208)


يفعل ذلك ثلاثا يمر يده في كل مرة فإن لم ينق بالثلاث أو خرج منه شيء غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا.
-----------------------------------------
ولحيته أولا ثم يده اليمنى من منكبه إلى كتفه وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يغسل الأيسر كذلك ثم يرفعه من جانبه الأيمن ولا يكبه لوجهه فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ذكره القاضي والمؤلف فيفرغ من غسله مرة في أربع دفعات وظاهر كلام أحمد وأبي الخطاب وقاله المجد يفعل ذلك في دفعتين فيحرفه أولا على جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن من جهة ظهره وصدره ثم يحرفه على جنبه الأيمن ويغسل الأيسر كذلك والأول أبلغ في التنظيف وكيفما فعل أجزأه
"فيفعل ذلك ثلاثا" لما تقدم إلا الوضوء فإنه مختص بأول مرة وقيل يعاد وحكي رواية والتثليث مستحب ويجزئ مرة كالجنابة لكن يكره الاقتصار عليها نص عليه
"يمر يده في كل مرة" على بطنه برفق لأن فيه إخراجا لما تخلف وأمنا من فساد الغسيل بما يخرج منه بعد "فإن لم ينق بالثلاث أو خرج منه شيء غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع" لما سبق واختار أبو الخطاب وابن عقيل أنه إذا خرج منه نجاسة بعد الثالثة أنه لا يعاد غسله بل يغسل محل النجاسة ويوضأ لأن حكم الحي كذلك فالميت مثله والمذهب خلافه لأن الظاهر أن الشارع إنما كرر الأمر بغسلها من أجل توقع النجاسة وظاهره أن الخارج لا فرق بين أن يكون من السبيلين أو من غيرهما وعنه في الدم هو أسهل فعليها في الإعادة احتمالان.
فائد: يستحب خضب لحية الرجل ورأس المرأة بالحناء نص عليه.
"ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا" لقوله عليه السلام "واجعلن في

(2/209)


والماء الحار والخلال والأشنان يستعمل إن احتيج إليه ويقص شاربه ويقلم أظافره.
------------------------------------------
الآخرة كافورا" متفق عليه ولأنه يصلب الجسم ويبرده ويطيبه ويطرد عنه الهوام بريحه قيل مع السدر نقله الجماعة وعليه العمل ذكره الخلال وقيل وحده في ماء قراح وقيل يجعل في الكل.
"والماء الحار والخلال" هو العود الذي يتخلل به "والأشنان يستعمل إن احتيج إليه" كشدة برد أو إزالة وسخ لأن إزالته مطلوبة شرعا والمستحب أن تكون الخلال من شجرة لينة تنقي من غير جرح كالصفصاف ونحوه وظاهره أنه إذا لم يحتج إليه لا يستعمله وصرح جماعة بالكراهة وهو الأصح بلا حاجة لأن السنة لم ترد به والمسخن يرخيه واستحبه ابن حامد لأنه ينقي ما لا ينقي البارد.
"ويقص شاربه ويقلم أظافره" أي إن طال لقول أنس اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم ولأن تركه يقبح منظره فشرع إزالته كقبح عينيه ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرة فيه أشبه الغسل وعنه لا يقلم أظافره بل ينقي وسخها لكونها لا تظهر وهو ظاهر الخرقي فيخرج في نتف الإبط وجهان.
ويأخذ شعر إبطه في المنصوص وكذا عانته قاله في المحرر وتزال بالموسى أو المقراض نص عليه لفعل سعد بن أبي وقاص وقال القاضي بنورة لأنها أسهل ولا يمسها بيده بل حائل والمذهب أنها لا تؤخذ لما فيه من لمس العورة وربما احتاج إلى نظرها وهو محرم فلا تفعل لأجل مندوب وهذا في غير المحرم
ويدفن معه ما أخذ منه كعضو ساقط ويعاد غسله نص عليه لأنه جزء منه كعضو والمراد يستحب وظاهره أنه لا يحلق رأسه وظاهر كلام جماعة يكره قال في الفروع وهو أظهر ورد بأنه ليس من السنة في الحياة وإنما يراد به الزينة أو النسك وهما لا يطلبان هنا وكذا لا يختن ؛

(2/210)


ولا يسرح شعره ولا لحيته ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها ثم ينشفه بثوب وإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه بالقطن فإن لم يستمسك فبالطين الحر.
-----------------------------------------
لأنه إبانة جزء من أعضائه.
مسألة: يزال عظم نجس جبر به كسر إذا أمكن من غير مثلة كالحياة وقيل لا وقيل عكسه فإن كانت عليه جبيرة قلعت للغسل الواجب وإن سقط منه شيء بقيت ومسح عليها ولا يبقى خاتم ونحوه ولو ببردة لأن بقاءه إتلاف لغير غرض صحيح قال أحمد يربط أسنانه بذهب إن خيف سقوطها وقيل لا يجوز كما لو سقطت لم تربط به في الأصح ويؤخذ إن لم تسقط
"ولا يسرح شعره ولا لحيته" نص عليه لقول عائشة علام تقصون ميتكم أي لا تسرحوا رأسه بالمشط لأنه يقطع الشعر وينتفه وقال القاضي وغيره يكره واستحبه ابن حامد إذا كان خفيفا وحكى ابن المنجا عنه وعن أبي الخطاب استحباب تسريح الشعر مطلقا.
"ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها" نص عليه لقول أم عطية فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها رواه البخاري ولمسلم فضفرنا شعرها ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها وقال أبو بكر أمامها لأنه يضفر على صدرها قيل لأحمد العروس تموت فتجلى فأكره شديدا.
"ثم ينشفه بثوب" هكذا فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولئلا ينبل كفنه فيفسد به وفي الواضح لأنه سنة في الحي في رواية ولا يتجنس ما نشف به في المنصوص.
"وإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه" أي محل الخارج "بالقطن" لمنع الخارج وكالمستحاضة وقال أبو الخطاب وصاحب النهاية إنه يلجم المحل بالقطن فإن لم يمتنع حشاه به إذ الحشو يوسع المحل فلا يفعل إلا عند الحاجة
"فإن لم يستمسك" الخارج بالقطن "فبالطين الحر" أي الخالص لأنه له قوة

(2/211)


ثم يغسل المحل ويوضأ وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل ويغسل المحرم بماء وسدر ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيبا.
---------------------------------
تمنع الخارج وعنه يكره وفاقا لمشايخ الحنفية وظاهره أنه لا يعاد غسله بعد السبع نص عليه وجزم به الأكثر لأنه عليه السلام لم يزد عليها وقال جماعة إنه يعاد غسله لأن الزيادة على الثلاث لأجل الإنقاء فكذا ما بعد السبع.
"ثم يغسل المحل" أي محل النجاسة "ويوضأ" وجوبا كالجنب إذا أحدث بعد غسله لتكون طهارته كاملة وعنه لا وهي ظاهر الخرقي للمشقة والخوف عليه
"وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل" بل يحمل على حاله دفعا للمشقة لأنه يحتاج إلى إخراجه وإعادة غسله وتطهير أكفانه وتجفيفها أو إبدالها فيتأخر دفنه وهو مخالف للسنة ثم لا يؤمن مثل هذا بعده وظاهره لا فرق بين الخارج أن يكون قليلا أو كثيرا وعنه يعاد غسله ويطهر كفنه وعنه من الكثير لكن إن وضع على الكفن ولم يلف ثم خرج منه شيء أعيد غسله قاله ابن تميم.
"ويغسل المحرم بماء وسدر ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيبا" والشهيد لما في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في محرم مات "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" وللنسائي "ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث القيامة محرما" وحينئذ يجنب ما يجنب الحي لبقاء إحرامه وقيل ويفدي الفاعل ولا يوقف بعرفة ولا يطاف به بدليل المحرم الذي مات مع النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لا يحس بذلك كما لو جن وعنه ويصب عليه الماء صبا ولا يفعل به كالحلال لئلا ينقطع شعره.

(2/212)


والشهيد لا يغسل.
----------------------------------------
وظاهره أنه يجب تغطية وجه وكذا رجليه ونقل حنبل يجب كشفهما ذكره الخرقي وصاحب التلخيص قال الخلال هي وهم من حنبل لأن الإحرام لا تعلق له بالرجلين لكن قال الزركشي كلام الخرقي خرج على المعتاد إذ في الحديث أنه يكفن في ثوبيه الرداء والإزار والعادة عدم تغطيتهما للرجلين وفيه نظر وعنه أنه يكفن في ثوبيه لا يزاد أي يستحب.
وظاهره لا فرق بين أن يموت قبل رمي جمرة العقبة أو بعدها وفي الثانية وجه أنه لا يمنع من الطيب ولبس المخيط بناء على أنه حل بها
هذا كله إذا كان رجلا فإن كانت امرأة فحكمها بعد الموت حكمها في الحياة لا تمنع من لبس المخيط ويغطى رأسها لا وجهها.
فرع: لا تمنع المعتدة للوفاة من الطيب في الأصح.
"والشهيد" وهو من قتل بأيدي الكفار في معركتهم "لا يغسل" لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم رواه البخاري ولأحمد معناه وظاهره ولو كان غيرمكلف صرح به في الفروع وجزم أبو المعالي بتحريمه وحكي رواية لأنه أثر الشهادة والعبادة وهو حي "إلا أن يكون جنبا" فإنه يغسل على الصحيح لما روى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن صاحبكم لتغسله الملائكة" يعنى حنظلة قالوا لأهله ما شأنه فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهائعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لذلك غسلته الملائكة" وفي الكافي أنه رواه أبو داود الطيالسي
ولأنه غسل واجب لغير الموت فلم يسقط كغسل النجاسة والثانية لا يجب للعموم ومثله حائض ونفساء طهرتا أولا.
وعلى الوجوب لو مات وعليه حدث أصغر فهل يوضأ على الوجهين.

(2/213)


إلا أن يكون جنبا بل ينزع عنه السلاح ويزمل في ثيابه وإن أحب كفنه بغيرها ولا يصلى عليه في أصح الروايتين.
---------------------------------------
وظاهره أنه إذا أسلم ثم استشهد أنه لا يغسل للإسلام لأن أصرم بن عبد الأشهل أسلم يوم أحد ثم قتل فلم يأمر بغسله وقيل يجب قدمه في الفروع وهو ظاهر الوجيز لقوله ولا يغسل شهيد إلا لموجبه
"بل ينزع عنه" أي عن الشهيد لأمة الحرب "من السلاح والجلود" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد بالشهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود وقال "ادفنوهم بدمائهم وثيابهم" رواه أحمد وأبو داود وفيه علي بن عاصم وفيه ضعف وكذا ينزع عنه خف وفرو نص عليه وتغسل نجاسة عليه ويجب بقاء دم لا تخالطه نجاسة فإن خالطته غسلا في الأصح.
"ويزمل" أي يلف "في ثيابه" ويدفن فيها لما روى أحمد عبد الله بن ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد "زملوهم في ثيابهم" والمنصوص عنه وهو المذهب أن ذلك واجب لأنه أثر العبادة فعليه لا يزاد ولا ينقص بحسب المسنون ويرد عليه لو كان لابسا الحرير ولعله غير مراد وذكر القاضي في تخريجه لا بأس بهما.
"وإن أحب كفنه" الولي "بغيرها" تبع القاضي في المجرد وحكاه في المحرر قولا ونسبه الزركشي إلى الشذوذ لما روي أن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر رواه يعقوب بن شيبة وقال هو صالح الإسناد وأجاب في الخلاف بأنه يحتمل أن ثيابه سلبت أو أنهما ضما إلى ما كان عليه وقد روى في المعتمد ما يدل عليه.
"ولا يصلى عليه في أصح الروايتين" اختاره القاضي وأصحابه وجزم به في الوجيز للأخبار وهل ذلك لكونهم أحياء عند ربهم أو لغناهم عن الشفاعة فيه احتمالان
والثانية يصلى عليه اختاره الخلال وأبو بكر وأبو الخطاب لصلاته عليه

(2/214)


وإن سقط من دابته أو وجد ميتا ولا أثر به أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه.
-------------------------------------------
السلام على أهل أحد متفق عليه من حديث عقبة بن عامر وجوابه بأنه مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين رواه البخاري توديعا للأحياء والأموات والثالثة يخير لتعارض الأخبار فيخير كرفع اليدين إلى الأذنين أو إلى المنكبين وحكي عنه التحريم.
"وإن سقط ممن دابته أو وجد ميتا ولا أثر به أو حمل" بعد جرحه "فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه" وفيه أمور.
أحدها: أنه إذا سقط في المعركة من دابة أو شاهق أو تردى في بئر فمات فيها أنه يغسل ويصلى عليه لأن موته بسبب ذلك أشبه ما لو مات بغير قتل المشركين وشرطه أن يكون بغير فعل العدو فأما إذا كان بفعلهم فلا.
الثاني: إذا وجد ميتا ولا أثر فكذلك لأن الأصل وجوب الغسل والصلاة فلا يسقط بالاحتمال وعنه لا لأنه مات بسبب من أسباب القتال وظاهره أنه إذا به أثر فإنه لا يغسل زاد أبو المعالي لا دم من أنفه أو دبره أو ذكره لأنه معتاد قال القاضي وغير اعتبرنا الأثر هنا احتياطا للغسل ولم نعتبره في القسامة احتياطا لوجوب الدم فإن مات حتف أنفه غسل كمن رد عليه سهمه فقتله نص عليه ونصر المؤلف أنه كقتل الكفار لأن عامر بن الأكوع بارز رجلا يوم خبير فعاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم وهذا هو الظاهر.
الثالث: أنه إذا حمل بعد جرحه فأكل أنه يغسل لتغسيله عليه السلام سعد بن معاذ ولأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وظاهره إذا شرب أو تكلم أنه لا يغسل ولا يصلى عليه صححه المؤلف وابن تميم لأنه عليه السلام لم يغسل سعد بن الربيع وأصرم بن عبد الأشهل وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب ولكن قدم السامري وابن تميم والمجد يروي أن من شرب أو نام أو بال كمن أكل زاد جماعة أو عطس.

(2/215)


ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد؟ على روايتين.
--------------------------------
الرابع: أنه إذا طال بقاؤه عرفا لا وقت صلاة أو يوما وليلة وهو يعقل لأنها تقتضي حياة مستقرة وظاهر الخرقي أنه لها يشترط لغسله والصلاة عليه طول الفصل: بل لو مات عقب الحمل وفيه رمق فإنه يغسل ويصلى عليه وأورده المجد مذهبا ونقل جماعة إنما يترك غسل من قتل في المعركة.
"ومن قتل مظلوما فهل يلحق على الروايتين" إحداهما يلحق به قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع فعليها لا يغسل ولا يصلى عليه كشهيد المعركة والثانية لا لأن عمر وعثمان وعليا والحسين قتلوا ظلما وغسلوا وصلي عليهم ولأنه ليس بشهيد المعركة أشبه المبطون وعلى الأولى من بغي عليه لا يغسل وفي الصلاة عليه وجهان والمذهب أن كل شهيد غسل صلي عليه وجوبا ومن لا يغسل لا يصلى عليه.
تذنيب: يغسل الباغي ويصلى عليه اختاره الخرقي والقاضي وفيه وجه يلحق بشهيد أهل العدل للمشقة لأنه لم ينقل غسل أهل الجمل وصفين من الجانبين وقال ابن تميم من قتله المسلمون أو الكفار خطأ غسل رواية واحدة وكذا النفساء تغسل ويصلى عليها كالشهيد بغير قتل كحريق وغرق وهدم وهم بضعة عشر
ومن أغربها ما رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف والدارقطني وصححه عن ابن عباس مرفوعا "موت الغريب شهادة" وأغرب منه ما ذكره أبو المعالي وابن المنجا وبعض الشافعية أن العاشق منها وأشاروا إلى الخبر المرفوع "من عشق وعف وكتم فمات مات شهيدا" وهذا الخبر مذكور في ترجمة سويد بن سعيد فيما أنكر عليه قاله ابن عدي والبيهقي.
مسألة: قاطع الطريق يقتل أولا ويغسل ويصلى عليه ثم يصلب وقيل يؤخران عن الصلب قاله في التلخيص.

(2/216)


وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه.
-------------------------------
"وإذا ولد السقط لأكثر ممن أربعة أشهر غسل وصلي عليه" ذكره معظم الأصحاب نص عليه في رواية حرب وصالح لقوله عليه السلام "والسقط يصلي عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" رواه أحمد وأبو داود ورواه النسائي والترمذي وصححه ولفظهما والطفل يصلى عليه واحتج به أحمد ولأنه نسمة نفخ فيها الروح فظاهره أنه يغسل ويصلى عليه وإن لم يستهل وأنه قبل استكمالها لا يغسل ولا يصلى عليه لأنه لم ينفخ فيه الروح وقدم في التلخيص وابن تميم أنه يغسل ويصلى عليه إذا بان فيه خلق الإنسان وإن لم يستكملها.
فائد: تستحب تسميته نص عليه اختاره الخلال ونقل جماعة بعد أربعة أشهر لأنه لا يبعث قبلها واختار في المعتمد أنه يبعث وهو ظاهر كلام أحمد قال الشيخ تقي الدين وكثير من الفقهاء فإن جهل أذكر أم أنثى سمي بصالح لهما كطلحة وإن كان من كافرين فإن حكم بإسلامه فمسلم وإلا فلا ونقل حنبل يصلى على كل مولود يولد على الفطرة.
تتميم: إذا مات بدارنا مجهول الإسلام غسل وصلي عليه ودفن في مقابرنا ولو كان أقلف على المشهور وإن وجد بدار حرب وعليه علامة المسلمين غسل وصلي عليه ونقل ابن المنذر الإجماع إذا وجد الطفل في بلاد المسلمين ميتا يجب غسله ودفنه في مقابرنا وإن مات في سفينة غسل وصلي عليه بعد تكفينه وألقي في البحر سلا كإدخاله القبر مع خوف فساده أو حاجة ويثقل بشيء وذكره في الفصول عن أصحابنا قال ولا موضع لنا الماء فيه بدل عن التراب إلا هنا ومن مات ببئر أخرج منها إذا أمكن بأجرة من ماله ثم من بيت المال فإن لم يمكن إخراجه إلا بمثله طمت وجعلت قبره ومع حاجة الأحياء يخرج وقيل لا مع مثله.

(2/217)


ومن تعذر غسله يمم وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنا.
----------------------------------------
"ومن تغدر غسله" لعدم الماء أو عذر غيره كالحرق والجذام والتبضيع "يمم" لأن غسل الميت طهارة على البدن فقام التيمم عند العجز عنه مقامه كالجنابة وهل يلف من ييممه على يده خرقة سبق وإن تعذر غسل بعضه غسل بعضه ما أمكن وييمم للباقي في أصح الوجهين وعنه يكفن ويصلى عليه بلا غسل ولا تيمم لأن المقصود بالغسل التنظيف وقال ابن أبي موسى المحترق والمجذوم والمبضع يصب الماء عليه صبا ثم يكفن فعلى الأول لو يمم لعدم الماء ثم صلي عليه ثم وجد الماء قبل دفنه غسل وكذا إن وجده فيها فلو وجده بعد دفنه لم ينبش وإن بذله أجنبي لزم الوارث قبوله بخلاف ثمنه فإن عدما صلي عليه بدونهما ودفن فإن وجدا أو أحدهما بعد دفنه لم ينبش ويجوز إن أمن تفسخه وإن وجد الماء قبل دفنه غسل وإن وجد التراب وحده ففي وحده ففي إنشاء التيمم وإعادة الصلاة احتمالان.
"وعلى الغاسل ستر ما رآه إن يكن حسنا" ينبغي أن يكون الغاسل أمينا ليستر ما يطلع عليه وفي الخبر مرفوعا عنه "ليغسل موتاكم المأمونون" رواه ابن ماجه وعن عائشة مرفوعا "من غسل ميتا وأدى فيه الأمانة ولم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه أحمد من رواية جابر الجعفي.
عارفا بالغسل دينا فاضلا وظاهره يلزمه ستر الشر لا إظهار الخير ليترحم عليه وقيل يستحب قال جماعة ولا بد أن يلحظ في الستر اختصاصه بأهل السنة فأما أهل البدع أو معروف بفجور فيسن إظهار شره وستر خيره
ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم قاله الأصحاب وذكر الشيخ تقي الدين أو اتفقت الأمة على الثناء أو الإساءة عليه وهو مراد الأكثر.

(2/218)


فصل: في الكفن
يجب كفن الميت في ماله مقدما على الدين وغيره فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته.
----------------------------------------
فصل: في الكفن
لما فرغ من الكلام على الغسل أتبعه الكفن فقال "يجب كفن الميت" ومؤنة تجهيزه لحق الله وحق الميت "في ماله" لقوله عليه السلام في المحرم "كفنوه في ثوبيه" ولأن حاجة الميت مقدمة في ماله على ورثته بدليل قضاء دينه
"مقدما على الدين وغيره" لأن المفلس يقدم بالكسوة على الدين فكذا الميت ولأنه إذا قدم على الدين فعلى فيره أولى وقيل يقدم دين الرهن وأرش الجناية سواء قلنا الواجب ثوب يستره أو أكثر لأمر الشارع بتحسينه رواه أحمد ومسلم فيجب ملبوس مثله جزم به غير واحد ما لم يوص بدونه وفي الفصول أن ذلك بحسب حاله كنفقته في حياته
وظاهره: أنه لا يجب الحنوط والطيب لعدم وجوبهما في الحياة وقيل بلى لأنه مما جرت العادة به ولا بأس بالمسك فيه نص عليه فإن أراد الورثة أخذ ذلك من السبيل لم يجابوا وإن أراد أحدهم أن ينفرد به لم يلزم بقية الورثة قبوله لكن ليس للبقية نقله وسلبه من كفنه بعد دفنه بخلاف مبادرته إلى دفنه في ملك الميت لانتقاله إليهم لكن يكره لهم ولا يستر بحشيش ويقضى دينه في ظاهر كلامهم.
فرع: الجديد أفضل في المنصوص زاد في الشرح إلا أن يوصى لغيره فيتمثل لقضية أبي بكر وقال ابن عقيل العتيق غير البالي أفضل
"فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته" لأن ذلك يلزمه حال الحياة فكذا بعد الموت بقدر إرثه نص عليه وينفرد به الأب فإن عدم فمن بيت المال إذا كان مسلما فإن لم يكن فعلى المسلمين العالمين بحاله قال في الفنون قال

(2/219)


إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض.
--------------------------------
حنبل بثمنه كالمضطر وذكره غيره قال الشيخ تقي الدين من ظن أن غيره لا يقوم به تعين عليه.
مسألة: إذا جبي له ثمن كفن ففضل منه شيء أو كفنه ورثته صرف في كفن آخر نص عليه فإن لم يكن تصدق به ولا يأخذه ورثته في الأصح
"إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته" نص عليه لأن النفقة والكسوة وجبا بالزوجية والتمكن من الاستمتاع وقد انقطع ذلك بالموت أشبه ما لو بانت في الحياة أشبهت الأجنبية ودليل الانقطاع إباحة أختها وأربع سواها وقيل بلى وحكي رواية وهي قول أكثر العلماء وقال الآمدي إن لم يكن لها تركة فعليه كفنها وقيل يكفن الزوجة الذمية أقاربها فإن عدموا أو كانوا مسلمين فمن بيت المال والأصح لا وأما الرقيق فكفنه على مالكه.
مسائل الأولى: يدفن في مقبرة مسبلة بقول بعض الورثة لأنه لا منة وعكسه الكفن والمؤنة نص عليه.
الثانية: مات إنسان مع جماعة في سفر كفنوه من ماله فإن لم يكن كفنوا ورجعوا فإن أبى الحاكم الإذن أو تعذر إذنه أو أمكن ولم يستأذنوه أو لم ينووا الرجوع فوجهان.
الثالثة: إذا سرق كفنه كفن من تركته ثانيا نص عليه ولو قسمت فإن كانت في قضاء دينه أو وصيته لم يسترجع منها كفن آخر فإن أكله سبع فكفنه تركه.
"ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض" لقول عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وعن ابن عباس مرفوعا "البسوا البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" رواه أحمد والترمذي وصححه وقال العمل عليه عند أكثر العلماء ولأن

(2/220)


يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها ثم يوضع عليها مستلقيا ويجعل الحنوط فيما بينها ويجعل منه في قطن يجعل منه بين إليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان تجمع إليتيه ومثانته ويجعل الباقي.
------------------------------
حال الإحرام أكمل أحوال الحي وهو لا يلبس المخيط فكذا بعد موته.
وظاهره: يكره في غير البياض من مزعفر ومعصفر لأمره بالبياض وظاهر الوجيز خلافه أنه يكره بما زاد كالخمسة صرح به في المستوعب والشرح وغيرهما وصحح ابن تميم وقدمه في الفروع أنه لا يكره بل في سبعة أثواب وظاهره أنه لا يعمم وقيل لا يكره
وأما الصغير فيكفن في واحد ويجوز في ثلاثة نص عليه وظاهر الخرقي يستحب أيضا ويكون من قطن وقيل وكتان
"يبسط بعضها فوق بعض" أوسعها وأحسنها أعلاها ثم التي تليها دونها لأن عادة الحي جعل الظاهر أفخر ثيابه
"بعد تجميرها" أي تبخيرها زاد جماعة ثلاثا لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا جهزتم الميت فأجمروه ثلاثا" ولأن هذا عادة الحي
عند غسله وتجديد ثيابه فكذا الميت بعد رشها بماء ورد أو غيره ليعلق.
"ثم يوضع عليها مستلقيا" لأنه أمكن لإدراجه فيها "ويجعل الحنوط" وهو أخلاط من طيب معد للميت خاصة "فيما بينها" لأنه مشروع وظاهره أنه لا يجعل فوق العليا لكراهة عمر وابنه وأبي هريرة ذلك وفي الشرح أنه يجعل فوق الأولى حنوطا فقط وقيل بين الثانية والثالثة طيب وكافور نص عليه وقيل لا يذر على اللفائف شيء كما لا يوضع على الثوب الذي يستر النعش نص عليه.
"ويجعل منه" أي من الحنوط "في قطن يجعل بين أليتيه" برفق ويكثر ذلك ليرد ما يخرج عند تحريكه "ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان" وهو السراويل بلا أكمام "تجمع بين أليتيه ومثانته" بشدة الخرقة "ويجعل الباقي" في

(2/221)


على منافذ وجهه ومواضع سجوده وإن طيب جميع بدنه كان حسنا ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ويرد طرفها الآخر فوقه ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ثم يعقدها وتحل العقد في القبر
---------------------------------------
القطن "على منافذ وجهه" وهي عيناه ومنخراه وأذناه وفمه لأن في جعلها على المنافذ منعا من دخول الهوام ولأنها تمنع سرعة الفساد إذا حدث حدث وظاهره لا يحشى بقطن وفي الغنية إن خاف حشاه بقطن وكافور وفي المستوعب إن خاف لا بأس به نص عليه "ومواضع سجوده" وهي ركبتاه ويداه وجبهته وأطراف قدمه تشريفا لها لكونها مختصة بالسجود ويطيبها مع مغابنه نص عليه
"وإن طيب جميع بدنه كان حسنا" لأن أنسا طلي بدنه بالمسك وطلي ابن عمر ميتا بالمسك وذكر السامري أنه يستحب تطييب جميع بدنه بالصندل والكافور لدفع الهوام والمنصوص يكره داخل عينيه وقاله الأكثر لأنه يفسدها ويكره خلط زعفران وورس بحنوط لأنه ربما ظهر لونه على الكفن لأنه يستعمل غذاء وزينة ولا يعتاد التطييب به ويكره طليه بصبر ليمسكه وبغيره لعدم نقله
"ثم يرد طرف اللفافة العليا" من الجانب الأيمن "على شقه الأيمن ويرد طرفها الآخر" أي من الجانب الأيسر "فوقه" أي فوق الطرف الآخر وهو الأيمن لئلا يسقط عنه الطرف الأيسر إذا وضع على يمينه في القبر وعكس صاحب الفصول والمستوعب والمحرر وقال لأنه عادة لبس الحي من قباء ورداء ونحوهما ويتوجه أنهما سواء
"ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك" أي كالأولى لأنهما في معناهما
"ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه" كالحي لشرفه ولأنه أحق بالستر من رجليه ويعيد الفاضل على وجهه ورجليه بعد جمعة ليصير الكفن كالكيس فلا ينتشر
"ثم يعقدها" إن خاف انتشارها "وتحل العقد في القبر" لأنه عليه السلام لما

(2/222)


ولا يخرق الكفن وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز وتكفن المرأة بخمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين.
----------------------------------------
أدخل نعيم بن مسعود القبر نزع الأخلة بفيه وعن ابن مسعود وسمرة نحوه ولأن الخوف قد زال زاد أبو المعالي وغيره ولو نسي بعد تسوية التراب عليه قريبا لأنه سنة لكن لا يحل الإزار نص عليه.
"ولا يخرق الكفن" لما فيه من إفساده وتقبيح الكفن المأمور بتحسينه وكرهه أحمد وقال بأنهم يتزاورون فيها وجوزه أبو المعالي خوف نبشه قال أبو الوفاء ولو خيف وهو ظاهر كلام غيره
"وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز" لأنه عليه السلام ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات رواه البخاري وعن عمرو بن العاص أن الميت يؤزر ويقمص ويلف بالثالثة وهذا عادة الحي وصرح في الشرح وهو ظاهر الهداية أنه يكره والمنصوص أن يكون القميص بكمين ودخاريص لا بزر لأنه لا يسن للحي زره فوق إزار لعدم الحاجة وقيل عكسه للحي لأنه العادة في العرف فيؤزر بالمئزر ثم يلبس القميص ثم يلف باللفافة وقيل يزره وهو رواية وعنه يستحب ذلك وعبارة الوجيز ويجزئ وفيها شيء.
"وتكفن المرأة في خمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين" استحبابا وجزم به جماعة لما روى أحمد وأبو داود وفيه ضعف عن ليلى الثقفية قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ما أعطانا الحقي ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قال أحمد الحقي الإزار والدرع القميص فعلى هذا تؤزر بالمئزر ثم تلبس القميص ثم تخمر بمقنعة ثم تلف باللفافتين
ونص أحمد أن الخامسة تشد بها فخديها تحت المئزر وصرح به الخرقي وأبو بكر وجزم به في المحرر وظاهره أنها لا تنقب وذكر ابن تميم ابن حمدان لا بأس به وأما الصغيرة فتكفن في قميص ولفافتين لعدم احتياجها إلى خمار في

(2/223)


والواجب من ذلك ثوب يستره جميعه.
-------------------------------------
حياتها فكذا في موتها وكذا بنت تسع ونقل الجماعة كالبالغة وهو ظاهر.
فرع: الخنثى كامرأة.
"والواجب من ذلك ثوب يستره جميعه" لأن العورة المغلظة يجزئ في سترها ثوب واحد فكفن الميت أولى ولا فرق بين الرجل والمرأة وعنه يجب ثلاثة
احتج القاضي وغيره بأنها لو لم تجب لم يجز مع وارث صغير ورده المؤلف بالكفن الحسن وقيل بقدر الثلاثة على غير الدين من الإرث والوصية اختاره المجد وجزم به أبو المعالي قال وإن كفن من بيت المال فثوب وفي الزائد للكمال وجهان ويعتبر أن لا يصف البشرة ويكره رقة تحكي هيأة البدن نص عليه وشعر وصوف وكذا منقوش ذكره ابن تميم ويحرم بجلود ذكره جماعة وكذا تكفينها بحرير لصبي نص عليه وعنه يكره وقيل لا ومثله المذهب ويجوز لعدم تكفينه في ثوب واحد حرير للضرورة لا مطلقا فإن لم يجد إلا بعض ثوب ستر العورة كحال الحياة وذكر السامري وقدمه في الرعاية أنه يستر رأسه لأنه أفضل من باقيه والباقي بحشيش أو ورق
مسائل: الأولى: يحرم دفن حلي وثياب غير الكفن لأنه إضاعة مال وكرهه أبو حفص زاد في الشرح لغير حاجة.
الثانية: إذا أوصى بدون ما يستر بدنه لم يصح كما لو أوصى بتكفينه في ثياب ثمينة لا يليق به قاله في الرعاية وإن وصى في ثوب أو دون ملبوس مثله جاز ذكره جاز ذكره المجد إجماعا وإن وصى بثوب وقلنا يجب أكثر ففي صحة وصيته وجهان.
الثالثة: إذا مات جماعة ولم يوجد سوى ثوب واحد جمع فيه ما أمكن لخبر أنس في قتلى أحد وقال ابن تميم قال شيخنا يقسم بينهم ويستر عورة.

(2/224)


------------------------------------
كل واحد ولا يجمعون فيه.
الرابعة: إذا كان للميت كفن وثم حي يحتاجه لدفع حر أو برد فالأصح له أخذه بثمنه زاد المجد إن خشي التلف وقال ابن عقيل وابن الجوزي يصلى عليه عادم في أحد لفافتيه والأشهر عريانا كلفافة واحدة يقدم الميت بها.

(2/225)


فصل: في الصلاة على الميت
السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة ويقدم إلى الأمام أفضلهم.
------------------------------------
فصل: في الصلاة على الميت
وهو مناسب لما قبله "السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة" لما روى أحمد والترمذي وحسنه وإسناده ثقات عن أنس أنه صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام وسطها فقال العلاء بن زياد هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم قال نعم وعن سمرة بن جندب قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة فقام وسطها متفق عليه ولأنه استر لها وعنه يقوم عند صدر الرجل جزم به الخرقي وصاحب التلخيص والمحرر والوجيز وقدمه في الفروع قال في الشرح وهو قريب من الأول وعنه عند صدرهما لأنها سواء والخنثى بين ذلك
ولم يتعرض المؤلف للمقام من الصبي والصبية وظاهر الوجيز أنهما كما سبق فلو خالف الموضع صحت ولم يصب السنة ويسن لها الجماعة ولم يصلوها على النبي صلى الله عليه وسلم بإمام إجماعا احتراما له وتعظيماويسقط الفرض برجل أو امرأة كغسله وفي سقوطه بفعل خنثيين وجهان
"ويقدم إلى الأمام" إذا اجتمعت جنائزهم "أفضلهم" لأن الفضيلة يستحق بها التقدير في الإمامة فكذا هنا يؤيده أنه كان عليه السلام يقدم في القبر من كان أكثر قرآنا وقيل الأدين وقيل الأكبر نص عليه ذكره في الشرح وقال

(2/225)


ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل وقال القاضي يسوي بين رءوسهم.
-----------------------------------
القاضي يقدم السابق وإن كان صبيا إلا المرأة وجزم به أبو المعالي كما لا يؤخر المفضول في صف المكتوبة في الصف الأول وقرب الإمام.
فإن تساووا قدم الإمام من شاء فإن تشاحوا أقرع بينهم وذكر ابن تميم أنه مع التشاح فهل يقدم من أحق بها أو من ميته سبق الحضور أو الموت فيه أوجه ويحتمل من سبق ميته التطهير فيستحب تقديم الحر ثم العبد المكلف ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة نقلة الجماعة كالمكتوبة وعنه يقدم الصبي على العبد وعنه عبد على حر دونه وعنه المرأة على الصبي كما قدمها الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اختاره الخرقي وأبو الوفاء ونصره القاضي ولحاجتها إلى الشفاعة ويقدم الأفضل أمامها في المسير ذكره ابن عقيل ويقدم في أولياء مولى أولادهم بالإمامة ثم قرعة ولولي كل ميت أن ينفرد بالصلاة عليه.
مسألة: جمع الموتى في الصلاة أفضل نص عليه كما لو تغير أو شق وقيل عكسه قال في الفروع ويتوجه احتمال بالتسوية
"ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل" اختاره أبو الخطاب وقدمه السامري وابن حمدان ليقف في كل واحد منهما موقفه وعلى المذهب يجعل وسطها حذاء صدر الرجل وخنثى بينهما
"وقال القاضي يسوي بين رؤوسهم" قدمه في المحرر والكافي والفروع وجزم به في الوجيز لأن أم كلثوم وابنها زيد توفيا جميعا فصل:ى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما رواه سعيد ورواه أبو حفص عن عمر ولأن المرأة تابع لا حكم لها وعليه يقوم مقامه في الرجل اختاره جماعة ونقل الميموني في رجال أو نساء يجعلون درجا رأس هذا عند رجل هذا وإن هذا والتسوية سواء قال الخلال وعلى هذا يثبت قوله.

(2/226)


ويكبر أربع تكبيرات يقرأ في الأولى الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية.
-------------------------------------
فصل: يستحب تسوية صفوف الجنازة وأن لا ينقصهم عن ثلاثة صفوف لخبر مالك بن هبيرة مرفوعا "ما من ميت يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا غفر له" وسبق حكم الفذ
ويستحب لمن صلى أن لا يبرح من مكانه حتى ترفع روي عن ابن عمر ومجاهد.
"ويكبر أربع تكبيرات" لتكبير النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي أربعا متفق عليه واشتهرت الروايات به
"يقرأ في الأولى الفاتحة" لما روى ابن ماجه بإسناده فيه شهر بن حوشب عن أم شريك الأنصارية قالت أمرنا رسول الله أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالفاتحة بعد التكبيرة الأولى وكالمكتوبة وظاهره أنه لا يستفتح وهو المشهور لأن مبناها على التخفيف وعنه بلى اختاره الخلال وجزم به في التبصرة ثم يتعوذ للآية وعنه لا ويضع يمينه على شماله وكان أحمد يفعله ونقل الفضل أنه أرسلهما ويبتدئ الحمد بالبسملة كسائر الصلوات قاله في الشرح وظاهره الاكتفاء بها قال في الفصول بغير خلاف في مذهبنا وجزم في التبصرة بقراءة سورة معها قال أحمد يقرأ الفاتحة سرا ولو ليلا لا يقال ابن عباس جهر بها وقال سنة وحق لأجل تعليمهم.
"ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية" سرا لما روى الشافعي أنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبير الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للميت ثم يسلم ويكون كما في التشهد نص عليه.

(2/227)


ويدعو في الثالثة فيقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته فتوفه عليهما اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وزوجا خير من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار وافسح له في.
------------------------------------------
واستحب القاضي بعدها صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين وأهل طاعتك أجمعين وفي الكافي لا يتعين صلاة لأن القصد مطلق الصلاة
"ويدعو" لنفسه ولوالديه والميت والمسلمين "في الثالثة" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا صليتم على الميت فأخلصوا الدعاء" رواه أبو داود وابن ماجه وفيه ابن إسحاق ولا توقيت فيه نص عليه ويستحب أن يدعوا "فيقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته منا فتوفه عليهما" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة زاد ابن ماجه "اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده" وفيه ابن إسحاق قال الحاكم حديث أبي هريرة صحيح على شرط الشيخين لكن زاد فيه المؤلف وأنت على كل شيء قدير ولفظ السنة.
"اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وزوجا خير من زوجه وأدخله الجنة وأغذه من عذاب القبر وعذاب النار" رواه مسلم من حديث عوف بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على جنازة حتى تمنى أن يكون ذلك الميت وفيه "وأبدله أهلا خيرا من أهله" وزاد المؤلف لفظ من الذنوب "وافسح له في

(2/228)


قبره ونور له فيه وإن كان صبيا قال اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم ويقف بعد الرابعة قليلا
----------------------------------
قبره ونوره له فيه" لأنه لائق بالمحل فإن كان الميت امرأة أنث الضمير وإن كان خنثى قال هذا الميت ونحوه.
تذنيب: نزله بضم الزاي وقد يسكن ومدخله بفتح الميم موضع الدخول وبضمها الإدخال والزوج بغير هاء للمذكر والمؤنث وقد يقال لامرأة الرجل زوجه حكاها الخليل والجوهري وذكر جماعة أنه يستحب أن يقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم إنا جئنا شفعاء له فشفعنا فيه ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله إنك غفور رحيم وإن لم يعلم شرا من الميت قال اللهم لا نعلم إلا خيرا للخبر ولا بأس بالإشارة بالإصبع حال الدعاء للميت نص عليه
و"إن كان صبيا" وعبارة المحرر والفروع صغيرا وهو أولى "قال اللهم اجعله ذخرا لولديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم" لقوله عليه السلام "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" رواه أبو داود وما ذكره من الدعاء لائق بحاله مناسب لما مر فيه فشرع كالاستغفار للبالغ زاد جماعة سؤال المغفرة له والأشهر عدمه لأنه لا ذنب له وإنما يدعو لوالديه هذا هو السنة.
فرع: إذا لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه وفي الفروع ومرادهم فيمن بلغ مجنونا ومات أنه كصغير.
"ويقف بعد الرابعة قليلا" لما روى الجرجاني عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم

(2/229)


ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
--------------------------------
كان يكبر أربعا ثم يقف ما شاء الله فكنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف ظاهره أنه لا يشرع بعدها دعاء نص عليه واختاره الخرقي وابن عقيل وغيرهم ولم يذكر بعضهم الوقوف ونقل جماعة يدعوا فيها كالثالثة اختاره أبو بكر والآجري والمجد في شرح الهداية لأن ابن أبي أوفى فعله وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله قال أحمد هو أصلح ماروي وقال لا أعلم شيئا يخالفه ولأنه قيام في جنازة أشبه الذي قبله فيقول {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: من الآية201] واختاره جمع وحكاه ابن الزاغواني عن الأكثر وصح أن أنسا كان لا يدعوا بدعاء إلا ختمه بهذا واختار أبو بكر اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله لأنه لائق بالمحل وفي الوسيلة رواية أيهما شاء وقد نص في رواية جماعة أنه يدعوا للميت بعد الرابعة وللمسلمين بعد الثالثة وهي اختيار الخلال وظاهره أنه لا يتشهد ولا يسبح مطلقا نص عليه واختار حرب يقول السلام عليك أيها النبي إلى قوله وأن محمدا عبده ورسوله وهو قول عطاء.
"ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه" نص عليه وقال عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "وتحليلها التسليم" روى عطاء بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة رواه الجوزجاني وقال ابن المبارك من سلم عليها تسليمتين فهو جاهل ولأن التسليمة عن يمينه أكثر ما روى فيه وهو أشبه وإن سلم تلقاء وجهه جاز نص عليه وتجوز ثانية واستحبها القاضي وذكره الحلواني رواية وقد روى الحاكم عن ابن أبي أوفى تسليمتين وظاهر كلامهم يجهر بها الإمام وقيل ويتابع إماما في الثانية كالقنوات
"ويرفع يديه مع كل تكبيرة" روي عن ابن عمر رواه الشافعي وعن ابن عباس رواه سعيد وعمر عن زيد بن ثابت رواه الأثرم ولأنه لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن فيها الرفع لتكبيرة الإحرام وحكى في الشرح

(2/230)


والواجب من ذلك القيام والتكبيرات والفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأدنى دعاء للميت والسلام.
-------------------------------
الإجماع على أنه يرفع في الأولى وصفة الرفع وانتهاؤه كما سبق.
"والواجب من ذلك القيام والتكبيرات" الأربع لما روى ابن عباس وأبو هريرة وجابر أنه عليه السلام كبر أربعا متفق عليه فلو نقص تكبيرة عمدا بطلت وسهوا يكره ما لم يطل الفصل: وقيل يعيدها لفعل أنس المنصوص أنه لا يستأنفها إلا إذا أطال أو وجد مناف من كلام أو نحوه "والفاتحة" ولم يوجب الشيخ تقي الدين قراءة بل استحبها وهو ظاهر نقل أبي طالب "والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" لقوله "لا صلاة لمن لا يصلي على نبيه" وقال ابن تميم وإن قلنا لا تجب في الصلاة لم تجب هنا "وأدنى دعاء للميت" لأنه هو المقصود فلا يجوز الإخلال به "والسلام" لأنه عليه السلام كان يسلم على الجنائز وقال "صلوا كما رأيتموني أصلي" والمراد به واحدة وعنه ثنتان وظاهر ما ذكره في المستوعب والكافي وهنا أنه يتعين القراءة في الأولى والصلاة في الثانية والدعاء في الثالثة وقدم في الفروع خلافه.
ويشترط لها النية فينوي الصلاة على الميت ولا يضر جهله بالذكر وغيره فإن جهله نوى من يصلي عليه الإمام وإن نوى أحد الموتى اعتبر تعيينه فإن نوى على رجل فبان امرأة أو عكسه فقال أبو المعالي يجزئه لقوة التعيين على الصفة.
والقيام في فرضها لأنها فرض كفاية فيجب فيها القيام كالمكتوبة فلا تصح من قاعد ولا على راحلة بلا عذر وظاهره ولو تكررت إن قيل الثانية فرض والمؤلف ترك ذكرهما لظهورهما وإسلام الميت والطهارة من حدث ونجس والاستقبال والسترة كمكتوبة فإن تعذر تطهير الميت صلي عليه وحضور الميت بين يدي المصلي ولا تصح على جنازة محمولة ذكره جماعة في المسبوق لأنها كإمام ولهذا لا صلاة بدون الميت وقال المجد وغيره قربها من الإمام مفصولة كقرب المأموم من الإمام لأنه يسن الدنو

(2/231)


وإن كبر الإمام خمسا كبر بتكبيره وعنه لا يتابع في زيادة على أربع وعنه يتابع إلى سبع.
----------------------------------------
منها ولو صلى وهي من وراء جدار لم يصح.
"وإن كبر الإمام خمسا كبر بتكبيره" نقله الأثرم واختاره الخرقي وقدمه في التلخيص وذكر في الشرح أنه ظاهر المذهب لما روى مسلم عن زيد بن أرقم أنه كبر على الجنازة خمسا وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها وعن حذيفة نحوه رواه أحمد.
"وعنه لا يتابع في زيادة على أربع" نقلها حرب واختارها ابن عقيل وجزم به في الوجيز وهو المذهب قاله أبو المعالي لأنه زاد على القدر المشروع فلم يتبعه كالقنوت في الأولى وكما لو زاد على عدد الركعات وكما لو علم أو ظن بدعة وأجاب الثوري عما سبق بالنسخ بالإجماع وفيه نظر.
"وعنه يتابع إلى سبع" نقله الجماعة واختارها أكثر الأصحاب وقدمها في المحرر والفروع لأنه عليه السلام كبر على حمزة سبعا رواه ابن شاهين وعن الحكم بن عتيبة قال كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا رواه سعيد ولأن المأموم يتابع إمامه في تكيبرات العيد فكذا هنا وظاهره أنه لا يتابعه فيما زاد عليها قال أحمد هو أكثر ما جاء فيه ولا تبطل مجاوزة سبع نص عليه وينبغي أن يسبح بعدها لا قبلها قاله أحمد وذكر ابن حامد وجها تبطل مجاوزة أربع عمدا وبكل تكبيرة لا يتابع فيها وفي الخلاف قول أحمد في رسالة مسدد خالفني الشافعي في هذا فقال إذا زاد على أربع تعاد الصلاة واحتج بحديث النجاشي قال أحمد والحجة له ويمكن الجمع بينهما فإن المداومة على أربع تدل على الفضيلة وغيرها يدل على الجواز فتعين المتابعة وإذا لم يتابع في الزيادة فلا يجوز للمأموم السلام قبله نص عليه لأنها زيادة مختلف فيها وذكر أبو المعالي وجها ينوي مفارقته ويسلم كما لو قام إلى خامسة وعجب أحمد من ذلك مع ما ورد قال ابن مسعود كبر ما

(2/232)


وإن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته وقال الخرقي يكفيه متتابعا فإن سلم ولم يقضه فعلى روايتين.
------------------------------------------
كبر إمامك.
تنبيه: المنفرد كإمام في زيادة ولو كبر فجيء بثانية أو أكثر وكبر الإمام ونواهما جاز نص عليه إذا بقي من تكبيره أربع فيقرأ في الخامسة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في السادسة ويدعو في السابعة ولو جيء بخامسة لم يكبر عليها الخامسة لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع أو نقصان الخامسة من أربع وكلاهما ممنوع فإن أراد أهل الجنازة الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز لأن الصلاة لا تتم إلا به
ويستحب للمسبوق إذا حضر بين تكبيرتين أن يحرم ويدخل معه كالصلاة وعنه وينتظر تكبيره لأن كل تكبيرة كركعة فلا يشتغل بقضائها ورده المؤلف بأن هذا ليس اشتغالا بقضاء ما فاته وإنما يصلي معه ما أدركه وخيره في الفصول كسائر الصلوات وإن أدركه بعد الرابعة فمسألتها إن شرع بعد ذكر كبر وتبعه.
"وإن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته" قدمه جماعة لأن القضاء محل الأداء كسائر الصلوات والمقضي أول صلاته يأتي فيه بحسب ذلك وفيه وجه آخر هنا فيأتي بالقراءة فيما أدركه مع الإمام وهذا ظاهر التلخيص لكن إذا خشي رفعها تابع رفعت أم لا نص عليه.
"وقال الخرقي يقضيه متتابعا" هذا رواية عن أحمد وقدمه في المحرر وحكاه أحمد عن إبراهيم لقول ابن عمر لا يقضي فإن كبر سابعا فلا بأس ولم يعرف له مخالف في الصحابة وقال القاضي وأبو الخطاب وهو الأصح إن رفعت قبل إتمام التكبير قضاه متتابعا لعدم من يدعى له وإن لم يرفع قضاه على صفته
"فإن سلم" مع الإمام "ولم يقضه فعلى روايتين" إحداهما يصح ,

(2/233)


ومن فاتته صلاة على الجنازة صلى على القبر إلى شهر.
-----------------------------------
اختارها الأكثر لقوله عليه السلام لعائشة "ما فاتك فلا قضاء عليك" ولأنها تكبيرات حال القيام فلم يجب قضاؤها كتكبيرات العيد والثانية لا تصح اختاره أبو بكر والآجري وابن عقيل وحكاه عن شيخه لقوله "وما فاتكم فاقضوا" .
أصل: إذا صلى لم يصل ثانيا كما لا يستحب له رد السلام ثانيا ذكره جماعة ونص أحمد أنه يكره وقيل يحرم ذكره في المنتخب نصا كالغسل ونحوه وقيل يصلي اختاره في الفنون والشيخ تقي الدين لأنه دعاء واختار ابن حامد والمجد يصلي تبعا وإلا فلا إجماعا كبقية الصلوات ومن لم يصل جاز أن يصلي بل يستحب كصلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم كما لو صلى عليه بلا إذن وال حاضر أو ولي بعده حاضر وإنما تعاد تبعا ومتى رفعت بعد الصلاة لم توضع لأحد ويبادر إلى دفنها وقال القاضي إلا أن يرجى مجيء الولي فيؤخر إلا أن يخاف تغيره.
"ومن فاته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إلى شهر" نص عليه واختاره الأكثر لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وعن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر رواه الترمذي ورواته ثقات.
قال أحمد أكثر ما سمعت هذا ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه فيقيده به قيل من دفنه جزم به في الوجيز وقيل من موته ويحرم بعده نص عليه قال في الخلاف أجاب أبو بكر فيما سأله أبو إسحاق عن قول الراوي بعد شهر يريد شهرا {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} أراد الحين لكن ذكر المؤلف وابن تميم أنه لا يضر زيادة يسيرة لما روى الدارقطني عن ابن عباس مرفوعا "أنه صلى على قبر بعد شهر" قال القاضي كاليومين وقيل إلى سنة وقيل ما لم يبل فإن شك في بقائه فوجهان وقيل يصلى

(2/234)


ويصلى على الغائب بالنية فإن كان في أحد جانبي البلد لم يصل عليه بالنية في أصح الروايتين
------------------------------
عليه أبدا ولو لم يكن من أهل فرضها يوم موته وإنما يجد على قبره عليه السلام لئلا يتخذ مسجدا
ومن شك في المدة صلى حتى يعلم فراغها وحكم الغريق كذلك وأما إذا لم يدفن فإنه يصلى عليه وإن مضى أكثر من شهر وقيده ابن شهاب وقدمه في الرعاية بالشهر.
"ويصلى على الغائب بالنية" كالصلاة على قبر في أصح الروايتين وظاهره لا فرق بين الإمام وغيره ولا من مسافة القصر وغيرها في جهة القبلة أو غيرها.
والثانية: لا يجوز لأن حضور الجنازة شرط كما لو كانا في بلد واحد وقيل إن كان صلي عليه واختاره الشيخ تقي الدين والأول المذهب لأنه عليه السلام صلى على النجاشي فصف وكبر عليه أربعا متفق عليه.
لا يقال: لم يكن بأرض الحبشة من يصلي عليه لأنه ليس من مذهبكم فإنكم تمنعون الصلاة على الغريق والأسير وإن لم يكن صلي عليه مع أنه يبعد ما ذكرتم فإن النجاشي ملك الحبشة وقد أظهر الإسلام فيبعد أنه لم يوافقه أحد يصلي عليه ومدته كمدة صلاة على القبر ويعتبر انفصال مكانه عن البلد بما يعد الذهاب إليه نوع سفر وقال القاضي يكفي خمسون خطوة قال الشيخ تقي الدين وأقرب الحدود ما تجب فيه الجمعة لأنه إذن من أهل الصلاة في البلد فلا يعد غائبا عنها ويعتبر أن يكون غير وقت نهي قاله في الرعاية.
"فإن كان في أحد جانبي البلد لم يصل عليه في أصح الروايتين" هذا المذهب لأنه يمكن حضوره أشبه ما لو كانا في جانب واحد والثانية يجوز اختاره ابن حامد كالعيد وللمشقه.
مسائل:
منها: إذا صلى على غائب ثم حضر به استحب أن يصلي عليه ثانيا جزم به

(2/235)


ولا يصلي الإمام على الغال ولا على من قتل نفسه.
------------------------------------
ابن تميم وغيره فيعايا بها.
ومنها: أنه لا يصلى كل يوم على كل غائب لأنه لم ينقل قاله الشيخ تقي الدين.
ومنها: الصلاة على مستحيل بإحراق وأكيل سبع ونحوه وجهان قال في التلخيص الأظهر المنع لاستحالته بخلاف الغريق في اللجة قال في الفصول فأما إن حصل في بطن سبع لم يصل عليه مع مشاهدة السبع.
ومنها: أنه لا يصلى على من في تابوت معغطى وقيل إن أمكن كشفه عادة وقال ابن حامد يصح كالمكبة.
"ولا يصلي الإمام" أي الإمام الأعظم نقله الجماعة واختاره الخلال وجزم به في التبصرة وقيل أو نائبه وإمام قرية وهو واليها في القضاء نقله حرب "على الغال" من الغنيمة نص عليه لأنه عليه السلام امتنع من الصلاة على رجل من المسلمين فقال "صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه القوم فقال "إن صاحبكم غل في سبيل الله" رواه أحمد واحتج به وأبو داود والنسائي بإسناده من حديث زيد بن خالد وهو شامل للقليل والكثير
"ولا على من قتل نفسه" عمدا في الأصح لما روى مسلم عن جابر بن سمرة أن رجلا قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه وفي رواية للنسائي قال النبي صلى الله عليه وسلم "أما أنا فلا أصلي عليه" وهو سهم له نصل عريض ليس بالطويل وقيل يحرم وحكي رواية.
قال ابن عقيل هو في هجر أهل البدع والفساق فيجيء الخلاف فلا يصلي أهل الفضل على الفساق لأن في امتناع الإمام ردعا وزجرا وظاهره أنه يصلي عليها غير الإمام قاله السامري وغيره لقوله عليه السلام "صلوا على من قال لا إله إلا الله" رواه الخلال على كل عاص نص عليه وقال ما نعلم أنه عليه السلام ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه ويلحق بهما

(2/236)


وإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه ، وعنه لا يصلى على الجوارح ، وإن اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه صلى على الجميع ،
---------------------------------
صاحب بدعة مكفرة وعنه ولا يصلي على أهل الكبائر جزم به في الترغيب واختاره المجد في كل من مات عن معصية ظاهرة بلا توبة وهو متجه وعنه ولا على من قتل في حد ولا على مدين وعنه يصلي على كل أحد اختاره ابن عقيل كما يصلي غيره حتى على باغ ومحارب.
"وإن وجد بعض الميت" تحقيقا ذكره ابن عقيل "غسل وصلي عليه" على المذهب لأن أبا أيوب صلى على رجل قاله أحمد وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس بعد تغسيلها وتكفينها رواهما عبد الله بن أحمد وقال الشافعي ألقى طائر يدا بمكة في وقعة الجمل عرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصل:ى عليها أهل مكة والمراد بالبعض غير شعر وظفر رواية واحدة لأنه لا حياة فيه وكذا سن قاله في الفروع فعلى ما ذكره يلف في شيء بعد تطهيره ويصلى عليه وجوبا إن لم يكن صلي عليه وقيل مطلقا كغسله وتكفينه ودفنه في الأصح فقيل ينوي الجملة إذا صلى ثم وجد الأكثر ففي الوجوب احتمالان وإن تكرر الوجوب جعلا للأكثر كالكل
"وعنه لا يصلى على الجوارح" التي يكتسب بها كما لو بان في حي وجوابه بأنه من جملة من لا يصلى عليه ولئلا تتكرر الصلاة فمتى وجد الأكثر صلى عليه وهل ينبش ليدفن معه أم بجنبه فيه وجهان.
فرع: إذا بان من حي كيد سارق انفصل: في وقت لو وجدت فيه الجملة لم يغسل ولم يصل عليها وقيل يصلى عليها إن احتمل موته.
"وإن اختلط من يصلى عليه" كمسلم "ومن لا يصلى عليه" ككافر "صلى على الجميع" لأن الصلاة على المسلم واجبة ولا يمكنه الخروج عن العهدة إلا بذلك وفهم منه أنه يغسل الجميع ويكفنون سواء كان من يصلى عليه

(2/237)


ينوي من يصلى عليه ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد وإن لم يحضره غير النساء صلين عليه.
----------------------------------
أكثر أم لا وسواء في ذلك دار الحرب وغيرها وعنه إذا اشتبهوا في دار الحرب فلا
"ينوي من يصلي عليه" أي ينوي الصلاة على المسلم في ذلك لأن الصلاة على الكافر لا تجوز فلم يكن بد من ذلك ثم إن أمكن عزلهم وإلا دفنوا مع المسلمين قاله أحمد.
مسألة: يصلي على المسلمة الحاملة دون حملها قبل مضي تصويره وعليهما معا بعده ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه منهم ذكره جماعة.
"ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد" قال الآجري السنة أن يصلى عليها فيه لقول عائشة صلى النبي صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء في المسجد رواه مسلم وصلي على أبي بكر وعمر فيه رواه سعيد ولأنها صلاة فلم تكره فيه كسائر الصلوات وقيل هو أفضل وقيل عكسه وخيره أحمد واقتصر عليه في الوجيز وإن لم يؤمن تلويثه لم يجز ذكره أبو المعالي وذهب قوم إلى الكراهة لما روى أحمد ثنا وكيع ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" ولأنه يحتمل انفجاره فيه وجوابه بأن صالحا فيه ضعف وبأن احتمال انفجاره نادر ثم هو عادة بعلامة فمتى ظهرت كره إدخاله المسجد.
"وإن لم يحضره غير النساء صلين عليه" لأن عائشة أمرت أن يؤتى بأم سعد وكسائر الصلوات وظاهره أنهن يصلين عليه مع عدم الرجال وجوبا ضرورة الخروج عن عهدة الفرض ويسقط بهن وفي كلام القاضي ما يشعر بخلافه وتسن لهن جماعة نص عليه وتقف إمامتهن وسطا كمكتوبة ويقدم منهن من يقدم من الرجال حتى قاضية ووالية وكره ابن عقيل لسرعان

(2/238)


---------------------------------
الاجتهاد وقيل فرادى أفضل واختاره القاضي كصلاتهن بعد رجال في وجه.
فائد: يحصل له بالصلاة عليها قيراط وهو أمر معلوم عند الله تعالى وذكر ابن عقيل أنه قيراط بنسبته من أجر صاحب المصيبة وله بتمام دفنها آخر وذكر أبو المعالي وجها أن الثاني بوضعه في قبره وقيل إذا ستر باللبن وهل يعتبر للثاني أن لا يفارقها من الصلاة حتى تدفن أم يكفي حضور دفنها فيه وجهان ولا تحمل الجنازة إلى مكانه ومحله ليصلى عليها فهي كالإمام يقصد ولا يقصد ذكره ابن عقيل.

(2/239)


فصل: في حمل الميت
يستحب التربيع في حمله وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على الكتف الأيمن ثم ينتقل إلى المؤخرة.
---------------------------------
فصل: في حمل الميت
وهو فرض كفاية ولا يختص كون فاعله من أهل القربة فيسقط بكافر وغيره وكذا تلقينه ودفنه وفاقا لعدم اعتبار النية
"يستحب" أن يحمله أربعة لأنه يسن "التربيع في حمله" لما روى سعيد وابن ماجه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال من أتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع إسناده ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه لكن كرهه الآجري وغيره إذا ازدحموا عليها
"وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه الأيمن ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم يضع قائمة اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة" هذا صفة التربيع ونقله الجماعة وهو المذهب لأنه أحد الجانبين فبدئ فيه بالمقدمة وعنه ينتقل من رجل السرير اليمنى إلى رجله اليسرى ثم يختم

(2/239)


ثم يضع قائمة اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة وإن حمل بين العمودين فحسن ويستحب الإسراع بها ويكون المشاة أمامها
------------------------------------
برأسه رواه البخاري عن ابن عمر ولأنه أخف
"وإن حمل" كل واحد على عاتقه "بين العمودين فحسن" نص عليه في رواية ابن منصور لأنه عليه السلام حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين وروي عن سعد وابن عمر وأبي هريرة أنهم فعلوا ذلك وعنه يكره حكاها ابن الزاغواني والأصح عدمها وليس بأفضل من التربيع وعنه هما سواء والأولى الجمع بينهما فإن عجز عن حملها على ما ذكر حملت بالتابوت والرجال
وإن كان الميت طفلا فلا بأس بحمله على الأيدي صرح به جماعة ويستحب أن يكون على نعش كما قدمنا وإن كانت امرأة استحب ستر نعشها بمكبة لأنه أستر لها وروي أن فاطمة صنع لها ذلك بأمرها وما نقله بعضهم أنه أول من اتخذ ذلك له زينب أم المؤمنين فيه نظر فإن وفاتها كانت سنة عشرين قال في التلخيص ويجعل فوق المكبة ثوب وكذا إن كان به حدب ونحوه لأنه يشهر بالمثلة.
ولا بأس بحمله على دابة لغرض صحيح كبعد قبره وعنه يكره وظاهر كلامهم لا يحرم حملها على هيأة مزرية أو هيأة يخاف معها سقوطها.
"ويستحب الإسراع بها" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" متفق عليه ويكون دون الخبب نص عليه زاد في المذهب وفوق السعي وفي الكافي لا يفرط في الإسراع فيمخضها ويؤذي متبعها وقال القاضي يستحب أن لا يخرج عن المشي المعتاد ولكن يراعي الحاجة نص عليه فإن خيف عليه التغير أسرع.
"ويكون المشاة أمامها" نص عليه وهو قول أكثرهم قال ابن المنذر ثبت

(2/240)


والركبان خلفها ولا يجلس من تبعها حتى توضع وإن جاءت وهو.
---------------------------------------
أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة ورواه أحمد عن ابن عمر ولأنهم شفعاء والشفيع يتقدم المشفوع له واختار ابن حمدان حيث شاء وفي الكافي حيث مشى قريبا منها فحسن وقال الأوزاعي أفضل لأنها متبوعة.
"والركبان خلفها" لما روى المغيرة بن شعبة مرفوعا "الراكب خلف الجنازة" رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولأن سيره أمامها يؤذي متبعها وقال المجد يكره أمامها وفي راكب سفينة وجهان بناء على أن حكمه كراكب أو كماش وإن عليهما ينبني دورانه في الصلاة ويكره للمرأة اتباعها وحرمه الآجري في الشابة قال أبو المعالي يمنعن من اتباعها وهو قول الجمهور وأباحه قوم لقرابة وقال أبو حفص هو بدعة ويجب طردهن فإن رجعن وإلا رجع الرجال بعد أن يحثوا في وجوههن التراب.
وكذا يكره لمتبعها الضحك والتبسم والتحدث بأمر الدنيا وأن توضع عليها الأيدي وأن يقال حال المشي معها اللهم سلم رحمه الله واستغفروا له نص عليه ويسن أن يسكتوا أو يذكروا الله قال بعضهم خفية.
فرع: يكره الركوب لمن تبعها إلا لحاجة وكعوده وتقدمها إلى موضع الصلاة لا إلى المقبرة.
تنبيه: إذا كان معها منكر وقدر على إزالتها تبعها وأزاله فإن عجز عنه لم يجز أن يتبعها وعنه بل وينكره بحسبه ومن كان حضوره يزيل المنكر لزمه على الروايتين كحصول المقصود فيعايا بها.
"ولا يجلس من تبعها حتى توضع" لقوله عليه السلام "من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع" متفق عليه من حديث أبي سعيد والمراد بها وضعها على الأرض للدفن نقله الجماعة وعنه للصلاة وعنه في اللحد لاختلاف الخبر وعنه لا يكره الجلوس قبل وضعها كمن بعد "وإن جاءت وهو

(2/241)


جالس لم يقم لها ويدخل قبره من عند رجل القبر إن كان أسهل عليهم.
----------------------------------------
جالس لم يقم لها" لقوله علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم وقال علي كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقيام ثم جلس وأمرنا بالجلوس رواه أحمد وغيره وإسناده ثقات وكذا إذا مرت به وعنه القيام وتركه سواء وعنه يستحب القيام اختاره ابن عقيل والشيخ تقي الدين لأمره بذلك وعنه حتى تغيب أو توضع فيقوم قبل وصولها إليه حين رؤيتها للخبر وظاهره لو كانت جنازة كافر لفعله عليه السلام متفق عليه والأصح الكراهة إذ دليله ناسخ لما ذكرناه.
"ويدخل قبره من عند رجل القبر" أي من شرقه ثم يسله سلا لأنه عليه السلام سل من قبل رأسه سلا وعبد الله بن يزيد أدخل الحارث قبره من قبل رجل القبروقال هذا من السنة رواه أحمد ولأنه ليس بموضع موجه بل دخول الرأس أولى كعادة الحي لكونه يجمع الأعضاء الشريفة ولهذا يقف عند رأسه في الصلاة ويبدأ به في حمله.
"إن كان أسهل عليهم" كذا ذكره جماعة منهم المجد لأن في ضدها ضررا ومشقة وهو منفي شرعا ولم يقبل منه وفي الوجيز والفروع وظاهر كلامه أنه يدخله معترضا من قبلته إذا لم يسهل من عند رجل القبر وخرج به في المحرر وقيل يبدأ بإدخال رجله من عند رأسه ذكره ابن الزاغواني.
وظاهره أنه لا توقيت فيمن يدخله بحسب الحاجة كسائر أموره وقيل الوتر أفضل وأنه لا حد لعمقه نص عليه لقوله "احفروا وأعمقوا وأحسنوا" رواه النسائي قال أحمد يعمق إلى الصدر وقدره أكثر أصحابنا بقامة وبسطة وذكره جماعة نصا والبسطة الباع وجعلهما في الوسيلة أربعة أذرع ونصفا نصا وبالجملة يكفي ما يمنع الرائحة والسباع ولا يجوز جعله على الأرض وموضع فوقه خشبا لا في تراب لأنه ليس بسنة كما لا يجوز ستره إلا بالثياب ذكره ابن عقيل.

(2/242)


ولا يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة ويلحد له لحدا ،.
-----------------------------
تنبيه: الأحق بالتلقين والدفن أحقهم والدفن أحقهم بالغسل وذكر المجد وابن تميم أنه يستحب أن يتولى دفن الميت غاسله فيقدم الوصي ثم الأقرب فالأقرب ثم الرجال الأجانب ثم النساء المحارم ثم الأجنبيات والمرأة محارمها الرجال أولى من الأجانب ومن محارمها النساء بدفنها وهل يقدم الزوج على محارمها الرجال أم لا فيه روايتان فإن عدما فالرجال الأجانب أولى في المشهور وعنه نساء محارمها قدمه المؤلف وذكر أنه أولى وشرطه عدم محذور من تكشفهن بحضرة الرجال أو غيره قال المجد أو اتباعهن الجنازة ويقدم من الرجال خصي ثم شيخ ثم أفضل دينا ومعرفة ومن بعد عهده بجماعة أولى ممن قرب.
فرع: لا يكره للرجال دفن امرأة مع حضور محرم نص عليه قال في الفروع ويتوجه احتمال يحملها من المغتسل إلى النعش ويسلمها إلى من في القبر ويحل عقد الكفن وقاله الشافعي في الأم ومتى كان الأولى بغسله الأولى بدفنه تولاهما بنفسه ثم نائبه إن شاء.
"ولا يسجى القبر إلا أن يكون امرأة" فإنه يسن تغطية قبرها بغير خلاف نعلمه لأنها عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون وظاهر كلام الوجيز ولو كانت صغيرة ويكره ستر قبر الرجل نص عليه لقول علي وتقدم بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء رواه سعيد ولأن كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء فإن كان ثم عذر من مطر ونحوه لم يكره.
"ويلحد له لحدا" لقول سعد الحدوا لي لحدا وانصبوا اللبن علي نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم واللحد إذا بلغ الحافر قرار القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت وهو أفضل من الشق على الأصح وهو أن يحفروا أرض القبر شقا يضع فيه الميت ويسقف عليه شيء فيكره الشق بلا عذر فلو تعذر اللحد لكون التراب ينهار يبنيه بلبن وحجارة إن أمن نص

(2/243)


وينصب اللبن عليه نصبا ولا يدخله خشبا ولا شيئا مسه النار ويقول الذي يدخله القبر بسم الله وعلى ملة رسول الله ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة.
----------------------------------------
عليه ولا يشق إذن قال أحمد لا أحب الشق لما روى ابن عباس مرفوعا "اللحد لنا والشق لغيرنا" رواه أحمد والترمذي وقال غريب.
"وينصب اللبن عليه نصبا" لحديث سعد وإن جعل عليه طن قصب جاز لقول عمرو بن شرحبيل رأيت المهاجرين يستحبون ذلك ولكن اللبن أفضل لأنه من جنس الأرض وأبعد من أبنية الدنيا وعنه القصب اختارها الخلال وصاحبه وابن عقيل لأنه عليه السلام خرج على قبره طن من قصب وفي المحرر هما سواء ويسد الخلل بما يمنع التراب من طين وغيره قال أحمد ويسد الفرجة بحجر فدل على أن البلاط كاللبن وإن كان اللبن أفضل.
"ولا يدخله خشبا" بلا ضرورة "ولا شيئا مسه النار" لقول إبراهيم كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ولأن فيه تشبها بأهل الدنيا وتفاؤلا أن لا تمسه النار ويكره دفنه في تابوت ولو كان الميت امرأة أو في حجر منقوش قال بعضهم أو يجعل فيه حديد ولو كانت الأرض رخوة أو ندية.
"ويقول الذي يدخله القبر بسم الله وعلى ملة رسول الله" لقول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وضع الميت قال ذلك وفي لفظ "وعلى سنة رسول الله" روى ذلك أحمد والترمذي وقال حسن غريب وعنه يقول اللهم بارك في القبر وصاحبه وإن قرأ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} الآية وأتى بذكر أو دعاء لائق عند وضعه وإلحاده فلا بأس لفعله عليه السلام وفعل الصحابة.
"ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة" لأنه عليه السلام هكذا دفن والمذهب عند القاضي وأصحابه والمؤلف وقدمه في الفروع يجب دفنه مستقبل القبلة وعند صاحب الخلاصة والمحرر وظاهر كلامه أنه يستحب كجنبه الأيمن.

(2/244)


ويحثي التراب في القبر ثلاث حثيات ثم يهال عليه التراب ويرفع القبر عن الأرض.
---------------------------------------
وظاهره أنه لا يجعل تحت رأسه شيئا لقول عمر إذا جعلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض واستحب عامتهم أن يجعل تحت رأسه لبنة كالمخدة للحي ويجعل قدامه وخلفه ما يمنع وقوعه على قفاه أو وجهه وفي الشرح والفروع يدنيه من قبلة اللحد ويسند خلفه ويكره المرقعة والمضربة نص عليه وكذا قطيفة تحته لكراهة الصحابة وهو قول الأكثر ونص أنه لا بأس بها من علة في الأرض وعنه مطلقا وقيل يستحب لأن شقران وضع في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء لكن من غير اتفاق منهم.
"ويحثي التراب في القبر ثلاث حثيات" استحبابا لما روى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا رواه الشافعي وروي عن علي وابن عباس وأن يكون ذلك باليد قاله في المحرر والفروع وهو شامل لحاضر به زاد ابن تميم من قبل رأسه لفعله عليه السلام رواه ابن ماجه وقيل من دنا منه وعنه لا بأس بذلك وذكر ابن المنجا أنه ينبغي أن يقول إذا حثى الأولى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} وفي الثانية {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} وفي الثالثة {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}
"ثم يهال" أي يصب "عليه التراب" لقول عائشة ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي رواه أحمد وقالت فاطمة لأنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب رواه البخاري.
ويكره أن يزاد في القبر من غير ترابه نص عليه لنهي عقبة عنه رواه أحمد قال في الفصول إلا أن يحتاج إليه ولا بأس بتعليمه بحجر أو خشبة ونحوهما عند رأسه نص عليه لأنه عليه السلام ترك عند قبر عثمان بن مظعون صخرة رواه أبو داود ونص على استحبابه واختلف عنه في اللوح والأشبه أنه لا بأس به بلا كتابة قاله ابن تميم
"ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر" لأنه عليه السلام رفع قبره عن الأرض

(2/245)


مسنما ويرش عليه الماء ولا بأس بتطيينه ويكره تجصيصه.
-------------------------------------
قدر شبر رواه الساجي من حديث جابر ولأنه يعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه ويكره فوق شبر لأن فضالة أمر بقبر فسوي وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك رواه مسلم وحمله المجد على تقريبه من الأرض والمنع عن علوها الفاحش.
"مسنما" لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما ولأن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا وهو شعار أهل البدع فكان مكروها وقال الشافعي التسطيح أفضل وخالفه كثير من أصحابه قال وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم وهو محمول على أنه سطح جوانبها وسنم سطحها لكن يستثنى منها إذا دفن بدار الحرب بعد تعذر نقله فالأولى تسويته بالأرض وإخفاؤه قاله أبو المعالي وغيره.
"ويرش عليه الماء" لأنه عليه السلام رش على قبر سعيد ماء رواه ابن ماجه من حديث أبي رافع وروى الخلال بإسناده أنه رش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء ولأن الماء يلبده وهو آثار الرحمة ويوضع عليه حصى صغار وظاهر كلام جماعة أنه يعمه بها ليحفظ ترابه وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه ماء ووضع عليه حصى رواه الشافعي
"ولا بأس بتطيينه" قاله أحمد لأنه عليه السلام طين قبره ولأن فيه صيانة عن الدرس وكرهه أبو حفص وقيل يستحب والنهي الوارد فيه محمول على طين فيه تحسين للقبر وزينة
"ويكره تجصيصه" وتزويقه وتحليقه وهو بدعة "والبناء" عليه أطلقه أحمد والأصحاب لاصقة أو لا لقول جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يعقد عليه وأن يبنى عليه رواه مسلم وذكر جماعة أنه لا بأس بالقبة والبيت والحظيرة في ملكه قال المجد ويكره في صحراء للضيق والتشبه بأبنية الدنيا وكره في الوسيلة البناء الفاخر كالقبة.

(2/246)


والبناء والكتابة عليه والجلوس والوطء عليه والاتكاء إليه
-----------------------------------
وظاهره لا بأس ببناء ملاصق لأنه يراد لتعليمه وحفظه دائما فهو كالحصباء ولم يدخل في النهي لأنه خرج على المعتاد أو يخص منه وعنه منع البناء في وقف عام وقال الشافعي رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما تبقى.
والمنقول هنا المنع خلاف ما اقتضاه كلام ابن تميم يؤيد ما نقله أبو طالب عنه عمن اتخذ حجرة في المقبرة لغيره قال لا يدفن فيها والمراد لا يختص به وهو لغيره.
وجزم ابن الجوزي بأنه يحرم حفر قبر في مسبلة قبل الحاجة فها هنا أولى وتكره الخيمة والفسطاط نص عليه لأمر ابن عمر بإزالته وقال إنما يظله عمله وظاهر ما سبق أن الصحراء أفضل لأنه عليه السلام كان يدفن أصحابه بالبقيع وهو أشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه سوى النبي صلى الله عليه وسلم واختار صاحباه الدفن عنده تشرفا وتبركا ولم يزد عليهما لأن الخرق يتبع والمكان ضيق وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع ذكرها المجد.
"والكتابة عليه" لما روى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعا "نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن توطأ".
"والجلوس" لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر" .
"والوطء عليه" لما روى ابن ماجه والخلال مرفوعا "لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم" وفي الكافي إن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء جاز للحاجة "والاتكاء إليه" لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بن حزم متكئا على قبر فقال "لا تؤذه" .
مسألة: لا يجوز الإسراج على القبور ولا اتخاذ المساجد عليها ولا بينها قال الشيخ تقي الدين ويتعين إزالتها لا أعلم فيه خلافا ولا تصح الصلاة فيها على ظاهر المذهب فلو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا

(2/247)


ولا يدفن فيه اثنان إلا للضرورة.
------------------------------------------
الصلاة قاله في الهدى وفي الوسيلة يكره اتخاذ المساجد عندها ويكره الحديث عندها والمشي بالنعل فيها ويسن خلعه إلا خوف نجاسة أو شوك نص عليه.
فصل: يستحب الدعاء له عند القبر بعد دفنه نص عليه فعله أحمد جالسا واستحب الأصحاب وقوفه ونص أحمد أنه لا بأس به وقد فعله علي والأحنف وقال أبو حفص هو بدعة واستحب الأكثر تلقينه بعد دفنه لقول راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير كانوا يستحبون أن يقالعند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد رواه عنه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ولحديث أبي أمامة رواه ابن شاهين والطبراني فيجلس الملقن عند رأسه وقال أحمد ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام وقال الشيخ تقي الدين تلقينه مباح عند أحمد وبعض أصحابه ولا يكره وفي تلقين غير المكلف وجهان بناء على نزول الملكين وسؤاله وانتخابه النفي قول القاضي وابن عقيل والإثبات قول أبي حكيم وحكاه ابن عبدوس عن الأصحاب وصححه الشيخ تقي الدين.
"ولا يدفن فيه اثنان" أي يحرم دفن اثنين فأكثر في قبر لأنه عليه السلام كان يدفن كل ميت في قبر وعلى هذا استمر فعل الصحابة ومن بعدهم وعنه يكره اختاره ابن عقيل والشيخ تقي الدين قال في الفروع وهي أظهر وعنه يجوز وهو ظاهر الخرقي نقل أبو طالب لا بأس به وقيل يجوز في المحارم وقيل فيمن لا حكم لعورته وعلى الأول لا فرق بين أن يدفنا معا أو أحدهما بعد الآخر لكن إن لم يبل لم يجز نص عليه وإن بلي جاز في الأصح ويعمل بقول أهل الخبرة بتلك الأرض وإن حفر فوجد عظام الميت دفنها وحفر في مكان آخر نص عليه.
"إلا لضرورة" وككثرة الموتى وقلة من يدفنهم وخوف الفساد عليهم لقوله

(2/248)


ويقدم الأفضل إلى القبلة ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب
---------------------------------------
عليه السلام "يوم أحد ادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد" رواه النسائي.
"ويقدم الأفضل إلى القبلة" لقوله عليه السلام "قدموا أكثرهم قرآنا" حين سألوه من يقدم فيه ؟ رواه النسائي والترمذي وصححه وكما يقدم إلى الأمام في الصلاة
"ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب" نص عليه ليصير كل واحد كأنه في قبر منفرد وقال الآجري إن كان فيهم نساء وفيه نظر ولا بأس بالذهاب بعد دفنه من غير إذن أهل الميت نص عليه.
تذنيب: كره أحمد الدفن عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها وفي المغني لا يجوز ويجوز ليلا ذكره في شرح مسلم قول الجمهور وعنه يكره حكاه ابن هبيرة اتفاق الأئمة الأربعة وفيه نظر فإنه حكى في الإفصاح الإجماع أنه لا يكره وأنه بالنهار أمكن وعنه لا يفعله إلا لضرورة.
مسألة: يستحب جمع الأقارب في بقعة لتسهل زيارتهم قريبا من الشهداء والصالحين لينتفع بمجاورتهم من البقاع الشريفة فلو أوصى أن يدفن في ملكه دفن مع المسلمين قاله أحمد كما إذا اختلف الورثة وحمل المجد الأول على ما إذا نقصها نقصا لا يحتمله الثلث قال في الفروع وهو متجه قال أحمد لا بأس بشراء موضع قبره و يوصي بدفنه فيه فعله عثمان وعائشة.
قال ابن تميم بشرط خروجه من الثلث ويصح بيع ما دفن من ملكه ما لم يجعل أو يصر مقبرة نص عليه وقال ابن عقيل لا يجوز بيع موضع القبر مع بقاء رمته وإن ثقلت وجب ردها لتعيينه لها قال جماعة وله حرثها إذا بلي العظم ومن سبق إلى مسبلة قدم ثم يقرع وقيل يقدم ممن له مزية نحو كونه عند أهله.

(2/249)


وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ.
--------------------------------
"وإن وقع في القبر ماله قيمة" عادة وعرفا وإن قل خطره قاله أصحابنا أو رماه ربه فيه "نبش وأخذ" نص عليه في مسحاة الحفار دليله ما روي عن المغيرة بن شعبة أنه وضع خاتمة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال خاتمي فدخل وأخذه ولتعلق حقه بعينه ولا ضرر في أخذه.
وعنه المنع إن بذل له عوضه فدل على رواية تمنع نبشه بلا ضرورة وفي النبش ضرر.
مسائل
منها: من أمكن غسله ودفن قبله فإنه ينبش نص عليه وجزم جماعة بأنه يترك إن خشي تفسخه وقيل يحرم نقله مطلقا فيصلى عليه لعدم ماء وتراب.
ومنها: إذا دفن قبل الصلاة فإنه ينبش ويصلى عليه نص عليه ليوجد شرط الصلاة وهو عدم الحائل وقيل يصلى على القبر وهو ظاهر وعنه يخير.
ومنها: إذا دفن قبل تكفينه فإنه ينبش نص عليه وصححه في الرعاية كالغسل وقيل لا لستره بالتراب.
ومنها: إبدال كفنه بأحسن منه وخير من بقعته ودفنه لعذر بلا غسل ولا حنوط كإفراده نص على الكل.
ومنها: إذا دفن غير موجه للقبلة وقيل يحرم نبشه وقدم ابن تميم يستحب.
ومنها: إذا دفن في مسجد فنص أحمد على نبشه.
ومنها: إذا دفن في ملك غيره فللمالك نقله والأولى تركه وكرهه أبو

(2/250)


وإن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج.
-------------------------------------------------
المعالي لهتك حرمته.
ومنها: إذا كفن الرجل في حرير لغير حاجة نبش وأخذ في وجه قال في الشرح فإن تغير الميت لم ينبش بحال وكل موضع أجزنا نبشه فالأفضل تركه.
"وإن كفن بثوب غصب" لم ينبش لهتك حرمته مع إمكانه دفع الضرر بدونها فعلى هذا تجب قيمته في تركته وقال المجد يضمنه من كفنه به لمباشرته الإتلاف عالما وإن جهل فالقرار على الغاصب ولو أنه الميت فإن تعذر نبش وإن كان قبل الدفن أخذ لتعلق حقه بعينه
"أو بلع مال غيره" بغير إذنه "غرم ذلك من تركته" بطلب ربه لأن استحقاق العين يسقط عند تعذر الرجوع وينتقل إلى القيمة كما لو أتلف شيئا في حياته وظاهره لا فرق بين أن تبقى ماليته كخاتم أو غيره يسيرا كان أو كثيرا وذكر جماعة أنه يغرم الكثير من تركه وجها واحدا وإطلاق غيرهم بخلافه
فإن تعذرت القيمة ولم يعدلها وارث شق جوفه في الأصح فلو بلعه بإذن مالكه لم يجب شيء ويؤخذ إذا بلي ولا تعرض له قبله بحال ولا يضمنه وكذا إذا بلع مال نفسه لأنه أتلف ملكه حيا فإن كان عليه دين فوجهان وقيل بل يشق ويؤخذ وفي المبهج تحسب من ثلثه.
"وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج" قدمه في الكافي والرعاية لما فيه من تخليص الميت من الإثم ورد المال إلى مالكه ودفع الضرر عن الورثة بحفظ التركة لهم فعلى هذا إن كان ظنه أنه ملكه ففيه وجهان.
تنبيه: إذا اتخذ أنفا من ذهب ومات لم يقلع عنه ويأخذ البائع ثمنه من تركته فإن لم يكن أخذه إذا بلي وقيل يؤخذ في الحال فدل أنه لا يعتبر

(2/251)


وإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه ويحتمل أن يشق بطنها إذا غلب على الظن أنه يحيا وإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفن وحدها.
------------------------------------------
للرجوع حياة المفلس في قول مع أن فيه هنا مثلة.
"وإن ماتت حامل لم يشق بطنها" نص عليه وقدمه ونصره الأكثر لما فيه من هتك حرمة متيقنة لإبقاء حياة موهومة ثم إنه لو خرج حيا فالغالب المتعاد أنه لا يعيش وقد احتج أحمد بقوله عليه السلام "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي" رواه أبو داود.
"وتسطو عليه" النساء "القوابل" فيدخلن أيديهن في رحم الميتة "فيخرجنه" إذا طمعن في حياته بأن قربت الحركة وانفتحت المخارج قاله في الخلاف وابن المنجا في شرحه والمذهب أنهن يفعلن ذلك إذا احتملت حياته لأن فيه إبقاء للولد من غيرمثلة بائنة فإن عجزن أو عدمن واختار ابن هبيرة أنه يشق بطنها والمذهب لا وعنه يفعل ذلك الرجال والمحارم أولى اختاره أبو بكر والمجد كمداواة الحي والأشهر لا فإن لم يخرج لم تدفن ما دام حيا ولا يوضع عليها ما يموته فلو خرج بعضه حيا شق حتى يخرج فإن مات قبل خروجه أخرج إن أمكن وغسل فإن تعذر غسل ما خرج ولا يحتاج إلى تيمم لأنه في حكم الباطن في الأشهر وصلي عليه معها بشرطه وإلا عليه دونه
"ويحتمل أن يشق بطنها إذا غلب على الظن أنه يحيا" لأنه تعارض حقاهما فقدم حق الحي لكون حرمته أولى.
"وإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفنت وحدها" نص عليه لأنه جائز ودفن الميت عند من يباينه في دينه منهي عنه واختار الآجري يدفن بجنب قبور المسلمين
وقال أحمد لا بأس أن تدفن معنا روي عن عمر لما في بطنها وعبارة

(2/252)


ويجعل ظهرها إلى القبلة ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين.
---------------------------------
المحرر حامل بمسلم وهي أولى لشمولها صورا
"ويجعل ظهرها إلى القبلة" على جنبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جنبه الأيمن لأن وجه الجنين إلى ظهرها ويتولى المسلمون دفنها وظاهره أنه لا يصلي عليه لأنه ليس مولودا ولا سقطا وقيل يصلى عليه إن مضى زمن تصويره قال في الفروع ولعل مراده إذا انفصل وهو الظاهر.
"ولا تكره القراءة على القبر" وفي المقبرة في أصح الروايتين هذا المذهب روى أنس مرفوعا قال "من دخل المقابر فقرأ فيها {يس} خفف عنهم يومئذ وكان له بقدرهم حسنات" وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها ولهذا رجع أحمد عن الكراهة قاله أبو بكر وأصلها أنه مر على ضرير يقرأ عند قبر فنهاه عنها فقال له محمد بن قدامة الجوهري يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي قال ثقة فقال أخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر أوصى بذلك فقال أحمد عند ذلك ارجع فقل للرجل يقرأ فلهذا قال الخلال وصاحبه المذهب رواية واحدة أنه لا يكره لكن قال السامري يستحب أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة وعند رجله بخاتمتها والثانية يكره اختارها عبد الوهاب الوارق وأبو حفص وهي قول جمهور السلف لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تجعلوا بيوتكم مقابر لا يقرأ فيها شيئا من القرآن فإن الشيطان ينفر من بيت يقرأ فيه سورة البقرة" وعلله أبو الوفاء وغيره بأنها مدفن النجاسة كالحش قال بعضهم شدد أحمد حتى قال لا تقرأ فيها في الصلاة الجنازة ونقل المروذي فيمن نذر أن يقرأ عند قبر أبيه يكفر عن يمينه ولا يقرأ واختار في الفروع أنه يقرأ إلا عند القبر وعنه أنها بدعة لأنه ليس من فعله عليه السلام ولا فعل أصحابه.

(2/253)


وأي قربة فعلها وجعلها للميت المسلم نفعه ذلك.
-------------------------------------
"وأي قربة فعلها" من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك "وجعل ثواب ذلك للميت المسلم نفعه ذلك" قال أحمد الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا وكالدعاء والاستغفار حتى لو أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ووصل إليه الثواب ذكره المجد
وقال الأكثر لا يصل إلى الميت ثواب القراءة وإن ذلك لفاعله واستدلوا بقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [لنجم:39] {و لها ما كسبت} [البقرة] وبقوله عليه السلام "إذا مات الإنسان انقطع عمله" .
وجوابه بأن ذلك في صحف إبراهيم وموسى قال عكرمة هذا في حقهم خاصة بخلاف شرعنا بدليل حديث الخثعمية أو بأنها منسوجة بقوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: من الآية21] أو أنها مختصة بالكافر أي ليس له من الجزاء إلا جزاء سعيه توفاه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب أو أن معناه ليس للإنسان إلا ما سعى عدلا وله ما سعى غيره فضلا أو أن اللام بمعنى على لقوله تعالى {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: من الآية25] وعن الثانية بأنها بدل المفهوم ومنطوق السنة بخلافه وعن الحديث بأن الكلام في عمل غيره لا عمله فعلى هذا لا يفتقر أن ينويه حال القراءة نص عليه وذكر القاضي أنه يقول اللهم إن كنت أثبتني على هذا فاجعله أو ما يشابه لفلان وقيل يسير الثواب ثم يجعله له ولا يضر جهله به لأن الله يعلمه وبالغ القاضي فقال إذا صلى فرضا وأهدى ثوابه صحت الهدية وأجزأ فاعله وفيه بعد فلو أهدى بعض القربة فنقل الكحال في الرجل يعمل شيئا من الخير من الصلاة ونحوها ويجعل نصفه لأبيه أو أمه قال أرجو وظاهر كلامه وكلام صاحب التلخيص والمحرر أنه إذا جعل ثواب قربة لحي لا ينفعه ذلك والمذهب أن الحي كالميت في ذلك قال القاضي لا يعرف رواية بالفرق بل ظاهر الرواية يعم لأن المعنى فيهما.

(2/254)


ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث إليهم ولا يصلحون هم طعاما للناس.
فصل:
يستحب للرجال زيارة القبور.
----------------------------------
واحد قال ابن المنجا ولعل المصنف إنما ذكر الميت لأن أكثر الأدلة فيه وحاجته إلى الثوب أكثر وأنه إذا جعلها لغير مسلم لا ينفعه وهو صحيح لنص ورد فيه.
"ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعاما يبعث إليهم" لقوله عليه السلام "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم" رواه الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه ولأن فيه جبرا والمذهب ثلاثة أيام
"ولا يصلحون هم طعاما للناس" فإنه مكروه لما روى أحمد عن جرير قال كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة وإسناده ثقات زاد في المغني والشرح إلا لحاجة وقيل يحرم قال أحمد ما يعجبني ونقل المروذي هو من أفعال الجاهلية وأنكره شديدا.
فرع: يكره الذبح عند القبر والأكل منه لخبر أنس لا عقر في الإسلام رواه أحمد بإسناده صحيح وفي معناه الصدقة عند القبر فإنه محدث وفيه رياء.
فصل:
"يستحب للرجال زيارة القبور" نص عليه وحكاه النووي إجماعا لقوله عليه السلام "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" رواه مسلم والترمذي وزاد "فإنها تذكر الآخرة" وقال أبو هريرة زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال "استأذنت ربي أن استغفرا لها فلم يؤذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم

(2/255)


وهل تكره للنساء على روايتين وأن يقول إذا زارها أو مر بها سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ,
------------------------
الموت" متفق عليه وعنه لا بأس به وقاله الخرقي وغيره وأخذ منه جماعة الإباحة لأنه الغالب في الأمر بعد الحظر لاسيما وقد قرنه بما هو مباح وفي الرعاية يكره الإكثار منه وفيه نظر.
فوائد: يستحب للزائر أن يقف أمام القبر وعنه حيث شاء وعنه قعوده كقيامه ذكره أبو المعالي وينبغي قربه كزيارته في حياته ويجوز لمس القبر باليد وعنه يكره لأن القرب تتلقى من التوقيف ولم ترد به سنة وعنه يستحب صححها أبو الحسن لأنه يشبه مصافحة الحي ولاسيما ممن ترجى بركته واجتماع الناس للزيارة كما هو المعتاد بدعة قال ابن عقيل أبرأ إلى الله تعالى منه ويجوز زيارة قبر المشرك والوقوف لزيارته لما سبق ذكره المجد وجوزه حفيده للاعتبار قال ولا يمنع الكافر زيارة قبر أبيه المسلم
"وهل يكره للنساء على روايتين" إحداهما وهي المذهب يكره لأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهييج حزنها برؤية الأحبة فيحملها على فعل محرم والثانية يباح لأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن وقال لها ابن أبي مليكة أليس كان نهي عن الزيارة القبور قالت نعم ثم أمر بزيارتها رواه الأثرم واحتج به أحمد وعنه يحرم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور رواه أحمد والترمذي وصححه وكما لو علمت أنها تقع في محرم ذكره المجد مع تأثيمه بظن وقوع النوح ولا فرق ولم يحرم هو وغيره دخول الحمام إلا مع العلم المحرم ويستثنى منه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما.
"و" يستحب "أن يقول إذا زارها أو مر بها سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا شاء الله بكم للاحقون" كذا رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا والسلام فيه معرف وقاله جماعة والتنكير من طريق لأحمد عن أبي هريرة وعائشة وظاهره أن تنكيره أفضل نص عليه وخيره المجد وبعضهم

(2/256)


ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ويستحب تعزية أهل الميت.
---------------------------
حكاه نصا وكذا السلام على الأحياء وعنه تعريفه أفضل كالرد وقال ابن البنا سلام التحية منكر وسلام الوداع معرف والاستثناء للتبرك قاله العلماء وفي البغوي أنه يرجع إلى اللحوق لا إلى الموت وفي الشافي أنه يرجع إلى البقاع.
"ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين" روي من حديث عائشة ذكره في الشرح "فنسأل الله لنا ولكم العافية" رواه مسلم من حديث بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية فدل على أن اسم الدار يقع على المقابر وإطلاق الأهل على ساكن المكان من حي وميت.
"اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم" رواه أحمد من حديث عائشة "واغفر لنا ولهم" لأنه روي يغفر الله لنا ولكم وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الغرقد فقال "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" سمي به لغرقد كان به وهو ما عظم من العوسج وقيل كل شجر له شوك.
فائد: يسمع الميت الكلام ويعرف زائره قاله أحمد يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد ويكره مشيه بين القبور بنعلين إلا خوف نجاسة أو شوك نص عليه واحتج بخبر بشير بن الخصاصية وعنه لا يكره كالخف للمشقة وفي التمشك ونحوه وجهان.
"ويستحب تعزية أهل الميت" نص عليه لما روى ابن ماجه وإسناده ثقات عن عمرو بن حزم مرفوعا "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من

(2/257)


ويكره الجلوس لها ويقول في تعزية المسلم بالمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك.
-------------------------------
حلل الكرامة يوم القيامة" وعن عبد الله بن مسعود مرفوعا "من عزى أخاه مصيبته فله مثل أجره" رواه الترمذي وفي سنده علي بن عاصم وهو ضعيف وهي التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب وينبغي أن يستعين بالصبر والصلاة ويسترجع ولا يقول إلا خيرا ويسأل الله أجر الصابرين
وظاهره: لا فرق بين أن يكون قبل الدفن أو بعده ويعم بها أهل الميت حتى الصغير لكن يكره لامرأة شابة أجنبية ولو شق نص عليه لزوال المحرم وهو الشق واستدامة لبسه مكروه ويبدأ بخيارهم وهو مخير في أخذ يد من يعزيه قاله أحمد.
وظاهره: أنه لا حد لآخر وقت التعزية فدل أنها تستحب مطلقا وهو ظاهر الخبر وحدها في المستوعب إلى ثلاثة أيام وذكر ابن شهاب والآمدي وأبو الفرج يكره بعدها لتهيج الحزن واستثنى أبو المعالي إذا كان غائبا فلا بأس بها إذا حضر واختاره صاحب النظم وزاد ما لم ينس.
فرع: إذا جاءته التعزية في كتاب ردها على الرسول لفظا قاله أحمد ويكره تكرارها فلا يعزي من عزى
"ويكره الجلوس لها" نص عليه واختاره الأكثر لأنه محدث مع ما فيه من تهييج الحزن وعنه الرخصة فيه قال الخلال سهل أحمد في الجلوس إليهم من غير موضع قال ونقل عنه المنع وفيه وجه لا بأس فيه لأهل الميت دون غيرهم وعنه لا بأس بالجلوس عندهم إذا خيف عليهم شدة الجزع وأما المبيت عندهم فأكرهه لكن يستثنى منه الجلوس بقرب دار الميت ليتبع الجنازة أو يخرج وليه فيعزيه فعله السلف.
"ويقول في تعزية المسلم بالمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك" قال المؤلف لا أعلم في التعزية شيئا محدودا إلا أنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم

(2/258)


وفي تعزيته عن كافر أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وفي تعزية الكافر بمسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وفي تعزيته عن كافر أخلف الله عليك ولا نقص عددك ويجوز البكاء على الميت،
---------------------------
عزى رجلا فقال "رحمك الله وآجرك" رواه أحمد وعزى رجلا فقال "آجرنا الله وإياك في هذا الرجل" وروي أنه قال "أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم" ويقول المعزى استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك نقله أحمد.
فرع: إذا قال الآخر عز عني فلانا توجه أن يقول له فلان يعزيك
"وفي تعزيته عن كافر أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وفي تعزية الكافر بمسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك" لأن ذلك لائق بحال الميت والمصاب ويحرم تعزية كافر وعنه يجوز فيقول ما ذكره المؤلف وظاهره أنه لا يدعو لكافر حي بالأجر ولا لكافر ميت بالمغفرة "وفي تعزيته" أي الكافر "عن كافر أخلف الله عليك ولا نقص عددك" فيدعو له بما يرجع إلى طول الحياة وكثرة المال والولد لأجل الجزية وقال ابن بطة يقول أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل دينك يقال لمن ذهب له شيء يتوقع مثله أخلف الله عليك أي رد الله عليك مثله وإن لم يتوقع حصول مثله خلف الله عليك أي كان الله خليفة منه عليك ذكره ابن فارس والجوهري.
"ويجوز البكاء على الميت" من غير كراهة لما روى أنس قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان وقال "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم" متفق عليه ودخل عليه السلام على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عيناه تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال "يا ابن عوف إنها رحمة" ثم أتبعها بأخرى فقال "إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم المحزنون" رواه البخاري.

(2/259)


وأن يجعل المصاب على رأسه ثوبا يعرف به ولا يجوز الندب ولا النياحة.
-------------------------------------
وظاهرة لا فرق قبل الموت أو بعده أو بعد الدفن وأخبار النهي كقوله "فإذا وجب فلا تبكين باكية" محمولة على بكاء معه ندب أو نياحة قال المجد أو أنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياما ذكر الشيخ تقي الدين أنه يستحب رحمة للميت وأنه أكمل من الفرح لفرح الفضيل لما مات ابنه علي وقال عليه السلام "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" .
"و" يجوز "أن يجعل المصاب على رأسه ثوبا يعرف به" والمراد به علامة ليعرف بها فيعزى لأنها سنة وهو وسيلة إليها فإذا لم تكن سنة بقي الجواز وقال ابن الجوزي يكره لبسه خلاف زيه المعتاد وقيل يكره تغير حاله من خلع ردائه ونعله وغلق حانوته وتعطيل معاشه وسئل أحمد يوم مات بشر عن مسألة: فقال ليس هذا يوم جواب هذا يوم حزن فدل على ما ذكرنا قال جماعة لا بأس بهجر المصاب للزينة وحسن الثياب ثلاثة أيام
"ولا يجوز الندب" وهو تعداد المحاسن نحو وارجلاه "ولا النياحة" نص عليهما وذكره في المذهب و التلخيص و الوجيز و الفروع وذكر ابن عبد البر تحرم النياحة إجماعا لقول عبد الرحمن بن عوف ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فجرين صوت عند مصيبة وخمش وجه حديث حسن رواه الترمذي.
وقالت أم عطية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح متفق عليه وقال أحمد في قوله تعالى
{وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: من الآية12] هو النوح وقدم في الكافي وهو ظاهر الخرقي الكراهة لقول أم عطية إلا آل فلان فإنهم أسعدوا في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم فقال "إلا آل فلان"

(2/260)


ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك.
----------------------------------
حديث صحيح وهو خاص بها لخبر أنس "لا إسعاد في الإسلام" رواه أحمد وعنه يكره الندب والنياحة الذي ليس فيه إلا تعداد المحاسن بصدق وعنه إباحتهما اختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة وأبا وائل كانا يسمعان النوح ويبكيان رواه حرب لكن قال المؤلف ظاهر الأخبار التحريم وجزم المجد وابن تميم أنه لا بأس بيسير الندب إذا كان صدقا ولم يخرج مخرج النوح ولا قصد نظمه نص عليه لفعل أبي بكر وفاطمة
"ولا شق الثياب ولطم الخدود" لقوله عليه السلام "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" متفق عليه من حديث ابن مسعود "وما أشبه ذلك" كتخميش الوجه ونتف الشعر وإظهار الجزع.

(2/261)