المحرر
في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كتاب الأيمان
مدخل
...
كتاب الأيمان
اليمين التي تجب بها الكفارة بشرط الخيار هي
اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته كقدرته
وعلمه وعظمته وكبريائه وعزته وجلاله أو اسم من
أسمائه التي لا يسمى بها غيره نحو الله
والرحمن القديم الأزلي والأول الذي ليس قبله
شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والعالم بكل شيء
وخالق الخلق ورازق العالمين ونحوه فإن حلف
باسم من أسمائه التي قد سمى بها غيره ولكن
إطلاقه ينصرف إليه سبحانه كالرحيم والعظيم
والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهو يمين
إن نوى به الله أو أطلق وإن نوى غيره فليس
بيمين ومالا ينصرف إطلاقه إليه بل يحتمله
كالشيء والحي والموجود إن نوى به الله تعالى
كان يمينا وإلا فلا وقال القاضي ليس بيمين
بحال ولا فرق في اسم الله بين قوله والله
وتاالله وبالله وبين إسقاط حرف القسم فيقول
الله لأفعلن بالجر أو بالنصب فإن قاله مرفوعا
مع الواو وعدمه أو منصوبا مع الواو فهو يمين
أيضا إلا أن يكون من أهل العربية ولا يريد
اليمين وإذا قال وحق الله وعهد الله وأمانة
الله وميثاقه فهو يمين وإن قال والعهد
والميثاق والأمانه والعظمة
(2/196)
والجلال لم يكن
يمينا إلا أن ينوي صفة الله وعنه هو يمين
بإطلاقه وإن قال وايم الله أو لعمرو الله فهو
يمين وعنه ليس بيمين إلا بالنية وإن قال أقسم
الله أو أحلف بالله أو أعزم بالله أو أشهد
بالله كان يمينا نواه أو أطلق وإن لم يذكر اسم
الله لم يكن يمينا إلا بالنية وعنه هو يمين
بمطلقة.
وإن حلف بكلام الله أو بالقرآن أو بالمصحف فهو
يمين فيها كفارة واحدة وعنه بكل آية كفارة.
والحلف بغير الله محرم وقيل يكره تنزيها ولا
تجب به كفارة وسواء أضافه إلى الله تعالى
كقوله وخلق الله ومقدوره ومعلومه وكعبته
ورسوله أو لم يضفه مثل الكعبة والنبي وعنه
الجواز ولزوم الكفارة في الحلف برسول الله
خاصة1.
ومن قال هو يهودي أو كافر أو برىء من الله أو
من الإسلام أو من الدين أولا يره الله في مكان
كذا إن فعل كذا ففعله لزمته كفارة يمين وعنه
لا كفارة عليه وكذلك حكم قوله أنا أستحل الزنا
والخمر.
ولو قال محوت المصحف إن فعلت كذا فليس بيمين
وكذلك قوله عصبت الله في كل ما أمرني به وعندي
هو يمين لدخول التوحيد فيه وإن قال على نذر أو
يمين إن فعلت كذا لزمته كفارة يمين إن فعله
وإن قال أيمان البيعة تلزمني إن فعلت كذا فهذه
يمين رتبها الحجاج تتضمن اليمين بالله والطلاق
والعتاق وصدقة المال فإن عرفها الحالف ونواها
انعقدت بما فيها وإلا فلا وقيل تنعقد إذا
نواها ولم يعرفها وقيل لا تنعقد إلا بما عدا
اليمين بالله بشرط النية ولو قال أيمان
المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه يمين الظهار
والعتاق.
__________
1 روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه
وسلم "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"
وروى أصحاب السنن "من حلف بغير الله فقد كفر-
أو أشرك"
(2/197)
والطلاق والنذر
واليمين بالله نوى ذلك أو لم ينوه ذكره القاضي
وقيل لا يتناول اليمين بالله تعالى.
ومن حلف بيمين من هذه الخمس فقال له آخر يميني
في يمينك أو أنا على مثل يمينك يريد التزام
مثل يمينه لزمه ذلك إلا في اليمين بالله فعلى
وجهين.
واليمين المنعقدة ما قصد عقدها على مستقبل
ممكن وفي المستحيل خلاف سبق فإن حلف بالله على
أمر ماض كاذبا كالما بكذبه فهي الغموس ولا
كفارة فيها وعنه تلزمه الكفارة مع الإثم كما
يلزمه الطلاق والعتاق والظهار والحرام والنذر
وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافة فهو كمن
حلف على مستقبل وفعله ناسيا.
ومن جرى على لسانه بغير قصد اليمين لا والله
وبلى والله فهو لغو لا كفارة فيه إن كان في
الماضي وإن كان في المستقبل فروايتان.
ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله متصلا بها
لم يحنث سواء فعل أو ترك.
ويستحب الحنث في اليمين إذا كان خيرا ولا
يستحب إكثار الحلف ومن دعى إلى الحلف عند
الحاكم وهو محق فالأولى أن يفتدى يمينه وإن
حلف فلا بأس وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله.
ومن حرم صلاة سوى الزوجة من أمة أو طعام أو
لباس أو غيره لم يحرم عليه وتلزمه كفارة يمين
إن فعله وقيل يحرم حتى يكفر وإن قال عبد فلان
حر لأفعلن كذا فليس بشيء وعنه عليه كفارة
لفعله كنذر المعصية.
وكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب فيخير من
لزمته بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو
كسوتهم للرجل ثوب تجزئه الصلاة فيه وللمرأة
درع وخمار كذلك أو عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام متتابعة وعنه بجوز أن يفرقها
ويجوز تقديم الكفارة بالمال والصيام قبل الحنث
فمن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد
فعليه كفارة واحدة وعنه لكل يمين
(2/198)
كفارة وعنه إن
كانت على أفعال كقوله والله لا لبست والله لا
أكلت تعددت الكفارة وإن كانت على فعل واحد
كقوله والله لا أكلت والله لا أكلت كفته كفارة
واحد.
وإن اختلف موجبها كظاهر ويمين بالله لزماه ولم
يتداخلا.
وليس للسيد منع العبد من التكفير بالصوم وإذا
أذن له في التكفير بالعتق مطلقا وأجزناه فهل
له أن يعتق نفسه على وجهين ومن بعضه حر فهو
كالحر في التكفير.
(2/199)
باب النذر
وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا بالقول ولا
يلزم بمجرد النية ولا يصح إلا من مكلف مسلما
كان أو كافرا.
وكل قربة مستحبة لا تجب من صلاة وصوم وحج
وعمرة واعتكاف وعيادة مريض وغير ذلك إذا نذرها
نذرا مطلقا أو علقها بشرط بقصد التقرب فوجد
الشرط كقوله إن شفى الله مريضي أو سلم مالي
الغائب فلله علي كذا لزمه الوفاء بما سمي إلا
فيمن نذر الصدقة بماله فإنه يجزئه ثلثه فإن
نذرها ببعضه لزمه المسمى وعنه إن زاد البعض
المسمى على ثلث الكل أجزأه قدر الثلث وهو
الأصح وفيما عدا ذلك لم يلزم المسمى رواية
واحدة.
ومن قال لله علي نذر ولم ينو شيئا لزمه كفارة
يمين ومن علق نذره بشرط بقصد المنع منه أو
الحمل عليه كقوله إن كلمت زيدا فعلي الحج وإن
لم أضرب عمرا فمالي صدقة ونحوه ويسمى نذر
اللجاج والغضب إن انعقد ولم يتعين الوفاء به
إذا وجد الشرط بل يتخير بينه وبين كفارة يمين.
ومن نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح
كقوله لله على أن أصوم فرض رمضان أو أشرب
الخمر أو أطلق زوجتي أو أدخل داري ونحوه انعقد
(2/199)
نذره موجب
لكفارة يمين إن لم يفعل ما قال مع بقاء الوجوب
والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف
على ذلك وعنه ما يدل على أنه لاغ لا كفارة
فيه.
ومن نذر ذبح ولده لزمه كفارة يمين وعن ذبح كبش
ومن نذر صوم يوم العيد لزمه صوم يوم كما في
اليوم المطلق وعنه لا يلزمه صوم وعلى
الروايتين هل يلزمه كفارة على روايتين ومن نذر
صوم أيام التشريق فهو كنذر صوم العيد إذا لم
نجز صومها عن الفرض وإن أجزناه فهو كنذر سائر
الأيام ويتخرج أن يكون كنذر العيد أيضا.
ومن نذر صوم شهر بعينه فصام قبله لم يجزه وإن
جن جميعه لم يلزمه قضاؤه على الأصح وإن أفطره
لعذر أو غيره لزمه قضاؤه متتابعا وعنه لا يجب
التتابع في قضائه إذا لم يشرطه ولم ينوه بنذره
وإن أفطر من أوله قضى ما أفطره متتابعا متصلا
بتمامه وعنه يجوز تأخيره وتفريقه وإن أفطر في
أثنائه فقط لغير عذر بطل ما مضى وكان كمن
ابتدأ الصوم في أثنائه على الأولى وعلى
الثانية ما أفطر منه لا غير كيف شاء وإن أفطر
في أثنائه لعذر لا يقطع تتابع صوم الكفارة بنى
رواية واحدة وفي فصل القضاء وتتابعه الروايتان
وعليه في ذلك كله كفارة يمين وعنه لا كفارة
على المعذور.
ومن قال لله علي صوم شهر لزمه متتابعا وعنه لا
يلزمه التتابع إلا بشرط أو نية كما لو نذر صوم
عشرة أيام أو ثلاثين يوما ونحوه ومتى قطع
تتابعه بغير عذر لزمه الاستئناف وإن قطعه لعذر
استأنفه متتابعا بلا كفارة أو بنى على ما مضى
وعليه كفارة يمين.
ومن نذر صوم سنة بعينها لم يتناول شهر رمضان
ولا الأيام المنهي عن صوم الفرض فيها وعنه
يتناولها فيقضيها وفي الكفارة وجهان وعنه
يتناول أيام النهي دون أيام رمضان.
(2/200)
ولو قال لله
علي أن أصوم سنة ففي وجوب التتابع حسب الإمكان
الروايتان في الشهر ويلزمه الصوم اثنى عشر
شهرا سوى رمضان وأيام النهي وإن شرط التتابع
وقال صاحب المغني متى شرط التتابع فهو كنذر
السنة المعينة في إجزاء أحد عشر شهرا سوى أيام
النهي ولو قال على سنة من وقتي هذا أو من شهر
كذا فهي كالمعينة الطرفين عند أصحابنا وعندي
هي كالمطلقة في لزوم اثنى عشر شهرا للنذر.
ومن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم يلزمه
شيء وإن قدم نهارا وقد بيت النية له بخبر سمعه
صح صومه وأجزأه وإن نوى حين قدم وهو ممسك
فكذلك وعنه لا يجزئه بل يقضي وفي الكفارة
لكونه معذورا روايتان وإن قدم وهو مفطر أو في
يوم عيد أو في رمضان لزمه القضاء وفي الكفارة
روايتان وعنه لا شيء عليه.
ومن نذر صوما فتركه لكبر أو مرض لا يرجى زواله
فقيل تلزمه كفارة يمين فقط وقيل بل إطعام
مسكين لكل يوم والمنصوص عنه وجوبهما وإن نذره
مع هذا العجز فكذلك وقيل لا ينعقد نذره ومن
نذر صوما لزمه يوم بنية من الليل وإن نذر صلاة
لم يجزه دون ركعتين وعنه يجزئه ركعة.
ومن نذر صلاة أو اعتكافا بمسجد مكة لم يجزئه
بغيره وإن نذره بمسجد المدينة لم يجزئه إلا به
أو بمسجد مكة وإن نذره بالمسجد الأقصى لم
يجزئه إلا بأحد الثلاثة وإن عينه بمسجد سواها
أجزأ فيه وفيها وكذلك فيما سواها لكن في
الكفارة وجهان.
ومن نذر المشي إلى بيت الله أو بقعة من الحرم
لزمه الشيء في حجة أو عمرة فإن ترك المشي وركب
لعذر أو غيره لزمه كفارة يمين وعنه دم وكذلك
إن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان.
ومن نذر أن يطوف على أربع طاف طوافين نص عليه.
(2/201)
|