الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ القَذْفِ واللعَانِ
قَذْفُ المُحْصِنينَ يُوجِبُ الحَدَّ، وقَذْفُ غيْرِ المُحْصِنينَ يُوجِبُ
التَّعْزِيرَ، وقَدَرُ الحَدِّ إذا كَانَ القَاذِفُ حُرَّاً ثَمانُونَ
وعَبْدَاً أرْبَعُونَ وقَدَرُ التَّعْزِيرِ يُذْكَرُ في بَابِهِ /332ظ/
والمُحْصَنُ: هُوَ المُسْلِمُ الحُرُّ العَاقِلُ العَفِيفُ الذي يُجَامِعُ
مِثْلُهُ وإنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغَاً (1) في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ، وفي
الأخْرَى البَالِغُ (2) والقَذْفُ عَلَى ثَلاثة أضْرُبٍ: واجِبٌ، ومُبَاحٌ،
ومَحْضُورٌ. فَالواجِبُ: أنْ يَرَى زَوجَتَهُ تَزْنِي في طُهرٍ لَمْ
يُجامِعْهَا فِيْهِ فَيَعْتَزِلَهَا، وتَأتِي بِوَلَدٍ بَعْدَ سِتَّةِ
أشْهُرٍ مِنْ حِينِ رُؤيَتِهِ، فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ قَذْفُهَا في هَذِهِ
الصُّورَةِ ونَفْيُ الوَلَدِ (3). والمُبَاحُ: أنْ يَرَاهَا تَزْنِي أوْ
يَسْتَفِيضَ مِنَ النَّاسِ أنَّهَا تَزْنِي، أوْ يُخْبِرَهُ ثِقَةٌ
بِأنَّهُ رَأى رَجُلاً يَطَأُهَا، أوْ يَرَى رَجُلاً مَعْرُوفَاً
بالفُجَورِ عِنْدَهَا، ونَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ
زَنَاهَا. فَإنْ أتَتْ بِوَلَدٍ أسْوَدٍ وهُمَا أبْيَضَانِ، أوْ أتَتْ
بِوَلَدٍ أبْيَضٍ وهُمَا أسْوَدَانِ، فَظَاهِرُ كَلاِم أحْمَدٍ رَحِمَهُ
اللهُ. إبَاحَةُ قَذْفِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَحِلُّ لَهُ
قَذْفُهَا (4). ومَا عَدَا ذَلِكَ في حَقِّ الزَّوْجَاتِ والإمَاءِ
فالأجَانِبُ مُحَرَّمٌ. وألفَاظُ القَذْفِ، تَنْقَسِمُ إلى: صَرِيْحٍ
وكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيْحُ: قُوْلُهُ يا زَانِي، يا عَاهِرُ، يا مَنْيوكُ،
يا مَعْفُوجُ (5)، يا لُوطي، زَنَا فَرْجُكَ، ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ
الألْفَاظِ الَّتي لا تَحْتَمِلُ في الغَالِبِ إلا القَذْفَ فَلا يقبَلُ
تَفْسِيرُهُ بِها يُحِيْلُ القَذْفَ نَحْوَ أنْ يَقُولَ: أرِيْدُ بِقَوْلِي
يا زَانِيَ العَيْنِ، يا عَاهِرَ اليَدِ، يا مَعْفُوجَ دُوْنَ الفَرْجِ، يا
لُوطِي إنَّكَ مِنْ قَوْمِ لوطٍ، وذَلِكَ لا يُعْرَفُ، فَإنْ قَالَ: أنْتَ
أزْنَى النَّاسِ فَهُوَ صَرِيْحٌ اخْتَارَهُ أبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ
حَامِدٍ: لَيْسَ بِقَذْفٍ. وكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أنْتَ أزْنَى مِنْ
فُلانَةٍ، وَهَلْ يَكُونُ قَاذِفَاً لِفُلانَةَ؟ فَقَالَ شَيْخُنَا:
يَكُونُ قَاذِفَاً لَهَا أيْضَاً. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَكُونُ
__________
(1) وقطع به القاضي، وَهُوَ مقتضى كلام الخرقي. انظر: المغني 10/ 202 -
203، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 52.
(2) انظر: المغني 10/ 202 - 203، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 52، والكافي 4/
217.
(3) لان ذَلِكَ يجري مجرى اليقين في ان الولد من الزاني، فإذا لَمْ ينفه
لحقه الولد وورثه وورث أقاربه وورثوا منهُ ونظر الإنسان بناته وأخواته،
وليس ذَلِكَ بجائز فيجب نفيه لإزالة ذلك. انظر: المغني 9/ 42.
(4) لأن الناس كلهم من آدم وحواء وألوانهم وخلقهم مختلفة فلولا مخالفتهم
شبه والديهم لكانوا عَلَى خلقة واحدة، ولان دلالة الشبه ضعيفة ودلالة
ولادته عَلَى الفراش قوية فلا يجوز ترك القوي لمعارضة الضعيف. انظر: المغني
9/ 44.
(5) العَفْج: بمعنى نكح فهو بمعنى منكوح. أي موطوء. انظر: اللسان 2/
132"عفج"، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 56.
(1/476)
قَاذِفَاً لَهُمَا (1). فَإنْ قَالَ
لامْرَأتِهِ: يا زَانِي، وَقَالَ لِرَجُلٍ: يا زَانِيَةُ. فَهُوَ صَرِيْحٌ
عَلَى قَوْلِ أبِي بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَكُونُ قَاذِفَاً.
ومَعْنَى قَوْلهِ أنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ في القَذْفِ، وإلا فَلَوْ قَالَ:
نَوَيْتُ بِهِ قَذْفَهُ، أوْ فَسَّرَهُ بِالقَذْفِ فَلا شَكَّ أنَّهُ
يَكُونُ قَاذِفَاً فَإنْ قَالَ: زُنَاةٌ في الجَبَلِ. فَقَالَ أبُوْ بَكْرٍ
هُوُ صَرِيْحٌ في القَذْفِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ يَعْرِفُ
اللُّغَةَ (2) فَقَالَ: أرَدْتُ الصُّعُودَ في الجَبَلِ. قُبِلَ مِنْهُ،
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ إمَامِنَا أحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ. في العَرَبِيِّ
إذا قَالَ بِهِشتَم (3) إنْ كَانَ لا يَعْرِفُ أنَّهُ طَلاقٌ لا يَلْزمُهُ
الطَّلاقُ، فَإنْ قَالَ: زَنَأتَ ولَمْ يَقُلْ في الجَبَلِ فَيَحْتَمِلُ
أنْ يَكُونَ كَالَّتي قَبْلَهَا (4)، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَكُونَ صَرِيحَاً
وَجْهَاً واحِدَاً، وأما الكِنَايَةُ فَيَجُوزُ أنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ
قَدْ فَضَحْتِيهِ /333 و/ وَغَطَّيْتِ رَأسَهُ وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونَاً
وعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أوْلادَاً مِنْ غَيْرِهِ وأفْسَدْتِ فِرَاشَهُ
ونَكَسْتِ رَأسَهُ، أوْ يَقُولَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يا حَلالَ ابْنَ
الحَلالِ، يا عَفِيفُ ما تَعْرِفُكَ النَّاسُ بالزِّنَا، أوْ يَقُولَ: يا
فَاجِرَةُ، يا قَحْبَةُ، يا خَبِيْثَةُ، أوْ يَقُولَ لِنِبْطِيٍّ يا
أعْجَمِيُّ يا عَرَبِيُّ فَهَذَا لا يَكونُ قَاذِفَاً إلا أنْ يَنْويَ
بِذَلكِ القَذْفِ فَإنْ قَالَ نَوَيْتُ عَنِ القَذْفِ وفَسَّرَهُ بِمَا
يَحْتَمِلُهُ فَالقَولُ قَولُهُ في إحْدَى الرِّوايَتَينِ (5)، وفي
الأُخْرَى جَمِيعُ ذَلِكَ صَرِيحٌ في القَذْفِ ويُلْزِمُ الحَدَّ (6)
اخْتَارَهَا شَيْخُنَا، وكَذَلِكَ الحُكْمُ إذا سَمِعَ إنْسَانَا يَقْذِفُ
رَجُلاً بِالزِنَا فَقَالَ: صَدَقتَ. أو قَالَ: أخْبَرَنِي فُلانٌ أنَّكَ
تَزْنِي، وكَذَّبَهُ فُلانٌ (7) يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَينِ (8)، فَإنْ
قَالَ: أهْلُ بَغْدادَ كُلُّهُمْ زُنَاةٌ. لَمْ
__________
(1) انظر: المغني 10/ 216.
(2) انظر: المغني 10/ 216 - 217، والكافي 4/ 218، والمحرر 2/ 95، والمبدع
9/ 92، والفروع 6/ 93، والإنصاف 10/ 214.
(3) في الأصل "كهشتم"، ونقل عبارته المرداوي في الإنصاف 10/ 214 فَقَالَ:
"قَالَ في الهداية قَالَ بهشيم "، وضبطها في المطلع1/ 335، والمبدع 7/ 274
بالحروف فَقَالَ: بكسر الباء والهاء، وهي تعني: خليتك، وهذا الإطلاق يكون
بلسان العجم.
(4) يعني عَلَى قَوْل ابن حامد. انظر: الإنصاف 10/ 214، والفروع 6/ 93.
(5) ذكر أبو بكر عَبْد العزيز: أن أبا عَبْد الله رجع عن القول بوجوب الحد
في التعريض. المغني 10/ 214.
(6) نقل حَنْبَل عن الإمام أحمد أنَّهُ لا حد عَلَيْهِ وَِهُوَ ظاهر كلام
الخرقي واختيار أبي بكر، وروى الأثرم وغيره عن أحمد أن عَلَيْهِ الحد.
انظر: المغني 10/ 213، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 56، والكافي 4/ 220.
(7) قَالَ ابن قدامة في المغني 10/ 216: "لَمْ يكن قاذفاً سواء كذبه المخبر
عنه، أهون صدقه".
(8) الوجه الأول: لَمْ يكن قاذفاً كما سبق؛ لأنه أخبر أنَّهُ قَدْ قذف فلم
يكن قذفاً مْنْهُ. والوجه الثاني: يكون قاذفاً ونسب هَذَا الوجه ابن قدامة
لأبي الخطاب. انظر: المغني 10/ 216، والكافي 4/ 219، وكشاف القناع 6/ 112.
(1/477)
يَكُنْ قَاذِفَاً، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ
وكَذَلِكَ كُلُّ قَذْفٍ يَتَحَقَّقُ كَذِبُهُ فِيْهِ مِثْل أنْ يَقَذِفَ
جَمَاعَةً لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ زَنَوا، فَإنْ قَالَ
لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي. فَقَذَفَهُ احْتَمَلَ وَجْهَينِ. أحَدُهُمَا يَكُونُ
قَاذِفَاً. والثَّانِي: لا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبَاً لِلحَّدِ بَلْ
يُعَزَّرُ. فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يا زَانِيَةُ فَقَالَتْ بَلْ زَنات
(1) لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً، فَإنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يا نِبْطِيُّ (2)، يا
فَارِسِيُّ، يا رُوْمِيُّ فَهَلْ يَكُونُ قَذْفَاً؟ عَلَى روايتين (3).
وإذا قَالَ لِوَلَدِهِ: لَسْتَ بِوَلَدِي. فَهَلْ هُوَ صَرِيْحٌ في
القَذْفِ أمْ كِنَايَةٌ؟ عَلَى وَجْهَينِ (4)، وإنْ قَالَ لأجْنَبِيٍّ:
لَسْتَ بِوَلَدِ فُلانٍ. فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ ولَهُ المُطَالَبَةُ إنْ
كَانَتْ أُمُهُ مَيتَةٌ (5)، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: قَذْفُ المَيِّتِ لا
يُوجِبُ الحَدَّ (6). فَإنْ قَالَ زَنَيْتِ أوْ أنْتِ صَغِيْرَةٌ،
وفَسَّرَهُ بالصِّغَرِ الذِي لا يُجَامَعُ فِيْهِ لَمْ يَكُنْ قَاذِفَاً
وعَلَيْهِ تَفْسِيْرُ السَّبِّ وإنْ فَسَّرَهُ بِصِغْرٍ يُجَامَعُ فِيْهِ
كَتِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدَاً فَهُوَ قَاذِفٌ، فَإنْ قَالَ لِحُرَّةٍ
مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ وأنْتِ نَصْرانِيَّةٌ أوْ أنْتِ أمَةٌ، ولَمْ
يَثْبُتْ أنَّهَا كَانَتْ نَصْرانِيَّةً ولا أمَةً فَهُوَ قَاذِفٌ
لِمُسلِمَةٍ حُرَّةٍ وإنْ ثَبَتَ أنَّهَا كَانَتْ أمَةً أوْ نَصْرَانِيَّةً
إلا أنَّهَا قَالَتْ: أرَدْتَ قَذْفِي في هَذِهِ الَحالِ وأضَفْتَ إليَّ
ذَلِكَ كَوْنِي نَصْرَانِيَّةً أمَةً، فَقَالَ: بَلْ أرَدْتُ أنَّكِ
زَنَيْتِ في حَالِ كُفْرِكِ أوْ رِقِّكِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: القَوْلُ
قَولُهَا وَيلزِمُهُ مُوجبُ قَذْفِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ (7)، وعِنْدِي أنَّ
القَولَ قولُهُ ويَلزَمُهُ مُوجِبُ قَذْفِ أمَةٍ أوْ كَافِرَةٍ، فَإنْ
قَالَ زَنَتْ يَدَاكِ ورِجْلاكِ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: يَكُونُ قَاذِفَاً،
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ لا يَكُونُ قَاذِفَاً وَهُوَ الأقْوَى. /334 ظ/
بَابٌ فِيْمَنْ يَصُحُّ لِعِانُهُ أوْ لا يَصُحُّ وصِفَةُ اللعَانِ
يَصُحُّ اللعَانُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ سَواءٌ كَانَ
الزَّوْجَانِ مُسْلِمَينِ، أوْ ذِمِّيينِ، أوْ رَقِيقَينِ، أوْ فَاسِقَينِ،
أوْ مُسْلِمٌ وذِمِّيَّةٌ، أوْ حُرٌ وأمَةٌ، أوْ عَدْلٌ وفَاسِقَةٌ في
أصَحِّ الرِّوايَتَينِ (8) إلا أنَّهُ إنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ المُسلِمةَ
لَزِمَهُ حَدُّ القَذْفِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ بالبَيِّنَةِ أوْ
__________
(1) كذا في الأصل ويجوز أن تكون: "زنيت". وانظر: المغني 9/ 74.
(2) النَبَط والنَبيط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين. انظر: الصحاح 3/
1162، ولسان العرب 7/ 411 "نبط"، وكشاف القناع 6/ 111.
(3) الأولى: ليس بقذف، ولا يجب عَلَيْهِ الحد وهي اختيار أبي بكر، وصححه
أبانها مُحمَّد ابن قدامه في ... المغني. والثانية: هو قذف، وعليه الحد،
وهي اختيار القاضي. انظر: المغني 10/ 215، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 56، وكشف
القناع 6/ 111، والكافي 4/ 220.
(4) انظر: المبدع 9/ 91، والإنصاف 10/ 212، وكشاف القناع 6/ 110.
(5) وهو اختيار الخرقي. والكافي 4/ 226.
(6) انظر: الكافي 4/ 226، وكشاف القناع 6/ 110.
(7) انظر: المغني 10/ 224، والكافي 4/ 229، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 57.
(8) نقلها عَبْد الله وأبو طالب والميموني وابن منصور وابن القاسم وهي
اختيار القاضي، والخرقي. =
(1/478)
باللعَانِ فَإنْ قَذَفَهَا وهِيَ
ذِمِّيَّةٌ أوْ أمَةٌ لَزِمَهُ التَّعْزِيرُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ باللعَانِ
أيْضَاً، وفي الرِّوايَةِ الأخْرَى (1) لا يَصُحُّ اللعَانُ إلا مِنْ
زَوْجَينِ مُسْلِمَينِ عَدلَينِ فَأمَا إنْ قَذَفَ الذِّمِّيَّةَ أوْ
الأمَةَ أوْ الفَاسِقَةَ فَإنَّهُ يُعَزَّرُ، وإنْ قَذَفَ المُحْصَنَةَ
حُدَّ ولا لِعَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوايَةِ، ولا يَتَعَرَّضُ
للقَاذِفِ بِلَعْنٍ ولا غَيْرِهِ إلا بَعْدَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ لَهُ
بِمُوجَبِ القَذْفِ فَإنْ عَفَتْ بَعْدَ المُطَالَبَةِ سَقَطَ ذَلِكَ،
فَأمَّا الأخْرَسُ (2) فَإنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ أوْ كِنَايَتُهُ صَحَّ
لِعَانُهُ وإلا فَلا يَصُحُّ وأمَّا مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ وآيَسَ مِنْ
نُطْقِهِ فَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُهُ بالإشَارَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ (3)،
وأمَّا الأعْجَمِيُّ فَإنْ كَانَ يُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ
لِعَانُهُ بِلِسَانِهِ وإنْ كَانَ [لا] (4) يُحْسِنُهَا فَهَلْ يَصِحُّ
لِعَانُهُ بِلِسَانِهِ يحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ ويحْتَمِلُ أنْ لا يَصِحَّ،
ويتعلم، ولا تَصِحُّ المُلاعَنَةُ إلا لِحَضْرَةِ الحَاكِمِ، وصِفَتُهَا
أنْ يَبْدَأ الزَّوْجُ فَيَقُولَ: أشْهَدُ باللهِ إني لَمِنَ الصَّادِقِينَ
فِيْمَا رَمَيْتُها بِهِ مِنَ الزِّنَا. أرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ في
الخَامِسَةِ: ولَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ [مِنَ] (5) الكَاذِبِينَ.
ثُمَّ تَقُولُ الزَّوْجَةُ أرْبَعَ مَرَّاتٍ: أشْهَدُ باللهِ لَقَدْ كَذَبَ
فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا. ثُمَّ تَقُولُ: وَغضَبُ اللهِ
عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. والسُّنَّةُ أنْ يَتَلاعَنَا
قِياماً، ويُقَالُ للزَّوْجِ إذا بَلَغَ إلى اللعْنَةِ والزَّوْجَةِ إذا
بَلَغَتْ إلى الغَضَبِ: اتَّقُوا اللهَ فَإنَّها المُوجِبَةُ وعَذَابُ
الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ (6). وأنْ يَحْضَرَ اللعَانَ
جَمَاعَةٌ ويُلاعِنُهَا في المَواضِعِ والأزْمَانِ الَّتِيْ تَعْظُمْ ولا
يَجِبُ جَمِيعُ ذَلِكَ، ويَكُونُ اللعَانُ بِحَضْرَةِ الحَاكِمِ فإنْ
كَانَتْ خَفِرةً (7) بَعَثَ مَنْ يُلاعِنُ بَيْنَهُمَا فَإنْ نَقَضَ
أحَدُهُمَا شَيْئَاً مِنَ الألفَاظِ الخَمْسَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِلِعَانِهِ
وإنْ بَدَّلَ لفْظَةَ أشْهَدُ بأُقْسِمُ أو حَلَفَ أوْ بَدَّلَ لفْظَةَ
اللعَنَةِ بالإبْعَادِ ولَفْظَةَ الغَضَبِ بالسَّخَطِ احْتَمَلَ وَجْهَينِ
(8) أحَدُهُمَا: لا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ وَهُوَ الأظْهَرُ، والثَّاني:
يُعْتَدُّ
__________
= انظر: مسائل عَبْد الله 3/ 1152 و 1157، والروايتين والوجهين 145/أ،
والمغني 9/ 6، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 349، والإنصاف 9/ 242 - 243.
(1) انظر: الروايتين والوجهين 145/أ.
(2) لأنه يصح طلاقه فصح قذفه ولعانه كالناطق. انظر: المغني 9/ 11.
(3) الأول: يصح؛ لأنه مأيوس من نطقه فأشبه الأخرس. والثاني: لا يصح؛ لأنه
ليس بأخرس فلم يكتف بإشارته كغير المأيوس. انظر: الشرح الكبير 9/ 10. وذكر
أبو مُحمَّد بن قدامه في المغني 9/ 11 - 12 أن من قذف وهو ناطق ثم خرس وأيس
من نطقه فحكمه حكم الأصلي، وإن رجي عود نطقه وزوال خرسه انتظر به ذلك.
(4) زيادة يقتضيها السياق.
(5) زيادة يقتضيها السياق.
(6) قَالَ ابن قدامه في المقنع: 354: "وإذا بلغ كُلِّ واحد منهما الخامسة
أمر الحاكم رجلاً فأمسك يده عَلَى فيّ الرجل وامرأة تضع يدها عَلَى فيّ
المرأة ثم يعظه ويقول اتق الله فإنها الموجبة ".
(7) بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء - الشديدة الحياء. المطلع: 347.
(8) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 415.
(1/479)
بِهِ، وإنْ كَانَ بَينَهُمَا وَلَدَاً فيقر
نَفْيهُ عَنِ /335 و/ الأبِ إلى ذِكْرِهِ في اللعَانِ قَالَهُ الخِرقِيُّ
(1) فَيَزِيدُ في لَفْظِ الشَّهَادَةِ: ومَا هَذَا الوَلَدُ وَلَدي (2)،
وتَزيِدُ هِيَ فِيْهَا: وإنَّ هَذَا الوَلَدَ ولَدُهُ، وَقَالَ أبُو
بَكْرٍ: يَنْتَفِي بِنَفِي الفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ (3). وإنْ بَدَأ
بلعَانِ المَرْأةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ولا تَقَعُ الفُرْقَةُ وزَوَالُ
الفِرَاشِ إلا بِلِعَانِهِمَا وتَفْرِيقِ الحَاكِمِ بَيْنَهُمَا بِقَولِهِ
فرق بَيْنَهُمَا في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (4) وفي الأُخْرَى (5): يَقَعُ
ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِمَا، وفُرْقَةُ اللعَانِ فَسْخٌ ويَتَعَلَّقُ
بِهَا ثَلاثَةُ أحْكَامٍ: سُقُوطُ الحَدِّ، وانْتِفَاءِ النَّسَبِ،
والتَّحْرِيمِ المُؤبَدِ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (6)، فَإنْ أكْذَبَ
نَفسَهُ لَحِقَهُ النَّسَبُ وحُدَّ إنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُحْصَنَةٌ
وعُزِّرَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ فَإنْ الْتَعَنَ الزَّوْجُ
ونَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللعَانِ حُبِسَتْ حَتَّى تَلْتَعِنَ أوْ
تُقِرَّ بالزِّنَا في إحَدَى الرِّوَايَتَينِ (7) وفي الأخْرَى يُخلى
سَبيلُهَا، وهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ (8)، فَإنْ مَاتَ أحَدُ
الزَّوْجَينِ قَبْلَ التَّلاعُنِ وَقَعَتِ الفِرْقَةُ بالمَوتِ، وَوَرِثَ
كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وثَبَتَ نَسَبُ الوَلَدِ مِنْهُمَا،
وسَقَطَ موجبُ القَذْفِ، وإنْ مَاتَ الوَلَدُ صَحَّ لِعَانُهُمَا
ونَفْيُهُ، فَإنْ قَالَ: وطِئْتُ بِشُبْهَةٍ وهَذا الوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي
فَلَهُ أنْ يُلاعِنَ لِنَفْي الوَلَدِ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (9)، وفي
الأخْرَى لا مُلاعَنَةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْذِفَهَا بالزِّنَا
والوَلَدُ يَلْحَقُ بِهِ اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ (10) فَإن أمَرَ بالوَلدِ
ثُمَّ عَادَ فَنَفَاهُ وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ
ولَزمَهُ الحَدُّ ولَهُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 146/أ، والمغني 9/ 37، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/
452.
(2) قال القاضي: يشترط أن يقول: هذا الولد من الزنا وليس هو مني. شرح
الزَّرْكَشِيّ 3/ 452.
(3) انظر: المغني 9/ 38، والمقنع: 256، والروايتين والوجهين 146/ أ.
(4) نقلها عن الإمام أحمد، بن القاسم. انظر: الروايتين والوجهين 146/ أ.
(5) نقلها عن الإمام أحمد، إسماعيل بن سعيد. انظر: الروايتين والوجهين
145/ب.
(6) وهي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد - رحمه الله - والثانية نقلها
حَنْبَل وهي شاذة كما قَالَ ابن قدامة في المغني. انظر: الروايتين والوجهين
146/ أ، والمغني 9/ 33، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 442.
(7) نقلها عن الإمام أحمد - رحمه الله - ابن القاسم، وَقَالَ أبو بكر:
"رَوَى ابن القاسم أنها تجبر عَلَى اللعان ووافقه غيره". وصححه القاضي.
انظر: الروايتين والوجهين 145/ب، والمغني 9/ 73، والمحرر 2/ 99، والمبدع 8/
89.
(8) قال أبو بكر: وروى الكوسج أنَّهُ يقال لها اذهبي والولد لهما. وَقَالَ
بعدها: وهُوَ المعمول عَلَيْهِ عندي.
انظر: الروايتين والوجهين 145/ب.
(9) في رواية ابن منصور إذا قَالَ: لا أقذف امرأتي وليس مني فإذا كان
الفراش له، وولدت في ملكه يلاعن، وقال في موضع آخر: إذا قَالَ: ليس مني لحق
به ولا ينتفي إلا باللعان وهي اختيار أبي بكر وصححه القاضي. انظر:
الروايتين والوجهين 146/ ب.
(10) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 447.
(1/480)
إسْقَاطُهُ باللعَانِ، وَقَالَ شَيْخُنَا:
لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ باللعَانِ وكَذَلِك إنْ أتَتْ بِتَوأمَينِ فَأقَرَّ
بأحَدِهِمَا ونَفَى الآخَرَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِنَا ثَبَتَ نَسَبُهَا
ويُلاعِنُ لإسْقَاطِ حَدِّ القَذْفِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يُحَدُّ (1).
فَإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: زَنَيْتِ قَبْلَ أنْ أتزَوَجَ بِكِ فَعَلَيْهِ
الحَدُّ، ولَيْس لَهُ إسْقَاطُهُ باللعَانِ، وإنْ أبانَهَا، ثُمَّ قَالَ:
زَنَيْتِ حَيْثُ كُنْتِ زَوْجَتِي. فَإنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَهُ
نَفْيُهُ باللعَانِ وإلا حُدَّ ولَمْ يُلاعِنْ وإنْ قَذفَهَا وهِيَ
زَوْجُهُ ثُمَّ أبَانَها فَلَهُ الملاعَنَةُ سَواءَ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ
يُرِيْدُ نَفْيَهُ أوْ لَمْ يَكُنْ فَإنْ قَذْفَ زَوجَتَهُ ولاعَنَ ثُمَّ
عَادَ فَقَذَفَها بِذَلِكَ الزِّنَا عُزِّرَ ولَمْ يُلاعِنْ وكَذَلِكَ إنْ
قَذْفَ أجْنبِيَّةً فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَقَذَفها بِذَلِكَ الزِّنَا
عُزِّرَ وإنْ قَذَفَها أجْنَبيٌّ بِذَلِكَ الزِّنَا حُدَّ فَإنْ قَالَ
لِزَوْجَتهِ: يا زَانِيَّةُ، فَقَالَتْ بَلْ أنْتَ زَانٍ فَلَهُ إسْقَاطُ
قَذْفِهِ باللعَانِ، وعَلى الزَّوْجَةِ حَدُّ قَذْفهِ فَإنْ قالَ /336ظ/
لَهَا زَنَا بِكِ فُلانٌ لاعَنَ لإسْقَاطِ الحَدِّ لَها ولِلمُسَمَّى وإذا
قَذَفَ مُحْصَناً فَقْبِلَ إنْ يُطالِبَ بِحَدِّ القَذْفِ سَقَطَ إحصَانُ
المَقْذُوفِ بِزِناً ثَبَتَ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ حُكمُ المُحْصَنِ وإذا
قَذْفَ زَوْجَتَهُ فَصَدَّقَتْهُ سَقَطَ عَنْهُ الحَدُّ وإنْ كَانَ هُنَاكَ
وَلَدٌ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَهُوَ قِياسُ المَذْهَبِ فَإنَهُ لَوْ
قَذَفهَا، وَقَالَ: ولَدُكِ هَذَا مِنَ الزِّنَا فَمَاتَ قَبْلَ
المُلاعَنَةِ سَقَطَ عَنْهُ الحَدُّ، ولَحِقَهُ الوَلَدُ نَصَّ عَلَيْهِ في
رِوَايَة الأثْرَمِ وابْنِ القاسِمِ، ولا تَصُحُّ المُلاعَنَةُ عَلَى
نَفِيِ الحَمْلِ (2)، ولا يَلْزَمُهُ اسْتِلْحَاُقُه حَتَّى تَضَعَهُ (3)،
وإذا شَهِدَ الزَّوْجُ مَعَ ثَلاثَةٍ بالزِّنَا لاعَنَ الزَّوْجُ لإسْقَاطِ
الحَدِّ، وحُدَّ الثَّلاثَةُ، فَإذا قَذَفَ أرْبَعَ زَوْجَاتٍ وْجَمَاعَةً
أجَانِبَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ فَقَالَ: يا زَوانِي، فَعَليهِ حَدٌّ واحِدٌ
لِجَمَاعَتِهِنَّ في إحْدَى الرِّوايَتَينِ (4)، وفي الأخْرى إنْ طالَبُوا
عِنْدَ الحَاكِمِ مُطَالَبَةً واحِدَةً فَحَدٌّ واحِدٌ، وإنْ طَالَبُوا
مُتفَرِّقِينَ حَدٌّ لِكُلِّ واحِدٍ وحْدَهُ (5). وَلَهُ إسْقَاطُ حَقِّ
الزَّوْجَاتِ باللعَانِ إلا أنَّهُ يُفْرِدُ كُلَ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ
بِلِعَانٍ عَلى ظَاهِرِ كَلامِ أصْحَابِنا، ويَحْتَمِلُ أنْ يُجْرِيَ
لِعَانٌ واحِدٌ في حَقِّهِنَّ فَيَقُولُ: أشْهَدُ باللهِ إنِّي لَصَادِقٌ
فِيْمَا رَمَيْتُ بِهِ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتي الأرْبَعِ مِنَ
الزِّنَا. وتَقُولُ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ: أشْهَدُ باللهِ لَقَدْ
كَذَبَ فيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا. وأيَّتُهُنَّ بَدَتْ فَقَالَتْ
ذَلِكَ جَازَ، فَإنْ كَانَ القَذْفُ بِكَلِمَاتٍ فَفِي الرِّوايَتَانِ
الأُولَيَانِ ورِوايَةٌ ثَالِثَةٌ يَجِبُ لِكُلِّ واحِدَةٍ حَدٌّ، وإنْ
قَذَفَ مَنْ تَزَوَّجَها نِكَاحَاً فَاسِدَاً لَمْ يَكُنْ لَهُ أنْ
يُلاعِنَ إلا أنْ
__________
(1) انظر: المغني 9/ 39.
(2) اختلف في هذه المسألة فأبو الخطاب قد وافق الخرقي في هذا، وخالفهما أبو
بكر. انظر: المغني 9/ 46.
(3) وهو المنصوص عن الإمام أحمد، ومن قَالَ: أنه لا يصح نفيه. انظر: المغني
9/ 47.
(4) نقلها الحارث والفضل وأبو طالب ويعقوب بن بختان ومهنا وعبد الله. انظر:
الروايتين والوجهين 148/ أ، ... والمغني 10/ 232، والكافي 4/ 224.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 146/ أ، والمغني 10/ 232 _ 233، والكافي 4/
424.
(1/481)
يَكُونَ بَيْنَهُما وَلَدٌ يُريْدُ
نَفْيَهُ، فإنْ قَذَفَها بِزِناً في الدُبُرْ لاعَنَ لإسْقَاطِ الحَدّ فإنْ
قَالَ: وَطَأكِ فُلانٌ مُكْرَهَةً أوْ بِشُبْهَةٍ وهذَا لَيْسَ مِنِّي
لاعَنَ لِنَفِيِ الوَلَدِ (1) وعَنهُ يَلْحَقُهُ الوَلَدُ (2).
بَابُ مَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ ومَا لا يُلْحَقُ
ومَنْ أتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنْهُ لَحِقَهُ
نَسَبُهُ إلا أنْ يَنْفِيَهُ باللعَانِ، وإنْ لَمْ يُمْكنْ أنْ يكُونَ
مِنْهُ مِثْلُ أنْ يَأتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتةِ أشْهُرٍ مِنْ حينِ تَزَوجَها
أوْ لأكْثَرَ مِنْ أرْبَعِ سِنِينَ (3) مِنْ حِيْنِ أبانَها أوْ مَعَ
العَلْمِ بأنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَها كَالتي يَعْقِدُ عَلَيْهَا
بِحَضْرَةِ الحاكِمِ ثُمَّ يُطَلقُها عَقِبَ العَقْدِ أوْ يَتَزَوجها /337
و/ وهِيَ عَلَى مَسَافَةٍ لا يَصِلُ (4) إليْها في المُدَّةِ الَّتيْ
جَاءَتْ بِالوَلَدِ فِيْها أوْ يَكُونَ الزَّوجُ مِمَّنْ لا يَنْزِلُ
المَاءَ كَالمَقْطُوعِ الذِّكْرِ والاُّنْثَيينِ والصَّبِيِّ الذِي لَهُ
تِسْعَ سِنينَ فَما دُوْنَ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ نَسَبُهُ فَإنْ وَطئَهَا،
ثُمَّ طَلقَها طَلاقَاً رَجْعِياً، ثُمَّ أتَتْ بِوِلَدٍ لأكْثَرَ مِنْ
أرْبَعِ سِنِينَ فَهَلْ يَلْحَقُهُ أمْ لا يُخَرَّجُ عَلَى وجْهَينِ (5)،
فَإنْ أقَرَتْ بانْقِضَاءِ عِدَّتِها بالحَيْضِ ثُمَّ أتَتْ بِوَلَدٍ
لِسِتةِ أشْهُرٍ فَصَاعِداً لَمْ يُلْحَقْ نَسَبُهُ بالزَّوْجِ سَواءٌ
تَزَوجَتْ أوْ لَمْ تَتَزَوجْ كَما لَوْ طلَّقَها وهِيَ حَامِلٌ فَولَدَتْ،
ثُمَّ أتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتةِ أشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ فإنْ أتَتْ بِهِ
لِدُونِ سِتةِ أشْهُرٍ يَلْحَقْهُ لأنَّا تَيقنَّا أنَّ عِدَّتَها لَمْ
تَنْقَضِ، وإذا وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ فأتَتْ بِوِلَدٍ لِدُونِ
سِتةِ أشْهرٍ مِنْ حِيْنِ الوَطءِ فادَّعَا الزَّوْجُ أنَّهُ مِنْ ذَلِكَ
الزَّوْجِ أرى القَافةَ فَإن ألحَقُوهُ بالوَطءِ انْتَفَى عَنِ الزَّوْجِ
مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وإنْ ألحَقُوهُ بِهِ لَحقَ وَهَلْ لَهُ نَفْيُهُ
باللعَانِ عَلَى رِوَايَتَينِ (6) فإنْ ألحَقَتْهُ القَافَةُ بِهِما
بِخِلافِ ما إذا ألحَقُوهُ بأمِينٍ ادَّعَاهُ فإنَّهُ لا يَلْحَقُ بِهِما
ولا يُقْبَلُ قَوْلُ القَائِفِ (7) إلا أنْ يَكُونَ عَدْلاً ذَكَرَاً
مُجَرَّباً في الإصَابَةِ، فَإنْ
__________
(1) في هذه المسألة روايتان الأولى: ليس لَهُ أن يلاعن أومأ إليه في
رِوَايَة ابن القاسم وأبي طالب. والثانية: يلاعن. نقلها عن الإمام أحمد ابن
المنصور. انظر: الروايتين والوجهين 146/ب.
(2) نص عليه في رواية ابن منصور. انظر الروايتين والوجهين 146 / ب، والمغني
9/ 57.
(3) اختلفت الرواية عن اكثر مدة الحمل فنقل صالح وحرب أنها أخرت سنين، ونقل
ابن مشيش أنَّهُ قَالَ عندما سئل كم مدة الحمل فَقَالَ: الذي يعرف سنتين،
وأهل المدينة يقولون أربع وصحح القاضي الرواية الأولى. انظر الروايتين
والوجهين 150 /ب.
(4) في الأصل " لا تصل".
(5) جعلها في المغني عَلَى روايتين: الأولى: لا يلحقه؛ لأنها لَمْ تعلق
بِهِ قبل طلاقها فأشبهت البائن. الثانية: يلحقه؛ لأنها في حكم الزوجات في
السكنى والنفقة والطلاق والظهار والإيلاء.
انظر: المغني 9/ 56، والإنصاف 9/ 263.
(6) انظر: المغني 9/ 59.
(7) القائف: هو الذي يعرف النسب بفراسته، ونظره إلى أعضاء المولود. انظر:
التعريفات: 219، والتعاريف: 569.
(1/482)
عُدم القَافَةَ أوْ أُشْكِلَ عَلَى القَافَةِ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: لا
يُلْحَقُ بواحِدٍ مِنْهُما (1)، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ ينتظرُ بِهِ حَتَّى
يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبُ إلى أحَدِهِما (2) فإنْ انْتَسَبَ إلى الوَاطئِ
انْتفَى عَنِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ وإنْ انْتَسَبَ إلى الزَّوْجِ
لَحِقَهُ، وَهَلْ لَهُ نَفْيُهُ باللعِانِ عَلَى رِوَايَتَينِ، ومَنْ
وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فأخَرَ نَفْيَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ
نَفْيُهُ فإنْ ادَّعاهُ أنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بالوِلادَةِ وأمْكنَ صِدْقَهُ
فالقَولُ قَولُهُ، وإنْ قَالَ: لَمْ أعْلَمْ إنْ كَانَ نَفْيُهُ أو لَمْ
أعْلَمْ إنَّ النَفْيَ عَلَى الفَورِ، فإنْ كانَ قَرِيْب عَهْدٍ بالإسْلامِ
قُبِلَ مِنْهُ وإلا فلا تُقْبَلُ دَعْواهُ فإنْ أخَّرَ النَّفْيَ لِعذْرٍ
مِنْ مَرَضٍ أوْ حَبْسٍ أوْ حِفْظِ مَالٍ أوْ تَعَذَّرَ السَّيْرُ عَلَيْهِ
وَهُوَ في السَّفَرِ كَانَ لَهُ النَّفْيُ، فإنْ قَالَ: أخَّرْتُ النَّفْيَ
رَجَاءَ أنْ يَمُوتَ فإكْفَاءُ اللعِانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّفْيُ فإنْ
هَنِيءَ بِهِ فَسَكَتَ، أوْ أمَّنَ عَلَى الدُعَاءِ سَقَطَ النَّفْيُ، وإذا
اعْتَرفَ بوَطءِ أمتِهِ لَحِقَهُ ولَدُهَا ولَمْ يَنفِ عَنْهُ إلا أنْ
يَدَّعِىَ الإسْتِبْراَء وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أمْ لا عَلَى وجْهَينِ:
فإنْ قَالَ: كُنْتُ أطأُ وأعْزِلُ، أوْ أطأُ دُوْنَ الفَرجِ لَحِقَهُ
الوَلَدُ. وإنْ وَطِئ أمَتَهُ ثُمَّ أعْتَقَها واسْتَبرَتْ ثُمَّ أتَتْ
بوَلَدٍ لِدُونِ سِتةِ أشْهُرٍ مِنْ حِيْنِ /338 ظ/ العِتْقِ لَحِقَهُ وإنْ
كَانَ لِسِتةِ أشْهُرٍ فَصاعِداً لَمْ يَلْزَمْهُ الوَلَدُ، وإذا وَطِئَ
المَجْنُونُ مَنْ لا ملكَ لَهُ عَلَيْهَا ولا شبهةَ ملكِ فَعلقَتْ لَمْ
يَلْحَقْهُ النَّسَبُ ولا حَدَّ عَلَيْهِ ويَلزَمُهُ المَهْرُ إنْ كَانَ
اسْتَكْرَهَها وإذا أبانَ زَوْجَتَهُ فأتَتْ بِوَلَدٍ في مُدَّةِ الحَمْلِ
فأنْكَرَ أنَّها ولَدَتْهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهادَةِ امْرأةٍ ثِقَةٍ
تَشْهَدُ بالوِلادَةِ. |