الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني

كِتَابُ الطَّلاقِ
بَابُ مَنْ يَصِحُّ طَلاقُهُ ومَنْ لا يَصِحُّ طَلاقُهُ وما يَمْلِكُ مِنَ الطَّلاقِ
يَصِحُّ طَلاقُ الزَّوْجِ البَالِغِ العَاقِلِ المُخْتَارِ، فأمَّا غيرُ الزَّوْجِ فلا يَصِحُّ طَلاقُهُ مِنْ غَيرِ إذْنِ الزَّوْجِ إلا الأبُ إذا طَلَّقَ زَوْجَةَ ابْنِهِ الطِفْل، فَهَلْ يَقَعُ أمْ لاَ؟ على رِوَايَتَيْنِ. (3)
فإنْ تَزَوَّجَ تَزْوِيجاً مختلفاً في صِحَّتِهِ كالنِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ ولا شُهُودٍ أو بِوِلايَةِ فَاسِقٍ أو بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، أو نَكَحَ امْرَأةً في عِدِّةِ أُختِهَا أو نِكَاحِ الشِّغَارِ أو نِكَاحِ المُحَلَّلِ والنِّكَاحِ في الإحْرامِ، ثم طَلَّقَ يَقَعُ طَلاقُهُ نَصَّ عَليهِ (4) في النِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ وحَمَلَهُ أصْحَابُنَا على أنَّ طَلاقَهُ يَقَعُ وإن اعتقدَ فَسَادَ النِّكَاحِ، وعِنْدِي أنَّ كَلامَهُ مَحْمُولٌ على من اعتقدَ صِحَّة النِّكَاحِ إمَّا باجْتِهَادٍ أو بِتَقْلِيدٍ. فأمَّا إنِ اعْتَقَدَ أنَّهُ نِكاحٌ باطِلٌ فَطَلاقُهُ لا يَقَعُ.
وأمَّا الصَّبِيُّ العَاقِلُ فَيَصِحُّ طَلاقُهُ وعنهُ لا يَصِحُّ (5)، وأمَّا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فيهِ، كالمَجْنُونِ والمُبَرْسَمِ والمُغْمَى عَليهِ والنَائِمِ فلا يَصِحُّ طَلاقُهُ. ومَنْ زالَ عَقْلُهُ بِما لا يُعْذَرُ فيهِ كالسَّكْرَانِ ومَنْ شَرِبَ مَا يَزُولُ بهِ عَقْلُهُ لِغَيرِ حَاجَةٍ فَهَلْ يَصِحُّ طَلاقُهُ أم لا؟ على رِوَايَتَيْنِ (6). وكذلكَ يخرجُ في قَتْلِهِ وزِنَاهُ وسَرِقَتِهِ وقَذْفِهِ وظِهَارِهِ وإيْلائِهِ وما أشبَهَ ذلكَ.
وأمَّا المُكْرَهُ على الطَّلاقِ بِغَيرِ حَقٍّ فلا يَقَعُ طَلاقُهُ واخْتَلَفت الرِّوَايَةُ في صِفَةِ الإكْراهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 229، الشرح الكبير 8/ 232.
(2) انظر: المقنع: 229.
(3) انظر: المغني: 8/ 257 - 258.
(4) الروايتين والوجهين 112/أ-ب، المقنع: 229، الإنصاف 8/ 443.
(5) انظر: المقنع: 229، المغني: 8/ 257 - 258.
(6) انظر: المقنع: 229، المحرر في الفقه 2/ 50، شرح الكبير 8/ 238، شرح الزركشي 3/ 347، الإنصاف 8/ 433.

(1/419)


المَانِعِ مِنَ الوُقُوعِ فقالَ: في مَوْضِعٍ لا يكونُ مُكْرَهاً حَتّى يَنَالَ بِشَيءٍ مِنَ العَذَابِ كالضَّرْبِ والقَيْدِ والحَبْسِ، وقالَ في مَوْضِعٍ إذا هُدِّدَ بالضَّرْبِ والقَتْلِ وأخْذِ المَالِ مِمّنْ يقدرُ فَهُوَ إكْرَاهٌ وإذا وَكّلَ مَنْ يَصِحُّ طَلاقُهُ في الطَّلاقِ صَحَّ تَوكيله ولهُ أنْ يُطَلِّقَ مَتَى شاءَ ومَا شَاءَ إلاَّ أنْ يحدَّ في ذلكَ حَدّاً.
فإنْ وَكّلَ رَجُلَيْنِ في طَلاقِ زَوَجَتِهِ فَطَلَّقَ أحَدُهُمَا لم يَقَعِ طَلاقُهُ، إلاَّ أنْ يَجْعَلَ إليهِمَا الطَّلاقَ في حالِ الانْفَرَادِ، فإنْ طَلّقَ أحَدُهُمَا واحِدَةً والآخَرُ ثَلاثاً وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
وإنْ قالَ لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ أو أمرُكِ بِيَدِكِ فقالت أنتَ طَالِقٌ لمْ يَقَعْ، ويُحْتَمَلُ (1) أنْ يَقَعَ إذا نَوَت طَلاقَ نَفْسِهَا منهُ فإنْ قالَ: / 283 و / طَلِّقِي ثَلاثاً فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، وإنْ قالَ طَلِّقِي وَاحِدَةً فَطَلّقَتْ ثَلاثاً وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
فإنْ قال: [أُخْرُجِي] (2) مِنَ الدَّارِ، وقال: هذا طَلاقُكِ، فقال ابن حامد (3): يَقَعُ نَوَاهُ أو لمْ يَنْوِهِ وَذَكَرَ شيخُنَا: أنّهُ مَنْصُوصُ أحْمدَ - رحِمَهُ اللهُ - وكذلكَ نَحَا على قِيَاسِهِ إذا أطْعَمَهَا وسَقَاهاَ وقال: هذا طَلاقُكِ وعِنْدِي أنّهُ إذا قالَ: نَوَيْتُ أنّ هذا يكونُ شَيئاً لِطَلاقِكِ، يُقْبَلُ مِنْهُ فيما بَيْنَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى، وهَذَا يقبلُ في الحُكْمِ على وَجهَينِ (4). أصَحُّهُمَا أنَّهُ يقبلُ، فإنْ كَتَبَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ ونَوَى بهِ الطَّلاقَ وَقَعَ، رِوَايَة وَاحِدَة.
فإنْ قال: نَوَيتُ تَجْوِيدَ خَطِّي أو أنْ أغُمَّ أهْلِي قُبِلَ فيما بينهُ وبينَ اللهِ تَعالَى، وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على رِوايَتَينِ (5). قال: في رِوايَةِ أبِي طَالِبٍ إذا كَتَبَ ونَوَى الطَّلاقَ وَقَعَ، وإنْ أرادَ أنْ يعمَّ أهْلَهُ فَقَدْ عَملَ أيضاً في ذلك فَظَاهِرُهُ أنَهُ عملَ الطَّلاقَ أيضاً وقال في رِوَايَةِ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ (6)، وقد سُئِلَ إذا كَتَبَ على وِسَادَةٍ فقال: قد اخْتَلَفُوا فيهِ، ولكنْ إذا كَتَبَ إلَيْهَا وقال: يومَ أكْتُبُ إلَيكِ بِطَلاقِكِ فأنْتِ طَالِقٌ فَيَومَ كَاتَبَهَا الكتاب تطلقُ، فلم يُوقِعِ الطَّلاقَ بِكِتَابَتِهِ وإنّمَا أوقَعَهُ بِشَرْطِهِ ولِهَذَا أوْقَعَهُ يَومَ كَاتَبَهَا الكِتابَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قد كَتَبَهُ قبلَ ذلكَ بِسَنَةٍ ولم يُوَقِّعْهُ وقد قالَ القَاضَي الشَّرِيفُ في " الإرشَادِ ": على روايتين (7)، وهذا صحيحٌ فإنَّ قَولَهُ أنتِ طَالِقٌ أصْرَحُ مِنَ الكِنَايَةِ.
وإذا نَوَى مِنْ وثاقِ فَفيهِ رِوَايَتَانِ (8)، فإنْ كَتَبَهُ بِشَيءٍ لا يَتَبَيّنُ، فقال أبو حَفْصٍ
__________
(1) انظر: الهادي: 178، الشرح الكبير 8/ 316.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) انظر: المغني 8/ 279، شرح الزركشي 3/ 375.
(4) انظر: المقنع: 231، الشرح الكبير 8/ 280، الإنصاف 8/ 468.
(5) انظر: المقنع: 231، المحرر في الفقه 2/ 54، الشرح الكبير 8/ 281، الإنصاف 8/ 472 - 473.
(6) انظر: المحرر في الفقه 2/ 54، الشرح الكبير 8/ 283.
(7) انظر: الإنصاف: 8/ 473.
(8) انظر: الشرح الكبير: 8/ 276.

(1/420)


العُكْبُرِيُّ (1): يَقَعُ الطَّلاقُ، وظَاهِرُ كَلامِ أحمدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ لا يَقَعُ فإنْ نَوَى الطَّلاقَ بِقَلْبِهِ وأشَارَ بأصَابِعِهِ لمْ يَقَعْ، نَصَّ عليهِ (2) في رِوَايَةِ حَرْبٍ.

فَصْلٌ
فأمّا الكِنَايَاتُ فَعَلى ضرْبَينِ: ظَاهِرَةٌ وخَفِيَّةٌ.
فالظَّاهِرَةُ: أنتِ خَلِيّةٌ بَرِيّةٌ وبَائِنٌ وبتّةٌ وبتلَةٌ والْحَقِي بأهْلِكِ وأنْتِ الحرجُ وأنْتِ حُرَّةٌ وأنْتِ طَالِقٌ لا رَجْعَةَ لِي عَلَيكِ.
وأمّا الخَفِيّةُ فَنَحْو قَوْلِهِ: اخْرُجِي وتَجَرَّعِي وذُوقِي واذْهَبِي وأنتِ مُخلاةٌ وأنْتِ وَاحِدَةٌ واعْتَزِلِي واعْتَدِّي واستبرئي ونحو ذلكَ. واخْتُلِفَ في قَولِهِ في: حَبْلُكِ على غَارِبِكِ واذْهِبِي فَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ وَحَلَلْتِ للأزْوَاجِ ولا سَبِيلَ لِي عليكِ ولا سُلْطَانَ لِي عَلَيكِ، فَرُوِيَ عنهُ أنّها ظَاهِرَةٌ، ورُوِيَ عنهُ أنَّها خَفِيّةٌ (3).
واخْتَلَفَ أصْحَابُنَا في الكِنَايَاتِ على طَرِيْقَيْنِ فقالَ شَيْخُنَا (4): / 284 ظ / إذا أتَى بالظَّاهِرَةِ فَهِيَ ثَلاثٌ وإنْ نَوَى وَاحِدَةً وإذا أتى بالخفية وقع ما نواه فإن لم ينو عدداً وقعت واحدة وقالَ ابنُ أبي مُوسَى في " الإرشادِ ": في الخفيةِ كَقَولِ شَيْخِنَا. وفي الظَّاهِرَةِ على رِوَايَتَينِ (5)، أصَحُّهُمَا: أنّها ثلاثٌ، والثَّانِيَةُ: يَرْجِعُ إلى مَا نَوَى وهو الأقْوَى عِنْدِي ونَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ (6) إذَا طَلَّقَ امرأَتَهُ وَاحِدَةً الْبَتةَ كانَ أمْرَهَا بِيَدِهَا يَزِيْدُهَا في مَهْرِهَا إذا أرَادَ رَجْعَتَهَا، وظَاهِرُ هذَا أنَّهُ يَقَعُ بالكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ طَلْقَةً بَائِنَةً؛ لأنَّهُ جَعَل أمْرُهَا بِيَدِهَا وقالَ: يَزِيْدُهَا إن أرادَ رجعَتهَا يعني بالعَقْدِ ولَوْ وَقَعَ الثَّلاثُ لم تبحْ لهُ ولَو كَانَتْ رَجْعِيَّةً لم يَكُنْ أمْرُهَا بِيَدِهَا.
ومِنْ شَرْطِ وَقْعِ الطَّلاقِ بالكِنايَةِ أنْ يَنْوِيَ بِها الطَّلاقَ أو يَكُونَ جَوَاباً عَنْ سُؤَالِهَا الطّلاقَ، فإنْ عدمَ الشَّرْطَانِ ولكِنّهُ أتَى بِهَا في حَالِ الخُصُومَةِ والغَضَبِ فَعَلَى رِوَايَتَينِ، إحْدَاهُمَا: لا يَقَعُ بِها الطَّلاقُ نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبِي الحَارِثِ (7)، والثَّانِيَةُ: يَقَعُ الطَّلاقُ، نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وحَرْبٍ (8).
__________
(1) انظر: المقنع: 231، الهادي: 177، المحرر في الفقه 2/ 54، الشرح الكبير 8/ 283.
(2) انظر: الهادي: 177، الشرح الكبير 8/ 283.
(3) انظر: الإنصاف: 8/ 279 - 280.
(4) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 296، شرح الزركشي 3/ 360.
(5) انظر: المقنع: 232، شرح الزركشي 3/ 361.
(6) انظر: الشرح الكبير 8/ 248.
(7) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 268.
(8) الشرح الكبير 8/ 268.

(1/421)


فإنْ قالَ: أمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي مِنْكَ ثَلاثاً، وَقَعَ الثَّلاثُ سَوَاءٌ نَوَى الثَّلاثَ أو وَاحِدَةً، ونَقَلَ عنهُ (1) مُهَنَّا: إذا قال: طَلِّقِي نَفْسَكِ، تَرْجِعُ إلى بَيْتِهِ. وكذلكَ يخرجُ في قَوْلِهِ: إذا قالَ: أمْرُكِ بِيَدِكِ، فإنْ قالَ: اخْتَارِي، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاثاً أو قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الثَّلاثَةَ لم يَقَعْ، إلاّ أنْ يكونَ الزَّوْجُ قد نَوَى الثَّلاثَ، فإنْ قالَ: أمْرُكِ بِيَدِكِ أو اخْتَارِي اليَومَ وغَداً أو بَعْدَ غَدٍ فَرَدَّت الأمْرَ أو الخَيَارَ في اليَومِ الأوَّلِ لم يَكُنْ لَهَا أنْ تُطَلَّقَ، أو يَخْتَار بَعْدَ ذلكَ ولَفْظُةُ الخَيارِ، وأمْرُكِ بِيَدِكِ كِنَايَةً في حَقِّ الزَّوْجِ تَفْتَقِرُ إلى بَيّنةٍ، أو أنْ يكونَ جَواباً عَن سُؤَالِهَا الطَّلاقَ، وهُوَ كِنَايَةٌ في حَقِّ الزَّوْجَةِ إنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الكِنَايَةِ كَقَوْلِهَا: اخْتَرْتُ نَفْسِي ولا تَدْخُل عَلَيَّ وما أشبه ذلكَ، فَيَفْتَقِرُ إلى نِيَّتِهَا، فأمّا إنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي مِنْكَ، وَقَعَ الطَّلاقُ مِنْ غَيرِ نيّةٍ، ولِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ في ذلكَ قَبْلَ أنْ تَخْتَارِ فإن اختلفا فقال رجعت قبل أن تختاري فَقَالَتْ: بَلْ بَعْدَ اخْتِيَاري نَفْسِي، فالْقَولُ قَوْلُهُ.
وإنْ قال لَها: ما نَوَيْتِ الطَّلاقَ حتى اخْتَرْتِ، فقالَتْ: بلْ نَوَيْتُ، فالْقَوْلُ قَوْلُهَا، فإنْ قالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فقالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتْ وَقَعَ /285 و/ الطَّلاقُ (2)، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَقَعَ (3) حتّى يَأتِي بِصَرِيحِ الطَّلاقِ.
فإنْ قالَ لَها: كُلِي واشْرِبِي واقْعُدِي وبَارَكَ اللهُ عَلَيكِ وأنتِ مَلِيحَةٌ أو قَبِيحَةٌ، يَنوِي بِها الطَّلاقَ لم يَقَعْ.
فإنْ قالَ: أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يَنْوي به الطَّلاقَ لمْ يَقَعِ الطَّلاقُ.
فإنْ قالَ: أنتِ عَلَيَّ حَرامٌ، ويَنْوِي الطَّلاقَ لمْ يَقَعْ، كانَ ظِهاراً في المَشْهُورِ مِنَ المَذْهَبِ، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ (4)، وعنه: أنَّهُ طَلاقُ ثَلاثٍ، وعنهُ: أنَّهُ يَمِينٌ (5).
فإنْ قالَ: ما أحَلَّ اللهُ عَلَيّ حَرَامٍ، أعْنِي بهِ الطَّلاقَ، وَقَعَ بِهَا ثلاثاً، وإنْ قَالَ: أعْنِي بِهِ طَلاقاً، وَقَعَ بِهَا وَاحِدَةً نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وحَرْبٍ (6) ونَقَلَ عنهُ (7) فِيْمَنْ قالَ
__________
(1) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 249، شرح الزركشي 3/ 363، الإنصاف 8/ 491.
(2) الشرح الكبير 8/ 316. ذكر المرداوي هذا هو المذهب وجزم به في الوجيز وغيره. الإنصاف 8/ 495.
(3) الشرح الكبير 8/ 316. قال المرداوي: وهو لأبي الخطاب ووجه اختاره بعض الأصحاب وغيرهم وأطلقهما في الفروع والرعايتين والحاوي. انظر: الإنصاف 8/ 495.
(4) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 299، الإنصاف 8/ 486.
(5) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 300، الإنصاف 8/ 486.
(6) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 302.
(7) انظر: المقنع: 232، المغني 8/ 303.

(1/422)


لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ الطَلاق، أنّهُ يَقَعُ بهِ ما نَوَى، ونَقَلَ عنهُ النَّيْسَابُورِيُّ: إذا قالَ: أنْتِ حَرَامٌ أريدُ بِها الطَّلاقَ، لا أذهَبُ إلى أنَّهَا تطلقُ ويُكَفِّرُ كَفّارَةَ ظِهَارٍ.
فإنْ قالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ، فإنْ نَوَى بهِ الطَّلاقَ كانَ طَلاقاً، وإنْ نَوَى بهِ الظِّهَارَ كانَ ظِهاراً، وإنْ نَوَى اليَمِينَ كانَ يَمِيناً، وإنْ لمْ يَنْوِ شَيئاً احتَمَلَ وَجْهَينِ (1)، أحَدُهُما: يَكُونُ يَمِيناً، والثَّانِي يَكُونُ ظِهاراً.
فإن قالَ: أنتِ طَالِقٌ، ونوَى ثَلاثاً وَقَعَ ما نَوَاهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ، وفي الأُخْرَى: تَقَعُ طَلقَة (2)، فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ وَاحِدةً ونَوَى الثَّلاثَ فَعَلَى الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ: يَقَعُ ما نَوَى، هَلْ يَقَعُ هاهنا ثَلاثاً؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: أنَّهُ كِنَايَةٌ في الطَّلاقِ، والثَّانِي: لا يَقَعُ بهِ (3) شَيءٌ.
فإنْ قالَ أنا مِنْكِ بَائنٌ أو أنا مِنكِ، فقدْ تَوَقَّفَ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- وقالَ أصْحَابُنَا: يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ، اَحدُهُمَا: أنَّهُ كِنايَةٌ في الطَّلاقِ، والثَّانِي: لا يَقَعُ بهِ (4) شَيءٌ.
فإنْ قالَ: أنَا مِنْكِ طَالِقٌ فقالَ ابن حَامِدٍ: لا يَقَعُ بهِ طَلاقٌ وإنْ نَوَى، ويَحْتَمِلُ (5) أنْ يكونَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ: أنَا مِنْكِ بائِنٌ. فإنْ قال: لَسْتِ لِي بامرأَةٍ، فَهُوَ كِنَايةٌ نَصَّ عليهِ (6)، وكَذلِكَ إذا قَيلَ: أَلَكَ امْرأَةٌ، فَقَالَ: لا، ونوى الطَّلاقَ وَقَعَ. فإنْ نَوَى لِلْكَذِبِ لم يَقَعْ.
فإنْ قِيلَ له: طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ، فقالَ: نَعَمْ، أو قيلَ له ألك زوجة فقال طلقتها طلقت وإن نوى به الكذب فإن قيل له: خَليتَ أمرَأتَكَ، فقال: نَعَمْ، كان كِنايَةً في الطَّلاقِ.
فإنْ قالَ: قدْ حلفْتُ بالطَّلاقِ، وكَذَبَ فإنّهُ يُلْزِمُهُ إقْرَارُهُ في الحُكْمِ ولا يُلْزِمُهُ فِيْمَا بَيْنَهُ وبَينَ اللهِ تَعَالَى، فإنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لأهْلِكِ، ونَوى الطَّلاقَ فَقَالُوا: قَبِلْنَا، وَقَعَتْ طلْقَةٌ، وإنْ ردُّوا لَمْ يَقَعْ شَيءٌ ورَوَى / 286 ظ / عنهُ ابنُ مَنْصُورٍ (7) إنْ قبلُوهَا فَثَلاثٌ، وإنْ ردُّوهَا فَوَاحِدَةٌ، وكذلكَ إنْ قالَ: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ، فإنْ ضَرَبَهَا أو قَبَّلَها أو أطْعَمَها أو أسْقَاها أو ألْبَسَها ثَوباً وقالَ: هذا طَلاقُكِ ونَوَى بهِ الطَّلاقَ، أو كان جَواباً عن سُؤَالِهَا الطَّلاقَ وَقَعَ بِهَا الطَّلاقُ.
__________
(1) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 304، الإنصاف 8/ 490.
(2) انظر: الشرح الكبير 8/ 325، الزركشي 3/ 273.
(3) انظر: شرح الزركشي 3/ 375.
(4) انظر: المغني 8/ 279.
(5) انظر: المغني 8/ 299.
(6) انظر: المغني 8/ 284، شرح الزركشي 3/ 361.
(7) انظر: المقنع: 233، الشرح الكبير 8/ 317، الإنصاف 8/ 497.

(1/423)


بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلاَقِ
إذا قالَ لِزَوْجَتِهِ الّتِي دَخَلَ بِها: أنْتِ طَالِقٌ أنتِ طَالِقٌ أنتِ طَالِقٌ، فإنْ نَوَى العَدَدَ وَقَعَ بهِ الطَّلاقُ الثّلاثُ. وإنْ نَوَى إفْهَامَهَا أو التَّأكِيدَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ، فإنْ لمْ يَنْوِ شَيئاً وَقَعَ الثَّلاثُ.
وإنْ كانَ ذلكَ قبل أنْ يَدْخُلَ بِها لمْ يَقَعْ بِها إلاّ طَلْقَة وَاحِدَة.
فإنْ قالَ لَهَا: أنتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ وطَالِقٌ وَقَعَتْ بِها الثَّلاثُ سَواء كانَتْ مَدْخُولاً بِها أو غَيرَ مَدْخُولٍ.
فإنْ قال: أنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أو أنْتِ طَالِقٌ ثمَّ طَالِقٌ أو أنْتِ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ، وَقَعَتْ بالمَدْخُولِ بِها طَلقَتَانِ، وبِغَيرِ المَدْخُولِ بِهَا طَلْقَةٌ.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بل طَلقَتَينِ، وَقْعَ بِها طَلْقَتَانِ.
فإنْ كانَ لهُ امرَأتَانِ فَقَالَ لإحْدَاهُمَا: أنْتِ طَالِقٌ هكذا (1)؛ وأشَارَ بِأصَابِعِهِ الثَّلاث وَقَعَ بِهَا ثَلاثاً.
فإنْ قَالَ: أرَدْتُ تعَدُّدَ الإصْبَعَينِ المَقْبُوضَتَينِ قبل منهُ.
فإنْ قالَ: أنتِ طَالِقٌ طَلقةً مَعَها طَلْقَةٌ أو مَعَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ.
فإنْ قالَ لِمَدْخُولٍ بِها: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قبلَهَا طَلْقَةٌ وبَعْدَهَا طَلْقَةٌ، وَقَعَ بِهَا ثَلاثاً.
فإنْ قالَ لَها: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَها طَلْقَةٌ، وادّعَى أنه أرَادَ قَبْلَهَا طَلْقَةً في نِكَاحٍ آخَر وَزَوْجٍ آخر. قبلَ فِيمَا بَينَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على ثَلاَثَةِ أوْجُهٍ: أحَدُهَا: يُقْبَلُ، والثَّانِي: لا يُقْبَلُ، والثَّالِثُ: إنْ كانَ قد وُجِدَ ذلكَ مِنهُ قُبِلَ وإلاّ لَمْ يُقْبَلْ.
فإنْ قالَ لِغَيْرِ مَدَخُولٍ بِها: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَ طَلقَةٍ، وَقَعَ بِهَا وَاحِدةٌ. فإنْ قال: قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، وَقَعَتْ بِها طَلْقَتَانِ، وقالَ شَيْخُنَا: لا تَقَعُ إلا طَلْقَةً.
فإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ طَالِقَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلى ثَلاثٍ وَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ، وعنهُ: أنَّهُ تَقَعُ ثَلاثاً (2).
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ طَلقَةً في طَلْقَتَينِ، فإنْ نَوَى طَلْقَةً مَقْرُونَةً بِطَلْقَتَينِ طُلِّقَتْ ثَلاثاً، وإنْ نَوَى مُوجِبَةً عندَ أهْلِ الحِسابٍ وهُوَ لا يَعْرِفُ الحِسابَ فقال ابن حَامِدٍ (3): تَقَعُ طَلْقَتَانِ / 287 و /، وقال شَيْخُنَا: تَقَعُ طَلقَةٌ. فإنْ كانَ عَارِفاً بالحِسَابِ ونَوَى مُوجبَهُ عِنْدَهُمْ، وَقَعَ بِهَا الطَّلْقَتَانِ وإنْ لَمْ يَنْوِ فقالَ أبو بَكْرٍ: تَقَعُ بِهِ الطَّلْقَتَانِ، ويُحْتَمَلُ (4) أنْ لا تَقَعَ إلاّ طَلْقَةٌ.
__________
(1) في الأصل: ((هاكذا)).
(2) انظر: المقنع: 233.
(3) انظر: المقنع: 233، الهادي: 179، الشرح الكبير 8/ 339.
(4) انظر: المقنع: 233 - 234، الهادي: 179، الشرح الكبير 8/ 333.

(1/424)


فإنْ قالَ: أنتِ طَالِقٌ نِصْفُ طَلقَةٍ أو نِصْفُ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ. فإنْ قالَ: نِصْفَي طَلْقَتَينِ، وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. فإنْ قالَ: ثَلاثَةُ أنصَافِ طَلْقَتَينِ، وَقَعَتْ ثَلاثاً ويُحْتَمَلُ أنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ (1).
فإنْ قالَ: نِصْفُ طَلْقَةٍ ثُلُثُ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ، وَقَعَتْ طَلقَةٌ. فإنْ قَالَ: نِصْفُ طَلْقَةٍ وثُلُثُ طَلقَةٍ وسُدُسُ طَلقَةٍ، وَقَعَتْ ثَلاثاً. فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ وثُلُثُ وسُدُسُ طَلْقَةٍ، فقالَ أبُو بَكْرٍ: تَقَعُ طَلْقَةٌ، فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلاثَةُ أنْصَافِ طَلْقَةٍ، وَقَعَ طَلْقَتَانِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَقَعَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ.
فإنْ قالَ لأرْبَعِ نِسْوَةٍ: أوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أو طَلْقَتِينِ أو ثَلاثَ أو أرْبَعَ طَلَقَاتٍ، وَقَعَ لِكُلِّ امَرَأةٍ طَلْقَةٌ. فإنْ قالَ: أوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسَ طَلَقَاتٍ، وَقَعَتْ بِكُلِّ امْرَأةٍ طَلْقَتَانِ، وروَى عنهُ الكَوْسَجُ إذا قَالَ: أوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ، ما أرَى إلاّ قَدْ بِنَّ منهُ وظَاهِرُهُ أنَّهُ أوْقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاثاً، وكذلِكَ إذا قالَ: بَيْنَكُنَّ طَلْقَتَانِ يَقَعُ على كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ وهو اخْتِيارُ شَيْخِنَا (2).
فإنْ كَانَ لهُ أرْبَعُ نِسْوَةٍ فقالَ: زَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَقَعَ على كُلِّ امرَأَةٍ طَلْقَةٌ، وكذلِكَ إذَا قَالَ: أمَتِي حُرَّةٌ، ولهُ إمَاءٌ يُعْتَقْنَ كُلُّهُنَّ (3).
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ كَألْفٍ، وَقَعَ ثَلاثاً ولمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً، وكَذَلِكَ إنْ قَالَ: بِعَدَدِ الرِّيْحِ أو المَاءِ أو التُّرَابِ وَقَعَ بِهَا ثَلاثاً. فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ مِلءُ الدُّنِيا أطْوَلُ الطَّلاقِ أو أعْرَضُهُ أو أشَدُّ الطَّلاقِ أو أغْلَظُهُ، وَقَعَ طَلْقَةً إلاّ أنْ يَنويَ الثَّلاثَ (4). فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ أكْثَرُ الطَّلاقِ أو كُلُّ الطّلاقِ أو جَمِيْعُهُ أو مُنْتَهَاهُ، وَقَعَ بِهَا الطَّلاقُ الثَّلاثَ.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ أو لا، لم يَقَعْ بِها الطَّلاقُ (5)، وكذلِكَ إنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ أو لا، فَالْحُكْمُ كالّتِي قَبلَهَا (6) ويُحْتَمَلُ أنْ يَقَعَ طَلْقَةً (7).
__________
(1) انظر: المقنع: 234، الهادي: 179، الشرح الكبير 8/ 333، شرح الزركشي 3/ 385.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 131/ب.
(3) وفي المسألة رواية أخرى أن طلاقه يقع بالتي نواها لا غير. انظر: الروايتين والوجهين 136/ب. أما إذا لم ينو ففيه روايتان أشهرهما عن أحمد وعليها عامة الأصحاب أنه يقرع بينهما. انظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانيء 1/ 229. والرواية الثانية: يرجع إِلَى تعيينه. انظر:: شرح الزركشي 3/ 380.
(4) انظر: حلية العلماء 7/ 74.
(5) وهو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. انظر:: الإنصاف 8/ 471.
(6) وهو أحد الوجهين.
(7) انظر: المقنع: 234، الشرح الكبير 8/ 327.

(1/425)


فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ لَيسَ بِشَيءٍ، أو أنْتِ طَالِقٌ ولا شَيءَ أو طَالِقٌ طَلْقَةً لا تَقَعُ عَليكِ، طُلِّقَتْ.
فإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَدُكِ أو رِجْلُكِ أو إصْبَعُكِ أو رُبُعُكِ أو جُزءٌ مِنكِ طالِقٌ، طُلِّقَتْ. فإنْ قالَ: شَعْرُكِ أو سِنُّكِ أو ظُفُرُكِ طَالِقٌ، لم تُطَلَّقْ (1) نصَّ عليهِ ويُحْتَمَلُ أنْ تُطَلَّقَ كَمَا لو أضَافَهُ إلى رُوحِهَا ودَمِهَا وقالَ / 288ظ / أبو بَكْرٍ (2): إذا قالَ: زَوْجُكِ طَالِقٌ، لم تُطَلَّقْ، فإنْ أضَافَهُ إلَى الرِّيقِ والدَّمْعِ والعرف لم يَقَعْ.
فإنْ لَقِيَ امْرَأةً فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَقَالَ: فُلانَةٌ أنْتِ طَالِقٌ، فإذَا هِيَ أجْنَبِيّةٌ طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ (3).
فإنْ قَالَ العَجَمِيُّ: بهشتم (4) بسيار، وَقَعَ ما نَوَاهُ (5). فإنْ قَالَ العَرَبِيُّ ولم تَفْهَمْ مَعْنَاهُ لمْ يَقَعْ. فإنْ نَوَى مُقْتَضَاهُ عندَ العَجَمِ وَقَعَ (6) وقيلَ لا يَقَعُ (7).

بَابُ الاسْتِثْنَاءِ في الطَّلاَقِ
اسْتِثْنَاءُ الكُلِّ مِنَ الكُلِّ أو الأكْثَرِ مِنَ الكُلِّ لا يَصِحُّ. فإذا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ طَالقٌ ثَلاثاً إلاَّ ثَلاثاً إلا اثنَتَينِ وَقَعَ بِها ثَلاثاً. فإنْ قالَ: ثَلاثاً إلاّ وَاحِدَةً، صَحَّ الاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ. وقالَ أبُو بَكْرٍ (8): لا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ في الطَّلاقِ ويَقَعُ الثلاثُ والتَّفْرِيعُ على الأوّلِ، فإنْ قالَ أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَينِ إلا طَلْقَةً، احْتَمَلَ وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: يَصِحُّ فَيَقَعُ طَلْقَةً، والثَّانِي لا يَصِحُّ فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ (9).
فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَينِ وَوَاحِدَةً إلا وَاحِدَةً، وَقَعَ الثَّلاثُ ويُحْتَمَلُ أنْ يَقَعَ الثَّلاثُ، واحتملَ أنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ (10). فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ اثنَتَينِ إلاَّ وَاحِدَةً وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. فإنْ
__________
(1) لأن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما وليس هما كالأعضاء الثابتة.
(2) انظر: المقنع: 234، والشرح الكبير 8/ 238.
(3) لأنه إذا عدمت الإشارة تعلق الكلام بالنية وقد نص أحمد على هذا فيي رواية مهنا. انظر: الروايتين والوجهين 137/أ.
(4) بكسر الباء والهاء وسكون الشين وفتح التاء ومعناها خليتك وهذه اللفظة كناية. انظر: الشرح الكبير 8/ 284.
(5) لأن الكلام بالفارسية ليس له حد مثل كلام العربي.
(6) لأنه أتى بالطلاق ناوياً مقتضاه فوقع كما لو علمه.
(7) لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه مالو نطق بكلمة الكفر فإنه لا يعرف معناها. انظر: الشرح الكبير 8/ 284.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 136/ب.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 136/ب.
(10) انظر: المقنع: 235، والشرح الكبير 8/ 351.

(1/426)


قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ خَمْساً إلاّ ثَلاثاً، وَقَعَ ثَلاثاً.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً إلا رُبُعَ طَلْقَةٍ، وَقَعَ ثَلاثاً. فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَينِ ونِصْفَ طَلْقَةٍ إلاَّ طَلْقَةً، وَقَعَ به طَلْقَتَانِ، وقالَ شَيْخُنا: تُطَلَّقُ ثَلاثاً. فإنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ إلاّ طَلْقَةً، طُلِّقَتْ ثَلاثاً. وإنْ قالَ: أرَدْتُ اسْتِثْنَاءَ الوَاحِدِ مِنْ جَمِيْعِ الثُّلُثِ فَهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على وَجْهَينِ.
فإنْ قَالَ: نَسَاؤُهُ طَوَالِقٌ واسْتَثْنَى بِقَلبِهِ إلا فُلانَةً، فَهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على وَجْهَينِ. وإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، ثُمَّ قالَ: اسْتَثْنَيْتُ وَاحِدَةً لمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ.

بَابُ تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالشُّرُوْطِ وكَذَلِكَ في الحُكْمِ
وهُوَ يَشْتَمِلُ على عَشرَةِ فُصُولٍ:
الأوَّلُ: تَصِحُّ بِتَعْليِقِ الطَّلاقِ بالشُّرُوطِ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ مِنِ الزَّوْجِ، وكَذَلِكَ العِتَاقُ إذَا وُجِدَ مِنَ السَّيِّدِ. فأمّا إنْ وُجِدَ مِنَ الأجْنَبِيِّ فقالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ أو تَزَوَّجْتُ بامْرَأةٍ فَهِيَ طَالِقٌ، فالْمَشْهُورُ عَنْهُ إنّهُ إذَا تَزَوَّجَ لمْ تُطَلَّقْ. ونَقَلَ ما يَدُلُّ على أنَّهَا تُطَلَّقُ. فإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيكِ بِفُلانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فإنْ / 289و / تَزَوَّجَ بِها طُلِّقَتْ، وكذلِكَ نُقِلَ عنهُ إذَا قال لأمَتِهِ عَقيبَ عِتْقِهَا: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فأنْتِ طَالِقٌ، فإنّها تُطَلَّقُ إذا تَزَوّجَها قالَ بَعْضُ أصْحَابِنَا: هَذَا خَاصٌّ فِيْمَنْ كانَ لهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ، والظَّاهِرُ خِلافُ هَذَا.
فأمّا العِتَاقُ فالمَشْهُورُ أنَّهُ إذا قالَ السَّيِّدُ: إنْ مَلَكْتُ فُلاناً فَهُوَ حُرٌّ، أنَّهُ إذا مَلَكَهُ عُتِقَ، ونقلَ عنهُ: إنَّهُ لا يُعْتَقُ. ولا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أنَّهُ إذا قالَ لأجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْتِ دَارِي فأنْتِ طَالِقٌ ثمَّ تَزَوَّجَهَا ودَخَلتْ، إنَها لا تُطَلَّقُ. وكَذلِكَ في العِتْقِ.
وإذَا عُلِّقَ الطَّلاقُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُسْتَحِيلٍ كَمَجِيءِ المَطَرِ وقُدُومِ زَيدٍ وطُلُوع الشَّمْسِ وما أشْبَهَ ذلكَ وَقَعَ الطَّلاقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وإنْ عُدِمَ لم يَقَعْ. فإنْ قالَ: عَجَّلْتُ ما كُنْتُ عَلَّقْتُهُ، لمْ تُطَلَّقْ حتّى يُوْجَدَ الشَّرْطُ فَتُطَلَّق.
فإنْ قالَ: إنْ قُمْتِ فأنْتِ طَالِقٌ، ثم قال: سَبَقَ لِسَانِي بالشَّرْطِ وإنَّمَا أرَدتُ أنْ يَقَعَ الطَّلاقُ في الحَالِ، طُلِّقَتْ في الحَالِ.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ، ثم قالَ: أرَدْتُ إنْ كَلَّمْتِ زَيْداً أو دَخَلْتِ الدار دِيْنَ، وهَلْ تُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على وَجْهَينِ (1).
فإنْ عَلّقَ الطَّلاقَ بِشُرُوطٍ مُسْتَحِيلَةٍ فقالَ: أنتِ طَالِقٌ لأشْرَبَنَّ هذا المَاءَ في هذا الكُوزِ - ولا ماءَ فيهِ -، أو: لآكُلَنَّ الخُبْزَ الذي في هذا الصُّنْدُوقِ - ولا خُبزَ فيهِ -، لَغَى
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 130/ب.

(1/427)


شَرطَهُ وَوَقَعَ الطَّلاقُ في الحَالِ، وقالَ شَيْخُنَا (1): لا يَقَعُ بهِ الطَّلاقُ كَمَا لَو حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أو لَيَطِيْرَنَّ فإنَّهُ لا يَحْنَث. فإنْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلاناً المَيِّتِ فَهُوَ على ما تَقَدَّمَ مِنَ الوَجْهَيْنِ. (2)
فإنْ حَلَفَ لا يَرْكَبُ دَابّةً هو رَاكِبُهَا أو لا يَلْبَسُ ثَوباً هو لاَبِسُهُ فاسْتَدَامَ ذلكَ حَنَثَ. فإنْ حَلَفَ لا يَتَزوَّجُ وهُوَ مُتَزوِّجٌ، أو لا يَتَطَيَّبُ وهُوَ مُتَطيِّبٌ، أو لا يَتَطَهّرُ وهو مُتَطهِّرٌ فاسْتَدامَ ذلكَ لم يَحْنَثُ. فإنْ حَلَفَ لا يَدْخُلُ دَاراً وهُوَ دَاخِلُهَا فاسْتَدامَ الجُلُوسَ فيها فقالَ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: أخافُ أنْ يَكونَ قدْ حَنَثَ وهَذَا مَحْمُولٌ على أنَّهُ قَصَدَ الامْتِنَاعَ مِنَ الكَونِ في دَاخِلِهَا وإلاَّ فَلا يَحْنَثُ عِنْدِي حَتّى يَبتَدِئَ الدُّخُولَ، وقالَ شَيْخُنَا (3): يَحْنَثُ وإنْ لمْ يَقْصِدْ.
فإنْ حلَفَ ألاَّ يَفْعَلَ شيئاً ففعَلَهُ نَاسِياً لمْ يَحْنَثْ (4)، وعنْهُ: إنَّهُ يَحْنَثُ (5) وعنهُ لا يَحْنَثُ في اليَمِينِ المُكَفّرةِ ويَحْنَثُ في الطَّلاقِ والعِتَاقِ (6)، وإذا حَلَفَ لا يَفْعَلُ شيئاً فَوَكَّلَ غَيْرَهُ في فِعْلِهِ حَنَثَ وكانَ في حُكْمِ فِعْلِهِ.

فَصْلٌ ثَانٍ فِي تَعْلِيْقِ /290 ظ/ الطَّلاَقِ والعِتَاقِ بِوَقْتِ المُسْتَقْبَلِ
إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَداً، أو في شَهْرِ كَذَا، أو إِذَا جَاءَ يَوْمُ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ بأَوَّلِ جُزْءٍ ويُؤْخَذُ مِنَ الغَدِ والشَّهْرِ واليَومِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في هَذَا اليَوْمِ، أو في هَذَا الشَّهْرِ طَلَقَتْ في الحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ في آخِرِ الشَّهْرِ دِيْنَ، وهَلْ يُقْبَلُ؟ في اخْتِيَارِي ثَلاَثُ تَطْلِيْقَاتٍ مَا شِئْتَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ الثَّلاَثِ بَلْ تَخْتَارُ طَلْقَةً أو طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا عَقِيبَ قَولِهِ ثُمَّ طُلِّقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلاَقُ ما دامَا في المَجْلِسِ ولَمْ يَتَشَاغَلاَ بِعَمَلٍ يَقْطَعُ حُكْمَهُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا احْتَمَلَ أنْ يَقَعَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (7) في قَوْلِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، واحْتَمَلَ أَنْ لاَ يَقَعَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (8) في اخْتِيارِي نَفْسِكِ، وقدْ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 8/ 448.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 132/ب.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 133/أ، والشرح الكبير 8/ 450.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 133/أ، والشرح الكبير 8/ 445.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 133/أ، والشرح الكبير 8/ 445.
(6) به قال الخرقي - رحمه الله - وأبو بكر الخلال وصاحبه.
انظر: الروايتين والوجهين 133/أ-ب، والشرح الكبير 8/ 445.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ، والشرح الكبير 8/ 306.
(8) انظر: المصادر السابقة.

(1/428)


فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُمَا وجَعَلُوا مَسْأَلَةَ الخِيَارِ مَقْصُورَةً عَلَى المَجْلِسِ، وأَمْرُكِ بِيَدِكِ عَلَى التَّرَاخِي، وعِنْدِي: أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيُنْقَلُ لَفْظُهُ في مَسْأَلَةٍ إِلَى الأُخْرَى فَيَكُونُ في المَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ (1) كَمَا سَوَّيْنا بَيْنَهُمَا في أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ فِيْهِمَا أو وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ أو يَخْتَارَ نَفْسَهَا أَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُهُ.
فَإِنْ لَمْ يَرِدْ لَفْظُهُ بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ إِلاَّ في قَوْلِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، ويَمْلِكُ الحُرُّ ثَلاَثَ تَطْلِيْقَاتٍ، ويَمْلِكُ العَبْدُ تَطْلِيْقَتَيْنِ سَواءٌ كَانَ تَحْتَهُمَا حُرٌّ أو أَمَةٌ. ونَقَلَ عَنْهُ مُهَنَّا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاعْتِبَارَ في الطَّلاَقِ بالنِّسَاءِ فَيَمْلِكُ زَوْجُ الأَمَةِ تَطْلِيْقَتَيْنِ وإِنْ كَانَ حُرّاً، وزَوْجُ الحُرَّةِ ثَلاَثاً وإِنْ كَانَ عَبْداً.

بَابُ سُنَّةِ الطَّلاَقِ (2) وبِدْعَتِهِ
الطَّلاَقُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وفي الأُخْرَى: هوَ مُحَرَّمٌ. فَأَمَّا مَعَ الحَاجَةِ فَيَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
وَاجِبٌ: وهوَ طَّلاَقُ المَوْلَى بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وإِذَا أَقَامَ عَلَى الإِيْلاَءِ، وطَلاَقُ الحَكَمَيْنِ لأَجْلِ الشَّقَاقِ إِذَا رَأَيَا ذَلِكَ.
ومُسْتَحَبٌّ: وهوَ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقِيْمَ بِحَقِّ صَاحِبِهِ.
ومُبَاحٌ: وهوَ إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ لاَ تُطَاوُعُهُ فِيْمَا يَحِبُّ لَهُ عَلَيْهَا.
والسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الطَّلاَقَ مِنْ وَجْهَيْنِ (4):
أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ العَدَدُ، وهوَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً، فَإِنْ طَلَّقَ ثَلاَثاً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو في ثَلاَثَةِ أَظْهارٍ، فَقَدَ فَعَلَ مُحَرَّماً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وهيَ اخْتَيَارُ أَبِي بَكْرٍ وشَيْخِنَا، وفي الأُخْرَى: قَدْ تَرَكَ الأَفْضَلَ، وهوَ مُبَاحٌ، اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ وتَقَعُ الثَّلاَثُ /291 و/ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، والثَّانِي مِنْ حَيْثُ الوَقْتُ (5) وهوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا في طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيْهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيْهِ أو في حَالِ حَيْضِهَا كَانَ مُحَرَّماً ووقَعَ واسْتُحِبَّ لَهُ ارْتِجَاعُهَا إِنْ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيّاً.
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/ ب.
(2) طلاق السنة: وهو الذي وافق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله، والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها.
انظر: الشرح الكبير 8/ 251، ومجموع الفتاوي 33/ 41.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ.
(4) انظر: الشرح الكبير 8/ 256، وشرح الزركشي 3/ 340.
(5) انظر: الشرح الكبير 8/ 250، وشرح الزركشي 3/ 345.

(1/429)


وَحَكَى ابنُ أَبِي مُوْسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُحِبُّ الارْتِجَاعَ إِذَا طَلَّقَ في الحَيْضِ وكبر عَلَيْهِ واخْتَارَهَا، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ صَغِيْرَةً أو آيِسَةً أو غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أو حَامِلاً (1) قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فلاَ سُنَّةَ في طَلاَقِهَا ولاَ بِدْعَةَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وفي الأُخْرَى (3): تُعْتَبَرُ السُّنَّةُ في طَلاَقِهَا في العَدَدِ لاَ في الوَقْتِ.
فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً للسُّنَّةِ وطَلْقَةً للِبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ بِدْعَةَ لِطَلاَقِهَا ولاَ سُنَّةَ طَلَقَتْ في الحَالِ طَلْقَتَيْنِ، وإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّة وبِدْعَة وَقَعَ بِهَا طَلْقَةٌ في الحَالِ، فَإِذَا صَارَتْ إِلَى ضِدِّ حَالِهَا التي كَانَتْ عَلَيْهَا وَقَعَتْ بِهَا الأُخْرَى.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً للسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّة وبِدْعَة، وكَانَتْ حَائِضاً أو في طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيْهِ لَمْ يَقَعْ بِهَا في الحَالِ.
فَإِذَا وَجَدَ طُهْراً (4) لَمْ يُجَامِعْهَا فِيْهِ وَقَع الثَّلاَثَ عَلَى مَا اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ (5)، وعَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (6) إِذَا وَجَدَ الطُّهْرَ طَلَقَتْ واحِدَةً، وتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ والثَّالِثَةُ في طُهْرِهِنَّ في نِكَاحَيْنِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لِطَلاَقِهِمَا سُنَّةٌ ولاَ بِدْعَةٌ لَغَا قَوْلَهُ: للسُّنَّةِ ووَقَعَ بِهَا الثَّلاَثُ في الحَالِ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ في كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةٌ، وكَانَتْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّةٌ وبِدْعَةٌ انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ، وهَلْ الأَقْرَاءُ الحَيْضُ أو الأَطْهَارُ؟
فَإِنْ قُلْنا: الأَقْرَاءُ الحَيْضُ، وَقَعَ في كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةٌ. وإِنْ قُلْنَا: الأَطْهَارُ، وَقَعَ في كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ. وإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّة وبِدْعَة نَظَرْنَا، فَإِنْ قُلْنَا: الأَقْرَاءُ الحَيْضُ وكَانَتْ حَامِلاً أو حَائِلاً طَاهِراً ولَمْ يُدْخَلْ بِهَا أو آيِسَةً أو صَغِيْرةً لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلاَقُ في الحَالِ حَتَّى إِذَا وَجَدَ الحَيْضَ مِمَّنْ تَحِيْضُ مِنْهُنَّ وَقَعَ لِكُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةٌ.
وإِنْ قُلْنَا: الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ وَقَعَتْ بِهَا في الحَالِ طَلْقَةٌ ووَقَعَ في كُلِّ طُهْرٍ تجدد لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وهيَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ طَلْقَةٌ، فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أحْسَنَ الطَّلاَقَ وأَجْمَلَهُ، فَإِنْ نَوَى أَحْسَنَ أَحْوَالِكِ وأَجْمَلَهَا أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةٌ، أَو كَانَتْ مِمَّنْ لاَ سُنَّةَ /292 ظ/ ولاَ بِدْعَةَ لِطَلاَقِهَا طلقتْ في الحَالِ، وإِنْ لَمْ يَنْوِ طلقتْ في طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيْهِ، فَإِنْ عَكَسَ فَقَالَ: أَقْبَح الطَّلاَقِ وأَسْمَجَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ سُنَّةَ لِطَلاَقِهَا أو نَوَى أَقْبَحَ أَحْوَالِكِ
__________
(1) في الأصل ((حامل)).
(2) انظر: الشرح الكبير 8/ 250، وشرح الزركشي 3/ 344.
(3) انظر: الشرح الكبير 8/ 249، وشرح الزركشي 3/ 345.
(4) في الأصل: ((طهر)).
(5) انظر: المقنع: 230، وشرح الكبير 8/ 263، وشرح الزركشي 3/ 344.
(6) انظر: المقنع: 230، وشرح الكبير 8/ 269، وشرح الزركشي 3/ 345.

(1/430)


تَكُونِي مُطَلَّقَةً وَقَعَ في الحَالِ، وإِنْ لَمْ يَنْوِ طلقتْ في زَمَانِ البِدْعَةِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً (1) قَبِيْحَةً (2) وَقَعَ الطَّلاَقُ في الحَالِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلاَثِ ثُمَّ نَكِحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ وطَلَّقَهَا فَعَادَ فَتَزَوَّجَهَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقَى مِنْ طَلاَقِهَا، وعَنْهُ (3): إِنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى طَلاَقِ ثَلاَثٍ.

بَابُ صَرِيْحِ الطَّلاَقِ وكِنَايَتِهِ
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في صَرِيْحِ الطَّلاَقِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ (4): ثَلاَثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلاَقُ والفِرَاقُ والسَّرَاحُ وما تَصَرَّفَ مِنْهُمَا (5).
فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أو طَلَّقْتُكِ، أو فارقتك، أو أَنْتِ مُفَارَقَةٌ أَوْ سَرَّحْتُكِ أو أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ طَلَقَتْ وإِنْ لَمْ يَنْوِ. وقَالَ ابنُ حَامِدٍ (6): صَرِيْحُهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ وهوَ الطَّلاَقُ ومَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وهوَ الأَقْوَى عَنْهُ، فإنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْتِ طَالِقَةٌ أو مُطَلَّقَةٌ من وِثَاقِي أو من زَوْجِ قَبْلِي، أَو فَارقتك، بِقَلْبِي أو سَرَّحْتُكِ مِنْ يَدِي، قُبلَ: فِيْمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى، وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7).
وكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: أَنْتِ طَاهِرٌ، فَقُلْتُ: أَنْتِ طَالِقٌ، وهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ في حَالِ الغَضَبِ وسُؤَالها الطَّلاَقُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ في حَالِ سُؤَالِهَا لَمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
فَإِنْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ أو أَخْرَجَهَا [ ... ] (8) لِزَوْجَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَو إِذَا أَكَلْتِ التَّمْرَ، أَو مَتَى صَعَدْتِ السَّطْحَ، أَو أَيَّ وَقْتٍ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وأَيُّ وَقْتٍ وُجِدَ مِنْهَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَقَعَ الطَّلاَقُ، وكَذَلِكَ إنْ قَالَ: مَنْ لَبِسَتْ منكن خُفّاً فَهيَ طَالِقٌ فأي وقت لبست طلقت، فَإِنْ كَرَّرَتْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَكَرَّرِ الطَّلاَقُ. فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فأَيُّ وَقْتٍ دَخَلَتْ طلقتْ، وإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا تَكَرَّرَ وُقُوعُ الطَّلاَقِ، فَأمَّا إنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ولاَ نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهَا
__________
(1) لكونها في زمان السنة.
(2) لإضرارها بالمرأة.
(3) انظر: المقنع: 231، والمحرر في الفقه 2/ 52، والشرح الكبير 8/ 272.
(4) انظر: المقنع: 231، والهادي: 176، والمغني 8/ 263.
(5) وجه قول الخرقي أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق. انظر: الشرح الكبير 8/ 274.
(6) انظر: المغني 8/ 264.
(7) انظر: المغني 8/ 268.
(8) بياض في الأصل، ولعله: ((أو قَالَ)).

(1/431)


إِذَا لَمْ تَدْخُلْ لاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ إِلاَّ في آخِرِ جُزْءٍ /293و/ مِنْ آخِرِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا.
فَإِنْ قَالَ: مَتَى لَمْ تَدْخُلِي أو أَيَّ وَقْتٍ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ فلم تَدْخُلْ طَلَقَتْ، وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: مَنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَانٌ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ ولَمْ تَدْخُلْ طلقتْ، ثُمَّ إِنْ مَضَى زَمَانٌ آخَرُ كَانَ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ فَلَمْ تَدْخُلْ طلقتْ، وكَذَلِكَ في الثَّانِيَةِ.
فَإِنْ قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (1): أَحَدُهُمَا: يَمِيْنُهُ عَلَى التَّرَاخِي، والثَّانِي: عَلَى الفَوْرِ، فإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أو إِنْ شَاءَ أَبِي - بالفَتْحِ (2) الأَلِفِ، وهو مِمَّنْ يَعْرِفُ العَرَبِيَّةَ - طلقتْ في الحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أو لِدُخُولِ الدَّارِ.
وحُكِيَ (3) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةُ فَهُمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ الإِيْقَاعَ أو لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طلقتْ في الحَالِ.
وإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ وطَلاَقَهَا شَرْطَيْنِ لِعِتْقٍ أو طَلاَقِ أُخْرَى، أَمْسَكْتُ دِيْنَ، وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ الشَّرْطَ والجَزَاءَ، أو أَقَمْتَ الوَاوَ مقَامَ الفَاءِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَدَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُكَلِّمَهَا ثُمَّ يَدْخُلُ دَارَهَا، وإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ ودَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقتْ بِوُجُودِ الكَلاَمِ والدُّخُولِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الكَلاَمُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لأَنَّ الوَّاوَ للجَمْعِ والفَاءَ للتَرْتِيْبِ، وعَنْهُ: أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ في المَسْأَلَتَيْنِ.
وأَصْلُ ذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لاَ يَفْعَلُ شَيْئاً فَفَعَلَ بَعْضَهُ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ: لاَ أَكَلْتُ هَذَا الرَّغِيْفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ، أو لاَ كَلَّمْتُ زَيْداً وعَمْراً فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا، فَفِيْهِ رِوَايَتَانِ (5):
أَحَدَهُمَا: يَحْنَثُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وشَيْخُنَا.
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ-ب.
(2) هَكَذَا في الأصل.
(3) انظر: شرح الزركشي 3/ 346.
(4) في رِوَايَة أبي الحارث لَمْ يقبل مِنْهُ إذا كَانَ عَلَى حد الغضب، وإذا لَمْ يَكُنْ عَلَى حد الغضب يقبل.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 131/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 131/ب.

(1/432)


والثَّانِيَةُ: لاَ يَحْنَثُ إِلاَّ بِفِعْلِ الجَمِيْعِ، وهِيَ الصَّحِيْحَةُ عِنْدِي، فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ أو إِنْ دَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقتْ بِوُجُودِ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ بِمَثَابَةِ مَا لوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ أو إِنْ دَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ /294 ظ/ إِنْ قَعَدْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ، وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَرِبْتِ إِنْ أَكَلْتِ لَمْ تَأْكُلْ ثُمَّ تَشْرَبْ. فَأَمَّا إِنْ تَقَدَّمَ القِيَامُ ثُمَّ القُعُود أو الشُّرْبُ ثُمَّ الأَكْل لَمْ تَطْلُقْ.

فَصْلٌ (1) ثَالِثٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بِزَمَانٍ ماضٍ
إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، أو في الشَّهْرِ المَاضِي، أو قِيْلَ: أَنْ أَتَزَوَّجَ بِكِ، فَإِنْ أَرَادَ الإيْقَاعَ مُسْتَنِداً إلى مَا ذَكَرَ وَقعَ في الحَالِ، وإِنْ أَرَادَ الإخْبَارَ وإنَّهَا كَانَتْ قَدْ طَلَّقَهَا هوَ أو زَوْجٌ غَيْرُهُ في الوقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ وكَانَ ذَلِكَ قَدْ وجدَ قُبِلَ مِنْهُ وإِلاَّ وَقَعَ الطَّلاَقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ (2) - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: تَطْلُقُ (3).
وحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ قَالَ في قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وفي الشَّهْرِ المَاضِي: لاَ تَطْلُقُ، وفي قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَ بلْ إِنْهَا تَطْلُقُ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ أو جُنَّ أو خَرِسَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ (4)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقَعُ (5).
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ، أو قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ أو مَاتَ هوَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ أو مَعَ مُضِيِّهِ لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلاَقُ وإنْ وَجَدَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضْيِّ الشَّهْرِ ومَضَى جُزْءٌ يَقَعُ في مِثْلِهِ الطَّلاَقُ تَبَيَّنّا أَنَّ طَلاَقَهُمَا وَقَعَ في ذَلِكَ الجُزْءِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلاَقُ ثَلاَثاً ثُمَّ خَالَعَهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ أَو مَاتَ بَعْدَ الشَّهْرِ بِسَاعَةٍ أو يَوْمٍ وَقَعَ الطَّلاَقُ وبَطَلَ الخُلْعُ، ولَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِعِوَضِ الخُلْعِ، وإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الخُلْعِ بِشَهْرٍ وسَاعَةٍ صَحَّ الخُلْعُ وبَطَلَ الطَّلاَقُ المُعَلَّقُ.

فَصْلٌ رَابِعٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالمَوْتِ
إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي، أو قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ طلقتْ في الحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٍ مَعَ مَوْتِي، أو بَعْدَ موْتِي لَمْ تَطْلُقْ /298 ظ/ ولوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ
__________
(1) تنبيه: وقع في الأصل تأخير هَذَا الفصل فأسترجع إلى مكانه الصَّحِيْح، ولعله خطأ من الناسخ، والله أعلم.
(2) انظر: المغني 8/ 325.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 131/ب.
(4) انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 325، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(5) انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 325، والمحرر في الفقه 2/ 68.

(1/433)


بَعْدَ مَوْتِي عُتِقَ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، فَمَاتَ الأَبُ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا (1)، بلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بالمِلْكِ (2)، وكَذَا ذَكَرَهُ في المُجَرَّدِ، وذَكَرَ في الجَامِعِ: أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلاَقُ، وهوَ الصَّحِيْحُ؛ لأَنَّ صِفَةَ الطَّلاَقِ تُوجَدُ عقِيْبَ الأَمْرِ، وهوَ زَمَانُ تَمَلُّك الابْنِ، والفَسْخُ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ المِلْكِ.
فَإِنْ قَالَ الأَبُ لأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي، وَقَالَ الابْنُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي، فَمَاتَ الأَبُ وَقَعَ العِتْقُ والطَّلاَقُ مَعاً، فَإِنْ قَالَ: إِذَا اشْتَرَيْتُكِ مِنْ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاشْتَرَاهَا، لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ في أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ، ويَقَعُ في الآخَرِ (3) بِنَاءُ الملْكِ. هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى المُشْتَرِي في مُدَّةِ خِيَارِ المَجْلِسِ أو بَعْدَ انْقِضَائِهِ.

فَصْلٌ خَامِسٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالحَيْضِ
إِذَا قَالَ لَهَا: إِذا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طلقتْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ في الظَّاهِرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الدَّمُ يَوْماً في رِوَايَةٍ ويَوْماً ولَيْلَةً في رِوَايَةٍ أُخْرَى اسْتَقَرَّ وُقُوعُهُ. وإِنِ انْقَطَعَ لِدُونِ ذَلِكَ واتَّصَلَ الانْقِطَاعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقِيْلَ: ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً تَبَيَّنَّا بِأَنَّ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ، هَذَا إِذَا اتَّفَقَا. فَأَمَّا إِنْ قَالَتْ: قَدْ حِضْتُ وكَذَّبَهَا، فالقَوْلُ قَوْلُهَا، فَإِنْ قَالَتْ: مَا حِضْتُ، فَقَالَ: قَدْ حِضْتُ، طلقتْ بإِقْرَارِهِ، فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ حِضْتِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ، فَإِنْ صَدَّقَهَا طلقتْ الضَّرَّةُ، وإِنْ كَذَّبَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ وكَذَّبَهَا طلَقَتْ هِيَ ولَمْ تَطْلُقْ ضَرَّتُهَا وإِنْ صَدَّقَتْهَا الضَّرَّةُ. وَذَكَرَ في الإِرْشَادِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهَا تُعْطَى خِرْقَةً أو تُرِي النِّسَاءَ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ عَلَيْهَا دَماً، أَو شَهِدَتِ النِّسَاءُ بالحَيْضِ طَلُقَتَا مَعاً ولاَ عَمَل عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَالَ: إن حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَقَالَتَا: حِضْنَا، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا طلقتَا، وإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ تَطْلُقْ واحِدَةٌ مِنْهُمَا، وإِنْ صَدَّقَ إِحْدَاهُمَا وكَذَّبَ الأُخْرَى كُذِّبَتِ المُطَلَّقَةُ ولَمْ (4) تَطْلُقِ المُصَدّقَةُ. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَقَالَ: إِنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلَقْنَ، وإِنْ كَذَّبَهُنَّ أو صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أو اثْنَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَإِنْ صَدَّقَ /299 و/ ثَلاَثاً طَلَقَتِ المُكَذّبَةُ، ولَمْ يَقَعْ بالمُصَدَّقَاتِ طَلاَقٌ. فَإِنْ قَالَ لَهُنَّ: كُلَّمَا حَاضَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ، طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثاً، وإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وإِنْ صَدَّقَ إِحْدَاهُنَّ لَمْ يَقَعْ بِهَا
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ.
(2) انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 457، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(3) انظر: المغني 8/ 458.
(4) كلمة: ((ولَمْ)) كررت في المخطوط.

(1/434)


طَلاَقٌ ووَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةٌ، فَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً، وطَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ المُكَذِّبَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. فَإِنْ صَدَّقَ ثَلاَثاً مِنْهُنَّ وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَتَانِ، وطَلَقَتْ المُكَذّبَةُ ثَلاَثاً.
فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً فَأَنْتُمَا طَالقَتَانِ لَغَا قَوْلَهُ: حَيْضَةً وَاحِدَةً، وصَارَ كَأنَّهُ قَالَ: إِنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ شَيْخُنَا (1): إِذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ونِصْف (2) طَلَقَتْ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلهُ: نِصْفَ حَيْضَةٍ؛ لأَنَّ الحَيْضَةَ لاَ تَنْتَصِفُ، وتَصِيْرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (3).
فَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ طَاهِراً، فَإِذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرُتْ طلقتْ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ (4): فِيْهَا قَوْلٌ آخَرُ: لاَ تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الحَيْضِ (5)، وإِنْ كَانَتْ حَائِضاً عِنْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ لَمْ تُقَيَّدْ بِتِلْكَ الحَيْضَةِ، ووَقَفَ طَلاَقُهَا عَلَى الطُّهْرِ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.
فَإِنْ قَالَ: إِذَا طَهَرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضاً، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ طَلَقَتْ، وإِنْ كَانَتْ طَاهِراً لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيْضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. وجَمِيْعُ ذَلِكَ يَخْرُجُ في تَعْلِيْقِ السَّيِّدِ العِتْقَ بالحَيْضِ فَاعْرِفْهُ.

فَصْلٌ سَادِسٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالحَمْلِ والوِلاَدَةِ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ نَظَرْنَا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ تَبَيَّنَّا أَنَّهَا طَلَقَتْ وَقْتَ اليَمِيْنِ، وإِنْ وَلَدَتْ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ، وإِنْ وَلَدَتْ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الوَطْءِ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، فَإِنْ أَتَتْ بهِ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَقَعُ (6).
وإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لاَ يَطَأُهَا طلقتْ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ نَظَرْنَا، فَإِنْ وَضَعَتْ لأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ العَقْدِ لَمْ تَطْلُقْ، وإِنْ وَضَعَتْ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ طَلَقَتْ، وإِنْ وَضَعَتْ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وأَرْبَعِ سِنِيْنَ /300 ظ/ ولَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ.
(2) كذا في الأصل، ولعل الصواب: ((نصفاً)) عطفاً عَلَى ((سبعة)) المنصوبة.
(3) انظر: المقنع: 239، والهادي: 183، والمغني 8/ 365، والمحرر في الفقه 2/ 69.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 130/أ.
(5) انظر: المغني 8/ 364، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(6) والوجه الثَّانِي: أَنَّهُ يقع. انظر: المحرر 2/ 69 - 70.

(1/435)


يَطَأُهَا لَمْ تَطْلُقْ أَيْضاً، وإِنْ كَانَ يَطأُهَا وأَتَتْ بهِ لأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الوَطْءِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضاً، وإِنْ أَتَتْ بهِ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ، والآخَرُ: لاَ تَطْلُقُ. فَأَمَّا وَطْؤُهَا عقيْبَ هذه اليَمِيْنِ فَلاَ يَحْرُمُ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وفي الأُخْرَى يَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ (2).
فَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وإِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِأُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ باثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَراً وأُنْثَى طلقتْ ثَلاَثاً (3). وإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَراً فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، وإِنْ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَراً وأُنْثَى لَمْ
تَطْلُقْ (4). فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلاَثاً في حَالٍ وَاحِدَةٍ طلقتْ ثَلاَثاً، فَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طَلَقَتْ بالأَوَّلِ طَلْقَةً، وبالثَّانِي طَلْقَةً، فَإِذَا وَلَدَتِ الثَّالِثَ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَبِيْنُ بهِ، فَلاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ (5). وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ بهِ الثَّالِثَةُ (6)؛ لأَنَّ زَمَانَ البَيْنُونَةِ زَمَانُ الوُقُوعِ، ولاَ تَنَافِي بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِداً طَلَقَتْ بالأَوَّلِ طَلَقَةً، وبَانَتْ بالثَّانِي، وهَلْ يَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ أَمْ لاَ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الوَجْهَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ ذَكَراً فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، وإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَراً وأُنْثَى في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَ بِهَا ثَلاَثاً، وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الآخَرِ، وَقَعَ بالأَوَّلِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقَعْ بالثَّانِي شَيءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (7)، وعَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ: يَقَعُ بهِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ أَيْضاً (8). وإِنْ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ وَضَعَتْهُمَا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ بِيَقِيْنٍ، ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيْهِ فَلاَ يُحْكَمُ فِيْهِ بالوُقُوعِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ المَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ حُكِمَ بأَنَّهُ الأَوَّلُ (9) فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ وَلَداً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ وَلَدْتِ غُلاَماً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ أُنْثَى طلقتْ طَلْقَةً، وإِنْ وَلَدَتْ ذَكَراً طلقتْ ثَلاَثاً، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَ المَوْلُودَ حَيّاً أو مَيِّتاً (10) فِيْمَا ذَكَرْنَا.
__________
(1) انظر: المقنع 239، والهادي: 184، والمغني 8/ 367 - 368.
(2) انظر: المصادر السابقة.
(3) لأن صفة الثلاث وجدت وهي زوجة. المغني 8/ 369.
(4) لأن حملها كله ليس بغلام ولا جارية. المصدر السابق.
(5) انظر: المغني 8/ 369.
(6) انظر: المصدر السابق.
(7) انظر: المقنع: 239 - 240، والمحرر 2/ 70 - 71، والشرح الكبير 8/ 404.
(8) انظر: المصادر السابقة.
(9) انظر: المقنع: 240، والمحرر 2/ 71، والشرح الكبير 8/ 404.
(10) لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى وقد وجد.

(1/436)


فَصْلٌ سَابِعٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالمَشِيْئَةِ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ وكَيْفَ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ (1). وإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: /301 و/ قَدْ شِئْتُ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ، لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، نَصَّ عَلَيْهِ (2).
وكَذَلِكَ إِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْتُ إِنْ شَاءَ أَبِي، فَقَالَ أَبُوهَا: قَدْ شِئْتُ، لَمْ تَطْلُقْ. وكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ أَبُوكِ، فَقَالَ أَبُوهَا: قَدْ شِئْتُ إِنْ شَاءتْ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ لَمْ تَطْلُقْ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، وشَاءَ أَبُوكِ فَإِنْ شَاءا (3) جَمِيْعاً طلقتْ سَوَاءٌ كَانَتْ المَشِيْئَةِ عَلَى الفَوْرِ أو عَلَى التَّرَاخِي، أَو شَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الفَوْرِ، والآخَرُ: عَلَى التَّرَاخِي. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ ذَلِكَ المَجْلِسُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَقَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْتُ، طلقتْ، وإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ تَطْلُقْ. وإِنْ مَاتَ زَيْدٌ أَو جُنَّ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ. وهوَ اخْتِيَارُ ابنِ حَامِدٍ (4). وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَقَعُ الطَّلاَقُ (5)، وإِنْ شَاءَ وهوَ سَكْرَانُ، أو صَبِيٌّ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ في طَلاَقِهِمَا (6)، وإِنْ شَاءَ وهوَ أَخْرَسُ بالإِشَارَةِ إِلَى المَشِيْئَةِ وَقَعَ الطَّلاَقُ وإِنْ كَانَ نَاطِقاً فَخَرِسَ قَبْلَ أَنْ يشَاءَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (7). فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ المَيِّتُ أو البَهِيْمَةُ فهوَ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ طِرْتِ أَوْ صَعَدْتِ السَّمَاءَ، أَو قَلَبْتِ الحَجَرَ ذَهَباً؛ وذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ، والثَّانِي: يَقَعُ الطَّلاَقُ في الحَالِ (8).
__________
(1) لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه باللسان.
(2) انظر: المغني: 242، والمغني 8/ 379، والمحرر 2/ 71.
(3) في الأصل: ((شاء))، ولعل المثبت هو الصواب.
(4) انظر: المغني 8/ 378.
(5) المصدر السابق، وليس بصحيح؛ لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه.
(6) الرواية الأولى في طلاق السكران: أَنَّهُ يقع، وهي رِوَايَة صالح وابن بدينا، والثانية: لا يقع، وهي رِوَايَة الميموني وحنبل.
أما الصبي: فالصبي الَّذِي لا يعقل الطلاق، فلا خلاف في عدم وقوع طلاقه، أما مَن يعقل الطلاق ويعرف معناه، فعن أحمد رِوَايَتَانِ:
الأولى: لزمه الطلاق، نقلها صالح وأبو الحارث.
الثانية: لا يلزمه حَتَّى يبلغ، نقلها أبو طالب.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 134 - 135/ أ - ب، والمغني 8/ 255 و256 و257 و258، والزركشي 3/ 347 و349 و350، والإنصاف 8/ 431 و 433 و 434، ومجموع الفتاوى 33/ 61.
(7) الوجه الأَوَّل: يقع الطلاق، والثاني: لا يقع. انظر: الهادي: 184، والمغني 8/ 379.
(8) انظر: الهادي: 180 - 181، والمغني 8/ 384.

(1/437)


فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَبُوكِ ثَلاَثاً، فَقَالَ الأَبُ: قَدْ شِئْتُ ثَلاَثاً، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: تَطْلُقُ ثَلاَثاً (1) ويُحْتَمَلُ أنْ لاَ تَطْلُقَ بحَالٍ. وإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَبوكِ، فَمَاتَ الأَبُ أَو جُنَّ وَقَعَ الطَّلاَقُ في الحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ طلقتْ في الحَالِ. وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ.
وحَكَى عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَقَعُ العِتَاقُ ولاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ، ولَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ عَنْهُ، إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيءٌ. ولوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيْكَ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَارَ حُرّاً، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (2).
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ فَدَخَلَتْ طلقتْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ تَطْلُقُ (3).
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا فُلاَنٍ أَو لِمَشِيْئَةِ فُلاَنٍ طَلَقَتْ في الحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِنْ رَضِيَ وإِنْ يَشَأ، قِيْلَ: فِيْمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى /302 ظ/. وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).

فَصْلٌ ثَامِنٌ في الأَلْفَاظِ المُسْتَعْمَلَةِ للشَّرْطِ في الطَّلاَقِ والعِتَاقِ واليَمِيْنِ ومَسَائِلَ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ
وهيَ سِتَّةٌ: إِنْ، وإِذَا، ومَتَى، وأيّ، ومَنْ، وكُلَّمَا.
ولَيْسَ فِيْهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إِلاَّ لَفْظَةُ ((كُلَّمَا)). وحُكْمُ هَذِهِ الحُرُوفِ أَنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ حَرْفِ ((لَمْ)) (5) عَلَى التَّرَاخِي، وإِنْ دَخَلَهَا حَرْفُ ((لَمْ)) انْقَسَمَتْ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، فكَانَ حُكْمُ ((إِنْ)) عَلى التَّرَاخِي، وحُكْمُ ((مَتَى)) و ((أيّ)) و ((مَنْ))
و ((كُلَّمَا)) عَلَى الفَوْرِ، وحُكْمُ ((إِذَا)) عَلَى وَجْهَيْنِ:
__________
(1) انظر: المقنع: 242، والهادي: 184 - 185.
(2) الوجه الأَوَّل: وقوعه في الحال؛ لأَنَّ وقوع طلاقها إذا لَمْ يشأ الله محال، والثاني: لا يقع بناء عَلَى تعليق الطلاق عَلَى المحال.
انظر: الهادي: 185، والمغني 8/ 383 و 384.
(3) نقل الأولى: الأثرم وإبراهيم بن الحارث، ونقل الثانية: بكر بن مُحَمَّد، عن أبيه.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 135/ب، والهادي: 185، والمغني 8/ 383.
(4) الأولى: يقبل منه، والثانية: لا يقبل منه.
انظر: المقنع: 242، والمحرر 2/ 72، والشرح الكبير 8/ 440.
(5) المقصود به: النفي.

(1/438)


أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ((إِنْ))، والثَّانِي: عَلَى الفَوْرِ بِمَنْزِلَةِ ((مَتَى)) (1).
فَمَتَى قَالَ الرَّجُلُ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ عَلَيْهَا سَاعَةَ تَلَفُّظِهِ طَلْقَةً أُخْرَى، فَإِنْ عَادَ وَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِهَا طَلاَقاً. فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ (2) وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وكُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ؛ طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَيْنِ.
ولَوْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ، طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً. فَإِنْ كَانَ اسْمُ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ حَفْصَةً، والأُخْرَى: عَمْرَةً، فَقَالَ لِحَفْصَةَ: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ عَمْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ حَفْصَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طلقتْ حَفْصَةُ في الحَالِ، وبَقِيَ طَلاَقُ عَمْرَةَ مُعَلَّقاً بِصِفَةٍ وهِيَ حِلْفُهُ بِطَلاَقِ حَفْصَةَ (3).
فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ: أَيُّكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقِي، أو كُلَّمَا وَقَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ طَلاَقِي فَصُوَيْحِبَاتُهَا طَوَالِقُ، ثُمَّ قَالَ لإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَقْنَ جَمِيْعُهُنَّ ثَلاَثاً ثَلاَثاً.
وعَلَى هَذَا لوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِي، فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِي حُرٌّ، وكُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَتَيْنِ (4)، فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وكُلَّمَا طَلَّقْتُ ثَلاَثاً فَثَلاَثَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ، وكُلَّمَا طَلَّقْتُ أَرْبَعاً، فَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ، ثُمَّ طَلَّقَ الأَرْبَعَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أو بِكَلِمَاتٍ عُتِقَ مِنْ عَبِيْدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْداً عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا (5)، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ عَشْرَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُعْتَقَ عِشْرُونَ.

فَصْلٌ تَاسِعٌ (6) في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالطَّلاَقِ ومَا يُخْتَلَفُ بهِ، وغَيْرِ ذلِكَ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِذَا أَتَاكِ طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَتَاهَا الكِتَابُ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ بِذَلِكَ الطَّلاَقِ الَّذِي أَتَاكِ، فَهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7).
__________
(1) انظر: المقنع: 237، والمغني 8/ 353 - 354، والمحرر 2/ 63.
(2) في الأصل: ((لزوجته))، ولعل المثبت هو الصواب.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 136/ب، والمغني 8/ 336.
(4) في الأصل: ((امرأتان)).
(5) انظر: المقنع: 240، والهادي: 187، والمغني 8/ 345، والمحرر 2/ 64.
(6) تنبيه: حصل إرباك في ترتيب الفصول، ولعله من الناسخ؛ إذ قدّم الفصل التاسع عَلَى غيره، والله أعلم.
(7) الرواية الأولى: يقبل قوله في الحكم، والثانية: لا يقبل لظاهر اللفظ.
انظر: المقنع: 240، والهادي: 186، والمحرر 2/ 73، والشرح الكبير 8/ 419.

(1/439)


فَإِنْ قَالَ: مَتَى طَلَّقْتُكِ طَلاَقاً أَمْلِكُ فِيْهِ الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَة (1) بِهَا طلقتْ طَلْقَتَيْنِ، وإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طلقتْ وَاحِدَةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً بِعِوَضٍ لَمْ تَقَعْ بِهَا غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولاً بِهَا أو غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وهيَ مَدْخُولٍ بِهَا، ثُمَّ قَالَ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ طلقتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طالق فَدَخَلَتِ الدَّارَ طلقتْ طَلْقَةً، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ طلقتْ طَلْقَتَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طلقتْ طَلْقَتَيْنِ، وإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلْقَةً بالمُبَاشَرَةِ أو بِصِلَةٍ عَقَدَهَا قَبْلَ هَذَا العَقْدِ أو بَعْدَهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلاَثُ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: إِنْ طَلَّقْتُكِ، أَو إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاَقِي [فَأَنْتِ طَالِقٌ] (2) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبلَهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فلا نَصَّ فِيْهِ. وظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَشَيْخِنَا: أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ (3)، وتَمَامُ الثَّلاَثِ المُعَلَّق.
فَإِنْ قَالَ جَمِيْعَ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ يَقَعِ بِهَا إِلاَّ طَلْقَةٌ، إِمَّا بالمُبَاشَرَةِ أو بالصِّفَةِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلاَقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَو فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ، أو إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أو لاَ دَخَلْتِ الدَّارَ، أو لَتَدْخُلِيْنَ، أو لِيَقْدَمَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلاَقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ عَادَ ذَلِكَ ثَانِياً [وَقَعَتْ] (4) /295 و/ طَلْقَةً، فَإِنْ أَعَادَهُ ثَالِثاً وَقَعَتْ ثَانِيَةً، ثُمَّ أَعَادَهُ رَابِعاً طلقتْ ثَلاَثَةً؛ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلاَ تَقَعُ إِلاَّ الأَولَةُ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ قَدْ دَخَلَ بِأَحَدِهِمَا، فَقَالَ: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ثَانِياً طلقتِ المَدْخُولُ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، وطلقتِ الأُخْرَى طَلْقَةً ثَانِيَةً، فَإِنْ أَعَادَ ذَلِكَ ثَالِثاً لَمْ يَقَعْ بِهَا طَلاَقٌ؛ غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ أَعَادَ فَعَقَدَ عَلَى البَائِنِ نِكَاحاً، ثُمَّ الحُكْمُ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
__________
(1) كذا في الأصل، ولعل الصواب: ((مدخول)).
انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 325، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(2) كررت في المخطوط.
(3) وَقَالَ ابن عقيل: تعليقه باطل، ولا يقع سوى المنجز.
انظر: المقنع: 240، والهادي: 186، والمحرر 2/ 72 - 73.
(4) كررت في المخطوط.

(1/440)


فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في غَدٍ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَمَاتَتْ في غَدٍ الظُّهْرِ، وقَدِمَ زَيْدٌ العَصْرَ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِطَلاَقِهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: إِذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ غَداً إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَقَدِمَ زَيْدٌ وَقَدْ أَكَلَ؛ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ؛ لأَنَّ نَذْرَهُ العَقْدُ، ويَحْتَمِلُ أنْ لاَ يَقَعَ؛ لأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُطَلِّقَ في الغَدِ وَقْتَ قُدُومِهِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا. فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّهُ في غَدٍ فَمَاتَ صَاحِبُ الحَقِّ قَبْلَ الغَدِ حَنَثَ، وكَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيْفَ في غَدٍ، أو لَيَشْرَبَنَّ هَذَا المَاءَ في غَدٍ، أو لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ في غَدٍ فَتَلِفَ الرَّغِيْفُ والمَاءُ والعَبْدُ قَبْلَ الغَدِ حَنَثَ.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اليَوْمَ غَداً، طلقتْ وَاحِدَةً، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ طَالِقٌ اليَوْمَ وطَالِقٌ غَداً، أَو يَزِيْدَ نِصْفَ طَلْقَةٍ اليَوْمَ ونِصْفَهَا غَداً فَيَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ نِصْفَهَا اليَوْمَ وبَاقِيْهَا غَداً احْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً، واحْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اليَوْمَ إِذَا جَاءَ غَداً لَمْ تَطْلُقْ.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ اليَوْمَ، وخَرَجَ اليَوْمُ ولَمْ يُطَلِّقْ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا تَطْلُقُ (1)، وعِنْدِي: أَنَّهَا تَطْلُقُ إِذَا بَقِيَ مِنَ اليَوْمِ مَا لاَ يَتَّسِعُ لِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في اليَوْمِ وفي الغَدِ وفي بَعْدِ غَدٍ طَلَقَتْ ثَلاَثاً. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في اليَوْمِ وغَدٍ أَو بَعَد غَدٍ طَلَقَتْ وَاحِدَةً، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَقَعَ في المَسْأَلَةِ الأَوَّلَةِ إِلاَّ وَاحِدَةً أَيْضاً، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَداً، وَقَالَ: نَوَيْتُ آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ ووَقَعَ الطَّلاَقُ بِأَوَّلِ جُزْءِ مِنَ الغَدِ وهَلْ يَدِيْنُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (2).
فَإِنْ قَالَ لامْرَأَتِهِ، وهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ وطَالِقٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلاَثُ تَطْلِيْقَاتٍ. وكَذَلِكَ لوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ وطَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ تَطْلُقُ ثَلاَثاً، وكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ /296 ظ/ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ ثَلاَثاً إِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ وَاحِدَةً إِذَا دَخَلَتْ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا طَلَقَتْ ثَلاَثاً، وَقَالَ شَيْخُنَا في المدْخُولِ بِهَا (3): تَطْلُقُ بالأُوْلَى بالدُّخُولِ، ويَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ والثَّالِثَةُ في الحَالِ، وفي غَيْرِ المَدْخُولِ بِهَا تَطْلُقُ بالأُوْلَى بالمَدْخُولِ، وتَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ وتَلْغُو الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ المَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ بِهَا طَلْقَةٌ،
__________
(1) انظر: الهادي: 182.
(2) الوجه الأَوَّل: لَمْ يُقبل في الحكم ولَمْ يدين، والثاني: يدين، وهو رِوَايَة مهنا.
انظر: المحرر 2/ 66.
(3) انظر: المغني 8/ 406، المحرر 2/ 57.

(1/441)


وَقَالَ شَيْخُنَا: تطلقُ واحدةً في الحال وتلغو ما بعدها (1).
فإنْ قَالَ: إنْ كنتِ تُحبين أن يُعَذِّبكِ اللهُ بالنار فأنتِ طالقٌ فقالتْ: أحِبُّ ذَلِكَ فقد توقف إمَامُنا - رضي الله عنه - عَنْهَا، وَقَالَ: دعْنا من هَذِهِ المسائل، وَقَالَ شَيْخُنَا: تطلق (2)، فإن قَالَ: إن كنتِ تُحِبّين ذَلِكَ بقلبِكِ، فقالت: أُحِبُّ ذَلِكَ، وهي كاذبةٌ فالحُكْمُ كالتي قَبْلَها وتحتملُ أنْ لا يَقعَ في هَذِهِ المَسْألةِ، فإذا قَالَ: أنتِ طَالِقٌ إلى شَهْرٍ، فإنْ نَوى مِنَ الآنَ إلى شَهْرٍ طلقتْ في الحالِ، وإنْ لَمْ يَنْوِ طلقتْ بَعْدَ خُروجِ الشَّهْرِ، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ في آخِرِ الشَّهْرِ طلقتْ بطُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ آخِرِ يومٍ فِيْهِ سواءٌ كَانَ تامّاً أو ناقِصاً، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ في أوّلِ آخِرِ الشَّهْرِ طلقتْ في أوَّلِ جُزْءٍ مِنَ اليومِ الأخيرِ مِنْهُ، وَقَالَ أبو بكر: تطلقُ في أوّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَر مِنْهُ (3). فإنْ عكسَ، فَقَالَ: أنتِ طالقٌ في آخر أولِ الشهرِ طلقتْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمسِ مِنَ اليومِ الأوّلِ مِنْهُ، وعندَ أبي بكرٍ: تطلقُ بغُرُوبِها مِنَ اليومِ الخَامِسَ عَشَر مِنْهُ (4). فإنْ قَالَ: إذا مَضَتْ سنةٌ فأنتِ طَالِقٌ فإنه يعتبر مضى اثنا عَشَر شَهراً بالأهِلّةِ، فإنْ كَانَ يلفظُ بذَلِكَ في أثْنَاءِ شَهْرٍ كملَ ذَلِكَ الشهرُ بالعَدَدِ ثَلاثِينَ يوماً. فإنْ قَالَ: إذا مَضَتِ السَّنَةُ فأنتِ طَالِقٌ، طلقتْ بانْسِلاخِ ذي الحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ التي حَلَفَ فِيْهَا. فإنْ قَالَ: أرَدتُ سنةً كاملةً فهل يقبل في الحُكمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5). وكَذَلِكَ الحكمُ في تعليقِ العِتاقِ فيما ذكرْنا. فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثلاثاً في ثلاثِ سِنين في كُلّ سنةٍ واحِدةً، وَقَعَتْ واحدةً في الحَالِ وتَقَعُ الثانيةُ بِدُخُولِ أول جزءٍ مِنَ المُحَرّمِ وكَذَلِكَ الثّالِثَةُ فإنْ قَالَ أرَدتُ بالسَّنَةِ اثناَ عَشَرَ (6) شَهْراً لَمْ تَقَعْ الثانية حَتَّى يمضي من ذَلِكَ الوَقْتِ اثنا عَشَر شَهراً /297 و/ وكَذَلِكَ الثّالِثةُ. هَذَا إذا بَقِيَتْ المَرْأةُ عَلَى مُلْكِهِ بأن يُرَاجِعَها عِنْدَ وُقُوعِ كُلّ طلقةٍ، فأمّا إذا بانَتْ مِنْهُ بالأوّلَةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاقٌ ثَانٍ (7)، إلاّ أنْ يعودَ فَيَتَزَوّجَها، وتأتي السَّنَةُ الثّانيةُ فَتَقَعُ الطَّلْقَةُ الثّانيةُ وكَذَلِكَ الثّالِثَةُ، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ ثلاثاً كُلّ يومٍ طَلْقَةً فإنها تَطلقُ في الحالَ طَلْقَةً إذا كَانَ بِلَفْظِهِ في يومٍ وتَطْلُقُ الثَّانِيةُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ مِنَ اليومِ الثَّانِي وكَذَلِكَ الثّالِثَةُ، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ يومَ يَقْدِمُ فلانٌ فَقَدِمَ ليلاً لَمْ يَقَعْ طًلاقٌ إلا أنْ يَنْوِيَ باليَومِ الوَقْتَ فيقَعْ، فإنْ قُدِمَ به مَيِّتاً أو مُكرهاً لَمْ يقعِ الطلاقُ،
__________
(1) انظر: المغني 8/ 407، المحرر 2/ 57.
(2) وَقِيْلَ: لا تطلق، وَقِيْلَ: لا تطلق إن قَالَ: بقلبك وإلا طلقت. انظر: المحرر 2/ 62.
(3) انظر: الهادي: 182، المحرر 2/ 66.
(4) انظر: الهادي: 182، المحرر 2/ 66.
(5) الأولى: يقبل، الثانية: لا يقبل. انظر: المقنع: 237، والمحرر 2/ 67، والشرح الكبير 8/ 375.
(6) في الأصل: ((اثنا)).
(7) في الأصل: ((ثاني)).

(1/442)


فإنْ قَالَ: إن رَأيْتِ فلاناً فأنتِ طَالِقٌ فرَأَتْهُ مَيِّتاً طلقتْ فإنْ رأَتْهُ في المَاءِ أو في المِرآةِ لَمْ تطلّق، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ إن رأيْتُ الهِلالَ، طَلَقَتْ إذا رأى الهلال، فإنْ قَالَ: نَوَيْتُ إذا رأيْتُهُ بعَيْنِي دِيْنَ فَهَلْ يقبلُ في الحُكْمِ؟ يخرجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).

فَصْلٌ عَاشِرٌ في التَّعْلِيقِ /303 و/ بالكَلامِ والإذْنِ
فإنْ قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، فإنْ كانَتْ غَيْر مَدْخُولٍ بِهَا طَلَقَتْ طَلْقَةً وَاحِدِةً، وإنْ كانَتْ مَدْخُولاً بِهَا، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْن ومَتَى كَلّمَها قَبْلَ انْقِضَاءِ العِدّةِ طَلَقَتِ الثّالِثَةِ. وكَذَلِكَ إذا قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدّارَ فأنتِ طَالِقٌ طَلَقَتْ في الحالِ واحِدَةً، وإذا دَخَلَتِ الدارَ وَقَعَتِ الثانيةُ إنْ كانَتْ مَدْخُولاً بِهَا فإنْ قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ فَحَقِّقِي ذَلِكَ أو مُرِّي وَقَعَ الطّلاقُ فَحَقِّقِي ذَلِكَ أو مُرِّي، وَقَعَ الطّلاقُ في الحالِ. فإنْ قَالَ: إن بدأتكِ بالكلامِ فأنتِ طَالِقٌ، فقالَتْ لَهُ: فإنْ بَدَأتَ بالكلام فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ كَلّمَها وكَلّمَتْهُ لَمْ يَقَعِ الطّلاقُ ولا العِتْقُ، وإنْ كَلّمَتْهُ ثُمَّ كَلّمَهَا وَقَعَ العِتْقُ وَلَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، فَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ رَجُلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ كَلَّمْتِ فَقِيْهاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ طَوِيْلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْ رَجُلاً فَقِيْهاً طَوِيْلاً طَلَقَتْ ثَلاَثاً.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ فُلاَناً فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتاً أو نَائِماً أَو مُغْمًى عَلَيْهِ أو غَائِباً أو مَجْنُوناً، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَطْلُقُ، وحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ - رضي الله عنه - (2)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ تَطْلُقُ (3). فَإِنْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ سَكْرَانٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (4). وإِنْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ أَصَمُّ وَكَانَ الكَلاَمُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ لَوْ كَانَ سَمِيْعاً لَمْ يَحْنَثْ ويَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: أنَّهُ يَحْنَثُ (5). فَإِنْ كَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أو غَفْلَتِهِ عَنْهَا حَنَثَ، نَصَّ عَلَيْهِ (6). فَإِنْ كَاتَبَتْهُ أو رَاسَلَتْهُ طَلَقَتْ، فَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (7). فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ (8) الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا
__________
(1) انظر: المغني 8/ 322.
(2) انظر: المحرر 2/ 74، والشرح الكبير 8/ 427.
(3) المصدران السابقان.
(4) الوجه الأول: يحنث، والثاني: لا يحنث. انظر: المقنع: 241، والمحرر 2/ 74.
(5) انظر: المقنع: 241، والمحرر 2/ 74.
(6) انظر: المقنع: 241، والهادي: 187، والمحرر 2/ 74.
(7) الوجه الأول: لا تطلق؛ لأنَّهُ لَمْ يوجد الكلام، والثاني: تطلق؛ لأنَّهُ يحصل بِهِ مقصود الكلام.
انظر: المقنع: 241، والمحرر 2/ 74، والشرح الكبير 8/ 427.
(8) في الأصل: ((هَذَا))، وما أثبتناه من المقنع.

(1/443)


طَالِقَتَانِ، فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِداً مِنَ الرَّجُلَيْنِ طَلَقَتَا، ويَتَخَرَّجُ: أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيْعاً كُلّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: لا تُكَلِّمِي أَبَاكِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ (1)، وعِنْدِي: أنَّهُ يَقَعُ إِنْ قَصَدَ أَنْ لاَ تُخَالِفَهُ، أو لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ حَقِيْقَةَ الأَمْرِ والنَّهْيِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لأنَّ نَهْيَهُ أَمْرٌ بِتَرْكِ كَلاَمِهِ، وَقَدْ خَالَفَتْهُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي أو إِلاَّ بِإِذْنِي أو حَتَّى آذَنَ، فَأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ طَلَقَتْ، وَعَنْهُ: أنَّهَا لاَ تَطْلُقُ (2). وإِذْنُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً إِذْناً لها أَبَداً إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ /304 ظ/ أَنَّهَا تَسْتَأْذِنُهُ كُلَّ مَرَّةٍ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللهِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لاَ تَعْلَمُ فَخَرَجَتْ طَلَقَتْ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا تَطْلُقَ عَلَى مَا قَالَهُ في عَزْلِ الوَكِيْلِ أنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْلَمَ.
فإِنْ أَذِنَ لها في الخُرُوجِ فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى نَهَاهَا عَنِ الخُرُوجِ فَخَرَجَتْ احتَمَلَ أَنْ لاَ تَطْلُقَ؛ لأنَّهُ قَدْ أَذِنَ، واحْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ؛ لأنَّ هَذَا الخُرُوجَ يَجْرِي مَجْرَى خُرُوجٍ ثَانٍ (3)، وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ إِلاَّ بِإِذْنِي فَأنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ إِلَى الحَمَّامِ ثُمَّ عَدِلَتْ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ، فَقِيَاسُ المَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لاَ تَمْضِيَ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لاَ تَطْلُقَ؛ لأنَّ خُرُوجَهَا لَمْ يَكُنْ إِلَى غَيْرِ الحمَّامِ وإِنَّمَا أَضَافَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الخُرُوجِ، فَإِنْ نَوَتْ في حَالِ خُرُوجِهَا الحَمَّامَ وغَيْرَهُ طَلَقَتْ. فَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ لَمْ تَنْحَلَّ اليَمِيْنُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا (4)، ويَحْتَمِلُ أَنْ تَنْحَلَّ؛ لأنَّ قَصْدَهُ مَا دَامَتْ (5) وِلاَيَتُهُ.

بَابُ جَوَابَاتِ مَسَائِلَ يُعَايَا بِهَا في الطَّلاَقِ عَلَى وَجْهِ تَأْوِيْلِ الحَالِفِ ونِيَّتِهِ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ في مَاءٍ: إِنْ أَقَمْتِ في هَذَا المَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ خَرَجْتِ مِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ المَاءُ جَارِياً ولاَ نِيَّةَ لَهُ لَمْ تَطْلُقْ سَوَاءٌ خَرَجَتْ، أو أَقَامَتْ، فَإِنْ كَانَ المَاءُ رَكِداً فالحِيْلَةُ أنْ تَحْمِلَ في الحَالِ مُكْرَهَةً. فإِنْ كَانَتْ عَلَى سُلَّمٍ فَقَالَ لَهَا:
__________
(1) انظر: المغني 8/ 392.
(2) انظر: المقنع: 241 - 242، والمحرر 2/ 75.
(3) في الأصل: ((ثاني)).
(4) انظر: الهادي: 188.
(5) بعد هذا في المخطوط كلمة ((دا)) ولا معنى لها وهي مقحمة.

(1/444)


إِنْ صَعَدْتِ فِيْهِ أو نَزَلْتِ أو أَقَمْتِ أو رَمَيْتِ نَفْسَكِ أو حَطَّكِ أَحَدٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى سُلَّمٍ آخَرَ. فَإِنْ كَانَ في فَمِهَا رطْبَةٌ، فَقَالَ: إِنْ أَكَلْتِهَا أو أَلْقَيْتِهَا أو أمْسَكْتِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَأْكُلُ نِصْفَهَا وتَرْمِي البَاقِيَ، ولاَ تَطْلُقُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا فَعَلَ، ولا يَفْعَلُ شَيْئاً ففَعَلَ بَعْضَهُ. فَإِنْ أَكَلَ رُطَباً كَثِيْراً ثُمَّ قَالَ لها: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُخْبِرِيْنِي بعَدَدِ مَا أَكَلْتُ، فَخَلاَصُهَا أَنْ تَعدَّ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّ مَا أَكَلَهُ قَدْ دَخَلَ فِيْهِ، فَإِنْ أَكَلَ رُطَباً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ [إنْ لَمْ تُمَيِّزِي] (1) نَوَى مَا أَكَلْتِ مِن نَوَى مَا أَكَلْتُ وَقَدِ اخْتَلَطَ، فَإِنَّها تُفْرِدُ كُلَّ نَوَاةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُصَدِّقِيْنِي هَلْ سَرَقْتِ مِنِّي أَمْ لاَ؟ فَإِنَّهَا إِذَا قَالَتْ: سَرَقْتُ مِنْكَ مَا سَرَقْتُ مِنْكَ لَمْ تَطْلَقْ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَوْدَعَهَا كِيْساً فَجَحَدَتْهُ أو أَخَذَتْ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لاَ تَخُونَهُ في مَالِهِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ
بَشَّرَتْنِي (2) بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتَاهُ (3) /305 و/ زَوْجَتَاهُ بِقُدُومِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ الأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا صَادِقَتَيْنِ طَلَقَتْ الأَوَّلَةُ وَلَمْ تَطْلُقِ الثَّانِيَةُ، وإِنْ كَانَتَا كَاذِبَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً، طَلَقَتْ دُوْنَ الكَاذِبَةِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقَةٌ فَقَالَ شَيْخُنَا: حُكْمُهَا حُكْمُ المَسْأَلَةِ قَبْلَهَا (4)، وعِنْدِي: أَنَّهُمَا إِذَا أَخْبَرَتَاهُ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِهِمَا عَلَى الأَحْوَالِ الثَّلاَثَةِ؛ لأَنَّ الخَبَرَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ والكَذِبُ، ويُسَمَّى خَبَراً وإِنْ تَكَرَّرَ. والبِشَارَةُ: القَصْدُ بِهَا السُّرُورُ، وإِنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ مَعَ الصِّدْقِ ويَكُونُ مِنَ الأَوَّلِ لاَ غَيْرُ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلْتِ رُمَّانَةً طَلَقَتْ ثَلاَثاً. فَإِنْ قَالَ: إِذَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ زَوْجَاتٍ فَاشْتَرَى لَهُنَّ خِمَارَيْنِ فَاخْتَصَمْنَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إِنْ لَمْ تَخْتَمِرْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ عِشْرِيْنَ يَوْماً في هَذَا الشَّهْرِ.
فَالوَجْهُ أَنْ تَخْتَمِرَ الكُبْرَى والوُسْطَى بالخِمَارَيْنِ عَشرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَدْفَعَ (5) الكُبْرَى الخِمَارَ إِلَى الصُّغْرَى ويَبْقَى خِمَارُ الوُسْطَى إِلَى تَمَامِ عِشْرِيْنَ يَوْماً ثُمَّ تَأْخُذَ الكُبْرَى خِمَارَ الوُسْطَى إِلَى تَمَامِ الشَّهْرِ، ومِثْلُهَا إِذَا سَافَرَ بالنِّسْوَةِ سَفَراً قَدْرُهُ ثَلاَثُ فَرَاسِخَ ومَعَهُ بَغْلاَنِ فَاخْتَصَمْنَ
__________
(1) في الأصل: ((لَمْ تميزي))، وما أثبتناه من المغني والكافي.
(2) في الأصل: ((بشرني)).
(3) هكذا في الأصل، والأصح: فأخبرته. ويجوز تخريجها عَلَى بَعْض اللغات أو الإعرابات.
(4) انظر: المقنع: 243، والمحرر 2/ 75.
(5) في الأصل: ((يدفع)).

(1/445)


عَلَى الرُّكُوبِ فَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ لَتَرْكَبَنَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ (1) مِنْكُنَّ فَرْسَخَيْنِ، فَتَرْكَبُ الكُبْرَى والوُسْطَى فَرْسَخاً ثُمَّ تَتْرُكُ الكُبْرَى وتَرْكَبُ الصُّغْرَى مَوْضِعَهَا فَرْسَخاً، ثُمَّ تَتْرُكُ الوُسْطَى وتَرْكَبُ الكُبْرَى مَوْضِعَهَا تَمَامَ المَسَافَةِ، فَإِنْ حَمَلَ إِلَى بَيْتِهِ ثَلاَثِيْنَ قَارُورَةً: عَشْرَةٌ مَلأَى، وعَشْرَةٌ في كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُهَا، وعَشْرَةٌ فُرَّغٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ لأُقَسِّمَنَّهَا بَيْنَكُمْ بالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيْنَ عَلَى القِسْمَةِ بِمِيْزَانٍ ولاَ بِمِكْيَالٍ فَإِنَّهُ يَمْلأُ خَمْساً مِنَ المُصَنَّفَاتِ بالخَمْسَةِ الأُخَرِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةً مَمْلُوءةً وخَمْسَةً فُرَّغاً. فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ نَعْجَةً فَنَتَجَتْ عَشْرَةٌ مِنْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثَ سَخْلاَتٍ، ونَتَجَتْ عَشْرَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، ونَتَجَتْ عَشْرَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَةً، ثُمَّ حَلَفَ بالطَّلاَقِ لَيُقَسِّمَنَّهَا بَيْنَهُنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثِيْنَ رَأْساً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شَيءٍ مِنَ السَّخْلاَتِ وأُمَّهَاتِهِنَّ، فَإِنَّهُ يُعْطِي أَحْدَاهُنَّ العَشْرَةَ الَّتِي نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، ويَقْسِمُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ مَا بَقِيَ /307 ظ/ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ مِمَّا نِتَاجُهَا ثَلاَثَةٌ، وخَمْسَةٌ مِمَّا نِتَاجُهَا سَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ بَيْضاً ثُمَّ رَأَى في كُمِّ إِنْسَانٍ شَيْئاً فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: شيءٌ (2) للأَكْلِ، فَقَالَ: زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لاَ بُدَّ مِمَّا آكُلُ مِنْهُ وإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَالحِيْلَةُ أَنْ يَعْمَلَ بِذَلِكَ البَيْضِ نَاطِفاً (3) ويَأْكُلَ مِنْهُ فَلاَ يَحْنَثُ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ رُمَّاناً ولاَ تُفَّاحاً ولاَ سَفَرْجَلاً، ثُمَّ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا في كُمِّ زَيْدٍ فَإِذَا هُوَ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مِنْهُ شَرَاباً أو لَعُوقاً (4) ويَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِنْ رَأَى مَعَ زَوْجَتِهِ إِنَاءً فِيْهِ مَاءٌ (5) صَحَّ، فَقَالَ: أَسْقِيْنِيْهِ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، فَحَلَفَ بالطَّلاَقِ لا شَرِبْتُ هَذَا المَاءَ ولاَ أَرَقْتِيْهِ وَلاَ تَرَكْتِيْهِ في الإِنَاءِ ولاَ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُكِ.
فالحِيْلَةُ أَنْ تَطْرَحَ في الإِنَاءِ ثَوْباً يَشْرَبُ المَاءَ ثُمَّ تُجَفِّفُهُ في الشَّمْسِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَرِيْكِهِ ثَمَانِيَةُ أَمْنَاءٍ دُهْناً في ظَرْفٍ ومَعَهُمَا ظَرْفَانِ يَسَعُ أَحَدَهُمَا خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ والآخَرُ ثَلاَثَةَ أَمْنَاءٍ فَارِغاً فَقَالَ لِشَرِيْكِهِ: اطْلُبْ مِكْيَالاً يُقْسَمُ بِهِ هَذَا الدُّهْنِ فَقَالَ: اطْلُبْ أَنْتَ فَحَلَفَ بالطَّلاَقِ لاَ بُدَّ أَنْ يُقْسِمَهُ بالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيْرَ مِكْيَالاً. فالوَجْهُ أَنْ يَكِيْلَ بالَّذِي يَسَعُ ثَلاَثَةً مَرَّتَيْنِ فَيَطْرَحَهُمَا في الَّذِي يَسَعُ خَمْسَةً فَيَبْقَى في الثُّلاَثِيِّ، ثُمَّ تَطْرَحُ مَا في الخُمَاسِيِّ في الثُّمَانِيِّ، ثُمَّ يَطْرَحُ المَنَّ في الخُمَاسِيِّ ويَكِيْلُ بالثُّلاَثِيِّ مِلأَهُ فَيَطْرَحُهُ في الخُمَاسِيِّ
__________
(1) في الأصل: ((يركبن كُلّ واحد)).
(2) في الأصل: ((شيئاً)).
(3) الناطف: نوع من الحلواء، ويسمى: القبيطي أو القبيط.
انظر: تاج العروس 24/ 423، ومتن اللغة 5/ 486 (نطف).
(4) اللعوق: ما يلعق من دواء أو عسل، وَقِيْلَ: هُوَ اسم لما يؤكل بالملعقة. تاج العروس 26/ 359 (لعق).
(5) في الأصل: ((ماء)).

(1/446)


فَيَحْصُلُ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ ويَبْقَى في الثُّمَانِيِّ أَرْبَعَةٌ.
فَإِنْ وَرَدَ أَرْبَعَةُ (1) رِجَالٍ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ زَوْجَتُهُ إِلَى شَّاطِئ نَهْرٍ لِيَعْبُرُوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلاَّ سَفِيْنَةً لاَ تَحْمِلُ إِلاَّ نَفْسَيْنِ فَاخْتَلَفُوا في العُبُورِ، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ لاَ تَرْكَبُ زَوْجَتِي مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ، فَمَا زَادَ إِلاَّ وأَنَا مَعَهَا.
فَوَجْهُ الخَلاَصِ أَنْ يَعْبُرَ رَجُلٌ وامْرَأَتُهُ ثُمَّ يَصْعَدَ زَوْجُهَا مِنَ السَّفِيْنَةِ، وتَعُود امْرَأَتُهُ فَتَأْخُذَ امْرَأَةً أُخْرَى فَتَعْبُرَ مَعَهَا ثُمَّ تَصْعَدَ الأُوْلَى إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الثَّانِيَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَ الزَّوْجُ ثُمَّ تَعُودَ امْرَأَتُهُ فَتَأْخُذَ المَرْأَةَ الثَّالِثَةَ فَتَعْبُرَ بِهَا ثُمَّ تَصْعَدَ الثَّانِيَةُ إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الثَّالِثَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَ زَوْجُهَا ثُمَّ تَعُودَ، فَتَأْخُذَ الرَّابِعَةَ [زَوْجها] (2) فَتَعبُرَ بِهَا، ثُمَّ تَصْعَدَ الثَّالِثَةُ إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الرَّابِعَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَانِ مَعاً.
فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ فَيَتَخَلَّصُونَ وَلَوْ كَانُوا أَلْفاً، فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ: لاَ عَبَرْتِ جَانِب البَحْرِ وفِيْهِ رَجُلٌ إِلاَّ وأَنَا مَعَكِ، فَطَرِيْقُهُ: أَنْ تَعْبُرَ امْرَأَتَانِ /306 و/ فَتَصْعَدَ إِحْدَاهُمَا (3) ثُمَّ تَرْجِعَ الأُخْرَى فَتَأْخُذَ امْرَأَةً ثَالِثَةً فَتَعْبُرَ مَعَهَا، ثُمَّ تَعُودَ فَتَصْعَدَ إِلَى زَوْجِهَا ويَنْزِلَ زَوْجَا المَرْأَتَيْنِ فَيَعْبُرَا (4) إِلَيْهِمَا فَيَصْعَدَا (5) ويَنْزِلَ الرَّجُلُ وامْرَأَتُهُ فَيَعْبُرا (6) فَتَصْعَدَ المَرْأَةُ ويَنْزِلَ مَعَ الرَّجُلِ فَيَعْبُرَا (7) ويَصْعَدَا (8) وتَنْزِلَ المَرْأَةُ الثَّالِثَةُ فَتَعْبُرَ بالمَرأَتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَتَصْعَدَ الثَّلاَثُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، ولاَ تُصَوَّرُ هَذِهِ الطَّرِيْقَةُ في أَكْثَرِ مِنْ ثَلاَثٍ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ أَبْصَرْتُكِ إِلاَّ وأَنْتِ لاَبِسَةٌ عَارِيَةٌ حَافِيَةٌ رَاجِلَةٌ رَاكِبَةٌ فَأَبْصَرَهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ كَيْفَ كَانَ خَلاَصُهُ؟
فَالوَجْهُ تُجِيْبُهُ باللَّيْلِ عُرْيَانَةً حَافِيَةً رَاكِبَةً في السَّفِيْنَةِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} (9)، وَقَالَ: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْريهَا وَمُرْسَاهَا} (10)، فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ
__________
(1) في الأصل: ((أربع)).
(2) لعل كلمة: ((زوجها)) مقحمة هنا إذ لا يستقيم المعنى مَعَهَا.
(3) في الأصل: ((أحديهما)).
(4) في الأصل: ((فيعبران)).
(5) في الأصل: ((فيصعدان)).
(6) في الأصل: ((فيعبران)).
(7) في الأصل: ((فيعبران)).
(8) في الأصل: ((فيصعدان)).
(9) النبأ: 10.
(10) هود: 41.

(1/447)


طَالِقٌ إِنْ وَلَدْتِ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ أُنْثَيَيْنِ أو حَيَّيْنِ أَو مَيِّتَيْنِ، فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَلَمْ تَطْلُقْ. فَهَذِهِ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ ذَكَراً أَو أُنْثَى، أَحَدُهُمَا (1) مَيِّتٌ والآخَرُ حَيٌّ، فإِنْ قَطَعَ عَلَيْهِ رِجَالٌ فَأَخَذُوا رَحْلَهُ فَعَرَفَهُمْ فَحَلَّفُوهُ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ أَنْ لاَ يُخْبِرَ بِهِمْ ولاَ يَغْمِزَ عَلَيْهِمْ ويُرِيْدُ أَخْذَ مَالِهِ فَمَا يَصْنَعُ؟ فَالحِيْلَةُ أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبُ السُّلْطَانِ كُلَّ مَنْ يَسْكُنُ بَلَدَ القَاطِعِيْنَ مِنَ الرِّجَالِ ثُمَّ يَقِفَ عَلَى بَابِ البَلَدِ ويَأْمُرَهُمْ بالدُّخُولِ، كُلَّمَا دَخَلَ رَجُلٌ قَالَ: سأَخَذَ مَالَكَ هَذَا، فَيَقُولُ: لا حَتَّى إِذَى مَرَّ بِهِ أَحَدُ القَاطِعِيْنَ وسَأَلَهُ سَكَتْ فَيَعْلَمُ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ إِخْبَارِهِ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ في شَعْبَانَ بالثَّلاَثِ أَنْ يُجَامِعَهَا في نَهَارٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فالحِيْلَةُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَ وكَفَّرَ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ (2) في الحَيْضِ بِدِيْنَارٍ أَو نِصْفِ دِيْنَارٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في رَجُلٍ حَلَفَ: لا بُدَّ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اليَوْمَ، فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، قَالَ: لاَ يَطَأُ وتَطْلُقُ. فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ بالطَّلاَقِ: أنِّي أُحِبُّ الفِتْنَةَ، وأَكْرَهُ الحَقَّ، وأَشْهَدُ بِمَا لَمْ تَرَ عَيْنِي، ولاَ أَخَافُ مِنَ اللهِ ولاَ مِنْ رَسُولِهِ، وأَنَا مُؤْمِنٌ عَدْلٌ مَعَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ. فَهَذَا رَجُلٌ يُحِبُّ المَالَ والوَلَدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} (3) ويَكْرَهُ المَوْتَ، وَهُوَ حَقٌّ، ويَشْهَدُ بالبَعْثِ والحِسَابِ، ولاَ يَخَافُ مِنَ اللهِ ولاَ مِنْ رَسُولِهِ الظُّلْمَ والجَوْرَ، فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ بَعَثَتْ إِلَيْهِ، قَدْ حَرُمْتُ عَلَيْكَ وتَزَوَّجْتُ بِغَيْرِكَ وَأَوْجَبْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُنْفِذَ لِي نَفَقَتِي وَنَفَقَةَ زَوْجِي وتَكُونَ هَذِهِ المَرْأَةُ عَلَى الحَقِّ في جَمِيْعِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ مَمْلُوكَةٍ، ثُمَّ بَعَثَ المَمْلُوكَ في تِجَارَةٍ ومَاتَ الأَبُ، فَإِنَّ البِنْتَ تَرِثُهُ ويَفْسَخُ نِكَاحَ العَبْدِ، وتَقْضِي العدَّةَ، وتَتَزَوَّجُ بِرَجُلٍ فَتُنَفِّذُ (4) /308 ظ/ إِلَيْهِ: ابْعَثْ مِنَ المَالِ الَّذِي مَعَكَ فَهُوَ لي، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ: إِحْدَاهُمَا في الغُرْفَةِ، والأُخْرَى في الدَّارِ فَصَعِدَ في الدَّرَجِ فَقَالَتْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَيَّ فَحَلَفَ: لاَ صَعَدْتُ إِلَيْكِ ولاَ نَزَلْتُ إِلَيْكِ ولاَ أَقَمْتُ مَكَانِي سَاعَتِي هَذِهِ، فَإِنَّ الَّتِي في الدَّارِ تَصْعَدُ، والَّتِي في الغُرْفَةِ تَنْزِلُ، ولَهُ أَنْ يَصْعَدَ ويَنْزِلَ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ تَطْبَخَ لَهُ قِدْراً بِرَطْلَيْنِ مَاءً وتَطْرَحَ مَعَهُ كَيْلَجَةَ (5) مِلْحٍ ويَأْكُلَ
__________
(1) في الأصل: ((أحديهما)).
(2) في الأصل: ((وطئ)).
(3) الأنفال: 28.
(4) كررت في المخطوطة.
(5) الكيلجة: كيل لأهل العراق. وهو يساوي بالكيلو غرام 1. 159,805.
انظر: معجم متن اللغة 1/ 89، والمعجم الوسيط: 880.

(1/448)


مِمَّا طَبَخَتْ، ولاَ يَجِدُ لَهُ طَعْمَ مِلْحٍ فَتَسْلُقَ لَهُ بَيْضاً في قِدْرٍ وتَطْرَحَ مَعَهُ كَيلَجَةَ مِلْحٍ ويَأْكُلَ مِمَّا طَبَخَتْ، ولاَ يَجِدُ لَهُ طَعْمٌ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ: لاَ دَخَلَ بَيْتَكِ بَارِيَةٌ (1) ولاَ وَطِئْتُكِ إِلاَّ عَلَى بَارِيَةٍ، ويُرِيْدُ أَنْ يَطَأَهَا في البَيْتِ ولاَ يَحْنَثُ، فالحِيْلَةُ أَنَّهُ يَحْمِلُ إلى بَيْتِهِ قَصَباً ويَنْسِجُ لَهُ الصَّانِعُ بَارِيَةً في بَيْتِهِ فَيَطَأَ عَلَيْهَا.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لَيُجَامِعَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ فَإِنَّهُ يَثْقُبُ السَّقْفَ، ويُخْرِجُ مِنْهُ رَأْسَ رُمْحٍ قَلِيْلاً ثُمَّ يُجَامِعُهُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ بُدَّ أَنْ تُخْبِرِيْنِي عَنْ شَيءٍ رَأْسُهُ في عَذَابٍ وأَسْفَلُهُ في شَرَابٍ ووَسَطُهُ في طَعَامٍ وَحَولَهُ سَلاَسِلُ وأَغْلاَلٌ وحبَسُهُ في بَيْتٍ مِنْ صفرٍ.
فَالجَوابُ: أنَّ ذَلِكَ فَتِيْلَةُ القِنْدِيْلِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ في نَهَارِ يَوْمٍ، لاَ يَغْتَسِلُ فِيْهِ مِنْ جَنَابَةٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ المَاءِ ولاَ تَفُوتُهُ صَلاَةُ جَمَاعَةٍ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ الفَجْرَ والظُّهْرَ والعَصْرَ، ويَطَأُ بَعْدَ العَصْرِ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ وصَلَّى مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا حَلَفَ المُكَلَّفُ المُقِيْمُ وَقَتَ الفَجْرِ ما افْتُرِضَ عَلَيَّ في يَوْمَي هَذَا إِلاَّ خَمْسَ عَشْرَةَ (2) رَكْعَةً لَمْ يَحْنَثْ إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْنَا في يَوْمِنَا هَذَا تِسْعَ عَشْرَةَ (3) رَكْعَةً، فَهُوَ عِيْدٌ.
فَإِنْ حَلَفَ أَنِّي رَأَيْتُ رَجُلاً يُصَلِّي إِمَاماً بِنَفْسَيْنِ وهوَ صَائِمٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وبَطَلَ صَوْمُهُ وصَلاَتُهُ، ووَجَبَ جَلْدُ المَأْمُوْمَيْنِ، ونَقْصُ المَسْجِدِ فَكَيْفَ كَانَ صِفَةُ ذَلِكَ؟
فَهَذَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ قَدْ غَابَ زَوْجُهَا وشَهِدَ المَأْمُومَانِ بِوَفَاتِهِ، وأَنَّهُ وَصَّى بِدَارِهِ أَنْ تُجْعَلَ مَسْجِداً، وكَانَ /309 و/ مُتَيَمِّماً صَائِماً فالتَفَتَ فَرَأَى زَوْجَ المَرْأَةِ قَدْ قَدمَ والنَّاسُ يَقُولونَ: خَرَجَ يَوْمَ العِيْدِ، وجَاءَ يَومُ العِيْدِ وهوَ لاَ يَعْلَمُ بأَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ (4) ورَأَى إِلى جَنْبِهِ مَاءً وعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، فَإِنَّ المَرْأَةَ تَحْرُمُ بِقُدُومِ الزَّوْجِ، وصَوْمَهُ كَوْنُهُ صَوْمَ عِيْدٍ، وصَلاَتُهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ المَاءِ، ويُجْلَدُ الرَّجُلَيْنِ بِكَوْنِهِمَا شَاهِدَي زُورٍ. ويَجِبُ نَقْضُ المَسْجِدِ بأَنَّ الوَصِيَّةَ ما صَحَّتْ والدَّارُ لِمَالِكِهَا.
__________
(1) البارية: الحصير المنسوج، معرب (بوديا).
انظر: معجم متن اللغة 1/ 285، والمعجم الوسيط: 76.
(2) في الأصل: ((خمس عشر)).
(3) في الأصل: ((تسعة عشر)).
(4) في الأصل: ((رأى)).

(1/449)


فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ تَمْرٌ وتِيْنٌ وزَبِيْبٌ وَزْنُ الجَمِيْعِ عِشْرُونَ (1) رَطْلاً فَحَلَفَ أَنَّهُ بَاعَ التَّمْرَ كُلَّ رَطْلٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، والتِّيْنَ كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهمَيْنِ، والزَّبِيْبَ كُلَّ رَطْلٍ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَجَاءَ ثَمَنُ الجَمِيْعِ عِشْرُونَ دِرْهَماً وصَدقَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ التَّمْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَطْلاً، والتِّيْنُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ، والزَّبِيْبُ رَطْلاً وَاحِداً (2).
فَإِنْ رَأَى ثَلاَثَةَ إِخْوَةٍ لأَبٍ وأُمٍّ، أَحَدُهُمْ عَبْدٌ، والآخَرُ مَوْلًى، والآخَرُ عَرَبِيٌّ، فَإنَّهُ عَرَبِيٌّ تَزَوَّجَ بأَمَةٍ فَأَوْلَدَها ابْناً فَهُوَ عَبْدٌ لِسَيِّدِهَا، ثُمَّ كَاتَبَهَا السَّيِّدُ فَوَفَّتِ الكِتَابَةَ فَانْعَتَقَتْ وهيَ حَامِلٌ بابْنٍ، فَتَبِعَهَا الابْنُ في العِتَاقِ فَكَانَ مَوْلًى، ثُمَّ ولَدَتِ ابْناً بَعْدَ أَنْ عُتِقَتْ فَهُوَ عَرَبِيٌّ كَأَبِيْهِ. فَإِنْ حَلَفَ أَنِّي رَأَيْتُ امرَأَةً زَنَى بِهَا خَمْسَةُ (3) رِجَالٍ وَجَبَ عَلَى الأَوَّلِ القَتْلُ بالسَّيْفِ، وعَلَى الآخَرِ الرَّجْمُ، وعَلَى الثَّالِثِ الجَلْدُ، وعَلَى الرَّابِعِ نِصْفُ الجَلْدِ، ولَمْ يَجِبْ عَلَى الخَامِسِ شَيءٌ، فَإِنْ الأَوَّلَ كَانَ ذِمِّيّاً فَنَقَضَ العَهْدَ بِذَلِكَ الآخَرِ كَانَ مُحْصَناً، والثَّالِثَ كَانَ بِكْراً، والرَّابِعَ كَانَ عَبْداً، والخَامِسَ كَانَ حربياً وفي هَذَا كفاية.

بَابُ جامِعِ الأَيمانِ
مِمَّا يَشتَرِكُ فيهِ حُكمُ اليَمينِ بِاللهِ تَعَالَى وَبالطَّلاقِ والعِتَاقِ ويَرجِعُ في اليَمينِ إلى النِيَّاتِ. فَإنْ كانَتْ بطَلاقٍ أَو عِتاقٍ دِيْنَ فِيمَا بَينَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى، وَهَل يُقبَلُ في
الحُكمِ؟ عَلَى رِوايتَينِ. فَإنْ لم يَنوِ رَجَعَ إلى سَبَبِ اليَمينِ ومَا أثارهَا، فَإنْ عُدِمَ السَبَبَ رُجِعَ إلى ما تَناولَهُ الاسْمُ، فَإنْ اجتَمعَ الاسمُ، والتَّعيينُ أوِ الصِّفَةُ والتَّعيينُ عَلَينَا التَّعيينُ.
فَإنِ اجتَمعَ الاسْمُ والعَرفُ فَقدِ اختَلفَ أَصحَابُنا فَتارَةً غَلَّبوا الاسُمَ (4) وتَارَةً غلّبوا العُرفَ (5)، وَسَنُوضِح /310 ظ/ ذَلِكَ في المسَائلِ إنْ شَاءَ اللهُ وهَذا البَابُ يَشتَمِلُ عَلَى فُصولٍ: أحدُها في اليَمينِ عَلَى سُكنَى الدَّارِ، وَدَخولِها إذا حَلَفَ بِاللهِ أو بالطَّلاقِ، أو العِتَاقِ لأَسكُنُ هَذهِ الدَّارِ، وَهوَ سَاكِنُها فَمَتى أَمكَنهُ الخُروجُ فلَم يَخرُجْ حَنَثَ، فَإنْ خَرجَ دونَ رَحلِهِ وأَهلِهِ حَنَثَ. فَإنْ وَهَبَ رَحلَهُ أَو أَودَعَهُ، أو أعارَهُ وخَرَجَ لم يَحنَثْ فَإنِ امتَنعَتْ زَوجتُهُ مِنَ الخروجِ وَلمْ يُمكِنْهُ إخراجها لم يَحنَثْ فَإنْ أقامَ لِنَقلِ الأَمتعَةِ والرَّحْلِ، أو كَانَ لَيلاً فَخَشِىَ عَلَى نَفسِهِ إنْ خَرجَ، فأَقامَ حَتى طَلعَ الفَجرُ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يُسَاكنُ فلانَاً في هَذهِ الدَّارِ، وفي هَذهِ القريَةِ فَعلَى مَا ذَكرنَا.
__________
(1) في الأصل: ((عشرين)).
(2) في الأصل: ((رطل واحد)).
(3) في الأصل: ((خمس)).
(4) كررت في الأصل.
(5) انظر: الكافي 4/ 397.

(1/450)


فَإنْ كَانَ في الدَّارِ حُجرَتانِ، يَستقِلُّ بكلِ وَاحِدِ منهُما بمَرافق وبَابٍ يخصها مَسكن كُلُّ وَاحِدٍ في حُجرَةٍ لم يَحنَثْ، وَإنْ تَشَاغَلا بقِسمَةِ الدَّارِ وَبنَيَا بينَهمَا حَائطاً وفتحَ كُلُّ وَاحدٍ مِنهُمَا بَابَاً، وَهُما مُتسَاكِنَانِ في مُدَةِ التَّشَاغُلِ بذلِكَ، فهل يَحنَثُ بِذَلِكَ أَم لا؟ عَلَى وَجهَينِ، فَإنْ حَلَفَ لَيرحَلَنَّ عَنْ هَذهِ الدَّارِ، وَلم يَنوِ وَقتَاً فَرحَلَ، فَهلْ يَجوزُ أنْ يَعودَ إليهَا بَعدَ وَقتٍ؟ نَقَلَ مُهَنَّا لا يَعودُ، وَنقلَ إسمَاعِيلُ بنُ سَعيدٍ فِيمَن حَلَفَ لَيخرُجَنَّ مِن بَغدادَ بالطَّلاقِ فَخَرجَ ثمَّ رَجعَ فقَالَ: مَضَتْ يَمِينُهُ ولا شَيءَ عَلَيهِ (1)؛ لأنهُ حَلَفَ عَلَى الخُروجِ وَقَد خَرجَ.
فَعلَى هَذا التَّعليلِ، لَهُ أنْ يَعودَ إلى الدَّارِ، لأَنهُ حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ وَقَد رَحَلَ فلا حَنَثَ عَلَيهِ إذا عَادَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فُلانٍ هَذهِ، فَدخَلَهَا وقَد خُرِبَتْ، وَصَارتْ فَضَاءً أو غُيِّرَتْ فَصُيرَتْ حَمَّامَاً أو مَسجِدَاً، حَنثَ إلاّ أن يكونَ لَهُ نية، وكَذلِكَ إنْ بَاعَهَا فُلانٌ ثم دَخلَها حَنَثَ، فَإنْ لَم يَدخُلْها لَكِنَّهُ دخَلَ سَطحَها حَنَثَ.
فَإنْ دَخَلَ طَاقَ البَابِ فَهل يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وجهَينِ (2)، فَإنْ كانَ دَاخِلَ الدَّارِ فَحلَفَ لا يَدخُلُها فَإنْ لَم يَخرَجْ في الحَالِ حَنَثَ. أَومَأ إليهِ أحمدُ - رَحِمَهُ اللهُ - (3)، وَعندِي أَنهُ لا يَحنَثْ، إلا أنْ يَكونَ بَينَهُ مُفَارَقَةِ أَهلِ الدَّارِ أَو يَكونَ سَبَبُ يَمينِهِ يَقتَضِي ذَلِكَ، فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ بَابَ هَذهِ الدَّارِ، فَإنْ حُوِلَ بَابُها ودَخلَهَا حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ بَيتَاً فَدخَلَ المسجِدَ، أوِ الحمَّامَ، أو بَيتَاً مِن شَعرٍ، أو أَدَمٍ، حَنَثَ. فَإنْ دخَلَ دِهليزَاً أو صفةً أو طرر، لم يَحنَثْ / 311 و/.
وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ فأُدِخلَ فلانٌ عَلَيهِ فأقامَ مَعهُ حَنَثَ، ويحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَنوِيَ أنْ لا يجتَمِعَ مَعَهُ في بَيتٍ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ الدَّارَ فَحُمِلَ بغَيرِ أَمرِهِ فأُدِخِلَهَا، وَكانَ يُمكِنُهُ الامتِنَاعَ فلَم يَمتَنِعْ احتَملَ وَجهَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ والآخَرُ لا يَحنَثْ (4).
فَعلَى هَذا الوَجهِ إنْ أَقَامَ بَعدَ دُخولِهِ فَهَل يَحنَثُ؟ يخرَجُ عَلَى مَسألةِ إذا حَلَفَ لا يَدخُل الدَّارَ، وَهوَ فِيهَا، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَارَاً يَسكُنُهَا فلانٌ بِالأجرَةِ يحنَثُ، إلا أنْ يَنوِيَ مَلكَهُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ عَلَى فُلانٍ بَيتَاً، فَدخَلَ بيتَاً هوَ فِيهِ، وَلم
__________
(1) انظر: المغني 11/ 288، والكافي 4/ 407.
(2) الوجه الأول يحنث لأنه دخل في حدها، والثاني: لا يَحنَثْ، لأنه لا يسمى داخلاً، انظر الكافي
4/ 406، والشرح الكبير 11/ 245.
(3) انظر: المغني 11/ 295، والشرح الكبير 11/ 270.
(4) الوجه الأول اختيار أبي محمد؛ لأن لَهُ نوع اختيار أشبه ما لو كان الدخول بأمره، والوجه الثاني: حكي عن القاضي؛ لأن الفعل منسوب إلى غيره، انظر: المغني 11/ 289.

(1/451)


يَعلمْ كَونَهُ فيهِ يُخرجُ عَلَى روايتَينِ بِنَاءً عَلَى دُخولِهِ عَلَيهِ نَاسِياً فَإنْ دَخَلَ عَلَى جَماعَةٍ هوَ فِيهِمْ ويعلَمُ بِذلِكَ حَنَثَ.
فَإنْ نَوى بِدُخولِهِ عَلَى غَيرِهِ فَهلْ يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وَجهَينِ، وَمِثلُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ فُلاناً، فَسَلَّمَ عَلَى جَماعَةٍ هوَ فيهِم يخرجْ عَلَى الأحوالِ الثَلاثةِ.
فَإنْ حَلَفَ لَيدخُلَنَّ الدَّارَ فأَدخَلَ بَعضَ جَسَدِهِ لم يَبرَّ، وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلَها فَأَدخلَ بَعضَ جَسَدِهِ، فَعلَى روايتَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ، اختَارَهَا شَيخُنَا وَالأخرى لا يَحنَثْ وَهوَ الأقوَى عِندِي (1).
فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ هَذهِ الدَّارَ ثمَّ قَالَ: نَوَيتُ اليومَ دِيْنَ، وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يُخرَّجُ عَلَى رِوايتَينِ.

فَصلٌ ثَانٍ في اللبسِ وَالركوبِ
إذا حَلَفَ لا يَلبسُ مِنْ غَزلِها، فَلبِسَ ثَوباً فِيهِ مِنْ غَزلهِا، فَنقلَ مهنّا أَنهُ يَحنثُ، وَنقَلَ أَبو الحارِثِ أَنَّهُ لا يَحنَثْ (2). فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ ثَوباً نَسجَهُ زَيدٌ، فَلبِسَ ثَوباً نَسجَهُ زيدٌ وَعمرٌو، فَهَلْ يَحنَثُ؟ عَلَى روَايتَينِ (3)، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَأكُلُ طَعامَاً اشترَاهُ زَيدٌ، أو طبَخهُ زَيدٌ، فأكَلَ طَعامَاً اشتَراهُ زَيدٌ وَعَمرٌو، صَفقَةً واحِدَةً أو قدراً طَبخَاهَا مَعاً فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى رِوايتَينِ (4)، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ مِنْ غَزلهِا يَقصِدُ بذلِكَ قَطعَ المنَّةِ فَإنْ بَاعَ الغَزلَ، واشتَرى بِثَمنِهِ ثَوباً فَلبِسَهُ حَنَثَ، وكَذلِكَ إذا امتَنَّ عَلَيهِ إنسَانٌ، فَحلَفَ لا يشرَبُ لَهُ هَذا الماءَ مِن عَطَشٍ فَإنَّهُ مَتى استَعَارَ ثَوبَهُ فَلِبسَهُ أو أكَلَ لَهُ خُبزَاً أو رَكِبَ لَهُ دابةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ هَذا الثَّوبَ فَعلَى أيِّ وَجهٍ لَبسَهُ حَنَثَ سَواءٌ قَطعَهُ قَمِيصَاً أو إزَارَاً أو تَعمَّمَ بهِ فَإنْ كانَ الثَّوبُ قَمِيصَاً فَجعَلَهُ سَراويلاً أو قباءً حَنَثَ، وَعلَى هَذا إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمَ هَذا الصَبِيَّ /312 ظ/ فَصَارَ شَيخَاً أو لا أَكلَ لَحمَ هَذا الحَملِ فَصَارَ كَبشَاً أو لا أَكَلَ هَذا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمرَاً، أو دِبسَاً، أو خَلاً، أو حَيصَاً، أو مَا تَولَّدَ مِنهُ، أو لا يَأكُلُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 205 /ب، والمغني 11/ 292 - 293، والكافي 4/ 414، والزركشي 4/ 391 - 392.
(2) انظر الروايتين والوجهين 205 - /ب، والمغني 11/ 297.
(3) الرواية الأولى: يحنث، والرواية الثانية: لا يَحنَثْ. انظر: المغني 11/ 297، والكافي 4/ 414.
(4) الرواية الأولى: انه يحنث، وهذا اختيار الشيخين، لأن زيداً مشترٍ لنصفه ونصفه طعام فوجب أن يحنث به لوجود المحلوف عَلَيهِ كما لو انفرد زيد بشرائه، هذا مقتضى قول الخِرَقِيِّ والشريف وابن البناء
وغيرهم، والرواية الثانية: لا يحنث.
انظر: المغني 11/ 297، والكافي 4/ 414، والزركشي 4/ 394 - 395.

(1/452)


هَذا اللبنَ، فَعُمِلَ كَامِخَاً (1)، أو جُبنَاً، أو مصلاً، فَإنَّهُ يَحنَثُ بِأَكِلِهِ إلا أنْ يَنوِيَ ما دَامَ عَلَى تِلكَ الصِفَةِ، وعلى هَذا إذا حَلَفَ لا كَلَّمتُ زَوجَةَ فُلانٍ هَذهِ أو غَلامَهُ أو صَدِيقَهُ هَذا ثمَ كَلَّمَ الزَّوجَةَ بَعدَ
الطَّلاقِ، أو الغُلامَ بعدَ صَرفِهِ أو الصَّدِيقَ بَعدَ عَداوتِهِ حَنَثَ، إلا أنْ يَكونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإنْ حَلَفَ عَلَيهَا أنْ لا لَبِستِ حلياً حَنَثَ، بأيِّ حلِيٍّ لَبِسَتْ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والجَوهَرِ وَالياقُوتِ فَإنْ لَبِسَتْ دَرَاهِمَ أو دَنانِيرَ في مرسلة فَهلْ يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ عَلَى وجهَينِ (2) فَإنْ لَبِسَتْ العَقِيقَ أوِ السَّبجَ (3) لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ ثَوبَاً وَهوَ لابِسُهُ أو لا يَركَبُ دَابَّةً وَهوَ رَاكِبُهَا، فَإنْ استَدَامَ ذَلِكَ حَنَثَ، وَإنْ حَلَفَ لا يتَزوجُ، ولا يتَوضَأُ ولا يتَطيَّبُ وَهوَ مُتَزوِجٌ مَتَطهِرٌ مُتَطيِبٌ فَاستَدامَ ذَلِكَ لم يَحنَثْ، وَإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ شَيئَاً فَلبِسَ دِرعَاً، أو جَوشَناً، أو خُفَّاً، أَو نَعلاً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ ثَوبَ عَبدِ فُلانٍ، ولا يَركَبُ دَابتَهُ، ولا يَدخُلُ دَارَهُ فَرَكِبَ دَابةً قَد جَعلَت ترسمّه، وَلَبسَ ثَوباً قد جعل يرسمه ودَخَلَ دَارَاً أسكَنَها حَنَثَ وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَركَبُ دَابَّةَ فُلانٍ فَركِبَ دَابَّةً استَأجَرَهَا فُلانٌ حَنَثَ فَإنْ رَكِبَ دَابَّةً استعَارَهَا فلانٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَركَبُ دَابةَ فُلانٍ فَرَكبَ دَابَّةَ عَبدِهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا دَخَلَ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَاراً لَهُ مؤجرَةً، ذَكَرهُ شَيخُنَا، فَإنْ حَلَفَ لا ركِبتُ فَركِبَ في سَفِينتِهِ حَنَثَ إلا أنْ ينوِيَ.

فَصلٌ ثَالِثٌ في الأَكْلِ وَالشُّربِ والشَمِّ
إذا حَلَفَ لا يأكُلُ اللَحمَ، فَأَكلَ الشَّحمَ، أو المخَّ، أو الدَّماغَ أو الأليةَ، أو الكَبدَ، أو الطحالَ، أو القَلبَ، أو القَانصَةَ (4)، أو الكرشَ، أو المصرانَ لم يَحنَثْ، فَإنْ أَكلَ لَحمَ السَّمَكِ أو الرَأسِ حَنَثَ (5)، وَقَالَ ابنُ أبي مُوسَى في الإرشَادِ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَكونَ نَواهُ باليَمينِ (6)، فَإنْ أَكلَ مَرقَ اللحمِ، فقَالَ في رِوايَةِ صَالِحٍ لا يُعجِبُنِي (7)، لأَنَّ طَعمَ اللحمِ
__________
(1) وَهوَ ما يؤتدم به، واطلق عَلَى المخللات المشهية والمراد هنا المعنى الأول. انظر: تاج العروس
7/ 33.، والمعجم الوسيط 2/ 798 (كمخ).
(2) الوجه الأول: لا يَحنَثْ، لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذلك إذا لبسه.
والوجه الثاني: يحنث لأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة في الغالب إلا التجمل بها.
انظر: المغني 11/ 296، والكافي 4/ 404 - 405.
(3) السبج: خرز اسود. انظر: المعجم الوسيط: 412 - 616.
(4) القانصة: وهي كالمصارين أو الكرش لغيرها. انظر: معجم متن اللغة 4/ 659 (قنص).
(5) انظر: المغني 11/ 320، والكافي 4/ 396، والزركشي 4/ 405.
(6) انظر: المغني 11/ 320، والكافي 4/ 396، والزركشي 4/ 406.
(7) وهذا قول القاضي وابن أبي موسى، انظر المغني 11/ 319، والكافي 4/ 403، والزركشي
4/ 404.

(1/453)


قَد يُوجَدُ في المَرقِ وَهَذا عَلَى طَريقِ الورَعِ، وَالأَقوى أَنه لا يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ /313 و/ الشَّحمَ فَأَكَلَ اللحمَ الأَحمَرَ وَحدَهُ لم يَحنَثْ (1)، وَقالُ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ (2).
وإنْ أكَلَ شَحمَ الظَّهرِ حَنَثَ (3) فإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الرُؤوسَ، فَإنَّهُ يَحنَثُ بِأَكلِ رؤوسِ الأنعَامِ، وَالطيَّورِ والحيتَانِ، ذَكَرَهُ شَيخُنَا (4)، وكَذلِكَ يخرجُ عَلَى قَولِهِ إذا حَلَفَ لا يأكُلُ بَيضَاً، تَناوَلَ بَيضَ السَّمَكِ، وَالجرَادِ، والطُّيورِ، وَعندِي لا يَحنَثْ، إلا بِأَكلِ رأسٍ جَرَتِ العَادَةُ أنْ يبَاعَ لِلأَكلِ مَنفَرِدَاً أو لا يدخُلُ فيه رُؤوسُ الطُيُورِ، وكَذلِكَ لا يَدخُلُ في البَيضِ بَيضَ مَا لا يُزايلُ بيَاضُهُ حَالَ الحَياةِ كبَيضِ السَّمَكِ وَالجَرادِ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الزبدَ أو السَّمنَ فَأَكلَ اللبنَ لم يَحنَثْ وكَذلِكَ إن حَلَفَ لا يَأكُلُ لَبنَاً، فَأكَلَ زبدَاً، أو سَمنَاً أو مَصلاً، أو كشكاً، لم يَحنَثْ، نَصَّ عَلَيهِ (5).
وَكَذلِكَ إنْ أكَلَ جُبنَاً فَإنْ أكَلَ شِيرَازَاً (6) حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ سَويقَاً فَشَرِبَهُ، أو لا يَشَربُهُ فَأكلَهُ فَقَالَ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ (7) وعلى ظَاهِرِ كَلامِهِ في رِوَايَةِ مُهنّا، فِيمَنْ حَلَفَ لا يَشرَبَ هَذا النَّبيذَ فثَرَدَ فِيهِ، وَأَكَلَهُ لا يَحنَثْ (8)، وَعلَى هَذهِ الرِوَايَةِ، إذا حَلَفَ لا يَشرَبُ هَذا السَّوِيقَ وَأَكلَهُ لا يَحنَثْ وَعَليهَا يُخرَّجُ إذا حَلَفَ لا يَأكلُ هَذا الرُّطَبَ فَعُمِلَ دِبسَاً، أو خَلاً لم يَحنَثْ، وكَذلِكَ سَائرُ مَسَائلِ التَّعيينِ إذا تَغيَرَتِ الصِّفَاتُ، وَالمذهَبُ هُوَ الأَولُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الدِّبسَ فَذَاقَهُ ولَمْ يَبلَعْهُ لم يَحنَثْ. فَإنْ حَلَفَ لا ذَاقَهُ فأكَلَهُ حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكلُ سَمنَاً فأكَلَهُ بِالخُبزِ حَنَثَ، فَإنْ عَمِلَ بالسَّمنِ خَبِيصَاً (9)، فَصَارَ
__________
(1) انظر المغني: 11/ 320، والكافي: 4/ 404.
(2) وَهوَ ظاهر كلامه، لأنه من شحم وإن قل، ويظهر في الطبخ فَإنَّهُ يبين عَلَى وجه المرق وإن قل.
انظر: المغني: 11/ 320، والكافي: 4/ 404.
(3) وَهوَ قول القاضي لأنه يسمى لحماً ويسمى بائعه لحاماً ولا يفرد عن اللحم، وذهب الخِرَقِيِّ في ظاهر قوله واختاره طلحة أنه لا يَحنَثْ، وقال هو شحم لأنه يشبه الشحم في لونه وذوقه، ولا يسمى لحماً بمفرده، فعلى هذا يكون هذا، انظر المغني 11/ 318، والكافي 4/ 303 - 404.
(4) انظر المغني: 11/ 323، والكافي 4/ 397.
(5) وقال القاضي يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حَنَثَ، يأكله وإلا فلا، انظر: المغني: 11/ 314، والكافي: 4/ 400 - 401.
(6) الشيراز هو اللبن الرائب المستخرج ماؤه انظر معجم متن اللغة 3/ 302 (شرز).
(7) انظر: الروايتين والوجهين: 206 /أ - ب، والمغني: 11/ 323 - 324، الكافي: 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(8) انظر: الروايتين والوجهين: 206 /أـ ب، والمغني: 11/ 324، والكافي: 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(9) الخبيص الحلواء المخبوصة من التمر والسمن جمعها أخبصة. انظر: المعجم الوسيط: 216 (خبص).

(1/454)


مُستَهلَكَاً فِيهِ، فَأكَلَ مِنهُ يَحنَثُ، فَإنْ ظَهَرَ فِيهُ طعمُ السَّمنِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكلُ هَذهِ التَمْرَةَ فَاختَلطَتْ في التَّمرِ فَأَكلَهُ إلا وَاحِدةً لم يَحنَثْ.
وَالورَعُ أنْ لا يَقرَبَ زوجته حتَّى يَعلَمَ هَل أَكَلَ التَّمرَةَ أمْ لا؟ إن كَانَ يَمينُهُ بِالطَّلاقِ، فَإنْ حَلَفَ لا يأكلُ رُطَباً، فَأكلَ مذنباً حَنَثَ.
وإنْ أكَلَ تَمراً، أو بُسرَاً لم يَحنَثْ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَأكلُ تَمرَاً فَأَكَلَ دبسَاً أو لا يأكُلُ دِبسَاً فَأكَلَ نَاطِفَاً، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ شَعِيرَاً فَأكَلَ حِنطَةً فِيهَا حَبَّاُت شَعيرٍ حَنَثَ، وتخرجَ أَنْ لا يَحنَثْ عَلَى مَسألَةِ السَّمنِ في الخَبيصِ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الفَاكِهَةَ فَأكَلَ الرُّطَبِ، والعِنَبَ، والرمَّانَ، وَالبطِّيخَ (1)، واللوزَ حَنَثَ، كَمَا إذا أكَلَ التِّينَ والخَوخَ والأجَّاصَ /314 ظ/، والكمثرَى وَالسَفرجَلَ، وَالعنابَ، فَإنْ أكلَ الخِيارَ والقثاء لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ أدَمَاً فأكَلَ الشَوِيَّ والبَيضَ والجُبنَ، والملحَ، والزَّيتونَ حَنَثَ.
كَمَا إذا أكَلَ مَا يَصطَنِعُ بهِ مِنَ الخَلِّ، وَاللبنِ، والمرَقِ، وَإنْ أَكَلَ التَّمرَ احتَمَلَ وَجهَينِ (2).
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الخَلَّ فشَرِبُهُ أو لا يشرَبُهُ فَأَكَلَهُ بِالخُبزِ لم يَحنَثْ، عَلَى روايَةِ مُهنّا (3) وَعَلَى قَولِ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ (4)، وكَذلِكَ يخرجُ في كُلِّ ما حَلَفَ لا يَأكُلُه فَشَرِبَهُ، أو يَشرَبُهُ فَأكَلَهُ وإنْ حَلَفَ لا يَطعَمُهُ حَنَثَ، بالأَكلِ والشُّربِ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ السكَّرَ فتَركَهُ في فِيهِ حَتى ذَابَ خرجَ عَلَى الرِوايتَينِ (5)، وإنْ مَضَغَهُ، وبَلَعَهُ حَنَثَ، روايةٌ واحدةٌ، فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنْ دِجلَةَ فَغَرفَ بِإنَاءٍ وشَرِبَ حَنَثَ.
كمَا لو حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنَ البئرِ، فَاستَقَا وشَرِبَ، أو لا يَشرَبُ مِنَ الشَّاةِ فَحلَبَ، وَشَرِبَ.
__________
(1) وهذا القول ذكره القاضي؛ لأنه ينضج ويحلو أشبه ثمر الشجر، وهناك قول ثانٍ ذهب إلى أن البطيخ ليس بفاكهة لأنه ثمر بقلة أشبه الخيار والقثاء، انظر:: المغني 11/ 315، والكافي 4/ 401.
(2) الوجه الأول: هو إدام، والوجه الثاني: ليس بإدام، لأنه لا يؤتدم به عادة إنما يؤكل قوتاً، أو حلاوة فهو أشبه بالزبيب، انظر: المغني 11/ 316، والكافي 4/ 402.
(3) انظر الروايتين والوجهين: 206 /أ - ب، والمغني: 11/ 423 - 424، والكافي 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(4) انظر الروايتين والوجهين: 206 /أ - ب، والمغني: 11/ 324، والكافي: 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(5) انظر: المصادر السابقة.

(1/455)


فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذا النَّهرِ فَشَرِبَ مِنهُ جرعةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لَيشرَبَنَّ هَذا الماءَ في غَدٍ فَتلفَ قَبلَ الغَدِ حَنَثَ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ الخِرَقِيِّ (1).
وَيخرجُ أنْ لا يَحنَثْ إذا تَلفَ بِغَيرِ اختيارِهِ، لأنَّهُ كَالمكرَهِ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لَيضرِبَنَّ عَبدَهُ في غَدٍ فَماتَ العَبدُ قَبلَهُ فَإنْ حَلَفَ لَيشربَنَّ الماءَ الذي في الكُوزِ ولا مَاءَ فيهِ أو لَيأكُلَنَّ الخبزَ الذي في السَّلَّةِ ولا خُبزَ فِيها؛ تَنعَقِدُ بِيمينِهِ وكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لَيقتُلَنَّ فلانَاً وَهوَ مَيِّتٌ وقَالَ شَيخُنَا: إنْ عُلِمَ بِموتِهِ حَنَثَ.
وَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذَا الكُوزِ فَشَرِبَ بَعضَهُ حَنَثَ عَلَى إحدَى الرِوايتَينِ ولم يَحنَثْ عَلَى الأخرَى (2)، وَهوَ الأَقوى عِندِي وَإنْ حَلَفَ لَيشرَبنَّ ماءَ هَذَا الكُوزِ لم يَبرَّ حتى يَشرَبَ جَميعَهُ روايةٌ واحدةٌ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ البنَفسَجَ فَشَمَّ دهنَهُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الوَردَ فَشمَّ مَاءَ الوَردِ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ الرَّيحَانَ فَشَمَّ الوَردَ والبنفسَجَ والياسمَينَ فَإنَّهُ يَحنَثُ، كَمَا لَو شَمَّ الرَّيحانُ الفَارِسيَّ ويَحتمِلُ أنْ لا يَحنَثْ، فَإنْ شَمَّ الفاكِهَةَ لم يَحنَثْ وَجهَاً وَاحِدَاً وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الطِّيبَ فَشَمَّها.

فَصلٌ رابِعٌ في البَيعِ والهبَةِ وَقَضَاءِ الحقُوقِ
إذا حَلَفَ لا يَبيعُ شَيئَاً فَباعَ بَيعَاً فَاسِدَاً لم يَحنَثْ، ذَكَرهُ الخِرَقِيِّ، وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ؛ لأَنهُ يقَعُ عَلَيهِ اسْمُ البَيعِ (3)، فَإنْ بَاعَهُ /315 و/ بِشَرطِ الخِيارِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا بَاعَ ثَوبَهُ مِنْ فُلانٍ بمئةٍ فَباعَهُ بِأقَّلَ حَنَثَ نَصَّ عَلَيهِ (4).
فَإنْ بَاعَهُ بِهذا الثَّمنِ فَباعَهُ بزِيادةٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهبُ لِفلانٍ أو لا يوصِي لَهُ أو لا يَهدِي لَهُ أو لا يَتَصرَّفُ عَلَيهِ ثم فَعلَ ذَلِكَ ولم يَقبَلِ المَحلُوفُ عَلَيهِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيهِ فَقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وعِندِي لا يَحنَثُ وَهوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ في رِوَايةِ حَنبَلٍ (5) فِيمَنْ تَصدَّقَ عَلَى وَلدِهِ لا يَرجِعُ في شَيءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ وَعِندَهُ أنَّ الألف تَرجِعُ في الهِبَةِ. فَإنْ وصَّى لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ وقف عَلَيهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ أن باعه بالمحاباة حَنَثَ، ويحتمل أن لا يَحنَثَ فَإنْ أَعارَهُ حَنَثَ، وقَالَ شَيخُنَا: لا يَحنَثُ (6).
__________
(1) انظر: الشرح الكبير: 11/ 290.
(2) انظر: المغني: 11/ 292، 306، والزركشي: 4/ 391 - 392.
(3) انظر: المغني: 8/ 234، والزركشي: 4/ 359.
(4) انظر: المقنع: 247، والهادي: 247، والشرح الكبير: 11/ 212.
(5) انظر: المقنع: 318، الهادي: 247، المغني: 11/ 238.
(6) انظر: الهادي: 247، المغني: 11/ 238.

(1/456)


فَإنْ حَلَفَ لا يَتَصدَّقُ عَلَيهِ فَوهَبَ لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ مما اشتَراهُ زَيدٌ فَأَكَلَ مِمَا اشتَراهُ زيدٌ وَعَمرٌو حَنَثَ وَيَحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ وَإنْ اشتَرى زَيدٌ شَيئاً وخلَطَهُ بما اشتَراهُ عَمرٌو أَكلَ مِنهُ فَإنْ كَانَ أكثرَ مِنْ مِقدَارِ ما اشترَاهُ زَيدٌ حَنَثَ وأنْ أكَلَ مِثلَهُ أو دونَهُ يحتَمِلُ وَجهَينِ (1) فَإنْ استَردَّ مَأكولاً كَانَ قَد بَاعَهُ بِالمقَابلةِ فَأكَلَ مِنهُ فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ. بناءً عَلَى المقابَلَةِ هل هِيَ بَيعٌ أو فَسخٌ؟ فَإنْ اشتَرى شَيئاً سَلَماً أو أَخَذَهُ عَلَى وَجهِ الصُّلحِ حَنَثَ فَإنْ وَكَّلَ زَيدٌ مَنِ اشتَرى لَهُ ثمَّ أكَلَ مِنهُ المحلوفُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لا يَبيعُ فَوكَّلَ بِبيعٍ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا يَبيِعُ الخَمرَ ثم باعَهَا فَهلْ
يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ (2) فَإنْ حَلَفَ لا يتَزوجُ فَتزوَجَ بِلا وَليٍ ولا شُهودٍ أو تَزوجَ أُختَ امرأَتِهِ في عِدَّتِهَا فَهَل يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ (3) وإنْ حَلَفَ لا مَالَ لَهُ ولَهُ مَالٌ غَيرُ زَكاتِي أو دُيونٌ عَلَى النَّاسِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لَيقضِينَّهُ حَقَّهُ فَقضَاهُ لِلوَرثَةِ لم يَحنَثْ، وقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ (4).
فَإنْ أبرأَهُ صَاحِبُ الحقِّ يخرجُ عَلَى وَجهَينِ (5)، بِنَاءً عَلَيهِ إذا أُكرِهَ ومُنِعَ مِنَ القَضَاءِ في الغَدِ هَلْ يَحنَثُ؟ عَلَى رِوايتَينِ (6) فَإنْ بَاعَهُ بمالِهِ عِندَهُ عروضَاً قبلَ أنْ يخرجَ الغَدُ وَقبضَهُ وخَرجَ الغَدِ لم يَحنَثْ، اختَارهُ ابنُ حَامِدٍ (7)، وَقالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ مَعَ كَونهِ قَدْ قَضَاهُ دينَهُ (8) فَإنْ حَلَفَ لَيقضِينَّهُ حَقَّهُ عِندَ رَأسِ الهِلالِ فقَضَاهُ عِندَ غُروبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَومٍ مِنَ الشَّهرِ لم يَحنَثْ وإنْ قَضَاهُ بعدَ ذَلِكَ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا فَارقْتُكَ /316 ظ/ حَتَّى أَستَوفِيَ حَقِّي مِنكَ فَفَرَّ مَنْ عَلَيهِ الحقُّ مِنهُ فَقالَ أَحمدُ رَحِمَهُ اللهُ في رِوايةِ محمدِ بنِ شَاكرٍ يَحنثُ وَقالَ الخِرَقِيِّ: لا يَحنَثُ (9).
فَإنْ فلَّسَهُ الحاكِمْ وحَكَمَ عَلَيهِ بِفِراقِهِ فَهلْ يَحنَثُ أَمْ لا؟ يتَخرَّجُ عَلَى رِوايتَينِ (10) فَإنْ أعطَاهُ حَقَّهُ في الظَّاهِرِ فَفارقَهُ فَخَرجَ الذي أعطَاهُ فلوسَاً أو ردَّيةً فهَلْ يحنَثُ؟ يخرجُ عَلَى
__________
(1) الوجه الأول: يحنث، والثاني: لا يَحنَثْ، المغني: 11/ 297.
(2) انظر: الكافي: 4/ 399، والهادي: 247، والشرح الكبير: 8/ 224.
(3) الوجه الأول يحنث، والثاني: لا يَحنَثْ، انظر الكافي: 4/ 399، والمغني: 11/ 234.
(4) انظر: المقنع: 322، والمغني: 11/ 305.
(5) الأول: يحنث لأنه لم يفعل ما حَلَفَ عَلَيهِ، والثاني لا يَحنَثْ لأنه منع من فعله فأشبه المكره عَلَى قول ما حَلَفَ عَلَى تركه، انظر: المقنع: 322، والشرح الكبير: 11/ 302.
(6) انظر: الهادي: 247.
(7) انظر: الهادي: 247.
(8) المرجع نفسه.
(9) انظر: المقنع: 322، المغني: 11/ 307، والمحرر: 2/ 82.
(10) انظر: المقنع: 322، المغني: 11/ 307، والمحرر: 2/ 82.

(1/457)


رِوايتَينِ (1). في النَّاسِي والجَاهِلِ فَإنْ أَحَالَهُ أحالهُ بالحقِّ فَقبِلَ الحَوالةَ وانصَرفَ حَنَثَ فَإنْ فَعلَ ذَلِكَ ظنَّاً مِنهُ أنهُ قَد بَرَّ فَهلْ يَحنَثُ أم لا؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ (2).
فان حَلَفَ لا افتَرَقْنَا حَتَّى استَوفيَ مِنكَ حَقِّي فَفرَّ مَنْ عَلَيهِ الحقُّ حَنَثَ، وَمِقدَارُ مَا يَقَعُ عَلَيهِ بهِ الفِراقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقاً، مِثلَ أنْ يَكونا في دَارٍ فَيخرُجَ المفَارِقُ عَنهَا أو في قَضَاءٍ فيُفَارِقَهُ عَنِ المكَانِ بمقدارِ فِرَاقِ المتتابعين.

فَصلٌ خَامِسٌ في الكَلامِ المعلَّقِ بِمُدَةٍ مَجهولَةٍ
إذا حَلَفَ لا يَتَكلَمُ فَقَرَأَ لم يَحنَثْ فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِمُهُ فَدَقَّ عَلَيهِ البَابَ فَقَالَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} (3) يَقصِدُ تَنبيهَهُ بِالقُرآنِ لم يَحنَثْ وَإلا حَنَثَ (4). فَإنْ حَلَفَ لا يُكلمُهُ حِينَاً فَإنْ لم تَكُنْ لَهُ نِيةٌ (فَهوَ إلى سِتَّةِ أَشهُرٍ) نَصَّ عَلَيهِ (5)، قَالَ شَيخُنَا: وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ زَمَاناً أو لا يُكَلمُهُ عُمْرَاً أو لا يُكَلِّمُهُ دَهرَاً وكَذلِكَ الحِينُ وَالزَّمَانُ. فأمَّا إنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ الدَّهرَ فَهوَ عَلَى الأَبَدِ. قَالَ: وإذا حَلَفَ لا يُكَلمُهُ مَليَّاً أو طَويِلاً وعِندِي أنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ تَوقِيتٍ مِنْ ذَلِكَ رَجعَ إليهِ كَالحِينِ (6). نُقِلَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ (أَنهُ سِتةُ أشهرٍ) (7)، فَأمَّا غَيرُ ذَلِكَ مِنَ الأَلفَاظِ فَإنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ، وَإلا حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيهِ الاسْمُ مِنَ العُمرِ والدَّهرِ والزَّمَانِ، وكَذلِكَ في قَولِهِ: لا كَلَّمتُكَ بَعيدَاً أو مَلِيَّاً أَو طَوِيلاً فَأمَّا الحقبُ فَقِيلَ في التَّفسِيرِ عَلَى أَنهُ ثَمانونَ سَنَةً (8). فَإنْ حَلَفَ لا يُكلِّمُهُ شُهوراً. فَقالَ شَيخُنَا: يُحمَلُ عَلَى اثني عَشَرَ شَهراً، وَعِندِي أَنهُ يُحمَلُ عَلَى ثَلاثَةِ أَشهُرٍ وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمَهُ أَياماً يُحمَلُ عَلَى ثَلاثةِ أيَّامٍ (9). وَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمَهُ إلى حِينِ
__________
(1) الأول يحنث، والثانية: لا يَحنَثْ، انظر: الهادي: 247، والشرح الكبير 11/ 312.
(2) الأول: يحنث، والثاني: لا يَحنَثْ، انظر: المغني: 11/ 308.
(3) الحجر: الآية 46.
(4) انظر: المغني: 11/ 301، والشرح الكبير: 11/ 246 - 247.
(5) انظر: المغني: 11/ 302، والشرح الكبير: 11/ 249.
(6) () انظر: المغني: 11/ 301، والشرح الكبير: 11/ 250.
(7) هكذا أخرجه الطبري في تفسيره 13/ 280.
(8) ورد هذا عن أبي هريرة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وعمرو بن ميمون، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس والضحاك. انظر: تفسير مجاهد: 720، والزهد لابن المبارك: 90، وتفسير عبد الرزاق: 3/ 383 (3456)، (3457)، وتفسير الطبري: 3/ 7، وتفسير الوسيط للواحدي: 3/ 157، وتفسير البغوي: 5/ 201، وتفسير ابن كثير: 4/ 693 - 694.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 206/ب- 207/أ، والمغني 11/ 303 - 304، والشرح الكبير11/ 252 - 253.

(1/458)


الحصَادِ أو إلى حِينِ الجَذاذِ. فَهلْ يَدخُلُ فيهِ جَميعُ زَمَانِ الحصَادِ والجَرادِ، أَو يَكونُ ابتِداءُ زَمانِ ذَلِكَ مُنتَهى يَمينِهِ؟ عَلَى رِوايتَينِ (1).
فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسَاناً حَنَثَ بِكلامِ كُلِّ مَنْ يُسمَى إنسَاناً مِنْ ذَكَرٍ أَو أنثَى وَصَغيرٍ وَكَبيرٍ وَعَاقلٍ /317 و/ وَمَجنونٍ، فَإنْ زَجرَ إِنساناً فَقَالَ: تَنَحَّ أو اسكُتْ حَنَثَ (2) فَإنْ حَلَفَ لا صَلَّى فَكَبَّرَ فَقالَ شَيخُنَا: يَحنُثُ وَعندِي لا يَحنَثْ حَتَّى يأتيَ برَكعَةٍ بَسَجدَتِها كَما لو حَلَفَ لا يَصُومُ فَإنَّهُ لا يَحنَثْ حَتى يَصُومَ يومَاً (3) فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسَاناً حَتَّى يَبدَأَهُ ذَلِكَ الإنسَانُ بِالكَلامِ فَتكَلَّمَا معَاً حَنَثَ (4).

فَصْلٌ سَادِسٌ في الضَّربِ وَغَيرِهِ
إذا حَلَفَ لا يَضرِبُها، فَعضَّهَا أو خَنقَهَا أو نَتَفَ شَعرَهَا حَنَثَ ويَحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ بِذَلِكَ إلا أَنْ يَنوِيَ أَنْ لا يُؤلِمهَا أَومَأَ إليهِ في رِوايَةِ مُهنّأ (5) فَإنْ حَلَفَ أنْ يَضرِبَهُ مِئةَ سَوطٍ مُجمَعَةً وضَرَبهُ بها مَرَّةً وَاحِدَةً لم يَترُكْهَا لَو حَلَفَ أنْ يَضرِبَهُ مِئةَ سَوطٍ أَو ضَرَبهُ (6) فَإنْ حَلَفَ لَيتزَوَجَنَّ عَلَى امرَأَتِهِ لم يَبرَّ حَتَّى يَتَزوجَ نَظيرَتَها أو يَدخُلَ بهَا وَيحتَمِلُ أَنهُ يَأتِي امرَأةً تزوج نكاحَاً صَحِيحَاً لم يَحنَثْ كَمَا لو حَلَفَ لا يأكُلُ رَأسَاً (7). فَإنْ حَلَفَ لا يتَزَوَجُ فَوكلَ في التَّزويجِ حَنَثَ. فَإنْ حَلَفَ لا يَشتَرِي فَوطِئَ أَمتَهُ
حَنَثَ (8). فَإنْ حَلَفَ لا يَستَخدِمُ إنسَانَاً سَمَّاهُ فَخدَمهُ وَهوَ سَاكِتٌ لَم يَنهَهُ فَقالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ (9).

بَابُ الشَكِّ في الطَّلاقِ
وَإذا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أمْ لا؟ لَم يقعْ بهِ الطَّلاقُ. فَإنْ شَكَّ في عَدَدِ الطَّلاقِ بَنَى (10) علَى
__________
(1) انظر: المقنع: 320، والشرح الكبير 11/ 253 - 254، والكافي 4/ 410.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 206/ب، والمقنع: 320.
(3) انظر: المقنع: 318، والمغني 11/ 304، والمحرر 2/ 198.
(4) انظر: الراويتين والوجهين 206 /ب، والمغني: 11/ 303، والشرح الكبير: 11/ 247، وشرح الزركشي: 4/ 351.
(5) انظر: المقنع: 320، والشرح الكبير 11/ 263.
(6) انظر: الروايتين والوجهين: 207 / أ، والمقنع: 320، والمغني 11/ 325، والشرح الكبير: 11/ 263 - 264.
(7) انظر: المغني 11/ 236، والشرح الكبير: 11/ 224.
(8) انظر: المقنع: 321، والمغني: 11/ 236 - 237، والشرح الكبير: 11/ 225.
(9) انظر: المغني: 11/ 220، والشرح الكبير: 11/ 246، وشرح الزركشي: 4/ 351.
(10) في الأصل [بنا].

(1/459)


اليقِينِ. فَإنْ طَارَ طَائِرٌ فَقَالَ: إنْ كانَ غُراباً فَعَمرَةُ طَالِقٌ وإنْ كَانَ حَمامَاً فَزَينَبُ طَالِقٌ وَلَمْ يَعلَمْ مَا هوَ، لمَ تَطلَقْ وَاحِدَةٌ مِنهُما. فَإنْ قَالَ: فَإنْ كَانَ غُرابَاً فَنِسَاؤهُ طَوالِقُ، وإنْ لم يَكُنْ غُرابَاً فَعَبيدُهُ أَحرَارٌ، وَلَم يَعلَمْ مَا كَانَ. أقرعَ بينَ النِّسَاءِ وَالعَبِيدِ، فَإنْ خَرجَتْ قُرعَةُ الطَّلاقِ طَلَقَ النِّسَاءُ، وإنْ خَرجَتْ قُرعَةُ العِتقِ عَتقَ العَبيدُ، وعَلَيهِ نَفقَةُ الجَمِيعِ إلى حِينِ خُروجِ القُرعَةِ. فَإنْ رَأى رَجلانِ شَيخَاً مُقبِلاً فقَالَ أَحدُهُما: إنْ كَانَ هَذا زَيداً فَعبدِي حُرٌّ وقالَ الآخَرُ: إنْ لم يَكنْ زيداً فعَبدِي حُرٌّ وَغَابَ الرَّجُلُ فلَمْ يَعلَمَا مَنْ كَانَ. لَم يَتَعينِ الحنثُ في حَقِّ أَحدِهمَا فَإنِ اشتَرى أحدُهُما عَبدَ الآخَرِ عُتِقَ عَلَيهِ أَحَدُ العَبدَينِ فَأيُّهما يُعتَقُ؟ قَالَ شَيخُنَا: يُعتَقُ الذي اشتَراهُ (1). وَعندِي أَنهُ يقَرعُ بَينَ العبدَينِ مِمَّنْ خَرجَتْ قُرعتُهُ مِنَ العَبدَينِ عُتِقَ. فَإنْ طلَّقَ أحدَ زَوجتَيهِ وأنسيها أَو قالَ: إحدَى زَوجَتيَّ طَالِقٌ أَقرعَ بَينَ الزَّوجتَينِ فَمنْ وقَعَ عَلَيهِا القُرعَةُ فَهِيَ المطَلَّقةُ /318 ظ/. فَإنْ ذَكرَ بَعدَ أنْ قَرعَ أنَّ المُطَلَّقةَ غَيرُ التي وَقَعَ عَليهَا القُرعَةُ. فَقالَ أَبو بكرٍ وَابنُ حَامِدٍ: تَطلَقُ الزَّوجَتَانِ. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ أنَّ التي وَقَعَتْ عَلَيهَا القُرعَةُ تَرجِعُ إلَيهِ (2) إلا أنْ يَكونَ قَالَ: تَزَوجَتْ أو تَكونَ القُرعَةُ بحُكمِ حَاكِمٍ، فَإنَّهُ لا يَنقُضُ ذَلِكَ. فَإنْ مَاتَ قَبلَ أَنْ يُقرِعَ أَقرَعَ الورَثةُ بَينَهُمَا فَمَنْ وَقعَتْ عَلَيهَا القُرعَةُ حُرمَتِ الميرَاثَ، وَكَذلِكَ إنْ
مَاتَتِ (3) الزَّوجتَانِ أو إحدَاهُما أقرعَ بينَهمَا فَإنْ وَقَعَتِ القُرعَةُ عَلَى الميتةِ حَرمنَاهُ مِيرَاثَهَا وَهَذا إذا كَانَ الطَّلاقُ بَائِناً فَإنْ قَالَ لِزَوجَتهِ وَأَجنَبيّةٍ: إحداكُما طَالِقٌ ثمَ قَالَ: أَرَدتُ الأَجنَبِيَةَ اسمها سَلمَى دِيْنَ وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يخرَجُ عَلَى روايتَينِ (4) فَإنْ قَالَ: يَا سَلمَى، فأَجَابْتهُ زَوجَةٌ لَهُ أخرى تُسمَّى زينبَ فَقالَ: أَنتِ طَالِقٌ وَقالَ: ظَنَنتُها سَلمَى طَلقَتِ الزَّوجتَانِ في إحدى الرِّوايتَينِ وفي الأخرى تَطلَقُ سَلمَى وهيَ اختِيارُ ابنِ حَامِدٍ (5) فَإنْ أشَارَ إلى سَلمَى وَقَالَ يَا زَينَبُ أَنتِ طَالِقٌ ثمَّ قَالَ: عَلِمْتُ أنَّ المشَارَ إليهَا سَلمَى، وَأَردتُ طَلاقَ زينبَ طَلَقَتَا رِوايَةٌ واحِدَةٌ فَإنْ لَقِيَ أجنَبيَةً فَقَالَ: أَنتِ طَالِقٌ ثمَ قَالَ: ظَنَنتُها زَوجَتي طلقَتْ زَوجتُهُ. فَإنْ كَانَ لَهُ أَربَعُ نِسوَةٍ فقَالَ: زَوجَتي طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلاقُ بالأَربَعِ وَكَذلِكَ إذا قَالَ: أَمَتي حُرَّةٌ ولَهُ إمَاءٌ.
__________
(1) انظر: الهادي: 88، والشرح الكبير 8/ 467.
(2) انظر: المقنع: 244، والمحرر: 2/ 61، والزركشي: 3/ 38.
(3) في الأصل ((مات)).
(4) الأولى: يقبل منه، والثانية: لا يقبل منه. انظر: المقنع: 245، والشرح الكبير: 8/ 468.
(5) انظر: المقنع: 245، والمحرر: 2/ 61، والشرح الكبير: 8/ 469.

(1/460)


بَابُ الطَّلاقِ في المرَضِ
إذا طَلَّقَ الرَجُلُ زَوجَتهُ ثَلاثاً في الصّحَةِ لم يَتَوارَثا بِحالٍ. وإنْ كَانَ ذَلِكَ في مَرَضِ مَوتهِ وَرِثَتهُ ما دَامَتْ في العِدَّةِ روَايَةٌ واحِدَةٌ ولمْ يَرِثْها. فَإنْ مَاتَ بَعدَ انقضَاءِ العِدَّةِ فَهَلْ تَرِثُهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ: أحدُهُما: أنها تَرِثُهُ مَا لَم تَتَزوجْ، وَالثَانيةُ: لا تَرِثُهُ. فَإنْ طَلقَها طَلقةً رَجْعيةً وَهوَ صَحيحٌ فَماتَ أحَدُهُما في العِدَّةِ وَرِثَهُ اْلآخرُ، وَإنْ مَاتَ أَحدُهُما بَعْدَ اْنقَضاءِ العِدَّةِ لم يَرِثهُ اْلآخرُ. فَإنْ كانَتْ الطَلقةُ في المَرضِ تَوارثا مَا دَامتْ في العِدَّةِ. فإِن مَاتَتْ بَعدَ اْنقَضاءِ العدةِ لَمْ يَرثْها، وإِنْ ماتَ الزوجُ وَرِثَتُه مَا لمْ تَتَزوجْ، فإِنْ كَانَ الطَّلاقُ في المَرضِ ثُم صَحَّ ثم مَرِضَ ومَاتَ كَانَ حُكمَهُ حُكمَ الطَلاقِ في الصِحَةِ وَقَدْ بَينا ذَلِكَ فَإنْ طَلَّقَ اْمرأَتَهُ الذِمَية أو الأَمَةُ ثَلاثاً في مَرضِهِ ثُمَّ أَسلَمَتِ الذِميةُ أو أُعتقَتِ الأَمَةُ قَبلَ أَنْ يَموتَ ثُمَّ مَاتَ، وَهُما في العِدَّةِ لمْ يَرِثاهُ. وإنْ كانَ طَلاقُهُ رَجعِياً وَرِثتاهُ ما دَامَتا في العدةِ في رُوايةٍ وَما لم يتَزوجا في الأُخرى (1)، فإِنْ قَالَ لَها وَهوَ مَريضٌ: إِذا أُعتِقتِ فَأَنتِ طَالِقٌ ثلاثاً، فأَعتِقَتْ وَهوَ مريضٌ ثمُ ماتَ، ورِثَتْهُ ما لمْ تَتزوجْ في روايةٍ وَما لم تَنقَضِ العِدَّةُ في الأُخرى (2)، فَإنْ قَالَ لَها سَيدُها: أَنتِ حُرَّةٌ في غَدٍ. وَقَال الزَوجُ: أَنتِ طَالِقٌ ثَلاثَاً بَعدَ غَدٍ، فإنْ كانَ يَعلمُ بِعتقِ السَيِدِ وَرِثَتهُ. وإِن لمْ يَعلَمْ بِعتقِهِ لَمْ تَرثهُ. فإِن سأَلتهُ الطَّلاقَ وَهوَ مريضٌ فَطَلَّقها ثَلاثاً فَهلْ تَرِثُ أَم لا؟ عَلَى روايتَينِ (3). وَكَذلِكَ إِنْ علَّقَ طَلاقَها عَلَى فِعلٍ لها مِنهُ بدٌّ مِثلُ دُخولِ الدارِ، وَكَلامِ أُختِهَا، وَالخرُوجِ فَفَعلتهُ فَهَل تَرثهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ (4) فَإنْ عَلقَ طلاَقها عَلَى مَا لابدَّ لها مِن فِعلهِ مثلُ الصَّلاةِ والصِّيامِ ونحوِ ذَلِكَ فَفَعلتهُ وَرِثَتهُ روايةٌ واحدةٌ. فَإنْ عَلَقَ الطلاقَ الثلاثَ عَلَى فِعلٍ منْ جهتهِ مثلُ أَن يَقولَ: إِنْ لم أَضربْ غُلامي، إِنْ لمْ أَدخُلِ الدَّارَ فأَنتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، ثمَّ مَاتَ قَبلَ أّنْ يَفعلَ ذَلِكَ ورثَتهُ. وإِنْ مَاتَتْ هيَ قَبلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْها. وإنْ مَاتَ الغُلامُ وَهوَ مَريضٌ طَلَقتْ وهَلْ تَرثهُ يخرجُ عَلَى الرِوايتَينِ (5). فَإنْ قَالَ لها في الصِّحَةِ: أَنتِ طَالقٌ ثَلاثاً إنْ
__________
(1) انظر: المغني: 7/ 222 - 223، والإنصاف: 7/ 354 - 355
(2) الرواية الأولى: بانت ولم ترث والثانية: إنها ترث. انظر: المغني: 7/ 224، والإنصاف: 7/ 354 - 355.
(3) أحدهما: نقل مهنّا أنها ترثه، والثانية: أنها لا ترثه وهي ظاهر ما تدل عَلَيهِ رواية حنبل.
انظر: الروايتين والوجهين: 108/ أ - ب، والمغني: 7/ 223، والإنصاف: 7/ 354.
(4) انظر: الروايتين والوجهين: 109/ أ، والمغني: 7/ 223 - 224، والإنصاف: 7/ 354.
(5) أحدهما: لا ترثه؛ لأن اليمين كانت في الصحة، والثانية: ترثه لان الطلاق وقع في المرض.
انظر: الروايتين والوجهين: 109/ أ.

(1/461)


لم أَتزَوجْ عَلَيكِ فَماتَ قَبلَ أَن يَتزوجَ وَرِثتهُ، فَإنْ مَاتَتْ هِيَ لمْ يرِثْها نَصَّ عَلَى ذلكَ (1) فَإنْ قَذَفَها في الصِحةِ وَلاعنَها في المرضِ وفُرِقَ بَينَها ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ تَرِثهُ؟ يُخرجُ عَلَى رِوايتَينِ (2). فَإنْ قَالَ لَها إِذا جَاءَ رأسُ الشَهرِ، فَأَنتِ طَالقٌ ثَلاثاً، فَجاءَ رأسُ الشَّهرِ وَهوَ مَريضٌ ثمَّ مَاتَ. فَهلْ تَرِثُهُ؟ يخرج عَلَى رِوايتَينِ فَإنْ استَكرهَ رَجلٌ امرَأةَ أَبِيهِ فَوطأَهَا في مَرَضِ الأَبِ بانَتْ مِنَ الأَبِ ولمْ يَسقُطْ مِيراثُها إِذا مَاتَ الأَبُ فَإنْ طاوَعَتهُ فَهلْ تَرِثُ؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ (3). وَلَو أَنَّ امرَأَةً مَريضَةً قَبَّلتِ اْبنَ زَوجِهَا بِشَهوةٍ، أَو اْستَدخَلتْ ذَكَرهُ بانتْ مِنهُ وإِنْ مَاتَتْ ورِثهَا الزَّوجُ سَواءٌ كانَتْ في العدَّةِ أو لَم تَكنْ. فَإنْ كانَ لَهُ أَربعُ نِسوةٍ فَطَلَّقَ إحداهُنَّ ثَلاثَاً في صِحتِه، وَتَزوجَ بِخامسَةٍ ومَاتَ ولم يَدرِ أيتَهِنَّ طَلقَ فَلِلخَامسَة رُبعُ مِيرَاثِ النِّسوةِ ويقرعُ بَينَ الأَربَعِ الأُوَلِ فَتخرُجُ المُطلقَةُ ويَكونُ الباقِي للثَّلاثِ /320 ظ/. فَإنْ طَلَّقَ إحداهُنَّ في المرَضِ؛ وَتَزوجَ الخامِسَةَ بَعدَ انقِضَاءِ العِدَّةِ المطلقة احتَمَلَ أَنْ يكونَ ميرَاثُ النِّسوَةِ بينَهنَّ أَخماسَاً واحتَمَلَ أَنْ لا تَرِثَ الخامِسَةُ مَعهُنَّ وعَلَى هَذا إذا كَانَ لَهُ أَربعُ زوجَاتٍ فَطلَّقهُنَّ في المرَضِ ثَلاثَاً واْنقضَتْ عِدَّتُهنَّ وتَزوجَ بأربعٍ ثمَّ مَاتَ، فَالمِيرَاثُ لِلمُطلَّقاتِ في أَحَدِ الوَجهَينِ وفي الوَجهِ الآخَرِ الميرَاثُ بَينَ الثَّمَانِ.