المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب النفقات
كتاب النفقات
...
كتاب النفقات
تجب على الزوج نفقة امرأته ما لا غنى لها عنه
وكسوتها بالمعروف
ـــــــ
كتاب النفقات
و هي جمع نفقة و تجمع على نفاق كتمرة و تمار و
هي الدراهم و نحوها من الأموال لكن النفقة
كفاية من يمونه خبزا و أدما و نحوها.
و أصلها الإخراج من النافق و هو موضع يجعله
الضب في مؤخر الحجر رقيقا يعده للخروج إذا أتى
من بابه رفعه برأسه و خرج منه ومنه سمي النفاق
لأنه خروج من الإيمان أو خروج الإيمان من
القلب فسمي الخروج نفقة لذلك و هي أصناف نفقة
الزوجات وهي المقصودة هنا و نفقة الأقارب و
المماليك "تجب على الزوج نفقة امرأته" إجماعا
و سنده قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ
مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا
آتَاهَا} [الطلاق: 7] و معنى قدر ضيق وقوله
تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا
عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] وقوله صلى الله
عليه وسلم "فاتقوا الله في النساء فإنكم
أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة
الله و لهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف"
رواه مسلم و قوله عليه السلام "ألا وحقهن
عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن و كسوتهن"
رواه الترمذي و صححه من حديث عمرو بن الأحوص.
ولأنها محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف
والاكتساب فوجبت نفقتها كالعبد مع سيده "ما لا
غنى لها عنه" بيان لما تجب النفقة "و كسوتها
بالمعروف" أي إذا أسلمت نفسها إليه على الوجه
الواجب فلها عليه جميع حاجتها من مأكول
(8/162)
ومسكنها بما
يصلح لمثلها و ليس ذلك مقدرا لكنه معتبر بحال
الزوجين فإن تنازعا فيه رجع الأمر إلى الحاكم
فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع
خبز البلد وأدمه الذي جرت عادة أمثالها بأكله.
ـــــــ
ومشروب و ملبوس "ومسكنها" لأنه تعالى أوجبه
للمطلقة بقوله {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: من
الآية6] فيجب لمن هي في صلب النكاح بطريق
الأولى و هو من جملة معاشرتها بالمعروف لأنها
لا تستغني عنه للاستتار عن العيون في
الاستمتاع و التصرف و الحفظ "بما يصلح لمثلها"
الظاهر أنه يعود إلى المسكن خاصة لأن صلاحية
ما قبل ذلك علم بقوله {بِالْمَعْرُوفِ} و يكون
ذلك على قدر اليسار و الإعسار و كالنفقة و
الكسوة "و ليس ذلك مقدرا" لحديث هند "لكنه
معتبر بحال الزوجين" جميعا هكذا ذكره الأصحاب
و قال أبو حنيفة و مالك يعتبر حال المرأة على
قدر كفايتها ل قوله تعالى: {وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من
الآية233] و المعروف الكفاية و لأن الكسوة على
قدر حالها فكذا النفقة وقال الشافعي يعتبر حال
الزوج وحده ل قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: من الآية7] و
لقوله عليه السلام "أطعموهن مما تأكلون و
أكسوهن مما تلبسون" رواه أبو داود و البيهقي.
و جوابه بأن ما ذكرناه فيه جمع بين الأدلة
ورعاية لكل من الجانبين فكان أولى وحينئذ
فالنفقة مقدرة بالكفاية
وقال القاضي الواجب رطلان من خبز في كل يوم في
حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات و إنما
يختلفان في صفته و جودته و المذهب لا يجب فلو
تراضيا مكان الخبر على حب أو دقيق جاز لأنه
ليس بمعاوضة حقيقية لأن الشارع لم يعين الواجب
بأكثر من الكفاية فبأي شيء حصلت كان هو
الواجب.
"فإن تنازعا فيه رجع الأمر إلى الحاكم" أو
نائبه لأنه أمر يختلف باختلاف حال الزوجين
فرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه كسائر
المختلفات و لأنه وضع لقطع النزاع فيفرض
للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز
البلد الخاص "و أدمه" المعتاد لمثلها "الذي
جرت عادة أمثالها بأكله" لأنه عليه السلام
(8/163)
و ما تحتاج
إليه من الدهن و ما يلبس مثلها من جيد الكتان
و القطن و الخز والإبريسم واقله قميص وسراويل
ووقاية ومقنعة ومداس وجبة في الشتاء وللنوم
الفراش واللحاف والمخدة والزلي للجلوس ورفيع
الحصير.
ـــــــ
جعل ذلك بالمعروف و ليس من المعروف إطعام
الموسرة خبز المعسرة و لأن الله تعالى فرق بين
الموسر و المعسر في الإنفاق ولم يبين ما فيه
التفريق فوجب الرجوع إلى العرف و أهل العرف
يتعارفون فيما بينهم أن جنس نفقة الموسرين
أعلا من جنس نفقة المعسرين ويعدون المنفق من
الموسرين من جنس نفقة المعسرين بخيلا و لأن
النفقة من مؤنة الزوجة على الدوام فاختلف جنس
اليسار و الإعسار كالكسوة فلو تبرمت من أدم
نقلها إلى غيره وظاهر كلامهم أنه يفرض لحما
عادة الموسرين بذلك الموضع و قدم في "الرعاية"
كل جمعة مرتين قال في "الفروع" و يتوجه العادة
لكن يخالف في إدمانه و لعل هذا مرادهم "و ما
تحتاج إليه من الدهن" على اختلاف أنواعه
كالسمن و الزيت و الشحم و الشيرج و في كل موضع
على حدته لأن الحاجة داعية إلى ذلك أشبه كنس
المستأجر الدار "و ما يلبس مثلها من جيد
الكتان" بفتح الكاف و هو فارسي معرب "و القطن
و الخز والإبريسم" قال أبو السعادات الخز ثياب
تنسج من صوف والإبريسم الحرير المصمت و قال
أبو منصور هو أعجمي معرب بفتح الهمزة و الراء
وقيل بكسر الهمزة وقال ابن الأعرابي هو بكسر
الهمزة والراء و فتح السين.
و علم منه أن كسوتها واجبة إجماعا لأنه لابد
لها منها على الدوام فلزمته النفقة وهي معتبرة
بكفايتها و ليست مقدرة بالشرع كالنفقة و يرجع
إلى اجتهاد الحاكم كاجتهاده في المتعة للمطلقة
"وأقله قميص و سراويل ووقاية" و هي ما تضعه
فوق المقنعة و تسمى الطرحة "ومقنعة ومداس" لأن
ذلك أقل ما تقع به الكفاية لأن الشخص لا بد له
من شيء يواري جسده وهو القميص و من شيء يستر
به و هو السراويل و من شيء على رأسه و هو
الوقاية ومن شيء في رجله وهو المداس و من شيء
يدفئه "و" هو "جبة في الشتاء" و من شيء ينام
فيه نبه عليه بقوله "وللنوم و الفراش و اللحاف
و المخدة" ومن شيء يجلس عليه و هو المراد
بقوله "والزلي للجلوس و رفيع الحصير" و الكسوة
بالمعروف هي
(8/164)
وللفقيرة تحت
الفقير قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه
ودهنه وما تحتاج إليه من الكسوة مما يلبسه
أمثالها وينامون فيه ويجلسون عليه وللمتوسطة
تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما موسرا والآخر
معسرا ما بين ذلك كل حسب عادته و عليه ما يعود
بنظافة المرأة من الدهن والسدر و ثمن الماء
ـــــــ
التي جرت عادة أمثالها بلبسه ذكره في الشرح و
غيره فإن كانت عادتها النوم في الأكسية و
البسط فعليه ذلك و يزيد في عدد الثياب ما جرت
العادة بلبسه مما لا غنى لها عنه زاد في
"التبصرة" و إزار.
و ظاهر كلامه أنه لا يجب لها خف و لا ملحفة
لأنها ممنوعة من الدخول و الخروج لحق الزوج
فلا تجب عليه مؤونة ما هي ممنوعة منه لأجله.
"و للفقيرة تحت الفقير قدر كفايتها من أدنى
خبز البلد و أدمه ودهنه" لأنها إحدى الزوجين
فوجب بحالها كالموسرة و يجب عليه زيت للمصباح
و لا يقطعها اللحم فوق أربعين و قدم في
"الرعاية" مرة في كل شهر و ظاهر كلام الأكثر
العادة "و ما تحتاج إليه من الكسوة مما يلبسه
أمثالها و ينامون فيه و يجلسون عليه" على قدر
عادتها و عادة أمثالها "وللمتوسطة تحت المتوسط
أو إذا كان أحدهما موسرا و الآخر معسرا ما بين
ذلك كل على حسب عادته" لأن إيجاب نفقة الموسر
على المعسر و إنفاق المعسر نفقة الموسر ليس من
المعروف و فيه إضرار بصاحبه فكان اللائق
بحالهما هو المتوسط و قيل للموسرة على المعسر
أقل كفاية و الباقي في ذمته و حكاه ابن هبيرة
عن الأصحاب و غيرهم و على الكل لا بد من ماعون
الدار و يكتفي بخزف و خشب و العدل ما يليق
بهما.
أصل الموسر من يقدر على النفقة بماله أو كسبه
و عكسه المعسر و قيل هو الذي لا شيء له و
المتوسط من يقدر على بعض النفقة بماله أو كسبه
قال ابن حمدان و مسكين الزكاة معسر و من فوقه
متوسط و إلا فهو موسر.
"و عليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن
والسدر" والمشط "و ثمن الماء" و أجرة قيمه و
نحو ذلك لأن ذلك يراد للتنظيف كتنظيف الدار و
في الواضح وجه قال في عيون المسائل لأن ما كان
من تنظيف على مكتر كرش و كنس و تنقية
(8/165)
ولا تجب
الأدوية وأجرة الطبيب فأما الطيب و الحناء و
الخضاب و نحوه فلا يلزمه إلا أن يريد منها
التزين به وإن احتاجت إلى من يخدمها لكون
مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها لزمه ذلك فإن
كان لها وإلا أقام لها خادما إما بشراء أو
كراء أو عارية
ـــــــ
الآبار وما كان من حفظ البنية كبناء حائط و
تغيير الجذع على مكر فالزوج كمكر و الزوجة
كمكتر و إنما يختلفان فيما يحفظ البنية دائما
من الطعام فإنه يلزم الزود وفي "الرعاية"
يلزمه ما يقطع صنانها ورائحة كريهة لا ما يراد
للاستمتاع و الزينة "و لا تجب الأدوية وأجرة
الطبيب" لأن ذلك يراد لإصلاح الجسم كما لا
يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار و كذا
أجرة حجام وفاصد و كحال "فأما الطيب" أي ثمنه
و في الواضح وجه يلزمه "و الحناء و الخضاب و
نحوه فلا يلزمه" لأن ذلك من الزينة فلم يجب
عليه كشراء الحلي "إلا أن يريد منها التزين
به" لأنه هو المريد لذلك وفي "المغني"
و"الشرح" و"الترغيب" يلزمه ما يراد لقطع رائحة
كريهة و يلزمها ترك حناء وزينة نهي عنها ذكرها
الشيخ تقي الدين.
فرع : المكاتب و العبد كالمعسر لأنهما ليسا
بأحسن حالا منه و من نصفه حر فعليه نصف نفقة
نفسه و نصف نفقة زوجته و على سيده باقيهما.
و ذكر ابن حمدان إن كان معسرا فكمعسرين وإن
كان موسرا فكمتوسطين "وإن احتاجت إلى من
يخدمها لكون مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها
لزمه ذلك" لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] النساء ولأنه
مما يحتاج إليه في الدوام أشبه النفقة و قيل
لا يلزمه إخدام مريضة و جزم به في "الترغيب" و
لا أمة وقيل غير جميلة "فإن كان لها" أجرا لأن
الغرض الخدمة و هي حاصلة بخادمها و يشترط
رضاها به "و إلا" إذا لم يكن لها خادم أو كان
و لم ترض به أقام لها خادما إما بشراء أو كراء
أو عارية" لأن المقصود الخدمة كما إذا أسكنها
دار بأجرة فإن ملكها الخادم فقد زاد خيرا و
تجوز كتابية في الأصح إن جاز نظرها و في
"الكافي" وجهان بناء على إباحة النظر لهن فإن
قلنا بجوازه فهل يلزم المرأة قبولها فيه
وجهان:
(8/166)
وتلتزم نفقته
بقدر نفقة الفقيرين إلا في النظافة و لا يلزمه
أكثر من نفقة خادم واحد فإن قالت أنا أخدم
نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك وإن
قال أنا أخدمك فهل يلزمها قبول ذلك على وجهين
ـــــــ
أحدهما: يلزمها لأنهم يصلحون للخدمة.
و الثاني: لا لأن النفس تعافهم "وتلتزم نفقته"
لأنه محبوس بسبب من جهته أشبه نفقة الزوجة
بقدر نفقة الفقيرين لأنه معسر وحاله حال
المعسرين و حينئذ يجب لها ثوب وأدم و مسكن و
ماعون مع خف و ملحفة لقضاء الحاجة وقيل دون
نفقة سيدها "إلا في النظافة" فإنها لا تلزمه
في الأشهر لأن المشط و الدهن و نحوهما يراد
للزينة و التنظيف و لا يراد هذا من الخادم و
قال ابن حمدان إن كثر وسخ الخادم و هوام رأسها
أو تأذت به هي أو سيدتها فعليه مؤونة تنظيفها
"و لا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد" نص عليه
لأن المستحق خدمتها في نفسها وذلك يحصل
بالواحد و قيل وأكثر بقدر حالها و جوابه أن
الخادم الواحد يكفيها لنفسها و الزيادة عليه
تراد لحفظ ملكها و للتجمل و ليس عليه ذلك و
تعيين خادمها إليهما وإلا فإليه وله إبداله
لسرقة و نحوها فإن كان الخادم لها ورضيته
فنفقته على الزوج و كذا نفقة المؤجر و المعار
في وجه قاله في "الرعاية" و ليس بمراد في
ا"لموجز" "فإن نفقته على مالكه فإن قالت أنا
أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها
ذلك" لأن الأجرة عليه فتعيين الخادم إليه ولأن
ذلك يؤدي إلى توفيرها على حقوقه و ترفيهها
ورفع قدرها وذلك يفوت بخدمتها "وإن قال أنا
أخدمك فهل يلزمها قبول ذلك على وجهين" كذا في
"المحرر" و"الفروع".
أحدهما لا يلزمها قبول ذلك قدمه في "الشرح"
لأنها تحتشمه و فيه غضاضة عليها لكون زوجها
خادما لها.
والثاني بلى قدمه في "الرعاية" و جزم به في
"الوجيز" لأن الكفاية تحصل به قال ابن حمدان
له ذلك فيما يتولاه مثله لمن يكفيها خادم واحد
ولا تلزمه أجرة من يوضئ مريضة بخلاف رقيقة
ذكره أبو المعالي.
(8/167)
فصل
وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها و مسكنها
كالزوجة سواء و أما البائن بفسخ أو طلاق فإن
كانت حاملا فلها النفقة و السكنى وإلا فلا شيء
لها وعنه لها السكنى.
ـــــــ
فصل
"وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها و مسكنها
كالزوجة سواء" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] ولأنها
زوجة يلحقها طلاقه و ظهاره أشبه ما قبل الطلاق
"و أما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا
فلها النفقة و السكنى" إجماعا وسنده قوله
تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ}
[الطلاق:6] الآية و قوله تعالى:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ
وُجْدِكُمْ } [الطلاق:6] وفي بعض أخبار فاطمة
بنت قيس "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا" ولأن
الحمل ولده و الإنفاق عليه دونها متعذر فوجب
كما وجبت أجرة الرضاعة وفي حكاية لإجماع نظر
فإن أحمد نص في رواية ذكرها الخلال أن لها
النفقة دون السكنى و في "الموجز" "التبصرة"
رواية لا يلزمه وهي سهو وفي "الروضة" تلزمه
النفقة وفي السكنى روايتان.
"وإلا فلا شيء لها" إذا لم تكن حاملا جزم به
في "الوجيز" وقدمه في "الرعاية" ونصره في
"المغني" و"الشرح" وقال ابن هبيرة هي أظهر
الروايتين وقاله جمع من الصحابة ومنهم علي
وابن عباس وجابر ومن بعدهم لقوله صلى الله
عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " ليس لك نفقة" رواه
البخاري ومسلم وزاد "ولا سكنى" وفي لفظ قال
النبي صلى الله عليه وسلم: " انظري يا ابنة
قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له
عليها الرجعة فإن لم تكن له عليها الرجعة فلا
نفقة ولا سكنى" رواه أحمد و الحميدي "وعنه لها
السكنى" وهي قول عمر وابنه وابن مسعود وعائشة
والفقهاء السبعة وبه قال أكثر العلماء
واختارها أبو محمد الجوزي ل قوله تعالى:
{أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق:6] الآية فأوجبت لها
السكنى مطلقا ثم خص الحامل بالإنفاق عليها ل
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ}
[الطلاق: 6] الآية وفي "الانتصار"
(8/168)
فإن لم ينفق
عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل فعليه
نفقة ما مضى وإن أنفق عليها يظنها حاملا فبانت
حائلا فهل يرجع عليها بالنفقة على روايتين.
ـــــــ
لا يسقط بتراضيهما كعدة وعنه ولها النفقة أيضا
قاله أكثر فقهاء العراق ويروى عن عمر وابن
مسعود لأنها مطلقة فوجبت لها النفقة والسكنى
كالرجعية وردوا خبر فاطمة بقول عمر لا ندع
كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة رواه مسلم
وأنكره أحمد قال عروة لقد عابت عائشة ذلك أشد
العيب وقالت إنها كانت في مكان وحش فخيف على
ناحيتها والأول أولى قال ابن عبد البر قول
أحمد ومن تابعه أصح وأرجح لأنه ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم نصا صريحا فأي شيء يعارض
هذا وقول عمر ومن وافقه فقد خالفه علي وابن
عباس وجابر وقول عمر لا ندع كتاب ربنا إلا لما
هو موجود في كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى:
{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق:6]
الآية وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس
قال ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما
وقضى ألا بيت لها ولا قوت عليه تحريما لا
تزيله الرجعة فلم يكن لها سكنى ولا نفقة
كالملاعنة وتفارق الرجعية فإنها زوجة.
"فإن لم ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها
حامل فعليه نفقة ما مضى" على الأصح لأنه تبينا
استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين وقال ابن
حمدان إن قلنا النفقة لها ورجعت وإلا فلا "وإن
أنفق عليها يظنها حاملا فبانت حائلا فهل يرجع
عليها بالنفقة على روايتين":
أصحهما: يرجع عليها أشبه ما لو قضاها دينا ثم
تبين براءته منها.
والثانية: لا رجوع بشيء لأنه أنفق عليها بحكم
آثار النكاح فلم يرجع به كالنفقة في النكاح
الفاسد إذا تبين فساده وفي "الوسيلة" إن نفي
الحمل ففي رجوعه روايتان وإن علمت براءتها من
الحمل بالحيض فكتمته فينبغي أن يرجع قولا
واحدا.
فرع : إذا ادعت حملا ممكنا أنفق عليها ثلاثة
أشهر نص عليه وعنه إن شهد به النساء فإن مضت
ولم يبن رجع بما أنفق وعنه لا كنكاح تبين
فساده
(8/169)
وهل تجب النفقة
للحامل لحملها أو لها من أجله على روايتين
إحداهما أنها لها فتجب لها إذا كان أحد
الزوجين رقيقا ولا تجب للناشز ولا للحامل من
وطء شبهة أو نكاح فاسد والثانية أنها للحمل
فتجب لهؤلاء الثلاثة ولا تجب لها إذا كان
أحدهما رقيقا.
ـــــــ
لتفريطه كنفقته على أجنبية على أجنبية وقال
ابن حمدان إن قلنا يجب تعجيل النفقة رجع وإلا
فلا.
وكذا إن ظنها حاملا فبانت حائلا أو ولدت بعد
أكثر مدة الحمل فأنكره وقيل يرجع بنفقة ستة
أشهر فقط "وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو
لها من أجله على روايتين" كذا في "المحرر".
"إحداهما أنها لها" أي من أجل الحمل اختارها
ابن عقيل في التذكرة وجزم بها في "الوجيز"
لأنها تجب مع الإعسار ولا تسقط بمضي الزمان
"فتجب لها إذا كان أحد الزوجين رقيقا" لأن
الزوج عليه نفقة زوجته "ولا تجب للناشز" لأن
النفقة في مقابلة تمكينها ومع النشوز لا تمكين
"ولا للحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد" لأنها
ليست زوجة يجب الإنفاق علها "والثانية أنها
للحمل" اختاره الخرقي وأبو بكر والقاضي
وأصحابه قال الزركشي وهي أشهرهما لأنها تجب
وجوده وتسقط بعدمه "فتجب لهؤلاء الثلاثة" لأنه
ولده فلزمته نفقته "ولا تجب لها إذا كان
أحدهما رقيقا" لأن العبد لا يلزمه نفقة ولده
والأمة نفقتها على سيدها لأنها ملكه وأوجبها
الشيخ تقي الدين له ولها لأجله وجعلها كمرضعة
باجرة وفي "الواضح" في مسألة الرق روايتان
كحمل في نكاح صحيح أولا حرمة له وإن قلنا هي
لها فلا نفقة ومما يتفرع على الخلاف إذا كان
الزوج غائبا أو معسرا فعلى الأول لا شيء لها
إذا نفقة الغائب تسقط بمضي الزمان وبالإعسار.
وعلى الثانية تثبت في ذمة الغائب ويلزم المعسر
فإن وطئت زوجته فحملت فالنفقة على الواطئ إن
وجبت للحمل وأما المتوفى عنها فإن كانت حائلا
فلا تفقة لها ولا سكنى وإن كانت حاملا فعلى
روايتين ولها على الأصح إن مكرهة أو نائمة وإن
كانت مطاوعة تظنه زوجها فلا
(8/170)
وأما المتوفى
عنها فإن كانت حائلا فلا نفقة لها ولا سكنى
وإن كانت حاملا فعلى روايتين
ـــــــ
مسألة : إذا بان الحمل دفع النفقة إليها يوما
فيوما نص عليه للنص ولأن الحمل يتحقق حكما في
منع النكاح والأخذ من الزكاة ووجوب الدفع في
الدية والرد بالعيب فكذا في وجوب النفقة لها
وقال أبو الخطاب لا يجب دفع النفقة حتى تضع
الحمل لأنه لا يتحقق ولهذا وقفنا الميراث ولا
يصح اللعان عليه قبل وضعه على إحدى الروايتين
فعلى هذا إذا أرضعت استحقت نفقة الحمل
و"المذهب" الأول والميراث يشترط له الوضع
والاستهلال فإن أنكر حملها قبل قول امرأة من
أهل الخبرة "وأما المتوفى عنها فإن كانت حائلا
فلا نفقة لها ولا سكنى" رواية واحدة لأن ذلك
يجب للتمكين من الاستمتاع وقد فات وكزانية
وعنه لها السكنى اختارها أبو محمد الجوزي فهي
كغريم وفي "المغني" إن مات وهي في مسكنه قدمت
به ويستدل لها ب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة:234] تبيح
بعض المدة وبقي باقيها على الوجوب ولو لم تجب
السكنى لفريعة لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم
وجوابه أن الآية منسوخة وقصة فريعة قضية في
عين "وإن كانت حاملا فعلى روايتين" إحداهما لا
شيء لها صححه القاضي وجزم به في "الوجيز"
وقدمه في "المحرر" و"الرعاية" و"الفروع" لأنه
قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هو
للحمل أولها من أجله ولا يلزم ذلك للورثة لأنه
إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل في نصيبه وإلا
لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته
كما بعد الولادة والثانية لها ذلك لأنها معتدة
من نكاح صحيح أشبهت البائن في الحياة وعنه
يجبان لها مع الحمل لها أو له وعنه بل حقه
منها فقط سواء قلنا النفقة له أو لها وقيل تجب
نفقة الحمل من حقه وحكم أم الولد كالمتوفى
عنها زوجها ونقل الكحال ينفق من مال حملها
ونقل جعفر من جميع المال وإذا قلنا لها السكنى
فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنه ولا
تباع في دينه بيعا يمنعها السكنى حتى تقضي
العدة وإن تعذر ذلك اكترى الوارث لها مسكنا من
مال الميت فإن لم تفعل أجبره الحاكم.
(8/171)
فصل
وعليه دفع النفقة إليها في صدر كل يوم إلا أن
يتفقا على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو
كثيرة فيجوز وإن طلب أحدهما دفع القيمة لم
يلزم الآخر ذلك وعليه كسوتها في كل عام فإن
قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها.
ـــــــ
فصل
"وعليه دفع النفقة إليها" وهو دفع القوت لا
بدله ولا حب "في صدر كل يوم" بطلوع الشمس لأنه
أول وقت الحاجة وقيل وقت الفجر "إلا أن يتفقا
على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة
فيجوز" لأن الحق لهما لا يخرج عنهما كالدين
بغير خلاف علمناه وتملكه بقبضه قاله في
الترغيب "وإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم
الآخر ذلك" لأنها معاوضة فلا يجبر عليها واحد
منهما كالبيع وإن تراضيا عليه جاز لأنه طعام
وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه
كالطعام في الفرض وظاهره أن الحاكم لا يملك
الواجب كدراهم مثلا إلا باتفاقهما فلا يجبر من
امتنع قال في الهدي لا أصل له في كتاب ولا سنة
ولا نص عليه أحد من الأئمة لأنها معاوضة بغير
الرضى عن غير مستقر قال في "الفروع" وهذا
متوجه مع عدم الشقاق وعدم الحاجة فأما مع
الشقاق والحاجة كالغائب مثلا فيتوجه الفرض
للحاجة إليه على ما لا يخفى ولا يقع الغرض
بدون ذلك بغير الرضى "وعليه كسوتها في كل عام"
لأنه العادة ويكون الدفع في أوله لأنه وقت
الوجوب وقال الحلواني وابنه وابن حمدان في أول
الصيف كسوة وفي أول الشتاء كسوة وفي "الواضح"
كل نصف سنة وتملكها في الأصح بقبضها "فإن
قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها" لأنها
قبضت حقها فلم يلزمه غيره كالدين إذا وفاها
إياه ثم ضاع منها لكن لو بليت في الوقت الذي
يبلى فيه مثلها لزمه بدلها لأن ذلك من تمام
كسوتها وإن بليت قبله لكثرة خروجها ودخولها
فلا أشبه ما لو أتلفتها وإن مضى زمن يبلى فيه
مثلها بالاستعمال ولم
(8/172)
وإن انقضت
السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى
ويحتمل ألا يلزمه وإن ماتت أو طلقها قبل مضي
السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة على
وجهين وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على
وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها
ـــــــ
تبل فوجهان أحدهما لا يلزمه بدلها لأنها غير
محتاجة إلى الكسوة والثاني بلى لأن الاعتبار
بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة فلو أهدى إليها
كسوة لم تسقط كسوتها "إن انقضت السنة وهي
صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى" قدمه في
"المستوعب" و "المحرر" وصححه في "الفروع" لأن
الاعتبار بمضي الزمان دون بقائها بدليل ما لو
تلفت "ويحتمل ألا يلزمه" لأنها غير محتاجة إلى
الكسوة وفي "الرعاية" فإن كساها السنة أو
نصفها فسرقت أو تلفت فيها وقيل في وقت يبلى
مثله أو تلفت فلا بدل عليه وقيل هي إمتاع
فيلزمه بدلها ككسوة القريب وإن بقيت صحيحة
لزمه كسوة سنة أخرى إن قلنا هي ملك وإن قلنا
إمتاع فلا كالمسكن وأوعية الطعام والماعون
والمشط ونحوها وفي غطاء ووطاء ونحوهما الوجهان
"وإن ماتت أو طلقها قبل مضى السنة فهل يرجع
عليها بقسط بقية السنة على وجهين".
أحدهما يرجع به قدمه في المحرر و الرعاية
وصححه في الفروع لأنه دفع لمدة مستقبلة كما لو
دفع إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها.
والثاني لا رجوع لأنه دفع إليها الكسوة بعد
وجوبها عليه كما لو دفع إليها النفقة بعد
وجوبها ثم طلقها قبل إكمالها بخلاف النفقة
المستقبلة وكنفقة اليوم وقيل ترجع بالنفقة
وقيل بالكسوة وقيل كزكاة معجلة جزم به في
"المنتخب" وقال ابن حمدان لا يرجع فيهما إن
بانت ويرجع إن أبانها بطلاق أو فسخ وعلى الأول
يرجع إلا يوم الفرقة والسلف وهو أصح إلا على
الناشز فيرجع عليها في الأصح وفي "عيون
المسائل" لا ترجع بما وجب كيوم وكسوة سنة بل
بما لم يجب ويرجع بنفقتها من مال غائب بعد
موته بظهوره على الأصح "وإذا قبضت النفقة فلها
التصرف فيها" من بيع وهبة وصدقة ونحو ذلك
لأنها حقها فملكت التصرف فيها كسائر مالها لكن
ذلك مشروط بقوله "على وجه لا يضربها ولا ينهك"
بفتح الياء أي يجهده "بدنها"
(8/173)
وإن غاب مدة
ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى وعنه لا نفقة لها
إلا أن يكون الحاكم قد فرضها
ـــــــ
فإن عاد عليها ضرر في بدنها أو نقص من
استمتاعها لم تملكه لأنه يفوت حقه بذلك
والكسوة كالنفقة في ذلك ويحتمل المنع لأن له
استرجاعها لو طلقها في وجه بخلاف النفقة.
فرع : إذا اختلفا معه عادة أو كساها بلا إذن
ولم يتبرع سقطت وفي "الرعاية" وهو ظاهر
"المغني" إن نوى أن يعتد بها.
"وإن غاب مدة ولم ينقق فعليه نفقة ما مضى" ولم
تسقط بل تكون دينا في ذمته سواء تركها لعذر أو
غيره في ظاهر "المذهب" وقاله الأكثر لما روى
الشافعي قال أنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن
عمر أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال
غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا
أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا
ورواه البيهقي أيضا قال ابن المنذر وهو ثابت
عن عمر ولأنه حق لها وجب عليه بحكم العوض
فرجعت به عليه كالدين قال ابن المنذر هذه نفقة
وجبت بالكتاب والسنة والإجماع ولا يزول ما وجب
بهذه الحجج إلا بمثلها والكسوة والسكنى
كالنفقة ذكره في "الرعاية" الكبرى وعنه لا
نفقة لها اختاره في الإرشاد وفي الرعاية أو
الزوج برضاها لأنها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط
بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب
وجوابه بأن نفقة الأقارب وصلة يعتبر فيها
اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له بخلاف
نفقة الزوجة وتثبت في ذمته حسبما وجبت لها
موسرا كان أو معسرا ويصح ضمانها على الأول لأن
مآله إلى الوجوب "إلا أن يكون الحاكم قد
فرضها" فيلزم بحكمه رواية واحدة لأن فرضه حكم
وحكمه لا ينقض وفي الانتصار أن أحمد أسقطها
بالموت وعلل في الفصول الثانية بأنه حق ثبت
بقضاء القاضي فلو استدانت وانقضت رجعت نقله
أحمد بن هاشم ذكره في الإرشاد.
تتمة: الذمية كالمسلمة فيما ذكرنا في قول عامة
العلماء لعموم النص والمعنى.
(8/174)
فصل
وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن
يوطأ مثلها أو يتعذر وطؤها لمرض أو حيض أو رتق
أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج
كبيرا أو صغيرا.
ـــــــ
فصل
"وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن
يوطأ مثلها" كذا أطلقه المؤلف تبعا للخرقي
وأبي الخطاب وابن عقيل والشيرازي وأناط القاضي
ذلك بابنة تسع سنين وتبعه في "المحرر" و
"الوجيز" وهو مقتضى نص أحمد في رواية صالح
وعبد الله وسئل متى يؤخذ من الرجل نفقة
الصغيرة فقال إذا كان مثلها يوطأ كبنت تسع
سنين ويمكن حمل الإطلاق على هذا لقول عائشة
إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة وظاهره أنها
لا تجب النفقة عليه إلا بالتسليم أو بذلت له
بذلا يلزمه قبوله في الأشهر لأن النفقة تجب في
مقابلة الاستمتاع وذلك ممكن منه وعنه تلزمه
بالعقد مع عدم منع كمن يلزمه تسلمها لو بذلته
وقيل ولصغيرة وهو ظاهر "الخرقي" فعليها لو
تشاكتا بعد العقد مدة لزمه "أو يتعذر وطؤها
لمرض أو حيض أو رتق أو نحوه" ككونها نضوة
الخلق لا يمكن وطؤها "لزم زوجها نفقتها" لما
ذكرنا فإن حدث بها شيء من ذلك لم تسقط لأن
الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها فلو بذلت
الصحيحة الاستمتاع بما دون الوطء لم تجب
نفقتها فلو ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق
فرجها أو قروح به أريت امرأة ثقة ويعمل بقولها
وإن ادعت عبالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة
إليهما حال اجتماعهما لأنه موضع حاجة ويجوز
النظر للعورة للحاجة والشهادة "سواء كان الزوج
كبيرا" إجماعا "أو صغيرا" هذا هو المشهور لأن
الاستمتاع بها ممكن وإنما تعذر بسبب من جهة
الزوج كما لو كان كبيرا فهرب ويجبر الولي على
نفقتها من مال الصبي لأنها عليه والولي ينوب
عنه في أداء الواجبات كالزكاة والثانية لا تجب
عليه مع صغره لأن الزوج لا يتمكن من
(8/175)
يمكنه الوطء
أولا يمكنه كالعنين والمجبوب والمريض وإن كانت
صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسلمها
ولا تسليمها إذا طلبها فإن بذلته والزوج غائب
لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم و يمضي زمن
يمكن أن يقدم في مثله وإن منعت تسليم نفسها أو
منعها أهلها فلا نفقة لها
ـــــــ
الاستمتاع بها فلم تلزمه نفقتها كما لو كانت
صغيرة.
وجوابه الفرق بينهما فإن الصغيرة لم تسلم
نفسها تسليما صحيحا ولم تبذل ذلك وكذلك إذا
كان يتعذر عليه الوطء كالمريض والمجبوب لأن
التمكين وجد من جهتها وإنما تعذر من جهته
فوجبت النفقة "يمكنه الوطء أولا يمكنه كالعنين
والمريض والمجبوب" لما ذكرنا "وإن كانت صغيرة
لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها" في قول الأكثر
لأنه لم يوجد التمكين من الاستمتاع لأمر من
جهتها قال في "الرعاية" لم تجب كما لو تزوج من
لا يطأ مثله بمن لا يوطأ مثلها في الأصح لعدم
الموجب "ولا" يجب على الزوج "تسلمها ولا
تسليمها" إليه "إذا طلبها" لأنه لا يمكنه
استيفاء حقه منها ولأن وجوب التسليم إنما كان
لضرورة تمكينه من تسليم الحقوق المتعلقة
بالزوجية وهي منتفية هنا وظاهره أن الصغيرة
التي يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها فإنه يلزمه
نفقتها كالكبيرة
وإن غاب الزوج فبذل وليها تسليمها فهو كما لو
بذلت المكلفة التسليم لأن وليها يقوم مقامها
وإن بذلت هي دون وليها فلا نفقة لها لأنه لا
حكم لكلامها ذكره في "الشرح" "فإن بذلته
والزوج غائب لم يفرض لها" لأنها بذلت في حال
لا يمكنه التسليم فيه "حتى يراسله الحاكم" أي
يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه
ليستدعيه ويعلمه بذلك "ويمضي زمن يمكن أن يقدم
في مثله" لأن البذل قبل ذلك وجوده كعدمه فإذا
سار إليها أو وكل في تسليمها وجبت النفقة
حينئذ فإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها في
أول الوقت الذي يمكنه الوصول إليها وتسلمها
فيه ذكره في "المغني" و"الشرح" لأن الزوج
امتنع من تسلمها لإمكان ذلك وبذلها له فلزمه
نفقتها كما لو كان حاضرا "وإن منعت تسليم
نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها" لأن البذل
شرط لوجوب النفقة ولم يوجد وفي
(8/176)
إلا أن تمنع
نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها
ذلك وتجب نفقها وإن كان بعد الدخول فعلى وجهين
بخلاف الآجل وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا
فهي كالحرة.
ـــــــ
"الفروع" إذا بذلت التسليم فحال بينها وبينه
أولياؤها فظاهر كلام جماعة لها النفقة وفي
"الروضة" لا ذكره الخرقي قال وفيه نظر وكذا
إذا بذلت تسليما غير تام كتسيلمها في منزل أو
في بلد دون آخر ما لم يكن مشروطا في العقد
"إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض
صداقها الحال فلها ذلك" لأن تسليمها قبل تسليم
صداقها يفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها
بالوطء ثم لا تسلم صداقها فلا يمكنه الرجوع
فيما استوفى منها بخلاف المبيع إذا تسلمه
المشتري ثم أعسر بثمنه فإنه يمكنه الرجوع فيه
"وتجب نفقتها" لأنها فعلت ما لها أن تفعله فلو
منعت نفسها لمرض لم يكن لها نفقة والفرق
بينهما أن امتناعها لقبض صداقها امتناع من جهة
الزوج فهو يشبه تعذر الاستمتاع كصغر الزوج
بخلاف الامتناع لمرضها لأنه امتناع من جهتها
فهو يشبه تعذر الاستمتاع لصغرها "وإن كان بعد
الدخول فعلى وجهين" أحدهما لها النفقة كما قبل
الدخول والأشهر أنه لا نفقة لها كما لو سلم
المبيع ثم أراد منعه منه "بخلاف الآجل" أي إذا
منعت نفسها لقبض صداقها الآجل وظاهره أنه ليس
لها أن تمنع نفسها حتى تقبض ذلك لأن قبضه غير
مستحق فيكون منعها منعا للتسليم الموجب للنفقة
ولا فرق فيه بين الدخول وعدمه "وإن سلمت الأمة
نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة" في وجوب النفقة
على زوجها الحر ولو أبى للنص ولأنها زوجة
ممكنة من نفسها فوجبت نفقتها على زوجها كالحرة
فإن كان مملوكا فالنفقة واجبة لزوجته إجماعا
إذا بوأها بيتا ويلزم السيد لأنه أذن في
النكاح المفضي إلى إيجابها وعنه في كسب العبد
لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ولا رقبته ولا
ذمة السيد ولا إسقاطها فتعلقت بكسبه فإن عدم
أو تعذر فعلى سيده وقال في "الرعاية" تجب في
ذمته وقال القاضي تتعلق برقبته لأن الوطء في
النكاح كالجناية وجوابه أنه دين أذن فيه السيد
فلزمه كاستدانة وكيله والنفقة تجب من غير وطء
كالرتقاء ونحوها وليس هو بجناية ولا قائم
مقامها
(8/177)
فإن كانت تأوي
إليه ليلا وعند السيد نهارا فعلى كل واحد
منهما النفقة مدة مقامها عنده وإذا نشزت
المرأة أو سافرت بغير إذنه أو تطوعت بصوم أو
حج أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها
ـــــــ
"فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا
فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده"
أي يلزم الزوج نفقتها ليلا من العشاء وتوابعه
من غطاء ووطاء ودهن للمصباح ونحوه لأنه وجد في
حقه التمكين ليلا فوجبت نفقته وعلى السيد
نفقتها نهارا بحكم أنها مملوكته فلم تجب على
غيره في هذا الزمن وقيل كل النفقة إذن عليهما
نصفين قطعا للتنازع ولو سلمها نهارا فقط لم
يجز.
تذنيب: المعتق بعضه عليه من النفقة بقدر ما
فيه من الحرية وباقيها على سيده أو في ضريبته
أو رقبته وما وجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله
إن كان موسرا فنفقة الموسرين وإن كان معسرا
فنفقة المعسرين والباقي تجب فيه نفقة المعسرين
"وإذا نشزت المرأة" فلا نفقة لها في قول
عامتهم ولو بنكاح في عدة.
قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف إلا الحكم
ولعله قاسه على المهر ولا يصح لأن النفقة وجبت
في مقابلة التمكين والمهر وجب بالعقد بدليل
الموت.
وفي "الترغيب" من مكنته من الوطء لا من بقية
الاستمتاع فسقوط النفقة يحتمل وجهين فإن كان
لها منه ولد دفع نفقته إليها إذا كانت هي
الحاضنة والمرضعة ويلزمه تسليم أجرة رضاعها
ويشطر لناشز ليلا فقط أو نهارا فقط لا بقدر
الأزمنة ويشطر لها بعض يوم فإن أطاعت في حضوره
أو غيبته فعلم ومضى زمن يقدم في مثله عادت وفي
"الشرح" لا تعود إلا بحضوره أو وكيله أو حكم
حاكم بالوجوب.
ومجرد إسلام مرتدة أو متخلفة عن الإسلام في
غيبته تلزمه فإن صامت لكفارة أو نذر أو قضاء
رمضان ووقته متسع فيهما بلا إذنه أو حبست ولو
ظلما في الأصح فلا نفقة لها "أو سافرت بغير
إذنه" سقطت لأنها ناشز وكذا إن انتقلت من
منزلها بغير إذنه "أو تطوعت بصوم أو حج أو
أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها" لأنها
في معنى المسافرة ولما فيه من تفويت
(8/178)
وإن بعثها في
حاجة أو أحرمت بحجة الإسلام فلها النفقة وإن
أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين وإن
سافرت لحاجتها بإذنها فلا نفقة لها ذكره
الخرقي ويحتمل أن لها النفقة.
ـــــــ
الاستمتاع الواجب للزوج فإن أحرمت بأذنه فقال
القاضي لها النفقة والصحيح أنها كالمسافرة
لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين "وإن
بعثها في حاجة" فهي على نفقتها لأنها سافرت في
شغله ومراده "أو أحرمت بحجة الإسلام" أو
العمرة الواجبة أو فلها النفقة وإن أحرمت
بمنذور معين في وقته فعلى وجهين وإن سافرت
لحاجتها بإذنها فلا نفقة لها ذكره الخرقي
ويحتمل أن لها النفقة أحرمت بفريضة أو مكتوبة
في وقتها "فلها النفقة" لأنها فعلت الواجب
عليها بأصل الشرع فكان كصيام رمضان فإن قدمت
الإحرام على الميقات أو قبل الوقت خرج فيها من
القول ما في المحرمة بحج التطوع.
فرع إذا اعتقلت فالقياس أنه كسفرها فإن كان
بغير إذنه فلا نفقة لها لخروجها زوجها فيما
ليس واجبا بأصل الشرع وإن كان بإذنه فوجهان
"وإن أحرمت بمنذور معين في وقته" أو صامت نذرا
معينا في وقته "فعلى وجهين" أحدهما لها النفقة
ذكره القاضي لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها
ولأن النذر المعين وقته متيقن أشبه حجة
الإسلام.
والثاني تسقط لأنها فوتت على زوجها حقه من
الاستمتاع باختيارها ولأن النذر صدر من جهتها
بخلاف حجة الإسلام فإنها واجبة بأصل الشرع
وقيل إن نذرت بإذنه أو قبل النكاح فلها النفقة
وإن كان في نكاحه بلا إذنه فلا نفقة لها لأنها
فوتت عليه حقا من الاستمتاع باختيارها.
ونقل أبو زرعة الدمشقي تصوم النذر بلا إذن وفي
"الواضح" في حج الطفل إن لم يملك منعها
وتحليلها لم تسقط وإن في صلاة وصوم واعتكاف
منذور في الذمة وجهين وفي بقائها في نزهة أو
تجارة أو زيارة أهلها احتمال "وإن سافرت
لحاجتها بإذنه فلا نفقة لها ذكره الخرقي"
لأنها فوتت التمكين لأجل نفسها أشبه ما لو
استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون
متمكنا من استمتاعها فلا تسقط "ويحتمل أن لها
النفقة" لأن السفر بإذنه فسقط حقه من
الاستمتاع وتبقى النفقة على ما كانت عليه
كالثمن وحكى في "المغني" عن القاضي أن
(8/179)
وأن اختلفا في
نشوزها أو تسليم النفقة إليها فالقول قولها مع
يمينها وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله
مع يمينه.
فصل
وإن أعسر الزوج بنفقتها أو بعضها أو بالكسوة
خيّرت بين فسخ النكاح والمقام.
ـــــــ
الزوج إن كان معها فنفقتها عليه لأنها في
قبضته وإن كانت منفردة فلا لأنها فوتت التمكين
عليه والصحيح أنه لا نفقة لها هنا بحال "وإن
اختلفا في نشوزها أو تسليم النفقة" والكسوة
"إليها فالقول قولها مع يمينها" لأن الأصل عدم
ذلك وقال الآمدي إن اختلفا في النشوز فإن وجب
بالتمكين صدق وعليها إثباته وإن وجبت بالعقد
صدقت وعليه إثبات المنع ولو اختلفا بعد
التمكين لم يقبل قوله وفي "التبصرة" يقبل قوله
قبل الدخول وقولها بعده واختار الشيخ تقي
الدين في النفقة والكسوة قول من يشهد له العرف
لأنه يعارض الأصل والظاهر والغالب أنها تكون
راضية وإنما تطالبه عند الشقاق كما لو أصدقها
تعليم شيء فادعت أن غيره علمها وأولى لأن هنا
تعارض أصلان "وإن اختلفا في بذل التسليم
فالقول قوله مع يمينه" لأنه منكر والأصل عدم
التسليم وكذا لو اختلفا في وقته فقالت كان من
شهر قال بل من يوم.
فصل
"وإن أعسر الزوج بنفقتها أو ببعضها أو الكسوة"
أو ببعضها "خيرت بين فسخ النكاح والمقام" على
الأصح وهو قول عمر وعلي وأبي هريرة وأختاره
الأكثر ل قوله تعالى: { فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
[البقرة: 229] وليس الإمساك مع ترك الإنفاق
إمساكا بمعروف فتعين التسريح وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "امرأتك تقول أطعمني وإلا
فارقني" رواة أحمد والدارقطني والبيهقي بإسناد
صحيح ورواه الشيخان من قول أبي هريرة
(8/180)
وتكون النفقة
دينا في ذمته فإذا اختارت المقام ثم بدا لها
الفسخ فلها ذلك وعنه ما يدل على أنها لا تملك
الفسخ بالإعسار والمذهب الأول وإن أعسر
بالنفقة الماضية
ـــــــ
وروى الشافعي وسعيد عن سفيان عن أبي الزناد
قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما
ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال أبو
الزناد لسعيد سنة قال سعيد سنة ولأن هذا أولى
بالفسخ من العجز بالوطء وهو على التراخي أو
على الفور كخيار العيب وذكر ابن البنا وجها
يؤجل ثلاثا ولها المقام ولا تمكنه ولا يحبسها
فلو وجد نفقة يوم بيوم أو وجد في أول النهار
ما يغديها وفي آخره ما يعشيها أو كان صانعا
يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها
في الأسبوع كله فلا فسخ وكذا إن تعذر عليه
الكسب في بعض زمانه أو البيع لأنه يمكنه
الاقتراض إلى زوال المانع فإن عجز عنه أياما
يسيرة أو مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة
فلا فسخ وإن كثر فلها الفسخ "وتكون النفقة" أي
نفقة فقير وكسوته ومسكن "دينا في ذمته" ما لم
تمنع نفسها لأن ذلك واجب على الزوج فإذا رضيت
بتأخير حقها فهو في ذمته كما لو رضيت بتأخير
مهرها ويجبر قادر على التكسب على الأصح "فإذا
اختارت المقام ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك" على
الأصح لأن وجوب النفقة يتجدد كل يوم فيتجدد
لها الفسخ ولا يصح إسقاطها حقها فيما لم يجب
لها كإسقاط شفعتها قبل البيع فإن تزوجته عالمة
بعسرته أو شرط إلا ينفق ثم عن لها الفسخ ملكته
فلو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط وقال
القاضي ظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ
لأنها رضيت بعيبه فإن رضيت بالمقام مع ذلك لم
يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلمها
عوضه كالمشتري إذا أعسر بثمن المبيع وعليه
تخليتها لتكسب وتحصل ما ينفقة عليها وإن كانت
موسرة لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة
"وعنه ما يدل علي إنها لا تملك الفسخ
بالإعسار" وقاله عطاء والزهري لأنه إعسار عن
حق الزوجة فلم تملك الفسخ كما لو أعسر عن دين
لها عليه فعلي هذا لا تملك فراقه ويرفع يده
عنها لتكسب لأنه حق لها عليه و"المذهب الأول"
لما ذكرنا "وإن أعسر بالنفقة الماضية" فلا فسخ
لأن البدن قد قام بدونها والنفقة
(8/181)
أو نفقة الموسر
أو المتوسط أو الأدم أو الخادم فلا فسخ لها
وتكون النفقة دينا في ذمته وقال القاضي تسقط
وإن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ على
الوجهين وإن أعسر زوج الأمة فرضيت أو زوج
الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ
ويحتمل أن له ذلك.
ـــــــ
الماضية دين "أو نفقة الموسر أو المتوسط أو
الأدم" في الأصح في "أو نفقة الخادم فلا فسخ
لها" لأن الزيادة تسقط باعتباره ويمكن الصبر
عنها وفي "الانتصار" احتمال في الكل مع ضررها
"وتكون النفقة دينا في ذمته" لأنها نفقة تجب
علي سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة
الواجبة للمرأة قوتا وهذا فيما عدا الزائد علي
نفقة المعسر فإن ذلك يسقط بالإعسار "وقال
القاضي تسقط" أي زيادة يسار وتوسط لأنه من
الزوائد فلم تثبت في ذمته كالزائد عن الواجب
عليه وقال ابن حمدان غير الأدم.
تتمة: إذا اعتادت الطيب والناعم فعجز عنها
فلها الفسخ قال ابن حمدان فبالأدم أولى "وإن
أعسر بالسكني" أي بأجرته "أو المهر" قد تقدم
في الصداق "فهل لها الفسخ علي وجهين أحدهما"
لا فسخ وقاله القاضي لأن البيتية تقوم بدونه
والثاني لها الفسخ وقاله ابن عقيل وهو أشهر
لأن المسكن مما لابد منه كالنفقة "وإن أعسر
زوج الأمة فرضيت" به لم يكن لسيدها الفسخ نقول
نفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لكل واحد
منهما طلبها ولا يملك واحد منهما إسقاطها لما
في ذلك من الإضرار فعلي هذا إن أعسر الزوج بها
فلها الفسخ كالحرة وإن لم تفسخ فقال القاضي
لسيدها الفسخ لأن عليه ضررا في عدمها لما
يتعلق بقواتها من فوات ملكه وتلفه فإن أنفق
عليها سيدها محتسبا بالرجوع رجع علي الزوج
رضيت أو كرهت وقال أبو الخطاب وهو المنصوص ليس
لسيدها الفسخ إذا كانت راضية لأنها حق لها فلم
يملك سيدها الفسخ كالفسخ بالعيب "أو" أعسر
"زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهن
الفسخ" لأنه فسخ لنكاحها فلم يملكه الولي
كالفسخ بالعيب "ويحتمل أن له ذلك" لأنه فسخ
لفوات العوض فملكه كفسخ البيع لتعذر الثمن.
(8/182)
فصل
وإن منعها النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له
على مال أخذت منه ما يكفيها وولدها بالمعروف
بلا إذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند
حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس
يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي قال: "خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف " فإن لم تقدر أجبره
الحاكم وحبسه فإن لم ينفق دفع
ـــــــ
فصل
"وإن منعها النفقة أو بعضها" أو الكسوة أو
بعضها "مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه
ما يكفيها وولدها" الصغير "بالمعروف بلا إذنه"
نص عليه "لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند
حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس
يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي قال خذي ما
يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه من حديث
عائشة ولفظه للبخاري وظاهره يدل على أنه
يعطيها بعض الكفاية ولا يتمها لها فرخص النبي
صلى الله عليه وسلم لأخذ تمام الكفاية بغير
علمه لأنه موضع حاجه فإن النفقة لا غنى عنها
ولا قوام إلا بها ولأنها تتجدد بتجدد الزمان
شيئا فشيئا فتشق المرافعة إلى الحاكم
والمطالبة بها في كل الأوقات وذكر القاضي أنها
تسقط بفوات وقتها عند جمع ما لم يفرضها حاكم
بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بترك
المطالبة وفي "الروضة" القياس منعها تركناه
للخبر وفي ولدها وجه في "الترغيب" لكن يرد على
المذهب قوله عليه السلام: "أد الأمانة إلى من
ائتمنك ولا تخن من خانك " فإنه يقتضي المنع من
الأخذ مطلقا وجوابه حديث هند لأنه خاص بالنفقة
فقدم على غيره
فرع : لا تقترض على الأب ولا تتفق على الصغير
من ماله إلا بإذن وليه "فإن لم تقدر" أي على
الأخذ من ماله رافعته إلى الحاكم فيأمره
بالاتفاق "أجبره الحاكم" أي على الإنفاق "و"
إن أبى "حبسه" لأن الحاكم وضع لفصل الخصومات
والحبس طريق إلى الفصل فتعين فعله "فإن لم
ينفق دفع" الحاكم
(8/183)
النفقة من ماله
فإن غيبه وصبر على الحبس فلها الفسخ وقال
القاضي ليس لها ذلك وإن غاب ولم يترك لها نفقة
ولم تقدر على مال له ولا الاستدانة عليه فلها
الفسخ إلا عند القاضي فيما إذا لم يثبت إعساره
.
ـــــــ
"النفقة من ماله" لأنها حق واجب عليه فإذا
امتنع من عليه ذلك من أدائه وجب الدفع إلى
مستحقه من مال خصمه كالدين بل أولى لأنها آكد
من الدين بدليل جواز الأخذ بغير إذن المالك
فإن لم يجد إلا عروضا أو عقارا باعه ودفع
إليها من ثمنه كالنقدين ويدفعها منه يوما
بيوم.
تنبيه : حكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من
المال عند امتناعه فإن ادعت يساره فأنكر فإن
عرف له مال قبل قولها وإلا قوله وإن اختلفا في
فرض الحاكم لها أو في وقتها فقال فرضها منذ
شهر فقالت بل منذ عام قبل قوله لأن الأصل معه
"فإن غيبه وصبر على الحبس فلها الفسخ" إذا غيب
الزوج ماله وتعذر الإنفاق من جهته وصبر على
الحبس فلها الفسخ كما لو كان معسرا وهو ظاهر
الخرقي واختاره أبو الخطاب وقدمه في "المحرر"
و"الفروع" لحديث عمر أنه كتب في رجال غابوا عن
نسائهم فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا وهذا إجبار
على الطلاق عند الامتناع من الإنفاق لأن
الإنفاق عليها من ماله متعذر فكان لها الخيار
كحال الإعسار بل هذا أولى بالفسخ فإنه إذا جاز
الفسخ على المعذور فغيره أولى "وقال القاضي"
واختاره الأكثر قاله في "الترغيب" "ليس لها
ذلك" أي لا تملك الفسخ لأن الفسخ لعيب المعسر
ولم يوجد هنا ولأن الموسر في مظنة الأخذ من
ماله ولأن الحاضر قد ينفق لطول الحبس "وإن
غاب" موسر "ولم يترك لها نفقة ولم تقدر على
مال له ولا الاستدانة عليه فلها الفسخ" لأنها
تقدر على الوصول إلى نفقتها أشبه ما لو ثبت
إعساره وظاهره انه إذا ترك لها نفقة أو قدرت
علي مال له أو على الاستدانة عليه أنه لا فسخ
لها لأن الإنفاق عليها من متعذر "إلا عند
القاضي فيما إذا لم يثبت إعساره" لأن الفسخ
ثبت لعيب الإعسار ولم يثبت الإعسار هنا وهذه
مثل الأولي في الفسخ بل أولى
(8/184)
ولا يجوز الفسخ
في ذلك كله إلا بحكم حاكم
ـــــــ
لأن الحاضر ربما إذا طال عليه الحبس أنفق وهذا
قد تكون غيبته بحيث لا يعلم خبره فيكون الضرر
فيه أكثر وعلم أنه إذا ثبت إعساره أن لها
الفسخ مطلقا.
تذنيب: إذا كان له عليها دين من جنس الواجب
لها من النفقة فأراد أن يحتسب عليها وهي موسرة
فله ذلك وإن كانت معسره فلا لأن قضاء الدين في
الفاضل عن الكفاية ولا فضل لها فلو أنفق عليها
من مال زوجها الغائب ثم تبين أنه مات قبل
إنفاقه حسب عليها أنفقته بنفسها أو بأمر
الحاكم بغير خلاف نعلمه قال ابن الزاغوني إذا
ثبت عند الحاكم صحة النكاح ومبلغ المهر فإن
علم مكانه كتب إن سلمت إليها حقها وإلا بعت
عليك بقدره فإن أبي أو لم يعلم بمكانه باع
بقدر نصفه لجواز طلاقه قبل الدخول "ولا يجوز
الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم" لأنه فسخ
مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ للعنة ولا
يفسخ إلا بطلبها لأنه لحقها أو تفسخ هي بأمره
فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له
فيه فإذا ثبت إعساره فسخ بطلبها أو فسخت بأمره
ولا ينفذ بدونه وقيل ظاهرا وفي "الترغيب" ينفذ
مع تعذره زاد في "الرعاية" مطلقا وإن قلنا هو
طلاق لأمره بطلبها بطلاق أو نفقة فإن أبي طلق
عليه جزم به في "التبصرة" فإن راجع فقيل لا
تصح مع عسرته وقيل بلي فيطلق ثانيه ثم ثالثه
وقيل إن طلب المهلة ثلاثة أيام أجيب فلو لم
يقدر فقيل ثلاثة أيام وقيل إلى أخر اليوم
المتخلفة نفقته وفي "المغني" يفرق بينهما وهي
فسخ فإن أجبره على الطلاق فطلق فراجع ولم ينفق
فللحاكم الفسخ وظاهر كلام القاضي أن الحاكم
يملك الطلاق والفسخ وإن أيسر في العدة فله
ارتجاعها لأنه تفريق لامتناعه من الواجب أشبه
تفريقه بين المولي وامرأته.
(8/185)
باب نفقة الأقارب والمماليك
تجب على الإنسان نفقة والديه وولده بالمعروف
إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلا عن
نفقة نفسه وامرأته وكذلك تلزمه نفقة سائر
آبائه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا
ـــــــ
باب نفقة الأقارب و المماليك
وهي واجبة مع اليسار فقط "تجب على الإنسان
نفقة والديه" لقوله تعالى: {وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:
233] ولقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الاسراء: 23]
ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما ول
قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفاً } [لقمان: 15] ومن المعروف القيام
بكفايتهما عند حاجتها ولقوله عليه السلام: "إن
أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم"
رواه أبو داود والترمذي وحسنه وقال ابن المنذر
أجمع أهل العلم أن نفقة الوالدين الفقيرين
اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال
الولد ولأن الإنسان يجب عليه أن ينفق على نفسه
وزوجته وكذا على بعضه وأصله "وولده بالمعروف"
الجار متعلق تجب أو بعضها ل قوله تعالى:
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] الطلاق "إذا كانوا
فقراء" أي لا مال لهم و لا كسب يستغنون به من
غيرهم والكسوة والسكنى كالنفقة وشرطه الحرية
فمتى كان أحدهما رقيقا فلا نفقة قاله الزركشي
وجزم في "الخرقي" و"المغني" أن الولد الرقيق
لا نفقة له على أبيه وإن كان الأب حرا "وله ما
ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وامرأته"
ورقيقه يومه وليلته من كسبه وأجرة ملكه لقوله
عليه السلام: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" ولأنها
مواساة فلم تجب على المحتاج كالزكاة "وكذلك
تلزمه نفقة سائر آبائه وإن علوا وأولاده وإن
سفلوا" في قول الجمهور لدخولهم في اسم الآباء
والأولاد ل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ
فِي أَوْلادِكُمْ } [النساء: 11] فيدخل فيه
ولد البنين وقال: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ
إِنْ كَانَ لَهُ
(8/186)
وتلزمه نفقة كل
من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه
الآخر أو لا كعمته وعتيقه وحكي عنه إن لم يرثه
الآخر فلا نفقة له فأما ذوو الأرحام فلا نفقة
عليهم رواية واحدة ذكره القاضي وقال أبو
الخطاب يخرّج في وجوبها عليهم روايتان.
ـــــــ
وَلَدٌ} [النساء:11] وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] ولأن بينهما قرابة
فوجب العتق ورد الشهادة أشبه الولد والوالدين
القريبين "وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو
تعصيب ممن سواهم" ظاهر "المذهب" أن النفقة تجب
على كل وارث لموروثه بشرط إرث المنفق وغناه
وفقر المنفق عليه "سواء ورثه الآخر" لقوله
تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
[البقرة: من الآية233] أوجب النفقة على الأب
ثم عطف الوارث عليه وذلك يقتضي الاشتراك في
الوجوب "أولا" يرثه "كعمته وعتيقه" أي كابن
الأخ مع عمته والمعتق مع عتيقه للآيه "وحكي
عنه إن لم يرثه الآخر فلا نفقة" له لأن الوارث
أحد القرابتين فلم تلزمه نفقة قريبه كالآخر
وعنه تختص العصبة مطلقا نقلها جماعة فيعتبر أن
يرثهم بفرض أو تعصيب في الحال لقضاء عمر على
بني عم منفوس بنفقته احتج به أحمد وكالعقل فلا
يلزم بعيدا موسرا يحجبه قريب معسر وعنه بلى إن
ورثه وحده لزمته مع يساره ومع فقره تلزم بعيدا
موسرا فلا تلزم جدا مع أب فقير وأخا موسرا مع
ابن فقير على الأولى وتلزم على الثانية وإن
اعتبر إرث في غير عمودي نسبه لزمت الجد قال
المؤلف وهو الظاهر وأطلق في "الترغيب" ثلاثة
أوجه وعنه يعتبر توارثهما اختاره أبو محمد
الجوزي والأول أصح لما روي أن رجلا سأل النبي
صلى الله عليه وسلم من أبر قال: "أمك وأباك
وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم
موصولة " رواه أبو داود وبه يظهر الفرق بينه
وبين قريبه لأنه يرثه بخلاف العكس "فأما ذوو
الأرحام" وهم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب
"فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي"
لعدم النص فيهم ولأن قرابتهم ضعيفة وإنما
يأخذون ماله عند عدم الوارث فهم كسائر
المسلمين بأن المال يصرف إليهم إذا لم يكن
للميت وارث بدليل تقديم الرد عليهم "وقال أبو
الخطيب يخرّج في وجوبها عليهم روايتان"
إحداهما ما سبق وهي المذهب.
(8/187)
وإن كان للفقير
وارث فنفقة عليهم على قدر إرثهم منه فإذا كان
أم وجد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد وإن
كانت له جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على
الأخ وعلى هذا المعنى حساب النفقات إلا أن
يكون له أب فالنفقة عليه وحده.
ـــــــ
والثانية تجب لكل وارث واختاره الشيخ نقي
الدين لأنه من صلة الرحم وهو عام لعموم
الميراث من ذوي الأرحام بل أولى قال وعلى هذا
ما ورد من حمل الخال للعقل في قوله "ابن أخت
القوم منهم" وقوله "مولى القوم منهم" وكان
مسطح ابن خالة أبي بكر فيدخلون في قوله {وَآتِ
ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الاسراء:26] حقه
وأوجبها جماعة لعمودي نسبه فقط "وإن كان
للفقير وارث فنفقته عليهم على قدر إرثهم منه"
لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث فيجب أن
يترتب على المقدار عليه وحاصله أن الصغير إذا
لم يكن له أب فالنفقة على وارثه مطلقا "فإذا
كان أم وجد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد"
لأنهما يرثانه كذلك.
مسائل: ابن وبنت النفقة عليهما أثلاثا.
أم وابن على الأم السدس والباقي على الابن فإن
كانت بنت وابن ابن فالنفقة عليهما نصفان.
أم وبنت النفقة عليهما أرباعا كميراثهما منه
فإن كانت بنت وابن بنت فالنفقة على البنت "وإن
كانت له جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على
الأخ" لأن ميراثهما منه كذلك "وعلى هذا المعنى
حساب النفقات" يعني أن ترتيب النفقات على
ترتيب الميراث فكما أن للجدة السدس من الميراث
كذلك عليها سدس النفقة والباقي على الأخ لأن
الباقي له ولو اجتمع بنت وأخت أو بنت وأخ أو
ثلاث أخوات مفترقات فالنفقة بينهم على قدر
الميراث في ذلك سواء كان في المسألة رد أو عول
أو لا ولو اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في
النفقة لإستوائهما في الميراث "إلا أن يكون له
أب فالنفقة عليه وحده" بغير خلاف نعلمه وسنده
قوله تعالى: { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ}
[الطلاق: 6] الآية { وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ
(8/188)
ومن له ابن
فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما ومن له أم
فقيرة وجدة موسرة فالنفقة عليها ومن كان صحيحا
مكلفا لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقته
على روايتين
ـــــــ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
[البقرة:233]وفي "الواضح" مادامت أمه أحق به
وقال ابن عقيل ومثله الولد أي يختص الولد
بنفقة والده وقال القاضي وأبو الخطاب القياس
في أب وابن أن يلزم الأب سدس فقط لكن تركه
أصحابنا لظاهر الآية ذكره في "المستوعب" "ومن
له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما"
الابن لعسرته والأخ لعدم ميراثه ويتخرج في كل
وارث لولا الحجب إذا كان من يحجبه معسرا وجهان
أحدهما لا نفقة له عليه لأنه غير وارث
كالأجنبي.
والثاني عليه النفقة لوجود القرابة المقتضية
للإرث والإنفاق صححه السامري وصرح ابن عقيل
بذلك والمانع من الإرث لا يمنع من الإنفاق
لأنه معسر لا يمكنه الإنفاق فوجوده بالنسبة
إلى الإنفاق كعدمه "ومن له أم فقيرة وجدة
موسرة فالنفقة عليها" أي على الجدة وذلك أن
الوارث القريب المعسر إذا اجتمع مع بعيد موسر
من عمود النسب كهذه المسألة وجبت النفقة على
الموسر فأب معسر مع جد موسر النفقة على الجد.
قال أحمد لا يدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقوله
عليه السلام للحسن إن ابني هذا سيد فسماه ابنه
وهو ابن بنته فإذا منع من دفع الزكاة إليهم
لقرابتهم وجب أن تلزمه نفقتهم مع حاجتهم وبناه
في "المحرر" على ما تقدم من الروايات "ومن كان
صحيحا مكلفا لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب
نفقته على روايتين" لا يشترط في نفقة الوالدين
والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام في
ظاهر المذهب لقوله عليه السلام لهند "خذي ما
يكفيك وولدك بالمعروف" ولم يستثن منهم بالغا
ولا صحيحا ولأنه ولد فقير فاستحق النفقة على
والده الغني كالزمن وقال القاضي لا يشترط ذلك
في الوالدين وهل يشترط في الولد فكلام أحمد
يقتضي روايتين: إحداهما يلزم لأنه فقير.
والثانية: إن كان يكتسب فينفق على نفسه لم
تلزم نفقته وهذا يرجع إلى
(8/189)
ومن لم يفضل
عنه إلا نفقة واحد بدأ بالأقرب فالأقرب ، فإن
كان له أبوان فهو بينهما وإن كان معهما ابن
ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يقسمه بينهم.
والثاني: يقدمه عليهما. والثالث: يقدمهما
عليه.
ـــــــ
الذي لا يقدر على كسب ما يقوم به فتلزم نفقته
رواية واحدة سواء كان ناقص الأحكام أو الخلقة.
وظاهره إذا لم يكن صحيحا فتجب نفقته بغير خلاف
أو ليس بمكلف كالصبي والمجنون فإنها تجب بل
أولى لأن عجزهما أبلغ من عجز غير الصحيح وكذا
إذا كان له حرفة فإنها لا تجب نفقته بغير خلاف
لأن الحرفة تغنيه ونفقة القريب لا تجب إلا مع
الفقر ولا بد أن تكون الحرفة يحصل بها غناه
فإن لم تغنه فالخلاف وعنه لا نفقة لفقير غير
عمودي النسب وهل يلزم المعدم الكسب لنفقة
قريبه على الروايتين في الأولة قاله في
"الترغيب" وجزم جماعة "يلزمه ومن لم يفضل عنه
إلا نفقة واحد بدأ" بامرأته لأنها تجب على
سبيل المعاوضه ثم برقيقه لحديث جابر ولأنها
تجب مع اليسار والإعسار ويقدم من يخدمه على
غيره ثم "بالأقرب فالأقرب" لأن نفقة القريب
تجب على سبيل المواساه ثم العصبة ثم التساوي
وقيل يقدم وارث ثم التساوي.
وفي "المحرر" فإن استويا قدم العصبة على غيره
وإلا فهما سواء وقيل يقدم من امتاز بفرض أو
تعصيب فإن تعارضت المزيتان أو فقدتا فهما سواء
"فإن كان له أبوان فهو بينهما" هذا هو أحد
الوجوه لتساويهما وقيل تقدم الأم لأنها أحق
بالبر ولها فضيلة الحمل والرضاعة والتربية فهو
أضعف منها والمذهب يقدم الأب عليها لفضيلته
وانفراده بالولاية واستحقاق الأخذ من ماله
والأول أولى قاله في "الشرح" "وإن كان معهما
ابن" وهما صحيحان "ففيه ثلاثة أوجه أحدها
يقسمه بينهم" لتساويهم في القرب "والثاني
يقدمه عليهما" لوجوب نفقته بالنص نقل أبو طالب
الابن أحق بالنفقة منها وهي أحق بالبر
"والثالث يقدمهما عليه" لأن حرمتهما آكد وقال
القاضي إن كان الابن صغيرا أو مجنونا قدم لأن
نفقته وجبت بالنص مع أنه عاجز عن الكسب وإن
كان كبيرا
(8/190)
وإن كان له أب
وجد أو ابن وابن ابن فالأب والابن أحق ولا تجب
نفقة الأقارب مع اختلاف الدين وقيل في عمودي
النسب روايتان وإن ترك الإنفاق الواجب مدة لم
يلزمه عوضه
ـــــــ
والأب زمن فهو أحق لأن حرمته آكد وحاجته أشد.
مسالة: أم أم وأم أب بينهما نصفان أبو أب أولى
من أبي الأم لامتيازه بالتعصب ومع أبي أبي أب
يستويان وقيل يقدم أبو أم وفي الفصول احتمال
عكسه وجزم به المؤلف وفي "المستوعب" يقدم
الأحوج في الكل واعتبر في "الترغيب" بإرث وأن
مع الاجتماع يوزع لهم بقدر إرثهم.
فرع : إذا كان من تجب عليه خنثي مشكل فالنفقة
عليه على قدر ميراثه فإن انكشف حاله فبان أنه
أنفق أكثر رجع بالزيادة وإن أنفق أقل رجع عليه
فإن كان أحد الورثة موسرا لزمه بقدر إرثه وعنه
الكل.
قال ابن حمدان ومثله إذا كان أحدهما حاضرا
وتعذر أخذ نصيب الغائب "وإن كان له أب وجد أو
ابن وابن ابن فالأب والابن أحق" لأنهما أقرب
وأحق بميراثه كالأب مع الأخ وقيل بالتساوي أي
يستوي الجد والأب والابن وابنه لتساويهما في
الولادة والتعصيب قال أبو الخطاب هو سهو من
القاضي قال في "الشرح" إذا اجتمع ابن وجد أو
أب وابن ابن احتمل وجهين أحدهما تقديم الابن
والأب لقربهما ولا يسقط إرثهما بحال ويحتمل
التسوية بينهما لأنهما سواء في الإرث والتعصيب
والولادة والأول أولى "ولا تجب نفقة الأقارب
مع اختلاف الدين" أي إذا كان دين القريبين
وقيل في عمودي النسب روايتان وإن ترك الإنفاق
الواجب مدة لم يلزمه عوضه مختلفا فلا نفقة
لأحدهما على الآخر لأنه لا توارث بينهما ولا
ولاية أشبه ما لو كان أحدهما رقيقا "وقيل في
عمودي النسب روايتان" ذكرهما القاضي إحداهما
تجب لأن نفقته مع اتفاق الدين فتجب مع اختلافه
كنفقة الزوجة والثانية لا تجب ونصرها في
"الشرح" لأنها مواساة على سبيل البر والصلة
فلم تجب مع اختلاف الدين كأداء زكاته إليه
وعقله عنه وإرثه منه "وإن ترك الإنفاق الواجب
مدة لم يلزمه عوضه" كذا أطلقه الأكثر وجزم به
في "الفصول" لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة
وإحياء
(8/191)
ومن لزمته نفقة
رجل فهل تلزمه نفقة امرأته على روايتين.
فصل
وتجب نفقة ظئر الصبي على من تلزمه نفقته وليس
للأب منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك.
ـــــــ
النفس وقد حصل ذلك في الماضي بدونها وذكر
جماعة لا بفرض حاكم لأنه تأكد بفرضه كنفقة
الزوجة وفي "المحرر" لا تلزمه وإن فرضت إلا أن
يستدان عليه بإذن الحاكم وظاهر ما اختاره
الشيخ تقي الدين وتستدين عليه فلا ترجع إن
استغنى بكسب أو نفقة متبرع وظاهر كلامهم يأخذ
من وجبت له النفقة بلا إذن كزوجة نقل ابناه
يأخذ من مال والده بلا إذنه بالمعروف إذا
احتاج ولا يتصدق "ومن لزمته نفقة رجل فهل
تلزمه نفقة امرأته على روايتين" أشهرهما أنه
تلزمه نفقتها وخادم تحتاجه لأنه لا يتمكن من
الإعفاء إلا به والثانية لا تلزمه لأن بنيته
تقوم بدون المرأة بخلاف نفقة نفسه وحملها في
"الشرح" على أن الابن كان يجد نفقتها وعنه تجب
كزوجة الأب فقط وعنه تجب في عمودي النسب وهي
مسألة الإعفاف ويلزمه إعفاف أبيه إذا احتاج
إلى ذلك وكذا ابنه إذا لزمته نفقته وهو أن
يزوجه حرة تعفه أو بسرية ولا يملك استرجاع أمة
أعفه بها مع غناه في الأصح ويصدق في أنه تائق
بلا يمين ويعتبر عجزه.
ويكفي إعفافه بواحدة ويعفه ثانيا إن ماتت وقيل
لا كمطلق لعذر في الأصح ويلزمه إعفاف أمه
كالأب قال القاضي ولو سلم فالأب آكد لأنه لا
يتصور ولاية بالتزويج ونفقتها عليه وقيل يلزمه
إعفاف كل إنسان تلزمه نفقته.
فصل
"وتجب نفقة ظئر الصبي" كذا في "المحرر" وعبر
في "الفروع" صغير وهو أولى حولين "على من
تلزمه نفقته" لأن نفقة ظئر الصغير كنفقة
الكبير ويختص وجوبها بالأب وحده "وليس للأب
منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك" أي
إذا طلبت الأم رضاع ولدها بأجرة مثلها ولو
أرضعه غيرها مجانا فهي أحق.
(8/192)
وإن طلبت أجرة
مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق وإن
امتنعت من رضاعه لم تجبر إلا أن يضطر إليها
ويخشى عليه ولا تجب عليه أجرة الظئر لما زاد
على الحولين.
ـــــــ
به سواء كانت تحته أو بائنا منه ل قوله تعالى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ}
[البقرة: 233] الآية وهو خبر يراد به الأمر
وهو عام في كل والدة ل قوله تعالى: {فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
[الطلاق:6] ولأنها أشفق وأحق بالحضانة ولبنها
امرأ وقيل بلى في حباله كخدمته نص عليها "وإن
طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي
أحق" لما تقدم ولأن في إرضاع غيرها تفويتا لحق
الأم من الحضانة وإضرارا بالولد فإن طلبت أكثر
من أجر مثلها ووجد من ترضعه متبرعة أو بأجرة
مثلها جاز انتزاعه منها ل قوله تعالى: {وَإِنْ
تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}
[الطلاق:6] ونقل أبو طالب هي أحق بما يطلب به
من الأجرة لا بأكثر وفي "المنتخب" إن استأجرها
من هي تحته لرضاع ولده لم يجز لأنه استحق
نفعها كاستئجارها للخدمة شهرا وإن لم يجد
مرضعة إلا بتلك الأجرة فالأم أحق "وإن امتنعت
من رضاعه لم تجبر" إذا كانت مفارقة لا نعلم
فيه خلافا وكذا إن كانت في حبال الزوج في قول
أكثرهم ل قوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ}
[الطلاق: 6] الآية وإن اختلفا فقد تعاسرا ولأن
الإجبار على الرضاع إما أن يكون لحق الولد أو
الزوج أو لهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه
لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا
على خدمته فيما يختص به ولا لحق الولد لأنه لو
كان له للزمها بعد الفرقة ولأنه مما يلزم
الوالد لولده كالنفقة ولا يجوز أن يكون لهما
لأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة
والآية محمولة على حال الإنفاق وعدم التعاسر.
"إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه" بأن لا توجد
مرضعة سواها أو لا يقبل الصغير الارتضاع من
غيرها فإنه يجب عليها التمكين من رضاعه لأنه
حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها كما لو لم يكن له
أحد غيرها "ولا تجب عليه أجرة الظئر لما زاد
على الحولين" ل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233] فلم تلزمه على
ما زاد على ذلك لأنه زائد على الكمال أشبه
الحلوى وعلم منه أنه لا يفطم قبل تمام الحولين
إلا برضى أبويه ما لم
(8/193)
وإن تزوجت
المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إلا أن
يضطر إليها.
فصل
وعلى السيد الإنفاق على رقيقه قدر كفايتهم
وكسوتهم وتزويجهم إذا طلبوا ذلك.
ـــــــ
ينضر وفي "الرعاية" هنا يحرم رضاعه بعدهما ولو
رضيا وظاهر "عيون المسائل" إباحته مطلقا "وإن
تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها"
مطلقا لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج من
الاستمتاع في كل الزمان سوى أوقات الصلوات
فالرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات
فكان له منعها كالخروج من منزله "إلا أن يضطر
إليها" فإنه حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم
على الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم
يكن به مثل ضرورته.
فرع : إذا استأجرها للرضاع ثم تزوجت صح النكاح
ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من
الرضاع حتى تمضي المدة لأن منافعها ملكت بعقد
سابق أشبه ما لو اشترى أمة مزوجة ذكره في
"الشرح" وللزوج الثاني وطؤها ما لم يفسد اللبن
فإن فسد فللمستأجر فسخ الإجارة والأشهر تحريم
الوطء فإن شرطت قي عقد النكاح أنها ترضعه فلها
شرطها.
فصل
"وعلى السيد الإنفاق على رقيقه" عرفا ولو آبق
وأمة ناشز "قدر كفايتهم" من غالب قوت البلد
سواء كان قوت سيده أو دونه أو فوقه أدم مثله
بالمعروف "وكسوتهم" مطلقا أي لأمثال الرقيق في
ذلك البلد الذي هو فيه وكذا المسكن لما روى
أبو هريرة مرفوعا قال "للمملوك طعامه وكسوته
بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" رواه
الشافعي والبيهقي بإسناد جيد واتفقوا على وجوب
ذلك على السيد لأنه أخص الناس به فوجبت نفقته
عليه كبهيمته ومحله ما لم يكن للرقيق صنعة
يتكسب بها "و" له "تزويجهم إذا طلبوا ذلك"
كالنفقة لقوله
(8/194)
إلا الأمة إذا
كان يستمتع بها ولا يكلفهم من العمل ما لا
يطيقون ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات
الصلوات ويداويهم إذا مرضوا.
ـــــــ
تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] والأمر يقتضي
الوجوب ولأنه يخاف من ترك إعفافه الوقوع في
المحظور وهو مخير بين تزويجه أو تمليكه أمة
ولا يجوز تزويجه إلا باختياره إذا كان كبيرا
"إلا الأمة إذا كان يستمتع بها" لأن المقصود
قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة وإن شاء زوجها
إذا طلبت ذلك وظاهره ولو مكاتبة بشرطه وفي
"المستوعب" يلزمه تزويج المكاتبة بطلبها ولو
وطئها وأبيح بالشرط ذكره ابن البنا لما فيه من
اكتساب المهر فملكته كأنواع التكسب وظاهر
كلامهم خلافه وهو أظهر لما فيه من إسقاط حق
السيد وإلغاء الشرط وعلى الأول إن أبى أجبر
عليه وتصدق في أنه لا يطأ على الأصح.
فرع: من غاب عن أم ولد زوجت نص عليه لحاجة
نفقة وكذا أو وطئ عند من جعله كنفقة وفي
"الانتصار" يزوجها من يلي ماله أومأ إليه في
رواية بكر وتلزمه نفقة ولد أمته الرقيق دون
زوجها ويلزم حرة نفقة ولدها من عبد نص عليه
ومكاتبة نفقة ولدها وكسبه لها وينفق على من
بعضه حر بقدر رقه وبقيتها عليه "ولا يكلفهم من
العمل ما لا يطيقون" لحديث أبي ذر "ولا
تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم"
رواه البخاري ولأنه مما يشق عليه والمراد مشقة
كثيرة ولا يجوز تكليف الأمة بالرعي لأن السفر
مظنة الطمع لبعدها عن من يذب عنها وقد ذكر
صاحب "المحرر" عن نقل أسماء "النوى" على رأسها
للزبير من نحو ثلثي فرسخ من المدينة أنه حجة
في سفر المرأة القصير بغير محرم ورعي جارية
ابن الحكم في معناه و أولى وقال غيره يجوز ذلك
قولا واحدا لأنه ليس بسفر شرعا ولا عرفا ولا
يتأهب له أهبته "ويريحهم وقت القيلولة والنوم
وأوقات الصلوات" لأن العادة جارية بذلك
"ويداويهم إذا مرضوا" وجوبا قاله جماعة لأن
نفقتهم تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغر وظاهر
كلام آخرين يستحب قال في "الفروع" وهو
(8/195)
ويركبهم عقبة
إذا سافر بهم وإذا ولي أحدهم طعامه أطعمه معه
فإن أبى أطعمه منه ولا يسترضع الأمة لغير
ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه ولا يجبر
العبد على المخارجة فإن اتفقا عليها جاز.
ـــــــ
أظهر قال ابن شهاب في كفن الزوجة العبد لا مال
له فالسيد أحق بنفقته ومؤنته ولهذا النفقة
المختصة بالمرض تلزمه من الدواء وأجرة الطبيب
بخلاف الزوجة "ويركبهم عقبة" بوزن غرفة وهي
النوبة "إذا سافر بهم" لئلا يكلفهم ما لا
يطيقون ومعناه يركبه تارة ويمشيه أخرى "وإذا
ولي أحدهم طعامه أطعمه معه" فإن أبى أطعمه منه
لما روى أبو هريرة مرفوعا "إذا كفى أحدكم
خادمه طعامه حره ودخانه فليجلسه معه فإن أبى
فليروغ له اللقمة واللقمتين" ومعنى الترويغ
غمسها في المرق والدسم ودفعها إليه ولأن
الحاضر تتوق نفسه إلى ذلك ولكن لا يأكل إلا
بإذنه نص عليه "ولا يسترضع الأمة لغير ولدها"
لأن فيه إضرارا بولدها للنقص من كفايته وصرف
اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته إليه كنقص
الكبير عن كفايته "إلا أن يكون فيها فضل عن
ريه" لأنه ملكه وقد استغنى عنه الولد فكان له
استيفاؤه كما لو مات ولدها وبقي لبنها.
ولا يجوز له إجارتها بلا إذن زوج قال المؤلف
لاشتغالها عنه برضاع وحضانة وهذا إنما يجيء
إذا آجرها في مدة حق الزوج فلو آجرها في غيره
توجه الجواز و إطلاقه مقيد بتعليله وقد يحتمل
ألا يلزم تقيده به فأما إن ضر ذلك بها لم يجز
"ولا يجبر العبد على المخارجة" ومعناه أن يضرب
عليه خراجا معلوما يؤديه إلى سيده وما فضل
للعبد لأن ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه
كالكتابية "فإن اتفقا عليها جاز" بشرط أن يكون
قدر كسبه فأقل بعد نفقته لما روي أن أبا طيبة
حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجره
وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه وكان كثير
من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجا وروي أن
الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم
درهم كل يوم وجاء أبو لؤلؤة إلى عمر بن الخطاب
فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة أن يخفف عنه من
خراجه.
فإن لم يكن له كسب أو وضع عليه أكثر من كسبه
لم يجز وفي "الترغيب"
(8/196)
ومتى امتنع
السيد من الواجب عليه فطلب العبد البيع لزمه
بيعه وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده
وامرأته وللعبد أن يتسرى بإذن سيده.
ـــــــ
إن قدر خراجا بقدر كسبه لم يعارض وهو كعبد
مأذون له في التصرف في هدية طعام وإعارة متاع
وعمل دعوة وظاهر كلام جماعة لا يملك ذلك وإن
فائدة المخارجة ترك العمل بعد الضريبة "ومتى
امتنع السيد من الواجب عليه فطلب العبد البيع
لزمه بيعه" نص عليه كزوجة وقاله في "عيون
المسائل" وغيرها في أم الولد وهو ظاهر كلامهم
سواء امتنع السيد من ذلك لعجز أو غيره لأن
بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد أمره إضرار به
وإزالة الضرر واجبة وقد روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال "جاريتك تقول أطعمني واستعملني
إلى من تتركني" رواه أحمد والدار قطني بإسناد
صحيح ورواه البخاري من قول أبي هريرة ونقل أبو
داود عنه أتباع الجارية وهو يكسوها ويطعمها
قال لا إلا أن تحتاج إلى زوج لأن الملك للسيد
فلا يجبر على إزالته من غير ضرر كما لا يجبر
على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على
بيع بهيمة مع الإنفاق عليها "وله تأديب رقيقه"
عبدا كان أو أمة "بما يؤدب به ولده وامرأته"
أي له تأديبهما بالتوبيخ والضرب كما يؤدب ولده
وامرأته في النشوز ولا بأس بالزيادة على ذلك
للأخبار الصحيحة وليس له ضربه على غير ذنب ولا
أن يضربه ضربا مبرحا إن أذنب ولا لطمه في وجهه
لما روى ابن عمر مرفوعا "من لطم غلامه فكفارته
عتقه" رواه مسلم ونقل حرب لا يضرب إلا في ذنب
بعد عفوه مرة أو مرتين ولا يضربه شديدا ونقل
حنبل لا يضربه إلا في ذنب عظيم لقوله عليه
السلام: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها"
ويقيده إذا خاف عليه ويضربه غير مبرح فإن
وافقه وإلا باعه لقوله عليه السلام "لا تعذبوا
عباد الله" "وللعبد أن يتسرى بإذن سيده" نص
عليه وهو قول قدماء الأصحاب من غير بناء على
روايتي الملك وعدمه بل الخرقي وجماعة قالوا
إنه لا يملك ويباح له التسري نقل أبو طالب
أيتسرى العبد قال نعم قال ذلك ابن عمر وابن
عباس وغير واحد من التابعين وعطاء ومجاهد
(8/197)
وقيل يبنى ذلك
على الروايتين في ملك العبد بالتمليك ولو وهب
له سيده أمة لم يكن له التسري بها إلا بإذنه.
ـــــــ
وأهل المدينة على هذا قيل لأبى عبد الله فمن
احتج بهذه الرواية {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:5] الآية
فأي ملك للعبد قال إذا ملكه ملك يقول النبي
صلى الله عليه وسلم: " من اشترى عبدا وله مال
فقد جعل له ملكا" وابن عمر وابن عباس اعلم
بكتاب الله ممن احتج بهذه الآية ولأنه يملك في
النكاح فملك التسري كالحر ولأنه آدمي فيملك
المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية
الملك إذا كان الله تعالى خلق الأموال
للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف
التكاليف وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة
لا حياة فيها باعتبار مآله إلى الآدمية فالعبد
الذي هو آدمي مكلف أولى.
وظاهره أنه إذا تسرى بغير إذنه أن الولد ملك
للسيد فإن أذن له فيه وأطلق تسرى بواحدة فقط
كالتزويج وإن أذن له في أكثر من واحدة فله
التسري بما شاء نص عليه لأن من جاز له التسري
جاز له بغير حصر كالحر "وقيل يبنى ذلك على
الروايتين في ملك العبد بالتمليك" كذا بناه
القاضي وعامة من بعده احتج المانع بأن العبد
لا يملك المال والوطء لا يكون إلا في نكاح أو
ملك يمين للنص واحتج المجيز بما سلف إذ الشارع
يثبت من الملك ما فيه مصلحة العباد ويمنع ما
فيه فسادهم والعبد محتاج إلى النكاح فالمصلحة
تقتضي ثبوت ملك البضع له وإلا فكون العبد يملك
مطلقا إضرارا بالسيد ومنعه مطلقا إضرارا به
فالعدل ثبوت قدر الحاجة وقولهم إنه لا يملك
المال ممنوع "ولو وهب له سيده أمة لم يكن له
التسري بها إلا بإذنه" لأن الهبة إن لم تصح
فظاهر وإن صحت فالعبد محجور عليه لأنه لا يملك
هبة ما في يده ولا شك أن ذلك يؤدي إلى تنقيص
المال مرة وإلى الإعدام أخرى لأنها ربما حملت
وذلك تنقيص ولذلك جعل عيبا في المبيع وربما
ماتت منه وذلك إعدام فإن أذن له في التسري لم
يصح رجوعه فيه نص عليه في رواية محمد بن ماهان
وإبراهيم بن هانئ كالنكاح قال ابن حمدان حيث
يجب إعفافه ولأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤه كما
لو زوجه.
(8/198)
فصل
وعليه إطعام بهائمه وسقيها وألا يحمله ما لا
تطيق ولا يحلب من لبنها ما يضر بولدها وإن عجز
عن الإنفاق عليها أجبر على بيعها أو إجارتها
أو ذبحها إن كانت مما تباح أكله.
ـــــــ
فرع: إذا ملك المعتق بعضه بجزئه الحر فله
وطؤها بلا إذن سيده في الأقيس ولا يتزوج إلا
بإذنه
فصل
"وعليه إطعام بهائمه وسقيها" وإقامة من يرعاها
لما روى ابن عمر مرفوعا قال "عذبت امرأة في
هرة حبستها حتى ماتت جوعا ولا هي أطعمتها ولا
هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه قال
في الغنية ويكره له إطعامه فوق طاقته وإكراهه
على الأكل على ما اتخذه الناس عادة لأجل
التسمين ويحرم عليه أن يقتله عبثا قاله ابن
حزم "وألا يحملها ما لا تطيق" لأن الشارع منع
تكليف العبد ما لا يطيق والبهيمة في معناه
ولأن فيه تعذيبا للحيوان الذي له حرمة في نفسه
وإضرارا به وذلك غير جائز "ولا يحلب من لبنها
ما يضر بولدها" لأن كفايته واجبة على مالكه
أشبه ولد الأمة ويكره أن يعلق عليها جرسا أو
وترا أو جز معرفة وناصية وفي جز ذنبها روايتان
أظهرهما الكراهة "وإن عجز عن الإنفاق عليها
أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت
مما يباح أكله" لأنها نفقة حيوان واجبة عليه
فكان للحاكم إجباره عليها كنفقة العبد فإن
امتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا
طلبه بإعسار سيده بنفقته فإن كانت مما لا يؤكل
أجبر على الإنفاق عليها كالعبد الزمن وذكر في
"الكافي" أنه إذا امتنع من الإنفاق عليها أجبر
على بيعها فإن أبي أكريت وأنفق عليها فإن أمكن
وإلا بيعت وقال ابن عقيل يحتمل ألا يجبر
ويأمره به بالمعروف وينهاه عن المنكر لأن
البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم بدليل
أنه لا تصح منه الدعوى ولا ينصب عنها خصم
فصارت كالزرع والشجر وجيفتها له ونقلها عليه
قاله أبو يعلى الصغير
(8/199)
باب الحضانة
أحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه أمه ثم
أمهاتها الأقرب فالأقرب ثم الأب ثم أمهاته.
ـــــــ
باب الحضانة
الحضانة: بفتح الحاء مصدر حضنت الصغير حضانة
أي تحملت مؤنته وتربيته والحاضنة التي تربي
الطفل سميت به لأنها تضم الطفل إلى حضنها وهي
واجبة لأنه يهلك بتركه فوجب حفظه عن الهلاك
كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك
ومستحقها رجل عصبة وامرأة وارثة أو مدلية
بوارث كخالة وبنات أخوات أو مدلية بعصبة كبنات
إخوة وأعمام ثم هل تكون لحاكم أو لبقية
الأقارب من رجل وامرأة ثم لحاكم فيه وجهان
"أحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه" وهو المختل
العقل "أمه" أي إذا كانت حرة عاقلة عدلا في
الظاهر لا نعلم فيه خلافا لما روى عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت يا رسول
الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له
سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن
ينتزعه مني فقال لها النبي صلى الله عليه
وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أحمد
وأبو داود ولفظه له ولقضاء أبي بكر على عمر
بعاصم بن عمر لأمه فقال ريحها وشمها ولطفها
خير له منك رواه سعيد واشتهر ذلك ولم ينكر
ولأنها أشفق عليه وأقرب ولا يشاركها في القرب
إلا الأب وليس له مثل شفقتها ولا يتولى
الحضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى من يقوم به
وظاهره ولو بأجرة مثل كرضاع قاله في "الواضح"
واقتصر عليه في "الفروع" فإن لم تكن موجودة أو
كانت ولم تستوعب الشروط انتقل إلى من يليها في
الاستحقاق وهو المنبه عليه بقوله "ثم أمهاتها"
لأن ولادتهن متحققة فهن في معنى الأم "الأقرب
فالأقرب" لأن الأقرب أكمل شفقة من الأبعد
وأقرب شبها بالأم "ثم الأب" في الصحيح عنه
لأنه أقرب من غيره وليس لغيره كمال شفقته
يترجح بها فوجب أن يكون أحق بها بعد من ذكر
"ثم أمهاته" لأنهن يدلين بمن
(8/200)
ثم الجد ثم
أمهاته ثم الأخت للأبوين ثم الأخت للأب ثم
الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة في الصحيح عنه
وعنه الأخت من الأم والخالة أحق من الأب فتكون
الأخت من الأبوين أحق.
ـــــــ
هو أحق فإن قيل الجد يدلي بالأقرب فساواهن في
ذلك فلم يقدمن عليه قيل الأبوية مع التساوي
فوجب الرجحان دليله الأم مع الأب وعنه أن أم
الأب مقدمة على أم الأم لأنها تدلي بعصبة
فعليها يكون الأب أولى بالتقديم لأنهن يدلين
به فيكون الأب بعد الأم ثم أمهاته "ثم الجد"
لأنه أب أو بمنزلته ومقتضاه تقديمه بعد الأب
ترك العمل به في أمهات الأب لما ذكر من
الترجيح بالأبوية "ثم أمهاته" لما ذكر في
أمهات الأب فإن قيل الأخوات يدلين بالأب وهو
أحق من الجد فيجب أن يكون من يدلي به أحق ممن
يدلي بالجد قيل أمهات الجد اجتمع فيهن الإدلاء
بالجد وكون الطفل بعضا منهن وذلك مفقود في
الأخوات "ثم الأخت للأبوين ثم الأخت للأب ثم
الأخت للأم" قدمن على سائر القرابات لأنهن
يشاركن في النسب وقدمن في الميراث وتقدم الأخت
للأبوين لقوة قرابتها ثم من كانت لأب ثم لأم
نص عليه "ثم الخالة" لأنها تدلي بالأم ولأن
الشارع قدم خالة ابنة حمزة على عمتها صفية لأن
صفية لم تطلب وجعفر طلب نائبا عن خالتها فقضى
الشارع بها لها في غيبتها "ثم العمة" أي
لأبوين ثم لأب ثم لأم "في الصحيح عنه"
كالأخوات قد تبع المؤلف القاضي وأصحابه في
تقديم الخالة على العمة والأخت من الأب على
الأخت من الأم قال بعضهم فتناقضوا وقدمن على
الأعمام لأنهن نساء من أهل الحضانة فقدمن على
من في درجتهن من الرجال كتقديم الأم على الأب
ثم خالات أبويه ثم عمات أبيه ثم بنات الأعمام
وقيل تقدم بنات الإخوة والأخوات على العمات
والخالات ومن بعدهن وهل تقدم أم أمه على أم
أبيه وأخته لأمه على أخته لأبيه وخالته على
عمته وخالة أمه على خالة أبيه وخالات أبيه على
عماته ومن أدلى بعمة وخالة بأم على من أدلى
بأب أو بالعكس فيه روايتان "وعنه الأخت من
الأم والخالة أحق من الأب فتكون الأخت من
الأبوين أحق" لأنهن نساء يدلين
(8/201)
ويكون هؤلاء
أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات وقال
الخرقي وخالة الأب أحق من خالة الأم ثم تكون
للعصبة إلا أن الجارية ليس لابن عمها حضانتها
لأنه ليس من محارمها وإذا امتنعت الأم من
حضانتها انتقلت إلى أمها ويحتمل أن تنتقل إلى
الأب.
ـــــــ
بالأم فكن أولى من الأب كالجدات "ويكون هؤلاء
أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات" فعلى
هذه تقدم نساء الحضانة على كل رجل وقيل إن لم
يدلين به ويحتمل تقديم نساء الأم على الأب
وجهته وقيل تقدم العصبة على امرأة مع قربه فإن
تساويا فوجهان "وقال الخرقي وخالة الأب أحق من
خالة الأم" فيؤخذ منه تقديم قرابة الأب على
قرابة الأم لأنهن يدلين بعصبة فقدمن كتقديم
الأخت من الأب على الأخت من الأم لأن الخالات
أخوات الأم فيجرين في الاستحقاق والتقديم فيما
بينهن مجرى الأخوات المفترقات وإن قلنا بتقديم
الخالات فبعدهن العمات والعكس بالعكس فإذا
عدمن انتقلت إلى خالة الأب على قول الخرقي
وعلى الصحيح إلى خالة الأم "ثم تكون للعصبة"
وأقربهم أب ثم جد ثم أقرب عصبة على ترتيب
الميراث ولأن لهم ولاية وتعصيبا بالقرابة
فتثبت لهم الحضانة كالأب بخلاف الأجانب فإنه
لا قرابة لهم ولا شفقة "إلا أن الجارية ليس
لابن عمها حضانتها" وعلله "لأنه ليس من
محارمها" وليس هذا خاصا بابن العم بل يجري ذلك
في كل ذي محرم وظاهره ولو كانت مميزة وفي
"المغني" و"الشرح" إذا بلغت سبعا لم تسلم إليه
وفي "الترغيب" تشتهى.
واختار صاحب "الهدي" مطلقا وحينئذ يسلمها إلى
ثقة يختارها هو أو إلى محرمه لأنه أولى من
أجنبي وحاكم وهذا إذا لم يكن بينهما رضاع محرم
فإن كان فيجوز له حضانتها وكذا قال فيمن تزوجت
وليس للولد غيرها وهذا متوجه وليس بمخالف
للخبر لعدم عمومه "وإذا امتنعت الأم من
حضانتها انتقلت إلى أمها" في أظهر الوجهين لأن
حق القريب سقط لمعنى اختص به فاختص السقوط به
كما لو سقط المانع "ويحتمل أن تنتقل إلى الأب"
لأن
(8/202)
فإن عدم هؤلاء
كلهم فهل للرجال من ذوي الأرحام حضانة على
وجهين أحدهما لهم ذلك فيكون أبو الأم وأمهاته
أحق من الخال وفي تقديمهم على الأخ من الأم
وجهان ولا حضانة لرقيق ولا فاسق ولا كافر على
مسلم ولا امرأة مزوجة.
ـــــــ
أمهاتها فرع عليها في الاستحقاق فإذا أسقطت
حقها سقط فرعها وكذا الخلاف في الأب إذا أسقط
حقه بخلاف الأخت للأبوين وأنها إذا أسقطت حقها
لم يسقط حق الأخت من الأب وجها واحدا لأن
استحقاقها من غير جهتها وليست فرعا عليها "فإن
عدم هؤلاء كلهم فهل للرجال من ذوي الأرحام
حضانة على وجهين أحدهما لهم ذلك" لأن لهم رحما
وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أولى منهم
أشبه البعيد من العصبة "فيكون أبو الأم
وأمهاته أحق من الخال" لأنه يسقطه في الميراث
"وفي تقديمهم على الأخ من الأم وجهان" أحدهما
يقدم الأخ من الأم لأنه يرث بالفرض ويسقط ذوي
الأرحام كلهم فيقدم عليهم في الحضانة والثاني
أبو الأم وأمهاته أولى منه لأن أبا الأم يدلي
إليها بالأبوة والأخ يدلي بالبنوة والأب يقدم
على الابن في الولاية فيقدم في الحضانة لأنها
ولاية والوجه الثاني لا حق لهم فيها وينتقل
الأمر إلى الحاكم لأنهم ليسوا ممن يحضن بنفسه
ولا لهم ولاية لعدم تعصيبهم أشبهوا الأجانب
"ولا حضانة لرقيق" لعجزه عنها بخدمة مولاه
وظاهره ولو كان فيه جزء رقيق لأنه لا يملك
نفعه الذي يحصل الكفالة وفي "المغنى" و"الشرح"
في معتق بعضه قياس قول أحمد يدخل في مهايأة أي
له الحضانة في أيامه وفي "الفنون" لم يتعرضوا
لأم ولد فلها حضانة ولدها من سيدها وعليه
نفقتها لعدم المانع وهو الاشتغال بزوج وسيد
وقال في "الهدي" لا دليل على اشتراط الحرية
"ولا فاسق" لأنه لا يوفي الحضانة حقها ولا
حضانة للولد لأنه ينشأ على طريقته وخالف صاحب
"الهدي" لأنه لا يعرف أن الشرع فرق لذلك وأقر
الناس ولم يبينه واضحا عاما ولاحتياط الفاسق
وشفقته على ولده "ولا كافر على مسلم" بل ضرره
أعظم لأنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام
بتعليمه الكفر وتربيته عليه وفي ذلك كله ضرر
فكان منفيا "ولا امرأة مزوجة" اقتصر عليه
الخرقي والحلواني وكذا أطلقه أحمد لقوله
(8/203)
لأجنبي من
الطفل فإن زالت الموانع منهم رجعوا إلى حقهم
منها
ـــــــ
عليه السلام "أنت أحق به ما لم تنكحي" فجعل
استحقاقها مشروطا بعدم النكاح وشرطه أن تكون
مزوجة "لأجنبي من الطفل" وكذا في "المحرر"
و"الوجيز" لأنها تشتغل عن الحضانة بحقوق الزوج
وظاهره ولو رضي الزوج قال صاحب "الهدي" لا
تسقط إن رضي بناء على أن سقوطها لمراعاة حق
الزوج ومقتضاه أنها إذا كانت مزوجة بنسيب
للطفل لم يمنع ذلك من الحضانة وقيل لا حضانة
لها وإن تزوجت بنسيب إلا أن يكون جدا للطفل
والأشهر وقريبه وهو معنى قول بعضهم ونسيبه
ويتوجه احتمال ذا رحم محرم وعنه لها حضانة
الجارية فقط إلى سبع سنين لما روي أن عليا
وجعفرا وزيد بن حارثة تنازعوا في حضانة بنت
حمزة فقال علي بنت عمي وقال زيد بنت أخي لأنه
عليه السلام آخى بينهما وقال جعفر بنت عمي
وخالتها عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم
"الخالة" أم وسلمها إلى جعفر رواه أبو داود
بنحوه فجعل لها الحضانة وهي مزوجة لأن الحاضنة
إذا تزوجت بمن هو من أهل الحضانة كالجدة
المزوجة بالجد لم تسقط لأنه يشاركها في
الولادية والشفقة عليه أشبه الأم إذا كانت
مزوجة بالأب وظاهره لا يعتبر الدخول في الأصح
لأنه بالعقد ملك منافعها واستحق زوجها منعها
من الحضانة أشبه ما لو دخل بها.
والثاني لا تسقط إلا بالدخول لأنها به تشتغل
عن الحضانة.
فرع : كل عصبتين تساويا وأحدهما متزوج بمن هي
أهل للحضانة قدم بذلك "فإن زالت الموانع منهم"
فأسلم الكافر وعقل المجنون وعتق الرقيق وعدل
الفاسق "رجعوا إلى حقهم منها" لأن سببها قائم
وإنما امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحق
بالسبب السابق الملازم كالزوجة إذا طلقت وعنه
لا يعود حقها في طلاق رجعي بعد العدة وصححه في
"المستوعب" لأن الزوجية قائمة بدليل أنه
يلحقها طلاقه وظهاره فلذلك لا تعود إليه قبل
انقضاء عدتها وجوابه أنها مطلقة فعاد حقها من
الحضانة كالبائن ونظيرها لو وقف على أولاده
فمن تزوج من البنات فلا حق لها قاله القاضي
(8/204)
ومتى أراد أحد
الأبوين النقلة إلى بلد بعيد آمن ليسكنه فالأب
أحق وعنه الأم أحق فإن اختل شرط من ذلك
فالمقيم منهما أحق
ـــــــ
وهل يسقط حقها بإسقاطها فيه احتمالان
فائدة هل الحضانة حق للحاضن أو عليه فيه قولان
وهل لمن له الحضانة أن يسقطها وينزل عنها فيه
قولان وأنه لا تجب عليه خدمة الولد أيام
حضانته إلا بأجرة إن قلنا الحق له وإلا وجبت
عليه خدمته مجانا وللفقير الأجرة على القولين.
وإن وهبت الحضانة للأب وقلنا الحق لها لزمت
الهبة ولم ترجع فيها وإن قلنا الحق عليها فلها
العود إلى طلبها ذكره في "الهدي" ونسبه إلى
أنه كلام أصحاب مالك "ومتى أراد أحد الأبوين
النقلة إلى بلد بعيد آمن ليسكنه فالأب أحق"
هذا هو المشهور سواء كان المقيم هو الأب أو
المنتقل لأنه اختلف في مسكنهما فكان الأب أحق
كما لو انتقلت من بلد إلى قرية "وعنه الأم
أحق" وقيدها في "الترغيب" و"المستوعب"
بإقامتها لأنها أتم شفقة أشبه ما لو لم يسافر
واحد منهما وقيل للمقيم منهما وقال في "الهدي"
إن أراد المنتقل مضارة الآخر وانتزاع الولد لم
يجب إليه بل يعمل ما فيه مصلحة الولد وهو مراد
الأصحاب لكن الأول هو الصحيح لأن الأب هو الذي
يقوم بتأديب ولده وتخريجه وحفظ نسبه فإذا لم
يكن في بلده ضاع أشبه ما لو كان في قرية
والبعيد هو مسافة القصر جزم به الأكثر لأن ما
دونه في حكم القريب ونصه ما لم يمكنه العود في
يومه اختاره في "المغني" ونصره في "الشرح" لأن
مراعاة الأب له ممكنة في ذلك بخلاف ما زاد
"فإن اختل شرط من ذلك فالمقيم منهما أحق" لأنه
لا معنى في انتزاعه وهو صور منها إذا كان
السفر لحاجة ثم يعود فالمقيم أولى لأن في
المسافرة بالطفل إضرارا به وقيل للأم وقيل مع
قربه ومنها إذا كان الطريق أو البلد الذي
ينتقل إليه مخوفا فالمقيم أحق لأن في السفر
خطرا أو تغريرا بالولد ومنها إذا كان للسكنى
مع قربه فكذا وقيل للأم فلو انتقلا جميعا إلى
بلد واحد فالأم على حضانتها وكما لو أخذه الأب
ثم اجتمعا فإنه
(8/205)
فصل
وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان
مع من اختار منهما فإن اختار أباه كان عنده
ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه ولا تمنع
هي
ـــــــ
يعود حقها.
فرع : غير الأب من العصبات وغير الأم ممن له
الحضانة يقوم مقامها في ذلك.
فصل
"وإذا بلغ الغلام سبع سنين" وهو عاقل "خير بين
أبويه" على المذهب "فكان مع من اختار منهما"
قضى به عمر رواه سعيد وعلي رواه الشافعي
والبيهقي وعنه أبوه أحق وعنه أمه وقيل حتى
يأكل ويشرب ويتوضأ ويلبس وحده فيكون أبوه أحق
به بلا تخيير والأول هو المنصور لما روى أبو
هريرة قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد
سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد
أيهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به رواه
الشافعي وأحمد والترمذي وصححه ورجاله ثقات.
ولأنه إذا مال إلى أحد أبويه دل على أنه أرفق
به وأشفق عليه وقيد بالسبع لأنها أول حال أمر
الشرع فيها بمخاطبته بالصلاة بخلاف الأم فإنها
قدمت في حال الصغر لحاجته إلى حمله ومباشرة
خدمته لأنها أعرف بذلك وهذا إذا كانا من أهل
الحضانة فإن كانا معدومين أو من غير أهلها
فإلى امرأة كأخته أو عمته فإنها تقوم مقام
الأم فلو بلغ سبع سنين غير مميز أو خمس عشرة
معتوها فأمه فلو اختار الصبي أباه ثم زال عقله
رد إلى الأم وعلم منه أنه لا حضانة على البالغ
الرشيد ويقيم أين شاء وأحب ويستحب ألا ينفرد
عنهما فأما الجارية فليس لها ذلك ولأبيها
منعها منه فإن لم يكن لها أب قام الولي مقامه
"فإن اختاره أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا
يمنع من زيارة أمه" لما فيه من الإغراء
بالعقوق وقطيعة الرحم "ولا تمنع هي
(8/206)
تمريضه وإن
اختار أمه كان عندها ليلا وعند أبيه نهارا
ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه فإن عاد
فاختار الآخر نقل إليه ثم إن اختار الأول رد
إليه فإن لم يختر أحدهما أقرع بينهما وإن
استوى اثنان في الحضانة كالأختين قدم أحدهما
بالقرعة وإذا بلغت الجارية سبعا كانت عند
أبيها ولا تمنع الأم من زيارتها وتمريضها.
ـــــــ
تمريضه" لأنه صار بالمرض كالصغير في الحاجة
"وإن اختار أمه كان عندها ليلا" لأنه مستحق
الحضانة "وعند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة
والكتابة ويؤدبه" لأن ذلك هو القصد من حفظ
الولد "فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه ثم إن
اختار الأول رد إليه" هكذا أبدا لأن هذا
اختيار تشه وقد يشتهي أحدهما في وقت دون آخر
فأتبع بما يشتهيه وقيل إن أسرف تبين قلة
تمييزه أخذته أمه وقيل يقرع بينهما ولا يقر
بيد من لا يصونه ويصلحه "فإن لم يختر أحدهما
أقرع بينهما" لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر
وفي "الترغيب" احتمال أمه أحق كبلوغه غير رشيد
وإذا قدم أحدهما بالقرعة ثم اختار الآخر نقل
إليه "وإن استوى اثنان في الحضانة كالأختين
قدم أحدهما بالقرعة" أي قبل السبع ويكون لمن
اختاره الطفل بعدها إن خير
فرع: سائر العصبة كالأب في التخيير والإقامة
والنقلة بالطفل إن كان محرما وذوا الحضانة من
عصبة وذوي رحم في التخيير مع الأم كالأب
وحضانة رقيق لسيده فإن كان بعضه حرا تهيأ فيه
سيده وقريبه "وإذا بلغت الجارية سبعا كانت عند
أبيها" لأن الغرض من الحضانة الحضن وهو لها
بعد السبع لأنها تحتاج إلى الحفظ وإنما تخطب
من أبيها فكان أولى من غيره وعنه الأم أحق قال
في "الهدي" وهي الأشهر عن أحمد وأصح دليلا
وعنه تخير وجوابه أن الشرع لم يرد بها فيها
والفرق بينهما واضح والمذهب الأول تبرعت
بحضانته أم لا وعنه بعد تسع فإن بلغت فهي عنده
حتى يتسلمها زوج وعنه عندها وقيل إن حكم
برشدها فحيث أحبت كغلام وقاله في "الواضح"
وخرجه على عدم إجبارها والمراد بشرط كونها
مأمونة "ولا تمنع الأم من زيارتها وتمريضها"
لأن الحاجة
(8/207)
............................................
ـــــــ
داعية إلى ذلك وهي أحق بالسهر والصيانة لأنها
مخدرة بخلاف أمها فإن تخرجت وعرفت وعقلت فلا
يخاف عليها
فرع : لم أقف في الخنثى المشكل بعد البلوغ على
نقل والذي ينبغي أن يكون كالبنت البكر حتى
يجيء في جواز استقلاله وانفراده عن أبويه
الخلاف والله أعلم.
(8/208)
|