الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتابُ الرَّجعةِ والإباحةِ لِلزَّوجِ
الأَوَّلِ
كُلُّ مُطلقَةٍ بَعدَ الدُّخولِ أوِ الخَلوَةِ إذا لم تستوفِ عَددَ
طَلاقِهَا وَلم يَكُنْ طَلاقُهَا بِعِوَضٍ فَلَهُ أَنْ يَرتَجِعَهَا مَا
دَامَتْ في العِدَّةِ سَواءٌ رَضِيَتْ أو كَرَهَتْ. وَيقَعُ بها طَلاقُهُ
وَظِهَارُهُ وايلاؤُهُ، ويتَوارَثَانِ مَا دَامَا في العِدَّةِ. وَأَلفَاظُ
الرَّجعِيَّةِ أَنْ يَقولَ: رَاجَعتُ زَوجَتي أَو ارتَجعتُهَا أَو
أَردَدتُهَا، أَو أَمسَكتُهَا، فَإنْ قَالَ أَنكَحتُهَا، أَو تَزَوجتُهَا،
لم تَقَعْ بهِ الرَّجعَةُ وقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَقَعُ بهِ الرَّجعَةُ (4).
وَلَيسَ مِنْ شَرطِ الرَّجعَةِ الإشهَادُ في إحدَى الرِوايتَينِ، والأُخرى
مِنْ شَرطِهَا الإشهَادُ (5). والرَّجعِيَةُ مبَاحَةٌ لِزَوجِهَا يَجوزُ
أنْ تَتشَوَّفَ (6) لَهُ وَيَخلوَ
__________
(1) انظر: المغني: 7/ 225.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 109/ أ، والمحرر: 1/ 412.
(3) الأولى: ترثه والثانية لا ترثه بناءً عَلَى مسألة: إذا سألته الطلاق
المتقدمة.
انظر: الروايتين والوجهين: 109/ أ، والمحرر: 2/ 412، والإنصاف: 7/ 358.
(4) انظر: المقنع: 245، والهادي: 191، والمغني: 8/ 484 - 485.
(5) نقل مهنّا أن الإشهاد شرط في الرجعة. ونقل ابن منصور أنه ليس بشرط.
انظر: الروايتين والوجهين: 37/ ب، والمغني: 8/ 482، والزركشي: 3/ 388.
(6) التشوفُ: البُدوُّ، والتزينُ، والتطلع. انظر: المعجم الوسيط: 500.
(1/462)
بِها وَيسَافِرَ مَا دَامَتْ في العِدَّةِ
وعَنهُ أنها غَيرُ مُبَاحَةٍ (1). والأَولُ أَصَحُّ فَعلَى هَذا إذا
وَطأَهَا حَصَلَ بِذلِكَ. وَإنْ قبَّلهَا أو لَمسَهَا بِشَهوةٍ أو نَظرَ
إلى فَرجِهَا فَعلَى وَجهَينِ: أحدُهُما: لا تَحصُلُ بذَلِكَ الرَّجعَةُ،
والثَّاني: تَحصُلُ بهِ الرَّجعَةُ (2). وَسَواءٌ نَوى الرجعَةَ بِذَلِكَ
أولَم يَنوِ وَعَنهُ: لا تَحصُلُ الرَّجعَةُ بالوَطءِ (3). ولَعلَّ
اختِلافَ قَولهِ تَرجِعُ إلى أنَّهُ متَى أَباحَ وطأَهَا فَرجعتُهَا
تَحصُلُ بهِ ولا يَستَحِقُّ بهِ مَهرٌ وَمتَى حرَّمهُ لَم تَحصُلُ بهِ
الرَّجعَةُ. فإذا أَكرهَهَا عَلَيهِ لَزِمَهُ لها المَهرُ ولا يَصِحُّ
تَعلِيقُ الرَّجعَةِ بِشَرطٍ ولا يَصِحُّ الارتِجَاعُ في الرَّدةِ وَهلْ
يَصِحُّ الارتِجاعُ في الإحرَامِ عَلَى رِوايَتَينِ. فَإنْ اختَلفَ الزوجان
بعد الطلاق فقال الزوج: قد أصبتُكِ فلي عليك الرجعة فأنكرته المرأةُ فالقول
قَولُها. فَإنْ اتَّفَقَا عَلَى الإصَابةِ إلا أنَّ المرأةَ قَالَتْ: قَدِ
انقَضَتْ عِدَّتي فَقَالَ الزَّوجُ: قَدْ كُنتُ رَاجَعتُكِ قَبلَ
انقضَائِهَا فَأَنكَرتهُ فَالقَولُ قَولُهَا، وإنْ قَالَ الزَّوجُ قَد
رَاجَعتُكِ فَقَالَتْ: قَدِ انقَضَتْ عِدَّتي قَبلَ رَجعَتِكِ فَأَنكَرهَا
فَالقَولُ قَولُهُ. فَإنْ ادَّعَيا مَعَاً المرَاجَعةَ هوَ وانقِضَاءَ
العِدَّةِ هِيَ، فَالقَولُ قَولُ المرأَةِ /321 و/. وَيَحتَمِلُ أنْ يُقرعَ
بينَهمَا، فَمَنْ خَرجَتْ قُرعتُهُ فَالقَولُ قَولُهُ. فَإنْ طَهرتْ مِنَ
الحَيضَةِ الثَّالثَةِ ولم تَغتَسِلْ. فَقالَ أَصحَابُنا: لَهُ أنْ
يرتَجِعَهَا (4). وَعندِي لَيسَ لَهُ ذَلِكَ. وَكَذلِكَ إذا خَلا بِها
قَالوا: تَحصُلُ الرَّجعَةُ بذَلِكَ (5). وعِندِي لا تَحصُلُ الرَّجعةُ
بالخلوَةِ فَإنْ ادَّعَتْ أَنَّ عِدَّتها اْنقضَتْ في شَهرٍ لم يُقبلْ
قَولهُا إلا بِبينَةٍ نَصَّ عَلَيهِ (6). وقَالَ الخِرَقِيُّ: يُقبَلُ
مُجرَدُ قَولِهَا (7). وهَذا إذا طَلَّقَها في الطُّهرِ، وَقُلنا الإقراءُ
الحَيضُ وَأقلُّ الطُّهرِ بَينَ الحيضَتَينِ ثَلاثةَ عَشَرَ يَومَاً
فَأمَّا إنْ قُلنَا أقلُّ الطُّهرِ بَينَ الحيضَتَينِ خَمسَةَ عَشَرَ
__________
(1) نقل أبو الحارث وأبو طالب في ظاهر روايتها أنها مباحة. ونقل أبو داود
في روايته: أكره أن يُرى شعرها فظاهر هذا إنها محرمة.
انظر: الروايتين والوجهين: 138/أ، والمغني: 8/ 477، والزركشي: 3/ 391.
(2) المنصوص عن أحمد انه ليس برجعة وقال ابن حامد فيه وجهان: أحدهما: هو
رجعة والثانية ليس
برجعة. فأما اللمس لغير شهوة والنظر لغير شهوة فليس برجعة باتفاق لأنه يحصل
مع الزوجة وغيرها. انظر: المقنع: 245، والمغني: 8/ 483 - 484.
(3) انظر: المقنع 245، والمحرر: 2/ 83، والمغني: 8/ 482.
(4) هما روايتان ذكرهما ابن حامد الأولى: لا تنقضي عدتها حتى تغتسل ولزوجها
رجعتها في ذَلِكَ وَهوَ ظاهر كلام الخِرَقِيِّ والثانية: أن العدة تنقضي
بمجرد الطهر قبل الغسل وهذه اختارها أبو الخطاب.
انظر: المقنع: 245، والمغني: 8/ 479.
(5) وظاهر كلام الخِرَقِيِّ أنه كالإصابة في إثبات الرجعة وقال أبو بَكْرٍ:
لا رجعة لَهُ عليها إلا أن يصيبها.
انظر: المغني: 8/ 493، والزركشي: 3/ 39. .
(6) انظر: المقنع 246، والهادي: 191، والمغني: 8/ 487 - 488، والزركشي: 3/
394.
(7) انظر: الزركشي 3/ 394.
(1/463)
يَومَاً لم يُقبَلَ قَولُها في أَقلَّ مِنْ
ثَلاثَةٍ وَثَلاثينَ يَومَاً وَلحظَةٍ وإنْ قُلنَا الإقرَاءُ الإطهَارُ
فَأقَلُّ الطُّهرِ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَومَاً فَأَقلُّ مَا تنقَضِي عِدَّتُها
في ثمانيةٍ وعِشرينَ يَوماً وَلحظَتَينِ. وإنْ قُلنَا أقلُّ الطُّهرِ
خَمسَةَ عَشَرَ يَومَاً، فَأَقلُّ مَا تَنقَضِي عِدَّتُها في اْثنَينِ
وثَلاثِينَ يَومَاً ولَحظَتَينِ. فَإنِ ادَّعَتِ انقِضَاءَ عِدَّتِها
بوَضْعِ الحَمْلِ، فَالقَولُ قَولُها إذا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ مُمكِناً
وَهلْ يُحلَّفُ مَنْ قُلنَا، القَولُ قَولُهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ
(1). وإذا طلَّقَ الحُرُّ امرَأتَهُ دونَ الثَّلاثِ، أو طلَّقَ العَبدُ
طَلقَةً ثم عَادَتْ إليهِ بِرَجعَةٍ أو نِكَاحٍ قَبلَ أنْ يطأَهَا زَوجٌ
ثَانٍ (2). عَادَتْ بِما بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلاقِ، وإنْ عَادَتْ إليهِ
بَعدَ أَنْ وَطأَهَا زَوجٌ غَيرهُ فَكَذلِكَ أيضَاً في إِحدَى الرِوايتَينِ
وفي الأُخرى تَعودُ بِطَلاقِ ثَلاثٍ (3). فَإنْ استَوفَى الزَّوجُ عَدَدَ
الطَّلاقِ لم تَحلَّ لَهُ المرأَةُ حَتى تَتزَوجَ بِغَيرِهِ، ويَطَأَهَا في
القُبُلِ. وَأَدنَى ما يَكفِي مِنْ ذَلِكَ تَغييبُ الحَشفَةِ في الفَرجِ.
فَإنْ كَانَ مَجبوبَاً وَبقِيَ مِنَ الذَّكَرِ بِقَدرِ الحشَفَةِ
فَأَولجَهَا حَلَّتْ. وَإنْ وَطأَها زَوجٌ مُراهِقٌ أَحلَّهَا. وإنْ
وَطأَهَا رَجُلٌ بِشُبهَةٍ، أو كَانَتْ أَمةً فَوطأَهَا مَولاهَا لَم
تَحلَّ. وَإنْ وَطأَهَا زَوجٌ بِنكَاحٍ فَاسِدٍ فَهلْ تَحِلُّ؟ يَحتَمِلُ
وَجهَينِ (4). وإِنْ وَطأَهَا زوجٌ في الحَيضِ أوِ النفاسِ، أوِ الإحرامِ
أو الصِّيامِ لَم تَحِلَّ ويَحتَمِلُ أنْ تَحِلَّ (5). فَإنْ كَانَتْ
ذَميةً فَوطأَهَا ذِميٌ بنِكَاحٍ حَلَّتْ لِزوجِهَا المسلِمِ. فَإنْ
كَانَتْ أَمَةً فَاشتَراهَا المُطَلِّقُ ثَلاثَاً لَم تَحِلَّ لَهُ حَتى
تَنكِحَ زَوجَاً غَيرَهُ. فَإنْ غَابَ المُطَلِّقُ عَنهَا فَادَّعَتْ
أَنَّها تَزوجَتْ بِزَوجٍ أَحَلَّهَا لَهُ، فَإنْ اعتَقَدَ صِدقَهَا حَلَّ
لَهُ نِكَاحُهَا وإنْ لَم يعتَقِدْ صِدقَهَا لَم يَتَزَوجْهَا /322 ظ/.
فَإنْ ارتَجعهَا في الغَيبةِ قَبلَ انقِضَاءِ عِدَّتِها فَلَم تَعلَمْ
حتَّى انقَضَتْ عِدَّتُها وتَزوجَتْ ثمَّ قَدِمَ يُطالِبُ بِها فَأقَامَ
بَينَةً عَلَى الرَّجعَةِ فَهيَ زَوجَتُهُ وَبطَلَ النِّكاحُ سَواءٌ كَانَ
قَدْ دَخلَ بِها الثَّاني أولم يَدخُلْ. وَعَنهُ إنْ كَانَ الثَّانِي دخَلَ
بِها فَهِيَ زَوجتُهُ وبَطلَ نِكاحُ الأَولِ فَإنْ لَم يَكنْ مَعَ الأَولِ
بَينَةٌ فأَقرَّ لَهُ الثَّانِي بَطَلَ نِكاحُهَا ثُمَّ تُسألُ المرأَةُ
فَإنْ أَقرَّتْ بِأنهُ رَاجَعَها فَهِيَ زَوجَتُهَ وَإنْ أنكَرتِ
__________
(1) الأولى عليها اليمين وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب وَهوَ قول
الخِرَقِيِّ. والثانية: قَالَ القاضي قياس المذهب أن لا يجب عليها اليمين
وقد أومأ إليه أحمد بقوله: لا يمين في نكاح ولا طلاق.
انظر: الهادي: 192، والمغني: 8/ 490، والزركشي: 3/ 394 - 395.
(2) في الأصل ((ثاني)).
(3) لأن وطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها. انظر:
المقنع: 245، والشرح الكبير: 8/ 481.
(4) الوجه الأول: يحلها، والثاني لا يحلها. انظر: المقنع: 246، والمحرر: 2/
84، والشرح الكبير: 8/ 494.
(5) الأولى: لا تحل لأنه وطء حرام لحق الله تَعَالَى فلم يحصل به الإحلال
كوطء المرتدة. الثانية: حلها وهي ظاهر النص. انظر: المقنع: 246، والمحرر:
2/ 84، والشرح الكبير: 8/ 498.
(1/464)
الرَّجعَةَ؛ فَالقَولُ قَولُها فَإنْ أنكَرَ الثَّاني فَالقَولُ قَولُهُ
ولا اعتِبَارَ بِإقرَارِ الزَّوجَةِ وإنكارِهَا في حَقِّ الثَّاني إلا
أنَّها مَتَى أَقرَّتْ فَبانَتْ مِنَ الثَّانِي بِطَلاقٍ أو فَسخٍ أو
لِعَانٍ أو مَوتِهِ فَهيَ زَوجَةٌ مِنْ غَيرِ عَقدٍ جَدِيدٍ. |