المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الزكاة
باب الزكاة
...
كتاب الزكاة
تجب الزكاة في أربعة أصناف من المال السائمة من بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة ولا تجب في غير ذلك.
--------------------------------
كتاب الزكاة
وهي في اللغة النماء والزيادة يقال زكا الزرع إذا نما وزاد ويطلق على المدح لقوله تعالى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [لنجم: من الآية32] وعلى التطهير لقوله تعالى
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] أي طهرها عن الأدناس ويطلق على الصلاح يقال رجل زكي أي زائد الخير من قوم أزكياء وزكى القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخير فسمي المال المخرج زكاة لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات
وفي الشرع حق يجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص وتسمى صدقة لأنها دليل لصحة إيمان مؤديها وتصديقه وهي أحد أركان الإسلام وهي واجبة بالإجماع وسنده {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: من الآية43] البقرة والأحاديث المستفيضة واختلف العلماء هل فرضت بمكة أم في المدينة وفي ذلك آيات وذكر صاحب المغني والمحرر وحفيده أنها مدنية قال في الفروع ولعل المراد طلبها وبعث السعاة لقبضها فهذا بالمدينة.
"تجب الزكاة في أربعة أصناف" واحدها صنف وفتح الصاد فيه لغة حكاه الجوهري "من المال" وهو اسم لجميع ما ملكه الإنسان وعن ثعلب أقل المال عند العرب ما يجب فيه الزكاة وقال ابن سيده العرب لا توقع المال مطلقا إلا على الإبل وربما أوقعوه على المواشي "السائمة من بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة" وسيأتي ذلك "ولا تجب في غير ذلك" لأنه الأصل فلا زكاة في

(2/262)


وقال أصحابنا يجب في المتولد من الوحشي والأهلي وفي بقر الوحش روايتان ولا تجب إلا بشروط خمسة الإسلام والحرية فلا تجب على كافر.
-------------------------
الخيل والرقيق لقوله عليه السلام "ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة" متفق عليه ولأبي داود "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر" لأنه لا يطلب درها ولا يعتبر في الغالب إلا للزينة والاستعمال ولا في العقار والثياب إلا أن يكون معدا للتجارة ولا في الظباء نص عليه وعنه بلى اختاره ابن حامد لأنها تشبه الغنم.
"وقال أصحابنا" أي أكثرهم "يجب في المتولد من الوحشي والأهلي" تغلبا للوجوب واحتياطا لتحريم قتله وإيجاب الجزاء والنصوص تتناوله واختيار المؤلف أولى لأن الواجبات لا تثبت احتياطا ولأنه ينفرد باسمه وخفته فلم يتناوله النص ولا يجزئ في الهدي ولا أضحية ولا يدخل في وكالة
"وفي بقر الوحش" وغنمه بشرط "روايتان" أصحهما: الوجوب لعموم قوله عليه السلام لمعاذ "خذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا" قال القاضي وغيره ويسمى بقرا حقيقة فيدخل تحت الظاهر
وفي ندائها حرام وإحرام وجواز هدي وأضحية وجهان والثانية: لا يجب اختارها المؤلف وصححها في الشرح لأنها تفارق البقر الأهلية صورة وحكما والإيجاب من الشرع ولم يرد ولا يصح القياس لوجود الفارق وكغنم الوحش.
"ولا يجب إلا بشروط خمسة الإسلام والحرية فلا تجب على كافر" لأنه عليه السلام جعل شرطا لوجوبها متفق عليه من حديث معاذ ولأنها قربة وطاعة والكفر يضاد ذلك وطهرة والكافر لا يطهره إلا الإسلام وهو يفتقر إلى النية فلم تجب كالصوم وظاهره لا فرق بين الأصلي والمرتد أما الأصلي فلا تجب عليه زاد في الرعاية على الأشهر ولا يقضيها إذا أسلم إجماعا وأما المرتد فالمذهب عدم الوجوب فقيل مأخذه كونها عبادة ,

(2/263)


ولا عبد ولا مكاتب وإن ملك السيد عبده مالا وقلنا إنه يملكه فلا زكاة فيه.
----------------------------------
وقيل لمنعه من ماله وإن قلنا يزول ملكه فلا زكاة عليه
والثانية: تجب نصره أبو المعالي وصححه الأزجي لأنها حق مالي أشبه الدين والردة لا تنافي الوجوب ولا استمراره لكنها تنافي الأداء فيأخذها الإمام منه وينوى عنه للتعذر وكسائر الحقوق الممتنع منها وإن لم يكن قربة كالحدود تستوفى ردعا وزجرا مع وجود التوبة قال أبو المعالي فإن أخذها الإمام بعد ردته ثم أسلم أجزأت في الظاهر وكذا فيما بينه وبين الله في وجه فلو ارتد بعد الوجوب أخذت من ماله مطلقا وفيه وجه
وظاهره إيجابها على الصبي والمجنون للعموم وأقوال الصحابة ولأنها مواساة وهما من أهلها كالمرأة
"ولا عبد" لأنه لا مال له فإن كان معتقا بعضه فبقدره لأنه يملك ملكا تاما أشبه الحر "ولا مكاتب" نص عليه لأنه عبد وملكه غير تام يؤيده ما روي أنه عليه السلام قال "لا زكاة في مال المكاتب" وقاله ابن عمر وجابر ولم يعرف لهما مخالف فكان كالإجماع ولأن ملكه متزلزل لأنه بعرضية أن يعجز وهو محجور عليه لنقص ملكه ولا يرث ولا يورث وهو مشغول بوفاء نجومه بخلاف المحجور عليه لنقص تصرفه والمرهون فإنه منع من التصرف فيه بعقده فلم يسقط حق الله تعالى وعنه هو كالقن وعنه يزكي بإذن سيده ولا عشر في زرعه فإن عتق أو عجز أو قبض من نجوم كتابته وفي يده نصاب استقبل به حولا وما دون نصاب فكمستفاد
"وإن ملك السيد عبده مالا وقلنا إنه يملكه" على رواية "فلا زكاة فيه" على واحد منهما قاله الأصحاب لأن سيده لا يملكه وملك العبد ضعيف لا يحتمل المواساة بدليل أنه لا يعتق عليه أقاربه إذا ملكهم ولا يجب عليه نفقة قريبه والزكاة إنما تجب بطريق المواساة وحينئذ فلا فطرة إذن في الأصح وعنه يزكيه العبد وعنه بإذن السيد ويحتمل أنه يزكيه السيد وعنه الوقف.

(2/264)


وإن قلنا لا يملكه فزكاته على سيده الثالث ملك نصاب فإن نقص عنه فلا زكاة فيه إلا أن يكون نقص يسيرا كالحبة والحبتين.
--------------------------------------
"وإن قلنا لا يملكه" على رواية وهي اختيار أبي بكر والقاضي وظاهر الخرقي "فزكاته على سيده" نص عليه لأنه مالكه.
أصل: أم الولد والمدبر كالقن.
فرع: هل تجب في المال المنسوب إلى الجنين إذا انفصل: حيا اختاره ابن حمدان لحكمنا له بالملك ظاهرا حتى منعنا باقي الورثة أم لا كما هو ظاهر كلام الأكثر فإنه لا مال له فيه وجهان.
"الثالث: ملك نصاب" للنصوص ولا فرق بين بهيمة الأنعام وغيرها ولا يرد الركاز لأن شبهه بالغنيمة أكثر من الزكاة ولهذا وجب فيه الخمس "فإن نقص عنه فلا زكاة فيه" في رواية واختارها أبو بكر وهو ظاهر الخرقي وجزم به في الوجيز قال في الشرح وهو ظاهر الأخبار فينبغي أن لا يعدل عنه "إلا أن يكون نقصا يسيرا كالحبة والحبتين" فإنها تجب كذلك قاله الأكثر لأنه لا ينضبط غالبا فهو كنقص الحلول ساعة أو ساعتين وهو لا يخل بالمواساة لأن اليسير لا حكم له في أشياء كثيرة كالعمل اليسير في الصلاة وانكشاف العورة والعفو عن يسير الدم فكذا هنا
وظاهره: أنه إذا كان نقصا بينا كالدانق والدانقين أنها لا تجب في رواية وصححها في المذهب وذكرها في الشرح عن الأصحاب وعنه إن جازت جواز الوازنة وجبت ولعل المراد المضروبة وهو الظاهر قاله في الفروع ولأنها تقوم مقام الوازنة وذكر جماعة إذا نقص النصاب ثلاثة دراهم أو ثلث مثقال فلا زكاة في أصح الروايتين وقيل الدانق والدانقان لا يمنع في الفضة بخلاف الذهب قال أبو المعالي وهذا أوجه وقيل النقص اليسير لا يؤثر في آخر الحول بل في أوله ووسطه.
وظاهره: أن نصاب الباقي تحديد وهو كذلك في بهيمة الأنعام وكذا في الزرع والثمرة كما سيأتي.

(2/265)


وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا السائمة الرابع تمام الملك فلا زكاة في دين الكتابة ولا في السائمة الموقوفة.
---------------------------
"وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب" أما زيادة الحب فيجب فيها بالحساب اتفاقا وكذا زيادة النقدين لقوله عليه السلام "هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهما وليس عليكم شيء حتى تتم مائتين فتجب فيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك" رواه الأثرم والدارقطني وروي عن علي وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة ولأنه مال من الأرض يتجزأ ويتبعض من غير ضرر أشبه الأربعين وظاهره أنه يجب ولو لم يبلغ نقد أربعين درهما أو أربعة دنانير.
"إلا السائمة" فلا زكاة في وقصها لما روى أبو عبيد في غريبه مرفوعا أنه قال "ليس في الأوقاص صدقة" وقال الوقص ما بين النصابين وفي حديث معاذ أنه قيل له أمرت في الأوقاص بشيء قال لا وسأسأل رسوله الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال "لا" رواه الدارقطني ولما فيه من ضرر وعدم التشقيص وقيل يجب اختاره الشيرازي فعليه لو تلف بعير من تسع أو ملكه قبل التمكن إن اعتبرنا سقط تسع شاة ولو تلف منها ستة زكى الباقي ثلث شاه ولو كانت مغصوبة فأخذ منها بعيرا بعد الحول زكاه بتسع شاة.
"الرابع: تمام الملك" لأن الملك الناقص ليس نعمة كاملة وهي إنما تجب في مقابلتها إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق فيه حق غيره يتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده حاصلة له قاله أبو المعالي
"فلا زكاة في دين الكتابة" وفاقا لعدم استقراره لأنه يملك تعجيز نفسه ويمتنع من الأداء ولهذا لا يصح ضمانها وفيه رواية فدل على الخلاف هنا
"ولا في السائمة الموقوفة" على معين قال في التلخيص الأشبه أنه لا زكاة وجزم به في الكافي لنقصه والثاني: يجب وهو المنصوص للعموم وكسائر أملاكه وبنى بعض أصحابنا الخلاف على الملك الموقوف.

(2/266)


ولا في حصة المضارب ومن الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما ومن كان له دين على مليء.
------------------------------
عليه وعلى الوجوب لا يخرج منها لأن الوقف لا يجوز نقل الملك فيه وأما الوقف على غير معين كالمساكين والمساجد ونحوها فلا زكاة فيه قولا واحدا.
تنبيه: إذا وقف على معين أرضا أو شجرا فحصل له من غلته نصاب وجبت الزكاة نص عليه لأن الزرع والثمر ليس وقفا بدليل بيعه وقال أبو الفرج لا عشر فيها إن كان فقيرا وجزم به الحلواني وإن حصل لأهل الوقف خمسة أوسق خرج على الروايتين في تأثير الخلطة في غير السائمة
"ولا في حصة المضارب ومن الربح قبل القسمة على أحد الوجهين" هذا ظاهر المذهب واختاره أبو بكر والقاضي والمؤلف إما لعدم الملك أو لنقصانه لأنه وقاية كرأس المال ولا ينعقد الحول إلا باستقرار ملكه نص عليه والثاني: الوجوب وينعقد حوله بظهور الربح اختاره أبو الخطاب وقدمه في المستوعب و الرعاية لأنه ملكه فيجب كسائر أملاكه فعلى هذا لا يجوز أن يخرج من المضاربة بدون إذن رب المال في الأصح
والثاني: يجوز لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكم وجوب الزكاة وإخراجها من المال وعلى قولنا لا يملك العامل الربح بظهوره فلا يلزم رب المال زكاة حصة العامل في الأصح وإن كان حق العامل دون نصاب انبنى على الخلطة في غير السائمة وظاهره وجوبها على رب المال فيزكي حقه من الربح مع الأصل عند حوله نص عليه أمانة أو من غيره لأنه يملك حقه من الربح بظهور في الأظهر فإن أخرج شيئا من المال جعل من الربح ذكره في المغني وقدمه في الرعاية لأنه وقاية لرأس المال وفي الكافي يجعل من رأس المال نص عليه لأنه واجب كديته وقال القاضي يجعل منهما بالحصص فينقص ربع عشر رأس المال وقيل إن قلنا الزكاة في الذمة فمنهما وإن قلنا في العين فمن الربح.
"فيهما" أي في الصورتين المذكورتين "ومن كان له دين على مليء" باذل

(2/267)


من صداق أو غيره زكاه إذا قبضه لما مضى. وفي الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع ، روايتان : إحداهما: كالدين على المليء.
---------------------------------------
أو غيره "من صداق زكاه إذا قبضه لما مضى" روي عن علي وقاله أبو ثور لأنه يقدر على قبضه والانتفاع به أشبه سائر ماله وللعموم ولأنه ليس من المواساة إخراج زكاة مال لم يقبضه ولا فرق بين أن يقصد ببقائه عليه الفرار من الزكاة أم لا وعنه يجب إخراجها في الحال قبل قبضه كالوديعة وعنه لسنة واحدة وقاله ابن المسيب وعطاء بناء على أنه يعتبر لوجوبها إمكان الأداء ولم يوجد فيما مضى وعنه لا زكاة في دين بحال روي عن عائشة لأنه غير نام والأول المذهب لما روى أحمد عن علي وابن عمر وعائشة لا زكاة في الدين حتى يقبض ذكره أبو بكر بإسناده ولم يعرف لهم مخالف.
فرع: لو قبض دون نصاب زكاة نص عليه خلافا للقاضي وابن عقيل وكذا لو كان بيده دون نصاب وباقيه دين أو غصب أو ضال والحوالة به والإبراء كالقبض.
"وفي الدين على غير المليء" وهو المعسر "والمؤجل والمجحود" الذي لا بينة به "والمغصوب والضائع" إذا عاد إليه "روايتان" وكذا أطلقها في المحرر "إحداهما" هو "كالدين على المليء" اختارها الأكثر وذكرها جماعة ظاهر المذهب وجزم به في الوجيز لصحة الحوالة به والإبرار فيزكي ذلك إذا قبضه لما مضى من السنين رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس للعموم وكسائر ماله وقال الشيرازي إذا قلنا يجب في الدين وقبضه فهل يزكيه لما مضى على روايتين ويتوجه ذلك في بقية الصور وقيد في المستوعب المجحود ظاهرا وباطنا وقال أبو المعالي ظاهرا وقال غيرهما ظاهرا أو باطنا أو هما وإن كان به بينة فوجهان.
فرع: حكم مسروق ومدفون ومنسي وموروث جهله أو جهل عند من هو كذلك.

(2/268)


والثانية: لا زكاة فيه قال الخرقي : واللقطة إذا جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها.
---------------------------------------
"والثانية لا زكاة فيه" صححها في التلخيص وغيره ورجحها جماعة واختارها ابن شهاب والشيخ تقي الدين روي عن عثمان وابن عمر لأنه غير نام وهو خارج عن يده وتصرفه أشبه الحلي ودين الكتابة ولأن الزكاة وجبت في المقابلة الانتفاع بالنماء حقيقة أو مظنة وهو مفقود هنا
وفي ثالثة: إن كان لا يؤمل رجوعه كالمسروق والمغصوب فلا زكاة فيه وما يؤمل رجوعه كالدين على المفلس والغائب المنقطع خبره فيه الزكاة قال الشيخ تقي الدين وهذا أقرب إن شاء الله تعالى
وفي رابعة: إن كان من عليه الدين يؤدي زكاته فلا شيء على ربه وإلا وجبت نص عليه في المجحود حذارا من وجوب زكاتين في مال واحد.
"قال الخرقي واللقطة إذا جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها" هذا من صور المال الضائع ذكرها لتأكيد وجوب الزكاة وهو المذهب ولذلك ذكرها بغير واو وفيه إشارة أن الملتقط يملكها بعد حول التعريف إذ لو لم يملكها لوجب على مالكها زكاتها لجميع الأحوال على المذهب وحينئذ إذا ملكها الملتقط استقبل بها حولا وزكى نص عليه لأنه ملكها تاما فوجبت كسائر ماله وكون المالك له انتزاعها إذا عرفها كمال وهبه لابنه وقيل لا يلزمه لأنه مدين بها وعلى الأول لا زكاة على ربها إذا زكاها الملتقط على الأصح وإن أخرج الملتقط زكاتها عليه منها ثم أخذها ربها رجع عليه بما أخرج في الأشهر.
مسائل: يجزئ الصداق وعوض الخلع والأجرة قبل القبض وإن لم يستوف المنفعة في حول الزكاة نص عليه لأن الملك جميعه مستقر وتعريضه للزوال لا تأثير له وهو ظاهر إجماع الصحابة وعنه حتى يقبض ذلك وعنه لا زكاة في صداق قبل الدخول حتى يقبض فيثبت الانعقاد والوجوب قبل الدخول وحكاه المجد إجماعا مع احتمال الانفساخ وعنه:

(2/269)


ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب.
-----------------------------------------------
يملك نصفه قبل الدخول قال في الفروع وكذا الخلاف في اعتبار القبض في كل دين لا في مقابلة مال أو مال غير زكوي عند الكل كموصى به وموروث وعن مسكن وعنه لا حول لأجرة اختاره الشيخ تقي الدين كالمعدن وقيده بعضهم بأجرة العقار وإن سقط قبل القبض لانفساخ النكاح من جهتها فلا زكاة عليها في الأشهر وإن زكت صداقها ثم تنصف بطلاقه رجع الزوج فيما بقي بجميع حقه ذكره جماعة وإن لم تكن زكته قبل الطلاق فليس لها أن تخرج بعده فإن فعلت لم يجزئها لأنه صار مشتركا وإن زكته من غيره رجع بنصفه كاملا
ولا زكاة في الفيء والخمس ولو عزلها الإمام منهما ولا في الغنيمة والحرب قائمة ولا في الذمة على العاقلة وتجب في مبيع قبل القبض جزم به جماعة فيزكيه المشتري مطلقا وكذا مبيع بشرط الخيار أو خيار المجلس فيزكيه من حكم له بملكه ولو فسخ العقد ودين السلم إن كان للتجارة ولم يكن أثمانا وعن المبيع ورأس مال السلم قبل عوضهما ولو انفسخ العقد ويجب في مال الابن وإن كان معرضا لتملك الأب ورجوعه ويجب في وديعة ومرهون في الأصح ولا يجب في مال حجر عليه القاضي للغرماء كالمغصوب تشبيها للمنع الشرعي بالمنع الحسي فإن حجر عليه بعد وجوبها لم يسقط وقيل بل إن كان قبل تمكنه من الإخراج وله إخراجها منه في وجه ولا يقبل إقراره بها وعنه بلا كما لو صدقه الغريم
"ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب" أي يمنع الدين وإن لم يكن من جنس المال وجوب الزكاة في قدره من الأموال الباطنة رواية واحدة لقول عثمان هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه وليزك ما بقي رواه سعيد وأبو عبيد واحتج به أحمد والأموال الباطنة هي الأثمان وعروض التجارة ذكره الشيخان والسامري وفي المعدن وجهان وجزم الشيرازي بأنها الأثمان فقط وعنه لا يمنع لمن لا دين عليه وعلى الأول لا فرق بين الحال والمؤجل ,

(2/270)


إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين.
-------------------------------------
ذكره السامري قال ولم يفرق أصحابنا وجزم في الإرشاد وغيره بأن مانعها الدين الحال خاصة وهو رواية
ويستثنى من كلامه إلا دينا بسبب ضمان أو مؤونة حصاد ودياس ولا يمنع الدين خمس الركاز ويمنع الخراج نص عليه وكذا دين المضمون عنه لا الضامن خلافا لما ذكره أبو المعالي كنصاب غصب من غاصبه وأتلفه فإن المنع يختص بالثاني مع أن للمالك طلب كل منهما ولو استأجر لرعي غنمه بشاة موصوفة صح وهي كالدين في منعها الزكاة.
فرع: إذا كان عليه دين وله دين مثله جعل الدين في مقابلة ما في يده نص عليه وفيه وجه في مقابلة دينه إن كان على مليء
"إلا في المواشي والحبوب" والثمار وتسمى الأموال الظاهرة "في إحدى الروايتين" فإنه لا يمنع لأنه عليه السلام كان يبعث سعاته فيأخذون الزكاة مما وجدوا من المال الظاهر سؤال عن دين صاحبه بخلاف الباطنة وكذا الخلفاء بعده ولأن تعلق الأطماع من الفقراء بها أكثر والحاجة إلى حفظها أوفر بخلاف الباطنة والثانية يمنع اختارها القاضي وأصحابه وجمع وهي الأصح لأن توجه المطالبة أظهر وإلزام الحاكم بالأداء منها آكد وأشد وفي ماله يمنع ما استدانه للنفقة على ذلك دون ما استدانه للنقفة على نفسه وأهله لأنه في الأول من مصالح الزرع فهو كالخراج بخلاف الثاني.
ورده بعضهم لكونهم لا تخرج عن الأولتين لأن ما هو من مصالح الزرع فله إخراجه منه على كلتا الروايتين فإذا لم يخرجه أولا أخرجناه ثانية لأن الزكاة إنما تجب فيما بقي بعده وفي رابعة يمنع ما استدانه للنفقة على زرعه وثمره أو كان من ثمنه خاصة خلا الماشية وهو ظاهر الخرقي قال أحمد اختلف ابن عمر وابن عباس وقال ابن عباس يخرج ما استدانه على ثمرته ويزكي ما بقي وإليه أذهب لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا أو بقرا أو غنما لم يسال أي شيء

(2/271)


والكفارة كالدين في أحد الوجهين الخامس مضي الحول شرط.
------------------------------------------------
على صاحبها وليس المال هكذا.
"والكفارة كالدين في أحد الوجهين" وهذا رواية وصححها صاحب المحرر والرعاية وجزم به ابن البنا في خلافه في الكفارة والخراج ولأن ذلك يجب قضاؤه أشبه دين الآدمي ولقوله عليه السلام "دين الله أحق بالقضاء" وكذا حكم نذر مطلق وزكاة ودين حج وغيرها والثاني لا يمنع وهو رواية وفي المحرر الخراج من دين الله لأن حقوق الله مبناها على المساهلة ولا مطالب بها معين وعلى ما ذكره فيه نظر فإن المطالب به الإمام الذي لا يمكن دفعه ولا مماطلته فهو أشد من دين غيره.
تنبيه: إذا نذر الصدقة بمال بعينه فحال الحول فلا زكاة لزوال أو نقصه وقال ابن حامد تجب وفي الرعاية إذا نذر التضحية بنصاب معين فلا زكاة ويحتمل وجوبها إذا تم حوله قبلها وإن قال لله علي الصدقة بهذا النصاب إذا حال الحول فقيل لا زكاة وقيل بلى فتجزئه الزكاة منه في الأصح ويبرأ بقدرها من الزكاة والنذر إن نواهما معا لكون الزكاة صدقة وكذا لو نذر الصدقة ببعض النصاب هل يخرجهما أو يدخل النذر في الزكاة وينويهما ذكره في الفروع.
"الخامس: مضي الحول شرط" لقول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" رواه ابن ماجه من رواية حارثه بن محمد وقد ضعفه جماعة وقال النسائي متروك وروى الترمذي معناه من حديث ابن عمر من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقد تكلم فيه غير واحد قال الخطابي أراد به المال النامي كالمواشي والنقود لأن نماءها لا يظهر إلا بمضي الحول عليها وإذا ثبت فيهما ثبت في عروض التجارة لأن الزكاة في قيمتها ولأنها لا تجب إلا في ملك تام فاعتبر له الحول رفقا بالمالك وليتكامل النماء فيتساوى فيه
وظاهره: لا بد من تمام الحول والأشهر أنه يعفى عن ساعتين وكذا نصف

(2/272)


إلا في الخارج من الأرض فإذا استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يتم عليه الحول إلا نتاج السائمة وربح التجارة فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصابا وإن لم يكن نصابا فحوله من حين كمل النصاب.
---------------------------------------
يوم وفي المحرر وقاله جماعة لا يؤثر نقصه دون اليوم لأنه لا يضبط غالبا ولا يسمى في العرف نقصا ولا يعتبر طرفا الحول خاصة ولنا وجه
"إلا في الخارج من الأرض" لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: من الآية141] وذلك ينفي اعتباره في الثمار والحبوب وأما المعدن والركاز فبالقياس عليهما
"فإذا استفاد مالا" بإرث أو هبة ونحوها "فلا زكاة فيه حتى يتم عليه الحول" لقوله عليه السلام "ليس في المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول" رواه الترمذي وقال روي موقوفا على ابن عمر وهو أصح ولأنه مال ملكه بسبب منفرد فاعتبر له الحول أشبه ما لو استفاده ولا مال له غيره وظاهره لا فرق بين أن يكون من جنس ما عنده كمن استفاد إبلا وعنده إبل أو من غير جنسه
"إلا نتاج السائمة وربح التجارة فإن حولهما حول أصلهما" أي يجب ضمهما إلى ما عنده من أصله "إن كان نصابا" في قول الجمهور ولقول عمر اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم رواه مالك ولقول علي عد عليهم الصغار والكبار ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة ولأن السائمة يختلف وقت ولادتها فإفراد كل واحدة يشق فجعلت تبعا لأماتها ولأنها تابعة لها في الملك فيتبعها في الحول فلو ماتت واحدة من الأمَّات فنتجت سخلة انقطع بخلاف ما لونتجت ثم ماتت وربح التجارة كذلك معنى فوجب أن يكون مثله حكما.
"وإن لم يكن" الأصل "نصابا فحوله من حين كمل النصاب" لأنه حينئذ تتحقق فيه التبعية كما وجبت فيه الزكاة وقد علم أنه قبل ذلك لا تحب فيه الزكاة لنقصانه عن النصاب ونقل حنبل حول الكل منذ ملك الأمات

(2/273)


وإن ملك نصابا صغارا انعقد عليه الحول حين ملك وعنه لا ينعقد حتى يبلغ سنا يجزئ مثله في الزكاة ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه.
----------------------------
لنماء النصاب وفيه شيء.
تنبيه: إذا نض الربح قبل الحول لم يستأنف له حولا ولا يبني الوارث على حول الموروث نقله الميموني عن أحمد ويضم المستفاد إلى نصاب بيده من جنسه أو ما في حكمه ويزكي كل واحد إذا تم حوله وقيل يعتبر النصاب في مستفاد
"وإن ملك نصابا صغارا انعقد عليه الحول حين ملك" هذا هو المذهب لعموم قوله "في أربعين شاة شاة" لأنها تقع على الكبير والصغير ولقول أبي بكر لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها وهي لا تجب في الكبار لكن لو تغذت باللبن فقط فقيل يجب لوجوبها فيها للأمات كما يتبعها في الحول وقيل لا لعدم السوم اختاره المجد
"وعنه لا ينعقد حتى يبلغ سنا يجزئ مثله في الزكاة" لقول مصدق النبي صلى الله عليه وسلم أمرني ألا آخذ من راضع شيئا إنما حقنا في الثنية والجدعة وعليها إذا ماتت الأمات كلها إلا واحدة لم ينقطع الحول بخلاف ما إذا ماتت كلها قاله في الشرح وذكر القاضي في شرحه الصغير أنها تجب في الحقاق وفي بنات المخاض واللبون وجهان بناء على السخال "ومتى نقص النصاب في بعض الحول" انقطع لأن وجود النصاب في جميع الحول شرط للوجوب وظاهره عدم العفو عنه مطلقا لكن اليسير معفو عنه كالحبة والحبتين ولا فرق في النقص بين أن يكون في وسط الحول أو طرفه وظاهر كلام القاضي وغيره أن اليسير من وسط الحول مؤثر وظاهر الخبر يقتضي التأثير مطلقا قال في الشرح وهو أولى إن شاء الله تعالى
"أو باعه" ولو بيع خيار على المذهب "أو أبدله بغير جنسه" كمن أبدل أربعين

(2/274)


انقطع الحول إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها فلا تسقط.
-----------------------------------
من الغنم بعشرين دينارا أو مائتي درهم بثلاثين من البقر "انقطع الحول" لما تقدم ويستأنف حولا لكن لا ينقطع بموت الأمات والنصاب تام النتاج ولا بيع فاسد وظاهره أنه ينقطع إذا أبدل ذهبا بفضة وبالعكس وهو رواية مخرجة من عدم الضم وإخراجه عنه لأنهما جنسان والمذهب لا ينقطع لأنهما كالجنس الواحد فإن لم ينقطع أخرج مما معه عند وجوب الزكاة وذكر القاضي أنه يخرج مما ملكه أكثر الحول قال ابن تميم ونص أحمد على مثله وذكر القاضي وأصحابه والشيخان إذا اشترى عرضا لتجارة بنقد أو باعها به أنه يبنى على حول الأول لأن الزكاة تجب في أثمان العروض وهي من جنس النقد وفاقا وفي عطفه الإبدال على البيع دليل على أنهما غيران وقال أبو المعالي المبادلة هل هي بيع فيه رويتان ثم ذكر نصه بجواز إبدال المصحف لا بيعه وقول أحمد المعاطاة بيع والمبادلة معاطاة وبعض أصحابنا عبر بالبيع وبعض بالإبدال ودليلهم يقتضي التسوية.
فرع: لا ينقطع الحول في أموال الصيارفة لئلا يفضي إلى سقوطها فيما ينمو ووجوبها في غيره والأخرى يقتضي العكس.
"إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها فلا تسقط" ويحرم لقوله تعالى {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم: من الآية17] فعاقبهم تعالى بذلك لفرارهم من الزكاة لأنه قصد به إسقاط حق غيره فلم يسقط كالمطلق في مرض موته وشرط المؤلف وجماعة أن يكون ذلك عند قرب وجوبها لأنه مظنة قصد الفرار ما لو كان في أول الحول أو وسطه لأنها بعيدة أو منتفية وفي الرعاية قبل الحول بيومين وقيل أو بشهرين لا أزيد والمذهب أنه إذا فعل ذلك فرارا منها أنها لا تسقط مطلقا أطلقه أحمد وحكم الإتلاف كذلك وحينئذ يزكي من جنس المبيع لذلك الحول.
وفي "مفردات أبي يعلى الصغي"ر عن بعض أصحابنا يسقط بالتحيل وهو

(2/275)


وإن أبدله بنصاب من جنسه بنى على حوله ويتخرج أن ينقطع وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال وعنه تجب في الذمة ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء.
---------------------------------
قول أكثرهم كما بعد الحول الأول لعدم تحقق التحيل فيه.
فرع: إذا ادعى عدم الفرار وثم قرينة عمل بها وإلا فالقول قوله في الأشهر.
"وإن أبدله بنصاب من جنسه بنى على حوله" نص عليه لأنه لم يزل مالكا لنصاب في جميع الحول نص عليه فوجبت الزكاة لوجود شرطها وإن زاد بالاستبدال يتبع الأصل في الحول نص عليه كنتاج فلو أبدل مائة شاة بمائتين لزمه شاتان إذا حال حول المائة وقال أبو المعالي يستأنف لزائد حولا وهو ظاهر ومقتضاه أنه أبدله بدون نصاب أنه ينقطع وهو كذلك "ويتخرج أن ينقطع" ذكره أبو الخطاب لأن كل واحد منهما لم يحل عليه الحول وكالحقين وكرجوعه إليه بعيب أو فسخ.
"وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال" نقله واختاره الأكثر قال الجمهور هو ظاهر المذهب وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام "في أربعين شاة شاة" و "فيما سقت السماء العشر" وغيرها من الألفاظ الواردة بلفظ "في" المقتضية للظرفية وإنما جاز الإخراج من غير رخصة "عنه: يجب في الذمة" اختاره الخرقي وأبو الخطاب قال ابن عقيل هو الأشبه بمذهبنا لأنه يجوز إخراجها من غير النصاب أشبه صدقة الفطر ولو وجبت فيه لامتنع تصرف المالك فيه بغير إذن الفقير ولتمكنه من أدائها من غير المال ولسقطت بتلفه من غير تفريط لسقوط أرش الجناية بتلف الجاني.
"ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء" كخبر اشتراط الحول فإنه يدل على الوجوب بعد الحول مطلقا ولأنها حق الفقير فلم يعتبر فيها إمكان الأداء كدين الآدمي ولأنه لو اشترط لم ينعقد الحول الثاني حتى يمكن من الأداء ,

(2/276)


ولا تسقط بتلف المال وعنه أنها تسقط إذا لم يفرط وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما فعليه زكاة واحدة إن.
----------------------------------
وليس كذلك بل ينعقد عقب الأول إجماعا واحتج القاضي بأن للساعي المطالبة ولا يكون إلا لحق سبق وجوبه كالصوم فإنه يقضيه المريض بخلاف الإطعام عنه على الأصح لأن في الكفارة والفدية معنى العقوبة وعنه ويعتبر لأنها عبادة فاشترط لوجوبها إمكان كسائر العبادات وعنه يعتبر في غير المال الظاهر والأول هو المجزوم به وقياسهم ينقلب فيقال عبادة فلا يشترط لوجوبها إمكان الأداء كسائر العبادات فإن الصوم يجب على المريض والحائض والعاجز عن أدائه وعليه لو أتلف النصاب بعد الحول قبل التمكن من الأداء ضمنها وعلى الثانية لا وجزم في الكافي ونهاية أبي المعالي بالضمان.
"ولا يسقط بتلف المال" لأنها عين يلزمه مؤنة تسليمها إلى مستحقها يضمنها بتلفها في يده كعارية وغصب وظاهره ولو فرط لأنها حق آدمي أو مشتملة عليه فلا تسقط بعد وجوبها لدين آدمي ويستثني منه المعشرات إذا تلفت بآفة قبل الإحراز وفي المحرر قبل قطعها لأنها من ضمان البائع بدليل الجائحة إذ استقراره منوط بالوضع في الجرين وزكاة الدين بعدم تلفه بيده
"وعنه أنها تسقط إذا لم يفرط" قال المؤلف وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأنها تجب على سبيل المواساة فلا يجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ولأنها حق يتعلق بالعين فيسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة وجزم بعضهم إن علقت بالذمة لم يسقط وإلا فالخلاف وقال المجد على الرواية الثانية يسقط في الأموال الظاهرة دون الباطنة نص عليه وقال أبو حفص العكبري روى أبو عبد الله النيسابوري الفرق بين الماشية والمال والعمل على ما روى الجماعة أنها كالمال ذكره القاضي وغيره.
"وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتها فعليه زكاة واحدة إن

(2/277)


قلنا تجب في العين وزكاتان إن قلنا تجب في الذمة إلا ما كانت زكاته الغنم من الإبل ، فإن عليه لكل حول زكاة وإن كان أكثر من نصاب فعليه زكاة لكل حول إن قلنا تجب في الذمة.
----------------------------------------
قلنا تجب في العين" ولو تعدى بالتأخير لأن المال يصير ناقصا لتعليق حق الفقراء بجزء منه فلا تجب فيه للحول الثاني لنقصانه وتصير زكاة الحول الأول باقية
"وزكاتان إن قلنا تجب في الذمة" أطلقه أحمد وبعض الأصحاب لأن المال نصاب كامل من كل حول فلم يؤثر في تنقيص النصاب قال ابن عقيل ولو قلنا إن الدين يمنع لم يسقط هنا لأن الشيء لا يسقط نفسه وقد يسقط غيره
واختار جماعة منهم صاحب المستوعب والمحرر إن سقطت الزكاة بدين الله وليس له سوى النصاب فلا زكاة للحول الثاني لأجل الدين لا للتعلق بالعين زاد صاحب المستوعب متى قلنا يمنع الدين فلا زكاة للعام الثاني تعلقت بالعين أو الذمة وإن أحمد حيث لم يوجب زكاة الحول الثاني فإنه بناء على رواية منع الدين لأن زكاة العام الأول صارت دينا على رب المال والعكس بالعكس فعلى المذهب في مائتين وواحدة من الغنم خمس ثلاث للأول واثنتان للثاني وعلى الثاني ست لحولين
"إلا ما كانت زكاته الغنم من الإبل فإن عليه لكل حول زكاة" نص عليه في رواية الأثرم أن الواجب فيه من الذمة وإن الزكاة تتكرر لأن الواجب من غير الجنس أي ليس بجزء من النصاب وبه يفرق بينه وبين الواجب من الجنس وظاهر كلام أبي الخطاب واختاره السامري والمحرر أنه كالواجب من الجنس لأن تعلق الزكاة كتعلق الأرش بالجاني فعلى ما ذكره لو لم يكن سوى خمس من الإبل ففي امتناع زكاة الحول الثاني لكونها دينا ما سبق من الخلاف.
"وإن كان أكثر من نصاب فعليه زكاة جميعه لكل حول إن قلنا تجب في الذمة" لأن الزكاة لما وجبت في الذمة لم تتعلق بشيء من المال فوجب إخراجها

(2/278)


وإن قلنا تجب في العين نقص عليه من زكاته في كل حول بقدر نقصه بها وإذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته فإن كان عليه دين اقتسموا بالحصص.
---------------------------------
لكل حول ما لم تفن الزكاة المال
"وإن قلنا تجب في العين يسقط من زكاة كل حول بقدر نقصه بها" لأنها لما وجبت في العين نقص من المال مقدار الزكاة لتعلقها به فوجب أن لا تجب فيه زكاة لكونه مستحقا للفقراء فوجب أن ينقص من الجميع مقدار زكاة النقص الذي تعلقت به الزكاة.
فعلى الأول لو كان له أربعمائة درهم وجب فيها لحولين عشرون وعلى الثاني تسعة عشر درهما ونصف درهم وربعه لأنه تعلق قدر الواجب في الحول الأول بالمال من الحول الثاني فينقص عشرة فيبقى ثلاثمائة وتسعون درهما وقوله "سقط من زكاة كل حول" لا يشمل الحول الأول لأنه بلا حول لم يكن قبله شيء وجب حتى ينقص بقدره على التعلق بالعين "وإذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته" نص عليه لقوله عليه السلام "دين الله أحق بالقضاء" ولأنه حق واجب تصح الوصية به فلم يسقط بالموت كدين الآدمي وظاهره ولو لم يوص بها كالعشر ونقل إسحاق بن هانئ في حج لم يوص به وزكاة وكفارة من الثلث ونقل عنه أيضا من رأس المال سوى النص السابق
"فإن كان عليه دين" ولم يف بالكل "اقتسموا بالحصص" نص عليه كديون الآدميين إذا ضاق عنها المال وعنه يبدأ بالدين وذكره بعضهم قولا لتقديمه بالرهينة ولأن حقه مبني على الشح بخلاف حق الله وأجاب ابن المنجا بأنها حق آدمي أو مشتملة على حقه وقيل يقدم الزكاة إن علقت بالعين اختاره في المجرد والمستوعب
قال صاحب المحرر لبقاء المال الزكوي فجعله أصلا ولو علقت بالذمة لأن تعلقها بالعين قهري فيقدم على مرتهن وغريم مفلس كأرش جناية وإن

(2/279)


----------------------------------
تعلقت بالذمة فهذا التعلق بسبب المال فيزداد وينقص ويختلف بحسبه وعنه تقدم الزكاة على الحج لأن قدر الواجب منها مستقر ويقدم النذر بمعين عليها وعلى الدين.

(2/280)


باب زكاة بهيمة الأنعام
ولا تجب إلا في السائمة منها وهي التي ترعى في أكثر الحول.
----------------------------------
باب زكاة بهيمة الأنعام
بدأ به اقتداء بكتاب الصديق الذي كتبه لأنس رضي الله عنهما أخرجه البخاري بطوله مفرقا سميت بهيمة لأنها لا تتحكم والأنعام في الإبل والبقر والغنم وقال عياض النعم هي خاصة فإذا قيل الأنعام دخل فيه البقر والغنم.
"ولا تجب إلا في السائمة منها" السائمة الراعية وقد سامت تسوم سوما إذا رعت وأسمتها إذا رعيتها ومنه قوله تعالى {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: من الآية10] وقوله عليه السلام "في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون وفي سائمة الغنم أربعين شاة" فذكره السوم يدل على نفي الوجوب في غيرها لأنها تراد للنسل والدر بخلاف العلوفة والعوامل وقيل يجب في العوامل كالإبل التي تكرى قال في الفروع وهو أظهر ونص أحمد على عدم الوجوب وقيل وتجب في معلوفة كمتولد بين سائمة ومعلوفة
"وهي التي ترعى" المباح فلو اشترى لها ما ترعاه أو جمع لها ما تأكل فلا زكاة واختلف الأصحاب هل السوم شرط أو عدمه مانع فلا يصح التعجيل قبل الشروع فيه على الأول دون الثاني "أكثر الحول" نص عليه لأن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من الإحكام ولأنه لو اعتبر في جميع الحول لا متنع وجوب الزكاة أصلا وقيل يعتبر كله زاد بعضهم ولا أثر لعلف يوم أو يومين.
ولا يعتبر للسوم والعلف نية في وجه فلو سامت بنفسها أو أسامها غاصب ,

(2/280)


وهي ثلاثة أنواع أحدها: الإبل ولا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا فتجب فيها شاة فإن أخرج بعيرا لم يجزئه.
---------------------------------------
وجبت كغصبه حبا وزرعه في أرض مالكه فيه العشر على ربه كنباته بلا زرع وإن اعتلفت بنفسها أو علفها غاصب فلا زكاة لفقدان الشرط وفي آخر يعتبر فتنعكس الأحكام وقيل تجب إذا علفها غاصب اختاره جماعة فقيل لتحريم فعله وقيل لانتفاء المؤنة عن ربها وقيل يجب إن أسامها لتحقق الشرط كما لو كمل النصاب بيد الغاصب.
"وهي ثلاثة أنواع أحدها الإبل" بدأ بها لبداءة الشارع حين فرض زكاة الأنعام ولأنها أهم لكونها أعظم النعم قيمة وأجساما وأكثر أموال العرب ووجوب الزكاة فيها مما أجمع عليه علماء الإسلام
"ولا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا" وهي أقل نصابها لقوله عليه السلام "من لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة"
"فتجب فيها شاة" إجماعا لقوله عليه السلام "إذا بلغت خمسا ففيها شاة" رواه البخاري وقال أبو بكر يجزئه عشرة دراهم لأنها بدل شاة الجبران وجعله في الشرحين إذا عدم الشاة وذكر بعضهم لا يجزئه مع وجود الشاة في ملكه وإلا فوجهان وتعتبر الشاة بصفة الإبل ففي كرام سمينة كريمة سمينة والعكس بالعكس وإن كانت بديل معيبة فقيل الشاة كشاة الصحاح لأن الواجب من غير الجنس كشاة الفدية والأضحية وقيل بل صحتها بقدر المال ينقص قيمتها بقدر نقص الإبل كشاة الغنم وقيل شاة تجزيء في الأضحية من غير نظر إلى القيمة قال في الشرح وبكل حال لا يخرج مريضة وكذا شاة الجبران ولا يعتبر كونها من جنس غنمه ولا جنس غنم البلد ولا يجزئ الذكر وقيل بلا لإطلاقها.
"فإن أخرج بعيرا لم يجزئه" نص عليه لأنه عدل عن المنصوص عليه فلم تجزئه كما لو أخرج بقرة وكنصفي شاتين في الأصح وسواء كانت قيمته أكثر

(2/281)


وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي لها سنة فإن عدمها أجزأه ابن لبون.
----------------------------------
من قيمة الشاة أولا وإنما أجزأت بنت لبون عن بنت مخاض لأنه مخرج للواجب وزيادة من جنس الواجب بخلاف البعير وقيل يجزئ إن كانت قيمته قيمة شاة وسط فأكثر بناء على إخراج القيمة وقيل يجزئ إن أجزأ عن خمس وعشرين
"وفي العشر شاتان وفي خمس ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه" هذا كله مجمع عليه وثابت بسنة رسول الله لقوله في حديث أبي بكر "في أربع وعشرين من الإبل فما دونها في كل خمس شاة"
"فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض" لا نعلم فيه خلافا إلا ما يحكى عن علي لقوله عليه السلام "فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض"
"وهي التي لها سنة"ودخلت في الثانية سميت بذلك لأن أمها قد حملت غالبا والمخاض الحائل وليس بشرط وإنما ذكر تعريفا بغالب حالها كتعريفه الربيبة بالحجر
"فإن عدمها" في ماله أو كانت معيبة "أجزأه ابن لبون" لقوله عليه السلام "فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر" رواه أبو داود وفي لفظ "فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها" لأن وجودها كالعدم في الانتقال إلى البدل والأشهر أو خنثى وظاهره أنه يجزئ ولو نقصت قيمته عن بنت مخاض ويجزئ حق أو جزع أوثني وأولى لزيادة السن وفي بنت لبون وله جبران وجهان فإن اشترى بنت مخاض وأخرجها أجزأ بلا نزاع لأنها الأصل ولا يجزئ إخراج ابن لبون بعد شرائها فإن كان في ماله بنت مخاض أعلى من الواجب لم يجزئه ابن لبون والأشهر لا يلزمه

(2/282)


وهو الذي له سنتان فإن عدمه أيضا لزمه بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاث سنين وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين
------------------------------------------
إخراجها بل يخير بينها وبين سوى بنت مخاض بصفة الواجب وقال أبو بكر يجب عليه إخراجها بناء على قوله إنه يخرج عن المراض صحيحة حكاه ابن عقيل عنه
"وهو الذي له سنتان" ودخل في الثالثة سمي بذلك لأن أمه وضعت فهي ذات لبن "فإن عدمه أيضا لزمه" شراء "بنت مخاض" ولا يجزئه هو لقوله عليه السلام في خبر أبي بكر "فمن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه" ذكره ابن حامد وتبعه الأصحاب ولأنهما استويا في العدم فلزمه بنت مخاض كما لو استويا في الوجود والخبر محمول عليه
"وفي ست وثلاثين بنت لبون" لقوله في خبر أبي بكر "فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أثنى" وظاهره لا يجزئ ابن لبون وقيل بل يجبران لعدم
"وفي ست وأربعين حقة" لحديث الصديق فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل "وهي التي لها ثلاث سنين" ودخلت في الرابعة سميت به لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها ويطرقها الفحل والذكر منها حق.
"وفي إحدى وستين جذعة" لقوله عليه السلام في الصدقة "وإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة" "وهي التي لها أربع سنين" ودخلت في الخامسة سميت به لأنها تجذع إذا سقط منها سنها والذكر جذع فلو أخرج ثنية وهي التي دخلت في السادسة أجزأ بلا جبران سميت به لأنها ألقت ثنيتها وقيل يجزئ عن الجذعة حقتان وابنتا لبون وابنتا لبون عن الحقة ذكره المؤلف ونقضه بعضهم ببنت مخاض عن العشرين وببنت بنات مخاض عن الجذعة .

(2/283)


وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة فإذا بلغت مائتين اتفق الفرضان فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون.
-------------------------------------
فصل:
الأسنان المذكورة للإبل هو قول أهل اللغة وذكر ابن أبي موسى لبنت مخاض سنتان ولبنت لبون ثلاث ولحقة أربع ولجذعة خمس كاملة فحمله المجد على بعض السنة وهو غريب لقوله كاملة وقيل لبنت مخاض نصف سنة ولحقة سنتان ولجذعة ثلاث
"وفي ست وسبعين ابنتا لبون" إجماعا لقوله عليه السلام "فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون" .
"وفي إحدى وتسعين حقتان" إجماعا لقوله عليه السلام "فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل"
"فإذا زادت واحدة" أي على العشرين والمائة "ففيها ثلاث بنات لبون" في المشهور والمختار للعامة لظاهر خبر الصديق "فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" وبالواحدة حصلت الزيادة فقيل الواحدة عفو وإن تغير بها الفرض وقيل يتعلق بها الوجوب
"ثم" تستقر الفريضة "ففي كل أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة" هذا المذهب لخبر الصديق رواه البخاري وعنه لا يتغير الفرض إلا إلى مائة وثلاثين فتستقر الفريضة ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون اختاره أبو بكر والآجري لخبر عمرو بن حزم وفيه ضعف فإن صح عورض بروايته الأخرى وبما أكثر منه وأصح.
"فإذا بلغت مائتين اتفق الفرضان فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون" هذا المذهب واختاره الأكثر ونص أحمد على مثله في البقر ,

(2/284)


والمنصوص أنه يخرج الحقاق وليس فيها بين الفريضتين شيء ومن وجبت عليه سن فعدمها أخرج سنا أسفل منها ومعها شاتان أو عشرون درهما وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي.
-----------------------------
ذكره المجد وجزم به في الوجيز للأخبار وزاد بعضهم ما لم يكن المال ليتيم أو مجنون فحينئذ يتعين إخراج الأدون المجزئ فلو جمع بين النوعين في الإخراج كأربع حقاق وخمس بنات لبون عن أربع مائة جاز جزم به الأئمة فإطلاق وجهين سهو أما مع الكسر فلا كحقين وبنتي لبون ونصف عن مائتين وفيه تخريج وهو ضعيف.
فرع: إذا وجد أحد الفرضين كاملا والآخر ناقصا لا بد له من جبران يعين الكامل لأن الجبران بدل.
"والمنصوص أنه يخرج الحقاق" أي يجب إخراجها وقاله القاضي في الشرح نظر لحظ الفقراء إذ هي أنفع لهم لكثرة درها ونسلها وأول في المغني والشرح النص على صفة التخير وقدم في الأحكام السلطانية أن الساعي يأخذ أفضلها وقال القاضي وابن عقيل يأخذ ما وجد عنده منها ومرادهم ليس للساعي تكليف المالك سواه لأن الزكاة سببها النصاب فاعتبرت به.
"وليس فيما بين الفريضتين شيء" وتسمى الأوقاص لعفو الشارع عنها وقد تقدم "ومن وجبت عليه سن فعدمها" لم يكلف تحصيلها وخير المالك فإن شاء "أخرج سنا أسفل منها ومعها شاتان أو عشرون درهما وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي" هذا هو المذهب كما في كتاب أنس "ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما" متفق عليه وهذا التخيير ثابت في كون ما عدل إليه في ملكه فإن عدمها حصل الأصل.
وظاهره: أنه لا يجوز أن يخرج أدنى من بنت مخاض لأنها أقل ما يجب في

(2/285)


فإن عدم السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهما قال أبو الخطاب لا ينتقل إلا إلى سن تلي الواجب ولا مدخل للجبران في غير الإبل.
--------------------------------
زكاتها ولا يخرج أعلى من الجذعة إلا أن يرضى رب المال بغير جبران ذكره في الشرح واقتضى أن من وجبت عليه الجذعة وليست عنده وأخرج الثنية أن يأخذ الجبران من الساعي وليس كذلك لعدم وروده وأنه لا يجبر بشاة وعشرة دراهم في وجه حذارا من تخيير ثالث ويجوز من آخر وقاله القاضي لأن الشارع جعل العشرة في مقابلة الشاة.
"فإن عدم السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهما" أومأ إليه أحمد واختاره القاضي وأورده الشيخان مذهبا لأن الشارع جوز له الانتقال إلى الذي يليه مع الجبران وجوز العدول عنها إذا عدم الجبران إذا كان هو الوصي وهاهنا لو كان موجودا فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران ولا شك في التعدية إذا عقل معنى النص ومحله ما إذا كان بصفة الصحة أو لجائز الأمر فأما إذا كان النصاب معيبا وعدمت الفريضة فله دفع السن السفلى مع الجبران وليس له دفع ما فوقها مع الجبران لأن الجبران قدره الشارع وقيل ما بين الصحيحين وما بين المعيبين أقل فإذا دفعه المالك صار كتطوعه بالزائد بخلاف الساعي وولي اليتيم فإنه لا يجوز لهما إلا إخراج الأدون وهو أقل الواجب كما لا يتبرع.
"وقال أبو الخطاب" وابن عقيل وذكره صاحب النهاية ظاهر المذهب "لا ينتقل إلا إلى سن تلي الواجب" إذ النص إنما لم يرد به والزكاة فيها شيابة التعبد.
"ولا مدخل للجبران في غير الإبل" لأن النص إنما ورد فيها فيقتصر عليه وليس غيرهما في معناها لكثرة قيمتها لأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفريضتين في الإبل فامتنع القياس فلو غير صفة الواجب بشيء من جنسه وأخرج الرديء عن الجيد ,

(2/286)


فصل:
النوع الثاني البقر ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة وهي التي لها سنة وفي أربعين مسنة وهي التي لها سنتان.
--------------------------------.
وزاد قدر ما بينهما من الفضل لم يجزئ لأن القصد من غير الأثمان النفع بعينها فيفوت بعض المقصود ومن الأثمان القيمة وقال المجد قياس المذهب جوازه في الماشية وغيرها.
فصل:
"النوع الثاني البقر" وهو اسم جنس والبقرة تقع على الأنثى والذكر ودخلت الهاء على أنها واحدة من جنس والبقرات الجمع والباقر جماعة البقر مع رعاتها وهي مشتقة من بقرت الشيء إذا شققته لأنها تبقر الأرض بالحراثة.
والأصل في وجوبها أحاديث منها ما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر رواه أحمد ولفظه له وأبو داود وغيرهما وصححه بعضهم وقال على شرط الشيخين وإنما لم يذكر في خبر الصدقة لقلتها في الحجاز إذ يندر ملك نصاب منها بل لا يوجد ولما أرسل معاذ إلى اليمن ذكر له حكمها لوجودها ولا خلاف في وجوبها.
"ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين" وهي أقل نصابها "فيجب فيها تبيع" سمي به لأنه يتبع أمه وهو جذع البقر الذي استوى قرناه وحاذى قرنه أذنه غالبا "أو تبيعة وهي التي لها سنة" وعبارة الفروع لكل منهما سنة وذكره الأكثر وفي الأحكام السلطانية نصف سنة وقال ابن أبي موسى سنتان
"وفي أربعين مسنة" لأنها ألقت سنا غالبا وهي الثنية "وهي التي لها سنتان" وفي الأحكام السلطانية سنة وقيل ثلاث وقيل أربع ولا يجزئ عنها

(2/287)


وفي الستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ولا يجزئ الذكر في الزكاة في غير هذا إلا ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها إلا أن يكون النصاب كله ذكورا فيجزئ الذكر في الغنم وجها واحدا ومن الإبل والبقر في أحد الوجهين.
--------------------------------
مسن بل عن الأولين وقيل يجزئ عنها تبيعان
"وفي الستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة" وقاله الأكثر لما روى أحمد بإسناده عن يحيى بن الحكم عن معاذ قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات وأربعة أتباع وأمرني أن لا آخذ مما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا وظاهره أنها إذا بلغت مائة وعشرين اتفق فيها الفرضان كالإبل ونص أحمد هنا على التخير.
"ولا يجزئ الذكر في الزكاة" إذا كانت ذكورا أو إناثا لأن الأنثى أفضل لما فيها من الدر والنسل وقد نص الشارع على اعتبارها في الإبل في الأربعين من البقر "في غير هذا" إذ التبيع مكان التبيعة للنص السابق ولأنه أكثر لحما فتعادل الأنوثة "إلا ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها" لأنه يمتنع من صغار السباع ويرعى الشجر فيجزئ بنفسه ويرد الماء لكن ليس بأصل لكونه لا يجزئ مع وجودها بخلاف التبيع فيجزئ في الثلاثين وما تكرر منها كالستين وأما الأربعون وما تكرر منها كالثمانين فلا يجزئ في فرضها إلا الإناث لنص الشارع عليها إلا أن يخرج عن المسنة تبيعين فيجزئ ذكره في الشرح.
"إلا أن يكون النصاب كله ذكورا فيجزئ الذكر في الغنم وجها واحدا" لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير الجنس وقيل لا فيخرج أنثى بقيمة الذكر
و يجزئ "من الإبل والبقر في أحد الوجهين" هذا المذهب جزم به في

(2/288)


ويؤخذ من الصغار صغيرة ومن المراض مريضة وقال أبو بكر لا يؤخذ إلا كبيرة صحيحة على قدر المال.
-----------------------------------
الوجيز لما سبق الثاني لا يجزئ فيهما لأن الشارع نص على الأنثى وهي أفضل ففي العدول عنها عدول عن المنصوص وصحح في الكافي والشرح الإجزاء في البقر لأنه قد جوزنا الذكر في الغنم مع أنه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإناث فالبقر التي فيها مدخل أولى وفي الإبل وجهان أحدهما يجزئ لما ذكر من المواساة والثاني لا يجزئ لإفضائه إلى إخراج ابن لبون عن خمس وعشرين وست وثلاثين وفيه تسوية بين النصابين
فعلى هذا: يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر وعلى الأول يخرج ابن لبون عن النصابين ويكون التعديل بالقيمة والفرق أن الشارع أطلق الشاة الواجبة ونص على الأنثى من الإبل والبقر.
"ويؤخذ من الصغار صغيرة" نص عليه لقول أبي بكر والله لو منعوني عناقا الخبر ويتصور أخذها إذا أبدل الكبار بالصغار أو بموت الإناث وتبقى الصغار وهذا على المشهور أن الحول ينعقد عليها مفردة وهذا في الغنم دون الإبل والبقر فلا يجزئ إخراجه فصل:انا وعجاجيل فيقوم النصاب من الكبار ويقوم فرضه ثم تقوم الصغار ويؤخذ عنها كبيرة بالقسط وقيل يجزئ فيؤخذ من خمس وعشرين إلى إحدى وستين واحدة والتعديل بالقيمة مكانه زيادة السن.
"ومن المراض مريضة" لأنها وجبت مواساة وليس منها أن يكلف غير الذي في ماله ولا اعتبار بقلة العيب وكثرته لأن القيمة تأتي على ذلك لكون أن المخرج وسط القيمة "وقال أبو بكر لا يؤخذ" فيهما "إلا كبيرة صحيحة على قدرالمال" لقوله في رواية أحمد بن سعيد لا يأخذ إلا ما يجوز في الأضاحي قال القاضي وأومأ إليه في رواية ابن منصور وذكره الحلواني ظاهر الخرقي لقول مصدق النبي صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا آخذ من راضع شيئا إنما

(2/289)


فإن اجتمع صغار وكبار وصحاح ومراض وذكور وإناث لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين.
-----------------------------
حقنا في الثنية والجذعة ولقول عمر اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم وكشاة الإبل فعلى هذا يكلف سواء كبيرة أو صحيحة بقدر قيمة الفرض لتحصل المواساة والأول أشهر وما ذكرناه محمول على ما إذا اشتمل على نوعين وشاة الإبل ليست من جنس المال فلا يرتفق المالك وهنا من جنسه فهو كالحبوب
"فإن اجتمع" في النصاب "صغار وكبار وصحاح ومراض وذكور وإناث لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين" للنهى عن أخذ الصغير والمعيب والكريمة لقوله ولكن من وسط أموالكم ولتحصل المواساة فإذا كان قيمة المال المخرج إذا كان المزكى كله كبارا صحاحا عشرين وقيمته بالعكس عشرة وجب كبيرة صحيحة قيمتها خمسة عشر هذا مع تساوي العددين فلو كان الثلث أعلى والثلثان أدنى فشاة قيمتها ثلاثة عشر وثلث وبالعكس قيمتها ستة عشر وثلثان.
"وإن كان نوعين كالبخاتي" الواحد بختي والأنثى بختية قال عياض هي إبل غلاظ ذوات سنامين "والعراب" هي جرد ملس حسان الألوان كريمة "والبقر والجواميس" واحدهما جاموس قال موهوب هو أعجمي تكلمت به العرب "والضأن والمعز أو كان فيه كرام" واحدها كريم وذكر عياض في قوله "واتق كرائم أموالهم" أنها جمع كريمة وهي الجامعة للكمال الممكن في حقها من غزارة لبن أو جمال صورة أو كثرة لحم أو صوف وقيل هي التي يختصها مالكها لنفسه ويؤثرها "ولئام" واحدها لئيمة وهي ضد الكريمة "وسمان ومهازيل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين" لأنها مع اتحاد الجنس هي المقصودة وذكره أبو بكر في بقيمة سمينة وظاهره أنه مخير في أي الأنواع أحب سواء دعت إليه الحاجة أولا لكن من كرام وسمان وضدهما يخرج وسطا نص عليه ,

(2/290)


وإن كان نوعين كالبخاتي والعراب والبقر الجواميس والضأن والمعز أو كان فيه كرام ولئام ومهازيل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين.
فصل:
النوع الثالث الغنم ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين فيجب فيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة شاة.
------------------------------
قدمه في الفروع وجزم به في المحرر وقيل يخير الساعي ونقل حنبل في ضأن ومعز يخير الساعي لاتحاد الواجب ولم يعتبر أبو بكر القيمة في النوعين قال المجد وهو ظاهر نقل حنبل ولا يلزمه من أكثرهما عددا وقد تضمن كلامه ضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة وخرج به الخرقي في الضأن والمعز وحكاه ابن المنذر إجماعا.
مسألة: إذا أخرج عن النصاب من غير نوعه ما ليس في ماله منه جاز إن لم ينقص قيمة المخرج عن النوع الواجب وعلى قول أبي بكر ولو نقصت وقيل لا يجزئ هنا مطلقا كغير الجنس.
فصل:
"النوع الثالث: الغنم ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين" وهي أقل نصابها إجماعا "فيجب فيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين" إجماعا "فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه" وفاقا "ثم" تستقر الفريضة فيجب "في كل مائة شاة شاة" وسنده ما روى أنس في كتاب الصدقات أنه قال في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل

(2/291)


ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا تيس ولا ذات عوار وهي المعيبة.
--------------------------
مائة شاة وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها مختصر رواه البخاري وعنه في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ خمسمائة فيكون خمس شياه وعنه أن المائة زائدة ففي أربعمائة وواحدة خمس شياه وفي خمسمائة وواحدة ست وعلى هذا أبدا واختلف اختيار أبي بكر والمذهب الأول نص عليه وعلى هذا لا يتغير بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فيجب في كل مائة شاة والوقص مائتين مائتين وواحدة إلى أربعمائة وهو مائة وتسعة وتسعون.
"ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع" لما روى سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز ولأنهما يجريان في الأضحية فكذا هنا الجذع من الضأن ماله ستة أشهر وقيل ثمانية أشهر لا سنة والثني من المعز ماله لا سنتان
"ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا تيس ولا ذات عوار" لقوله تعالى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: من الآية267] البقرة وفي كتاب أبي بكر ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق رواه البخاري وكان أبو عبيدة يرويه بفتح الدال من المصدَق يعني المالك فيكون الاستثناء راجعا إلى التيس فقط وخالفه عامة الرواة فقالوا بكسرها يعني الساعي ذكره الخطابي وقال التيس لا يؤخذ لنقصه وفساد لحمه فيكون كتيس لا يضرب لكن قدم في الفروع أن فحل الضراب لا يؤخذ لخيره فلو بذله المالك لزم قبوله حيث يقبل الذكر والهرمة هي الكبيرة الطاعنة في السن والعوار بفتح العين على الأفصح "وهي المعيبة" التي لا يضحى بها قاله الأكثر وفي نهاية الأزجي وأومأ إليه المؤلف إذا ردت في البيع ونقل حنبل لا يؤخذ عوراء ولا عرجاء ولا ناقصة الخلق

(2/292)


ولا الربى وهي التي تربي ولدها ولا الحامل ولا كرائم المال إلا أن يشاء ربه ولا يجوز إخراج القيمة وعنه يجوز.
-----------------------------
واختار المجد جوازه إن رآه الساعي انفع للفقراء لزيادة صفة فيه وأنه أقيس بالمذهب لأن من أصله إخراج المكسورة عن الصحاح إذا زاد قدر ما بينهما من الفضل فيكون الاستثناء راجعا إلى الثلاثة وقاله بعض العلماء.
"ولا الربى وهي التي تربي ولدها" قاله أحمد وقيل هي التي تربى في البيت لأجل اللبن "ولا الحامل" لقول عمر لا تؤخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ومراده السمينة مع أنه يجب إخراج الفريضة على صفة مع الاكتفاء بالسن المنصوص عليه وكذا لا يؤخذ طروقة الفحل لأنها تحبل غالبا "ولا كرائم المال" وهي النفسية فهذه لا تؤخذ لشرفها ولحق المالك إلا أن يشاء ربه لأنه خير المال فلم يجزئ أخذه بغير رضا مالكه والحق في الوسط قال الزهري إذا جاء المصدق قسم الشاء أثلاثا ثلث خيار وثلث وسط شرار وأخذ من الوسط
وروي عن عمر يؤيد قوله عليه السلام ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم شره رواه أبو داود.
"ولا يجوز إخراج القيمة" في ظاهر المذهب لقوله عليه السلام لمعاذ خذ الحب من الحب والإبل من الإبل والبقر من البقر والغنم من الغنم رواه أبو داود وابن ماجه ومقتضاه عدم الأخذ من غيره لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ولا فرق بين الماشية وغيرها قال أبو داود قيل لأحمد أعطي دراهم في الصدقة الفطر فقال أخاف أن لا يجزئ خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
"وعنه: يجوز" لقول معاذ ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم من الصدقة مكان الذرة والشعير فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة ولأن المقصود دفع حاجة الفقراء ولا يختلف ذلك باختلاف صور الأموال إذا حصلت القيمة
قال في الشرح هذا فيما عدا صدقة الفطر فتكون بالبر وعنه يجزئ

(2/293)


وإن أخرج سنا أعلى من الفرض من جنسه جاز.
---------------------------------------------
للحاجة إن تعذر الفرض والأول أولى للنصوص وقول معاذ محمول على الجزية فإنه يطلق عليها صدقة مجازا وقوله مكان الذرة والشعير يجوز أن يكون صالحهم عن أراضيهم بذلك قاله ابن المنجا ولأنها وجبت لدفع حاجة الفقراء وشكرا لنعمة المال فيتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به الحاجة ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه مع أن في تجويز إخراج غيرها عدول عن المفروض
"وإن أخرج سنا أعلى من الفرض من جنسه" كبنت لبون عن بنت مخاض جاز قاله الأئمة لما روى أبي بن كعب أن رجلا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن ما علي بنت مخاض فعرضت عليه ناقة فتية سمينة فقال عليه السلام "ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك" فقال ها هي ذه فأمر بقبضها ودعا له بالبركة رواه أحمد وأبو داود ولأنه زاد على الواجب من جنسه ما يجرئ عن غيره فأجزأ كما لو زاد في العدد
وذكر ابن عقيل وجها لا يجزئ وظاهره أنه لا يجزئ في غيرالجنس لأنه عدول عن المنصوص عليه.

(2/294)


فصل: في الخلطة
وإذا اختلط نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه فحكمهما في الزكاة حكم الواحد سواء كانت خلطة أعيان بأن يكون مشاعا بينهما أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما متميزا.
------------------------
فصل: في الخلطة
بضم الخاء الشركة وهي جائزة في الجملة لما روى الترمذي عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتاب الصدقة "لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من الخلطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" ورواه البخاري من حديث أنس "وإذا اختلط نفسان" لأن اقل من ذلك الواحد ولا خلطة معه "أو أكثر من أهل الزكاة" فلو كان أحدهما مكاتبا أو ذميا فلا أثر لها لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل النصاب به "في نصاب" فلو كان المجموع أقل من نصاب فلا عبرة في ذلك سواء كان له مال غيره أو لا وظاهره الجواز فيما زاد عليه من باب أولى من الماشية فلا يؤثر في غيرها وسيأتي "حولا لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه" لأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب "فحكمها في الزكاة حكم الواحد" لأنه لو لم يكن كذلك لما نهى الشارع عن جمع التفرق وعكسه خشية الصدقة وسواء أثرت في إيجاب الزكاة أو إسقاطها أو في تغيير الفرض فلو كان لأربعين من أهل الزكاة أربعون شاة أو لواحد شاة وللآخر تسعة وثلاثون لزمهم شاة نص عليهما ومع الانفراد لا يلزمهم شيء ولو كان لثلاثة مائة وعشرون شاة لزمهم شاة ومع الانفراد ثلاث شياه "سواء كانت خلطة أعيان" لأن أعيانها مشتركة "بأن يكون مشاعا بينهما" بأن ملكاه بإرث أو شراء أو غيرها "أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منها متميزا" عن الآخر بصفة أو صفات "واشتركا"

(2/295)


فاشتركا في المراح والمسرح والمشرب والمحلب والراعي والفحل.
---------------------------
في الأوصاف الآتي ذكرها ويعتبر فيها أن لا يتميز "في المراح" بضم الميم المكان الذي تروح إليه الماشية عند رجوعها فتبيت فيه "والمسرح" موضع الرعي وفسره صاحب التلخيص وغيره موضع جمعها عند خروجها للرعي "والمشرب" بفتح الميم والراء المكان الذي يشرب فيه وكذا ذكره أبو الخطاب وصاحب التلخيص والوجيز ولم يذكره الأكثر "والمحلب" بفتح الميم واللام الموضع الذي يحلب فيه وبكسر الميم الإناء والمراد الأول لأنه ليس المقصود خلط اللبن في إناء واحد لأنه ليس بمرفق بل مشقة لما فيه من حاجة إلى قسم اللبن وربما أفضي إلى الربا وقيل يلزم خلط اللبن وقيل يشترط اتحاد الآنية جزم به في الوجيز
"والراعي" كذا قاله أبو الخطاب وصاحب الوجيز والمستوعب وأسقط المحلب "والفحل" جزم به معظم الأصحاب والمراد به المعد للضراب وليس المعتبر اتحاده ولا أن يكون مشتركا بل أن لا يتميز فحول أحد المالين عن الآخر عند الضراب وجمع في المحرر والوجيز بين المسرح والمرعى كالخرقي قال ويحتمل أن الخرقي أراد بالرعي الرعي الذي هو المصدر لا المكان وأنه أراد بالمسرح المصدر الذي هو السروح لا المكان فإذا كان كذلك زال التكرار وحصل به اتحاد الراعي والمشرب
وقال ابن حامد المرعى والمسرح شرط واحد وإنما ذكر أحمد المسرح ليكون فيه راع واحد وقال في الواضح الفحل والراعي والمحلب وذكر الآمدي المراح والمسرح والفحل والمرعى وذكر القاضي أنه الراعي فقط وذكر رواية أنه يعتبر الراعي والمبيت فقط وفيه طرق أخرى واحتج الأصحاب لاعتبار ذلك بحديث سعد بن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "الخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والراعي" رواه

(2/296)


فإن اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده.
------------------------------------
الخلال والدارقطني ورواه أبو عبيد وجعل بدل الراعي المرعى وضعفه أحمد فإنه من رواية ابن لهيعة فيتوجه العمل بالعرف في ذلك ويحتمل أن خلطة الأوصاف لا أثر لها كما يروى عن طاووس وعطاء لعدم الدليل والأصل اعتبار المال بنفسه ذكره في الفروع وظاهره أنه لا يشترط للخلطة نية وهي في خلطة الأعيان إجماع وكذا في خلطة الأوصاف في الأصح واحتج المؤلف بنية السوم في السائمة وكنية السقي في المعشرات واختار في المحرر أنها يعتبر فيها لأنها معنى يتغير به الفرض فافتقر إلى النية كالسوم وفائد: الخلاف في خلط وقع اتفاقا أو فعله راع وتأخر النية عن الملك وقيل لا يضر تأخيرها بزمن يسير لتقديمها على الملك بزمن يسير.
"فإن اختل شرط منها" بطل حكمها لفوات شرطها وصار وجودها كالعدم فيزكي كل واحد ماله إن بلغ نصابا وإلا فلا.
"أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول" كرجلين لكل واحد منهما نصاب ملكه في أول المحرم ثم اختلط بعد ذلك "زكيا زكاة المنفردين فيه" يعنى على كل واحد منهما عند تمام حوله شاة وفيما بعد ذلك من السنين يزكيان زكاة الخلطة فإن اتفق حولاهما أخرجا شاة عند تمام الحول نصفين وإن اختلف فعلى الأول عند تمام حوله نصف شاة وإذا تم حول الثاني فإن كان الأول أخرجها من غير المال فعلى الثاني نصف شاة أيضا وإن أخرجها من المال فقد تم حول الثاني على تسعة وسبعين شاة ونصف شاة له منها أربعون شاة يلزمه أربعون جزءأ من تسعة وسبعين جزءاً ونصف جزء من شاة فيضعفها لتكون ثمانين جزءا من مائة وتسعة وخمسين جزءأ من شاة كلما تم حول أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ماله فيه
"وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده" بأن يملك رجلان نصابين ثم يخلطاهما ثم يبيع أحدهما نصيبه أجنبيا بعد ملك المشتري أربعين ثم يثبت

(2/297)


فعليه زكاة المنفرد وعلى الثاني زكاة الخلطة ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منها وإن ملك نصابا شهرا ثم باع نصفه مشاعا أو أعلم على بعضه وباعه مختلطا فقال أبو بكر ينقطع الحول ويستأنفانه من حين البيع.
---------------------------------
لها حكم الانفراد فإذا تم الحول "فعليه زكاة المنفرد" وهو شاة لثبوت حكم الانفراد من حقه "وعلى الثاني" إذ اتم حوله "زكاة الخلطة" وهو نصف شاة لكونه لم يزل مخالطا في جميع الحول إن كان الأول أخرجها من غير المال وإن كان أخرج منه لزمه أربعون جزءأ من تسعة وسبعين جزءأ من شاة "ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة" لأنها موجودة في جميع الحول بشروطها "كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منها" أي يزكي بقدر ملكه فيه وفيه تنبيه: على أمرين أحدهما: أن من ثبت له حكم الانفراد في الحول الأول يزكي ما عليه عند تمام حوله الثاني ولا ينتظر حوله المشتري لأن الزكاة بعد حولان الحول لا يجوز تأخيرها وإن المشتري لا يجب عليه تقديم زكاته إلى رأس حول شريكه لأن تقديمها قبل حولان الحول لا يجب وثانيهما: أنه إذا كان لكل واحد نصاب فعلى كل منها نصف شاة فإن كان للأول أربعون وللثاني ثمانون فعلى الأول ثلث شاة وعلى الثاني ثلثاها ذكره ابن المنجا
تنبيه: يثبت حكم الانفراد أيضا فيما إذا كان لأحدهما نصاب وللآخر دونه ثم يختلطان في أثناء الحول به وكذا إذا أبدل نصابا منفردا بنصاب مختلط من جنسه وقلنا لا ينقطع الحول به زكيا زكاة انفراد كمال واحد حصل الانفراد في أحد طرفي حوله وكذا لو اشترى أحد الخليطين بأربعين مختلطة أربعين منفردة وخلطها في الحال لوجود الانفراد في بعض الحول وقيل يزكي زكاة خلطة لأنه يبني على حول خلطة وزمن الانفراد يسير
"وإن ملك نصابا شهرا ثم باع نصفه مشاعا أو أعلم على بعضه" أي عينه "وباعه مختلطا فقال أبو بكر ينقطع الحول ويستأنفانه من حين البيع" هذا

(2/298)


وقال ابن حامد لا ينقطع حول بائع وعليه إذا تم حوله زكاة حصته فإن كان أخرجها من المال انقطع حول المشتري لنقصان النصاب وإن أخرجها من غيره وقلنا الزكاة في العين فكذلك وإن قلنا في الذمة فعليه عند تمام حوله زكاة حصته.
--------------------------------
هو المذهب وجزم به في الوجيز لأنه قد انقطع في النصف المبيع فصار كأنه لم يجر في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاع الحول في الثاني "وقال ابن حامد لا ينقطع حول البائع" فيما لم يبع لأنه لم يزل مخالطا لمال جار في حول الزكاة "وعليه إذا تم حوله زكاة حصته" فيلزمه نصف شاة لكونه ما خلا حوله من ملك نصف نصاب فهو كالخليط إذا تم ماله بمال شريكه
"فإن كان" البائع "أخرجها من المال انقطع حول المشتري" ذكره المجد إجماعا فعلى هذا لا زكاة عليه لنقصان النصاب في بعض الحول إلا أن يستديم الفقير الخلطة بنصفه فلا ينقص النصاب إذن ويخرج الثاني نصف شاة وقيل إن زكى البائع منه إلى الفقير زكى المشتري "وإن أخرجها" البائع "من غيره وقلنا الزكاة في العين فكذلك" وكذا ذكره المؤلف في بقية كتبه وصححه وعزاه إلى أبي الخطاب لأن تعلقها بالعين ينقص النصاب فمنع وجوبها على المشتري
وجزم الأكثر منهم القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل وقاله في المستوعب والمحرر وقدمه في الفروع أنه يجب على المشتري نصف شاة إذا تم حوله لأن التعلق بالعين لا يمنع انعقاد الحول الثاني بالاتفاق والفقير لا يملك جزءا من النصاب وإنما يتعلق حقه به كتعلق أرش الجناية بالجاني فلم يمنع وجوبها وضعف المجد الأول عن أبي الخطاب وقال هذا مخالف لما ذكره في كتابه ولا يعرف له موضع يخالفه مع أن في كلامه نظر من حيثية إنه بعد إخراجها كيف يتصور التعلق لأن بعد الأداء لا يجوز تعلقها كما لا يتعلق الدين بالرهن بعد أدائه وأرش الجناية بالجاني بعد فدائه.
"وإن قلنا في الذمة فعليه" أي المشتري "عند تمام حوله زكاة حصته" ؛

(2/299)


وإن أفرد بعضه وباعه ثم اختلفا انقطع الحول وقال القاضي يحتمل ألا ينقطع إذا كان الزمن يسيرا وإن ملك نصابين شهرا ثم باع أحدهما مشاعا فعلى قياس قول أبي بكر يثبت للبائع حكم الانفراد وعليه عند تمام حوله زكاة المنفرد وعلى قياس قول ابن حامد عليه زكاة خليط فإذا تم حول المشتري فعليه زكاة خليط وجها واحدا وإذا ملك نصابا شهرا ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض مثل أن يملك أربعين شاة في المحرم.
-------------------------------
لعدم نقصان النصاب في حقه مطلقا وعكسها صورة لو كان لرجلين نصاب خلطة فباع أحدهما خليطه في بعض الحول لأنه في الأول خليط نفسه ثم صار خليط أجنبي وهاهنا كان خليط أجنبي ثم صار خليط نفسه ذكره في الشرح فإن كان البائع استدان ما أخرجه ولا مال له يجعل في مقابلة دينه إلا مال الخلطة أو لم يخرج البائع الزكاة حتى تم حول المشتري فإن قلنا الدين لا يمنع وجوب الزكاة أو قلنا يمنع لكن للبائع مال يجعل في مقابلة دين الزكاة زكى المشتري حصته زكاة الخلطة نصف شاة وإلا فلا
"وإن أفرد بعضه وباعه ثم اختلطا انقطع الحول" في قول الأكثر لوجود الانفراد وكحدوث بعض مبيع بعد ساعة "وقال القاضي يحتمل ألا ينقطع إذا كان زمنا يسيرا" لأن اليسير معفو عنه فوجب ألا ينقطع كما لو باعه مشاعا "وإن ملك نصابين شهرا ثم باع أحدهما مشاعا فعلى قياس قول أبي بكر يثبت للبائع حكم الانفراد" لأنه اختار أن البيع يقطع الحول فيصير البائع كأنه ملك نصابا منفردا "وعليه عند تمام حوله زكاة المنفرد" لثبوت حكم الانفراد له "وعلى قياس قول ابن حامد عليه زكاة خليط" لاختياره عدم الانقطاع بالبيع فوجب عليه زكاة خلطة لكونه لم يزل مخالطا في جميع الحول.
"فإذا تم حول المشتري فعليه زكاة خليط وجها واحدا" لأن الأربعين التي له تزل مختلطة في جميع الحول "وإذا ملك نصابا شهرا ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض مثل أن يملك أربعين شاة في المحرم

(2/300)


وأربعين في صفر فعليه زكاة الأول عند تمام حوله ولا شيء عليه في الثاني في أحد الوجهين وفي الآخر عليه للثاني زكاة خلطة كالأجنبي في التي قبلها وإن كان الثاني يتغير به الفرض مثل أن يكون مائة شاة فعليه زكاته إذا تم حوله وجها واحدا
-----------------------------------
"وأربعين في صفر فعليه زكاة الأول عند تمام حوله" وهي شاة لانفرادها في بعض الحول "ولا شيء عليه في الثاني" إذا تم حوله" في أحد الوجهين" قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأن الجميع ملك واحد فلم يزد فرضه على شاة كما لو اتفقت أحواله وللعموم في الأوقاص كمملوك دفعة
"وفي الآخر عليه للثاني زكاة خلطة" وهو نصف شاة لاختلاطها بالأربعين الأولى "كالأجنبي في" المسألة "التي قبلها" وقيل يجب شاة كالأولى وكما لمنفرد وعلى الثاني فيما بعد الحول الأول يزكيهما زكاة خلطة كلما تم حول إحداهما أخرج قسطها نصف شاة فلو ملك أربعين أخرى في ربيع فعلى الأول لا شيء سوى الشاة الأولى وعلى الثاني زكاة خلطة ثلث شاة لأنها ثلث الجمع وفيما بعد الحول الأول في كل ثلث شاة لتمام حولها وعلى الثالث شاة.
"وإن كان الثاني يتغير به الفرض مثل أن يكون مائة شاة فعليه زكاته إذا تم حوله وجها واحدا" قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز كما لو انقضت أحواله لأنه إما أن يجعلا كالمال الواحد لمالك أو كمالين لمالكين وعلى التقديرين يجب شاة أخرى بخلاف التي قبلها.
وهذا على الأول لأنه ينظر هنا إلى زكاة الجميع فيسقط منها ما وجب في الأول ويجب الباقي في الثاني وكذا على الثالث لأنه هناك يعتبر مستقلا بنفسه وكذا هنا.
وعلى الثاني: يجب زكاة خلطة وهي شاة وثلاثة أسباع شاة لأن في كل شاتين حصة المائة منها خمسة أسباع الكل بحصتها من فرضه خمسة أسباعه فلو

(2/301)


وإن كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصابا مثل أن ملك ثلاثين من البقر في المحرم وعشرا في صفر فعليه في العشر إذا تم حولها ربع مسنة وإن ملك مالا يغير الفرض كخمس فلا شيء وفيها في أحد الوجهين وفي الثاني عليه سبع تبيع إذا تم حولها وإذا كان لرجل ستون شاة كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فعلى الجميع شاة نصفها على صاحب الستين ونصفها على خلطائه على كل واحد سدس شاة.
-------------------------------
ملك مائة أخرى في ربيع فعلى الأول والثالث شاة وعلى الثاني شاة وربع لأن في الكل ثلاث شياه والمائة ربع كل وسدسه فحصتها من فرضه ربعه وسدسه وفي إحدى وثمانين شاة بعد أربعين شاة شاة وقيل شاة واحدة وأربعون جزءأ من مائة وأحد وعشرين جزءا من شاة الخليط.
"وإن كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ به نصابا مثل أن ملك ثلاثين من البقر في المحرم وعشرا في صفر" فيجب في ثلاثين إذا تم حولها تبيع وأما المستفاد "فعليه في العشر إذا تم حولها ربع مسنة" ذكره في المحرر وجها واحدا لأن الفريضة الموجبة للمسنة قد كملت وقد أخرج زكاة الثلاثين فوجب في العشر يقطعها من المسنة وهو ربعها وعلى الثالث لا يجب شيء كما لو ملكها منفردة
"وإن ملك ما لا يغير الفرض كخمس فلا شيء فيهما في أحد الوجهين" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه وقص وكما لو ملكها دفعة واحدة وكذا على الثالث "وفي الثاني عليه سبع تبيع إذا تم حولها" لأنه مخالط بخمس كثلاثين كالأجنبي.
"وإذا كان لرجل ستون شاة كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فعلى الجميع شاة" لأنهم يملكون شيئا يجب فيه شاة واحدة على الانفراد فكذا في الاختلاط "نصفها على صاحب الستين ونصفها على خلطائه على كل واحد سدس شاة" ضم مال كل خليط إلى مال الكل فيصير كمال واحد قاله الأصحاب ومحله إذا لم يكن بينهما مسافة قصر أو كان على رواية ,

(2/302)


وإن كان كل عشر منها مختلطة بعشر لآخر فعليه شاة ولا شيء على خلطائه لأنهم لم يختلطوا في نصاب وإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك في قول أب الخطاب والمنصوص أن لكل مال حكم نفسه كما لو كان لرجلين.
----------------------------------
وقيل يلزمهم شاتان وربع على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة لأنه مخالط العشرين خلطة وصف ولأربعين بجهة الملك وحصة العشرين من زكاة الثمانين ربع شاة لأنه مخالط العشرين وقال ابن عقيل يجب في الجميع ثلاث شياه على رب الستين شاة ونصف جعلا للخلطة قاطعة بعض ملكه عن بعض وعلى كل خليط نصف شاة لأنه لم تخالط سوى عشرين
"وإن كانت كل عشر منها مختلطة بعشر لآخر فعليه شاة" لأن من شرط صحتها أن يكون المجموع نصابا وقد فات هنا فوجب على مالك الستين شاة
"ولا شيء على خلطائه" وأبرز المؤلف علته فقال "لأنهم لم يختلطوا في نصاب" بخلاف الأول "وإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة" يضم بعضها إلى بعض ويزكيها كالمختلطة لا نعلم فيه خلافا "وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك" في رواية هي "قول" أكثر العلماء واختيار "أبي الخطاب" وصححه في المغني والشرح لقوله في أربعين شاة شاة ولأنه ملك واحد أشبه ما لو كان دون مسافة القصر وكغير السائمة إجماعا وعليها يخرج الفرض في أحد البلدين لأنه موضع حاجة وقيل بالقسط "والمنصوص" عن أحمد كما نقله الأثرم وغيره "أن لكل مال حكم نفسه" فإن كان نصابا وجبت الزكاة وإلا فلا فجعل التفرقة في البلدين كالتفرقة في الملكين فصار "كما لو كانا لرجلين" احتج أحمد بقوله عليه السلام "لا يجمع بين متفرق" الخبر وعندنا أن من جمع أو فرق خشية الصدقة لم يؤثر ذلك ولأن كل مال ينبغي معرفته ببلده فتعلق الوجوب به لكن قال ابن المنذر لا أعلم هذا القول عن غير

(2/303)


ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة وعنه أنها تؤثر ويجوز للساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء مع الحاجة وعدمها.
---------------------------------
أحمد وحمل المؤلف النص على المجتمعة وكلام أحمد على أن الساعي لا يأخذها وإنما رب المال فيخرج إذا بلغ ماله نصابا وظاهره أن غير الماشية لا تكون كذلك لكن جعل أبو بكر في سائر الأموال روايتين كالماشية قاله ابن تميم.
"ولا تؤثر الخلطة في غيرالسائمة" نص عليه لقوله "لا يجمع الخليطان" ولأن السائمة تقل تارة وتكثر أخرى وسائر المال يجب فيما زاد على النصاب بحسابه فلا أثر لجمعها والخلطة من الماشية يؤثر في النفع والضرر فلو اعتبرناها في غيرها لأثرت ضررا محضا برب المال.
"وعنه: أنها تؤثر" لأن الارتفاق المعتبر فيها موجود في غيرها وظاهره مطلقا وخصها الأكثر بخلطة الأعيان وهي قول إسحاق والأوزاعي قال في الشرح فأما خلطة الأوصاف فلا مدخل لها في غير السائمة بحال لأن الاختلاط لا يحصل.
وقيل: لها مدخل نقل حنبل كالمواشي فقال إذا كانا رجلين لهما من المال ما فيه الزكاة من النقدين فعليهما بالحصص فيعتبر على هذا الوجه اتحاد المؤن ومرافق الملك وما يتعلق بإصلاح الشركة وخصها القاضي في شرحه الصغير بالنقدين.
"ويجوز للساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء" لأن الجميع كالمال الواحد "مع الحاجة" بأن تكون الفريضة عينا واحدة لا يمكن أخذها إلا من أحد المالين أو يكون أحدهما صغارا والآخر كبارا ونحوه "وعدمها" بأن يجد فرض كل من المالين فيه نص أحمد على ذلك وظاهره ولو بعد قسمة في خلطة أعيان مع بقاء النصيبين وقد وجبت الزكاة خلافا لـ "المحرر" فأما من لا زكاة عليه كذمي ومكاتب فلا أثر لخلطته في جواز الأخذ لأن الجزء من

(2/304)


ويرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته من القيمة فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه إذا عدمت البينة وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض ظلما لم يرجع بالزيادة على خليطه.
----------------------------------
خليطين يمكن رجوع كل منهما على الآخر
"ويرجع المأخوذ به على خليطه" لقوله عليه السلام "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" أي إذا أخذ من أحدهما "بحصته من القيمة" يوم أخذت لزوال ملكه إذن ولأنها ليست من ذوات الأمثال فيرجع بالقسط الذي قابل ماله من المخرج فإذا كان لأحدهما ثلث المال وأخذ الفرض منه رجع بقيمة ثلثي المخرج على شريكه وإن أخذه من الآخر رجع بقيمة الثلث يرجع رب عشرة من الإبل أخذت منه بنت مخاض على رب عشرين بقيمة ثلثيها وبالعكس بقيمة ثلثها.
"فإن اختلفا في القيمة" بأن قال المأخوذ منه قيمتها عشرون وقال الآخر بل قيمتها عشرة "فالقول قول المرجوع عليه" مع يمينه "إذا عدمت البينة" واحتمل صدقه لأنه منكر غارم وكالغاصب وظاهره أنه لا يقبل قوله مع وجود البينة لأن العمل يجب بما يقوله لأنها ترفع النزاع "وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض ظلما" أي ثلاثا قيل كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما "لم يرجع بالزيادة على خليطه" لأنها ظلم فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه وفاقا وحينئذ يرجع على خليطه بنصف شاة فقط وذكر الشيخ تقي الدين فيها قولين للعلماء أظهرهما يرجع وقال في المظالم المشتركة وحينئذ تطلب من الشركاء يطلبها الولاة من البلدان أو التجار أو الحجيج أو غيرهم والكلف السلطانية على الأنفس أو الأموال أو الدواب ويلزمهم التزام العدل في ذلك كما يلزم فيما يؤخذ منهم بحق ولا يجوز لأحد أن يمتنع من أداء قسطه من ذلك بحيث يؤخذ قسطه من الشركاء لأنه لم يدفع الظلم عنه إلا بظلم شركائه.

(2/305)


وإن أخذه بقول بعض العلماء رجع عليه.
----------------------------------
"وإن أخذه بقول بعض العلماء" كأخذه صحيحة عن مراض أو كبيرة عن صغار أو قيمة الواجب "رجع عليه" لأن الساعي نائب الإمام فعله كفعله ولهذا لا ينقض لكونه مختلفا فيه كما في الحاكم قال في المغني و الشرح ما أداه اجتهاده إليه وجب دفعه وصار بمنزلة الواجب وقال غيره لأن فعله في محل الاجتهاد سائغ نافذ فترتب عليه الرجوع لسوغانه وقال أبو المعالى إن أخذ القيمة وصار أحدها رجع بنصفها إن قلنا القيمة أصل وإن قلنا بدل فبنصف قيمة الشاة وإن لم تجزئ القيمة فلا رجوع ولم يرتضه في الفروع وإطلاق الأصحاب يقتضي الإجزاء ولو اعتقد المأخوذ به عدمه وعلم منه أنه إذا أخرج أحد الخليطين فوق الواجب لم يرجع بالزيادة قال صاحب المحرر عقد الخلطة جعل كل واحد منهما كالإذن لخليطه في الإخراج عنه وكذا قاله ابن حامد غاب الآخر أو حضر واختار ابن حمدان لا يجزئ.
تنبيه: إذا أخذ الساعي فرضا مجمعا عليه لكنه مختلف فيه هل هو عن الخليطين أو عن أحدهما عمل كل في التراجع بمذهبه لأنه لا نقض فيه لفعل الساعي فعشرون خلطة بستين فيها ربع شاة فإذا أخذ الشاة من الستين رجع ربها بربع الشاة وإن أخذها من العشرين رجع ربها بثلاثة أرباعها لا بقيمتها كلها ولا يسقط زيادة مختلف فيها بأخذ الساعي مجمعا عليه كمائة وعشرين خلطة بينهما ثلاث وستون عقب الحول بأخذ نصف شاة بناء على تعلق الزكاة بالنصاب والعفو وجعل للخلطة والتلف تأثيرا لزمهما إخراج نصف شاة ذكرهما في منتهى الغاية.

(2/306)


باب زكاة الخارج من الأرض
تجب الزكاة في الحبوب كلها وفي كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق.
------------------------------
باب زكاة الخارج من الأرض
والأصل في وجوبها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: من الآية267] والزكاة تسمى نفقة لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: من الآية34] وقوله تعالى {وَءآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه} [الأنعام: من الآية141] الأنعام قال ابن عباس حقه الزكاة مرة العشر ومرة نصف العشر والسنة مستفيضة بذلك وأجمعوا على وجوبها في الحنطة والشعير والتمر والزبيب حكاه ابن المنذر.
"تجب الزكاة في الحبوب كلها" سواء كان قوتا كالحنطة والشعير والأرز والدخن أو من القطنيات كالباقلاء والعدس والحمص أو من الأبازير كالكسفرة والكمون وكبزر الكتان والقثاء والخيار وحب البقول كحب الرشاد والفجل والقرطم لعموم النص السابق ولقوله عليه السلام "فيما سقت السماء والعيون العشر" رواه البخاري.
"وفي كل ثمر يكال ويدخر" نقله أبو طالب لقوله عليه السلام "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" متفق عليه فدل على أن مالا يدخله التوسيق ليس مرادا من عموم الآية والخبر وإلا لكان ذكر الأوسق لغوا ولأن غير المدخر لا تكمل فيه النعمة لعدم النفع فيه مالا "كالثمر والزبيب واللوز" نص عليه وعلله بأنه مكيل "والفسق والبندق" والسماق نقل صالح وعبد الله وأن يكال ويدخر ويقع فيه القفيز ففيه العشر وما كان مثل البصل والرياحين والرمان فليس فيه زكاة إلا أن يباع ويحول على ثمنه حول اختاره جماعة وجزم به آخرون

(2/307)


ولا تجب في سائر الثمر ولا في الخضر والبقول والزهر وعنه أنها تجب في الزيتون والقطن والزعفران إذا بلغا بالوزن نصابا.
-----------------------------------------
"ولا تجب في سائر الثمر" كالجوز نص عليه وعلل بأنه معدود والخوخ والآجاص والكمثري والمشمش والتين والتوت ونحوه لأنها ليست مكيلة وقد روي أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا فكتب إليه عمر ليس فيها عشر هي من العضاة رواه الأثرم وكذا العناب وجزم في الأحكام السلطانية و المستوعب و الكافي بالزكاة فيه قال في الفروع وهذا أظهر والتين والمشمش والتوت مثله واختاره شيخنا في التين لأنه يدخر كالتمر.
"ولا في الخضر" كالقثاء والباذنجان واللفت لما روى الدارقطني بإسناده عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس في الخضروات صدقة" وعن عائشة نحوه
"والبقول والزهر" لأنه غير مكيل مدخر ونحوهما الورق وطلع الفحال والسعف والخوص والحطب والخشب وأغصان الخلاف والحشيش والقصب مطلقا ولبن الماشية وصوفها وكذا الحرير ودود القز.
"وعنه: أنها تجب في الزيتون" اختاره القاضي والمجد لقوله تعالى {وَالزَّيْتُونَ} [الأنعام: من الآية99] ولأنه حب مكيل ينتفع بدهنه الخارج منه أشبه السمسم والكتان فيزكى إذا بلغ خمسة أوسق كيلا نص عليه ويخرج منه وإن صفاه وأخرج عصير زيته فهو أفضل لأنه المقصود منه والثانية واختارها الخرقي وأبو بكر والمؤلف عدم الوجوب لأن الادخار شرط ولم تجر العادة به فلم يجب والآية بمكة نزلت قبل وجوب الزكاة فلا تكون مرادة بدليل أنها لا تجب في الرمان
"والقطن والزعفران" لأن ذلك موزون مدخر تام المنفعة والوزن أقيم مقام الكيل لاتفاقهما في عموم المنفعة "إذا بلغا بالوزن نصابا" وهو ألف وستمائة رطل عراقية لأنه لما تعذر اعتباره بالكيل رجع فيه إلى الوزن ذكره القاضي في

(2/308)


وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه ويعتبر لوجوبها شرطان أحدهما: أن قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق.
__________
المجرد وعنه أن نصاب ذلك ما يبلغ قيمته قيمة نصاب من أدنى العشرات
والثانية: لا يجب فيهما وهو اختيار الأكثر لعدم الكيل فيهما وقيام الوزن مقام الكيل لم يرد به نص ولا يصح قياسه على الكيل لأن معقولة فيه وقال ابن عقيل لم أجد فيهما نصا عن أحمد غير أن القاضي حكى عنه روايتين فإذا لم يجب في القطن وجب في حبه جزم به جماعة وقدم ابن تميم عدم الوجوب والكتان مثله وذكره القاضي وكذا العنب واختار المجد أنه لا يجب في الزعفران ويخرج عليه العصفر والورس والنيل قال الحلواني والفوة وفي الحناء الخلاف
"وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه" كبزر الرياحين لأنها ليست بقوت ولا أدم ويدخل في هذا بزر اليقطين وذكره في المستوعب من المقتات ويخرج الصعتر والأشنان على الخلاف وجزم أبو الخطاب والمجد بالوجوب لأنه نبات مكيل مدخر وماله ورق مقصود كورق السدر والخطمي والآس على الخلاف والأشهر الوجوب وحكى ابن المنذر عن أحمد لا زكاة إلا في التمر والزبيب والبر والشعير قدمه ابن رزين في مختصره يروى عن ابن عمر وأبي موسى وقاله جمع من التابعين
"ويعتبر لوجوبها شرطان أحدهما أن قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق" فلا يجب في أقل من ذلك لقوله عليه السلام "ليس فيما دون خمسة أوسق من ثمر ولا حب صدقة" رواه أحمد ومسلم فتقديره بالكيل يدل على إناطة الحكم به ولا يعتبر له الحول لتكامل النماء عند الوجوب بخلاف غيره ويشترط كون النصاب بعد التصفية في الحبوب ؛

(2/309)


والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي فيكون ذلك ألفا وستمائة رطل.
----------------------------------
لأنه حال الكمال والادخار والجفاف في الثمار لأن التوسيق لا يكون إلا بعد التجفيف فوجب اعتباره عنده فلو كان عشرة أوسق عنبا لا يجيء منه خمسة أوسق زبيبا لم يجب شيء.
"والوسق" بفتح الواو وكسرها "ستون صاعا" لقوله عليه السلام "الوسق ستون صاعا" رواه الأثرم بإسناده من حديث سلمة بن صخر وعن أبي سعيد وجابر ونحوه رواه ابن ماجه وهذا أشهر في اللغة وتوارد عليه علماء الشريعة فيكون ثلاثمائة صاع
"والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي" وهو رطل وسبع دمشقي فرد على الثلاثمائة سبعها تكن ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا وستة أسباع رطل بالدمشقي على ما حكاه في المغني الجديد أن الرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وبالقدسي وما وافقه مائتان وسبعة وخمسون رطلا وسبع رطل وبالحلبي وما وافقه مائتان وخمسة وثمانون رطلا وخمسة أسباع رطل وبالمصري وما وافقه ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلا وأربعة أسباع رطل
"فيكون ذلك" أي بالعراقي "ألفا وستمائة رطل" وعلى ما ذكره أبو عبيد أنه بلا كسر ثلاثمائة رطل وأحد وأربعون رطلا وثلث رطل والوسق والصاع كيلان لا صنجان وإنما نقل إلى الوزن ليحفظ وينقل إذ المكيل يختلف في الوزن فمنه ثقيل كالأرز والتمر ومتوسط كالحنطة والعدس وخفيف كالشعير والذرة والاعتبار في ذلك بالمتوسط نص عليه فيجب في الخفيف إذا قارب هذا الوزن وإن لم يبلغه لأنه في الكيل كالرزين قال في الفروع وأكثر الثمر أخف من الحنطة على الوجه الذي يكال شرعا لأن ذلك على هيئة غير مكبوس وعنه أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي بالحنطة أي بالرزين لأنه الذي يساوي العدس في وزنه وحكى القاضي عن ابن حامد أنه يعتبر أبعد الأمرين الكيل أو الوزن.

(2/310)


إلا الأرز والعلس نوع من الحنطة ويدخر في قشره فإن نصاب كل واحد منهما مع قشرة عشرة أوسق وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ثم يؤخذ عشرة يابسا.
__________
تنبه: نصاب الزرع والثمرة تحديد في الأشهر لتحديد الشارع بالأوسق وعنه تقريب فيؤثر نحو رطلين ومدين على الأول لا الثاني وجعله في الرعاية فائد: الخلاف وقدم الثانية ولا اعتبار بنقص ذلك في الأصح جزم به الأئمة وقال صاحب التلخيص إذا نقص ما لو وزع على الخمسة أوسق ظهر فيها فلا زكاة وإلا وجبت
فرع: إذا شك في بلوغ قدر النصاب احتاط وأخرج ولم تجب لأنه الأصل قاله في المغني و الشرح و منتهى الغاية ومن اتخذ وعاء يسع خمسة أرطال وثلثا من البر الرزين ثم كال به ما شاء عرف أبلغ حد الوجوب من غيره نص عليه
"إلا الأرز والعلس نوع من الحنطة" وهو منقول عن أئمة اللغة والفقه "يدخر في قشره" عادة لحفظه "فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق" لأن أهله زعموا أنه يخرج على النصف وأنه إذا خرج من قشره لا يبقى كغيره فيجب العشر إذا بلغا ذلك لأن فيه خمسة أوسق حبا وإن صفيا فخمسة أوسق ويختلف ذلك بثقل وخفة فيرجع إلى أهل الخبرة ويؤخذ بقدره
"وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ثم يؤخذ عشرة يابسا" لما روى أبو داود والترمذي بإسنادهما عن عتاب بن أسيد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص العنب كما يخرص النخل فيؤخذ زكاته زبيبا كما يؤخذ صدقة النخل تمرا وما وجب خرصه اعتبر بحال رطوبته كما لو كانت الثمرة لا وعنه يعتبر نصابهما رطبا وعنبا اختاره الخلال وصاحبه والقاضي وأصحابه ويؤخذ عشر ما يجيء منه وحملها في المغني على أنه أراد أن يؤخذ عشر ما يجيء منه من التمر إذا بلغ رطبها خمسة أوسق لأن إيجاب قدر عشر الرطب من التمر إيجاب لأكثر من العشر وذلك مخالف للنص والإجماع ورده الزركشي بأن أحمد قال في

(2/311)


وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب وعنه أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض.
------------------------------
رواية الأثرم قال الشافعي يخرص ما يؤول إليه وإنما هو على ظاهر الحديث قيل له فإن خرص عليه مائتا وسق رطبا يعطي عشرة أوسق تمرا قال نعم هو على ظاهر الحديث فهذا نص صريح في مخالفة التأويل
"وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب" لعموم الخبر وكما لو بدا صلاح إحداهما قبل الأخرى وهو محمول على اختلاف الأنواع كالبرني والمعقل وسواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلف أو تعدد البلد أو لا نص عليه فيأخذ عامل البلد حصته من الواجب في محل ولاية وعنه لا يجوز لنقص ما في ولايته عن نصاب فيخرج المالك فيما بينه وبين الله وليس المراد بالعام هنا اثني عشر شهرا بل وقت استغلال المغل من العام عرفا وأكثره عادة ستة أشهر بقدر فصل:ين وعلم منه أنه لا يضم ثمرة عام أو زرعه إلى آخر
"فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر" لزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت مرتين "وقال القاضي لا يضم" لقدرته مع بيان أصله فهو لثمرة عام آخر بخلاف الزرع فعليه لو كان له نخل يحمل بعضه في سنة حملا وبعضه حملين ضم ما يحمل حملا إلى أيهما بلغ معه وإن كان بينهما فإلى أقربهما إليه
"ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب" اختاره المؤلف وغيره وصححه في الشرح كأجناس الثمار والماشية
"وعنه: أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض" نقلها جماعة وصححها القاضي وغيره وقدمها في المحرر واختارها أبو بكر لاتفاقهما في قدر النصاب والمخرج كضم أنواع الجنس.

(2/312)


وعنه يضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض الثاني: أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة ولا يجب فيما يكتسبه اللقاط أو يأخذه بحصاده ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم والزعبل وبزر قطونا ونحوه وقال القاضي فيه الزكاة إذا ثبت في أرضه.
فصل:
ويجب العشر فيما سقي بغير كلفة كالغيث.
---------------------------------
"وعنه يضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض" اختاره الخرقي وأبو بكر وجماعة وجزم به في الوجيز لأن ذلك يتقارب منفعة أشبه نوعي الجنس وعليها تضم الأبازير بعضها إلى بعض وكذا حب البقول لتقارب المقصود والذرة إلى الدخن وكل ما يقارب من الحبوب ضم ومع المسك لا ضم لأن الأصل عدم الوجوب "الثاني أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة" وهو بدو الصلاح "ولا يجب فيما يكتسبه اللقاط" من السنبل "أو يأخذه" أجرة "بحصاده" وكذا ما ملكه بعد بدو الصلاح بشراء أو إرث أو غيره بخلاف العسل للأثر "ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم والزعبل" بوزن جعفر وهو شعير الجبل "ويزر قطونا ونحوه" كحب النمام وبزر البقلة وهذا هو المشهور لأن وقت الوجوب لم يملكه فلم تجب كما لو اتهبه "وقال القاضي" وأبو الخطاب "فيه الزكاة" لكونه مكيلا مدخرا "إذا ثبت في أرضه" وهو مبني على أن المباح إذا ثبت في أرضه هل يملك بملك الأرض أو يأخذه والأصح أنه لا يملكه بملكها بل يأخذه فإن ثبت بنفسه ما يزرعه الآدمي كمن سقط له حب حنطة في أرضه أو أرض مباحة ففيه الزكاة لأنه ملكه وقت الوجوب
فصل:
"ويجب العشر" واحد من عشرة إجماعا "فيما سقي بغير كلفة كالغيث

(2/313)


والسيوح وما يشرب بعروقه ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح فإن سقى السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر وإن سقى بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما.
----------------------------------------
والسيوح" جمع سيح وهو الماء الجاري على وجه الأرض والمراد الأنهار والسواقي "وما يشرب بعروقه" كالبعل "ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي" واحدتها دالية وهي الدولاب تديره البقر والناعورة تديرها الماء "والنواضح" جمع ناضح وناضحة وهما البعير والناقة يستقى عليهما والأصل فيه ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر" رواه البخاري
سمي عثريا لأنهم يجعلون في مجرى الماء عاثورا فإذا صدته الماء يزاد مدخل تلك المجار فتسقيه ولأن للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة ففي تخفيفها أولى ولا تؤثر مؤنة حفر الأنهار والسواقي لأنه من جملة إحياء الأرض ولا يتكرر كل عام وكذا من يحول الماء في السواقي لأنه كحرث الأرض وتسحيتها فلو اشترى ماء بركة أو حفيرة وسقى سيحا فالعشر في ظاهر كلامهم لندرة هذه المؤنة وفيه وجه نصفه وكذا إن جمعه ثم سقى به فيجب العشر فإن كان يجري من النهر في ساقيه إلى الأرض ويستقر في مكان قريب من وجهها إلا أنه يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض إلى آله من غرف أو دولاب فهو من الكلفة المسقطة لنصف العشر.
فرع: إذا سقيت أرض العشر بماء الخراج لم يؤخذ منها وعكسه لم يسقط خراجها ولا يمنع من سقي كل واحدة بماء الأخرى نص على ذلك
"فإن سقى السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر" بغير خلاف نعلمه لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفه أوجب نصفه "فإن سقى بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما نص عليه" لأن مقدار عدد السقي ومراته وقدر ما

(2/314)


نص عليه وقال ابن حامد يؤخذ بالقسط وإن جهل المقدار وجب العشر وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر وجبت الزكاة فإن قطعها قبله فلا زكاة فيها إلا أن يقطعها فرارا من الزكاة فيلزمه.
--------------------------------
يسقى به في كل مرة يشق فاعتبر الأكثر كالسوم وقال القاضي بعدد السيقات وقيل باعتبار المدة.
"وقال ابن حامد يؤخذ بالقسط" لوجوبه عند التماثل فكذا عند التفاضل كفطرة العبد المشترك فلو اختلف المالك والساعي فيما سقي به أكثر صدق المالك بغير يمين لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم وقيل يحلف لكن إن نكل لزمه ما اعترف به فقط
"وإن جهل المقدار وجب العشر" نص عليه لأن الأصل وجوبه كاملا ولأنه خروج عن عهدة الواجب بيقين وعلى قول ابن حامد يجعل منه بكلفة المتقين والباقي سيحا ويؤخذ بالقسط وهو معنى القول بلزوم الأنفع للفقير.
مسألة: إذا كان له حائطان أحدهما يسقي بمؤنة والآخر بغيرها ضما في النصاب ولكل منهما حكم نفسه في سقيه بمؤنتها أو غيرها
"وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر وجبت الزكاة" لأنه يقصد للأكل والا قتيات كاليابس ولأنه وقت خرص الثمرة لحفظ الزكاة ومعرفة قدرها بدليل أنه لو أتلفه لزمه زكاته ولو باعه أو وهبه قبل الخرص وبعده فزكاته عليه دون المشتري والموهوب له ولو مات وله ورثة لم يبلغ حصته واحد منهم نصابا لم يؤثر ذلك وقال ابن أبي موسى تجب زكاة الحب يوم حصاده لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: من الآية141] وفائد: الخلاف في التصرف
"فإن قطعها قبله فلا زكاة فيها" كما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول "إلا أن يقطعها فرارا من الزكاة فيلزمه" لتفويته الواجب بعد انعقاد سببه أشبه العامل والمطلق ثلاثا في مرض موته.

(2/315)


ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في الجرين فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت سواء كانت خرصت أو لم تخرص وإذا ادعى تلفها قبل قوله بغير يمين ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسا.
-----------------------------
"ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في الجرين" ويجعل الزرع في البيدر لأنه قبل ذلك في حكم ما لم يثبت اليد عليه بدليل ما لو كانت مبيعة فتلفت بجائحة رجع المشتري على البائع وهذا ظاهر على قول من لم يجعل التمكن من الأداء شرطا
"فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت" لأنها لم تستقر أشبه ما لو لم يتعلق به فإن تلف بعض الثمرة فقال القاضي إن كان الباقي نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا والمذهب إن كان التلف قبل الوجوب فهو كما قال القاضي وإن كان بعده وجب في الباقي بقدره مطلقا وظاهره أنه إذا أتلفها أو تلفت بتفريطه أنه يضمن نصيب الفقراء صرح به في الكافي و الشرح لأنه مفرط "سواء كانت خرصت أو لم تخرص" لأن الخرص لا يوجب وإنما فعل ذلك للتمكن من التصرف فوجب سقوط الزكاة مع وجوده كعدمه
"وإذا ادعى تلفها" بغير تفريط "قبل قوله" ولو أنهم "بغير يمين" نص عليه لأنه خالص حق الله فلا يستخلف فيه كالصلاة.
"ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسا" لحديث عتاب بن أسيد ولا يسمى زبيبا وتمرا إلا اليابس وإذا ثبت ذلك فالكل كذلك لأن حالة اليباس حالة الكمال وفي الرعاية وقيل يجزئ رطبه وقيل فيما لا يتمر ولا يزبب فهذا وأمثاله لا عبرة به قاله في الفروع وأطلق ابن تميم عن ابن بطة له أن يخرج رطبا وعنبا فعلى الأول لو أخرج سنبلا ورطبا وعنبا لم يجزئه ووقع نفلا وإن كان الساعي أخذه فجففه وصفاه وكان قدر الواجب أجزأه وإن كان دونه أخذ الباقي وإن كان زائدا رد الفضل وإن كان رطبا بحاله رده وإن تلف رد مثله قاله الأصحاب .

(2/316)


فإن احتيج إلى قطعه قبل كماله لضعف الأصل ونحوه أو كان رطبا لا يجيء منه تمر أو عنبا لا يجيء منه زبيب أخرج منه عنبا ورطبا وقال القاضي يخير الساعي بين قسمته مع رب المال قبل الجذاذ أو بعده وبين بيعها منه أو في غيره والمنصوص أنه لا يخرج إلا يابسا وأنه لا يجوز له شراء زكاته.
----------------------------------------
"فإن احتيج إلى قطعه قبل كماله لضعف الأصل ونحوه" كخوف عطش قال في الفروع أو لتحسين بقيته "أو كان رطبا لا يجيء منه تمر" كالحسنوي "أو عنبا لا يجيء منه زبيب" كالخمري "أخرج منه عنبا ورطبا" إن كان قدر نصاب يابسا اختاره القاضي والشيخان وصاحب الفروع لأنها وجبت مواساة ولا مواساة في إلزامه ما ليس في ملكه وقد تضمن ذلك جواز القطع لأنه لا يتمكن من الإخراج إلا به ولأن عليه ضررا في إبقائه لكن قال المؤلف إن كفى التجفيف لم يجز قطع الكل وفي كلام بعضهم إطلاق وإنما قيل جاز لأنه مستثنى من عدم الجواز ومراده يجب لإضاعة المال ولا يجوز القطع إلا بإذن الساعي إن كان
"وقال القاضي" وجماعة "يخير الساعي بين قسمته مع رب المال قبل الجذاذ" بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات مفردة بأخذ تمرتها "أو بعده" بأن جذها وقاسمه إياها بالليل ويقسم الثمرة في الفقراء "وبين بيعها منه أو في غيره" ويقسم ثمنها ولأن رب المال يبذل فيها عوض مثلها أشبه الأجني
"والمنصوص: أنه لا يخرج إلا يابسا" مصفاة اختاره أبو بكر وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام يخرص العنب فتؤخذ زكا ته زبيبا ولأنه حالة الكمال فاعتبر فإن أتلف رب المال هذه الثمرة ضمن الواجب في ذمته تمرا أو زبيبا كغيرها فإن لم يجده فهل يخرج قيمته أو يبقى في ذمته يخرجه إذا قدر فيه روايتان "وأنه لا يجوز له شراء زكاته" لقوله عليه السلام لعمر في سرير الفرس "لا تشتره ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم" وقيده في الوجيز بغير ضرورة وهو مراد.

(2/317)


وينبغي أن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمر ليخرصه عليهم ليتصرفوا فيه فإن كان أنواعا خرص كل نوع وحده وإن كان نوعا واحدا فله خرص كل شجرة وحدها وله خرص الجميع دفعة واحدة.
----------------------------
"وينبغي أن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمر ليخرصه عليهم ليتصرفوا فيه" لقول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه رواه أبو داود ولحديث عتاب وغيره ولأنه اجتهاد في معرفة الحق بالظن للحاجة لغيره وذكر ابن المنجا أن نخل البصرة لا يخرص وأنه أجمع عليه الصحابة ومعها الأمصار للمشقة ويكفي خارص واحد لأنه يفعل ما يؤدي إليه اجتهاده كحاكم وقائف ويعتبر كونه مسلما أمينا لا يتهم خبيرا وقيل حرا وأجرته على بيت المال فإن لم يبعث فعلى رب المال من الخرص ما يفعله الساعي ليعرف قدر الواجب قبل تصرفه ويخيره بين أن يتصرف بما شاء ويضمن قدرها وبين حفظها إلى وقت الجفاف فإن لم يضمن الزكاة وتصرف صح تصرفه وحكى ابن تميم عن القاضي أنه لا يباح التصرف كتصرفه قبل الخرص
"فإن كان أنواعا خرص كل نوع وحده" لأنه أقرب إلى العدل وعدم الجور لأن الأنواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره وبالعكس "وإن كان نوعا واحدا فله خرص كل شجرة وحدها" فيطيف بها "وله خرص الجميع دفعة واحدة" لأن النوع الواحد لا يختلف غالبا ولما فيه من المشقة بخرص كل شجرة على حدة والخرص خاص بالنخل والكرم فقط للنص وللحاجة إلى أكلها رطبين وخرصهما ممكن لظهور ثمرتهما واجتماعهما في عناقيدهما بخلاف الزيتون لتفرق حبه واستتاره بورقه وقيل يخرص.
فرع: إذا ادعى المالك غلط الخارج وكان ممكنا فإن فحش فقيل يرد قوله وقيل ضمانا كانت أو أمانة ترد في الفاحش وظاهر كلامهم لو ادعى كذبه عمدا لم يقبل ولو قال ما حصل بيدي إلا هذا قبل ويكلف ببينة في دعواه جائحة ظاهرة ثم يصدق في التلف وإن ادعى بالحالف العادة لم يقبل

(2/318)


ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع فإن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك ولا يحسب عليه ويؤخذ العشر في كل نوع على حدته.
-------------------------------------
"ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع" بحسب اجتهاد الساعي لما روى سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" رواه الخمسة إلا ابن ماجه ورواه ابن حبان والحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد وهذا توسعة على رب المال لأنه يحتاج إلى الأكل هو وأضيافه وجيرانه وأهله ويأكل منها المارة ومنها الساقطة فلو استوفى الكل أضربهم.
وذكر جماعة أنه يترك قدر أكلهم وهديتهم بالمعروف بلا تحديد للأخبار وقاله أكثر العلماء وقال ابن حامد إنما يترك في الخرص إذا زادت الثمرة على النصاب فإن كانت نصابا فلا وهذا القدر المدرك لا يكمل به النصاب نص عليه فدل أن رب المال لو لم يأكل شيئا لم يزكه وهو ظاهر كلام جماعة وفي الوجيز يزكي الكل وفي المحرر ويوضع ثلث الثمرة أو ربعها فلا يحتسب له زكاة ويزكي الباقي إن بلغ نصابا
"فإن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك ولا يحسب عليه" نص عليه لأنه حق له بأن يرى الساعي شيئا من الواجب أخرجه المالك نصا
تذنيب: ظاهر ما سبق أن الحبوب لا تخرص وللمالك الأكل منها هو وعياله بحسب العادة كالفريك وما يحتاجه ولا يحتسب عليه ولا يهدي نص على ذلك قال في الخلاف أسقط أحمد عن أرباب الزرع الزكاة في مقدار ما يأكلون كما أسقط في الثمار وفي المحرر و الفصول يحتسب عليه ولا يترك له منه شيء وذكره الآمدي ظاهر كلامه كالمشترك من الزرع نص عليه لأنه القياس والحب ليس في معنى الثمرة.
"ويؤخذ العشر في كل نوع على حدته" لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي

(2/319)


فإن شق ذلك أخذ من الوسط ويجب العشر على المستأجر دون المالك ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة.
--------------------------
أن يتساووا في كل نوع ولا مشقة فيه بخلاف السائمة فإن أخرج زكاة كل نوع أفضى إلى التشقيص وفيه مشقة ولا يجوز الرديء عن الجيد وبالعكس لا يجب لما فيه من الإضرار بالمالك
"فإن شق ذلك أخذ من الوسط" لانتفاء الحرج والمشقة شرعا وكالسائمة فلو كان المال نوعا واحدا أخذ منه مطلقا بغير خلاف لأنها وجبت على طريق المواساة فهم بمنزلة الشركاء
"ويجب العشر على المستأجر دون المالك" في قول الأكثر لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: من الآية141] ولأنه مالك للزرع كالمستعير وكتاجر استأجر حانوتا وفي إيجابه على المالك إجحاف ينافي المواساة وهو من حقوق الزرع بدليل أنها لا تجب إذا لم يزرع ويتقدر بقدره بخلاف الخراج فإنه من حقوق الأرض والغاصب إذا حصد زرعه يزكيه لاستقرار ملكه فإن ملكه رب الأرض قبل اشتداد حبه زكاه وكذا بعد اشتداد الحب لأنه استند إلى أول زرعه فكأنه أخذه إذن وقيل يزكيه الغاصب لأنه تملكه وقت الوجوب.
"ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة" وكل أرض خراجية نص عليه للعموم فالخراج في رقبتها والعشر في غلتها ولأن سبب الخراج التمكين من النفع لوجوبه وإن لم يزرع وسبب العشر الزرع كأجرة المتجر مع زكاة التجارة ولأنها بسببين مختلفين لمستحقين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة في الصيد المملوك والحديث المروي "لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم" ضعيف جدا قال ابن حبان ليس هذا الحديث من كلام النبوة ثم يحمل على الخراج الذي هو الجزية ولو كان عقوبة لما وجب على مسلم كالجزية وشرطه أن يكون لمسلم قال أحمد ليس في أرض أهل الذمة صدقة وظاهره أنهما لا يجتمعان في أرض الصلح.

(2/320)


ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية ولا عشر عليهم وعنه عليهم عشران
------------------------------
تذنيب: الأرض الخراجية ما فتح عنوة ولم تقسم وما جلا عنها أهلها خوفا منا وما صولحوا عليها على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج والعشرية عند أحمد وأصحابه ما أسلم أهلها عليها نقله حرب كالمدينة ونحوها وما اختطه المسلمون كالبصرة وما صولح أهله على أنه لهم بخراج يضرب عليهم كأرض اليمن وما فتح عنوة وقسم كنصف خيبر وما أقطعه الخلفاء الراشدون من السواد إقطاع تمليك
فرع: لا زكاة في قدر الخراج إذا لم يكن له مال آخر لأنه من مؤنة الأرض كنفقة زرعه ومتى لم يكن له سوى غلة الأرض وفيها ما لا زكاة فيه كالخضروات جعل ما لا زكاة فيه في معاملة الخراج لأنه أحوط للفقراء ولا ينقص النصاب بمؤنة حصاد ودياس وغيرهما منه لسبق الوجوب
"ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية" في رواية وقالها الأكثر لأنها مال مسلم يجب الحق فيها للفقراء فلم يمنع من بيعها لذمي كالسائمة واقتصر جمع كالمؤلف على الجواز ومنهم من قال يكره نص عليه وعنه يمنعون من شرائها اختارها الخلال وصاحبه فعليها يصح جزم به الأصحاب وحكى أحمد عن الحسن وعمر بن عبد العزيز يمنعون من الشراء فإن اشتروا لم يصح نقل عدم المنع
"ولا عشر عليهم" لأنه زكاة فلا يجب على ذمي كالسائمة وذكر القاضي في شرحه الصغير أنه يجب على الذمي غير التغلبي نصف العشر في إحدى الروايتين سواء اتجر بذلك أم لم يتجر به من ماله وثمرته وماشيته وعلى المنع
"وعنه: عليهم عشران" لأن فيه تصحيح كلام المتعاقدين ودفع الضرر المؤبد عن الفقراء بوجوب الحق فيه وكان ضعف ما على المسلم كما يجب

(2/321)


يسقط أحدهما بالإسلام.
فصل:
وفي العسل العشر
-------------------------------------------------
في الأموال التي يمرون بها على العاشر نصف العشر ضعف الزكاة.
"يسقط أحدهما بالإسلام" وكذا لو باعها مسلما فإنه يسقط عشر ويبقى عشر الزكاة للمستقبل لعموم الأخبار وقدم في الفروع أنهما يسقطان بالإسلام لسقوط جزية الرؤوس وجزية الأرض وهو خراجها بالإسلام ولم يكن وقت الوجوب من أهل الزكاة
وعنه: لا شيء عليهم قدمه بعضهم وعنه عليهم عشر واحد ذكرها في الخلاف كما كان لتعلقه بالأرض كبقاء الخراج وظاهر ما سبق أنه يجوز إجارتها منه لكن يكره لإفضائه إلى إسقاط عشر الخارج منها وهذه الأرض لا تصير خراجية بما ذكرنا لأنها أرض عشر كما لو كان مشتريها مسلما ولا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج بالاتفاق.
فصل:
"وفي العسل العشر" لما روى سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي قال قلت يا رسول الله إن لي نحلا قال "فأد العشور" قال قلت يا رسول الله احم لي جبلها قال فحمى لي جبلها رواه أحمد وابن ماجه ورواته ثقات إلا سليمان الأشدق قال البخاري عنده مناكير وقد وثقه ابن معين قال الترمذي هو ثقة عند المحدثين غير أنه لم يدرك أبا سيارة واحتج أحمد بقول عمر قيل لأحمد إنهم تطوعوا به قال لا بل أخذ منهم وعنه لا زكاة فيه بناء على قول الصحابي لأنه تابع خارج من حيوان أشبه اللبن قال ابن المنذر ليس في وجوب الصدقة حديث يثبت ولا إجماع وعنه ما يدل على أنه لا زكاة فيه من المباح واعترف المجد أنه القياس لو لا الأثر.

(2/322)


سواء أخذه من موات أو من ملكه ونصابه عشرة أفراق كل فرق ستون رطلا.
--------------------------------
"سواء أخذه من موات أو من ملكه" قال في الرعاية وغيرها أو ملك غيره ونقل صالح لا فرق بين أرض الخراج والعشر.
تنبيه: ما ينزل من السماء على الشجر كالمن والزنجبين والشيرخشك وشبهها ومنه اللادن وهو طل ينزل على نبت تأكله المعزى فيه العشر كالعسل في ظاهر كلام أحمد وقيل لا لعدم النص وجزم به جماعة منهم في المغني و المحرر فيما يخرج من البحر
"ونصابه عشرة أفراق" نص عليه لقول عمر في كل عشرة أفراق فرق رواه الجوزجاني وتقدم قول في نصاب الزيت خمسة أفراق فيتوجه منه تخريج لأنه أعلى ما يقدر فيه فاعتبر خمسة أمثاله كالوسق وحينئذ فلا زكاة في قليله بل يعتبر نصابه بالأفراق وهو جمع فرق قيل بسكون الراء وقيل بفتحها قال عياض وهو الأشهر.
"كل فرق ستون رطلا" عراقية في قول ابن حامد والقاضي في المجرد وروي عن الخليل بن أحمد فيكون نصابه ستمائة رطل وزنها بالدمشقي مائة وعشرون رطلا وثلث رطل وفي الخلاف ستة وثلاثون رطلا عراقية والأشهر أنه ستة عشر رطلا عراقية وهو مكيال معروف بالمدينة ذكره الجوهري وغيره لخبر كعب في الفدية وحمل كلام عمر على المتعارف ببلده وهي الحجاز أولى وهذا ظاهر الأحكام السلطانية واختاره صاحب المحرر و الوجيز وقيل نصابه ألف رطل عراقية قدمه في الكافي نقل أبو داود من عشر قرب قربة وأما الفرق بسكون الراء مكيال ضخم من مكايل أهل العراق قاله الخليل قال ابن قتيبة وغيره يسع مائة وعشرين رطلا قال المجد ولا قائل به هنا.
مسألة: من زكى ما ذكرنا من المعشرات مرة فلا زكاة فيه بعد ذلك خلافا للحسن لأنه غير مرصد للنماء فهو كالقنية بل أولى لنقصه بأكل ونحوه.

(2/323)


----------------------------
فرع: تضمين أموال العشر والخراج باطل نص عليه وعلله في الأحكام السلطانية بأن ضمانها بقدر معلوم يقتضي الاقتصار عليه في ملك ما زاد وغرم ما نقص وهذا مناف لموضوع العمالة وحكم الأمانة.

(2/324)


فصل: في المعدن
ومن استخرج من معدن نصابا من الأثمان وأما قيمته نصاب من الجوهر والصفر والزئبق والقاري والنفط والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدنا ففيه الزكاة.
----------------------------
فصل: في المعدن
بكسر الدال سمي به لعدون ما أثبته الله فيه لإقامته يقال عدن عدونا والمعدن المكان الذي عدن فيه الجوهر
"ومن استخرج" إذا كان من أهل الزكاة وترك التنبية عليه لدلالة ما سبق من معدن سواء كان في أرض مملوكة أو مباحة ولو من داره نص عليه أو في موات خرب فإن أخرجه من أرض غيره فإن كان جاريا فكأرضه إن قلنا هو على الإباحة وأنه يملك وإن قلنا لا يملكه وأنه يملك بملك الأرض أو كان جامدا فهو لرب الأرض لكن لا يلزمه زكاته حتى يصل إلى بلده كالمغصوب "نصابا من الأثمان" فلعموم الأدلة "أو ما قيمته نصاب" من غير النقدين بقيمة أحدهما لأنهما قيم الأشياء وعنه يجب فيما دون نصاب الأثمان ثم مثله بقوله "من الجوهر والصفر والزئبق والقار والنفط والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدنا" كالبلور والعقيق والحديد والكبريت والمغرة ونحوها.
"ففيه الزكاة" لقوله تعالى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: من الآية267] ولما روى ربيعة بن عبد الرحمن عن غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية قال فتلك لا يؤخذ منها إلا

(2/324)


في الحال ربع العشر من قيمته سواء استخرجه من دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينهما ترك إهمال ولا يجوز إخراجها إذا كانت أثمانا إلا بعد السبك والتصفية.
------------------------------
الزكاة إلى اليوم رواه مالك وأبو داود ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى ففيه الزكاة لا الخمس كسائر الزكوات
وظاهره وإن لم ينطبع من غير جنس الأرض وقد روي مرفوعا "لا زكاة في حجر" إن صح فمحمول على الأحجار التي لا يرغب فيها عادة فدل أن الرخام معدن وجزم به جماعة قال الأصحاب الطين والماء غير مرغوب فيه فلاحق فيه ولأن الطين تراب ونقل مهنا لم أسمع في معدن النار والنفط والكحل والزرنيخ شيئا قال بعضهم وظاهره التوقف من غير المنطبع "في الحال" لأهلها لأنه مال مستفاد من الأرض فلم يعتبر له حول كالزرع "ربع العشر" من عين أثمان أو "من قيمته" من غيرها وظاهره أنه يجب بظهوره جزم به في الكافي و منتهى الغاية وغيرهما كالثمرة "سواء استخرجه من دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينهما ترك إهمال" لأنه لو اعتبر دفعة واحدة لأدى إلى عدم الوجوب فيه لأنه يبعد استخراج نصاب دفعة واحدة فإن أخرج دون نصاب ثم ترك العمل مهملا له أخرج دون نصاب فلا شيء فيهما وإن بلغ نصابا فعلى هذا لا أثر لتركه لمرض وسفر وصلاح آلة ونحوه مما جرت العادة به كالاستراحة ليلا أو نهارا أو لاشتغاله بنقل تراب خرج بين المثلين أو هرب عبيده لأن كل عرق يعتبر بنفسه وحد ابن المنجا الإهمال بترك العمل ثلاثة أيام إن لم يكن عذر وإن كان فبزواله.
مسألة: لا يضم جنس لآخر في تكميل نصاب غير نقد وقيل بلى وقيل مع تقاربهما كنار ونفط ومن أخرج نصابا من معادن ضم كالزرع في مكانين
"ولا يجوز إخراجها إذا كانت أثمانا إلا بعد السبك والتصفية" لأنه قبل

(2/325)


ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه وعنه فيه الزكاة.
------------------------------
ذلك لا يتحقق إخراج الواجب فلم يجز كالحبوب فلو أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا ويقبل قول الآخذ في قدره لأنه غارم فإن صفاه الآخذ مكان الواجب أجزأ وإن زاد رد الفاضل إلا أن يتركه المخرج وإن نقص كمله ولا يحتسب بمؤنتهما في الأصح كمؤنة استخراجه فإن كان دينا عليه احتسب به على الصحيح كما يحتسب بما أنفق على الزرع وأطلق في الكافي لا يحتسب به بكون الحصاد والزراعة وظاهره أنه يجزئ إخراج القيمة عن غيرها قبل السبك والتصفية وهو غير ظاهر.
مسألة: يجوز بيع تراب معدن وصاغة بغير جنسه نص عليه كعرض لأنه مستور بما هو من أصل الخلقة كالباقلاء في قشرته وعنه لا كجنسه ونقل مهنا لا في تراب صاغة وإن غيره أهون وزكاته على البائع لوجوبها عليه كبيع حب بعد صلاحه.
"ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان" هو نبات حجري يتوسط في خلقه بين النبات والمعدن ومن خواصه أن النظر إليه يشرح الصدر ويفرح القلب "والعنبر ونحوه" نص عليه وهو المذهب وقاله عمر بن عبد العزيز والأكثر لقول ابن عباس ليس في العنبر شيء إنما هو شيء دسره البحر وعن جابر نحوه رواهما أبو عبيد ولم تأت به سنة صحيحة ولأن الأصل عدم الوجوب لأن الغالب فيه وجوده من غير مشقة فهو كالمباحات الموجودة في البر
"وعنه: فيه الزكاة" نصره القاضي وأصحابه وقدمه في المحرر لأنه مستخرج فوجب فيه الزكاة كالمعدن وقيل غير حيوان جزم به بعضهم كصيد البر ونص أحمد التسوية ومثل في الهداية و المستوعب و المحرر بالمسك والسمك فيكون المسك بحريا وفي الشرح أنه لا شيء في السمك في قول أهل العلم كافة ونص في رواية الميموني بأن قال كان الحسن يقول في المسك إذا أصابه صاحبه فيه الزكاة شبهه بالسمك إذا صاده وصار في

(2/326)


فصل:
وفي الركاز خمس ، أي نوع كان من المال ، قل أو كثر ، لأهل الفيء. وعنه: أنه زكاة.
-----------------------------
يده منه مائتا درهم وما أشبهه وظاهر كلامهم أنه لا زكاة فيه قال في الفروع وهو أولى.
فصل:
"وفي الركاز الخمس" لحديث أبي هريرة مرفوعا "وفي الركاز الخمس" متفق عليه قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه قال في أرض الحرب الخمس وفي أرض العرب الزكاة "أي نوع كان من المال" كالنقدين والحديد والرصاص ونحوها لأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس والغنيمة "قل" ذلك الموجود "أو أكثر" بخلاف المعدن والزرع لكونهما يحتاجان إلى كلفة واعتبر لهما النصاب تحقيقا واختلفت الرواية في مصرفه فروى عنه محمد بن عبد الحكم أنه "لأهل الفيء" اختارها ابن أبي موسى والقاضي في تعليقه وابن عقيل وصححها في المغني لفعل عمر رواه سعيد عن هشيم عن مجاهد عن الشعبي ولأنه مال مخموس كخمس الغنيمة ولا يختص بمصرف الغنيمة بل الفيء المطلق للمصالح كلها
"وعنه: أنه زكاة" نقلها حنبل واختارها الخرقي وقدمها في المحرر لأن عليا أمر صاحب الكنز أن يتصدق بالخمس على المساكين ولأنه حق يجب في الخارج من الأرض كالمعدن فيصرف مصرف الزكاة ويجب على كل واحد إذا قلنا بأنه فيء إلا إذا كان عبدا فيكون لسيده لأنه كسب ماله كالاحتشاش وإذا قلنا بأنه زكاة لم يجب على من ليس من أهلها ويملكه صبي ومجنون ويخرجه عنهما وليهما وصحح بعضهم وجوبه على كل واحد

(2/327)


وباقيه لواجده إن وجده في موات ، أو أرض لا يعلم مالكها. وإن علم مالكها ، أو كانت منتقلة إليه ، فهو له أيضا.
----------------------------
مطلقا
ويجوز لواجده تعر يفه بنفسه كما لو قلنا إنه زكاة نص عليه واحتج بقول علي وجزم به في الكافي لأنه أدى الحق إلى مستحقيه وعنه لا يجوز قدمه في منتهى الغاية كخمس الغنيمة والفيء فعلى هذا هل يضمن ولا يجوز لواجده والمعدن إمساك الحق لنفسه لحاجة
"وباقيه لواجده" لفعل عمر وعلي فإنهما دفعا باقي الركاز لواجده ولأنه مال كافر مظهور عليه فكان لواجده بعد الخمس كالغنيمة وظاهره أنه له ولو كان مستأمنا بدارنا ومحله ما لم يكن أجيرا لطلبه فإنه لا شيء له سوى الأجرة
"إن وجده في موات" لأنه مباح لا حق لأحد فيه كالصيد منها "أو أرض لا يعلم مالكها" كالأرض التي يوجد فيها آثار الملك من الأبنية القديمة وجدران الجاهلية وقبورهم ولو كان على وجهها قاله في الشرح أو قرية خراب أو طريق غير مسلوك لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "وما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس" رواه النسائي وفي لفظ "وإن وجده في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس"
"وإن علم مالكها" كمن دخل دار غيره أو استأجرها أو استعادها "أو كانت منتقلة إليه" ببيع أو هبة "فهو له أيضا" في الأشهر لأنه ليس من أجزاء الأرض بل هو مودع فيها فهو كالصيد والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها وعليها لا فرق بين أن يدعيه المالك أولا
ونقل محمد بن يحيى الكحال عن أحمد فيمن استأجر أجيرا ليحفر له في داره فأصاب كنزا فهو للأجير وصححه القاضي

(2/328)


وعنه أنه لمالكها أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك وإن وجده في أرض حربي ملكه إلا ألا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فتكون غنيمة والركاز ما وجد من دفن الجاهلية.
-------------------------------------
"وعنه: أنه لمالكها" قطع به في الهداية و التلخيص لأن يده عليها فكان ما فيها له كالقماش "أو لمن انتقلت عنه" لأن الظاهر أنه له "إن اعترف به" كل من المالك والمنتقل عنه فإن انتقلت إليه ميراثا حكم بأنه ميراث فإن أنكر الورثة أنه لمورثهم فلأول مالك وإن اختلفوا أعطي كل حكمه
"وإلا" فإن لم يعترف به ولم يدعه "فهو لأول مالك" لأنه في ملكه فكان له كحيطانه وظاهره أنه له وإن لم يعترف به كما لو ادعاه بصفة وفي المغني و الشرح أنه يكون كالمال الضائع حيث لم يعترف به وإذا لم يعترف به فادعاه واجده فهو له جزم به بعضهم وظاهر كلام جماعة خلافه وعلى الأولى إن ادعاه المالك قبله بلا بينة ولا وصف فهو له مع يمينه لأنه ادعى ممكنا وكانت يده عليها فالظاهر صدقه
وعنه: لا تقبل دعواه كسائر الدعاوي بلا بينة ولا ما يقوم مقامها فعليها يكون لواجده ومتى دفع إلى مدعيه بعد إخراج خمسه غرم واجده بدله إن كان أخرج باختياره وإن كان الإمام أخذه منه قهرا غرمه لكن هل هو من ماله أو من بيت المال فيه الخلاف وعنه ماله يكون للمالك قبله إن اعترف به فإن لم يعترف به أو لم يعرفه الأول فلواجده وقيل لبيت المال
"وإن وجده في أرض حربي ملكه" نص عليه إذا قدر عليه بنفسه لأن المالك لا حرمة له كما لو وجده في موات وقيل غنيمة خرجه في منتهى الغاية كما لو قدر عليه بمنعة "إلا ألا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فتكون غنيمة" لأن قوتهم أوصلته إليه فكان غنيمة كالمأخوذ بالحرب
"والركاز" اشتقاقه من ركز يركز كغرز يغرز إذا خفي ومنه غرزت الرمح إذا أخفيت أسفله فهو في اللغة المال المدفون في الأرض وفي الاصطلاح "ما وجد من دفن الجاهلية" لأن دفنهم تقادم عهده وخفي

(2/329)


باب زكاة الأثمان
وهي الذهب والفضة ولا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب فيه نصف مثقال.
---------------------------
باب زكاة الأثمان
"وهي الذهب والفضة" فدل أن الفلوس الرائجة لا تسمى به ونص عليهما خاصة والأصل في وجوبها الإجماع وسنده قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: من الآية34] والسنة مستفيضة بذلك
"ولا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب نصف مثقال" لما روى ابن عمر وعائشة مرفوعا "أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالا نصف مثقال" رواه ابن ماجه عن علي نحوه فالمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم وهو ثنتان

(2/330)


باب زكاة العروض
تجب الزكاة في عروض التجارة.
--------------------------------
باب زكاة العروض
هي جمع عرض بإسكان الراء وهو ما عدا الأثمان والحيوان والنبات وبفتحها فهو كثرة المال والمتاع وسمي عرضا لأنه يعرض ثم يزول ويفنى وقيل لأنه يعرض ليباع ويشتري تسمية للمفعول باسم المصدر كتسمية المعلوم علما وفي اصطلاح المتكلمين هو الذي لا يبقى زمانين وبوب عليه في المحرر والفروع تبعا للخرقي بزكاة التجارة وهي أشمل لدخول الإيجار في النقدين وعدل المؤلف عنه لأنه ترجم في أول كتاب الزكاة والعروض
"تجب الزكاة في عروض التجارة" لقوله تعالى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24] و {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: من الآية103] ومال التجارة أعم الأموال فكانت أولى بالدخول واحتج الأصحاب بما روى جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه قال أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع رواه أبو

(2/341)


إذا بلغت قيمتها نصابا ، ويؤخذ منها لا من العروض. ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله.
------------------------------------
داود قال ابن حزم جعفر وحبيب مجهولان وقال الحافظ عبد الغني إسناده مقارب
وعن أبي ذر مرفوعا "وفي البز صدقته" رواه أحمد ورواه الحاكم من طريقين بكذا إسنادهما وقال إنه على شرط الشيخين واحتج أحمد بقول عمر قومها ثم أد زكاتها وقال المجد هو إجماع متقدم وذكر الشافعي في القديم لا يجب وحكاه أحمد عن مالك واحتج بقوله عليه السلام "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" ولأن الأصل عدم الوجوب والأول قول الجماهير وادعاه ابن المنذر إجماع أهل العلم ولأنه مال نام فوجبت فيه الزكاة كالسائمة وخبرهم المراد به زكاة العين لا القيمة على أن خبرنا خاص وهو متقدم على خبرهم العام
"إذا بلغت قيمتها نصابا" وحال عليها الحول لأنه مال نام فاعتبر له ما ذكرنا كالماشية فعلى هذا لو نقصت قيمة النصاب في بعض الحلول ثم زادت القيمة فبلغته ابتدئ حينئذ كسائر أموال الزكاة
"ويؤخذ منها" أي من القيمة لأنها محل الوجوب كالدين ربع العشر وما زاد فبحسابه لتعلقها بالقيمة "لا من العروض" إلا أن يقول بإخراج القيمة فيجوز بقدرها وقت الإخراج وتتكرر الزكاة لكل حول نص عليه "ولا تصير" العروض "للتجارة إلا" بشرطين أحدهما "أن يملكه بفعله" سواء كان بعوض كالبيع والنكاح أولا كالهبة والغنيمة هذا هو الأشهر وأنه لا تعتبر المعاوضة لظاهر خبر سمرة ولأنه ملكها بفعله واختار في المجرد أنه يعتبر المعاوضة محضة كبيع وإجارة أولا كنكاح وخلع وصلح عن دم عمد قال المجد وهو نصه في رواية ابن منصور لأن الغنيمة والهبة ليستا من جهات

(2/342)


بنية التجارة بها. فإن ملكها بإرث أو ملكها بفعله بغير نية ، ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة وعنه أن العروض تصير للتجارة بمجرد النية.
---------------------------------
التجارة كالموروث وعنه يعتبر كون العوض نقدا ذكره أبو المعالي لاعتبار النصاب بهما فيعتبر أصل وجودهما
الثاني، ونبه عليه بقوله "بنية التجارة بها" عند التملك لأن الأعمال بالنية والتجارة عمله فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال ولأنها مخلوقة في الأصل للاستعمال فلا يصير للتجارة إلا بنيتها كعكسه وتعتبر النية في كل الحول لأنه شرط أمكن اعتباره في جميعه فوجب كالنصاب
"فإن ملكها بإرث" ولو نواها "وملكها بفعله بغير نية ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة" اختاره الخرقي والقاضي وأكثر الأصحاب لأن ما لا يتعلق به الزكاة من أصله لا يصير محلا بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى فيها إسامتها ولأن مجرد النية لا ينقل عن الأصل إذ الأصل فيها النية
"وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة" هذا ظاهر المذهب وفي الشرح أنه لا يختلف المذهب فيه لأن القنية هي الأصل فيكفي في الرد إليه مجرد النية كما لو نوى بالحلي التجارة والمسافر الإقامة ولأن نية التجارة شرط للوجوب فيها وإذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوب بخلاف السائمة إذا نوى علفها فإن الشرط الإسامة دون نيتها.
"وعنه: إن العروض تصير للتجارة بمجرد النية" نقلها صالح وغيره واختارها أبو بكر وابن عقيل وجزم بها في التبصرة والروضة لعموم حديث سمرة ولأن نية القنية كافية بمجردها فكذا نية التجارة بل أولى إذ الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا والفرق ظاهر فعلى الأول لا شيء فيها حتى تباع ويستقبل بثمنها حولا.

(2/343)


وتقوم العروض عند تمام الحول بما هو أحظ للمساكين من غير أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به وإن اشترى عرضا بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله.
----------------------------------------
فرع: إذا كان عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حولها واستأنف حول السائمة لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السائمة لا ينبني على حول التجارة قال المؤلف والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة في أول الحول وجبت الزكاة فيها عند تمامه وروي عن إسحاق
"وتقوم العروض عند" تمام "الحول بما هو أحظ للمساكين من غير أو ورق" لأن تقويمه لحظ الفقراء فيقوم بالأحظ لهم كما لو اشتراه بعرض قنية وفي البلد نقد إن تساويا في الغلة يبلغ بأحدهما نصابا بخلاف المتلفات وذكر الحلواني يقوم بنقد البلد فإن تعدد فبالأحظ فإن كان اشتراه بنقد قوم بجنس ما اشتراه به لأنه الذي وجبت الزكاة بحوله فوجب جنسه كالماشية ولأن أصله أقرب إليه وعنه لا يقوم نقد بآخر وعلى الأول إذا تساوت قيمة العروض فكل منهما خير لقيام كل منها مقام الآخر في حصول الغرض وذكر القاضي والمؤلف وصححه المجد يقوم بالأنفع للفقراء كأصل الوجوب
"ولا يعتبر ما اشتريت به" من عين أو ورق قدرا ولا جنسا روي عن عمر لأن في تقويمها بما اشتريت به إبطالا للتقويم بالأنفع فعلى هذا إذا بلغت قيمتها نصابا بالدراهم قومت به وإن كان اشتراها بالذهب وكذا عكسه.
فرع: تقوم المغنية ساذجة والخصي بصفته ولاعبرة بقنية آنية ذهب وفضة ويضم بعض العروض إلى بعض وإن اختلفت قيمة ومشترى.
"وإن اشترى" أو باع "عرضا" للتجارة "بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله" أي حول الأول وفاقا لأن الزكاة في الموضعين يتعلق بالقيمة وهي الأثمان والأثمان يبني حول بعضها على بعض فلو قطع نية

(2/344)


وإن اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله وإن ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة وإن لم يبلغ قيمتها نصاب التجارة.
---------------------------
التجارة في العروض بنى حول النقد على حولها لأن وضع التجارة للتقلب والاستبدال بثمن وعرض فلو لم يبن بطلت زكاة التجارة وإن لم يكن النقد نصابا فحوله منذ كملت من شرائه.
"وإن اشتراه" أو باعه "بنصاب من السائمة لم يبن على حوله" لاختلافهما في النصاب والواجب إلا أن يشتري نصاب سائمة للتجارة بمثله للقنية في الأصح لأن السوم سبب للزكاة قدم عليه زكاة التجارة لقوته فبزوال العارض ثبت حكم السوم لظهوره.
"وإن ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة" لأن وضعها على التقلب فهي تزيل سبب زكاة السوم وهو الاقتناء لطلب النماء معه واقتصر في المغني والشرح على التعليل بالأحظ فلذلك وجبت "دون" زكاة "السوم" وقيل يجب زكاة السوم لأنها أقوى للإجماع وتعلقها بالعين وقيل يعتبر الأحظ منهما للفقراء اختاره المجد.
ففي أربعين أو خمسين حقه أو جذعة أو ثنية أو إحدى وستين جذعة أو ثنية أو مائة من الغنم زكاة التجارة أحظ لزيادتها بزيادة القيمة من غير وقص وفي ست وثلاثين بنت مخاض أو بنت لبون زكاة السوم وفي إحدى وستين دون الجذعة أو خمسين بنت مخاض أو بنت لبون أو خمس وعشرين حقة أو خمس من الإبل يجب الأحظ من زكاة التجارة أو السوم وفي الروضة يزكي النصاب للعين والوقص للقيمة وهذا كله اتفق حولاهما أو لا في وجه وهو ظاهر كلام أحمد وجزم به المؤلف وقيل يقدم السابق اختاره المجد لأنه وجد سبب زكاته بلا معارض
" وإن لم يبلغ قيمتها نصاب التجارة" كمن ملك أربعين شاة قيمتها دون مائتي

(2/345)


فعليه زكاة السوم وإذا اشترى أرضا ونخلا للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فعليه فيهما العشر ويزكي الأصل للتجارة وقال القاضي: يزكي الجميع زكاة القيمة ولا عشر عليه،
--------------------------------
درهم "فعليه زكاة السوم" بغير خلاف لوجود سبب الزكاة فيه بلا معارض وقيل يغلب ما يغلب إذا اجتمع النصابان ولو سقطت ذكره المجد وجزم جماعة بأنه إن نقص نصاب السوم كمن ملك أربعا من الإبل قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة
فأما إن سبق جري السوم بأن كانت قيمته دون نصاب في بعض الحول فلا زكاة حتى يتم الحول من بلوغ النصاب في ظاهر كلام أحمد
قال القاضي يتأخر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة لأنه أنفع للفقراء وفيه وجه تجب زكاة السوم عند تمام حولها لوجود مقتضيها إذ لا يمكن إيجاب زكاتين بكمالهما لأنه يفضي إلي إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد فلم يجز بخلاف زكاة التجارة والفطر في العبد الذي للتجارة لأنهما يجتمعان بسببين مختلفين
"وإذا اشترى أرضا أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فعليه فيهما العشر" أي في الثمر والزرع بشرطه "ويزكي الأصل" أي الأرض والنخل "للتجارة" جزم به في الوجيز لأنهما عينان تجب في أحدهما زكاة العين وهو أحظ للفقراء إذ العشر أحظ من ربعه وفي الأخرى زكاة القيمة حال الانفراد فكذا عند الاجتماع وحينئذ فمراده إذا اتفق حولاهما قاله في الشرح.
"وقال القاضي" وأصحابه "يزكي الجميع زكاة القيمة" إذا تم الحول نص عليه وقدمه في المحرر والفروع وهو المذهب لأنه مال تجارة فوجبت زكاتها كالسائمة ولا شك أن الثمر والزرع جزء الخارج منه فوجب أن يقوم مع الأصل كالسخال والربح المتجدد إذا كانت الأصول للتجارة "ولا عشر عليه" لأنه لو وجب لاجتمع في مال واحد زكاتان وفيه ضرر بالمالك وهو

(2/346)


إلا أن يسبق وجوب العشر حول التجارة فيخرجه وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته فأخرجاها معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه.
----------------------------------
منفي شرعا
"إلا أن يسبق وجوب العشر حول التجارة فيخرجه" أي فيخرج العشر لوجود سببه من غير معارض وهو أحظ للفقراء وكان الأنسب للمؤلف أن يقدم ذلك على قول القاضي ولعله أراد أن يحل الخلاف فيها ثم يذكر المستثنى لأنه من المعلوم أن من أوجب من الجميع زكاة القيمة لم يوجب العشر ولم يعتبر سبق أحدهما
واعتراض ابن المنجا عليه بأنه قدم غير المذهب اعتبارا بما ذكره في المغني من إيماء أحمد إليه ليس بجيد إذ التقديم بحسب ما ظهر له من الدليل ويعضده أنه قول أكثر العلماء وقيل بزكاة العشور هنا لكثرة الواجب لعدم الوقص والخلف في اعتبار النصاب.
تنبيه: يستأنف حول التجارة على زرع وثمر من حصاد وجذاذ لأن به ينتهي وجوب العشر الذي لولاه لجريا في حول التجارة وقيل لا يستأنفه إلا بثمنهما إن بيعا كمال القنية وإن اختلف وقت الوجوب أو وجد نصاب أحدهما فكمسألة: سائمة التجارة
وإن زرع بذر تجارة في أرض قنية فهل يزكى الزرع زكاة عشر أو قيمة فيه خلاف و في بذر قنية العشر أو في أرضه للتجارة القيمة وإن كان الثمر والزرع لا زكاة فيه ضم قيمة الثمر والآخر إلى قيمة الأصل من الحول كربح ونتاج وقيل لا.
"وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاة فأخرجاها معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه" لأنه انعزل من طريق الحكم بإخراج المالك زكاة نفسه وكما لو علم ثم نسي وانعزل حكما العلم

(2/347)


وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم أولم يعلم ويتخرج أنه لا ضمان عليه إذا لم يعلم.
---------------------------------
وعدمه سواء بدليل ما لو وكله في بيع عبد فباعه الموكل أو أعتقه.
"وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم أو لم يعلم" لأن العزل الحكمي لا يختلف بذلك كما لو مات المالك "ويتخرج أنه لا ضمان عليه إذا لم يعلم" بإخراج صاحبه بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم وقيل لا يضمن وإن قلنا ينعزل اختاره المؤلف لأنه غره وكما لو وكله في قضا دينه فقضاه المالك ثم الوكيل والفرق ظاهر لأنه يمكنه الرجوع على المالك بخلاف الفقير لأنها تنقلب تطوعا كمن دفع زكاة يعتقدها عليه فلم تكن
فأما إن كان القابض منهما الساعي ثم علم الحال فلا ضمان لإمكان الرجوع عليه والمراد مع بقائها بيد الساعي.
فرع: إذا وكله في إخراج زكاته فأخرجها الموكل ثم الوكيل فالخلاف ويقبل قوله إنه أخرجها قبل وكيله وله الصدقة قبل إخراج زكاته.
مسألة: إذا اشترى ما يصبغ به ويبقى كزعفران ونيل ونحوه فهو عرض تجارة يقومه عند حوله لاعتياضه عن صبغ قائم بالثوب ففيه معنى التجارة وكذا يجب فيما يشتريه دباغ ليدبغ به كعفص وما يدهنه به كسمن وملح وقيل لا لأنه لا يبقى له أثر كما يشتريه قصار من قلي وصابون ونحوهما ولا شيء في آلات الصباغ وأمتعة التجار وقوارير العطار إلا أن يريد بيعها مع ما فيها ولا زكاة في غير ما تقدم ولا في قيمة ما أعد للكراء من عقار وحيوان لكن من أكثر من شراء عقار فارا من الزكاة فقيل يزكي قيمته وظاهر كلام الأكثر لا.

(2/348)


باب زكاة الفطر
وهي واجبة
---------------------------
باب زكاة الفطر
هو اسم مصدر من قولك أفطر الصائم إفطارا وأضيفت إلى الفطر لأنها تجب به فهو من إضافة الشيء إلى سببه والفطرة الخلقة لقوله تعالى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: من الآية30] وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس وبضم الفاء كلمة مولدة وقد زعم بعضهم أنه مما يلحن فيها العامة وليست كذلك لاستعمال الفقهاء لها
"وهي واجبة" قال إسحق هو كالإجماع لقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] الأعلى قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إنها زكاة الفطر ورد بقول ابن عباس إن المراد إنها تطهر من الشرك والسورة مكية ولم يكن بها زكاة ولا عيد والمعتمد عليه ما روى ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة متفق عليه ولفظه للبخاري ودعوى أن فرض بمعنى قدر مردود بأن كلام الراوي لا يحمل إلا على الموضوع الشرعي بدليل الأمر بها في الصحيح أيضا من حديثه ويسمى فرضا على الأصح لقول جمهور الصحابة وعنه لا وفيه رواية المضمضة
وذهب الأصم وابن علية وجماعة أنها سنة مؤكدة لما روى أحمد عن قيس بن سعد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله إسناده جيد ولا حجة لهم فيه لأنه يجب استصحاب الأمر السابق مع عدم المانع والمعارض وقد فرضها الشارع وأمر بها والظاهر أن فرضها مع رمضان من السنة الثانية من الهجرة.

(2/349)


على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع وإن كان مكاتبا وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين.
-------------------------------
"على كل مسلم" وهو شامل للكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد لأن لفظة كل إذا أضيفت إلى نكرة فيقتضي عموم الأفراد فعلى هذا تجب في مال اليتيم نص عليه فخرج الكافر مطلقا لأن من شرطها النية ولا تصح منه لكن يستثنى منه ما إذا هل شوال على عبد مسلم لكافر فالأظهر وجوبها على الكافر وقيل لا يجب على غير مخاطب بالصوم وعنه رواية مخرجة تجب على مرتد ولا فرق بين أهل البوادي وغيرهم
"يلزمه مؤونة نفسه" لقوله عليه السلام "أدوا الفطرة عمن تمونون" وهو دال على عدم وجوبها على من لا يمون نفسه لأنه خاطب بالوجوب غيره ولو وجب عليه لخاطبه به كسائر من تجب عليه
"إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع" لأن ذلك أهم فيجب تقديمه لقوله عليه السلام "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وظاهره أنه لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب وقاله الأكثر.
"وإن كان مكاتبا" فيجب عليه لد خوله في عموم النص ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمه فطرته كالحر لا على سيده
"وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه" عن نفسه "على روايتين" وكذا أطلقهما في الفروع وقال الترجيح مختلف إحداهما: يجب قدمه في المحرر لقوله عليه السلام "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ولأنها طهرة فهي كالطهارة بالماء.
والثانية: لا يلزمه اختارها ابن عقيل وهي ظاهر الخرقي والوجيز كالكفارة والفرق أن الكفارة لها بدل ويعتبر كون ذلك كله بعد ما يحتاجه

(2/350)


ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه.
---------------------------------
لنفسه أو لمن تلزمه مؤنته من سكن وعبد ودابة وثياب بذلة وقال ابن حمدان المذهب أنه لا يعتبر وجزم المؤلف أو له كتب يحتاجها للنظر والحفظ أو للمرأة حلي للبس أو الكراء وهي تحتاجه.
"و" حيث لزمه فطرة نفسه فإنه "يلزمه فطرة من يمونه" فدخل فيه الزوجات والإماء والأقارب من المسلمين فدل أنه لا تلزمه فطرة من يمونه من الكفار لأنها طهرة للمخرج عنه وهو لا يقبلها لأنه لا يطهره إلا الإسلام
"ولو كان عبدا" نص عليه وشمل ما إذا كان لزوجته خادم فإنه يخرج عنه إن لزمته نفقة وكذا عبد عبده وهو ظاهر كلام المؤلف وصححه في الشرح والأشهر فيه أنه إن لم يملك بالتمليك أدى عنه وإن ملك فلا فطرة له لعدم ملك السيد الأعلى ومقتضى ملك العبد أنه لا يلزمه عن نفسه فغيره أولى
فأما زوجة عبده فذكر أصحابنا المتأخرون أن فطرتها عليها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة وقيل يجب على سيد العبد وهو ظاهر كلامه كالنفقة وكما لو زوج عبده بأمته وكذا لو زوج قريبه ولزمه نفقة امرأته فعليه فطرتها لكن لا يلزمه فطرة أجير وظئر استأجرهما بطعامهما نص عليه ولا من وجبت نفقته في بيت المال وفي الضيف نقل عبد الله تجب على من يجب عليه نفقته
"فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه" وهي تبنى على النفقة ونفقة نفسه مقدمة فكذا فطرته "ثم بامرأته" لوجوب نفقتها مطلقا بخلاف الإيماء وقدمت على غيرها لآكديتها ولأنها معارضة وقيل لا يلزمه فطرة زوجته الأمة فإن سلمها ليلا ففطرتها على سيدها لقوة ملك اليمين في تحملها للإجماع عليه وقيل بينهما كالنفقة.
"ثم برقيقه" لوجوب نفقتهم مع الإعسار وظاهره ولو كان مرهونا ولا

(2/351)


ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث ويستحب أن يخرج عن الجنين ولا يجب.
--------------------------------
فرق بين أن يكون للتجارة أولا وقال ابن عقيل ويحتمل تقديمهم على الزوجة لئلا تسقط بالكلية
"ثم بولده" لوجوب نفقته في الجملة وقيل مع صغره وجزم به ابن شهاب وحمل ابن المنجا كلام المؤلف عليه وليس بجيد وقيل يقدم الولد على الزوجة وقيل الصغير يقدم عليها وعلى عبد
"ثم بأمه" لتقديمها على الأب في البر "ثم بأبيه" للخبر وقيل يقدم عليها وحكاه ابن أبي موسى رواية لقوله عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" وقيل بتساويهما وقدمهما في الفروع على الولد وليس بظاهر والذي ذكره المؤلف جزم به جماعة وقدمه آخرون وذكره في منتهى الغاية ظاهر المذهب
"ثم بالأقرب فالأقرب في الميراث" لأن الأقرب أولى من غيره فقدم كالميراث.
فرع: إذا استوى اثنان فأكثر ولم يفضل غير صاع أقرع بينهم وقيل يوزع وقيل يخير "ويستحب أن يخرج عن الجنين" في ظاهر المذهب لأن ظاهر الخبر أن الصاع مجزئ مطلقا "ولا يجب" ذكره ابن المنذر قول من يحفظ عنه من علماء الأمصار لأنها لو تعلقت به قبل ظهوره لتعلقت الزكاة بأجنة السوائم.
وعنه: يجب اختارها أبو بكر لفعل عثمان قال أحمد ما أحسبه صار ولدا ولأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الأخبار قال في المغني والأول أصح لأنه لا تثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية بشرط خروجه حيا وأما أمه فإن كانت بائنا فيلزمه فطرتها إن قلنا النفقة لها وإن قلنا للحمل لم يجب على الأصح بناء على وجوبها على الجنين.

(2/352)


ومن تكفل بمؤنة شخص في شهر رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب والمنصوص أنها تلزمه وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر.
------------------------------------------
"ومن تكفل" أي تبرع "بمؤنة شخص من شهر رمضان لم تلزمه فطرته" عند أبي الخطاب وصححه في المغني والشرح وحملا كلام أحمد على الاستحباب لعدم الدليل ولأن سبب الوجوب وجوب النفقة واجبة هنا فكذا فطرته فعلى هذا فطرته على نفسه كما لو يمنه إذ الحديث محمول على من تلزمه مؤنته لا على حقيقة المؤنة بدليل وجوبها على الآبق "والمنصوص أنها تلزمه" وهو قول أكثر أصحابنا وقدمه في المحرر والفروع لقوله عليه السلام " عمن تمونون" رواه أبو بكر في الشافعي من حديث أبي هريرة والدارقطني من حديث ابن عمر وإسنادهما ضعيف ولأنه شخص منفق عليه فلزمته فطرته كعبده والمعتبر جميع الشهر بفوته لنفقة التبرع وقال ابن عقيل قياس المذهب تلزمه إذا مانه آخر ليلة من الشهر كمن ملك عبدا أو زوجة قبل الغروب فإن مانه جماعة كل الشهر أو إنسان بعضه فقال في المغني في الأولى لا أعلم فيها للأصحاب قولا وفي الشرح والفروع فيه احتمالان أحدهما: لا تجب على أحد لأن سبب الوجوب المؤنة في جميع الشهر ولم توجد والثاني: أنها تجب بالحصص كعبد مشترك.
"وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع" اختاره الأكثر وهو المذهب وآخر قولي أحمد لأن الشارع إنما أوجب عن الواحد صاعا فأجزأه لظاهر الخبر وكالنفقة وماء طهارته
"وعنه: على كل واحد صاع" قدمه الخرقي واختاره أبو بكر وجمع لأنها طهرة ككفارة القتل وكذا إذا ورثه اثنان فأكثر "وكذلك الحكم فيمن بعضه حر" لأنه يساوي العبد المشترك معنى فوجب أن يساويه حكما واختار أبو

(2/353)


وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها ويحتمل ألا يجب ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته.
-----------------------------------
بكر يلزم السيد بقدر ملكه فيه ولا شيء على العبد.
تنبيه: لا تدخل الفطرة في المهايأة ذكره القاضي وجماعة لأنها حق الله كالصلاة والمهايأة معارضة كسب بكسب ومن عجز عما عليه لم يلزم الآخر قسطه كشريك ذمي لا يلزم المسلم قسطه فإن كان يوم العيد مؤنة العبد المعتق نصفه اعتبر أن يفضل عن قوته نصف صاع وإن كانت مؤنة سيده لزم العبد نصف صاع ولو لم يملك غيره لأن مؤنته على غيره وقيل يدخل في المهايأة بناء على وجه من كسب نادر فيها كالنفقة فلو كان يوم العبد وعجز عنها لم يلزم السيد شيء لأنه لا يلزمه نفقته كمكاتب عجز عنها.
فرع: إذا ألحقت القافة ولدا باثنين أو أكثر فالحكم في فطرته كالعبد المشترك جزم به الأصحاب وقال ابن تميم وابن حمدان يلزم كل واحد صاع وجها واحدا
"وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها" إن كانت حرة "أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها" لأنه كالمعدوم "ويحتمل أن لا يجب" عليهما شيء لأنها لم تجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيره كفطرة نفسه بخلاف النفقة لوجوبها مطلقا فعلى هذا تبقى في ذمته كالنفقة أم لا كفطرة نفسه يتوجه احتمالان وعلى الأول هل ترجع الحرة والسيد على الزوج كالنفقة أم لا كفطرة القريب فيه وجهان
"ومن كان له غائب أو آبق" أو مغصوب أو ضال "فعليه فطرته" للعموم ولوجوب نفقته بدليل رجوع من يرد الآبق بنفقته على سيده بخلاف زكاة المال وعليه لا فرق بين أن يرجو رجعته أو ييأس منها وسواء كان مطلقا أو محبوسا أو لا قاله في الشرح وعنه رواية مخرجة من زكاة المال لا

(2/354)


إلا أن يشك في حياته فتسقط وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى ولا تلزم الزوج فطرة الناشز وقال أبو الخطاب: تلزمه ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه فهل يجزئه؟ على وجهين.
---------------------------------------
يجب ولو ارتجى عود الآبق وعلى الأول لا يلزمه إخراجها حتى يعود إليه زاد بعضهم أو يعلم مكان الآبق
"إلا أن يشك في حياته فتسقط" نص عليه في رواية صالح لأنه لا يعلم بقاؤه والأصل براءة الذمة والظاهر موته وكالنفقة ولأنه لو أعتقه عن كفارته لم تجزئه وذكر ابن شهاب تلزمه لئلا تسقط بالشك والكفارة ثابتة بيقين فلا يسقط مع الشك في حياته "و" على الأول "إن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى" لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الماضي فوجب الإخراج كمال غائب بانت سلامته وقيل لا وقيل عن القريب كالنفقة
"ولا يلزم الزوج فطرة الناشز" في الصحيح من المذهب لعدم وجوب نفقتها ففطرتها عليها أو على سيدها والمراد إذا كان نشوزها في وقت وجوب الفطرة "وقال أبو الخطاب: تلزمه" لأن الزوجية ثابتة عليها فلزمه فطرتها كالمريضة وأجيب بأن المريضة لا تحتاج إلى نفقة لا لخلل في المقتضي لها وحكم كل امرأة لا نفقة لها كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها تجب على الثاني لا الأول
"ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه" أي بغير إذن من تلزمه زاد في الانتصار ونيته "فهل يجزئه على وجهين" ظاهر المذهب الإجزاء لأنه أخرج عن نفسه فأجزأه كمن وجبت عليه
والثاني: لا لأنه أدى الواجب عن غيره بغير إذنه فلم يصح كما لو أدى عن غيره وهما ينفيان هل يكون متحملا عن الغير لكونهما طهرة له أو أصيلا لأنه المخاطب بها وفيه وجهان فلو لم يخرج مع قدرته لم يلزم الغير شيء وله

(2/355)


ولا يمنع الدين وجوب الفطرة، إلا أن يكون مطالبا به وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر
----------------------------------
مطالبته بالإخراج جزم به الأصحاب كنفقته لكن لو أخرج العبد بلا إذن سيده لم يجزئه وقيل: إن ملكه سيده مالا وقلنا يملكه ففطرته عليه مما في يده فعلى هذا يخرج العبد عن عبده منه وظاهر ما سبق أنه إذا أخرج بإذنه أنه يجزئه فلو أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ وإلا فلا قال الآجري هذا قول فقهاء المسلمين.
مسألة: من لزمه فطرة حر أو عبد أخرجها مكانهما كمال مزكّى في غير بلد مالكه ونص على أنه يخرجها مكانه كفطرة نفسه.
فرع: من أنفق عليه من بيت المال لم يلزمه فطرته لأن ذلك ليس بإنفاق وإنما هو إيصال المال من حقه قاله القاضي أو لأنه لا مالك له معين كعبيد الغنيمة قبل الغنيمة والفيء ونحو ذلك
"ولا يمنع الدين وجوب الفطرة" لتأكدها بدليل وجوبها على الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها فجرى مجرى النفقة بخلاف زكاة المال فإنها تجب بالملك والدين يؤثر فيه والفطرة تجب على البدن وهو غير مؤثر فيه "إلا أن يكون مطالبا به" فيمنع في ظاهر المذهب نص عليه واختاره الأكثر لوجوب أدائه عند المطالبة وتأكده بكونه حق آدمي لا يسقط بالإعسار أشبه من لا فضل عنده وعنه يمنع مطلقا وقاله أبو الخطاب كزكاة المال وقال ابن عقيل عكسه لتأكدها كالنفقة والخراج
"وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر" لقول ابن عباس فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين رواه أبو داود والحاكم وقال على شرط البخاري فأضاف الصدقة إلى الفطر فكانت واجبة به لأن الإضافة تقتضي الاختصاص والسببية وأول فطر يقع

(2/356)


فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبدا أو زوجة أو ولد له ولد لم تلزمه فطرته وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين.
-------------------------------------
من جميع رمضان بمغيب الشمس من ليلة الفطر
"فمن أسلم بعد ذلك" أي بعد الغروب "أو ملك عبدا وزوجة أو ولد له ولد لم يلزمه فطرته" نقله الجماعة لعدم وجود سبب الوجوب
وعنه: يمتد وقت الوجوب إلى طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر
وعنه: يجب بطلوع الفجر منه وعنه :ويمتد إلى أن يصلى العيد
"وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت" لوجود السبب فالاعتبار بحال الوجوب فلو كان معسرا وقت الوجوب ثم أيسر فلا فطرة على الأصح وعكسه لا يسقط وكذا لو مات قبل الغروب فلا فطرة ولو كان بعده لم يسقط وذكره المجد إجماعا في عتق عبد والفطرة في عبد موهوب وموصى به على المالك وقت الوجوب وكذا المبيع في مدة الخيار وفي ملك عبد دون نفعه أوجه ثالثها أنها في كسبه بالنفقة
"ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين" نص عليه لقول ابن عمر كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين رواه البخاري والظاهر بقاؤها أو بقاء بعضها إليه وإنما لم تجز بأكثر لفوات الإغناء المأمور به في قوله "أغنوهم عن الطلب هذا اليوم" رواه الدارقطني من رواية أبي معشر وفيه كلام من حديث ابن عمر بخلاف زكاة المال ولأن الفطر سببها أو أقوى جزئي سببها لمنع التقديم على النصاب قال في الفروع والأولى الاقتصار على الأمر بالإخراج في الوقت الخاص خرج منه التقديم باليومين لفعلهم وإلا فالمعروف منع التقديم على السبب الواحد وجوازه على أحد السببين
وعنه: يجوز تقديمها بثلاثة جزم في المستوعب بأيام وقيل بخمسة عشر حولا للأكثر كالكل وقيل بشهر لا أكثر لأن سببها الصوم والفطر

(2/357)


والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة وتجوز في سائر اليوم فإن أخرجها عنه أثم وعليه القضاء.
فصل:
والواجب في الفطرة صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الأقط في إحدى الروايتين.
---------------------------------------
منه كزكاة المال
"والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة" أو قدرها لأنه عليه السلام أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة من حديث ابن عمر وقال جمع الأفضل أن يخرجها إذا خرج إلى المصلى وفي الكراهة بعده وجهان وقيل تحرم بعد الصلاة فعليه تكون قضاء جزم به ابن الجوزي واستدل الأصحاب بحديث ابن عباس السابق وتمامه فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات
"وتجوز في سائر اليوم" لحصول الإغناء بها فيه إلا أنه ترك الأفضل "فإن أخرها عنه أثم" لتأخيره الواجب عن وقته ولمخالفة الأثر "وعليه القضاء" لأنها عبادة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة وعنه لا يأثم نقل الأثرم أرجو أن لا بأس وقيل له في رواية الكحال وإن أخرها قال إذا أعدها لقوم.
فصل:
"والواجب في الفطرة صاع" بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل القامة وحكمته كفاية الصاع للفقير في أيام العيد "من البر أو الشعير" إجماعا "أو دقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب" إجماعا "ومن الأقط" وهي شيء يعمل من اللبن المخيض وقيل من الإبل فقط "في إحدى الروايتين" هذا المذهب جزم به أكثر الأصحاب.

(2/358)


---------------------------------------------
لما روى أبو سعيد الخدري قال كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط متفق عليه
وصريحه إجزاء الدقيق وهو الطحين والسويق وهو قمح أو شعير يقلى ثم يطحن نص عليه واحتج بزيادة انفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد أو صاعا من دقيق قيل لابن عيينة إن أحدا لا يذكره فيه قال بل هو فيه رواه الدارقطني
قال المجد بل أولى بالإجزاء لأنه كفى مؤنته كتمر نزع حبه ويعتبر صاعه بوزن حبه نص عليه ليفرق الأجزاء بالطحن وظاهره يجزئ بلا محل وفيه وجه كما لا يكمل تمر بنواه المنزوع.
وعنه لا يجزئ فيهما اختاره صاحب الإرشاد والمحرر في السويق لأن الزيادة أنكرت على سفيان فتركها وفي كلام المؤلف نظر لأنه لو قد ذكر التمر والزبيب ثم ذكرهما والأقط لرجع الخلاف إلى ذلك
والثانية لا يجزئ الأقط اختاره أبو بكر لأنه جنس لا تجب فيه الزكاة فلا يجزئ إخراجه كاللحم وعنه لا يجزئ إلا لمن هو قوته اختاره الخرقي وظاهره يجزئ وإن وجد غيره وخصصه الخرقي بأهل البادية نظرا إلى الغالب
فعلى الأول" هو أصل بنفسه وهو طريق الأكثر
وفي اللبن غير المخيض والجبن أوجه ثالثها يجزئ اللبن فقط ورابعها يجزئان مع عدم الأقط ويحتمل أنه يجزئ الجبن لا اللبن وحده لأنه بلغ حالة الادخار وظاهره أنه لا يجزئ نصف صاع من بر نص عليه لحديث أبي هريرة أو صاع من قمح وهو من رواية سفيان بن حسين عن الزهري وليس بالقوي واختار الشيخ تقي الدين الإجزاء وأنه قياس المذهب في الكفارة ويقتضيها نقل الأثرم وفيه شيء لأن في رواية الأثرم صاع من

(2/359)


ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد وعند أبي بكر: يخرج ما يقوم مقام المنصوص ولا يخرج حبا معيبا ولا خبزا.
-----------------------------------------------
كل شيء ولأحمد وغيره من حديث الحسن عن ابن عباس نصف صاع من بر وفيه مقال لأن الحسن لم يسمع منه قاله ابن المديني وابن معين
"ولا يجزئ غير ذلك" أي: الأصناف المذكورة مع قدرته على تحصيلها كالدبس والمصل وقيل يجزئ كل مكيل مطعوم واختار الشيخ تقي الدين يجزئ قوت بلده مثل الأرز ونحوه وأنه قول أكثر العلماء لقوله تعالى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: من الآية89] وجزم به ابن رزين
"إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد" كلحم ولبن وقيل لا يعدل عنهما لأن المقصود من المنصوص عليها الاقتيات وحصول الغنى عن الطلب وهو حاصل بذلك
"وعند أبي بكر" وهو أشبه بكلام أحمد وظاهر الخرقي وقدمه الشيخان في الكافي والمحرر وجزم به في الوجيز "يخرج" صاع "مما يقوم مقام المنصوص" من كل حبة كذرة ودخن أو ثمر يقتات كتين يابس ونحوه ولأنها أشبه بالمنصوص عليها فكانت أولى زاد بعضهم بالبلد غالبا وقيل يجزئ ما يقوم مقامها وإن لم يكن مكيلا
"ولا يخرج حبا معيبا" كمسوس ومبلول لقوله تعالى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: من الآية267] ولأن السوس يأكل جوفه والبلل ينفخه والمخرج بصاع منه ليس هو الواجب شرعا
وإن خالط الجيد ما يجزئ فإن كثر لم يجزئه وإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعا لأنه ليس عيبا لقلة مشقة تنقيته قال أحب تنقية الطعام وحكاه عن ابن سيرين ليكون أكمل "ولا خبزا" لأنه خرج عن الكيل والادخار وفيه شبه بإخراج القيمة وقال

(2/360)


ويجزئ إخراج صاع من أجناس وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده. ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة.
---------------------------------------------
ابن عقيل يجزئ
"ويجزئ إخراج صاع من أجناس" نص عليه لأن كلا منها يجوز منفردا وكذا مع غيره لتفاوت مقصودها أو اتحاده وقاسه في المغني والشرح على فطرة عبد مشترك إذا أخرج كل واحد من جنس وفي الفروع يتوجه تخريج في الكفارة لا تجزئ لظاهر الأخبار إلا أن يقول بالقيمة.
"وأفضل المخرج التمر" مطلقا نص عليه لفعل ابن عمر رواه البخاري وقال له أبو مجلز إن الله قد أوسع والبر أفضل فقال إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه رواه أحمد واحتج به ولأنه قوت وحلاوة وأقرب تناولا وأقل كلفة ولا عبرة بموزونه بل يحتاط في الثقيل ليسقط الفرض
"ثم ما هو أنفع للفقراء بعده" إذ القصد الاقتيات وحصول الإغناء به عن الطلب لكن جزم في المغني والشرح والوجيز أن الأفضل بعد التمر البر فيحتمل أن يكون مرادا هنا لأن الاعتماد في تفضيل التمر إتباع الصحابة وسلوك طريقتهم ولهذا قال أبو مجلز والبر أفضل وأقره عليه لأنه أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير
وقيل: الزبيب جزم به أبو الخطاب وعزاه ابن المنجا للأصحاب لمشاركته له في القوت والحلاوة وفي المحرر أفضلها التمر ثم الزبيب ثم البر ثم الشعير ثم الأقط وعنه الأقط أفضل لأهل البادية إن كان قوتهم وقيل ما كان أغلا قيمة وأكثر نفعا
"ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد" لا نعلم فيه خلافا إذا أعطى من كل صنف ثلاثة لأنه دفع الصدقة إلى مستحقها "والواحد ما يلزم الجماعة" نص عليه لأنها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالزكاة والأفضل ألا

(2/361)


-----------------------------------------------
ينقص الواحد عن مدبر أو نصف صاع من غيره
وعنه: الأفضل تفرقة الصاع جزم به جماعة للخروج من الخلاف
وعنه: الأفضل أن لا ينقص الواحد عن صاع للمشقة ويصرف في أصناف الزكاة لا في غيرهم وفي الفنون عن بعض أصحابنا تدفع إلى من لا يجد ما يلزمه وقال الشيخ تقي الدين لا تدفع إلا لمن يستحق الكفارة وهو من يأخذ لحاجته لا في المؤلفة والرقاب وغير ذلك
فرع: إذا دفعها إلى مستحقها فردها إليه عن نفسه أو جمعت عند الإمام فقسمها على أهل السهمان فعاد إلى إنسان ذلك جاز أشبه ما لو عادت إليه بميراث
وقال أبو بكر مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لأنها طهرة فلم يجز له أخذها لسواها لحديث عمر رضي الله عنه.

(2/362)


باب إخراج الزكاة
لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه
-----------------------------------------------
باب إخراج الزكاة
"لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه" أي مع القدرة نص عليه لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: من الآية141] والمراد الزكاة والأمر المطلق للفور بدليل أن المدخر مستحق العقاب ولو جاز التأخير لكان إما إلى غاية وهو مناف للوجوب وإما إلى غيرها ولا دليل عليه بل ربما يفضي إلى سقوطها إما بموته أو تلف المال ليتضرر الفقير فيختل المقصود من شرعها ولأنها للفور بطلب الساعي فكدين بطلب الله تعالى كعين مغصوبة
وفي المغني والشرح لو لم يكن الأمر للفور لقلنا به هنا ولأنها عبادة

(2/362)


إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه ونحو ذلك فإن جحد وجوبها جهلا عرف ذلك فإن أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثا.
----------------------------------------------
تكرر فلم يجز تأخيرها إلى دخول وقت مثلها كالصلاة.
وقيل: لا يلزمه على الفور لإطلاق الأمر كالكفارة وعلى الأول تضمن إذا تلف المال أو بعضه لتعديه وظاهره أنه إذا لم يمكنه الإخراج كمن منع من التصرف من ماله أو لم يجد المستحق أو كان ماله غائبا ونحوه فيجوز له التأخير وكلامه مشعر بجواز تأخيرها عن غير وقت وجوبها وهو كذلك بلا نزاع
"إلا لضرر" فيجوز له تأخيرها نص عليه "مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه" إذا أخرجها هو بنفسه "ونحو ذلك" كما إذا خاف على نفسه أو ماله لما في ذلك من الضرر وإذا جاز تأخير دين الآدمي فهي أولى ويجوز تأخيرها لحاجة المالك إليها نص عليه ولمن حاجته أشد نقله يعقوب وقيدها جماعة بزمن يسير للحاجة وإلا لم يجز ترك واجب لمندوب وظاهر كلام جماعة المنع وكذا يجوز تأخيرها لقريب في الأشهر وجار ولم يذكره الأكثر
وعنه: له أن يعطى قريبه كل شهر شيئا وحمله أبو بكر على تعجيلها قال المجد هو خلاف الظاهر وينبغي أن يقيد الكل ما لم يشتد ضرر الحاضر.
فرع: يجوز للإمام والساعي تأخيرها عند ربها لعذر قحط ونحوه احتج أحمد بفعل عمر.
"فإن جحد وجوبها جهلا" به ومثله يجهله لقريب العهد بالإسلام والناشئ ببادية بعيدة يخفى عليه "عرف ذلك" أي عرف وجوبها ليرجع عن الخطأ ولم يحكم بكفره لأنه معذور "فإن أصر" أو كان عالما به "كفر" إجماعا لأنه مكذب لله ولرسوله وظاهره ولو أخرجها "وأخذت منه" لوجوبها قبل كفره فلم تسقط به كالدين
قال في الفروع إن كان وجبت ولا تحتاج إليه لأنها مفروضة فيه "واستتيب ثلاثا" كالمرتد

(2/363)


فإن لم يتب قتل ومن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر فإن غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله.
---------------------------------------------
"فإن لم يتب قتل" لقوله عليه السلام "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" وقال أبو بكر لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة متفق عليهما
"ومن منعها بخلا بها" أو تهاونا "أخذت منه" قهرا كدين الآدمي وكما يؤخذ منه العشر ولأن للإمام طلبه به فهو كالخراج بخلاف الاستنابة في الحج والتكفير بالمال وظاهره أنه لا يحبس حتى يؤدي لعدم النية في العبادة من الممتنع "وعزر" لتركه الواجب عليه ولأنها معصية لا حد فيها ولا كفارة والمراد إذا كان عالما بتحريم ذلك وقيل إن كان ماله باطنا عزره إمام أو محتسب
وذكر القاضي وابن عقيل إن فعله لفسق الإمام لكونه لا يضعها موضعها لم يعزره وجزم به جماعة.
"فإن غيب ماله أو كتمه" أي غله "أو قاتل دونها وأمكن أخذها" فإن كان في قبضة الإمام "أخذت" الزكاة "من غير زيادة" عليها وهو قول أكثر العلماء لأن الصديق مع الصحابة لما منعته العرب الزكاة لم ينقل أنه أخذ منهم زكاة عليها ولأنه لا يزاد على أخذ الحقوق من الظالم وكسائر الحقوق
وعنه: تؤخذ منه ومثلها ذكرها ابن عقيل وقاله في زاد المسافر تغليظا عليه.
"وقال أبو بكر يأخذها وشطر ماله" أي مع نظير ماله الزكوي وهذا رواية وقدمها الحلواني لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا "في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من

(2/364)


فإن لم يمكن أخذها استتيب ثلاثا فإن تاب وأخرج وإلا قتل وأخذ من تركته وقال بعض أصحابنا: إن قاتل عليها كفر.
-----------------------------------------------
عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء" رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال شطر ماله وهو ثابت إلى بهز وقد وثقه الأكثر
وجوابه: بأنه كان في بدء الإسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ لأن ظاهره إيجاب بنت لبون من كل أربعين مطلقا والمستقر عليه في النصب والأسنان حديث الصديق وفيه ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه قال في الشرح وانعقد الإجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال وليس كذلك
"فإن لم يمكن أخذها" بالتعذيب أو غيره "استتيب ثلاثا" لأنها من مباني الإسلام فيستتاب تاركها كالصلاة "فإن تاب وأخرج وإلا قتل" إذا لم يتب لاتفاق الصحابة على قتال مانعها "وأخذت من تركته" من غير زيادة لأن القتل لا يسقط دين الآدمي فكذا الزكاة
وإذا قتل فيكون حدا على الأصح لظاهر الكتاب والسنة 0 ولأنه لا تسبى لهم ذرية لأن الجناية من غيرهم
وظاهره: أنه لا يكفر بمقاتلة الإمام له في ظاهر المذهب لأن الصحابة لم يعتقدوا كفرهم حين امتنعوا.
"وقال بعض أصحابنا إن قاتل عليها كفر" لقوله تعالى {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة: من الآية5] ولأن أبا بكر لما قاتلهم قالوا نؤديها قال لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره فدل على كفرهم
قال ابن مسعود وما تارك الزكاة بمسلم وجوابه بأنه يحتمل أنهم جحدوا وجوبها ويحتمل غير ذلك فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر بدليل العصاة من هذه الأمة وقال القاضي الصحيح

(2/365)


وإن ادعى ما يمنع الوجوب من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله عنه في بعض الحول – قبل قوله بغير يمين نص عليه. والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما.
----------------------------------------
من المذهب أنه لا يكفر بترك شيء من العبادات سوى الصلاة لتعذر النيابة فيها والمقصود الأعظم من الزكاة دفع حاجة الفقير وهو حاصل بأدائها مع القتال
"وإن" طولب بالزكاة فادعى أداءها أو "ادعى ما يمنع الوجوب من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله عنه في بعض الحول" بأن قال بعته ثم اشتريته "قبل قوله" لأن الأصل براءة ذمته "بغير يمين نص عليه" وظاهره لا يشرع نقل حنبل لا نسأل المتصدق عن شيء ولا نبحث إنما نأخذ ما أصابه مجتمعا ولأنها عبادة مؤتمن عليها فلا يستحلف كالصلاة والكفارة بخلاف الوصية للفقراء بمال وقال ابن حامد يستحلف في ذلك كله وفي الفروع يتوجه احتمال إن اتهم وفي الأحكام السلطانية إن رأى العامل أن يستحلفه فعل وإن نكل لم يقض عليه بنكوله وقيل بلى وكذا الحكم إن مر بعاشر وادعى أنه عشره آخر.
فرع: إذا أقر بقدر زكاته ولم يذكر قدر ماله صدق ويجري الخلاف السابق في اليمين "والصبي والمجنون" تجب الزكاة في مال كل منهما إذا كان حرا مسلما تام الملك وقوم لما روى الدارقطني مرفوعا "من ولي مال يتيم فليتجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" وروي موقوفا على عمر فدل على وجوبها لأن الولي ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولأن من وجب العشر من رزعه وجب ربع العشر في رزقه كالبالغ العاقل والصلاة والصوم مختصة بالبدن فإن نية الصبي ضعيفة والمجنون لا تتحقق منه نيتها بخلاف الزكاة فإنها تتعلق بالمال لنفقة الزوجات والأقارب وأرش الجنايات.
فعلى هذا "يخرج عنهما وليهما" من مالهما لأنه حق واجب عليهما ,

(2/366)


ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه وله دفعها إلى الساعي وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر.
---------------------------------------------
فوجب على الولي أداؤه عنهما كنفقة قريبه وتعتبر النية منه في الإخراج كرب المال "ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه" إن كان أمينا وهو أفضل من دفعها إلى الإمام نص عليه لقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: من الآية271] وكالدين ولأن القابض من سيد قبض ما يستحقه وليكون على ثقة من إيصالها إلى مستحقها وظاهره لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة وقيل يجب دفع زكاة المال الظاهر إلى الإمام
"وله دفعها إلى الساعي" لما روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت لي مال وأريد إخراج زكاته فما تأمرني فقال ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد فقالوا مثل ذلك رواه سعيد ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم وظهر أن له دفعها إلى الإمام ولو كان فاسقا قال أحمد الصحابة يأمرون بدفعها وقد علموا فيما ينفقونها وفي الأحكام السلطانية يحرم إن وضعها في غير أهلها ويجب كتمها إذن وبالجملة فيجزئ مطلقا لما روى أحمد عن أنس مرفوعا "إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها"
وللإمام طلبها من الأموال مطلقا إذا وضعها في أهلها وقيل يجب دفعها إذن وقيل لا يجب دفع الباطنة ذكره بعضهم وجها واحدا وعلى الأول ولو من بلد غلب عليه الخوارج فلم يؤد أهله الزكاة ثم غلب عليهم الإمام لأنهم وقت الوجوب ليسوا تحت حمايته.
"وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر" لاختلافهم فيه فذهب قوم إلى أنه

(2/367)


ويتولى تفريق الباقي وعند أبي الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل. ولا يجوز إخراجها إلا بنية.
-------------------------------------------------
يتولاه الإمام أو نائبه وعنه يدفع إلى السلطان صدقة الفطر وعنه دفع الظاهر أفضل
"ويتولى" المالك "تفريق الباقي" كالمواشي ونحوهما فيضعها موضعها "وعند أبي الخطاب دفعها إلى الإمام العادل أفضل" واختاره ابن أبي موسى للخروج من الخلاف وزوال التهمة.
تنبيه: للإمام طلب نذر وكفارة في وجه نص عليه في كفارة الظهار وما أخذه البغاة والخوارج من الزكاة فإنها تجزئ عن مالكها وحمله القاضي على أنهم خرجوا بتأويل وفي موضع آخر أنهم إذا نصبوا إماما وفي الأحكام السلطانية لا يجزئ الدفع إليهم اختيارا وعنه الوقف فيما أخذه الخوارج من الزكاة
"ولا يجوز" أي لا يجزئ "إخراجها إلا بنية" لقوله "إنما الأعمال بالنية" ولأنها عبادة فافتقرت إليها كالصلاة ومصرف المال إلى الفقير له جهات فلا يتعين إلا بتعيين فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال أو الفطر
فلو نوى صدقة مطلقة لم يجزئه ولو تصدق بجميع ماله كصدقته بغير النصاب من جنسه ولا تعتبر نية الفرض ولا المال المزكى عنه.
وفي تعليق القاضي وجه تعتبر نية التعيين إذا اختلف المال كشاة عن خمس من الإبل وأجزأ عن أربعين من الغنم فعلى الأول إن نوى زكاة ماله الغائب فإن كان تالفا فعن الحاضر أجزأ عنه إن كان الغائب تالفا بخلاف الصلاة لاعتبار التعيين فيها وإن أدى قدر زكاة أحدهما جعله لأيهما شاء لتعيينه ابتداء وإن لم يعينه أجزأ عن أحدهما ولو نوى عن الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلى غيره كعتق في كفارة معينة فلم تكن وإن نوى عن الغائب إن كان سالما أو نوى وإلا فنفل أجزأ لأنه حكم الإطلاق فلم

(2/368)


إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا وقال أبو الخطاب: لا تجزئه أيضا من غير نية. فإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل.
----------------------------------------------
يضر التقييد وقال أبو بكر لا يجزئه لأنه لم يخلص النية للفرض والأولى مقارنتها للدفع وله تقديمها بزمن يسير كالصلاة وفي الروضة تعتبر عند الدفع ولو حركها لم تكف النية
"إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا" قاله الخرقي وجزم به في الوجيز فإنها تجزئ بغير نية رب المال في الظاهر بلا تردد بمعنى أنه لا يؤمر بأدائها ثانيا وظاهره أنها تجزئ في الباطن وهو أحد الوجوه لأن له ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نية المالك كولي الصبي ونحوه والثاني، وقاله القاضي أنها تجزئ إذا أخذها طوعا أو كرها لأن أخذه كالقسمة بين الشركاء.
"وقال أبو الخطاب" وابن عقيل وهو ظاهر المحرر واختاره حفيده "لا تجزئه أيضا من غير نية" لأن الإمام إما وكيله أو وكيل الفقراء أو وكيلهما فتعتبر نية رب المال وكالصلاة فعلى هذا يقع نفلا من الطائع ويطالب بها ويجزئ للمكره ظاهرا لا باطنا كالمصلي مكرها. وأجيب بأنه دال على المال ولا يصح إلحاق الزكاة بالقسمة لأنها ليست عبادة ولا تعتبر لها نية بخلاف الزكاة وقال القاضي في موضع لا يحتاج الإمام إذنه منه ولا من رب المال فرع: لو غاب المالك أو تعذر إذنه لحبس ونحوه فأخذ الساعي من ماله أجزأ مطلقا لأنه له ولاية أخذها إذن ونية المالك متعذرة بما تعذر عليه كصرف الولي زكاة موليه "فإن دفعها إلى وكيله" المسلم الثقة نص عليه وقال القاضي يجوز أن يكون كافرا على خلاف فيه كما لو استناب ذميا في ذبح أضحية وجزم في منتهى الغاية بجوازه كالمسلم وفي مميز وجهان ومقتضاه صحة التوكيل في إخراجها اتفاقا "اعتبرت النية في الموكل" لأنها

(2/369)


دون نية الوكيل ويستحب أن يقول عند دفعها: اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما. ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورا.
--------------------------------------------
واجبة عليه فاعتبرت من جهته وظاهره الإجزاء ولو تطاول زمن الإخراج اختاره أبو الخطاب "دون نية الوكيل" كما لو تقارب الدفع وقيده القاضي وابن عقيل وصاحب الشرح والوجيز بالزمن اليسير فعلى هذا لو تطاول فلا بد من نية الوكيل أيضا لئلا يخلو الأداء إلى المستحق عن نية مقارنة مقاربة ويستثنى منه ما لو دفعها إلى الإمام ناويا ولم ينو الإمام حال الدفع جاز وإن طال الزمن لأنه وكيل الفقراء وظاهره أنه إذا نوى الوكيل أنه لا يجزئ لأنه نيته لم يؤذن له فيها فتقع نفلا ولو أجازها وكذا من أخرج من ماله زكاة عن حي بلا إذنه لم يجزئه ولو أجازها لأنها ملك المتصدق فوقعت عنه
"ويستحب أن يقول عند دفعها اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" لخبر أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" رواه ابن ماجه من رواية البختري بن عبيد وهو ضعيف ومعناه الدعاء كأنه قال اللهم اجعلها مثمرة لا منقصة له لأن التثمير كالغنيمة والتنقيص كالغرامة ويحمد الله على توفيقه لأدائها.
"ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا" لأنه مأمور به في قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: من الآية103] أي ادع لهم قال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال "اللهم صل على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته فقال "اللهم صل على آل أبي أوفى" متفق عليه وهو محمول على الندب ولهذا لم يأمر سعاته بالدعاء وذهبت الظاهرية إلى وجوبه لأن "على" للإيجاب
ويستحب إظهارها في الأصح وقيل إن منعها أهل بلدة استحب وإلا

(2/370)


ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة. فإن فعل ، فهل تجزئه ؟ على روايتين. إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه ، فيفرقها في أقرب البلاد إليه.
---------------------------------------.
فلا. فإن علمه أهلا لها كره إعلامه بها نص عليه وفي الروضة لا بد من إعلامه وإن علمه أهلا ويعلم من عادته لا يأخذ زكاة وإن أعطاه ولم يعلمه لم يجزئه في قياس المذهب.
"ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة" نص عليه وجزم به الأكثر لقوله عليه السلام لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم" متفق عليه وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال كان في كتاب معاذ "من أخرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره ترد إلى مخلافه" وذكر القاضي في تعليقه وابن البنا يكره وعنه يجوز نقلها إلى الثغر وعنه وغيره والأول المذهب وعليه لا فرق بين أن يكون لرحم وشدة حاجة أولا.
والساعي وغيره سواء نص على ذلك وعلم منه أنه يجوز نقل الكفارة والنذر والوصية المطلقة في الأصح ونقلها إلى قصر نص عليه لأنه في حكم بلد واحد بدليل أحكام رخص السفر.
"فإن فعل فهل يجزئه على روايتين" إحداهما لا يجزئ اختاره الخرقي وابن حامد والقاضي وجماعة كصرفها في غير الأصناف والثانية واختارها أبو الخطاب والمؤلف وصاحب الوجيز الإجزاء للعمومات ولأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين "إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه" بالكلية أو كانوا وفضل عنهم لأن معاذا بعث إلى عمر صدقة من اليمن فأنكر عمر ذلك وقال لم أبعثك جابيا ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد من يأخذه مني رواه أبو عبيد فينقلها نص عليه ومؤنة نقلها على المالك كالكيل ونحوه "فيفرقها في أقرب البلاد إليه" لأنهم أولى وحكم أهل البادية كذلك ولو عبر بموضع لكان أشمل ويستثنى من الأول ما لو كان نصاب من السائمة

(2/371)


وإذا كان في بلد وماله في آخر ، أخرج زكاة المال في بلده ، وفطرته في البلد الذي هو فيه. وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم الإبل في أفخاذها والغنم في آذانها ، فإن كانت زكاة كتب " لله " أو " زكاة " ، وإن كانت جزية كتب: " صغار " أو : " جزية ".
---------------------------------------
متفرقا في بلدين فإنه يجوز أن يخرج في أحدهما لئلا يفضي إلى التشقيص في ظاهر كلام أحمد والثاني يلزمه في كل بلد بقدر ما فيه من المال لئلا ينقلها.
"وإذا كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده" أي بلد المال نص عليه لئلا ينقل الصدقة عنه ولأن المال سبب الزكاة فوجب إخراجها حيث وجد السبب وإن كان متفرقا زكى كل مال حيث هو.
فرع: السفار بالمال يزكي من موضع أكثر إقامة المال فيه نقله الأكثر لتعلق الأطماع به غالبا ونقل محمد بن الحكم تفرقته في البلدان التي كان بها في الحول وقال القاضي يفرق زكاته حيث حال حوله لئلا يفضي إلى تأخير.
"و" إخراج "فطرته في البلد الذي هو فيه" لأنه سببها فوجب إخراجها حيث وجد السبب "وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم الإبل" والبقر "في أفخاذها والغنم في آذانها" لما روى أنس قال غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة متفق عليه ولأحمد وابن ماجه وهو يسم غنما في آذانها وإسناده صحيح ولأن الحاجة تدعو إليه ليتميز عن الضوال ولترد إلى مواضعها إذا شردت وخص الموضعان لخفة الشعر فيهما ولقلة ألم الوسم ويتوجه يحرم في الوجه
"فإن كانت زكاة كتب "لله" أو "زكاة" وإن كانت جزية كتب "صغار" "أو جزية" لأنه أقل ما يتميز به وذكر أبو المعالي أن الوسم بحناء أو قير أفضل وفيه شيء.
تنبيه: إذا أخرج زكاته فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه عوضها كما قبل

(2/372)


فصل:
ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب ، ولا يجوز قبل ذلك ، وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان.
--------------------------------
العزل لعدم تعيينها لأنه يجوز العود فيها إلى غيرها ولم يملكها المستحق كمال معزول لو قارب الدين بخلاف الأمانة والتالف إن كان من مال الزكاة سقط قدر زكاته إن قلنا بالسقوط بالتلف وفي سقوطها عن الباقي إن نقص عن نصاب الخلاف ويشترط لملك الفقير لها وإجزائها قبضه ولا يصح تصرفه قبله نص عليه ولو قال الفقير اشتر لي بها ثوبا ولم يقبضه لم يجز ولو اشتراه كان له ولو تلف فمن ضمانه.
فصل:
"ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب" جزم به الأصحاب لما روى علي بن أبي طالب أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك رواه أحمد وأبو داود وقد تكلم في إسناده وذكر أبو داود أنه روي عن الحسن بن مسلم مرسلا وأنه أصح ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ونقل جماعة لا بأس به قال الأثرم هو مثل الكفارة قبل الحنث فيصير من تقديم الحكم بعد وجود سببه وقبل وجود شرطه وفي كلام القاضي والمجد أنهما سببان فقدم على أحدهما وفي كلام المؤلف شرطان وظاهر كلامهم أن ترك التعجيل أفضل وفي الفروع ويتوجه احتمال تعتبر المصلحة ولا خلاف عندنا أنه يجوز تقديمها بعام واحد ويستثنى منه ولي رب المال فإنه ليس له تعجيلها في وجه.
"ولا يجوز قبل ذلك" أي قبل كمال النصاب بغير خلاف نعلمه قاله في المغني لأنه سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف "وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان" أطلقهما تبعا لأبي الخطاب إحداهما لا يجوز جزم به في الوجيز لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول ,

(2/373)


وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده ، أجزأ عن النصاب دون الزيادة.
------------------------------------
فاقتصر عليه والثانية يجوز قدمه في الفروع لأن في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أما العباس فهي علي ومثلها معها" متفق عليه وكتقديم الكفارة قبل الحنث بأعوام لكن قيدها ابن الزاغوني والمجد بعامين ونص أحمد ويرد عليه نقل الأولى لا يجوز لثلاثة أعوام فأكثر قال ابن عقيل لا تختلف الرواية فيه اقتصارا على ما ورد وعنه يجوز لما سبق.
وإذا قلنا تعجل لعامين فعجل عن أربعين شاة شاتين في غيرها جاز وفيهما لا يجوز عنهما وينقطع الحول وإن عجل واحدة منها وأخرى من غيرها جاز جزم به في منتهى الغاية وقال المؤلف يجزئ واحدة عن الحول الأول.
"وإن" ملك نصابا ثم "عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب" لما تقدم "دون الزيادة" نص عليه لأنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يوجد السبب كما في النصاب الأول وعنه يجزئ عنها لوجود سبب الزكاة في الجملة وفي الفروع يتوجه منها احتمال تخريج يضمه إلى الأصل من حول الوجوب فكذا من التعجيل واختار في الانتصار يجزئ عن المستفاد من النصاب فقط وقيل به إن لم يبلغ المستفاد نصابا لأنه يتبعه في الوجوب والحول كموجود وإذا بلغه استقل بالوجوب في الجملة لو لم يوجد الأصل.
ولو عجل عن خمس عشرة وعن نتاجها بنت مخاض فنتجت مثلها فالأشهر لا تجزئه وتلزمه بنت مخاض وهل له أن يرتجع العجلة على وجهين فإن جاز فأخذها ثم دفعها إلى الفقير جاز وإن اعتد بها قبل أخذها فلا لأنها على ملك الغير.
ولو عجل مسنة عن ثلاثين بقرة ونتاجها فالأشهر لا تجزئه عن الجميع بل عن ثلاثين وليس له ارتجاعها ويخرج للعشر ربع مسنة وعلى قول ابن حامد يخير بين ذلك وبين ارتجاع المسنة ويخرجها أو غيرها عن الجميع ولو عجل عن

(2/374)


وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم ، لم تجزئه. وإن عجل زكاة النصاب وتم الحول ، وهو ناقص قدر ما عجله ، جاز. وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة ، لزمه شاة ثالثة.
--------------------------------------
أربعين شاة شاة ثم أبدلها مثلها أو نتجت أربعين سخلة ثم ماتت الإناث أجزأ العجل عن البدل وعن السخال لأنها تجزئ مع بنات الأمات عن الكل فعن أحدهما أولى وذكر أبو الفرج وجها لا تجزئ لأن التعجيل كان لغيرها.
"وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم تجزئه" لأنه تقديم لها قبل وجود سببها وظاهره أنه إذا عجلها بعد الطلوع أنها تجزئ واختاره أبو الخطاب وقدمه في الفروع لأن وجود ذلك كالنصاب والإدراك كالحول وحكم الزرع كذلك.
وقيل يجوز بعد ملك الشجر ووضع البذر في الأرض لأنه لم يبق للوجوب إلا مضي الوقت عادة كالنصاب الحولي
واختار في الانتصار ومنتهى الغاية أنه لا يجوز حتى يشتد الحب ويبدو صلاح الثمرة لأنه السبب.
"وإن عجل زكاة النصاب وتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز" لأن ما عجله حكمه حكم الوجود في ملكه حقيقة أو تقديرا ولهذا يتم به النصاب ويجزئه عن ماله.
وقال أبو حكيم لا يجزئه ويكون نفلا ويكون كتالف فعلى الأول لو ملك مائة وعشرين شاة ثم نتجت قبل الحول واحدة لزمه شاة أخرى وعلى الثاني لا.
وظاهره: أنه إذا نقص أكثر مما عجله أنه يخرج بذلك عن كونه سببا للزكاة فإذا زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول من حين كمل النصاب ولم يجزئه ما عجله ذكره في الشرح.
"وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمه شاة ثالثة" لما

(2/375)


وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه. وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب ، لم تجزئه. وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول ، لم يرجع على المسكين.
-------------------------------
ذكر من أن المعجل حكمه كالموجود فيكون ملكه مائتين وواحدة وفرض ذلك ثلاث شياه فإذا أدى اثنتين بقي عليه واحدة فلو نتج المال ما يغير الفرض كتبيع عن ثلاثين بقرة فنتجت عشرا فقيل لا يجزئه المعجل لشيء ليتبين أن الواجب غيره وهل له ارتجاعه فيه وجهان وقيل يجزئه عما جعله عنه ويلزمه للنتاج ربع مسنة لئلا يمتنع المالك من التعجيل غالبا.
"وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات" قابضها "أو ارتد أو استغنى" من غيرها قبل الحول "أجزأت عنه" في الأصح كما لو استغنى منها أو عدمت عند الحول لأنه يعتبر وقت القبض ولئلا يمتنع التعجيل وفهم منه أنه إذا بقي على صفة الاستحقاق عند تمام الحول الإجزاء من باب أولى
"وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزئه" لأنه لم يدفعها إلى مستحقها أشبه ما لو لم يفتقر "وإن عجلها ثم هلك المال" أي النصاب أو بعضه أو مات المالك أو ارتد "قبل الحول" فقد بان أن المخرج ليس بزكاة لانقطاع الوجوب بذلك فإذا أراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز وذكر القاضي وجها يجوز بناء على ما لو عجل عن عامين والفرق أن التعجيل وجد من نفسه مع حول ملكه وهنا أخرجها غيره عن نفسه بلا ولاية ولا نيابة فلم يجز
"ولم يرجع على المسكين" في رواية ذكرها أبو الحسين واختارها أبو بكر وغيره قال القاضي وهي المذهب وجزم بها في الوجيز لأنها وقعت إلى مستحقها فلم يملك استرجاعها لوقوعها نفلا بدليل ملك الفقير لها وظاهره لا فرق بين إعلام الآخذ أنها معجلة أولا والثانية: يملك الرجوع فيه اختارها ابن حامد وابن شهاب وأبو الخطاب ,

(2/376)


وقال ابن حامد : إن كان الدافع الساعي ، أو أعلمه أنها زكاة معجلة ، رجع عليه
---------------------------------
كما لو عجل الأجرة ثم تلف المأجور وكعتقه عن كفارة لم تجب فلم تجب كما لو كانت بيد الساعي عند التلف
وبنى جماعة عليها إن كان الدافع ولي رب المال رجع مطلقا وإن كان رب المال ودفع إلى الساعي مطلقا رجع فيها ما لم يدفعها إلى الفقير وإن كان دفعها إليه فهو كما لو دفعها إليه رب المال
"وقال ابن حامد إن كان الدافع الساعي" رجع مطلقا لقوله "أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه" لأنه دفعها عما يستحقه القابض من الحال الثاني وإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كما لو كفر عن القتل بعد الجرح فاندمل ولم يمت المجروح فيحتمل أن الضمير عائد إلى رب المال وهي الذي في الشرح فيصير التقدير لو أعلم رب المال الساعي بالتعجيل ودفع إلى الفقير رجع عليه أعلم الساعي أولا وجزم به جماعة عن ابن حامد ويحتمل أن يعود الضمير إلى الدافع فعلى هذا تقديره إذا أعلم الدافع الفقير بأنها معجلة رجع عليه وإلا فلا وهذا قول في المذهب ومتى كان رب المال صادقا فله الرجوع باطنا أعلمه بالتعجيل أولا لا ظاهرا مع الإطلاق لأنه خلاف الظاهر.
وعلى القول بالرجوع إن كانت العين باقية أخذها بزيادتها المتصلة فقط وقيل يرجع بالمنفصل:ة كرجوع بائع المفلس المسترد عين ماله بها وإن كانت ناقصة ضمن نقصها في الأصح كجملتها وإن تلفت ضمن مثلها أو قيمتها يوم التعجيل والمراد ما قاله المجد يوم التلف على صفتها يوم التعجيل.
فرع: إذا اختلفا في ذكر التعجيل صدق الآخذ عملا بالأصل ويحلف في الأصح ولو مات وادعى علم وارثه ففي يمينه على نفي العلم الخلاف.

(2/377)


باب ذكر أهل الزكاة
وهم ثمانية أصناف : الفقراء ، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم. الثاني: المساكين وهم الذين يجدون معظم الكفاية.
------------------------------------
باب ذكر أهل الزكاة
وأهلها هم الذين جعلهم الشرع محلا لدفعها إليهم
"وهم ثمانية أصناف" الذين سماهم الله تعالى في قوله {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ} [التوبة: من الآية60] قال أحمد إنما هي لمن سمى الله قال الأصحاب "إِنَّمَا" تفيد الحصر أي تثبت المذكور وتنفي ما عداه لقوله تعالى {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ} [النساء: من الآية171] قال في منتهى الغاية وكذلك تعريف الصدقات بالألف واللام فلو صار صرف شيء منها الثمانية لكان لهم بعضها لا كلها وهذا إجماع
"الفقراء" بدأ بهم اتباعا للنص ولشدة حاجتهم وهم غير المساكين لأنهما إذا اجتمعا افترقا وبالعكس "وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم" فالفقير الذي لا يجد شيئا أصلا أو لا يجد نصف كفايته كدرهمين من عشرة ومثله الخرقي وتبعه في الشرح بالزمن والأعمى لأنهما غالبا لا قدرة لهما على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم أو لا قدرة لهما على شيء بالكلية لقوله تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية273]
"الثاني المساكين وهم الذين يجدون معظم الكفاية" أو نصفها لقوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: من الآية79] فسماهم مساكين ولهم سفينة وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم المسكنة واستعاذ من الفقر فقال "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين" رواه الترمذي ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة

(2/378)


ومن ملك من غير الأثمان مالا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته وإن كان من الأثمان فكذلك في إحدى الروايتين.
-------------------------------------------
أصلح منها فدل على أن المسكين أحسن حالا من الفقير لكونه يجد ما ذكرنا وعنه أنه فقير والأول مسكين وأن المسكين أشد حاجة من الفقير وقاله الفراء وابن قتيبة وثعلب من أصحابنا لقوله تعالى {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:16] وهو المطروح على التراب لشدة حاجته.
وأجيب بأنه عن الفقير بالمسكين مطلقا وأن هذا النعت لا يستحقه بإطلاق اسم المسكنة "ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته" لقوله عليه السلام في حديث قبيصة "فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش" رواه مسلم والسداد الكفاية.
ولا فرق في ذلك بين ما لا تجب الزكاة فيه كالعقار ونحوه.
قال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان له عقار يستغله أو ضيعة يستغلها عشرة آلاف أو أكثر لا تقيمه يعني لا تكفيه يأخذ من الزكاة وهو فقير يعطى من الصدقة قال نعم وبين ما تجب فيه كالمواشي والحبوب.
نقل الميموني عن أحمد فقلت الرجل تكون عنده الإبل والغنم تجب فيه الزكاة وهو فقير يعطى من الصدقة قال نعم ولأنه يملك ما لا يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الأخذ منها كغيره ويأخذ تمام كفايته سنة وعنه يأخذ نماءها دائما بمتجر وآلة صنعة ولا يأخذ ما يصير به غنيا وظاهره أنه إذا كان يقوم بكفايته كمن له مكسب أو أجرة عقار أو غيره فإنه غني ويمنع من أخذها.
"وإن كان من الأثمان" وهو لا يقوم بكفايته قال في الوجيز وكفاية عياله "فكذلك في إحدى الروايتين" نقله مهنا وهو المذهب لأنه عليه السلام جعل عدم الكفاية غاية حل المسألة: ولم يوجد.

(2/379)


والأخرى: إذا ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون ويشترط كون العامل أمينا مسلما من غير ذوي القربى.
-------------------------------------------------
"والأخرى: إذا ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني" نقلها واختارها الأكثر لما روى عبد الله بن مسعود مرفوعا: "من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو كدوشا في وجهه" قالوا يا رسول الله وما غناه؟ قال: "خمسون درهما أو حسابها من الذهب" .رواه الخمسة.
وأجيب: بضعف الخبر فإنه يرويه حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عنه وشعبة لا يروي عن حكيم مع أنه قد ضعفه جماعة ولو سلم فهو محمول على المسألة: فتحرم المسألة: ولا يحرم الأخذ قاله في المغني والشرح وحمله المجد على أنه عليه السلام قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين ولذلك جاء التقدير عنه بأربعين وبخمس أواق وهي مائتان ويعتبر الذهب بقيمة الوقت لأن الشرع لم يحده وظاهره أنه ليس المانع من أخذها ملكه نصابا أو قيمته فاضلا عما يحتاجه فقط أو ملكه كفايته.
فرع: عياله مثله فيأخذ لكل واحد منهم خمسين أو قدر كفايته على الخلاف
"الثالث: العاملون عليها" للنص "وهم الجباة لها والحافظون" كالكاتب والقائم ونحوهما لدخولهم في مسمى العامل"ويشترط كون العامل" مكلفا "أمينا" وفي الفروع ومرادهم بها العدالة وفيه نظر "مسلما" في رواية وهي المذهب لقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: من الآية118] ولأنها ولاية ولاشتراط الأمانة أشبه الشهادة وهي تفتقر إلى العلم بالنصب ومقادير الزكاة وقبول قولهم من المأخوذ منه والكافر ليس أهلا لذلك قال عمر لا تأمنوهم وقد خونهم الله ويجوز أن يكون حاملها وراعيها ونحوهما كافرا من غير ذوي القربي هذا وجه وفي ابن المنجا أنه

(2/380)


ولا يشترط حريته وفقره وقال القاضي لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى وإن انتقلت الزكاة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال.
-----------------------------------
المذهب وجزم به في الوجيز لأن الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة سألا النبي صلى الله عليه وسلم العمالة على الصدقات فقال "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" وهو نص في التحريم فلا يجوز مخالفته إلا أن يدفع إليه أجرته من غير الزكاة قاله في المغني والشرح
"ولا يشترط حريته" لأنه يحصل منه المقصود كالحر وفيه وجه يشترط لكماله وقيل يشترط في عمالة تفويض لا تنفيذ "وفقره" إجماعا لأنه عليه السلام أرسل عمر عاملا وكان غنيا ولأن ما يأخذه أجرة.
"وقال القاضي لا يشترط إسلامه" في رواية واختارها الأكثر لأنه يأخذه بحق جبايته ولهذا قال ابن عقيل وأبو يعلى الصغير يصح أن يوكله الوصي في مال اليتيم بيعا وابتياعا وليس بظاهر وفي الأحكام السلطانية يجوز أن يكون كافرا في زكاة خاصة عرف قدرها.
"ولا كونه من غير ذوي القربى" في أشهر الوجهين قال المجد هو ظاهر المذهب كقرابة رب المال من والد وولد وكجباية الخراج والحديث محمول على التنزيه قال ابن منجا وفيه نظر وقيل إن منعوا الخمس.
وظاهره: انه لا يشترط ذكوريته قال في الفروع وهذا متوجه وفيه نظر من جهة أنه لم يرد ما يدل عليه ومن تعليلهم بالولاية ولا فقهه واشترط في الأحكام السلطانية إن كان من عمال التفويض وإن كان منفذا فلا لأن الإمام عين له ما يأخذه وأطلق جماعة أنه لا يشترط إذا كتب له ما يأخذه كسعاة النبي صلى الله عليه وسلم.
"وإن تلفت الزكاة في يده من غير تفريط" فلا ضمان عليه لأنه أمين "أعطي أجرته من بيت المال" لأنه من مصالح المسلمين وهذا منها وقيل لا يعطى

(2/381)


الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه
-------------------------------------
شيئا قال ابن تميم واختاره صاحب المحرر وظاهره أنها إذا لم تتلف أعطي أجرته منها وإن جاوز الثمن لأن ما يأخذه العامل أجرة في المنصوص وعنه له الثمن مما يجتنيه قال المجد فعليها إن جاوزت أجرته الثمن أعطيه من المصالح ويقدم بأجرته على غيره وله الأخذ وإن تطوع بعمله للخبر والأصح أنه إذا جعل له جعل على عمل لم يستحق شيئا قبل تعميله وإن عقد له إجارة وعين له أجرة مما يأخذه فلا شيء له عند تلف ما أخذه وإن لم يعين أو بعثه الإمام ولم يسم له شيئا أعطي من بيت المال.
تنبيه: إذا ادعى المالك دفعها إلى العامل فأنكر صدق المالك بلا يمين وصله العامل وبرئ ويقبل قول العامل في الدفع إلى الفقير وكذا إقراره بقبضها ولو عزل ولا يلزمه رفع نجاسة ما تولاه إذا طلب منه جزم به ابن تميم وقيل بلى وقيل مع تهمته وتقبل شهادة أرباب الأموال عليه في موضعها لا في أحدها منهم وإن شهد به بعضهم لبعض قبل التخاصم قبل غرم العامل وإلا فلا وإن شهد أهل السهمان عليه أوله لم يقبل وإن عمل إمام أو نائبه عليها لم يستحق منها شيئا.
"الرابع المؤلفة قلوبهم" للنص والمذهب بقاء حكمهم لأنه عليه السلام أعطى المؤلفة من المسلمين والمشركين "وهو السادة" الرؤساء "المطاعون في عشائرهم" ولا يقبل قوله "إنه مطاع" إلا ببينة وهم ضربان: كفار ومسلمون والكفار على ضربين: أحدهما: "ممن يرجى إسلامه" فيعطى منها لتقوى بنيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فيسلم لأنه عليه السلام أعطى صفوان بن أمية يوم فتح مكة الأمان واستنظر أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان مالي فأشار إلى واد فيه إبل محملة فقال هذا لك فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر وأجيب بأنه كان من مال الفيء لا الزكاة

(2/382)


أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين وعنه أن حكمهم انقطع.
-------------------------------------
الثاني: من يرجى بعطيته كف شره وشر غيره فقال : "أو يخشى شره" لما روى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وإن منعهم ذموا وعابوا والمسلمون على أربعة أضرب.
1- "أو يرجى بعطيته قوة إيمانه" ومناصحته في الجهاد لأنه عليه السلام لما بعث إليه علي بذهيبة في تربتها وقسمها بين أربعة نفر الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وعلقمة بن علاثة ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان قال فغضبت قريش وقالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما فعلت ذلك لأتالفهم" متفق عليه من حديث أبي سعيد ويقبل قوله في ضعف إسلامه بلا بينة.
2- "أو إسلام نظيره" أي أنهم سادات من المسلمين لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا المسلمين رغب نظراؤهم في الإسلام لأن أبا بكر أعطى عدي ابن حاتم والزبرقان بن بدر مع إسلامهما وحسن نياتهما.
3- "أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها" إلا أن يخاف.
4- "أو الدفع عن المسلمين" كمن هو في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين.
فهؤلاء يعطون من الزكاة لدخولهم في مسمى المؤلفة "وعنه: أن حكمهم انقطع" نقلها حنبل عنه لأن الصحابة لم يعطوا شيئا من ذلك ولأن الله تعالى قد أظهر الإسلام وأعلا كلمة الإيمان فلم يحتج إليهم والحكم يزول بزوال علته وعنه ينقطع مع كفرهم لقول عمر وقد جاءه مشرك يلتمس منه مالا فلم يعطه وقال من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أي يستمر على كفره وعليهما يرد سهمهم على بقية الأصناف أو يصرف في مصالح المسلمين نص عليه وظاهر كلام جماعة يرد على بقية الأصناف فقط.

(2/383)


الخامس: الرقاب وهم المكاتبون ويجوز أن يفدي بها أسيرا مسلما نص عليه وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها على روايتين.
---------------------------------
"الخامس: الرقاب" للنص "وهم المكاتبون" واحده مكاتب ولا يختلف المذهب أنهم من الرقاب بدليل قوله اعتقت رقابي فإنه يشملهم وفي قوله تعالى {فَكَاتِبُوهُمْ} الآية إشعار به ولأنه يملك المال على سيده ويصرف إليه أرش جنايته فكان له الأخذ منها إن لم يجد وفاء كالغريم فإن عتق بأداء أو إبراء فما فضل معه فهل هو له كما لو فضل معه شيء من صدقة التطوع أو للمعطي فيه وجهان ويعطى قبل حلولها لئلا يؤدي إلى فسخها ولو مع القوة والكسب نص عليه وقيل إذا حل نجم قال جماعة وكذا من علق عتقه لمجيء المال ويستثنى منه المكاتب كتابة فاسدة والكافر لأنه ليس من مصرف الزكاة.
فرع: لا يدفع إلى المكاتب بحكم الفقر شيء لأنه عبد.
"ويجوز أن يفدي بها أسيرا مسلما نص عليه" اختاره جماعة لأنه فك رقبة من الأسر أشبه المكاتب والحاجة داعية إليه لأنه يخاف عليه القتل أو الردة لحبسه في أيدي العدو فهو أشد من حبس القن في الرق وعنه لا واحد وهو قول أكثر العلماء وقال أبو المعالي وكذا لو دفع إلى فقير مسلم غرمه السلطان مالا ليدفع جوره
"وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها على روايتين" إحداهما يجوز جزم به في الوجيز وغيره لظاهر الآية فإن الرقبة إذا أطلقت تنصرف إليه فجاز صرفها فيه كالمكاتب وشرطها أن يكون ممن لا يعتق عليه بالملك وكلامه مشعر بذلك.
والثانية: لا يجوز قال في رواية أبي طالب كنت أقول يعتق من زكاة ماله ولكن أهابه لأنه نجز الولاء ولأن ظاهر الآية ينتفي الدفع إلى الرقاب لقوله

(2/384)


السادس: الغارمون وهم المدينون وهم ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح.
--------------------------------
تعالى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} المراد بها الدفع إلى الغزاة والدفع إلى العبد لا يلزم منه فك الرقبة
وبالغ ابن عقيل فادعى أن أحمد رجع عن الأولى لظاهر هذه الرواية وليس هو كذلك بل على سبيل الورع لأن ما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع إذا بإعتاقه من الزكاة.
وعنه: الرقاب عبيد يشترون من الزكاة ويعتقون خاصة وعنه لا يعتق منها رقبة كاملة بل يعين في ثمنها فإن جاز فأعتق عبده أو مكاتبه عن زكاته ففي الجواز وجهان ولو علق العتق بشرط ثم نواه من الزكاة عند الشرط لم تجزئه.
فرع: يجوز الدفع إلى سيد المكاتب بلا إذنه قال الأصحاب وهو الأولى كما يجوز ذلك للإمام فإن رق لعجزه أخذت من سيده ولو تلفت الزكاة بيد المكاتب أجزأت ولم يغرمها عتق أورد رقيقا.
"السادس: الغارمون" للنص "وهم المدينون" كذا فسره الجوهري "وهو ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين" لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [لأنفال: من الآية1] أي وصلكم والبين الوصل والمعنى كونوا مجتمعين على أمر أبرم والمراد أن تقع بينهم عداوة وضغائن يتلف بها نفس أو مال فيتحمل إنسان حمالة بفتح الحاء لإطفاء الفتنة وسكون النار التي كانت بينهم ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع بإباحة المسألة: فيها وجعل لهم نصيبا من الصدقة وحديث قبيصة شاهد بذلك وظاهره أن الغارم يأخذ وإن لم يحل دينه وإن كانوا كفارا وفي العمدة وابن تميم والرعاية الكبرى من المسلمين "وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح" كمن استدان في نفقة نفسه وعياله

(2/385)


السابع: في سبيل الله ، وهم الغزاة.
--------------------------------------
أو كسوتهم وقيده بالمباح ليخرج ما استدان وصرفه في معصية كشرب الخمر والزنا ودخل فيه ما إذا اشترى نفسه من الكفار فيعطى قدره مع فقره وظاهره ولو كان في ذوي القربى وذكر المؤلف احتمالا بالمنع وكما لا يدفع إلى الغارم الكافر ذكره في الشرح وكذا لا يقضى منها دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره لعدم أهلية لقبولها كما لو كفنه منها وحكى الشيخ تقي الدين رواية بالجواز لأن الغارم لا يشترط تمليكه لأنه تعالى قال {وَالْغَارِمِينَ} ولم يقل للغارمين وفيه نظر ومن تحمل بسبب إتلاف مال أو نهب أحد من الزكاة وكذا إن ضمن عن غيره مالا وهما معسران جاز الدفع إلى كل منهما.
مسائل
منها: إذا اجتمع الغرم والفقر أعطي بهما فإن أعطى للفقر فله صرفه في الدين وإن أعطي للغرم لم يصرفه في غيره قاله بعضهم.
ومنها: إذا دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير فعنه يصح كدفعها للفقير وعنه لا لأن الدين على الغارم فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله ذكره في المغني والشرح وهذا خلاف المذهب فإن كان الإمام دافعها لم يفتقر إلى وكالة لولايته عليه في إيفائه ولهذا يجبره عليه إذا امتنع.
ومنها: إذا أبرأ رب المال غريمه من دينه بنية الزكاة لم تسقط نص عليه سواء كان المخرج عينا أو دينا ويتوجه تخريج لقول الحسن وعطاء في أنها تسقط بناء على أنه هل هو تمليك أم لا وقيل تجزئه من زكاة دينه لأنها مواساة ولا يكفي الحوالة بها جزم به ابن تميم بناء على أن الحوالة وفاء وذكر المؤلف أنها بمنزلة القبض وإلا كان بيع دين بدين.
"السابع: في سبيل الله" للنص "وهم الغزاة" لأن السبيل عند الإطلاق هو الغزو لقوله تعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية190]

(2/386)


الذين ى ديوان لهم ولا يعطى منها في الحج وعنه يعطى الفقير ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه.
------------------------------------
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} [الصف: من الآية4] إلى غير ذلك من النصوص ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم بشرط أن يكونوا متطوعة وهذا مراده بقوله "الذين لا ديوان لهم" أي لا حق لهم في الديوان لأن من له رزق راتب يكفيه فهو مستغن به فيدفع إليهم كفاية غزوهم وعودهم ولا يجوز أن يشتري من الزكاة فرسا يصير حبيسا في الجهاد ولا دارا وضيعة للرباط أو يقفها على الغزاة ولا غزوه على فرس أخرجه من زكاته نص عليه لا إذا اشترى الإمام بزكاة رجل فرسا فله دفعها إليه يغزو عليها كما له أن يرد عليه زكاته لفقره.
"ولا يعطى منها في الحج" في رواية اختارها في المغني وصححها في الشرح وقاله أكثر العلماء لأن سبيل الله حيث أطلق ينصرف إلى الجهاد غالبا والزكاة لا تصرف إلا لمحتاج إليها كالفقير أو من يحتاجه المسلمون كالعامل والحج لا نفع فيه للمسلمين ولا حاجة بهم إليه والفقير لا فرض في ذمته فيسقطه وإن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة أو صرفها في مصالح المسلمين أولى
"وعنه: يعطى الفقير" فهو من السبيل نص عليه وهو المذهب روي عن ابن عباس وابن عمر لما روى أبو داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "اركبيها فإن الحج في سبيل الله"
ويشترط له الفقر ومعناه أن يكون ليس له ما يحج به سواها وقيل لا وهو ظاهر الوجيز فيجوز للغني كوصيته بثلثه في السبيل ذكره أبو المعالي.
"قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه" جزم به غير واحد لأنه يحتاج إلى إسقاط الفرض والتطوع له عنه مندوحة ولكن ذكر القاضي جوازه في النفل كالفرض وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصححه بعضهم لأن كلا في

(2/387)


الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده فيعطى قدر ما يصل به بلده.
-------------------------------
سبيل الله والفقير لا فرض عليه فهو منه كالتطوع فعلى هذا يدفع إليه ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه وعلم منه أنه لا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها.
فرع: العمرة في ذلك كالحج نقل جعفر العمرة في سبيل الله.
الثامن ابن السبيل للنص والسبيل الطريق وسمي المسافر ابنا له لملازمته كما يقال ولد الليل إذا كان يكثر الخروج فيه.
"وهو المسافر" سفرا مباحا وفي سفر النزهة خلاف وعلله جماعة بأنه ليس بمعصية فدل على أنه يعطى في سفر مكروه قال في الفروع هو نظير إباحة الرخص فيه لا سفر معصية وقيل يشترط أن يكون سفر طاعة جزم به في الرعاية الصغرى وهو بعيد.
"المنقطع به" أي ليس له ما يرجع به إلى بلده "دون المنشئ للسفر من بلده" لأن الاسم لا يتناوله حقيقة وإنما يصير ابن سبيل في ثاني الحال فلا يكون مرادا وعنه بلى لأنه يريد السفر لغير معصية أشبه الأول ويصدق في إرادة السفر بلا يمين
"فيعطى" هذا تفريع على ما ذكره "قدر ما يصل به إلى بلده" لأن المجوز لأحدهما هو التوصل إلى بلده فلم يجز أن يدفع إليه أكثر من ذلك كالفقير وظاهره أنه يعطى ولو كان ذا يسار في بلده فإن كان يريد غير بلده فظاهره أنه لا يعطى وذكره المجد ظاهر رواية صالح وغيره وظاهر كلام أبي الخطاب لأن الشرع جوز الدفع إليه للرجوع إلى بلده لأنه أمر مهم لا غناء له عنه فلا يجوز إلحاق غيره به وعنه واختاره الأصحاب يدفع إليه ما يكفيه لمنتهى قصده وعوده إلى بلده لأن فيه إعانة على بلوغ الغرض الصحيح وظاهر كلام الأصحاب أنه يعطى ولو وجد من يقرضه ذكره

(2/388)


ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه والعامل قدر أجرته والمؤلف ما يحصل به التأليف والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر ولا يزاد أحد منهم على ذلك ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم ولا يعطى أحد منهم مع الغنى إلا أربعة العامل والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين والغازي.
---------------------------------------
صاحب الشرح خلافا للمجد.
"ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه" أي كل واحد منهما لأن الدفع للحاجة فتقدر بقدرها وهو مبني على ما سبق وشرط الخرقي أن يكون المدفوع إليه إلى الغنى لأن الغنى لو سبق الدفع لم يجز فكذا إذا قارب كالجمع بين الأختين.
"والعامل قدر أجرته" لأن الذي يأخذه بسبب العمل يوجب أن يكون بمقداره "والمؤلف ما يحصل به التأليف" لأنه المقصود "والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما" لأن حاجتهما إنما تندفع بذلك "والغازي ما يحتاج إليه لغزوه" من سلاح وفرس إن كان فارسا وحمولته وجميع ما يحتاجه له ولغزوه وإن كثر لأنه إنما يحصل بذلك ونبه عليه المؤلف لئلا يتوهم أنه لا يجوز أن يكون قدر نصاب لأن سبب الدفع الحاجة "ولا يزاد أحد منهم على ذلك" لأن الدفع للحاجة فيتقيد بها.
"ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم" لأن الحاجة داعية إلى ذلك كالأخذ لنفسه "ولا يعطى أحد منهم مع الغنى" لقوله عليه السلام "لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي" رواه أبو داود والترمذي من حديث عمرو بن العاص.
فائد: المرة القوة والشدة والسوي المستوي الخلق التام الأعضاء
"إلا أربعة: العامل" بغير خلاف نعلمه "والمؤلف" لأن إعطاءهم لمعنى يعم نفعه كالغازي "والغارم لإصلاح ذات البين" ما لم يكن دفعها من ماله "والغازي" لما روى أبو سعيد مرفوعا "لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في

(2/389)


وإن فضل مع الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى.
------------------------------------
سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم" رواه أبو داود ولأنه يقال جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما بقية الأصناف ولم يشرط فيهم الفقر ندل على جواز الأخذ مع فلهذا عدا ابن عقيل في الغارم والمذهب ما ذكره المؤلف وظاهره أن الباقين يشترط فيهم الحاجة وابن السبيل وإن كان له مال في بلده فهو الآن كالمعدوم
"وإن فضل مع الغارم والمكاتب" حتى لو سقط ما عليهما ببراءة أو غيرها "والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده" لان السبب زال فيجب رد العامل لزوال الحاجة فهؤلاء أخذهم مراعى وعلم منه أنهم إذا لم يصرفوه في والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى أو ادعى أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل حاجتهم أنه يسترجع منهم بكليته لبطلان وجود الاستحقاق وإن تلف في أيديهم بغير تفريط فلا رجوع عليهم وعنه لا يسترد منهم وتبقى لهم كسائر أموالهم لاستحقاقهم وقت الأخذ فملكوها كالبواقي قال في المحرر إلا في عجز المكاتب فإنها تكون لسيده انتهى وسيأتي.
"والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا" لأنهم ملكوها ملكا مستقرا والفرق أن هؤلاء حصل المقصود يأخذهم وهو غنى الفقير والمسكين مثلا بخلاف ما سبق
"وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا" أي فلا يرد ما فضل لأنه إذا عجز ورد في الرق فما في يده لسيده نص عليه لأنه مستحق ثم أخذها فلم يجب ردها كما لو استغنى الفقير وعنه يرده في المكاتبين وقيل للمعطي قال أبو بكر والقاضي ولو كان دفعها إلى سيده استرجعه المعطي وقيل لا كما لو قبضها منه ثم أعتقه.
"وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى" لم يقبل إلا ببينة لقوله عليه السلام في

(2/390)


أو ادعى أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينة وإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله وإن رآه جلدا وذكر أن لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
----------------------------------------
خبر قبيصة قال "لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة: حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش" رواه مسلم ولأن الأصل بقاء الغنى ونص أحمد أنه لا يقبل فيه إلا ثلاثة وجزم به في الوجيز وقال جماعة يقبل اثنان لدين الآدمي وأجاب المؤلف وغيره عن خبر قبيصة أنه في حل المسألة فيقتصر عليه
" أو ادعى إنسان أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينة" لأن الأصل عدم ما يدعيه وبراءة الذمة وفي قوله إنه ابن سبيل وجه يقبل قوله
"وإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين" أصحهما يقبل لأن الحق في العبد للسيد فإذا أقر بانتقال حقه عنه قبل والغريم في معناه والثاني لا يقبل إلا ببينة لجواز تواطئهما على أخذ المال وقدم في الفروع في المكاتب أنه لا يقبل إلا ببينة وهو غريب
"وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله" لأن الأصل استصحاب الحال السابقة والظاهر صدقه ولو كان متجملا ذكره في الشرح ويخبره بأنها زكاة.
"وإن رآه جلدا" أي شديدا قويا "وذكر أن لا كسب له أعطاه من غير يمين" وفاقا لأنه عليه السلام لن يحلف على ذلك "بعد أن يخبره" على سبيل الإيجاب "أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" لما روى عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه شيئا فصعد فيهما النظر فرآهما جلدين فقال "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي

(2/391)


وإن ادعى أن له عيالا قبل وأعطي ويحتمل أن لا يقبل إلا بينة إلا ببينة العيال ومن غرم أو سافر في معصية لم يدفع إليه فإن تاب فعلى وجهين ويستحب صرفها في الأصناف كلها
---------------
مكتسب" رواه أبو داود لكن إذا تفرغ للعلم وتعذر الجمع لا إن تفرغ للعبادة فإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يبين له قاله أحمد.
فرع: إذا سأله من ظاهره الفقر أن يعطيه شيئا فأعطاه قيل يقبل قول الدافع في كونها فرضا لسؤاله بقدر العشرة دراهم وقيل لا يقبل لقوله شيئا أني فقير قاله أو المعالي
"وإن ادعى أن له عيالا قلد وأعطي" قاله الأكثر لأن الظاهر صدقه ويسن إقامة البينة لاسيما على الغريب وكما يقلد في حاجة نفسه ويحتمل أن لا يقبل إلا بينة وقاله ابن عقيل لأن الأصل عدم العيال بخلاف ما إذا ادعى أنه لا كسب له لموافقته الأصل
"ومن غرم" أي في معصية كشراء خمر ونحوه "أو سافر في معصية" كقطع طريق ل"م يدفع إليه" أي قبل التوبة لأنه إعانة على المعصية
"فإن تاب فعلى وجهين" أصحهما: أنه يدفع إليه لأن تفريغ الذمة من الدين واجب والإعانة عليه قربة أشبه ما لو تلف ماله في المعصية حتى افتقر فإنه يصرف إليه من سهم الفقراء بشرطه وعود ابن السبيل إلى بلده ليس بمعصية بل ربما كان إقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه.
والثاني: لا لكونه استدامة للمعصية فلم تدفع إليه كما لو لم يتب ولأنه متهم في إظهار التوبة لأجل قضاء دينه ثم يعود وكذا لو سافر في مكروه أو نزهة.
"ويستحب صرفها في الأصناف كلها" أي الثمانية لكل صنف منها إن وجد حيث وجب الإخراج أو فيمن أمكن منهم لأن في ذلك خروجا من الخلاف وتحصيلا للإجزاء يقينا.

(2/392)


وإن اقتصر على إنسان واحد أجزأه وعنه لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدا
-----------------------------------------
"وإن اقتصر على إنسان واحد" من الأصناف "أجزأه" في قول جماهير العلماء ونص عليه واختاره الأصحاب لقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: من الآية271] ولحديث معاذ وقوله لقبيصة "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر ولو وجب الاستيعاب لم يجز صرفها إلى واحد ولأنه لا يجب إذا فرقها الساعي فكذا المالك ولما فيه من الكسر وهو منفي شرعا والآية إنما سيقت لبيان من تصرف إليه لا لتعميمهم وكالوصية لجماعة لا يمكن حصرهم وشرطه إذا لم يوصله إلى الغنى ذكره الخرقي فظاهره لا بد أن ينقص منه ونص أحمد وأكثر الأصحاب على خلافه لكن لا يزيد عليه ونص المؤلف على جواز الدفع إلى واحد دليل على جوازه إلى الصنف من باب أولى.
"وعنه: يجب الاستيعاب" اختاره أبو بكر وأبو الخطاب لأن الله تعالى أضافها إليهم بلام التمليك وشرك بينهم فلم يجز الاقتصار على بعضهم إلا لضرورة كأهل الخمس وعليها لا يجب التسوية بين الأصناف كالصنف الواحد وكالوصية للفقراء بخلاف المعين فعلى هذه "لا يجزئه أقل من ثلاثة من كل صنف" لأنهم أقل الجمع فعلى هذا إن دفع إلى اثنين ضمن نصيب الثالث وهل يضمنه بالثلث لأنه القدر المستحق أو بأقل جزء منه لأنه المجزئ فيه وجهان كالأضحية إذا أكلها وعنه يجزئ واحد اختاره في الانتصار وصاحب المحرر لأنه لما تعذر الاستغراق حمل على الجنس كقوله لا تزوجت النساء.
"إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدا" وفاقا مع أنه ذكر بلفظ الجمع لأن ما يأخذه أجرة ويسقط سهمه إن فرقها رب المال بنفسه فتبقى سبعة.
فرع: من كان فيه سببان أخذ بهما على الروايتين كالميراث ولا يجوز أن

(2/393)


ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه.
----------------------------------------
يعطى بأحدهما لا بعينه لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وإن أعطى بهما وعين لكل سبب قدر وإلا كان بينهما نصفين وتظهر فائدته لو وجد ما يوجد الرد
"ويستحب" للمالك "صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم" لقوله عليه السلام "صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة" رواه الترمذي والنسائي ولأنه لا يرثه بفرض أو تعصيب ولا تلزمه نفقته
وإذا أحضر رب المال إلى العامل من أهله من لا تلزمه نفقته ليدفع إليهم زكاته دفعها قبل خلطها بغيرها وبعده هم كغيرهم ولا يخرجهم منها لأن فيها ما هم به أخص ذكره القاضي.
"ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم" لأنها مراعاة ويقدم الأقرب والأحوج فإن كان الأجنبي أحوج أعطى الكل ولم يحاب بها قريبه والجار أولى من غيره والقريب أولى منه نص عليه والعالم والدين يقدمان على ضدهما
"ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه" نص عليه لأنه معه كالأجنبي من حرمان أكثر ما بينهما ولأن الدفع تمليك وهو من أهله فإذا رده إلى سيده بحكم الوفاء جاز كوفاء الغريم وقيده في الوجيز وغيره بأن لا يكون حيلة
ونقل حنبل عن أحمد أنه قال قال سفيان لا تعط مكاتبا لك من الزكاة وأنا أرى مثله واختاره القاضي قال المجد وهو أقيس لأن تعلق حقه بماله أشد من تعلق حق الوالد بمال الولد.
"وإلى غريمه" لأنه من جملة الغارمين وسواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع إليه ليقضي به دين المقرض نص على ذلك وقال إن كان حيلة فلا يعجبني ونقل عنه ابن القاسم إن أراد الحيلة لم يصح ولا يجوز وبه جزم في الوجيز وذكر القاضي وغيره أن المراد بالحيلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من ذمته فلا يجزئه لأن من شرطها تمليكا صحيحا وهو منتف

(2/394)


فصل:
ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد ولا فقير لها زوج غني
---------------------------------------------
مع الشرط.
وفي المغني والشرح أنه حصل من كلام أحمد إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة حق الله فلا يجوز صرفها إلى نفعه.
فصل:
"ولا يجوز دفعها إلى كافر" إجماعا وحديث معاذ نص فيه ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب للكافر كالنفقة ويستثنى منه إذا كان مؤلفا أو عاملا على رواية زاد في المستوعب أو غارما لذات البين أو غازيا "ولا عبد" أي كامل الرق لأن نفقته واجبة على سيده فهو غني بغناه وما يدفع إليه لا يملكه وإنما يملكه سيده فكأنه دفع إليه ويستثنى منه ما إذا كان عاملا وظاهره لا يدفع إليه وإن كان سيده فقيرا.
وذكر القاضي في تعليقه في العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما يجوز
وما قبضه من الصدقات فنصفه يلاقي نصفه المكاتب وما يلاقي نصف السيد الآخر إن كان فقيرا جاز في حصته وإن كان غنيا لم يجز قال المجد ومثله إذا كاتب بعض عبده وكلامه شامل للمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة فإن كان بعضه حرا أخذ بقدره بنسبته من خمسين أو من كفايته على الخلاف
"ولا فقيرة لها زوج غني" لغناها بذمتها عليه وكوالد صغير فقير أبوه موسر بل أولى للمعاوضة وثبوتها في الذمة وكما لا يجوز دفعها إلى غني بنفقة لازمة اختاره الأكثر وأطلق قي الترغيب وجهين وجوزه في الكافي لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف الزوجة ويستثنى منه ما إذا تعذرت النفقة منه لغيبة أو

(2/395)


ولا إلى الوالدين وإن علوا ولا إلى الولد وإن سفل ولا إلى الزوجة ولا لبني هاشم ولا مواليهم.
-----------------------------------------
امتناع فإنه يجوز لها الأخذ نص عليه كمن غصب ماله أو تعطلت منفعة عقاره
"ولا إلى الوالدين وإن علوا ولا إلى الولد وإن سفل" لاتصال منافع الملك بينهما عادة فيكون صارفا لنفسه بدليل عدم قبول شهادة أحدهما للآخر وظاهره لا فرق بين الوارث وغيره حتى ولد البنت نص عليه وعلل في الشرح ما يقتضي اقتصاره بوجوب النفقة وأطلق في الواضح في جد وابن ابن محجوبين وجهين وظاهره أنه لا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه أو كتابة نص عليه وقيل يجوز اختاره الشيخ تقي الدين وذكر جده في ابن سبيل كذلك وسبق كونه عاملا
ولا إلى الزوجة إجماعا لأنها مستغنية بنفقتها عليه فلم يجز كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها وظاهره ولو كانت ناشزة ذكره في الانتصار والرعاية وقيل بل مطلقا
"ولا لبني هاشم" نص عليه كالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله "إنا لا تحل لنا الصدقة" رواه أحمد ومسلم وله أيضا مرفوعا "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس" وسواء أعطوا من خمس الخمس أو لا لعموم النصوص ولأن منعهم لشرفهم وهو باق وقيل يجوز إن منعوا الخمس اختاره القاضي يعقوب والآجري والشيخ تقي الدين لأنه محل حاجة وضرورة ويستثنى منه ما لم يكونوا غزاة أو مؤلفة أو غارمين لذات البين وسبق كونه عاملا.
أصل: بنو هاشم من كان من سلالته ذكره القاضي وأصحابه وجزم في الرعاية بقول بعضهم هم آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب.
"ولا مواليهم" جمع مولى وهو من أعتقه هاشمي نص عليه لحديث أبي

(2/396)


ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ووصايا الفقراء والنذر وفي الكفارة وجهان.
---------------------------------------------
رافع مرفوعا "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من أنفسهم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ولأنه بمنزلة النسب في الإرث والعقل والنفقة فغلب الحظر وأومأ أحمد في رواية يعقوب إلى الجواز وحكاه في الشرح عن أكثر العلماء لأنهم ليسوا من آل محمد وكموالي مواليهم.
فرع: لا تحرم الزكاة على أزواجه عليه السلام في ظاهر كلام أحمد والأصحاب كمواليهن للأخبار وفي المغني والشرح أن خالد بن سعيد بن العاص أرسل إلى عائشة بسفرة من الصدقة فردتها وقالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة رواه الخلال فهذا يدل على تحريمها عليهن ولم يذكرا ما يخالفه مع أنهم لم يذكروا هذا في الوصية والوقف وهذا يدل على أنهن من أهل بيته في تحريم الزكاة وذكر الشيخ تقي الدين أنه يحرم عليهن الصدقة وأنهن من أهل بيته في أصح الروايتين ورده الجد رحمه الله.
"ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع" نص عليه وجزم به الأكثر لقوله عليه السلام "كل معروف صدقة" ولأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ويقول إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ولا خلاف في جواز اصطناع المعروف إليهم والمراد به الاستحباب إجماعا فلا وجه لقول ابن حمدان قلت يستحب وإنما عبروا بالجواز لأنه أصل لما اختلف في تحريمه ونقل الميموني عنه لا لعموم ما سبق وأجيب بأن المراد به الصدقة المفروضة لأن الطلب كان لها فاللام فيه للعهد.
"ووصايا الفقراء" نص عليه "والنذر" لأنه لا يقع عليهما اسم الزكاة والطهرة والوجوب في الآدمي أشبه الهبة ويؤخذ من نقل الميموني المنع وجزم في الروضة بتحريم النفل على بني هاشم ومواليهم "وفي الكفارة" وجهان المذهب أنه لا يجوز لوجوبها بالشروع كالزكاة والثاني بلى لأنها ليست أوساخ الناس أشبهت صدقة التطوع.

(2/397)


وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين.
------------------------------------
تنبيه: كل من حرم دفع الزكاة إليه جاز دفع التطوع له وله أخذها حتى كافر وغني نص عليه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فيحرم عليه وإن لم يحرم التطوع على بني هاشم وإن حرم عليهم فهو أولى لأن اجتنابها كان من دلائل النبوة فلم يكن لبخل به ونقل جماعة لا تحرم عليه واختاره القاضي كاصطناع أنواع المعروف إليه عليه السلام.
"وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين" وفيه مسائل.
الأولى: ظاهر المذهب وقدمه في الفروع أنه يجوز دفعها إلى غير عمودي نسبه ممن يرثه بفرض أو تعصيب كالأخت أو الأخ لقوله عليه السلام "والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة" فلم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه مقبول الشهادة له كالأجنبي وكما لو تعذرت النفقة وحكم الإرث بالولاء كذلك وإذا قبل زكاة دفعها إليه قريبه ولا نفقة وإن لم يقبل وطالب بنفقته الواجبة أجبر ولا يجزئه في هذه الحال جعلها زكاة والثانية المنع اختارها الخرقي وصاحب التلخيص والقاضي وذكر أنها الأشهر لغناه بوجوب النفقة ولأن نفعها يعود إلى الدافع لكونه يسقط النفقة عنه كعبده وظاهره أن القريب إذا لم تلزمه نفقته أنه يجوز دفعها إليه بلا ريب لأنه لا ميراث بينهما أشبه الأجنبي فلو ورث أحدهما الآخر كعمة وابن أخيها وعتيق ومعتقه وأخوين لأحدهما ابن فالوارث منهما تلزمه النفقة على الأصح وفي دفع الزكاة إليه الخلاف وعكسه الآخر
فأما ذوو الأرحام فالأصح أنه يدفع إليهم وإن ورثوا لضعف قرابتهم وفي الإرث بالرد الخلاف وعلى المنع يعطى قريبه لعمالة وتأليف وغزو وغرم لذات البين وظاهر ما سبق لو تبرع بنفقة قريب أو يتيم وضمه إلى عياله جاز الدفع إليه واختاره الأكثر لوجود المقتضي.

(2/398)


--------------------------------------
ونقل جماعة واختاره في التنبيه: والإرشاد لا روي عن ابن عباس ولأنه يذم على تركه فيكون قد وقى بها ماله وعرضه ولهذا لو دفع إليه شيئا في غير مؤنته التي عوده إياها تبرعا جاز نص عليه.
الثانية: يجوز دفع الزكاة إلى الزوج في رواية اختارها القاضي وأصحابه والمؤلف وجزم بها في الوجيز لحديث زينب امرأة ابن مسعود لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري فقال "لك أجران" رواه البخاري
والثانية: واختارها الخرقي وأبو بكر والمجد وحكاه عن أبي الخطاب لا يجوز قياسا لأحد الزوجين على الآخر ولأن النفع يعود إليها لتمكنها من أخذ نفقة الموسرين منه أو من أصل النفقة مع العجز الكلي وحديث زينب تأوله أحمد في رواية ابن مسيس على غير الزكاة وجوابه بأن الاعتبار بعموم اللفظ ولم يستثن جماعة شيئا وقيل يجوز في الزوجين كغرم لنفسه وكتابة لأنه لا يدفع عنه نفقة واجب كعمودي نسبه.
الثالثة: يجوز دفعها إلى بني المطلب في رواية اختارها الخرقي والشيخان وغيرهم لعموم آية الصدقات خرج منه بنو هاشم بالنص فيبقى ما عداهم على الأصل ولأن بني المطلب في درجة بني أمية وهو لا يحرم الزكاة عليهم فكذا هم وأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إليه بنو هاشم ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه مجرد القرابة بل بالنصرة أو بهما جميعا بدليل منع بني عبد شمس ونوفل من خمس الخمس مع مساواتهم لهم في القرابة والثانية نقلها عبد الله واختارها القاضي وأصحابه وجزم بها في الوجيز وصححها ابن المنجا المنع لما روى جبير بن مطعم مرفوعا قال "بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد" رواه البخاري ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا كبني هاشم وظاهره ولو منعوا من الخمس ولا يبعد أن يتأتى الخلاف هنا بل هو أولى بالجواز ولم يتعرض المؤلف

(2/399)


وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزئه إلا لغني إذا ظنه فقيرا في إحدى الروايتين.
----------------------------------------------
لمواليهم قال القاضي لا تعرف فيه رواية ولا يمتنع أن حكمهم كموالي بني هاشم وهو ظاهر الخبر والقياس وجزم في الوجيز بالمنع وسئل في رواية الميموني عن مولى قريش يأخذ الصدقة قال ما يعجبني قيل له فإن كان مولى مولى قال هذا أبعد فيحتمل التحريم.
"وإن دفعها إلى من لا يستحقها" كبني هاشم والعبيد "وهو لا يعلم" أي جاهلا بحاله "ثم علم-لم يجزئه" رواية واحدة قاله في الشرح وفي الفروع في الأشهر لأنه ليس بمستحق ولا يخفى حاله غالبا فلم يعذر يجهالته كدين الآدمي وجزم به بعضهم في الكفر لتقصيره لظهوره غالبا فعلى ذلك يسترد بزيادته مطلقا ذكره أبو المعالي وشمل ما لو كان المدفوع إليه قريبا قاله أصحابنا وأطلق فيها في الرعاية وفي مسألة: الغني روايتين ونص أحمد يجزئه اختاره المجد لخروجها عن ملكه بخلاف ما إذا صرفها وكيل المالك إليه وهو فقير فلم يعلما لا تجزئ لعدم خروجها عن ملكه.
"إلا لغني إذا ظنه فقيرا" فإنه يجزئه "في إحدى الروايتين" اختاره أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز للمشقة لخفاء ذلك عادة فلا يملكها الآخذ والثانية واختارها الآجري والمجد وغيرهما لا يجرئه كما لو بان كافرا ولحق الآدمي فيرجع على الغني بها أو بقيمتها إن تلف يوم تلفها إذا علم أنها زكاة رواية واحدة ومن ملك الرجوع فمات قام وارثه مقامه وظاهر ما سبق أنه إذا دفع صدقة التطوع إلى فقير فبان غنيا أنه يجزئه قاله ابن شهاب لأن المقصود في الزكاة إبراء الذمة ولم تحصل فملك الرجوع وفي التطوع الثواب ولم يفت.
فرع: إذا دفع الإمام أو الساعي الزكاة إلى من ظنه أهلا فبان غيره فروايات ثالثها لا يضمن إذا بان غنيا ويضمن غيره قال في الفروع وهو أشهر.

(2/400)


فصل:
وصدقة التطوع مستحبة وهي أفضل في شهر رمضان وأوقات الحاجة.
-------------------------------------------------
وجزم المجد لا يضمن مع الغنى وفي غيره روايتان.
تنبيه: يشترط تمليك المعطى لكن للإمام قضاء دين مديون حي والذكر والأنثى فيها سواء والصغير كالكبير وعنه إن أكل الطعام وإلا لم يجز فعلى المذهب يصرف ذلك في أجرة رضاعه وكسوته وما لا بد منه ويقبل ويقبض له من يلي ماله وكذا الهبة والكفارة
قال ابن منصور قلت لأحمد قال سفيان لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي أو قاض قال أحمد جيد وذكر المؤلف احتمالا أنه يصح قبض من يليه من أم أو قريب وغيرهما عند عدم الولي لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية وقد نص عليه في رواية جماعة.
فصل:
"وصدقة التطوع مستحبة" في كل وقت إجماعا لأنه تعالى أمر بها وحث عليها ورغب فيها فقال {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة: من الآية245] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إليه إلا طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل" متفق عليه من حديث أبي هريرة وأفضلها أن تكون سرا بطيب نفس في الصحة للأخبار "وهي أفضل في شهر رمضان" لحديث أنس مرفوعا أي الصدقة أفضل قال "صدقة رمضان" رواه الترمذي وغربه ولمضاعفة الحسنات وفيه إعانة على أداء الصوم المفروض وكذا كل زمان أو مكان فاضل كالعشر والحرمين
"وأوقات الحاجة" لقوله تعالى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} الآية ,

(2/401)


والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه وإن تصدق بما من تلزمه مؤنته أثم.
-----------------------------------------------
وروى أبو سعيد مرفوعا قال "من أطعم مؤمنا جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة" ويبدأ بمن هو أشد حاجة "والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة" لقوله عليه السلام "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" رواه أحمد والترمذي وحسنه من حديث سلمان لاسيما مع عداوته لقوله "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" رواه أحمد والجار مثله وهي عليهم أفضل من العتق نقله حرب والعتق أفضل من الصدقة على الأجانب إلا زمن الغلاء والحاجة نقله بكر بن محمد واختلف هل حج التطوع أفضل من الصدقة مع الحاجة أم معها على القريب أم على القريب مطلقا فيه روايات أربع وذكر الشيخ تقي الدين أن الحج أفضل وأنه مذهب أحمد.
"وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه" لقوله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: من الآية219] قال المفسرون هو الفاضل عن حاجته وحاجة عياله ولأن النفس تطيب به ولقوله عليه السلام "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" رواه البخاري من حديث أبي هريرة وأطلق المؤلف الكفاية تبعا لغيره والمراد دائما كما ذكره في الشرح وغيره بمتجر أو غلة ملك أو وقف أو صنعة وذكر بعضهم أنه لا يكفي في الأخيرين.
"وإن تصدق بما ينقص مؤنته من تلزمه مؤنته أثم" لقوله عليه السلام "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول" رواه أحمد وأبو داود ولمسلم معناه من حديث عبد الله بن عمرو وإثمه لتركه الواجب قال الأصحاب وكذا إن أضر بنفسه أو بغريمه أو بكفالته وظاهر كلام جماعة إن لم يضر فالأصل الاستحباب وجزم في الرعاية وغيرها أنه يكره التصدق قبل الوفاء والإنفاق

(2/402)


ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة: فله ذلك وإن لم يثق من نفسه لم يجز له ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة.
-------------------------------------------------
الواجب.
"ومن أراد الصدقة بماله كله" وكان منفردا "وهو يعلم من نفسه حسن التوكل" وهو عبارة عن الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس "والصبر عن المسألة فله ذلك" وحكاه عياض عن جمهور العلماء وأئمة الأمصار لقوله تعالى
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: من الآية9] وجاء أبو بكر بجميع ما عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك" فقال الله ورسوله فكان هذا فضيلة في حق الصديق لقوة يقينه وكمال إيمانه وهذا يقتضي الاستحباب وعن عمر رد جميع صدقته ومذهب أهل الشام ينفذ في الثلث وعن مكحول في النصف
"وإن لم يثق من نفسه لم يجز له" ذكره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لما روى جابر مرفوعا قال "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" رواه أبو داود فيمنع من ذلك ويحجر عليه وفي المغني والشرح أنه يكره فإن كان له عائلة ولهم كفاية أو يكفيهم بكسبه جاز لقصة الصديق
"ويكره لمن لا صبر له على الضيق" ولا عادة له به "أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة" نص عليه لأن التقتير والتضييق مع القدرة شح وبخل نهى الله عنه وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه وفيه سوء الظن بالله تعالى وظهر مما سبق أن الفقير لا يقترض ولا يتصدق لكن نص أحمد في فقير لقريبه وليمة يستقرض ويهدي له وهو محمول إذا ظن وفاء.
مسألة: يحرم المن بالصدقة وغيرها وهو كبيرة نص أحمد فيها ويبطل الثواب بذلك وللأصحاب فيه خلاف وفي بطلان طاعة بمعصية واختار الشيخ

(2/403)


-------------------------------------------------
تقي الدين الإحباط لمعنى الموازنة وانه قول أكثر السلف وإذا أخرج شيئا يتصدق به أو وكل في ذلك ثم بدا له استحب أن يمضيه ولا يجب وعنه أنه حبيس وقد صح عن عمرو بن العاص أنه كان إذا أخرج طعاما لسائل فلم يجده عزله حتى يجيء آخر وقاله الحسن ومن سأل فأعطى فسخطه لم يعط لغيره في ظاهر كلام العلماء.

(2/404)