الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني

كتابُ الجِنَايَاتِ (1)
قال: والجِناياتُ عَلى أَربعَةِ أَضرُبٍ عَمدٍ وَشِبهِ عَمدٍ وخَطأ وما جَرى مجَرى الخَطَأ (2)، ولا يَجِبُ القِصَاصُ إلا في العَمِد مِنها بثلاث شَرائطَ: أنْ يَكونَ الجاني [مكلفاً] (3) /355 و/ وأن يَكونَ المجني عَليهِ يُكَافيءُ دمهُ دَمهُ أو يَزيدُ علَيهِ وأنْ تَكونَ الآلةُ التي قصدَ الجنايةِ بها مما تَقُتلُ غَالِباً (4)، فالمُكَلفُ هوَ البَالِغُ العاقِلُ، فأمَّا الصبيُّ والمجنونُ فلا قصَاصَ عَلَيهِمَا، ومَنْ زَالَ عَقلُهُ بمحرمٍ فَهل يَجِبُ عَلَيهِ القصَاصُ؟ يخرجُ عَلى روَايَتَينِ: أَصحُهُمَا أنهُ يَجِبُ، والتكافؤُ أن تُساويَهُ فِي التدينِ والحُريةِ والرقِّ فَيقتلُ المسلمُ بالمسلمِ والذميُّ بِالذمِيِّ والحرُ بالحر والعَبدُ بالعَبدِ والأٌنثَى بالذَّكرِ والذكَرُ بالأُنثَى وقد نُقِلَ عَنهُ بَقَتلِ الذَّكَرِ بالأُنثَى وتُعطى نِصفَ الِديةِ، وأنهُ لاَ قِصَاصَ بَين الرَّقِيقِ إلا أنْ تَستَويَ قيمَتُهم والعَمَلُ عَلى مَا ذَكرنَاهُ أَولى، ويُقتلُ بالخُنثَى قَاتِلُهُ سَواءٌ كَانَ ذكراً أو أنثى فأما المسلم فلا يُقتَلُ بكافرٍ، وَلاَ الحرُ بعبدٍ إلا أن يجرح كافرٌ كافراً أو عبدٌ عبداً ثُمَ يسلم الجارحُ وَيعَتقُ العبدُ ويمَوتَ المجروحُ، فإنهُ يُقتَلُ فكَذلِكَ إن قَتلَ الحُرُّ المسلمُ مَنْ يَعرِفُهَ ذِمياً أو عَبداً فقَامَتِ البينةُ أنَهُ كَانَ قد أسلَمَ وَأعَتقَ، فَإنهُ يُقتلُ فَإنْ قَتلَ مَنْ لاَ يَعرفهُ ثُمَ ادّعى رِقَّهُ أو كُفرَهُ فقَالَ المجنيُّ عَلَيهِ بل أنا مُسلِمٌ حُرٌ فالقَولُ قولهُ وَيقتَلُ قاتلُهُ، وكَذلِكَ إنْ ضَرَبَ ملفوفَاً (5)، فَقدَّهُ نِصفَينِ وقالَ ضَربتُهُ وَهوَ مَيتٌ فَقالَ الوَليُّ بَلْ كَانَ حَياً فالقَولُ قَولُ الوَليِّ (6)، وَيُقتَلُ الكَافِرُ بالمسلمِ والعَبدُ بالحُرِّ ويقتَلُ المرتَدُّ بالذِميّ وإنْ عَادَ المرتَدُّ إلى الإسلامِ نصَّ علَيهِ (7)، ولا يقتَلُ الذِميُ بالمرتدِّ ولا يجبُ بقتل الزاني المحصَنِ القَوَدُ، ولا يُقتَلُ الأَبوانِ وإنْ عَلَوا بِالولَدِ ويُقَتلُ الولَدُ بكلِّ واحِدٍ منهُمَا في
__________
(1) قال: ابن قدامه يعبر أحيانا عَنهُ بكتاب الجراح لغلبة وقوعها به المغني 9/ 318، وانظر: شرح
الزركشي: 537.
(2) وقد ذكر الخرقي ثلاثة اضرب فقط، إلا إن أبا الحظاب هنا ذكر أربعة أضرب ومُثِّل للقسم الرابع أي بما جرى مجرى الخطأ بالنائم ينقلب عَلَى شخص فيقتله.
انظر: المقنع: 276، والمغني والشرح الكَبِير: 9/ 320.
(3) في الأصل: ((متكلفاً)).
(4) أضاف ابن قدامه شرطاً رابعاً وهو انتفاء الأبوة. انظر: الكافي 4/ 7.
(5) أي ((بكساء)). انظر: الرُوَايَتَين والوجهين: 172 /أ.
(6) قال أبو بكر في " كتاب الخلاف ": القول قول المجني عليه لأن الحياة متحققة، والجاني يدعي ما هو مشكوك فيه: الرُوَايَتَين والوجهين 172 /أ.
(7) انظر: المقنع: 275، والكافي 4/ 6، والمحرر 2/ 125.

(1/502)


أظهَرِ الروَايَتَينِ (1)، ولا يُقتَلُ في الأُخرَى (2)، وإنْ وجَبَ القِصَاصُ عَلى أحَدِ الأَبوينِ فَورِثَهُ وَلدُهُ سَقَطَ القِصَاصُ، نحوَ أنْ يقتلَ الأَبُ خَال ولَدِهِ فترثهُ أُمُ الولَدِ، ثُمَ تمَوتَ الأمُّ فيرِثَها الولَدُ أو تَقتلَ الأمُّ عمَ الولَدِ فيرثهُ الأبُ، ثُمَ يموتَ الأب فينتقلُ الإرث إلى الابنِ وقد نَقَلَ عَنهُ مُهنَّا في أمِّ ولَدٍ قَتلَتْ سَيدَها عَمداً تُقَتلُ فقيلَ لهُ مَن يقتلُهُا؟ قالَ ولدُها (3)، فَظَاهِرُ هَذا أنهُ أثبتَ /356 ظ/ لَهُ القِصاصَ عَلى أمّهِ بالميرَاثِ فَفِي هَذهِ الروَايةِ سَهوٌ، فإنها تُخالِفُ جمَيعَ أُصولِهِ ولَعلَّهُ قالَ يقَتلُها ولدُهُ وأرادَ بهِ أنْ يَكونَ لهُ ولدٌ مِن غَيرِهَا أَرضَعتهُ وقد مَاتَ وَلدُهَا فَيقتلُها ولدُ السَيِّدِ فإن قتل أَحَدُ الابنينِ أَباهُ ثُمَ قتل أمَّهُ فإنا ننَظرُ فإنْ كانَتِ الزَّوجِيَّةُ بينَ الأَبوينِ قَائمَةً إِلىَ حينِ القَتلِ وجَبَ القصَاصُ عَلى قَاتلِ الأمِّ وسقَطَ عَنْ قَاتِل الأَبِ لأنهُ وَرِثَ ثمَنَ دَمِهِ عَنْ أمِّهِ ويلزَمُهُ سبعُ أثمانِ دِيَةِ الأَبِ لِقَاتِلِ الأمِّ وإنْ كَانَتْ بَائنةً منهُ فعَلَى الإبنَينِ القَودُ فإنْ كَانَ أربعةُ اخوةٍ فَقتلُ الثَّاني للأولِ والثالثِ للرَّابعِ وجَبَ القِصاصُ عَلى الثَالثِ دونَ الثَّانِي لأنَّ الثانَي ورثَ نِصفَ دَمِ نفسه عَن أَخيهِ الرَّابعِ ويَلزمُهُ نِصفُ دِيَةِ الأَخِ الأوَلِ لِلأَخِ الثَّالِثِ وإذا قتلَ مَن الأنكا فيهِ فِي المحاربةِ لَمْ يقتَلْ، فإنْ قطعَ مُسلِمٌ يدَ مُسلِمٍ ثُمَ ارتدَّ الَمقطوعُ ثُمَّ اسلَمَ ثُمَ ماتَ فعلَى الجاِني القِصَاصُ عَلى ظاهِرِ كَلامِ أحَمَدَ رَحِمَهُ اللهُ فِي روايَةِ مُحَمَدِ بنِ الحَكَمِ (4)، وقَالَ شَيخُنَا إنْ كَانَ زَمانُ ردتهِ مَمِا تسرىِ فيه الجنَايةُ فَلا قِصَاصَ عَلى الجَاني (5)، فإنْ ماتَ المجروحُ في رِدَّتهِ فلا قَوَدَ عَلى الجَارِحِ في النَّفسِ. وهَل في الطَّرفِ؟ عَلى وجهَين (6)، فإنْ قطعَ يدَ مرتدٍ فأسلَمَ وماتَ فلا قَودَ عَلى القَاطِعِ وَلاَ دِية، فإنْ قطَع حرٌّ يدَ عَبدٍ فأعتقَ العبدُ ثُمَ ماتَ فلا قَودَ عَلى الحرِّ ويلزمُهُ دِيةُ حُرٍ، فَإن قَطَعَ مُسلِمٌ يدَ ذِميّ فأَسلَم ثُمَ مَاتَ فلا قَودَ ويلزمُهُ دِيَةُ مسلِمٍ، فإنْ رمى ذِميَّاً بسَهمٍ فلَمْ يُصِبهُ حَتَّى أسلمَ أو رمى عَبداً فأصَابهُ وأعتق، وقالَ الخِرَقيُّ لاَ قصَاصَ علَيهِ ويلزمُهُ دِيَةُ مُسلِمٍ حُر (7)، وَقالَ أبو بكرٍ عَلَيهِ
__________
(1) انظر: مسائل عبد الله 3/ 1226، والمغني 9/ 365.
(2) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 160/ب، والمغني 9/ 365.
(3) انظر: المغني 9/ 360، وشرح الزركشي 3/ 554.
(4) انظر: المغني 9/ 345، والكافي 4/ 6.
(5) انظر: المغني 9/ 345، والكافي 4/ 6، والشرح الكبير 9/ 354.
(6) أَحدُهُمَا: لا ضمان فيه لأنه تبين انه قتل لغير معصوم. والثاني: تَجِبُ لان سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانه كما لو قطع طرف رجل ثُمَ قتله آخر. المغني 9/ 344. وانظر الشرح الكبير 9/ 353.
(7) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/أ، والكافي 4/ 58، والشرح الكبير 9/ 365، وشرح الزركشي 3/ 564.

(1/503)


القِصَاصُ (1)، فانْ رمَى حَربياً فأصَابهُ السَّهمُ بعدَ إسلامِهِ فلا قَودَ ولا دِيةَ كمَا لو رَمَاهُ يَظنّهُ حَربِياً فَبانَ أَنهُ قد أسلَمَ وكَتمَ إيمانَهُ وإن رمى مُرتَدَّاً فوقَعَ السَّهمُ فيه بعدَ أَنْ أسلَمَ فلا قَودَ وهَل يلزمُهُ دِيةٌ؟ يحَتمِلُ وجَهيِن (2)، واختَلفَتِ الرِوايَةُ هل يكاِفيءُ دمُ واحدٍ دمَ جمَاعةٍ فَيقتل /357 و/ عَنْهُ لاَ يقتلُ الجَماعَة بالواحِدِ (3)، ونقلُ عَنهُ يقتلونَ بِهِ، وهوَ اختِيارُ عامَّةِ شُيوخِنا (4)، وَعلَيها يقعُ التفَّرِيعُ وأمَّا الآلةُ التي يُقتلُ بها غالباً فنذكرُهَا فِي بَابِ الجناياتِ الموجبةِ للقصَاصِ، وأما شِبهُ العَمدِ والخطأُ وما يجرِي مجرى الخَطَأ فذكَرَهُ في بَابِ الدياتِ إن شَاءَ اللهُ تَعالى.

بَابُ الجنَايَاتِ المُوجِبَةِ للقصَاصِ َوذِكرُ مَا تَقَعُ بِهِ الآلةُ
إذا خَرجَ مَن يُكافئهُ بمالهِ مور (5) في البدنِ من حَديدٍ أو غَيرِهِ فَمَاتَ فعلَيهِ القَودُ إلا إنْ يَغرِزَهُ بابرةٍ ونحوِهَا في غيِر مَقتلٍ فيَموتَ في الحالِ فَعلَى وجهَينِ قال ابنُ حامدٍ لا قَودَ عَلَيهِ (6)، وقالَ غيرهُ عليه القَودُ، واتفَقوا أنهُ إن بَقي مِن ذَلِكَ سقماً حتى مَاتَ أو كَانَ الغرزُ بهَا في مَقتلٍ كَالعَينِ والفُؤادِ والخِصيتَينِ أن علَيهِ القَودُ، فَإنْ ضَربَهُ بمثقَّلٍ كَبيرِ كاللّتِ (7)، والكوذين (8)، والسندانِ (9)، فعَلَيهِ القَودُ، وإنْ ضَربَهُ بمثقَّلٍ صَغيرِ كالسَّوطِ والعصَا الصَّغير ونحو ذَلِكَ في مَقتَلٍ أو كَرّر بهِ الضَّربَ أو كَانَ ذَلِكَ في حَالِ ضَعفِ قوَّةٍ أو في حَرٍ أو بَردٍ فعلَيهِ القَودُ فإنْ حَبسَهُ ومنعهُ الطَّعامَ والشَّرابَ حتى مَاتَ جوعَاً وعَطَشَاً أو طَرحَهُ في زبية (10)، فيها أَسَدٌ أو كَتَّفهُ وانهشَهُ كَلباً أو السَعَهُ حَيَّهً أو عَقربَاً مِنَ القَواتلِ غَالِباً وَجبَ علَيهِ القَودُ، فإنْ طَرحَهُ في أرضٍ مُسبعَةٍ أو ذاتِ حَياتٍ فَقَتَلتْهُ السِّباعُ أو
__________
(1) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161 /أ، والشرح الكبير 9/ 365.
(2) انظر: الكافي 4/ 58.
(3) نقله حنبل: الرُوَايَتَين والوجهين 160/ أ، والمغني 9/ 366، والكافي 4/ 9، وشرح الزركشي
3/ 554 - 555.
(4) نقله الجماعة منهم أبو طالب، وحرب، وابن منصور، الرُوَايَتَين والوجهين 160 /ب، وانظر: شرح المغني 9/ 366، والكافي 4/ 9، وشرح الزركشي 3/ 554 - 555.
(5) بمعنى الاضطراب: انظر: المعجم الوسيط: 891، ولسان العرب 5/ 186.
(6) انظر: المغني 3/ 322، والكافي 4/ 12، وشرح الزركشي 3/ 540 - 541.
(7) اللت: بمعنى الدق. انظر: لسان العرب 2/ 83.
(8) الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقيق الثياب. انظر: كشف القناع 5/ 506.
(9) مُدُقُ الطيب. انظر: معجم متن اللغة 3/ 223.
(10) حفره في موضع عالٍ تغطي فوهتها، فإذا وطئها الأسد وقع فيها. انظر: المعجم الوسيط: 389.

(1/504)


الحيَّاتُ فَحُكمهُ حُكمُ الممسِكِ لِلقَتلِ وهَل يلزمُهُ القَودُ؟ عَلى روَايَتَينِ: فإنْ خَنقَهُ أوسَدَّ فَمَهُ وانفهُ أو عَصَرَ خِصَيتهُ حَتَّى مَاتَ فعلَيهِ القَودُ، فإنْ طَرحَ علَيهِ حائطاً أو سَقفَاً أو رمَاهُ مِن شَاهِقٍ فمَاتَ فعلَيهِ القَودُ، فإنْ رمَاه مِن علوٍ فقَبلَ أن يَصِلَ إِلىَ الأرَضِ تَلقَّاهُ إنسَانٌ بسيفٍ فَقدَّهُ نصفَينِ كَانَ عَلى مَنْ قدَّهُ القصاصُ، وإنْ رمَاهُ فِي لجةٍ فَقبلَ أنْ يصِلَ إِلىَ الماءِ التقَمَهُ حُوتٌ فهل يجَبُ القَودُ عَلى الرَّامِي؟ تحَتمِلُ وجهَينِ (1). وإذا جَرحَهُ جُرحَاً لاَ يجَوزُ أنْ يبقى مَعهُ مِثلُ أنْ تقَطعَ حشوتَهُ أو حُلقومَهُ ومرِيئَهُ، /358 ظ/ ثُمَ جَاءَ آخَرُ فقدَّهُ نِصفَينِ فالقَودُ عَلى الأَولِ، ويعزَّرُ الأخرُ، وإنْ جَرحَهُ جرحَاً يجَوزُ أنْ يبقَى مَعهُ، وجَاءَ آخرُ فذبحَهُ فعلى الذَّابِحِ القَودُ، ولَو قَطعَ يدَهُ مِنَ الكَوعِ فجَاءَ آخرُ فقطَعهَا مِنَ المرفَقِ فمَات فَعليهِمَا القَودُ فإنْ جَرحَهُ أَحدُهُمَا جرحَاً وجَرحَهُ الآخرُ مئةَ جَرحٍ فهُما قَاتِلانِ، فإنْ أمسَكَ رجلاً حَتَّى قَتلهُ آخَرُ فَعَلى القاتلِ القَودُ ويحبسُ الماسكُ حَتَّى يموتَ فِي إحدى الرُوَايَتَينِ (2)، وفي الأُخَرى يقتلُ الممسكُ أيضَاً (3)، وإن أُكرهَ إنسَانٌ عَلى قَتلِ مَن يُكافِيهِ قُتِلَ المكرهُ وَالُمكَرهُ، وإنْ أمرَ مَنْ لاَ يميز فقَتلَ إنسَاناً قُتِلَ الآمِرُ وحدهُ، وإنْ أمرَهُ السُّلطانُ بقتلِ إنسَانٍ بغير حقٍ فقَتلهُ، فَإن عَلَمِ بذَلِكَ فعَلَى القَاِتلِ القَودُ، وإنْ جَهِلَ الحَالَ فعلَى الآمِرِ القَودُ. فإن شَهِدَ اثنانِ عَلَى رَجلٍ بالقَتلِ فَقَتلهُ الحَاكِمُ بِشَهادَتِهما، ثُمَ رجَعا عَنِ الشَّهادَةِ فِإنْ قالا: تَعمدنَا فعلَيهِمَا القَودُ وإنْ قالا: أخطأنا فعَليهِمَا الدِيةُ، فإنْ قالَ القاضِي أو وليُّ الدَمِ: قَدْ علمتُ أن الشاهدَينِ كَذَبا وأنَّ المشهودَ بقتلِهِ حَيٌ ولكنَّا تعَمدْنا قتَلهُ فعليهِمَا القَودُ فإنْ خلَطَ سُمَّاً قَاتِلاً بِطَعامٍ، ثُمَ أطعَمهُ إنسَاناً أو خَلَطهُ بِطَعامِ إنسَانٍ فأكَلهُ ولم يعلمْ فمَاتَ فعَلَيهِ القَودُ وإنْ علِمَ أنَّ فيه سُماً فأكَلهُ مختارَاً، أو خلطَ السُمَّ بطعامِ نَفسهِ فأخذَهُ إنسَانٌ فأكَلهُ بغيرِ إذنهِ فلا قَودَ علَيهِ، فإنِ ادَّعى القَاتِلُ بالسّم أني لم أعلمْ أنه سُمّ يقتلُ لم يقبلْ قَولهُ في أحَدِ الوجهَينِ (4)، وفي الآخَرِ يُقبلُ (5)، ويكونُ
__________
(1) أَحدُهُمَا فيه القَودُ، لأنه ألقاه في مهلكة فهلك، أشبه ما لو هلك بها. والثاني: لا قود فيه، لأنه هلك بغير ما قصد هلاكه به. انظر: المغني 9/ 326، والمحرر 2/ 123.
(2) نقلها أبو طالب، واحمد بن سعيد. انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، والمغني 9/ 476 - 477، والكافي 4/ 16، والمحرر 2/ 123، وشرح الزركشي 3/ 580 - 581.
(3) نقلها ابن منصور يقتلان جميعاً. انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، وانظر: المغني 9/ 476 - 477، والكافي 4/ 16، والمحرر2/ 123، وشرح الزركشي 3/ 580 - 581.
(4) لا يقبل قوله وعليه القَودُ، لأن السم من جنس ما يقتل به غالباً، فأشبه ما لو جرحه، وقال لم اعلم أنه يموت منه. المغني 9/ 330، وانظر الكافي 4/ 15، والمحرر2/ 122.
(5) يقبل قوله فلا قود عليه لأنه يجوز أن يخفى عليه أنه قاتل، وهذه شبه يسقط بها القَودُ. المغني 9/ 330، وانظر: الكافي 4/ 15، والمحرر2/ 122.

(1/505)


قتلُهُ بذَلِكَ خَطأً، فإنْ قتلهُ بشَجرٍ يقتلُ في الغالبُ فَعليهِ القَودُ فإنْ طرحَهُ في نارِ لا يمُكنهُ التَّخلصُ منهُ فعلَيهِ القَودُ، وإذا قطعَ أجنبيٌ سَلعةً مِن إنسَانٍ بغيرِ إذنهِ فَماتَ فَعلَيهِ القَودُ، وإن قطَعهَا حَاكِمٌ مِنْ صَبيّ صَغيرٍ ومَاتَ فلا قَودَ، وإذا قتلَ واحِدٌ جمَاعةً فَحضَروا أولياءُ الجمَيعِ فَطَلبوا القصَاصَ قيلَ لهَم لم تستحقوا غيرَ ذلِكَ، وإنْ طلبَ بعضُهم، وبعضُهُم الدِيةَ أقيدَ لمن طَلبَ القِصَاصَ وأُعطُوا /359 و/ الباقينَ كلُّ واحدِ ديَةُ موروثهِ وإن اشتركَ الأبُ والأجنبيُ في قتلِ الابنِ لم يُقتلُ الأبُ، وَهلْ يقتلُ الأجنبيُ؟ عَلى روَايَتَينِ (1)، أصحُّهما أَنهُ يقتَلُ وكَذلِكَ إنِ اشتَركَ حُرٌ وعَبدٌ فِي قَتل عَبدٍ لَمْ يُقتلِ الحرُّ، وهَل يقتلُ العَبدُ؟ عَلى روَايَتَينِ (2)، وكذلِكَ إن اشتَركَ الخَاطيءُ والعامِدُ لَمْ يُقتَل المخطِيءُ، وهلَ يقَتلُ العَامِدُ؟ عَلى روَايَتَينِ (3): أصحُّهمَا أنَّهُ لا يُقتَلُ، فَإنْ جَرحهُ أجنبيٌ وجَرحَ نفسَهُ أو جَرحَهُ سَبعٌ فمَاتَ فَهلْ يقتلُ الأجنَبيُّ أم لا؟ عَلى وَجهَينِ (4)، فإنْ جرحَهُ إنسَانٌ فخَاطَ هوَ جرحَهُ في اللَحمِ أو دَاواهُ بسُمٍّ يقتلُ غالباً فهَل يقتلُ الجَارِحُ؟ عَلى ما تَقدمَ منَ الوجهَينِ، فَإنْ خاطَ جُرحَهُ الإمامُ وكانَ المجروحُ مولى علَيهِ فماتَ فَهل يُقتلُ الجارِحُ أم [لا] (5)؟ عَلى وَجهَينِ أيضَاً بناءً عَلى العَامِدِ إذا شَاركَ المخطيءَ، وَهكذا يُخرجُ في كلِّ عامِدَين أَحدُهُمَا لا يَلزمُهُ القصَاصُ وكل عامِدِ شَارك مخطيء فَهلْ يُقتلُ شريكُهُما أم لا؟ عَلى وَجهَينِ، ولا يُقتصُّ في النَّفسِ إلا بالسَيفِ في إحدَى الروَايَتَين (6)، وفي الأُخرى يُفعلُ بهِ كَما فَعلَ (7)، فإنْ مَاتَ وإلا جزّ رقبتهُ بالسَّيف إلا أنْ يكونَ قد قَتلهُ بمحرم كالسحورِ (8) واللواطِ وتجريع الخَمر ونحوهُ، فإنهُ لا يُفعلُ بهِ ذَلِكَ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 162/ب، والمغني 9/ 373.
(2) نقل عبد الله بن أحَمَدَ قال سألت أبي عن حُرٍ وعبدٍ قتلا عبداً؟ فَقَالَ: أما الحر فلا يقتل بالعبد ويكون عَلى الحر نصف قيمة من ماله، والعبد إن شاء سيده أسلمه بجناية وإلا فداه بنصف قيمه العبد المقتول.
انظر: مسائل عبد الله 3/ 1229 - 1230، وانْظُرِ: والروايتين والوجهين 162/ ب، والمقنع: 275، والمغني 9/ 374 - 375، والكافي 4/ 9 - 10، والشرح الكبير 9/ 345.
(3) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 162/ب، والمغني 9/ 379، والشرح الكبير 9/ 346.
(4) انظر: المغني 9/ 380.
(5) زياد ليستقيم بها المعنى.
(6) نقل حرب إذا قتله بخشبه يقتل بالسيف. ونقل أبو طالب عَنهُ إذا خنقه قتل بالسيف، وهو الأصح.
انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/أ، وانظر: المغني 9/ 389، والكافي 4/ 42.
(7) نقل ابن منصور إذا قتل رجلاً بعصاً أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر يقتل بمثل الذي قتل به.
انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/أ، وانظر: المغني 9/ 389، والكافي 4/ 42.
(8) جمع سحر.

(1/506)


ويقتلهُ بالسَّيفِ وأولى القِصَاصِ أن يَستوفِيَهُ بنَفسهِ ولهُ أنْ يُوكِّلَ في استِيفَائهِ وقِيل: لَهُ ذَلِكَ في النَّفس دونَ الطَّرفِ، فإنْ تَشَاحَّ أولياءُ المقتولِ فَطلبَ كُلُّ واحِدٍ أنْ يتَولى القِصاصَ أقرعَ بينَهم فَمنْ خَرجَت قُرعتهُ تولى ذَلِكَ، فإنْ وجَبَ عَلَيهِ قصَاصٌ في النَّفسِ لإنسَانٍ وفيمَا دونَ النَّفسِ لآخَرَ بُدِيءَ بالقصَاص فيمَا دونَ النَّفسِ، ثُمَّ اقتَصَّ مِنهُ في النَّفسِ.

بابُ الجنَاياتِ الموجبَةِ للقود في النَّفسِ والجوارِحِ
كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بغَيرهِ في النفسِ أُقِيدَ به الطَّرفُ وكُلُّ مَن لا يُقادُ بغيرِهِ في النَّفسِ لا يُقادُ بهِ في الطَّرفِ، وكُلُّ فعلٍ لا يَجِبُ بهِ القِصَاصُ في النَّفسِ لا يَجِبُ بهِ في الطَّرفِ لِشبهِ العَمدِ /360 ظ/ والخطأ وشبهِ الخَطأ، ويجبُ القصَاصُ في إبانةِ الأعضَاءِ، وفي الجراحِ إذا أمكنَ استِيفَاءُ ذَلِكَ من غَيرِ حَيفٍ فَقلعُ العَينِ اليَمينِ بالعَينِ اليُمنى واليُسرى باليُسرَى، ولا يؤخذُ يمينٌ بيسَارٍ، ولا يَسارٌ بيَمينٍ في جَميعِ الأعضَاءِ، ولا تؤخَذُ عَينٌ صَحيحَةٌ بقائمَة، وتؤخذُ القائِمةُ بالصَّحيحَةِ. وإذا أوضَحَهُ (1) فذَهبَ ضوء عينه أو سَمعهُ أو شَجَّهُ، وجبَ القصَاصُ عليهِ في جَميعِ ذَلِكَ إنْ أمكنَ استيفَاؤُهُ ومن غَيرِ أن تذهَبَ الحدقةُ والأذنُ أوِ الأَنفُ نحو أنْ توضِحَهُ، فإنْ ذَهبَ ذَلِكَ وإلا استعمَلَ فيهِ دَواءً أو فعلاً يَذهَبُ بهِ ذَلِكَ، فإنْ لَم يُمكِنْ إلا بالجِنايةِ عَلى هَذهِ الأعضَاءِ انتَقَلَ إلى الدِِيَةِ. ويُؤخَذُ الجِفنُ بالجِفنِ الأعَلى بالأَعلى والأسفَلِ بالأسفَلِ. ويؤخَذُ المارِنُ بالمارِنِ (2) والمنخرُ بالمنخرِ، فإن عَلى بعضه قدر بالأَجزاءِ كالنِّصفِ والربعِ والثُلثِ وما أشبَه وأخذ منَ الآخرِ مثلَهُ. ويؤخَذُ الأَنفُ بالأَنفِ الصَحيحِ، والأخشَمُ بالأخشَمِ، فأَمَّا الأنفُ
الأشَمُّ بالأخشَمِ والصَّحِيحُ بِالمخرومِ أو بالمستحشفِ، فلا يُعرفُ فيه رِوايةٌ فيحتَمِلُ وجهَينِ: أحدُهُما: يُقتَصُ منه (3)، والآخَرُ لا يقتَصُّ (4). ولا يُقتصُّ في الأنفِ إلا مِن حَدِّ المَارِنِ: وَهوَ ما لانَ مِنهُ فإنْ قَطعَ قَصبَةَ أنفهِ فالمجنيُّ علَيهِ بالخيارِ بينَ أَخذِ الدِيةِ للمَارِنِ وحكومةٍ في القصبةِ، وبينَ أنْ يقطَعَ مَارِنَ ويأخذَ رأسَ القَصَبةِ. وتؤخَذُ الأُذنُ الصَّحيحَةُ
__________
(1) قال ابن الأثير: وهي التي تبدي وضح العظم - أي بياضه. وانظر النهاية 5/ 196.
(2) أي الأنف أو طرفه أو ما لان منه منحدراً عن العظم. معجم متن اللغة 5/ 286، والمعجم الوسيط: 865.
(3) لأن فيه نقصاً. انظر: شرح الزركشي 3/ 570، والمغني 9/ 422، والكافي 4/ 244، والمحرر2/ 127.
(4) وهو مقتضى كلام الخرقي، واختيار القاضي.
انظر: شرح الزركشي 3/ 570، والمغني 9/ 422، والكافي 4/ 24، والمحرر 2/ 127.

(1/507)


بالصَّحيحَةِ والأَصمُّ بالأصَمِّ والبَعضُ بِالبَعضِ، فأمَّا الصَّحِيحَةُ بالصَّمَّاءِ فعلَى وَجهَين، وتؤخَذُ السِّنُّ بالسِّنِّ، إذا كَانَ مُشَارِكَاً لَهُ في الاسمِ وَالموضِعِ كالثنيةِ بالثنيةِ، والنَّابِ بالنَّابِ والضَّاحِكِ [بالضَّاحِكِ] (1) والضرسِ بالضرسِ الأعلَى بالأعلَى، والأسفلِ بالأسفلِ وبعض السنِّ بالبعضِ يبردُ بقَدرِ المكسورِ، ويؤخَذُ اللسانُ باللسَانِ الصَّحيحُ بالصَّحيحِ والأخرَسُ بالصَّحيحِ، ولا يؤخَذُ الصَّحيحُ بالأَخرَسِ والبَعضُ بالبَعضِ وتُؤخَذُ الشفةُ بالشفةِ العُليا بالعُليا والسُّفلَى بالسّفلَى وتُؤخَذُ /361 و/ اليدُ باليدِ والرجلُ بالرجلِ والأصابعُ بالأصابعِ والأنامِلُ بالأنامِلِ المماثلةِ لها في الاسمِ والموضِعِ، ولا يؤخَذُ خُنصرٌ بإبهَامٍ ولا سَبَّابهٌ بوسطَى ولا أناملُ ولا شناثرةٌ (2) ببراجمَ (3) ويؤخذُ الكَفُّ بالكَفِّ والمرفَقُ بالمرفقِ والمنكبُ بالمنكَبِ إذا لم يخف من خائفةٍ إذا قطَعَ يدهُ مِن نصفِ الذراعِ، فَقالَ أصحَابُنا لا قصَاصَ في ذَلِكَ (4)، وَيحتَمِلُ أنْ يقطعَ يدَهُ مِن الكوعِ (5)، وهَل يؤخَذُ الإرشُ للباقي يحتَمِلُ وجهَينِ (6)، شلاء. وتؤخَذُ الناقِصَةُ والشَّلاءُ بالصَّحِيحَةِ إنْ أرادَ القصاصَ ولا شَيءَ لَهُ عَلى قَولَ أبي بَكرٍ (7)، وقَالَ ابنُ حَامدٍ وشَيخُنا: في الشَّلاءِ لِقَولهِ وفي النَّاقِصَةِ انهُ يأخُذُ مَعَ القصَاصِ دِيَةُ إصبعٍ (8)، وَعندِي أنهُ يأخذُ إرشَ الشللِ مَعَ القصَاصِ عَلى قِياسِ قَولهِ في غَيرِ الأعوَرِ إذا قُلِعت وأرادَ القصَاصَ اقتصَّ مِنْ فردِ عين وأَخذَ نِصفَ دِيَةٍ، ولا يُؤخَذُ الإصَبعُ الأصليَّة بالإصَبعِ الزائدةِ وَلاَ الزائدةُ بالأصليَّةِ، وإذا قَطعَ إصبَعاً فَشلَّتْ إلى جَنبِها أخرى اقتصَّ عَنِ المقطُوعِ وأخَذَ الارشَ للشَّلاءِ فإنْ تآكلَتْ إلى جَنبِها أخرَى وسقَطَتْ مِن مفصَلٍ وَجَبَ القصَاصُ فيهِمَا ذكَرهُ أَبو بَكرٍ (9)، وَكَذلِكَ إنْ قطَعَ بعضَ الكُوعِ فتآكلَتِ اليَدُ وسقَطَتْ وجَبَ القصَاصُ، وإذا قَطعَ جماعةٌ طَرفاً في حَالةٍ واحَدَةٍ فَعلَيهِمْ جمَيعُهمُ القِصاصُ في إحدَى الروَايَتَينِ، وفي الأخرَى: لا قصاصَ
__________
(1) في الأصل (والضاحك).
(2) الإصبع. انظر: لسان العرب 4/ 430.
(3) مفصل الإصبع. انظر: المعجم الوسيط: 47.
(4) اختاره أبو بكر. الكافي 4/ 27، وانظر: المغني 9/ 417 - 418، وشرح الزركشي 3/ 568.
(5) اختاره بعض الأصحاب.
انظر: الكافي 4/ 27، المغني 9/ 417 - 418، وشرح الزركشي 3/ 568.
(6) قال الزركشي اشهرها ليس عليه. انظر: شرح الزركشي 3/ 568.
(7) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/ب، والمغني 9/ 454، والمحرر 2/ 127، والشرح الكبير 9/ 454.
(8) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/ب، والمغني 9/ 454، والمحرر 2/ 127، والشرح الكبير 9/ 454.
(9) انظر: المغني 9/ 356، والشرح الكبير 9/ 455 - 456.

(1/508)


عليهم وتجِبُ عَلَيْهِمْ ديةُ الطرفِ، فإنْ تَفرقَتْ جِناياتُهم فلا قصَاصَ رِوايَةٌ واحِدَةٌ (1)، ويؤخَذُ الذَّكرُ بالذَّكَرِ والأنثيين بالأُنثَيينِ السَّليَمةُ بالسَّليمَةِ والذَّكرُ المختُونُ بالأقلَفِ، ولا يؤخَذُ الصَّحيحُ باِلأَشلِّ، ولا ذكَرُ الفَحلِ بالخَصيِ ولا الذِي ينتشرُ بالعنّين في إحدَى الروَايَتَينِ (2)، وفي الآخرِ يؤخَذانِ (3)، وَأَصلُ الوجهَينِ هل في ذَكَرِ العنّينِ والخصيِّ دِيَةٌ كَامِلةٌ أو حُكومَةٌ عَلى روَايَتَينِ (4)، فأما الَشَعرُ فَقالَ شَيخُنا: لا يجَبُ فيهِ القصَاصُ (5)، وإذا اختَلفَ الجاني والمجني علَيهِ في شَكلِ العضوِ وصحَتهِ، فقالَ أبو بكرٍ: القَولُ قَولُ المجني (6)، /362 ظ/ عَلَيهِ. وقالَ ابنُ حَامِدٍ: القولُ قولُ الجانِي (7).

فَصْلٌ
فأمَّا الجِراحُ فيَجبُ القصَاصُ فِي كُلِّ جَرحٍ، ينتَهِي إلى عَظمٍ، كالموضِحَةِ وجرحِ العَضُدِ والسَّاعدِ والفخِذِ والسَّاقِ والقدَمِ، ويعتبرُ مِقدَارُ الجَرحِ بالمسَاحةِ، حتى إذا أوضَحَ إنسَاناً في بَعضِ رَأسهِ، وكانَ مِقدارُ ذَلِكَ البَعضِ، بمقدَارِ جمَيعِ رأسِ الشَّاج، أوضَحَ في جميعِ رَأسهِ، وإنْ زادَ مِقدارٌ عَلى جمَيعِ رَأسِ الشَّاجِّ أوضحَ جمَيعَ رأسِ الشَّاجِّ وأخذَ إرشَ الزِّيادَةِ عَلى قَولِ ابنِ حَامِدٍ (8)، ولم يؤخَذْ للزيادَةِ إرشٌ عَلى قَولِ أبى بكرٍ (9). وإن هشَمَ رأسَهُ لم يقتصَّ إلا في الموضِحَةِ، وَوجَبَ الإرشُ في الزيادَةِ خمَسٌ مِنَ الإبلِ وكذلكَ إن شَجَّهُ منقلةً (10) أوضحَهُ وأخذَ عَشراً مِنَ الإبلِ وإنْ كانتْ مأمَومةٌ أوضَحَهُ وأخذَ ثمَاِنيةً وَعِشرينَ وثلث مِنَ الإبلِ هذا عَلى قَولِ ابن حَامِدٍ (11)، وعلى قول
__________
(1) انظر: الإنصاف 10/ 29.
(2) انظر: المغني 9/ 425 - 426، والكافي 4/ 30، والمحرر 2/ 127، وشرح الزركشي 3/ 571.
(3) اختارها أبو بَكْرٍ، وهو مقتضى كلام الخرقي. واختار ابن حامد أن يؤخذ ذكر الفحل بذكر العنين خاصة. انظر: المغني 9/ 425 - 426، والكافي 45/ 30، والمحرر 2/ 127، شرح الزركشي 3/ 570.
(4) الرواية الأولى نقلها أبو الحارث وفيه دية كاملة. والثانية نقل حنبل فيه حكومة ولا تختلف الرواية في ذكر الخصي، أن فيه حكومة، نص عليه في رواية ابن منصور. الروايتين والوجهين 166 - 157/ب-أ.
(5) انظر: المغني 9/ 597، وشرح الزركشي 3/ 613.
(6) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 164/أ.
(7) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 164/أ.
(8) انظر: والمغني 9/ 413، والكافي 4/ 21، والشرح الكبير 9/ 463، والإنصاف 10/ 27.
(9) انظر: المغني 9/ 413، والكافي 4/ 21، والشرح الكبير 9/ 463، والإنصاف 10/ 27.
(10) هي التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منه قشره. انظر لسان العرب 11/ 674.
(11) انظر: المبدع 8/ 321، والإنصاف 10/ 27.

(1/509)


أبي بكرٍ: هُوَ مخيرٌ بينَ الإيضَاحِ ولا شَيءَ له وبينَ أن يأخُذَ ديةَ الجِراحِ كَامِلَةً (1)، ولا تكونُ الموضحةُ إلا في رَأسٍ أو وضحَهٍ وعلى ما ذَكرنَا يعتبرُ في بقيَّةِ الجراحِ الموجَبةِ للقصَاصِ ويَضمنُ الجرح وسَرَايتهِ بالقصَاصِ، ولا يقتصُّ مِنَ الجرحِ والطرفِ حتى تَندمِلَ فإنْ بادرَ المجنيُّ علَيهِ فاقتصَّ قَبلَ الإندمَالِ بَطلَ حَقُّهُ مِن سرائه إن وجدتْ بعدَ الاقتصَاصِ، وإذا اقتَصَّ مِنَ الجاني فسرى إلى نفسِه فهوَ هَدرٌ غيرُ مَضمُونٍ فعلَى هَذا إذا اقتصَّ في طَرفٍ فَسرى إلى نَفسِ الجَانِي ثُمَ إِلىَ نَفسِ المجني عَليهِ أو سَرى إلى نَفسِ المجني عَليهِ ثُمَ إلى نَفسِ الجَانِي وكانَ الاقتِصَاصُ قَبلَ الإندِمَال هُدرتِ السِّرايةُ في حَقَّها. وإذا أقلعَ سِنَّاً فلا قِصاصَ ولا دِيَةَ حتى ييئس عَن عَودِهَا بأنْ يقولَ أهلُ الخبرَةِ: هذهِ لا تَعودُ فإن عَادَتْ بعدَ أنِ اقتصَّ المجنيُّ علَيهِ فعلَى المقِتصِّ دِيَةُ سنِّ الجاِني، فإنْ عادَتْ سِنُّ الجاني أيضَاً لَزِمَهُ ردُّما أخذَ مِنَ الدِيَةِ فإنْ عادَتْ قَصيرةً أو معيبةً لزمهُ الجاني إرش النقصِ فإنْ ماتَ المجنيُّ علَيهِ قبلَ الإِياسِ منَ عود السِنِّ فلا قصَاص لوليهِ، ولَهُ دِيةُ السّن. وإذا وجَبَ /363 و/ لَهُ القصَاصُ في اليمَينِ فَقالَ: اخرج يمينَكَ ليقتصَّ منها فَأخرجَ يسَارَهُ عَمداً فقطِعت لم تجَزِ عمَّا علَيهِ عَلى قولِ ابن حَامِدِ (2)، ويستوفى القصَاصَ مِنْ يمَينهِ بعدَ اندِمالِ اليَسارِ، وقال أبو بَكرٍ تجزي عن ما عَليهِ ويسقُطُ حقُ المقتَصِ (3)، فإن قالَ المخرِجُ: أخرجتُها إليهِ غلَطاً وَدهشَةً أو ظنَّاً إنها تجَزي نظرنَا في المقتصِّ فإنْ كَانَ قَطعَ وهوَ جَاهِلٌ فلا قصاصَ علَيهِ ويلزمُهُ ديةُ اليدِ، وكذلِكَ إن قطَعَ وهوَ عَاِلمٌ إلا أَنَّهُ يعزرُ مَعَ ذَلِكَ وإن اخَتلفَا في العلمِ فالقَولُ قولُ الجَاني، فإنْ تَراضَيا على أَخذِ اليَسارِ لزِمَهُ دِيَةُ اليسَارِ وهل يَسقُطُ قصاصُهُ في اليَمينِ عَلى وجهَينِ (4)، فإنْ كَانَ القصَاصُ عَلى مجَنونٍ فقال لهُ: اخرِجْ يمينَكَ فأخرَجَ يسَارَه فقَطعَها مَعَ علمِهِ بأنَّ ذَلِكَ ليسَ لهُ فَعليهِ القصَاصُ، وإن كَانَ جَاهِلاً بالحُكمِ أو بأنهَّا اليسَارُ فعلَيهِ الدِيَةُ فإنْ كَانَ لَهُ القصَاصُ مجنوناً فقال للعاقلِ: أخرج يمينكَ لأقتصَّ فأخرجَها إليهِ فقطعَها ذَهبَتْ يمينهُ هَدراً فإن وثَبَ المجنُونُ فقَطعَ يمينَهُ قَهراً سقَطَ حَقُّ المجنونِ بذَلِكَ في أحَدِ الوجهَينِ، وفي الآخَرِ: لا يسقُطُ ويكونُ لِلمَجُنونِ دِيَةُ يَدهِ وعلى عَاقِلةِ المجنونِ دِيَةُ الجانِي.
__________
(1) انظر: المبدع 8/ 321، والإنصاف 10/ 27.
(2) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 164/ب، والكافي 4/ 46 - 47، والمحرر 2/ 133، والإنصاف 8/ 312.
(3) انظر: المصادر السابقة.
(4) انظر: الفروع 5/ 505، والكافي 4/ 46، والمحرر2/ 133، والإنصاف 10/ 21.

(1/510)


بَابُ العَفْوِ وَالقِصَاصِ
العفوُ عَنِ الجَانِي أفضَلُ مِنَ الاقتصَاصِ، وإذا قَتَلَ مكافئه عَمداً فلوارِثِهِ أنْ يقتَصَّ أو يَعفوَ، فإنْ عفا عَن الدِيةِ وجبت لَهُ الديةُ، وإنْ سَخَطَ الجانِي وإنْ عفَا مُطلَقَاً، وَقلنَا: العمَدُ يُوجِبُ أحدَ شَيئينِ في إحدَى الرُوَايَتَينِ (1)، فَلهُ الديةُ، وإنْ قُلنَا: لا يَجِبُ بهِ إلا القَودُ عَلى الرِوايةِ والأخرى (2) فلا شَيءَ لَهُ، فإنْ عفَا عَلى الدِيَةِ ثُمَّ طلبَ القصَاصَ أو طلبَ القصَاصَ ثُمَ عفا عَلى الدِيَةِ لم يكنْ لَهُ غير الدِيَةِ، فإنْ قَطَعَ شَيئاً منْ أطْرَافِ القَاتِلِ فلا قصَاصَ عليهِ وتَلزَمُهُ دِيَتُهُ سَواءٌ عفَا عَنِ القَاتِلِ أو قَتلهُ، فإنْ مَاتَ القَاتِلُ وَجَبَتِ الدِيَةُ في تَرِكَتِهِ /364 ظ/ فَإنْ كَانَ القصَاصُ لجَمَاعةٍ فعفَا أحدُهم لم يَكنْ للبَاقينَ أنْ يَقتَصُّوا ولهم حَقُّهم منَ الدِيَةِ، وهَل يَجِبُ للعَافي حقُّه مِنَ الدِيَةِ أمْ لا؟ عَلى روَايَتَينِ، فَإنْ قَتَلهُ الباقونَ ولمْ يعلَموا بالعَفوِ فَلا قَودَ عَلَيهِم، وَكَذلكَ إنْ عَلِموا بالعَفوِ إلاَ أنهمْ لمْ يَعلَموا أنَّ القصَاصَ يَسْقُطُ بذلك فأمَّا إنْ علِموا بِذلكَ القصَاص قد سقطَ بالعفوِ ثُمَ قَتَلوا وَجَبَ عَلَيهمُ القَودُ، فإنْ لمْ يُوجَدِ العفوُ فبادرَ أحَدُ الأولياءِ فاقتَصَّ مِنْ غَيرِ إذنِ البَاقِينَ فَلا قودَ عَلَيهِ، وَيَجِبُ للبَاقِينَ حَقُّهمْ مِنَ الدِيَةِ وَمِمنْ يأخذون يحتَمِلُ وَجهَينِ: أَحدُهُمَا: يأخذونَ مِنَ المقتَصِ، والثاني: من تركة الجاني (3)، فإنْ وكلَ في القصاصُ فللوَكِيلِ أنْ يقتصّ مَعَ حضورِ الموكَلِ وغيبتِهِ، فإنْ عفَا الموكِّلُ واقتصَّ الوَكِيلُ قبلَ العِلمِ بالعَفوِ فقَالَ أبو بَكرٍ: لا ضَمَانَ عَلى الوَكِيلِ (4)، وَيَحتَمِلُ أن تكونَ عليهِ الدِيَةُ بنَاءً عَلى الوكالةِ هَلْ تَنْفَسِخُ بغيرِ علمِ الوَكِيلِ؟ عَلى روَايَتَينِ: إحداهمَا: [لاَ] (5) يَنعزلُ فلا يَضمَنُ، وهل يضمَنُ العافي يحتَمِلُ وجهينِ ذكرهما أبو بَكرٍ: أَحدُهُمَا: تلزمُهُ الدِيَةُ، والآخَرُ: لاَ يَلزمهُ شيءٌ (6). والثانيةُ: يَنعزلُ الوَكِيلُ فيلزمهُ هَاهُنَا دِيَةُ الذي اقتَصَّ منهُ قالَ: ويكونُ حَالهُ فِي مَالهِ وَلاَ يَرجِعُ بها عَلى الموَكلِ، وَعندِي أنها تكُونُ عَلى عَاقِلتَهِ، فإنَّ هَذَا أجريَ مَجرى الخطأ كمَنْ رمى صَيداً بِظنِّهِ، فبانَ آدميِّاً. فإن قتل من وارث لَهُ فللإمام الخيارُ بينَ أن يقتصَّ أو يَعفوَ عَلى الدِيَةِ وكلُّ مَن ورِثَ مِنَ المَالِ، وَرِثَ مِنَ القَود حتى الزوجِ والزوجةِ
__________
(1) نقلها الميموني. انظر: الروايتين والوجهين 161 - 162/ب-أ، وانظر: الكافي 4/ 50 - 51، والمحرر2/ 130.
(2) نقلها صالح. انظر: الروايتين والوجهين 162/أ، والكافي 4/ 50 - 51، والمحرر2/ 130.
(3) انظر: المغني 9/ 462.
(4) انظر: المغني 9/ 467، والشرح الكبير 9/ 421 - 422.
(5) في الأصل ((عَلى)).
(6) انظر: المغني 9/ 468، والكافي 4/ 52، والشرح الكبير 9/ 422.

(1/511)


وذوِي الأرحَامِ، وإذا وَجبَ القصَاصُ لصبيٍّ أو معتوهٍ حبسَ القاتِلُ حتى يبلغَ الصبيُّ ويفيقَ المعتوهُ فإنْ كَانَ معهُمَا مُستَحقٌ كبيرٌ، فهَل لَهُ الاستيفاءُ قبلَ ذَلِكَ أمْ لا؟ عَلى روَايَتَينِ (1): أصحُّهمَا أنهُ ليسَ لَهُ ذَلِكَ، فإنْ كَانَ للصَّغيرِ والمجنونِ أبٌ فهلْ لَهُ أنْ يَقتَصَّ لهما عَلى روايةِ المنعِ أم عَلى روَايَتَينِ: إحداهُمَا: لَيسَ لَهُ ذَلِكَ سواءٌ كَانَ شريكاً أو لَم يَكُنْ (2)، والثانِيةُ: /365 و/ لَهُ أنْ يقتَصَّ (3)، فإنْ كَانَ الصَّبيُّ والمجنُونُ محتَاجَينِ إلى مَا يُنفَقُ عليهِمَا فهَل لوليِّهما العَفوُ عَلى الدِيَةِ أم لاَ؟ يحتَمِلُ وجهَينِ (4)، فإنْ وثَبَ الصَبيُّ والمجنونُ فَقَتَلا قَاتِلَ أبيهمَا فَدِيَتُهُ عَلى عاقِلَتِهما، ولهما دِيَةُ أبيهِمَا فِي مَالِ الجَاني، ويَحتملُ أنْ يَسقطَ حقُّهُمَا فإنْ قَطعَ يَدَ رَجُلٍ فَعفَا عَنهُ ثُمَ سَرَتِ الجِنَايَةُ إلى نَفسِهِ فَمَاتَ نظرت، فإن كَانَ المجنيُّ عَلَيهِ عفَا عَلى مَالٍ كَانَ لِوَليِّهِ [المطالبةُ] (5) بِكَمَالِ الدِيَةِ، وإنْ كَانَ عَفوُهُ عَلى غَيرِ مَالٍ فظَاهِرُ كَلامِهِ أنْ لاَ شيءَ لِوَلِيهِ (6)، قالَ شَيخُنَا: القِياسُ عندِي أنْ يَرجِعَ الوليُّ بنِصفِ الدِيَةِ (7) لأنَّ المجنيّ علَيهِ إنما عفَا عَن نِصفِها وإنْ عفَا مُطلَقَاً فهَل يَستَحِقُ وَليُهُ الدِيَةَ عَلى وَجهَينِ، بنَاءً عَلى موجِبِ العَمدِ، فإنْ عَادَ الجَاني بعدَ العَفوُ عَنِ القَطعِ فقَتل العَافِي كَانَ لِوَليِّهِ القصَاصُ فِي النَّفسِ أو العَفوُ عَلى نِصفِ الدِيَةِ ذكرَهُ شَيخُنَا، وَعندِي أنَّ لَهُ العفوَ عَلى كمَالِ الدِيَةِ، وإذا وَجَب القصَاصُ عَلى حامِلٍ أو حَائِلٍ فلم يقتصَّ منهَا حتى حبلت لَم يقتصّ منهَا حتى تَضَعَ الحَملَ وَتَسقِيَهُ اللبأَ، ثُمَ إنْ وَجَدَ مَنْ تُرضعُهُ قُتِلَتْ، وإلا تُرِكَتْ حتى تَفطِمَهُ فإنْ ادَّعَتِ الحَملَ احتَمَلَ أنْ يُقبَلَ مِنهَا وَتُحبَسَ حتى يَتَبينَ (8)، واحتَمَلَ أنْ لا يقبلَ إلا بِبَينةٍ (9)، فإنِ اقتُص مِنهَا فَتلفَ الجَنينُ وَجَبَ
__________
(1) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 168/أ، وشرح الزركشي 3/ 557، وانظر: مسائل عبد الله 3/ 1230، ومسائل ابن هانئ 2/ 86، والمغني 9/ 375.
(2) انظر: المغني 9/ 459، والكافي 4/ 35، والمحرر 2/ 131.
(3) انظر: ما تَقَدَّمَ.
(4) أَحدُهُمَا لَهُ ذَلِكَ لحاجته إلى المال لحفظه. قال القاضي هنا أصح. والثاني: لا يجوز، لأنه لا يملك إسقاط قصاصه وأما حاجته فإن نفقته في بيت المال، والصحيح الأول. انظر: المغني 9/ 475، والكافي 4/ 52، والمحرر2/ 131.
(5) في الأصل: ((أن لمطالبه)).
(6) انظر: الكافي4/ 53، والإنصاف 10/ 8.
(7) انظر: المبدع 8/ 294، والإنصاف 10/ 8.
(8) لأن للحمل إمارات خفيه تعلمها من نفسها ولا يعلمها غيرها فوجب أن يحتاط للحمل حتى يتبين انتفاء ما ادعته، ولأنه أمر يختصها فقبل قولها فيه كالحيض.
انظر: المغني 9/ 450، والكافي 4/ 39، والمحرر2/ 132.
(9) هذه الوجه ذكره القاضي: أنها ترى أهل الخبرة فإن شهدن بحملها أخرت، وإن شهدن ببراءتها =

(1/512)


ضَمَانُهُ عَلى السُّلطانِ الذي مَكَّنَ مِنْ قَتلِهَا فإنْ رَمَتِ الجنينَ ميتاً ففيه عَشرةٌ في بَيتِ المال، وإنْ رَمَتهُ حَيَّاً فَمَاتَ، وَجَبتْ ديتُهُ عَلى عاقِلَةِ الإمَام في إحدَى الرُوَايَتَينِ (1)، وَفي الأخرَى: هيَ في بَيتِ المَالِ (2)، لأنهُ مِن خَطَأ الإمَامِ. ولا يستوفي القصَاصَ إلا بِحَضرَةِ السُّلطَانِ، وَعَلَيهِ أنْ يَتَفَقدَ الآلةَ التي يستَوفي بَها، فإنْ كَانَ وليُّ القصَاصِ يحسنُ الاستيفاءِ، أمرَهُ بالتوكلِ، فإنْ لم يَجدْ مَنْ يتوكَّلُ بِغَيرِ جُعلٍ استؤجرَ مِنْ مَالِ الجَاني وإنْ قَتلَ وارتدَّ أو قطعَ وسَرقَ أقيدَ للآدمِي وَدَخَلَ فيهِ حَدُّ السَرِقةِ والرَّدةِ وإنْ قَطعَ يدَ رَجُلٍ ثُمَ قتلَهُ قُتلَ ولم يُقطَعْ في إحدَى الرُوَايَتَينِ (3). وفي /366 ظ/ الأخرَى: يُقطَعُ ويُقتَلُ (4)، وَكذلِكَ إن قَطَعَهُ فَمَاتَ يخرجْ عَلى الروَايَتَين في المُماثلَةِ في القصاصُ وَقالَ شَيخُنَا: يُقتلُ ولا يُقطَعُ ولا يوضَحُ روايةٌ واحدةٌ (5)، وإذا قَطعَ إصبعَ رَجُلٍ عَمداً فَقَالَ: عَفَوتُ عَن هَذهِ الجنايةِ، فإنِ اندَمَلَت فَلا قصَاصَ ولا دِيَةَ، وإن سَرتْ إلى الكَفَّ فاختَلفَا فَقَالَ الجاني: عَفَوتُ عَنِ الجنَايَةِ وَعَمَّا يَحدثُ عَنها، وَقَالَ المجنيُّ عَليهِ: إنما عَفوتُ عنهَا، وَلم أَعفُ عَنِ سِرايَتِها أو عَفوتُ عَنِ القَودِ وَلم أَعفُ عَنِ الدِيَةِ، فالقَولُ قَولُ المجني عَلَيهِ مَعَ يمينهِ، وتجَبُ لهُ دِيَةُ الكَفِ إلا إصبع، وكَذلِكَ إن سَرتْ إلى نَفسهِ، تَجِبُ لَهُ الدِيَةُ، وَقالَ شَيخُنَا: لا قودَ فيهَا ولا في سِرايِتهَا ولا دِيةَ (6)، فإنْ جَنى عَبدٌ عَلى حرٍّ جنايةً يتَعلقُ إرشُها بِرقبتِهِ كالموضِحَةِ ونحوها، فأبرأهُ الحرُّ عنهَا لم يَصِحَّ الإبراءُ، لأنهُ إبراءُ مَن لا حَقَّ لَهُ علَيهِ وإنْ ابرأَ سَيَّدهُ صَحَّ الإبراءُ فإنْ قتلَ حرٌّ حُراً خَطأً فإبراءُ المقتُولِ القاتِلَ مِنَ الديةِ لم يصحَّ، لأنهُ إبراءُ مَن لا حقَّ لَهُ علَيهِ، وإن أبرأَ العاقلةَ صَحَّ وَيتَخرَّجُ أنْ لا يصِحَّ الإبراءُ منهُ بحَالٍ عَلى الرِوايَةِ التي تقولُ تجَبُ الدِيَةُ للوَرَثةِ لا للمقتُولِ (7)، وفيهِ بعدٌ فإن كَانَ القَتلُ ثبَتَ باعِترافِهِ فالدِيَةُ في ذِمَّتهِ، وإذا أبدأَهُ أو وصَّى لَهُ بعَقلِ الجَنايةِ فَهِيَ وَصِيةٌ لِقاتِلٍ وهَل تَصِحُّ
__________
= لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا يؤخر بمجرد دعواها. انظر: المغني 9/ 450، والكافي 4/ 39، والمحرر2/ 132.
(1) انظر: الكافي4/ 121، والمحرر 2/ 132.
(2) انظر: المصادر السابقة.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 160/ب، والمغني 9/ 386، وشَرْح الزركشي 3/ 562.
(4) نقلها أيضاً الخرقي ونص عليها الأثرم. انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/أ، وانظر: المغني 9/ 386، والكافي 4/ 33، والمحرر 2/ 133، وشرح الزركشي 3/ 563.
(5) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 160/ب.
(6) انظر: الشرح الكبير 9/ 417.
(7) انظر: المغني 7/ 162، والمحرر 1/ 412، وشرح الزركشي 3/ 53، والإنصاف 7/ 368.

(1/513)


عَلى رِوَايَتَينِ (1): إحداهمَا: تَصِحُ وتحُتسبُ مِنَ الثُلُثِ.

بَابُ الجِنايَاتِ الموجِبَةِ للدِيَةِ في النَفسِ
تَجِبُ الديةُ بمَا عدا العَمد مِنَ الجَناياتِ، كالخَطأ وما أجريَ مجرى الخَطَأ، وشَبهِ العَمدِ، فأمَّا العَمدُ فَهل تَجِبُ به الدِيَةُ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ: أصحُّهمَا: أنه يَجِبُ بِالعَمدِ أحدُ شيئينِ، إما القصَاصُ أو الدِيَةُ (2). والثانيةُ: لا يَجِبُ إلا القصَاصُ (3). والخطأُ تارَةً يقعَ في الفِعلِ نحو: إنْ رمى صَيداً أو عرضَاً فيَصيبُ آدِميَّاً، وتَارةً يقعُ في القَصدِ مثل: أنْ يَرميَ شَخصَاً يظنهُ حَربِيَّاً فإذا هوَ مُسلِمٌ.
وما أُجريَ مجَرى الخطَأ مثلُ: النَّائمِ ينقَلِبُ /367 و/ عَلى إنسَانٍ فَيقتلهُ فلا يوصَفُ فِعلُهُ بِعَمدٍ ولا خَطَأ. وكَذلِكَ مَنْ حَفرَ بِئراً أو نَصَبَ سكيناً فَليسَ لَهُ فِعلٌ في القَتلِ لا عَمد ولا خطأ ولكنْ أُجريَ ذَلِكَ في الحكم مجَرى الخَطَأ. [وأما] (4) شِبهُ الخَطَأ فأن تَقصدَ الِجنايَةَ عليه بما لا يقتلُ غَالِباً نحو: إن يَضرِبَهُ بالسَّوطِ أو العصَا الصَّغيرِ أو يَلكمَهُ أو يلقَيهُ في مَاءٍ قليلٍ أو يجرهُ بما لا يقتُلُ في الغالبِ، ومَا أشبَهَ فإنَّ الدِيَة تجبُ في جَميع ذَلِكَ، فَإنْ ألقَاهُ عَلى أفعى أو ألقى الأفعى علَيهِ فَقَتلهُ فعلَيهِ دِيَتهُ، فإنْ غَصبَ حُراً صَغِيراً فأصَابَهُ عندَهُ صَاعقَةٌ أو نَهَشتْهُ حَيّةٌ عندَهُ فَعلى عَاقلَتهِ ديَتهُ فإنْ مَرِضَ عندَهُ فمَاتَ فعلَى وجهَينِ (5)، فإن صَاحَ بِصَبيٍّ أو مَعتوهٍ وَهمُا عَلى سَطحٍ فَسقَطاَ، أو اعتقَلَ عَاقِلاً فصَاحَ بهِ فَسقَطَ وذهَبَ عَقلُهُ فعلَى عاقِلَتهِ الدِيَةُ في جَميع ذَلِكَ، فأنَ أفزعَ إنسَاناً فأحدَثَ بِغَائطٍ أو بَولٍ فعلَيهِ ثُلثُ دِيتهِ، وعنهُ لاضَمانَ علَيهِ فإنْ أدَّبَ الأبُ ولدَهُ أو المعلِّمُ الصَبيَّ، أو الزَّوجُ زَوجَتهُ، أو السُّلطانُ رَعيتَهُ فَأدَّى إلى تَلفهِ فلا ضَمانَ في ذَلِكَ ويتخرَّجُ وجوب الضَّمانِ عَلى ما قَالهُ إذا أرسَلَ السُّلطانُ إلى امرأةٍ ليحضِرَها فاجهضَتْ جَنينهَا ومَاتَتْ فَعلَى عاقِلتَهِ الدِيَةُ فإن سَلَّمَ وَلدَهُ إلى السَّابحِ لِيُعلمَهُ السِّباحَةَ فغَرقَ في يَدهِ فَقالَ شَيخُنَا: لا ضَمانَ ويحتَملُ وجوب الدِيَةِ عَلى عَاقِلتَهِ (6)، وإذا طلبَ إنسَاناً بالسَّيفِ فوقعَ مِن
__________
(1) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 97/أ، والمغني 9/ 540.
(2) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، والشرح الكبير 9/ 481.
(3) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 162/أ، والمحرر2/ 135.
(4) في الأصل ((ما)).
(5) أحدهما يضمنه كالعبد الصغير والثاني لا يضمنه لأنه حُر لا تثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير.
انظر: الشرح الكبير 9/ 491.
(6) انظر: المقنع: 284، والهادي: 219، والشرح الكبير 9/ 502.

(1/514)


سَطحٍ أو تردَّى إلى بئرٍ وَجَبتِ الدِيَةُ سواءٌ كَانَ المطلوبُ بَصِيراً أو ضَرِيراً، فإنْ حَفَر بئراً في فَنائهِ أو وضَعَ حَجَراً أو طَرحَ ماء فهَلكَ بهِ إنسَانٌ وَجبتْ دِيتُهُ، فإنْ حفر البئر ووضَعَ آخرَ حَجَراً فعثَر إنسَانٌ بالحجرِ فترَّدى في البئرِ فهَلكَ فديتهُ عَلى واضِعِ الحجَرِ فإن أمرَ إنسَاناً أن ينْزل بِئراً أو يصعَدَ إلى نَخلةٍ فَهلكَ بذَلِكَ، فإنْ كَانَ الآمرُ لَهُ غيرَ السُّلطانِ فلا ضَمانَ عليهِ إنْ كَانَ السُّلطانُ فَهل يلزَمُهُ الضَّمَانُ يحتَمِل وجَهَينِ، فإن وضَعَ جرةً عَلى سَطحهِ /368 ظ/ فَرماهَا الريحُ عَلى إنسَان فقَتلَهُ ولا ضَمانَ علَيهِ، وإذا اصطَدمَا الفارِسَانِ فَماتا فَعلَى عَاقلَتهِ كل واحِدٍ منهُمَا كَمَالُ دِيَةِ الآخَرِ، وإذا ركبَ بِصَبيينِ مَنْ لا وِلايةَ لَهُ علَيهِما دَابتَينِ فاصطَدمَا وماتا فعَلَى الذِي أركَبهمَا دِيتُهمَا.
وإذا (1) نزلَ رجلٌ إلى بئرٍ فَوقَعَ علَيهِ رَجُلٌ ثَاني، ثُمَ وَقعَ علَيهِمَا ثاَلِثٌ فَماتَ الأولُ خَاصَّةً فإنْ تَعمَّدا رَميَ أنفُسِهمَا وَمثل ذَلِكَ يَقتلُ غَالِباً فهُمَا [متعمِّدانِ] (2) لِقَتلهِ فَعلِيهِمَا موُجِبُ العَمدِ، وإنْ كَانَ مثل ذَلِكَ لا يَقتُلُ غاِلباً فهَوَ عَمدٌ خَطَأ وفيهِ الدِيَةُ مُغلَّظةٌ، فَإنْ كَانَ الوقوعُ خَطأً فعلَى عَاقِلَتِهِما الديةُ مخفَفَةٌ، فإنْ مَاتَ الثَّاني فلا شَيءَ عَلى الأولِ، والثاِلثُ هوَ القَاتِلُ، والحُكمُ فيهِ عَلى ما تَقدَّمَ، فإنْ مَاتَ الثَّالثُ فَدمُهُ هَدرٌ فإن مَاتَ الثَّلاثَةُ فَفي الأولِ كَمَال الدِيَةِ عَلى الثَّاني والثَّالِثِ، وفي الثَّانِي كَمَالُ الدِيَة عَلى الثَّالثِ وَدَمُ الثالِثِ هدرٌ، فإن تردَّى رَجُلٌ في زبيةٍ فَجذَبَ ثَانِياً وَجذَبَ الثاني ثَالِثاً والثَالِثُ رَابعَاً وَمَاتُوا كُلُهُم أو قَتلَهم أسَدٌ كَانَ في الزبيةِ فَذهَبَ أحَمَدُ (3) رَحِمَهُ اللهُ إلى قِصَّةِ عليٍ
- عليه السلام - وأنهُ قَضَى للأَولِ بربعِ الدِّيَة، وللثاني بِثُلُثِها، وللثَّالِثِ بنِصفِها، وللرابِعِ بِكمِالِها، وأنها رُفِعتْ إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَأجازَ قضَاءهُ وهذا توقِيفٌ يُخالِفُ القِيَاَسَ ومقتضَى القِيَاسِ أن يَجِبُ لكُلِ وَاحِدٍ منهم دِيةَ نفسهِ إلا أنَّ دِيَة الأولِ تَجبُ عَلى الثاني والثَالثَ، لأنهُ ماتَ مِن جَذبهِ وجَذبِ الثاني للثالثِ وجذبِ الثَّالثِ للرابعِ فَسقَط فعلى نَفسِهِ كَما قلنا في المتصادِمينِ، ووجَبَ عَلى الثاني والثالثِ دِيتهُ نِصفَينِ بينَهما بالسَّويَةِ ولا شَيءَ عَلى الرَّابعِ، لأنهُ لم يُوجَدْ منهُ فعِلٌ فَيصِيرُ ذَلِكَ سَبَباً في الإيَجابِ علَيهِ، وَأمَّا ديَةُ [الثاني] (4) فتَجِبُ عَلى الأولِ والثَّالثِ نِصفَينِ، وأما دِيَةُ الثَّالثِ فَتَجِبُ عَلى الثَّاني، وَقِيلَ: بَل عَلى الثَّاني والأولِ نِصفَانِ، وأما دِيَةُ الرابع فَتجِبُ عَلى الثَّالثِ في أحَدِ الوَجهَينِ، وفي الآخرِ تَجِبُ عَلى الأولِ والثانِي والثَّالثِ أثلاثاً وعلَى /369 و/ هَذا وإنْ كَثرُوا يَجرِي الحُكمُ وهَذا
__________
(1) تكررت في الأصل.
(2) في الأصل ((متعدان)).
(3) انظر: المقنع: 284، والهادي: 220، الشرح الكبير 9/ 500 - 501، والكافي 4/ 69.
(4) فِي المخطوط (الثالث). والمثبت هُوَ الموافق للمعنى. انظر: الهادي: 220.

(1/515)


هُوَ عَمدٌ خَطأٌ، وسنذكرُ في مالِ مَن يَجِبُ فإن رمَى ثلاثةً بالمنجنيقِ فَقَتلَ الحَجرُ إنسَاناً فَعلَى عَاقلةِ كلِّ واحِدٍ منهُم ثلثُ الدِيَةِ، فإنْ عَادَ الحَجرُ فَقَتلَ أحَدهُم فقالَ شَيخُنَا (1): تَجِبُ عَلى عَاقِلةِ كلِّ واحِدٍ منَ الباقِينَ ثلثُ الدِيَةِ، وَيسقُطُ ثلثُ الدِيَةِ، لأنهُ قَابلَ فِعلَ نَفسهِ، وَقِياسُ المذهَبِ أن يُلغي فِعل المقتولِ وتَجبُ الدِيَةُ إلى عَاقِلَتهِ لباقين نِصفَينِ كَمَا قُلنَا في المتصادِمَينِ وفي مَسأَلةِ الزِبيةِ، فإن عَادَ الحَجَرُ فَقَتلَ الثَّلاثةَ فَعلَى قواتلهِ عَلى عَاقلةِ كُلِّ وَاحدٍ ثُلثُا الدِيَةِ للآخرِين، وعلى قِياسِ المذهَبِ عَلى عَاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ كَمَالُ الدِيَة للآخرِينَ.
وإذا جَنَى عَلى نَفسهِ أو على أطرافِهِ جنَايَةً خَطأ فدِيَةُ النَّفسِ عَلى عَاقِلتهِ لوَرثتهِ، ودِيَةُ الطَّرفِ عَلى عاقلتهِ لَهُ نصَّ علَيهِ في روايةِ ابنِ (2) منصورِ وأبي طَالِبِ ونقَل عَنهُ حربٌ مَا يَدُلُ عَلى أنَّ ذَلِكَ غير مَضمونٍ وهوَ القِيَاسُ، وعلى رِوَايةِ ابنِ مَنصورٍ تخَرجُ في الثلاثة إذا رمَوا بالمنجنيق فَعادَ فقتلَ واحِداً منهُم أنْ يكونَ عَلى عَاقلةِ المقتولِ ثلثُ الدِيَةِ وعلى عَاقِلَةِ كلِّ واحدٍ منَ الباقِينَ الثلثُ وكذلِكَ في مَسأَلةِ المصادَمَةِ، وَمَنِ اضطرَّ إلى طَعامِ الغَيرِ وشَرابهِ فَمنعهُ منهُ فَماتَ فعلَيهِ ديتهُ نصَّ عَلَيهِ (3) وعلى هَذَا يتَخرَّجُ في كلِّ مَنْ أمكنه أنْ ينجي إنساناً منَ الهلاكِ، إما من غَرقٍ أو سبعٍ فلم يفعل فإنهُ تلزمه ديته، وإذا [تجارحا] (4) فماتا بعد أن ادعى كل واحد منهما أنه جرحَ الآخر دَفعاً عن نفسه فعلى كل واحدٍ منهما ديةُ الآخرِ ولا تقبل دعواه.

بَابُ الجناياتِ عَلى الأعضَاءِ وَمنَافِعِهَا
إذا جَنى عَلى رَأسِ إنسَانٍ فَأَزالَ شَعرَهُ بحَيثُ لا يَنبُتُ، فَعَليهِ كَمَالُ دِيتِهِ، فَإنْ أَزالَ بعضَهُ وجَبَ فيهِ بِحسَابِ ذَلِكَ، وَيحتَمِلُ أنْ تَجِبَ فيهِ حُكومَةٌ، فَإنْ قَطَعَ أُذنَيهِ فَفِيهمَا دِيتهُ، وفي أَحَدِهمَا نِصفُ /370 ظ/ دِيَتهِ وَفي بَعضِهَا بِحسَابهِ فَإنْ ضَرَبَ أُذنَيهِ فَشُلَتا، فَفِيهَا حُكومَةٌ، فَإنْ قطَعَها قَاطِعٌ بَعدَ الشَللِ وَجبَتِ الدِيَةُ، فَإنْ قَطعَ أذنَيهِ، فَذهَبَ سَمعُهُ فَفِيهِمَا دِيتَانِ، فَإنْ اختَلَفَا في ذَهَابِ السَمعِ صِيحَ بهِ في أَوقَاتِ غَفلَتِهِ، فَإنْ ظَهرَ منهُ إجَابةٌ أو انزِعَاجٌ سَقطَتْ دَعوَاهُ. وَإنْ لَم يظهرْ مِنهُ ذَلِكَ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يمينهِ، فَإنِ ادَّعَى نُقصَانَ السَّمعِ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمينهِ، وَيَجبُ بقدرِ مَا نقَصَ. وفي ذَهابِ العَقلِ الدِيَةُ،
__________
(1) انظر: المحرر في الفقه 2/ 136، والشرح الكبير 9/ 493.
(2) انظر: الشرح الكبير 9/ 494.
(3) انظر: الهادي: 220، والمحرر في الفقه 2/ 137، والشرح الكبير 9/ 501.
(4) في الأصل: ((تجارحا)).

(1/516)


فَإنْ جَنَى عَلَيهِ فَزالَ عَقلُهُ لَم يدخل أرشُ (1) الجِنَايةِ في دِيَةِ العَقلِ في قَولِ شَيخِنَا. وَاحتمَل أَنْ يَدخُلَ، فَإنْ نَقصَ مِن عَقلِهِ مَا يُعرفُ قدرُهُ مِثلُ: أنْ يجنَّ يومَاً، وَيفيقَ يومَاً، أو يُجنَّ يومَاً ويفيقَ يومَينِ، أو يجنَّ يومَينِ، وَيفيقَ يَومَاً وَجَبَ مِنَ الدِيةِ بقسِطِ ذَلِكَ. وإن نَقصَ مَا يُعرفُ قدرهُ فصَارَ مَدهوشَاً فَفيهِ حَكومَةٌ. وفي العَينينِ الدِيَةُ وفي أَحدِهِمَا نِصفُها فَإنْ ضَربَ رأسَهُ فَادَّعى ذهَابَ بَصرِهِ وَشَهدَ لَهُ بذَلِكَ شاهِدانِ مِنْ أهلِ الخِبرَةِ فَعلَيهِ الدِيَةُ وإنْ قالا ذَهبَ ويُرجَى عَودُهُ إلى مُدَّةٍ انتظرَ إليهَا، فَإنْ مَاتَ قَبلَ انقضَائِها وجَبَتِ الدِيَةُ، فَإنْ قالَ الجانِي: عادَ بصَرُهُ قَبلَ وَفاتِهِ وأنكرَ وليُّ المجنِيِّ عَلَيهِ، فالقَولُ قَولُ الوليِّ. فَإنْ نقَصَ الضوءُ وَجبتْ حُكومَةٌ، فَإنِ اختَلفَا في النقصَانِ، فالقَولُ قولُ المجنيِّ عَلَيهِ مَعَ يمينهِ. وفي العَينِ القائِمةِ حُكومَةٌ وعنهُ فِيهَا ثُلثُ دِيتِها (2). وكَذلِكَ الرِوايتَانِ في اليدِ الشَّلاءِ، وَلسَانِ الأَخرسِ، والذكرِ الأَشَلِّ، وذكرِ الخَصيِّ، [والسِنِّ السودَاءِ] (3) والإصبعِ واليدِ الزائدَةِ وشحمَةِ الأُذنِ. وفي عَينِ الأَعوَرِ الدِيةُ كاملَةً نصَّ علَيهِ (4). واختَلفَتِ الرِوايَةُ في قَطعِ يَدِ الأقطَعِ ورِجلِهِ، فَعنهُ: تَجِبُ ديَةٌ، وعَنهُ: نِصفُ الدِيةِ (5) بخلافِ العَينِ فَإنْ قلعَ الأعَورُ إحدَى عَينيِ الصَّحيحِ عَمدَاً فَلا قصَاصَ. وعَلَيهِ دِيَةٌ كامِلَةٌ، ويحتَمِلُ أنْ تُقلَعَ عَينُه ويعطَى /371 و/ نِصفَ الدِيَةِ عَلى مَا قالَهُ في رِوايَة إبراهيم بن هَانئ في رَجلٍ قَتلَ امرأةً يُقتَلُ بها وَيُعطَى وَرثتُهُ نِصفَ الدِيَةِ (6). فَإنْ قَلعَهَا خَطأ فَعلَيهِ نِصفُ الدِيَةِ نَصَّ عَلَيهِ في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ (7)، فَإنْ قَلعَ الأَعوَرُ عَينَي الصَّحيحِ عَمْدَاً فَهوَ بِالخيارِ إنْ شَاءَ قَلعَ عَينَهُ وإنْ شَاءَ تركَهَا، وأخذَ الدِيَةَ كَامِلَةً. وفي الأجفَانِ الأربعةِ الدِيةُ، وفي كُلِّ جفنٍ رُبعُ الدِيةِ. وَكَذلِكَ في الأهدَابِ وفي الحاجِبَينِ إذا لَم تَثبتِ الدِيةُ وفي بَعضِهِ بحسَابهِ فَإنْ ضَربَ المارِنَ فَشلَّ أوِ اعوَجَّ فَفيهِ حُكومَةٌ، فَإنْ قطعَ بَعدَ ذَلِكَ فَفيهِ الدِيةُ، فَإنْ قُطعَ المارنُ
__________
(1) الإرَش: دية الجراحة. انظر: المعجم الوسيط: 13.
(2) نقل الرواية الأولى عبد الله وأبو داود وأبو طالب ونقل الثانية: مهنأ وأبو الحارث. وهكذا الروايتان في كل عضو ذهب نفعه كالسن السوداء والإصبع الشلاء ... انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 167/أ، مسائل عبد الله: 3/ 1236، والكافي: 4/ 116، والمغني: 9/ 636.
(3) في الأصل: ((السود)) وما أثبتناه موافق لما جاء في مسائل عبد الله.
(4) نقلها عَنهُ أبو النضر. وعنه نصف دية. انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 166/أ، والمغني: 9/ 432.
(5) نقل الأولى: أبو النضر ونقل الثانية ابن منصور وأبو طالب. انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 166/أ.
(6) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 163/أ، والكافي: 4/ 23، والمغني: 9/ 430، والزركشي: 3/ 751 - 572.
(7) انظر: المقنع: 290، والمغني: 9/ 431.

(1/517)


وبَعضُ القَصَبةِ فَفِيهِ دِيَةٌ وحكومَةٌ، ويحتَمِلُ أنْ لا تَجِبَ إلا دِيَةٌ. وفي المنخرَينِ ثُلثا الدِيةِ وفي كُلِّ واحِدٍ ثُلثُها، وفي الحاجِزِ بينَهمَا ثُلثُ الدِيَةِ، وقالَ في رِوايَةِ الميمونيِّ: في كُلِّ زوجٍ مِنَ الإنسَانِ الدِيَةُ كَامِلَةً (1). وظاهِرُ هَذا أنَّ في المنخَرينِ الدِيَةَ وفي كلِ واحِدٍ نِصفَها. وفي الشَمِّ الدِيَةُ وإن قطعَ الأنفَ، وذَهبَ الشمُ وجبَ دِيتَان، فَإنِ اختَلفا في ذَهابِ الشَمِّ تُتْبع في حَالةِ الغَفلَةِ بشَمِّ الرَوائِحِ المنتنةِ، فَإنْ عَبسَ بَطلَتْ دَعواهُ وإلا فَالقَولُ قولُهُ مَعَ يمينهِ. وفي الشَّفتَينِ الدِيَةُ وفي احديهما نِصفُ الدِيَةِ، وَعَنهُ في السُّفلَى ثُلُثا الدِيةِ (2)، فَإنْ جَنَى عَليهِمَا فَتقلَصتَا بِحَيثُ لا [تَنطَبِقُ] (3) عَلى [الأسنَانِ] (4)، فَفِيهمَا الدِيَةُ فَإنْ تَقلصَتَا بَعضَ التَقليصِ فَفِيهَا حُكومَةٌ، فَإنْ قطعَ بَعضَ الشَفَةِ فَفِيهَا مِنَ الدِيَةِ بحسَابِ ذَلِكَ. وفي اللسَانِ الناطِقِ الدِيَةُ فَإنْ جَنى عَلَيهِ فَخَرسَ فَعلَيهِ الدِيَةُ، وإنْ ذهَبَ بَعضُ الكَلامِ وجَبَ بِقسطِهِ، يقسمُ عَلى الحُروفِ الثَمانيِةِ [والعشرين] (5) مثل أنْ يقولَ في أحمدَ أمَدَ، فإنهُ تَجبُ دِيةُ الحاءِ، ويحتَمِلُ أن يقسم عَلى الحُروفِ التي لِلسَانِ فيهَا عَمَلٌ دونَ الشَفَويةِ كَالباءِ، والفَاءِ، والمِيمِ وَنحوِهَا فَإنْ حَصَلَ /372 ظ/ بهِ تَمتَمةٌ أو لَثغةٌ أو عَجَلةٌ، وَجَبتْ حُكومَةٌ. فَإنْ قَطعَ بعضَ اللسانِ فأذهَبَ بعضَ الكَلامِ، فالإعتِبَارُ بالأكثَرِ حَتى إنْ قَطعَ ثُلثَ اللسَانِ فذَهبَ نِصفُ الكَلامِ، أو قطعَ نِصفَ اللسانِ فذَهبَ ثُلُثُ الكَلامِ، فَعلَيهِ نِصفُ الدِيَةِ في الموضِعَينِ، فَإنْ قَطَعَ ربعَ لسَانهِ فذَهبَ نِصفُ كَلامهِ فأخذَ نِصفَ الدِيةِ، فجَاءَ آخرُ فقطَعَ اللسَانَ فَعلَيهِ نِصْفُ الدِيةِ وحكومَةٌ، لأنَّ رُبعَهُ صَارَ أشَلاً بالقَطعِ الأولِ، فَإنْ قطعَ لسَانهُ ثُمَ عادَ فَنبتَ - إنْ تُصورَ ذَلِكَ - سَقطَتِ الدِيةُ وَكَذلِكَ إن قَلعَ سِنَّهُ ثُمَ عادَ، أو ذَهبَ ضَوءُ عَينيهِ أو سَمعهُ أو ذوقهُ ثُمَ عَادَ سَقطَتِ الدِيةُ، فَإنْ قَطعَ لِسانَ الطفلِ الذِي يحرِكُهُ بالبكَاءِ فَفِيهِ الدِيَةُ، فَإنْ قطَعَ لسانَ الأخرَسِ فَعلَى وجهَينِ:
أَحدُهُمَا: فيهِ حُكومَةٌ، والثَّاني: ثُلثُ الدِيَةِ. وفي ذهَابِ الذَّوقِ الدِيَةُ فَإنِ اختلَفَا، أطعِمُ الأَشياءَ الحامِضَةَ والمرَّةَ فَإنْ عَبسَ عَلِمنا أنهُ لَم يَذهبْ. فَإنْ ضَربَهُ فَأَذهبَ مَنفعَةَ المَضغِ والأَكلِ فَفيهِ الدِيَةُ. وفي كُلِّ سِنٍّ خَمسٌ مِنَ الإبلِ إذا كَانَ كَامِلاً، سَواءٌ قَطعَهُ مِنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 287، والهادي: 222، والمغني: 9/ 600، والمحرر: 2/ 138.
(2) نقل الميموني فيها نصف الدية وهوقول أبي بكر وعلي وابن مسعود، ونقل حنبل أن فيها ثلثي الدية0. ... وانظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 165 /ب، والهادي: 221، والكافي: 4/ 102، والمغني: 9/ 603.
(3) في الأصل ((تنطق)).
(4) في الأصل ((الإنسان)).
(5) في الأصل: ((وعشرين)) بدون تعريف.

(1/518)


شَجَّةٍ أو كَسرِ مَا ظَهرَ فِيهِ. وفي كُلِّ شَجَّةٍ مِنهُ حُكومَةٌ وفي بَعضِهِ بقسطِهِ، فَإنْ ضَربَها فاسودَّتْ فَفِيهَا دِيتُها، وَعَنهُ ثُلثُ دِيَتِها (1)، وقالَ أبو بَكرٍ: فِيهَا حُكومَةٌ فَإنْ
تَغيَّرتْ، أو تَحركتْ وَجَبتْ حُكومةٌ، فَإنْ جَنَى عَلى سِنّهِ اثنانِ واختَلفَا، فَالقَولُ قَولُ المجني عَلَيهِ في مِقدَارِ ما أتلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا. فَإنْ قلعَ سِنَّ كَبيرٍ فَضمِنَ ثُمَ نَبتَ، فإنَّهُ يردُ ما أخَذَ. ذَكرهُ أبو بكرٍ. وَظاهِرُ كَلامِ أحَمَدَ -رَحِمَهُ [الله] (2) - أنهُ يُردُ مَا أخَذَ ويكونُ عَلَيهِ حُكومَةٌ لِقَلعِ الأولِ. فَإنْ قلعَ سِنَّ صَغيرٍ لَم يتَغير انتَظرهَا، فَإنْ أيسَ مِنهَا فَعلَيهِ دِيتُها كَما لو قَطعَ لِسَانهُ، وقَالَ شَيخُنَا: فِيهَا حُكومةٌ وَأَخَذَ (3) بروايةِ ابنِ مَنصورٍ في سِنِّ الصَبيِّ حُكومَةٌ وهذا مَحمولٌ عَلَيهِ إذا نَبتَ تَجِبُ حُكومَةٌ لأَجلِ الأولةِ وقالَ في رِوايةِ جَعفرٍ بنِ مُحَمَدٍ: إذا قلَعَ سِنهُ فَردَّهُ، فَالتَحَم ترد الدِيةُ وَيكونُ لهُ إرشُ /373 و/ الجراحِ (4). وَكذلِكَ قَالَ: إذا قَطعَ لسَانَهُ فأخَذَ إرشَهُ ثُمَ نَبتَ صَحِيحَاً يردُ إرشَهُ [ثُمَ نبتَ صَحيحَاً يرد إرشهُ] (5)، وَيكونُ لَهُ حكومَةُ قَطعهِ فَهذَا مثلهُ، فَإنْ قَلعَ أَسنَانَهُ دفَعةً واحِدَةً وَهِيَ اثنانِ وثلاثونَ، فَعلَيهِ مِئةٌ وسِتونَ بَعيرَاً، ويحتَمِلُ أن تَجِب مئةُ بَعيرٍ. وفي [اللحيين] (6) الدِيَةُ وفي أَحدِهِمَا نِصفُ الدِيَةِ إذا قَلعَ ممنْ لا سِنَّ لهُ كالطِّفلِ أو الشَّيخِ، فَإنْ قُلِعَتْ وَعلَيهَا الأَسنَانُ وَجَبتْ دِيتُها ودِيَةُ الأَسنَانُ، وفي حَلقِ اللِّحيةِ إذا لَم تَنبَت كَمالُ الدِيَةِ، وفي بَعضِها بحسَابِ ذَلِكَ، فَإنْ أبقى مِنها ما لا جَمالَ في بقَائهِ بحَالٍ، فَهلْ يَلزمُهُ كَمَالُ الديةِ أو بالحسابِ؟ عَلى وَجهَين (7). وفي الصَّغيرِكَمالُ الدِيةِ. وَهوَ أنْ يَضرِبُهُ فَيصيرَ وجهُهُ في جَانبٍ. فَإنْ ضرَبَهُ فَاسوَدَّ [وَجهُهُ] (8) بِحَيثُ لا يُزالُ السَّوادُ فعلَيهِ كَمالُ الدِيَةِ. وفي اليدَينِ الدِيَةُ، وَفي أَحدِهِمَا نِصفُ الدِيَةِ فَإنْ ضَربَهُ فَشلتَا وَجَبَ كَمالُ الدِيَةِ. وفي كُلِّ أصبَعٍ عَشرٌ مِنَ الإبلِ، وفي كُلِّ أنملَةٍ ثُلثُ دِيَةِ الإصبَعِ إلا الإبهامَ فإنهُ تَجِبُ فيهِ نِصفُ دِيَةِ الإصبَعِ وفي كُلِّ ظفرٍ خُمسُ دِيَةِ الإصبَعِ، وَكَذلِكَ إذا اسوَدَّ فَإنْ

نَبتَ عَلى صِفَتهِ،
__________
(1) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 165/ب.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) انظر: المقنع: 289.
(4) انظر: الهادي: 222، والكافي: 4/ 108، والمغني: 8/ 617.
(5) تكرار في الأصل.
(6) في الأصل: ((اللحين)).
(7) الوجه الأول: يؤخذ بالقسط كما لو بقي من إذنه يسيراً. الثاني: تجب الدية بكمالها لأنه أذهب المقصود منها. ويشمل هذا غيرها من الشعور. انظر: المقنع: 290، والكافي: 4/ 117، والمغني: 9/ 589.
(8) في الأصل: ((وجهها)).

(1/519)


رد ارشَهُ عَلى قِياسِ قَولهِ وفي السِّنِّ. ورويَ عَنهُ يلزمُهُ [خمسةُ] (1) دَنانيرَ (2). وإن نَبتَ أسوَد يَلزمُهُ عَشرَةُ دَنانِيرَ نَصَّ عَلَيهِ. وفي الكَفِّ الذي لا أصَابعَ عَلَيهِ حُكومَةٌ، وَعنهُ ثلثُ الدِيةِ وَكذلِكَ في الذرَاعِ وَحدَهُ أو العضُدِ. فَإنْ قَطعَ كَفَّاً عَلَيهِ بعضُ الأصَابِعِ دَخلَ ارشَ ما حَاذى الأصابعَ في دِيَةِ الأصَابعِ [ووجَبَ] (3) في الباقِي حُكومَةٌ، فَإنْ قَطعَ اليدَ مِنَ المرفَقِ أو العضُدِ فظاهرُ كلامِ أحَمَدَ-رَحِمَهُ اللهُ- أنهُ يلزمُهُ دِيةَ اليَدِ (4). وقَالَ شَيخُنَا: يلزمُهُ في اليَدِ إلى حدِ الكَوعِ ديتُها، وَيلزمُهُ فيما زادَ حكومَةٌ. وفي الرجْلَينِ الدِيَةُ وفي أحَدَيهمَا نِصفُها، وفي كُلِّ إصبَعٍ عَشرةٌ مِنَ الإبلِ، وفي شَلَلِهَا وقَطعِهَا دونَ الأَصَابعِ وقَطعِ جُزءٍ منَ السَّاق معَها عَلى مَا ذَكرناَ في اليدَينِ وفي الأليتَينِ الدِيَةِ وفي أحدَيهمَا نِصفُها. وَإذا كسَرَ صُلبَهُ فَعجِزَ عَنِ المشيِ فَعلَيهِ الدِيَةُ /374 ظ/، وإنْ نَقصَ مَشيُهُ، أو انحنَى فَعلَيهِ حُكومَةٌ، وإنْ أذهَبَ بِكَسرهِ مَنفعَةَ الوَطءِ فعليهِ الدِيةُ، وإنِ أختَلفَا فالقَولُ قَولُ المجنيِّ عَلَيهِ، وقَد قَالَ أحَمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- في الحَدبِ [الديةُ] (5) وظاهرُهُ أنهُ إذا كَسَرَ صُلبَهُ، فَانحنى لزِمَهُ الديَةُ، فَإنْ أبطلَ بذَلِكَ مَنفَعةَ المَشيِ والوَطءِ لزِمَهُ ديتَانِ في إحدى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأخرى تلزمهُ ديةٌ واحِدَةٌ (6). وفي حَلَمَةِ الثَديَينِ الدِّيَةُ، سَواءٌ كانتْ مِنَ الرَّجُلِ [أوِ المرأَةِ] (7) وفي أحدَيهمَا نِصْفُها. وفي الثَديينِ بغيرِ حَلَمَتَينِ حُكومَةٌ. وفي شَلَلِها ما في قَطعِهمَا، وإنْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَذَهَبَ لَبَنُهُما فعليهِ حُكومَةٌ. وفي حَشفَةِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وفي جَميعِهِ ما في الحَشَفَةِ، وفي قَطْعِهِ بلا حَشَفةٍ حُكومَةٌ أو ثُلثُ الدِّيةِ، وفي قَطْعِ بَعْضِهِ بقِسْطِهِ، فَإنْ جَنَى عَلَيهِ فشلَّ لَزِمَهُ الدِّيةُ. وفي الخِصْيَتَينِ وفي أحَدَيهمَا نِصفُها، فَإنْ قَطَعَ الخِصْيَتَيْنِ، والذَّكَرَ مَعَاً أوِ الذَّكَرَ ثُمَّ الخصيتين لزمهُ ديتانِ، فَإنْ قطع الخصيتين ثُمَ الذكر وجب ديةُ الخصيتين، وهل في الذكر ديةٌ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ: إحْدَاهُمَا: دِيَةٌ، والأخرى: حُكومَةٌ أَو ثلثُ الدِّيَةِ عَلى اختِلافِ الرِّوايَتَيْنِ (8). وفي ذَكَرِ العِنِّينِ الدِّيَةُ، وعَنْهُ فيهِ حُكومَةٌ (9).
__________
(1) في الأصل: ((خمس)).
(2) قال ابن قدامة: وهذا إنما يصار إليه بالتوقيف وما لا توقيف فيه من سائر الجروح فيه الحكومة.
انظر: المقنع: 289، والشرح الكبير 9/ 565.
(3) في الأصل: ((وجب)).
(4) وهي نص رواية أبي طالب. انظر: المقنع 287، الهادي 222، الشرح الكبير 9/ 570 - 571.
(5) غير موجود في الأصل وزيدت ليستقيم المعنى.
(6) الديتان رواية عبد الله عن أبيه. انظر: المغني 9/ 626، الكافي 4/ 115.
(7) كلمة غير مقروءة ولعل المثبت هو الصواب
(8) انظر: الهادي: 223، المقنع: 288، الشرح الكبير 9/ 590، الزركشي 3/ 617 - 618.
(9) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 166/أ، والكافي 4/ 112، والزركشي 3/ 617.

(1/520)


وفي أسكِتَي (1) المرأةِ ديتُها وفي أَحَدَيهِما نِصفُها، وإذا أفْضَى امرأةً بالوَطءِ - والإفضَاءُ أَنْ يجعَلَ مَخْرَجَ البَوْلِ والولَدِ وَاحِداً ـ فإنْ كانَتْ زَوْجَتُهُ ومِثْلُهَا يُوطَأُ فلا شَيءَ عَلَيهِ، وإنْ كَانَ مثلُهَا لا يوطَأُ نَظَرْنَا فَإنْ [كَانَ] (2) البَوْلُ يَسْتَمسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وإنْ كَانَ لا يَسْتَمسِكُ فعلَيهِ كَمالُ دِيتِها. وإنْ كانَتِ المرأَةُ أجْنَبيَةً مُطَاوِعَةً فَوطئَها فلا ضَمانَ عَلَيهِ، وإن وطِئَها بشُبهةٍ أو أكرهَهَا فَحكمُها في الضَّمانِ حُكمُ من لا تُوطَأُ مثلُها، وَيزيدُ عَلى ذَلِكَ بأنْ يَجِبَ عَلَيهِ مَعَ الدِّيةِ إرشُ البَكَارةِ. وإذا كَدَمَ يَدَ رَجلٍ فانتزَعَهَا مِنْ فَمِهِ فسقطَتْ أسنَانُه فلا ضَمانَ عَلَيهِ. وإذا اطَّلعَ في بَيتِ إنسَانٍ بحيثُ يَنظرُ عَورَتَهُ أو حُرمتهُ فلهُ أنْ يَرميَ عَينَهُ، فَإنْ /375و/ فَقَأَهَا فلا ضَمانَ عَلَيهِ.

بَابُ ارشِ الشَجَاجِ وَكَسرِ العِظَامِ
الشجاجُ (3) في الرَأْسِ عَشرةٌ: الخارِصَةُ: وهي التي تَشُقُّ الجِلدَ ولا تُدميهِ، والدَّامِيةُ: وَهيَ التي تُدمِي، والباضِعَةُ: وهي مَا تَقطعُ اللحمَ، والملاحِمةُ: وهي مَا تَنزلُ في اللحمِ، والسِّمْحَاقُ: وهي ما يَبْقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَظْمِ الرأسِ (4) جِلْدَةٌ رَقيقةٌ، فهذهِ خَمْسَةٌ تَجِبُ فيها حُكومَةٌ في أَصَحِّ الرِّوايَتَيْنِ (5)، وَنَقَلَ عَنهُ أَبُو طَالبٍ أنهُ قالَ: قَدْ حَكَمَ زَيْدٌ في الدَّاميَةِ بِبَعيرٍ، وفي البَاضِعَةِ بِبَعيرينِ، وفي المُتلاحِمَةِ بثَلاثةِ أَبعِرَةٍ، وفي السمحَاقِ بأَربعَةِ أبعرَةٍ (6) فأذهبُ إليه وعلى كلا الرِّوايَتَيْنِ لا يبلغُ بإرشِ هَذهِ الشجَاجِ إرشِ الموضِحَةِ، فأمّا الخمسَةُ التي فِيهَا مقدرٌ روايةٌ واحدةٌ (7)، فالموضِحَةُ وَهِيَ التي تُوضِحُ العَظمَ ولا فَرقَ بين كونها في رَأس أو وَجهِهِ وفيهَا خَمْسٌ مِنَ الإبلِ، وَعَنْهُ إن كَانَ في الوَجهِ فَفِيهَا عَشْرٌ مِنَ الإبل (8)، وإنْ عَمَّتِ الرَّأسَ وَنَزَلتْ إلى الوَجهِ فَهلْ هِيَ مُوضِحَةٌ أَو
__________
(1) الاسكتان: شُفرا الرحم أو جنباه مما يلي شُفريه أو جانبا الفرج واحدهما أسكة وتفتح الهمزة. وجمعها إِسَك وأَسْك وإِسك. متن اللغة 1/ 176 مادة (أَسك).
(2) كلمة غير موجودة وزيدت ليستقيم الكلام.
(3) شجا: شق جلد رأسه أو وجهه. انظر: المعجم الوسيط (ص473).
(4) في الأصل (الراين).
(5) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/ب)، والمغني 9/ 657 - 658، والكافي 4/ 88، والمحرر 2/ 142، وشرح الزركشي 3/ 627.
(6) وهي اختيار أبي بكر الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/أ-ب) وانظر: المغني 9/ 657 - 658، والكافي 4/ 88، والمحرر 2/ 142، وشرح الزركشي 3/ 627 - 628.
(7) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/ب)، والكافي 4/ 89.
(8) نقلها حنبل. واختارها الشيرازي، انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/ب)، والمغني 9/ 641، والكافي 4/ 89، والمحرر2/ 142، وشرح الزركشي 3/ 622.

(1/521)


موضِحتَانِ؟ عَلى الوجهَين (1)، فَإنْ أَوضَحَهُ موضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائلٌ فَعَلَيهِ عَشرٌ مِنَ الإبلَ، فَإنْ خَرَقَ بينَهُمَا أَو ذَهَبَ مَا بَيْنَهُمَا بالسِّرَايَةِ فَهيَ موضِحَةٌ واحِدَةٌ، فَإنْ خَرَقَ المجَنيُّ عَلَيهِ مَا بَيْنَهُمَا أَو خَرَقَهُ أَجنبيٌ فَهُنَّ ثلاثُ مَواضِحَ، فَإنْ اختَلفَا فقالَ الجَاني: أَنا خَرقتُها، وقالَ المَجنيُّ عليهِ: بَلْ أَنا، فالقَولُ قَولُ المجني عَلَيهِ فَإنْ خَرقَ ما بينَهمَا في البَاطِنِ فَهل هِيَ موضِحَةٌ أَو موضِحَتَانِ؟ عَلى الوَجهَينِ (2). فَإنْ شَجَّ جَميعَ رَأسِهِ سمحاقاً إلا موضعاً منهُ فإنهُ أوضَحَهُ فَعلَيهِ إرشُ موضِحَةٍ. والثانيةُ الهاشِمةُ: وَهيَ التي تَرضخُ العظمَ وتَهْشِمُهُ فَفِيهَا عشرةٌ مِنَ الإبل فَإنْ كانَتْ عَمدَاً فَهوَ مُخَيِّرٌ بينَ أَنْ يُوضِحَهُ وَيَأْخذَ خَمسَاً مِنَ الإبلِ أَو يعفوَ عَنِ القصَاصِ ويأخذَ عَشراً. وقال أبو بَكرٍ: لا يجتَمِعُ القِصَاصُ وإرشٌ وَلَهُ أنْ يَقْتَصَّ مِنَ الموضِحَةِ أو يأخذَ عَشرةً (3)، فإنْ ضَرَبَهُ بِمثقَلٍ فَهَشَمَ العَظمَ ولم يوضِحَهُ فَعلَيهِ حُكومَةٌ. وَقيلَ: يَلزمُهُ خُمْسُ الإبلِ.
وَالثالثةُ /376ظ/ المنقِلةُ: وهي ما لا يَبرأُ إلا بنَقلِ عَظمٍ مِنهَا فَيجبُ فيها خَمس [عشرةَ] (4) منَ الإبلِ.
والرَّابِعةُ المأمومَةُ: وَهيَ التي تَصِلُ إلى جِلدٍ رَقيقٍ فيه الدَّمَاغُ وَيسمَّى أمَّ الدَّماغِ؛ لأنَّها تَجمعُهُ وتحوطُهُ وفيها ثُلثُ الدِّيَةِ.
والخامِسَةُ الدَّامِغَةُ: وَهيَ التي تَخرِقُ أمَّ الدَّمَاغِ فَفِيهَا مَا في المَأمومَةِ، وفي الجَائِفَةِ ثُلثُ الدِّيَةِ وهي الجَرحُ الذي يَصِلُ إلى بَاطِن الجَوفِ مِنْ ظَهرٍ أو بَطنٍ أو صَدرٍ أو حَلقٍ، فَإنْ طَعَنَهُ في بَطْنِهِ فَنَفَذَتِ الطَّعْنَةُ مِنْ ظَهرِهِ (5). فَهَلْ هُمَا جَائِفَةٌ أو جَائِفَتَانِ؟ عَلى وجهين (6) فإن طعنهُ في خَدِّهِ فَوَصَلَتِ الطَّعنةُ إلى فَمِهِ فَفِيهِ حُكومَةٌ، وَيَحتَمِلُ أَنْ تكونَ جَائِفَةً، فَإنْ جَرحَهُ في وَركِهِ ثُمَّ مَدَّ السِّكينَ إلى جوفهِ، فَعلَيهِ ثُلثُ الدِّيَةِ للجَائفَةِ، وَحكومَةٌ في جَرحِ الوَركِ كَمَا لو أَوضَحَهُ في رَأَسِهِ وَمدَّ السِّكينَ إلى قفاهُ وجب إرشُ
__________
(1) أَحدُهُمَا: أنها موضحة واحدة، لأن الوجه والرأس سواء في الموضحة فصار العضو الواحد. ... والثاني: هما موضحتان لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد مِنهُمَا حكم نفسه كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا. المغني 9/ 642 - 643، وانظر: الكافي 4/ 89 - 90، والمحرر2/ 142.
(2) أَحدُهُمَا: يلزمه أرش موضحتين لا نفصالها في الظاهر. والثاني: أرش موضحه لاتصالهما. المغني 9/ 643 - 644، وانظر الكافي 4/ 90، والمحرر 2/ 43.
(3) انظر: الهادي: 215، والكافي 4/ 90.
(4) في الأصل ((عشر)).
(5) في الأصل ((طره)).
(6) قال الخرقي هما جائفتان. شرح الزركشي 3/ 624، وانظر: المغني 9/ 650، والمحرر 2/ 143.

(1/522)


الموضِحةِ وحكومَةٌ، فَإنْ أَجَافَهُ ثُمَّ جاء آخرُ فأوسَعَ الجُرحَ فهما جائِفَتانِ فإن أوسَعَ ظاهرَهُ دونَ باطِنهِ أو باطِنَهُ دونَ ظاهِرِهِ فَعلَيهِ حكومَةٌ، فَإنْ خيطَتِ الجَائِفَةُ فالتَحَمَتْ فجَاءَ آخرُ فَفَتَقَها فَعَلَيهِ ثُلثُ الدِّيةِ. وَيَجِبُ في كَسرِ الضلعِ بَعِيْرٌ، وفي التِّرقُوَةِ بَعيرٌ، وفي الترقوَتَيِنِ بعيرانِ، وفي كُلِّ واحِدٍ مِنَ الذِّراعِ والسَّاعدِ والزَّندِ والعَضُدِ والفَخذِ والسَّاقِ بعيرانِ، وما عَدا ما ذكرنا مِنَ الجِراحِ والشّجاجِ وكسرِ العظَامِ مثلُ: خرزةِ (1) الصُلبِ (2) والعصعص فلا مِقدارَ فيهِ بَل فيهِ حُكومَةٌ أنْ يُقَوَّمَ الحُرُّ كأنهُ عبدٌ لا جِناية [به] (3) ثُمَّ يُقَوَّمَ وبهِ الجنايةُ المبدلةُ فمَا نقَصَ مِنْ قيمتهِ سَليماً وَجَبَ من ديتهِ بقسطِ ذَلِكَ، فَإنْ كانَتِ الجنَايةُ مما لا ينقصُ بها شَيءٌ بعدَ الاندِمَالِ قُوِّمَ حالُ الجنايةِ، فَإنْ كانتِ الجنايةُ مما تَزيدهُ حُسناً وتَزيدُهُ في قيمتهِ كَمَنْ حَلَقَ لحيةَ امرأةٍ قَوَّمنَا لو كَانَ عَبداً كَبيراً لَهُ لحيةٌ، ثُمَّ إذا ذَهَبتْ لحيتهُ فَأَشَانَهُ فمَا نَقَصَ أَلزمنَاهُ بقسطِ ذَلِكَ منْ دِيةِ المرأةِ وفيهِ نظرٌ.

بَابُ مقاديرِ الدياتِ
/377و/ ديةُ الحرِّ المسلِمِ مِئةٌ مِنَ الإبلِ أو ألفُ دينَارٍ من الذَّهَب، أو اثنا (4) عَشَرَ ألفَ دِرهَمٍ مِنَ الوَرِقِ أو مئتا (5) بَقَرَةٍ، أو ألفا شَاةٍ أو مِئَتَا حُلَّةٍ (6) فهذهِ السِّتَةُ (7) كُلُّها أصولٌ فأيَّ شَيءٍ أحضَرهُ الجاني أوِ العاقِلَةُ مِنْهَا لَزِمَ وليُّ المقتُولِ قبولُهُ في أَصَحِّ الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأُخرَى: الأَصلُ الإبلُ (8)، وَهَذِهِ أبدالٌ مقدرةٌ بالشَّرعِ، فَإنْ قَدَرَ عَلى إبلٍ قيمَةُ كلِّ وَاحِدٍ منهَا عَشرَةُ دَنانيرَ أو مِئَةٌ وعِشْرونَ دِرهَمَاً، لَزِمَهُ دَفْعُهَا وإلا جَازَ لَهُ الانتقَالُ إلى الأبدالِ ثُمَّ ينظرُ في القَتلِ، فَإنْ كَانَ عَمداً أو شِبهَ عَمْدٍ وَجَبَتِ الدِّيةُ ... أرباعاً: خمسٌ (9)
__________
(1) في الأصل ((جرزه)).
(2) أي الفقرات. انظر: المعجم الوسيط (226).
(3) ما بين المعكوفتين زيادة منا ليستقيم الكلام
(4) في الأصل (اثنى).
(5) في الأصل (مائتي).
(6) قال القاضي: لا يختلف المذهب في أن هذه الأنواع أصول في الدية إلا الحُلل فَإنْ فيها روَايَتَينِ.
انظر: المغني: 9/ 481، والكافي: 4/ 75، وشرح الزركشي: 3/ 485، والإنصاف: 10/ 58.
(7) نقل عن الإمام أحَمَدَ -رَحِمَهُ الله- رواية ثانية أنها خمسة.
انظر: المغني 9/ 482، شرح الزركشي 3/ 585.
(8) وهذا ظاهر كلام الخرقي. قال ابن قدامة: ((وذكر أصحابنا أن ظاهر مذهب أحَمَدَ أن تؤخذ منهُ قيمة كل بعير منها مئة وعشرون درهماً، فَإنْ لم يقدر عَلى ذَلِكَ أدى اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار ... )) المغني 9/ 484، وانظر: الكافي 4/ 74 - 75.
(9) في الأصل: ((خمسة)) وما أثبتناه هو الصواب إن شاء الله تعالى.

(1/523)


وعشرونَ بناتِ مخاضٍ، وخمسٌ (1) وعشرونَ بناتِ لبونٍ، وخمسٌ وعشرون حُقَّةً، وخمسٌ (2) وعشرون جَذعَةً إحدى الرِّوايَتَيْنِ (3)، وفي الأخرى: يَجبُ ثلاثونَ حُقةً، وثلاثونَ جَذعَةً وأربعونَ خَلفَةً (4) في بُطُونِهَا أَولادُها (5)، وإن كَانَ القتلُ خَطأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ أخْمَاسَاً عشرونَ بنَ مخَاضٍ، وعشرونَ بنتَ مخاضٍ، وعشرونَ بنتَ لبونٍ، وعشرونَ حقَّةً، وعشرونَ جذَعةً. وأمَّا البقرُ والغَنَمُ فتؤخذُ السِّنُ المأخوذُ في الزَّكاةِ، ويَكونُ نِصفُها مُسِنَّاً ونِصفُها أتبعه في البقَرِ. وفي الغنمِ نِصفُها ثنايا وَنِصفُها جذاعٌ وأمَّا الحُلَلُ فَيؤخَذُ المتَعارَفُ، فَإنْ كَانتْ مختَلِفَةَ القِيَمِ واختَلفَا فيؤخَذُ مِنهَا ما قِيمَةُ كلِّ حُلةٍ خَمسَةُ دَنانِيرَ أو سِتونَ دِرهماً، وَتغلظُ الدِيَةُ بِالقَتلِ في الحرَمِ، والإحرَام، والأشهُرِ الحُرمِ، والرَحِمِ، فيزادُ لكلِّ واحِدٍ مِنهَا ثلثُ الديةِ، فَإنِ اجتمَعَتِ الحرمتَانِ مثل: أنْ يقتُلَ ذا رَحِمهِ في الحرَمِ وهو مُحرِمٌ في شَهرٍ حَرامٍ لزمَهُ دِيتَانِ وَثلثٌ، وسَواءٌ كانتِ الديَةُ الإبلَ أو غيرَها.
وَأمَّا اليهوديُّ والنَّصرانيُّ ومَنْ أجرِيَ مَجراهُم من السَّامرةِ (6) والصَّابئينَ فديتُهُ نِصفُ دِيَةِ المسلمِ في إحدى الرِّوايَتَيْنِ (7)، وَفي الأخرى: ثُلثُ دِيَةِ المسلِمِ إلا أنْ يقتلَ عَمداً فَيجِبُ كمالُ دِيَةِ المسلمِ (8) وَأمَّا المجوسيُ /378ظ / فَدِيتُهُ ثُلثا عُشرِ دِيَةِ المسلِمِ، فَإنْ قَتلَ عَمدَاً أضعفت دِيتُهُ، وَأمَّا مَن لَم تَبلغْهُ دَعوةُ نَبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فَلا يلحَقُ [الذي] (9) يكونُ لَهُ
__________
(1) كذلك.
(2) كذلك.
(3) نقلهما عن الإمام أحَمَدَ - رَحِمَهُ الله - أبو الحارث وبكر بن مُحَمَدِ، وحرب، وابن منصور، واختارها الخرقي وأبو بكر، والقاضي. انظر الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 164 /ب، والمغني 9/ 488 - 489، وشرح الزركشي 3/ 589.
(4) الخلفة: هي الحامل، وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة، وأي ناقة حملت فهي خلفة.
انظر: المغني 9/ 490.
(5) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 164 /ب، والمغني 9/ 589، وشرح الزركشي 3/ 589 - 590.
(6) هم قوم يسكنون جبال بيت وقرى من أعمال مصر، ومن ميزاتهم التقشف في الطهارة اكثر من سائر اليهود، وهم يثبتون نبوة موسى وهارون ويوشع عليهم السلام، وينكرون نبوة من بعدهم من الأنبياء والتوراة التي بأيديهم تختلف عن التوراة الموجودة والمعروفة لدى اليهود ويعتبرون بالنسبة لليهود روافض كالروافض في المسلمين ويشابهون في وجوه كثيرة.
انظر: الملل والنحل 1/ 218، وكتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 4/ 121، والتبصير 1/ 152.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 167/ب.
(8) انظر: أحكام أهل الملل: 304، والرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 167/ب، والمغني: 9/ 527، والإنصاف: 10/ 64 - 65.
(9) في الأصل: كلمة غير مقروءة.

(1/524)


أَصلُ دينٍ هُوَ مُتمسِّكٌ كَاليهودِيِّ والنَّصرانيِّ أو لا يكونُ لَهُ دِينٌ فَإنْ لَم يَكنْ لَهُ أَصلُ دِينٍ فَلا يَضمَنُ، وإنْ كَانَ لَهُ أصلُ دِينٍ فَلا رِوايَةَ فيهِ إلا أنَّ شَيخَنا قالَ: لا ضَمانَ عَلى قَاتِلهِ، وَعندِي: أنهُ مما يضمَنُ بهِ أهلُ دِينهِ (1).
فَأمَّا الحربيُّ والمرتَدُّ فلا ضَمانَ عَلى قاتِلهِمَا بحَالٍ، وَدِيَةُ المرأةِ في النَّفسِ عَلى النِّصفِ مِن دِيَةِ الرَّجُلِ، فَأما فِيمَا دُونَ النَّفسِ مِنَ الجراحِ فيسَاوي ارشُ جراحِها ارشَ جراحِ الرَّجُلِ إلى ثُلثِ دِيَةٍ، فإذا زَادَ عَلَى الثُلثِ فَعلَى النِّصفِ مِنَ ارشِ جرَاحِهِ، وَعنْهُ: أَنها متَسَاويَةٌ فيمَا دونَ الثُلثِ، فإذا أبلغَ صَارَ إرشُها عَلَى النِّصفِ (2).
وَأمَّا الخنثى المُشكِلُ فَدِيتُهُ نِصفُ دِيَةِ ذَكَرٍ ونِصفُ دِيَةِ أُنثَى، وَكَذلِكَ في إرشِ جرَاحِهِ، ومَنْ قَطعَ يَدَ ذِميٍّ فَأسلَمَ ثُمَ مَاتَ ضَمِنَهُ بدِيَةِ ذمِيً، فَإنْ قَطعَ يَدَ مُسلِمٍ فَارتَدَّ ومَاتَ علَى ردَّتِهِ فَعلَيهِ نِصفُ دِيَةِ مُسلِمٍ، فَإنْ قَطعَ يَدَ مُرتَدٍ أو حَربيٍّ فأَسلَمَ ثُمَ مَاتَ فلا ضَمانَ عَلَيهِ. ومَنْ أرسَلَ سَهمَاً إلى كَافرٍ أو عَبدٍ فأسلَمَ الكَافِرُ وعَتقَ العَبدُ، ثُمَ وقعَ بهِ السَّهمُ فَقتَلَهُ ضَمِنَهُ بدِيَةِ حُرٍّ مُسلمٍ. فَإنْ رمَى إلى مُسلِمٍ فَلمْ يَقعْ بهِ السَّهمُ حَتى ارتَدَّ فلا ضَمانَ عَلَيهِ، وَدِيةُ الجَنينِ غرةُ عَبدٍ أو أمَةٍ قيمتُها نِصفُ عُشرِ دِيةِ أَبيهِ أو عُشرُ دِيَهِ أمِّهِ (3) إذا سقَطَ مِنَ الجنَايةِ تدفَعُ إلى وَارِثهِ، فَإنْ كَانَ أَحدُهُما مُسلِمَاً والآخَرُ كَافِراً، أحدُهُما ذِميٌّ والآخَرُ مَجوسِيٌ اعتبرَ بأكثرِهِما دِيَة، ولا يُقبَلُ في الغرَّةِ مَن لَم يَبلُغْ لَهُ سَبعَ سِنينَ، ولا يُقبَلُ خُنثَى ولا مَعيبٌ، فَإنْ القَتهُ مُضغَةً وشَهِدَ القَوابِلُ أنهُ خَلقُ آدميٍ فَعلَى وجهَينِ:
أَحدُهُمَا: تَجبُ الغرةُ، والثَّاني: لا تَجِبُ بِنَاءً عَلى انقضَاءِ العِدَّةِ، فَإنْ القتْهُ حَيَّاً ثُمَ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وإنِ اختَلفَا في حَياتِهِ فَقامَتِ البَينَةُ أنهُ تَنفَسَ أو تَحرَّكَ أو عَطشَ فَهوَ حَيٌّ وإنْ عدِمتِ البينَة فَعلَى وَجهَينِ، وَتجبُ في جَنينِ الأَمةِ عُشرُ قِيمَةِ أمةٍ حالَ / 379و / الجنَايةِ سَواءٌ كَانَ ذَكرَاً أو أنثَى ويجبُ في قَتلِ العَبدِ والأَمةِ قِيمتُها، وإنْ بلغَتْ دِياتٍ وعَنهُ: لا يَبلغُ بالعَبدِ دِيةَ الحرِّ (4)، والجِنايَةُ المضمُونَةُ مِنَ الحرِّ بالحكومَةِ مَضمَونَةٌ في الرَّقِيقِ بما نقَصَ، وَالجِنَايةُ مِنَ الحرِّ بالدِيةِ أو بمقدَارٍ مِنَ الدِيةِ، مَضمونَةٌ للرقِيقِ بالقِيمَةِ وبمقدرٍ منَ القِيمَةِ، وَعنهُ: أنَّ جَميعَ جِنَاياتِ الرَّقِيقِ تَضمَنُ نقص وَهِيَ اختِيارُ الخلاَّلِ (5)،
__________
(1) انظر: المقنع: 285، والمغني 9/ 531، والكافي 4/ 78.
(2) انظر: مسائل عبد الله 3/ 1258، المغني 9/ 532 - 533، والإنصاف 10/ 63.
(3) انظر: المغني 9/ 535 - 543.
(4) انظر: المحرر 2/ 145، والمبدع 8/ 354، والإنصاف/66.
(5) انظر: المحرر 2/ 145.

(1/525)


وإنْ قَطعَ يدَ عَبدٍ فأعَتقهُ مَولاهُ ثُمَ مَاتَ فعلَيهِ قِيمتُهُ لِلسيِّدِ نَصَّ عَلَيهِ وفي رِوَايةِ حَنبلٍ (1)، وحَكَى شَيخُنَا في المجردِ عَنِ ابنِ حَامِدٍ (2): أنَّ عَلَيهِ دِيةُ حرٍّ لِلمولَى مِنهَا أقل الأمرَينِ مِنْ نِصفِ الدِيَةِ أو نِصفِ القِيمَةِ والبَاقي لِورثَتهِ اعتبارَاً بحَالِ الاستِقرَارِ، قَالَ: وَعلَى ذَلِكَ لو قَطعَ يدَ ذمِيٍّ ثُمَ أَسلَمَ ومَاتَ فعلَيهِ دِيةُ مُسلِمٍ، ولَو ضَربَ بَطنَ أمَةٍ حَامِلٍ فأعتقتْ وأعتَقَ الجَنينُ ثُمَ ألقتْهُ مَيتاً فَعلَيهِ غَرةُ (3) قيمتُها خَمسونَ دِينَاراً، قَالَ: وهو ظَاهِرُ كَلامِ أحمَدَ رحمَهُ اللهُ، والأولُ أصَحُّ في المذهَبِ، ولا يختَلِفُ العَمدُ والخَطأُ في ضَمانِ الرَّقِيقِ، وإذا جَنَى العَبدُ جِنايةً خَطأ فَمولاهُ بالخِيارِ بَينَ أنْ يسلمَهُ أو إرشُ الجنَايةِ، فَإنْ سَلمهُ فامتنعَ [ولي] (4) الجنايةَ مِنْ أخذهِ، وَقَالَ: بِعهُ وادفعْ إليَّ قِيمتَهُ فَهلْ يلزَمُ السَّيدَ ذَلِكَ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ (5)، فَإنْ كَانَتِ الجنَايَةُ عَمداً فَلِوَليِّ الجِنَايَةِ الاقتصَاصُ، فَإنْ عَفى عَنِ القصَاصِ عَلى رَقبةِ العَبدِ فَهلْ يملكُهُ بِذلِكَ؟ عَلى روَايَتَينِ: أَحدُهُمَا: يَملِكهُ بذَلِكَ مِنْ رِضَى السَّيِّدِ. والثانيةُ: لا يَملكهُ بِغَيرِ رِضَى السَّيِّدِ ويرجِعُ عَلَى السَّيِّدِ، وهل يرجِعُ بقِيمتهِ أو بدِيَةِ المَقتولِ يحتَمِلُ وجهَينِ.

بَابُ العَاقِلَةِ (6) وَمَا تَحمِلُهُ
اختَلفَتِ الرِوايَةُ في العَاقِلةِ فَرويَ عَنهُ (7): أنهمُ العُصبةُ الأبُ ومَنْ دونَهُ مِنَ الجَدِّ وَالابنِ والأخِ وابنِ الأخِ والعَمِّ وابنِ العَمِّ، ورُويَ عنهُ (8) أَنهمُ العصَبةُ مَا عَدا عموديِ النَّسبِ فَنبدَأَ بالأقرَبِ فالأقرَبِ مِنهُم، فَنبدأَ بالأَباءِ ثُمَ الأبناءِ ثُمَ بالإخوةِ ثُمَ بنيهم عَلَى الرِوايةِ الأَولى /380ظ /، وعَلَى الثَّانِيةِ: نَبدأُ بالإخوُةِ ثُمَ بَنيهِمْ ثُمَ الأعمَامِ ثُمَ بَنيهِمْ، وعلَى هَذَا مَتى اتسعَتْ أموالُ الأَقربِ لحملِ العَقلِ لم يُنتَقلْ إلى مَنْ بَعدَهُمْ، ومَتى
__________
(1) انظر: المغني 9/ 343.
(2) انظر: المغني 9/ 343.
(3) عَلى قول ابن حامد والقاضي، لأنه كَانَ حراً اعتباراً بحال الاستقرار، وعلى قول أبي بكر فيه عُشر قيمة أمه اعتباراً بحال الجناية، لأنها كانت في حال كونه عبداً. انظر: الشرح الكبير 9/ 542.
(4) ما بين المعكوفتين زيادة منا ليستقيم الكلام
(5) انظر: المغني 9/ 350 وجعلها ابن قدامة عَلى وجهين.
(6) هو من يحمل العقل، والعقل الدية وتسمى عقلاً لأنها تعقل لسان ولي المقتول، وقيل: إنما سميت العاقلة لأنهم يمنعون القاتل. انظر: المغني 9/ 514، والفروع 6/ 41.
(7) نقلها عن الإمام أحَمَدَ أبو طالب والفضل بن عبد الصمد وهي اختيار أبي بكر، والقاضي، والشريف أبي جعفر انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 169/ب، والمغني 9/ 515، والكافي 4/ 123.
(8) نقلها عن الإمام أحَمَدَ حرب، وهي اختيار الخرقي. انظر: الروايتين والوجهين 169/ب، والمغني 9/ 515، والكافي 4/ 123.

(1/526)


عَجِزْت أَموالُهم قسم عَلى مَنْ بعدَهُم، فَإنِ استَووا في القُربِ وبعضُهم غَائِبٌ دخَلَ التحمُلُ، فَإنْ لَم يكُنْ لهُ عُصبَةٌ منَ النسَبِ حمل المولى المُعتِقُ ثُمَ عِصَباتهُ، فَإنْ عُدِمَتِ العُصَبةُ عَقلَ بَيتُ المَالِ في إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأخرَى: لا يَعقِلُ بيَتُ المالِ (1)، ويسقُطُ ولا يتعلَّقُ العَقلُ بمالِ القَاتِلِ بحَالٍ، ولا يعقِلُ صَبيٌّ ولا مَجنونٌ ولا المولى مِنْ اسفَلَ ولا أَهلِ الدِّيوانِ ولا مَولى المولاةِ ولا امرأةٌ وهل يلزَمُ الفَقيرَ المعتمل شَيءٌ مِنَ العَقلِ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ (2). وَلا يَعقِلُ مُسلِمٌ عَنْ كَافرٍ ولا كَافِرٌ عَنْ مُسلِمٍ ولا ذِميٌّ عَن حَربيٍّ، فَإنْ رمَى مُسلِمٌ سَهماً ثُمَ ارتدَّ ثُمَ أصَابَ سَهمُهُ فَقتَلَ فالدِيَةُ في مَالِهِ اعتِبارَاً بحَالِ الإصَابةِ. وأهلُ الذِمَّةِ يتعاقَلونَ، وَعنهُ: أَنهمْ لا يتعَاقَلونَ (3)، ومَا يَلزَمُ كُلَّ واحِدٍ مِنَ العَاقِلةِ لا يَتقدَّرُ بَل يَجتَهِدُ الحَاكِمُ فَيُلزِمُ كُلَّ إنسَانٍ عَلَى قَدرِ حَالهِ عَلى مَا يسهلُ ولا يؤذِي. وقَالَ أَبو بَكرٍ (4): يَتقدَّرُ عَلَى المؤسِرِ نِصفُ دِينَارٍ وعَلى المتوسِطِ رُبعُ دينَارٍ (5)، ولا تَحمِلُ العَاقِلةُ جِنَايَةَ عَمدٍ ولا جِنايَةً عَلَى عَبدٍ ولا صُلحَ ولا اعتِرافَ ولا مَا دُونَ الثُلثِ ويَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالهِ حَالاً، وتَحمِلُ جِنَاياتِ الخطَأَ فأمَّا عَمدُ الخطَأَ، فقَالَ أَبو بَكرٍ: لا تَحمِلُهُ. وَيكونُ في مَالِ الجَاني في ثَلاثِ سِنينَ وقَالَ الخِرقيُّ: تَحمِلُهُ العَاقِلةُ ومَا تَحمِلُهُ العَاقِلَةُ مِنَ الدِيَةِ مؤجلَةً في ثَلاثِ سِنينَ ومَا كَانَ دُونَ الدِيَةِ، فَإنْ كَانَ ثُلثُ الدِيَةِ كإرشِ الجَائِفةِ وَالمأمومَةِ ودِيَةِ الذميِّ في رِوايةٍ فإنهُ يَجبُ عِندَ انقضَاءِ سَنةٍ واحِدَةٍ، وإنْ كَانَ نِصفُ الدِيَةِ كَدِيَةِ المرأَةِ ودِيَةِ العَينِ وَاليَدِ وَجَبَ عِندَ انقضَاءِ الحَولِ الثُلثُ والباقِي في الحَولِ الثَّانِي، وإنْ كَانَ أكثرَ مِن دِيَةٍ كَمَا لَو ضَربَ رأسَهُ فزالَ سَمعُهُ وبَصرُهُ تجبُ ديتانِ في كلِّ حَولٍ أكثرُ /381و / مِن ثُلثِ الدِيةِ، وقَالَ شَيخُنَا في الخِلافِ دِيةِ الذِميِّ والمرأَةِ تُسقطُ (6) في ثَلاثِ سِنينَ (7)، ويخرجُ في الأطرَافِ كَذلِكَ يُعتبرُ ابتِداءُ حولِ العَقْلِ في النَّفسِ مِن حِينِ المَوتِ، وفي الجَرحِ مِنْ حِينِ الاندِمَالِ لا مِن حِين حُكمِ الحاكِمِ، وَخطأ الإمامُ عَلى عَاقِلته وعنهُ في المَالِ (8)، ومَن مَاتَ مِنَ العَاقِلَةِ قَبلَ حُلولِ الحَولِ سَقَطَ ما عَلَيهِ مِنَ العَقلِ، وَمَنْ مَاتَ بَعدَ حَولهِ لَم يسقطْ مَا لَزِمَهُ، وعَمدُ الصَّبيِّ المميزِ
__________
(1) انظر: المغني 9/ 524 - 525.
(2) انظر: المغني 9/ 523.
(3) انظر: المغني 9/ 507، والكافي 4/ 124، والمبدع 9/ 18، والإنصاف 10/ 122.
(4) انظر: المحرر 2/ 149، والإنصاف 10/ 129.
(5) وهي رواية عن الإمام أحَمَدَ. انظر: الإنصاف 10/ 129.
(6) في المخطوط: ((تسقط)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المحرر 2/ 150.
(7) انظر: المحرر 2/ 150.
(8) انظر: المغني 9/ 510.

(1/527)


في حُكمِ الخطَأ، فَتجِبُ الدِيَةُ عَلى عَاقِلَتهِ، وحُكِيَ عَنهُ: أَنهُ في حُكمِ العَمَدِ فَتجِبُ الدِيةُ في مَالهِ (1).

بَابُ القَسَامَةِ (2)
لا يُحكمُ في القَسَامةِ إلا في قَتلِ النَّفسِ ولا فَرقَ بينَ نَفسِ الحُرِّ وَالعَبدِ والذَّكَرِ والأُنثَى، وأنْ يكونَ بينَ المقتُولِ والمدَّعي عَلَيهِ لَوثٌ، واختلَفَ الرُوَاةُ في اللوثِ فَرويَ عَنهُ: أنَّ اللَوثَ هُو العَداوةُ الظَّاهِرةُ والعَصَبيةُ خَاصَّةً (3) كَنحوِ مَا بَينَ العيَّارِينَ وأصحَابِ المصَالحِ ببِغدادَ، وَبينَ ما بينَ القَبائلِ إذا طالَبوا بَعضٌ لِبعضٍ بالدَّمِ وما بَينَ أَهلِ البغيِ وأَهلِ العَدلِ وَهوَ اختِيارُ عَامَّةِ اصحَابِنا (4) ونقلَ عَنهُ المَيمونيُّ (5): أَذهَبُ [إلى] (6) القَسَامَةِ إذا كَانَ ثُمَ لَطخٌ، وإذا كَانَ سَبَبٌ بَيّنٌ، وإذا كَانَ ثَمَّ عَداوةٌ، وإذا كَانَ مِثلُ الذِي ادَّعى عَلَيهِ بفعلِ هَذا، ونَقلَ عَنهُ ابنُ منصورٍ في دَارٍ بَينَ مكاتَبٍ وَمُدَّبرٍ وأمَّ ولدٍ وُجدَ فِيهَا قَتلٌ يُقسِمونَ. وظَاهِرُ هَذا أنَّ اللَوثَ وُجودُ سَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيهِ الظنَّ (7) أنَّ الأمرَ عَلى مَا ذَكرَهُ المدَّعِي مِثلُ: أن يوجَدَ مَقتولٌ في صَحرَاءَ، [وعندَهُ] (8) رَجُلٍ سَيف مجرَّدٌ ملطَّخٌ بالدِمَاءِ ومثلهُ يقتلُ، أو يُرى رَجلٌ يُحرِّكُ يدَيهِ كالضَّارِبِ، ثُمَ يوجَدَ بِقربِهِ قَتيلٌ، أو تَجيءُ شَهاداتٌ مِن فُسَّاقٍ ونسَاءٍ وصبيانٍ أن فلاناً قَتلَ فُلاناً أو يشهدُ بهِ رجُلٌ عَدلٌ، أو يَدخُلُ قَومٌ داراً فَيتَفرقُوا عَنْ قَتيلٍ أو عَدَاوةٍ ظَاهِرةٍ ومَا أَشبهَ ذَلِكَ، فأمَّا دَعوى المقتولِ أنَّ فُلاناً قَتلَني فَلا يَكونُ لَوثاً وَكَذلِكَ إنْ شَهدَ اثنَانِ أنهُ قَتلَهُ أحدُ هَذينِ /382ظ / الرَّجلَينِ أو قَالَ أحدُ بَني المقتولِ: قَتلَهُ هَذا، وَقَالَ الآخرُ: مَا قَتلهُ هَذَا فَعلَى ذلِكَ لَيسَ بِلَوثٍ يوجِبُ القَسامَةَ، وإذا ثَبتَ اللَوثُ بُديءَ بأيمانِ المدَّعينَ فإذا ادَّعى الأولياءُ أنَّ القَتلَ كَانَ عَمداً مَحضَاً لَم يُقسِمُوا إلا عَلى وَاحِدٍ مُعَيَنٍ ويَستَحِقُّونَ قَتلُهُ، وإنِ ادَّعَوا أنهُ قُتلَ خَطأَ أو شِبهَ عَمدٍ فَلهُم أنْ يُقسِمُوا عَلى جَماعَةٍ معينينَ ويَستَحِقُّونَ الدِيةَ، ويحلِفُ في القسَامةِ خمَسِينَ
__________
(1) نقلها عَنهُ ابن منصور كما نقل ذَلِكَ أبو بكر انظر الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 168/ب، والمحرر 2/ 149.
(2) القسامة في اللغة مأخوذة من القسم، وهو اليمين. وفي الاصطلاح: هي الإيمان المكررة في دعوى القتل، وقال القاضي: هي الأيمان إذا كثرت عَلى وجه المبالغة. انظر: المغني 10/ 2، وشرح الزركشي 3/ 635، ولسان العرب 12/ 480 ((قسم)).
(3) والرواية الثانية عَنهُ: أن اللوث ما يغلب عَلى الظن صدق المدعي. انظر المغني 10/ 9.
(4) قال المرداوي في الإنصاف 10/ 139: ((وهو المذهب)).
(5) انظر: الإنصاف 10/ 141، والمبدع 9/ 34.
(6) زيادة منا ليستقيم النص.
(7) انظر: المغني 10/ 9.
(8) في المخطوط ((وعند)).

(1/528)


يَميناً، فَإنْ كَانَ الوارِثُ واحِدَاً حَلفَها، وإنْ كَانوا جَماعَةً قُسمَتْ عَلَيهِم عَلى مِقدَار موارِثِهم، فَإنْ كَانَ في القِسمَةِ كَسرٌ جُبرَ نحو أنْ يَكونَ المقتُولُ امرأَةً خَلَّفتْ زوجَاً وَابناً فيَحلِفُ الزَّوجُ رُبعَ الخَمسِينَ ويُجبرُ الكَسرُ فَيحلِفُ ثَلاثةَ عشَرَ يَميناً والابنُ ثَلاثةَ أرباعِها ثَمانِيةً وثَلاثَينَ يَمينَاً ولا مدخَلَ لِلنسَاءِ في أَيمَانِ القَسَامَةِ سَواءٌ كَانَ القتلُ عَمداً أو خَطأً وإنما يَحلِفُ الوارِثونَ مِنَ العصَبةِ، وعَنهُ (1): أنهُ يَحلِفُ الوَارِثُ، وغَيرُ الوارِثِ مِنَ العصَبَةِ. فَيَحلِفُ خمَسونَ مِنهُمْ خَمسينَ يَمينَاً، كُلُّ واحِدٍ يَمينٌ واحِدَةٌ، فَإنْ كَانَا اثنَينِ أَحدُهُمَا صَغيرٌ أو مَجنونٌ أو غَائبٌ، فَإنَّ للحَاضِرِ المكلفِ أنْ يحَلِفَ ويَستَحِقَّ نِصفَ الدِيةِ وَكَمْ يحَلِفُ قَالَ أبو بَكرٍ: يَحلِفُ خَمسِينَ يَمينَاً، وقَالَ [ابنُ] (2) حَامِدٍ يَحلفُ خَمسَةً وعَشرِينَ يَميناً (3)، وإذا قدِمَ الغَائبُ وبلغَ الصَّبيُّ حَلَفَ خَمسَةً [وعشرينَ] (4) يَمينَاً واستَحقَّ بقيَّةَ الدِيةِ، فَإنْ كَانَ القَتلُ عَمدَاً لم يحلفْ حَتى يَقدُمَ الغَائِبُ ويبلغَ الصَّبيُّ، وإذا نكَلَ أولياءُ المقتُولِ عَنِ اليمَينِ حلَفَ المدَّعَى عَليهِم خَمسينَ يَمينَاً ولم يغرموا شَيئاً، وعَنهُ: أَنهُ تَجبُ علَيهِمُ الدِيةُ مَعَ اليَمينِ، فَإنْ نكَلوا لم يحبسوا (5) وهَلْ تلزمُهمُ الدِيَةُ أو تكونُ في بيتِ المالِ؟ عَلى رِوايتَينِ (6). فَإنِ ادَّعى القَتلَ عَلى إنسَانٍ مِن غَيرِ لَوثٍ وجَحَدَ ولا بَينَةَ حُلفَ المدَّعَى عَلَيهِ يَمينَاً واحِدَةً وبُرِىءَ في العَمدِ والخَطأ، وعَنهُ: في العَمدِ أنهُ لا يَحلِفُ، وإذا ادَّعى عَلى اثنينِ قَتلَ خَطأ عَلى أَحدِهِمَا لَوثٌ حلَفَ عَلى صَاحِبِ اللَوثِ وأخذَ نِصف /383و / الدِيَةِ وحَلفَ لَهُ الآخرُ وبرِئَ. فَإنْ نَكلَ المنكِرُ عَنِ اليَمينِ فَهلْ يُقضَى عَلَيهِ بالنكُولِ أم لا؟ عَلى وَجهَينِ.

بَابُ القَتلِ الموُجِبِ للكَفَارَةِ
لا تجَبُ الكفَّارةُ بقتلٍ واجِبٍ كَقتلِ المرتدَّ [والزَّاني] (7) المحصَنِ، ولا بمبَاحٍ كَقَتلِ القِصَاصِ والصَّائلِ وتَجِبُ الكَفَّارةُ بقَتلِ الخَطأ، وهَلْ تَجبُ بقَتلِ العَمدِ عَلى رِوَايَتَينِ:
أَحدُهُمَا: تَجِبُ وهَيَ اختِيارُ الخِرقيِّ، [والأخرى] (8): لا تَجبُ، وَهيَ اختِيارُ أبي بَكرٍ
__________
(1) نقلها عَنهُ الميموني. انظر: المغني 10/ 26 - 27، والمبدع9/ 40.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) انظر: الكافي 4/ 134، والفروع 6/ 50، والمبدع 9/ 37، والإنصاف 10/ 144.
(4) في الأصل وعشرون.
(5) وعنه يحسبون حتى يقروا أو يحلفوا. المغني 10/ 22، والإنصاف 10/ 149.
(6) الأولى: تلزمهم. وهي اختيار أبي بكر. والثانية: لا تلزمهم. انظر: شرح الزركشي 3/ 644، والمبدع 9/ 41، والفروع 6/ 46، والإنصاف 10/ 149.
(7) في الأصل: ((والزان)).
(8) في الأصل: ((والحزي)).

(1/529)


وَشيخِنَا (1)، وتَجبُ الكفَّارَةُ بقَتلِ الذميِّ والمستأمِنِ كَمَا تَجبُ بقَتلِ المسلِمِ، وتَجبُ بالقَتلِ بِالسَّببِ كحَفرِ البئرِ ونَصبِ السِّكينِ، وإذا جَنى عَلى بَطنِ امرأةٍ فَألقَتْ جَنينَاً مَيتاً ومَاتَتْ فعلَيهِ كفارتَانِ، وإذا اشتَرَكَ جمَاعَةٌ في قَتلِ إنسَانٍ لَزِمَ كُلَ واحِدٍ مِنهُم كفَّارةٌ، وَعنهُ (2): أنهُ تَجبُ كَفارةٌ واحِدَةٌ عَلَى الجَميعِ، وإذا أتلفَ الصَّبيُّ والمجنونُ نفسَاً وجبتِ الكفَّارةُ في مالِهمَا، ويكفرُ العَبدُ إذا قَتلَ بالصِّيامِ.

بَابُ حَدِّ الزِنَا
إذا زَنَا المُكَلَّفُ وجَبَ عَلَيهِ الحَدُّ، فَإنْ كَانَ محصَناً فَحدُّهُ الرَّجمُ حَتى يَموتَ، وهَلْ يُجلَدُ قَبلَ الرَّجمِ، عَلى روَايَتَينِ: أَحدُهُمَا: يُجلدُ مئةً ثُمَ يرجَمُ (3)، والثَانِيةُ: لا يُجلَدُ (4). والمحصَنُ مَنْ كَانَ بَالِغاً عَاقِلاً حُرَاً جَامَعَ في نِكاحٍ صَحِيحٍ وهوَ عَلى مِثلِ حَالهِ، فَإنْ اختَلَّ شَرطٌ من ذَلِكَ في أحدَيهمَا فَلا إحصَانَ لَهما، ورُويَ عَنهُ في الذِّمِيَّةِ هَل تُحصِنُ المسلِمَ؟ رِوايَتانِ: أصحُّهمَا أنها تُحصِنُهُ (5)، فَإنْ وطيءَ في نِكاحٍ فَاسِدٍ أو شُبهَةِ نكَاحٍ أو في مُلكِ يَمينٍ أو في الموضِعِ المكروهِ أو وطيءَ وهوَ مَجنونٌ ثُمَ عَقلَ أو عَبدٌ ثُمَ عُتِقَ لم يصِرْ محصَناً. وإن [كَملتِ] (6) الشَّرائطُ في أحدِهمَا ولم تَكملْ في الآخَر مِثلَ: أنْ يتزَوجَ حُرٌّ مُكلَفٌ بِمجنونَةٍ أو أمَةٍ لم يصِرْ بذَلِكَ محصَناً. فَإنْ زَنَا مُحصَنٌ بِغَيرِ مَحصنَةٍ رجمَ المحصَنُ وجُلِدَ الآخرُ وغرِّبَ، والصَّبيُّ لَيسَ بمحصَنٍ ولا يُحصِنُ غَيرهُ، وإذا قَامَتِ البَينةُ بِالزِّنا عَلى رَجُلٍ ولهُ زَوجَةٌ لَهُ مِنها ولدٌ فَقَالَ: مَا وطِئتُ زَوجَتي لم يُرجَمْ، وإنْ كَانَ الزَّاني غَيرَ مُحصَنٍ وَهوَ حُرٌّ فحدُّهُ مِئةُ جَلدَةٍ وتَغرِيبُ عَامٍ إلَى /384ظ /بَلَدٍ تُقْصَرُ فِي مَسَافَتِهِ الصَّلاةُ، وعَنْهُ فِي المرأَةِ أَنَّها تَبَعَاً إلى مَالا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلاةُ، وَيخرجُ مَعَ المرأة مَحْرَمَهَا، فإنْ أَبَا بَذَلَ لَهُ الأجرَةَ مِنْ مَالِهَا، فَإن لَمْ يَفْعَلْ استؤجِرَ امرأةً ثقةً، فَإنْ تَعَدَّتِ الأجرةُ بَذَلَتْ مِنْ بَيْتِ المالِ، فإنْ أَعْوَزَ بَقيَتْ بغيرِ مَحْرمٍ، وإن كَانَ الزَّاني رَقيقَاً فحدُّهُ خَمْسونَ جَلدةً، ولا تَغريبَ عليهِ، وأُمُّ الولَدِ كالأَمَةِ، فإنْ كَانَ نصفُهُ
__________
(1) انظر: المغني 10/ 40، والإنصاف 10/ 136.
(2) قال ابن قدامة في المغني 10/ 39: ((وحكى أبو الخطاب عن أحمَدَ رواية أخرى)) فذكرها.
(3) نقلها عن الإمام أحمَدَ ابن هانيء. انظر: مسائله 2/ 90، والمغني 10/ 124، والكافي 4/ 207.
(4) واختارها أبو إسحاق الجوز جاني، والأثرم. انظر: المغني 10/ 125، والكافي 4/ 207.
(5) نقل أبو بكر الخلال في أحكام الملل: 276 - 278، عن عبد الله أحمَدَ وأبي طالب وصالح والميموني ومنه واحمد بن القاسم وحرب والأثرم ويعقوب بن بختان بأن الذمية تحصن المسلم، وقال في ص281 ((قد روى هذه المسألة عن أبي عبد الله قريب من عشرين نفساً)).
(6) في الأصل: ((كلمت)).

(1/530)


حُرَّاً فَحَدُّهُ نصفُ حدِّ حُرٍّ، ونِصفُ حَدِّ عَبْدٍ، خَمسةً وسَبعينَ جلدةً، وهَلْ يُغَرَّبُ يُحتَمَلُ أن يُغَرَّبَ نِصفَ عَامٍ، ويُحتَمل أن لايُغَرَّبَ، وَحَدُّ الِلواطِ كَحَدِّ الزِّنا، وعَنْهُ أنَّ حَدَّه الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ (1)، وإذا أَتَى بَهيمَةً فَعَلَيْهِ حَدُّ اللوطيِّ اختَارهُ شيخُنَا، وَعَنْهُ لا حَدَّ عَلِيهِ ويُغَرَّبُ (2)، وَهِيَ اختيارُ الخِرَقيِّ (3)، وأبي بَكرٍ، وَتُذبَحُ البَهيمَةُ، وهل يَحْرمُ أَكلُهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤكَلُ؟ قَالَ أحمد: أكرهُ أَكلَ لَحمِهَا، فَيحتَملُ كَراهيةَ تحريمٍ، وَكَرَاهية تنزيهٍ، وَيغرمُ القيمةَ لِمَالِكِهَا، وإذا وطيءَ امرَأةً فِي نِكاحٍ مُجمَعٍ عَلَى بُطلانِهِ وَهُوَ يَعتَقِدُ تحريمَهُ، كَنِكَاحِ ذواتِ المَحَارِمِ (4)، وَنِكاحِ المعتدَّةِ، وإذا استَأجَرَ امرَأةً للزِّنا فَعَلَيهِ حَدُّ الزَّاني، وعَنْهُ وطءُ ذَواتِ المَحَارِمِ أَنَّهُ يَجِبُ رَجْمُهُ بكلِّ حَالٍ، وإذا وَطِئَ أُختَهُ، أو أمَّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَهيَ مَالِك يمينهِ فإنَّهُ يُجلَدُ، وَعَنْهُ [لا يجُلَدُ] (5)، وعَنْهُ أنه يُعزَّرُ، وإذا أَباحَتْ لَهُ زَوجَتُهُ أَمَتَهَا فَوَطِئهَا عزِّر بمائةِ جَلدَةٍ، ولَمْ يُرْجَمْ، فإن عَلِقَتْ مِنْهُ فهل يُلحقُ بِهِ النَّسبُ أم لا، عَلَى روايتَينِ، فإنْ وَطيءَ أَمَتَهُ فهلْ يجلَدُ أو يُعزَّر على وجهَينِ ذَكرهُما أبو بَكْرٍ، وإذا وَطيءَ الأَبُ جَاريَةَ ابنهِ عُزِّرَ، ولم يُحَدَّ، ويُحتَملُ أن لا يُعَزَّرَ وإنْ وَطيءَ الابنُ جاريةَ أَبيهِ، أَو أُمِّهِ فَعَليهِ الحَدُّ، ولا يُلحَقُ بِهِ نَسَبُ الوَلَدِ، وإذا وَطِيءَ جَاريَةً مُشتَرَكَةً بَينَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ عُزِّر، فإنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فَعَلَيهِ قيمةُ حَقِّ شَريكِهِ، وَيَلحَقُ بِهِ نَسَبُ الوَلَدِ، وَتَصيرُ أُمُّ وَلَدِهِ، وإذا وَطِيءَ دونَ الفَرجِ عُزِّر، وإذا أتَتِ المرأةُ المرأةَ عُزِّرَتا، وَمَنِ استَمنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حاجَةٍ عُزِّر، وإن فَعَلَ ذَلِكَ لخوفِ الزِّنَا على نَفْسِهِ، فلا شَيءَ عَلِيهِ وَمَنْ وَطيءَ فِي /385 و/ نِكَاحٍ مُختَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كالنِّكاحِ بلا وَليٍّ ولا شُهودٍ، ونِكاحُ المِتْعَةِ لَمْ يُحَدَّ (6)، ومَنْ وَجَدَ امرأةً عَلَى فِراشِهِ وَظَنَّهَا زَوجَتَهُ فَوَطِئَهَا، أو كَانَ ضَريراً واستَدعَى
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 175/ب، ومجموع الفتاوى 21/ 141 و28/ 185، وكشاف القناع 6/ 94.
(2) اختلف الرواية عَن أحمد فِي الَّذِي يأتي البهمية ففي إحدى الروايتين يدرأ عنه الحد ويعزر، وهذا منصوص أحمد فِي رِوَايَة ابْن منصور، ونقل عَنْهُ حَنْبل حده كحد الزاني.
انظر: الروايتين والوجهين 175 /ب، وشرح الزركشي 4/ 40.
(3) نَصَّ الخرقي عَلَى التأديب لا التخريب. انظر: شرح الزركشي 4/ 40.
(4) انظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله 3/ 1084 - 1085، والروايتين والوجهين 175/ب و176/أ، ومجموع الفتاوى 34/ 113.
(5) في المخطوط (يجلد).
(6) وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأن الإختلاف فِي إباحة الوطء فِيهِ شبهة الحدود بالشبهات، قَالَ ابْن المنذر: ((أجمع كل من نحفظ عَنْهُ من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهة)).
انظر: الإجماع: 113، والمغنى 10/ 155، والمحرر فِي الفقه 2/ 153.

(1/531)


زَوجَتَهُ فأجَابتهُ غَيرُهَا فَوَطِئَها فلا حَدَّ عَلَيهِ، وَمَنْ زَنَا وادّعى أنَّه لَمْ يَعلَمْ تَحريمَ الزِّنا، فإنْ كَانَ قَريبَ عَهدٍ بالإسلامِ، أو نَشَأَ فِي بَادِيَة بَعيدَةٍ لَمْ يُحَدَّ، وَمَنْ وَطِيءَ زَوْجَتَهُ فِي الموضِعِ المكروهِ، أَو وطِئَها وَهيَ حائِضٌ، عُزِّر إنْ عَلِمَ بالتَّحريمِ، وإذا أُكرِهَتِ المرأةُ عَلَى الزِّنا فلا حَدَّ عَلَيْهَا، وإن أُكرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَا، فَعَلَيهِ الحَدُّ (1)، وإذا ظَهَرَ الحَمْلُ بامرَأَةٍ وَلا زَوجَ لَهَا ولا مَوْلَى، ولم تُقِرَّ بالزِّنَا، أَو تَقُومَ عَلَيْهَا بَيْنَةٌ فَلا حَدَّ عَلَيْهَا، وإذا زَنَا بِحُرةٍ ثُمَّ تَزَوجَها، أَو بِأَمَةٍ ثُمَّ اشتَراهَا، لَمْ يَسقُطِ الحدُّ عَنْهُ، وإذا مَكَّنَتِ العاقِلةُ مِنْ نَفْسِها مُراهِقاً، أو مجنوناً لَزِمَهَا الحَدُّ، ولم [يَلْزَمهُ] (2)، وإذا زَنا بأَمَةٍ لهُ عَلَيْهَا القصاصُ، لَزِمَهُ الحَدُّ، وَلا يُقيمُ الحدودَ أَحَدٌ إلا الإمامُ، أَو نائِبُهُ، فَأَمَّا الرَّقيقُ فَيَجُوزُ للمولي أَنْ يُقيمَ حَدَّ الزِّنا عَلَيهِم إلا أَنْ تَكونَ أمةً مزوجةً؛ فيكونُ إقامةُ الحدِّ عَلَيْهَا إلى الإمامِ، فإن كَانَ جُزءاً مِنَ الرّقيقِ حراً، فَالحدُّ إلى الإمامِ، فأمَّا قَتلُهُ فِي الردةِ، وَقَطْعهُ (3) فِي السَّرِقةِ فهل يَملِكُ أن يُقيمَهُ أم لا؟ عَلَى روايتين (4)، ولا فَرقَ بَيْنَ أن يَثبُتَ الزِّنَا بالإِقرَارِ، أو بِالبَينَةِ، أو بِمُشَاهَدَةِ السَّيدِ لَهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أبي طَالبٍ: يُقيمُ الحَدَّ إذا تَبينَ لَهُ الزِّنَا حَمَلتْ، أو رَآها تَزني جَلَدَها، وَقَالَ شَيخُنا: لا يُقيمُ الَحدَّ بِعِلمِهِ كالإمَامِ إذا شَاهَدَ الحُرَّ، فإنْ كَانَ السَّيدُ فَاسِقَاً، أو امرَأةً فلَه إقَامَةُ الحدِّ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أحمَدَ
-رحِمهُ اللهُ-، وَقَالَ شَيخُنَا: يُحْتَملُ أنْ لا يَملِكَ ذَلِكَ؛ فَإنْ [كَانَ] (5) السَّيدُ مُكَاتِبَاً احتَمَلَ وَجهَينِ: أَصَحُّهُمَا أنَّه لا يَمْلِكُ إقامَةَ الحَدِّ، وإذا وَجَبَ الرَّجْمُ لَمْ يُؤخَّر لأجلِ المرَضِ، والحرِّ، والبَردِ، فإن كَانَ الحدُّ جَلدَاً، أو خُشيَ عَليهِ التَّلَفُ أقيمَ الحَدُّ مُتَفَرِّقاً بِسَوطٍ يؤمنُ مَعَهُ تلفُهُ، وإنْ خُشيَ عَلَيهِ مِنَ السَّوطِ لِمَرضٍ /386 ظ/ أَو كَونِهِ نضوِ الخَلقِ أقيمَ بأَطرافِ الثِّيابِ، وعثكولِ النَّخلِ، ولا تحدُّ المرأةُ فِي حَالِ الحَبَل حَتَّى تَضَعَ، فَإذَا وَضَعَتْ، وَكَانَ حَدُّها الجَلدُ جُلِدَتْ، وإن كَانَ حَدُّهَا الرَّجمُ لَمْ تُرجَمْ حَتَّى تسقيَ الولدَ اللبأَ، ثُمَّ وجِدَ مَنْ يُرضِعُهُ غَيْرُهَا، رُجِمَتْ وإلا أُخِّرتْ حَتَّى تُرضِعَهُ حَوْليَن، وَيُقامُ الحَدُّ بسَوطٍ لا جَديدٍ ولا خَلقٍ، ولا يُمَدُّ المحدودُ، ولا تُشَدُّ يَدُهُ، ولا يُجَرَّد بل يَكُونُ عَلِيهِ القَمِيصُ، والقَميصَانِ، ولا يُبالغُ فِي ضَربِهِ بحيثُ يُشَّقُ الجِلْدُ، ويُضْرَبُ الرَّجُلُ قائمَاً، ويُفَرقُ الضَّربُ عَلَى أعضائِهِ إلا الرأسَ، والوَجهَ، والفَرجَ، ومَوضِعَ المَقْتَلِ عَلَى ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِيِّ، وروى عَنْهُ حَنْبل
__________
(1) انظر:: المغني 10/ 159، والمحرر في الفقه 2/ 154، وكشاف القناع 6/ 97 - 98.
(2) فِي الأصل ((يلزمها)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(3) فِي الأصل ((قطعه)) بدون واو، وإنما أضفناه ليستقيم الكلام.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 178/أ.
(5) زيادة يقتضيها السياق.

(1/532)


أنَّهُ يُضربُ قاعداً، فعلى هَذَا يُضْرب ظهرُه (1) وما قَاربَهُ، ولا تُضرَبُ المَرأَةُ إلا جَالِسَةً فِي شَيءٍ يستر عَلَيْهَا، وَتَمْسكُ امرأةٌ ثيابَها، وإذا كَانَ [الحدُ] (2) رَجْماً؛ فلا يُحْفَرُ للرَّجُلِ، وهل يُحْفَرُ لِلمرأَةِ؟ قَالَ شَيخُنا فِي المجردِ: إنْ ثَبَتَ الحدُّ بالإقرارِ لَمْ يُحْفَرْ لها وإن ثبتَ بالبيِّنَةِ حُفِرَ لها إلى الصَّدرِ (3)، وَقَالَ فِي الخلافِ: لا يُحْفَر لَهاُ (4)، والأول أصحُّ عِندي، وَالجَلدُ فِي الزِّنَا أشدُّ مِنهُ فِي القَذفِ، وفي القذفِ أشَدُّ مِنْهُ في الشُّربِ، وفي الشُّربِ أشدُّ مِنْهُ فِي التَّعزِيرِ.

بَابُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنا واللوِاط
لا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلا بالإقرَارِ، أَربَعَ مَرَّاتٍ، إمّا فِي مَجْلِسٍ أو فِي مَجَالِسَ (5)، أو بشَهادَةِ أربعةِ رِجالٍ (6) عُدولٍ يَشهدونَ فِي مَجلِسٍ وَاحِدٍ، وإنْ تَفَرَّقَ مجيئُهمِ إلَيهِ، فإنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَا بامرَأَةٍ بَعيْنِهَا فَجَحَدَتْ، لِزمَهُ الحَدُّ دُونَهَا، وإنْ شَهِدَ عَلِيهِ أربعَةٌ بالزِّنا فَصَدَّقَهُم لَمْ يَسقُطْ عَنْهُ، وإذا شَهِدَ ثلاثةٌ وامتنعَ الرابع، أو شَهِدَ الرَّابعُ، وَهُوَ زَوجُ المشهُودِ، حُدَّ الثلاثةُ حَدَّ القذفِ ولا يُحَدُّ الزوجُ، فإن شَهِدَ أربعةٌ فرجعَ أَحَدُهُم قَبْلَ إقامةِ الحدِ حُدَّ الثلاثةُ وهل يُحَدُّ الرابعُ أم لا؟ عَلَى رِوايتين (7)، وإنْ رَجع بعدَ إقامةِ الحدِّ، فلا شيءَ عَلَى الثلاثةِ، وعلى الرابعِ رُبْعُ الدِّيَّة، فإن شَهِدَ أربعةٌ فَبَانَ أَنَّهم فُسَّاقٌ، أَو عِميانٌ، أو بَعْضُهُم فَعَليهِمُ الحَدُّ فِي إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، والأخرى لا حَدَّ عليهِم /387 و/.
وإنْ شَهِدَ أربعةٌ عَلَى مَجبوُبٍ أنّهُ زنَا، فَهُم قاذِفُون، وإنْ شَهِدَ اثنَانِ أنها زَنَا بِهَا مُكرَهَةً، لَمْ يُحَدَّ المشهُودُ عَلَيْهَا، وهل يُحَدُّ الشُّهودُ جَميعُهُم؟ عَلَى وجهينِ أحدُهمَا
__________
(1) فِي الأصل: ((طرهُ)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(2) في المخطوط ((الجلد)).
(3) وذلك؛ لأن الحد إذا ثبت بالبينة، فلا يسقط بفعل من جهتها بخلاف الثابت بالإقرار، فإنها تترك عَلَى حال لَوْ أرادت الهرب تمكنت مِنْهُ؛ لأنَّ رجوعها عَن إقرارها مقبول. انظر: المغني 10/ 123.
(4) هُوَ ظاهر كلام أحمد، وهذا مَا جاءت بِهِ أكثر الأَحَادِيث فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يحفر للجهنية، ولا لماعز، ولا لليهوديين والحديث الَّذِي احتج بِهِ من قَالَ بالحفر، غَيْر معمول بِهِ، وإذا ثبت هَذَا، فإن ثياب المرأة تشد عَلَيْهَا، كيلا تنكشف لما رَوَى أبو داود 4/ 152 (4440) بإسناده عن عمران بن حصين، قَالَ: ((فأمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فشدت عَلَيْهَا ثيابها)) ولأن ذَلِكَ أستر لها. انظر: المغني 10/ 123.
(5) اشترط الخرقي أن يشهدوا كلهم فِي مجلس واحد، وَقَالَ: ((إن جَاءَ أربعة متفرقين والحاكم جالس فِي مجلس حكمه لَمْ يقم، قبلت شهادتهم، وإن جَاءَ بعضهم بعد أن قام إلى الحَاكِم كانوا قذفة وعليهم الحد)). انظر: شرح الزركشي 4/ 47 - 48، وانظر المغني 10/ 178.
(6) انظر: المغني 10/ 175.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 176/ب.

(1/533)


يُحدُّونَ، والثاني: يُحَدُّ الشَّاهدانِ اللذانِ شَهِدا أنها طاوَعَتْهُ، وَهُوَ اختيارُ أبي بكرٍ، ويُقَوي أنَّه يُحَدُّ الرَّجُلُ المشْهودُ عَلِيهِ، ولا حَدَّ عَلَى المرأَةِ والشُّهودِ، فإن شَهِدَ اثنانِ أنّه زَنَا بِهَا فِي هَذَا البَيْتِ، وَآخرَانِ أنَّه زَنَا بِهَا فِي بَيتٍ آخرَ، أو شَهِدَ اثنانِ أنَّهُ زنا بِهَا فِي بَغدادَ وآخرانِ أنَّه زَنا بِهَا فِي عكبرى؛ فالشُّهودُ فِيهِ فِي إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اختارَهَا الخِرَقيُّ، وفي الأخرى يَلزَمُ الشُّهودَ عَلَيْهِما الحدُّ، وَهيَ اختيارُ أبي بَكرٍ ظَاهِرُ هَذِهِ الروايَةِ أنَّه لا تُعْتبَرُ شهادَةُ الأربَعةِ عَلَى فِعلِ واحِدٍ، وإنّما يُعتبرُ عَدَدُ الشهود فِي كَونِها زانيةً وَفيهَا تُحَدُّ، فإنْ شَهِدَ اثنانِ أنها زنا بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحمرَ، واثنانِ أنَّه زَنَا بِهَا فِي قَميصٍ أَبيضَ، أو شَهِدَ اثنان أنّه زَنَا بِهَا فِي زاويةِ بيتٍ، واثنان أنّه زَنَا بها فِي زاويةٍ مِنْهُ أُخرى؛ فَقَالَ أبو بَكرٍ، وشيخُنا: يَجِبُ الحدُّ عَلَى المشهودِ علَيهِمِا، وَيتخرجُ أنهَّ لا حدَّ عليهِمِا فيمَا ذَكَرنَا فِي مَسأَلَةِ اختِلافِهمِ فِي الإكرَاهِ، والمطاوَعَةِ، فإنْ قَامَتِ البيَّنةُ عَلَيْهِمَا بالزِّنَا؛ فَشَهِدَ نِساءٌ ثقاتٌ أَنّها عَذْراءُ، فلا حَدَّ عَلَيْهَا وعلى الشُّهود نَصَّ عَلِيهِ، وإذا شَهِدَ عَلِيهِ بالزِّنا ثمانيةٌ، فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ أربعةٌ مِنْهُم وقالوا: أخطأنا، لَزِمَهُم نِصفُ دِيَّة المرجومِ، وإن رَجَعَ الجَميعُ، لَزِمَ كلَّ واحِدٍ مِنْهُم ثُمنُ الدِّيَّة، فإنْ شَهِدَ أربعَةٌ بالزِّنَا، واثنَانِ بالإحصَانِ، فَرُجِم، ثُمَّ رَجَعَ الجميعُ وَقالُوا: أخطأنَا لَزِمَهُ الدِّيَّة بينَهُم أسدَاسَاً فِي أحَدِ الوَجهَينِ، وفي الأخر عَلَى شَاهِدَي الإحصَانِ النِّصف، وعلى شهودِ الزِّنا النِّصفُ، اختارَهَا أبو بَكرٍ فإنْ شَهِدَ أربَعةٌ بالزِّنا، وشَهِدَ منهم اثنانِ بالإحصَانِ، صَحَّت الشهادة، فإن رُجِمَ ثُمَّ رجَعوا فَعَلى مَنْ شَهِدَ بالإحصَانِ ثَلاَثَةُ أربَاعِ الدِّيَّة فِي أحَدِ الوجهَينِ، وفي الآخَرِ: ثُلُث الدِّيَّة، فإن شَهِدَ أربعةٌ بالزنا وزَكّاهم اثنان فَرُجِمَ المشهودُ عَلَيهِ، ثُمَّ بان أنَّ الشُّهودَ كَانوا فُسّاقاً، فلا شَيءَ عَلَى الشُّهودِ بالزِّنا /388 ظ/ وَيلْزمُ شاهِدَ التزكيةِ الدِّيَّة، وإنْ شَهِدَ أربعةٌ عَلَى رجلٍ أنه زَنَا بامرأَةٍ فجَاءَ شُهودٌ أربعةٌ فشَهِدوا على الشهودِ أنّهم هُمُ الزُّناةُ بِهَا، لَمْ يُحَدَّ المشهودُ عَلِيهِ، وهل يُحَدُّ الشُّهودُ الأولونَ؟ عَلَى روايتينِ، ولا يثبُتُ الإقرارُ بالزِّنا إلا بأربَعةِ شُهودٍ، وَعنْهُ: أنّه يَثبُتُ بِرَجُلَينِ، وَتُقْبَلُ الشَّهادَةُ عَلَى الزِّنا والسَّرِقَةِ، وشُربِ الخَمْرِ مَعَ تَقادُمِ الزَّمانِ، ويَحتَمِلُ أنْ لا يُقبَل للتُّهمَةِ، وإذا ثَبتَ الحَدُّ بالإقرارِ، فالمُستَحَبُّ أنَّ يَبْدَأَ الإمامُ بالرَّجمِ، وإذا رَجَعَ المقرُّ فِي إقرَارهِ سَقَطَ عَنْهُ الحدُّ، وإذا ثَبَتَ بالبيِّنةِ، فالمُستَحَبُّ أَنْ يبدأَ الشُّهودُ بِالرَّجمِ، ولا يسقُطُ الحدُّ بِتَوبَةٍ، ولا تُقامُ الحُدودُ فِي المسَاجِدِ.

(1/534)


بَابُ التَّعزِيرِ (1)
التَّعزِيرُ فيمَا شُرِّعَ لَهُ التَّعزيرُ وَاجِبٌ، والذي شُرِّعَ لَهُ التَّعزيرُ هُوَ فِعلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ لا حَدَّ فيها، ولا كفّارةَ، وَيَختَلِفُ مقدارُهُ باختلافِ أسبَابِهِ، فما كَانَ سَبَبُهُ الوطءَ غُلِّظَ، ولم يُبالِغْ بِهِ عَلَى الحُدودِ، مثلُ وطءِ الجاريةِ المشرِكَةِ يُضْرَبُ مِئَةً إلا سَوطانِ، ووطءِ جاريةِ امرأَتهِ إذا أباحَتْهَا لَهُ، ووطءِ المرأةِ دونَ الفَرجِ، ويَسقطُ النَّقيُ. نَصَّ عَلَيهِ، وكذلكَ إذا زَوَّجَ أمتَهُ، ثُمَّ وَطئَهَا، أو مَلَكَ أختَهُ مِنَ الرضَاعِ فَوَطِئَهَا، يُضَربُ مِئَةً نَصَّ عَلَيهِ.
وكذلكَ يخرجُ إذا أتى بهيمةً؛ فقلنا: أنَّه لايُحَدُّ، وقد نقلَ عَبْدُ اللهِ، وأبو طالبٍ، وابنُ منصورٍ، وأبو الحارثِ فيمن وَجَدَ مَعَ امرأةٍ رَجُلاً. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: لا يُجلدُ مئةً إلا فِي حَدٍّ، وعليه تعزيرٌ، وكلُّ من لَمْ يكن عَلِيهِ حدٌّ قائمٌ بعينِهِ؛ فعليهِ تعزيرٌ، والتعزيرُ عشرُ جلداتٍ لحديثِ أبي بردة بن نيارٍ (2)، وهذا يدلُّ عَلَى أنّه لا يزادُ فِي التعزيرِ عَلَى عشرِ جلداتٍ، والأولُ أشهرُ فِي المذهبِ، فأمّا مَا لَمْ يكنُ وَطئاً، كقُبْلةِ الأجنبيةِ، والخلوةِ معها، وشتمِ النَّاسِ، والجنايةِ عليهم بما لا يوجبُ القصاصَ والقذفِ بغير الزِّنا، واللواطِ، وشهادةِ الزورِ، وإذا سَرقَ نصاباً من غير حِرزٍ، وأقلَّ من نصابٍ من حرزٍ، وما أشبهَ ذَلِكَ؛ فإنّه لا يبلُغُ بِهِ أدنَى الحدودِ، وعنه أنّه يُجْلدُ عشرةً، وعنه: أنه يجلدُ تسعةً، وإنْ زادَ الإمامُ فِي الجلدِ سَوطاً، أو حَكَمَ بشهادةِ شهودٍ فبانوا أنَّهم /389 و/ لَيسُوا من أهلِ الشَّهادةِ، أو أحَدَّ امرأةً، ولم يَعْلَمْ بحملِها، فألقَتْ جَنينَاً، وما أشبه ذَلِكَ مِنْ خَطأ الإمامِ فهل يكونُ ذَلِكَ عَلَى عاقِلَتِهِ، أم فِي بيت المالِ؟ عَلَى روايتينِ.

بَابُ الحدِّ فِي السَّرِقَةِ
إذا سَرَقَ المكلَّفُ نِصاباً من المالِ لا شبهةَ لَهُ فِيهِ من حرزٍ (3) مثلهِ (4)، وَجَبَ عَلِيهِ
__________
(1) التعزير: - لغة مأخوذ من الفعل الثلاثي عَزَرَ، وعزرَّه: منعه ورده وأدبه. وشرعاً: هُوَ عقوبة غير مقدرة شرعاً، تجب حقاً لله، أو لآدمي فِي كل معصية لَيْسَ فيها حد ولا كفارة غالبا.
انظر المعجم الوسيط 598 مادة (عزر)، الموسوعة الفقهية 12/ 254.
(2) ونص الحديث: ((لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله)).
أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 107، وأحمد 3/ 466 و4/ 75، وعبد بن حميد (366)، والدارمي (2319)، والبخاري 8/ 215، وأبو داود (4491)، وابن ماجه (2601)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 164، وفي شرح مشكل الآثار (2443)، وابن حبان (4452) و (4453)، والطبراني في الكبير 22/ (514) و (515) و (516)، والحاكم 4/ 381 - 382، والبغوي (2609).
(3) فِي الأصل: ((حر)).
(4) انظر: الروايتين والوجهين 178/ب و 179/أ، والهادي: 234.

(1/535)


القطعُ، وسواءٌ كَانَ السارقُ مسلماً، أو ذمياً، أو مرتدَّاً (1)، والنصابُ: ثلاثةُ دراهمَ فضةً، أو رُبعُ دينارٍ ذهباً، أو قيمةُ أحدِهِمَا من العروضِ فِي إحدى الروايتيِنِ (2)، وفي الثانيةِ لا تُقوَّمُ العروضُ إلا بالدرَاهمِ، وفي الثالثةِ الاصلُ الدراهمِ فَقَطْ، ويُقَوَّمُ الذهبُ والعروضُ بها، ولا فرقَ بَيْن مضروبِ ذَلِكَ وتَبرِهِ، ولا فرقَ فِي العروضِ بَيْنَ مَا يُسرعُ إليهِ الفسادُ من الفاكهةِ، والبطيخِ، وبين غيرهِ، ولا فرقَ بَيْن الصُّيودِ المملوكةِ والطيرِ، وبين غيرهاِ، ولا بَيْن الحَطَبِ، والخَشَبِ غير الثمينِ وبين الثمينِ من الأينوسِ، والساجِ، والصندلِ فِي وجوبِ [القطعِ] (3).
فإن سَرَقَ ما يساوي نصاباً، ثُمَّ نقصتْ قيمَتُه، أو مَلكُهُ ببيعٍ، أو هبةٍ لَمْ يسقطِ القطعُ، وإذا اشتركَ جماعةٌ فِي سرقةِ نصابٍ. قُطِعوا سواءٌ أخرجُوه معاً أو أخرجَ كلُّ واحدٍ منهم جزءً مِنْهُ (4)، فإن اشتَركَ اثنانِ فِي هَتْكِ حِرْزٍ، وَدَخَلا، فأخرَجَ أحدُهُما نِصَابَاً، ولَمْ يُخْرِج الآخرُ شيئاً، لَزِمَهُما القطعُ، فإن دَخَلَ أحدُهُما، ورمى المسروقَ إلى خارجِ الحِرزِ، فأخَذَهُ الآخرُ، أو خَرَجَ فأخَذَهُ، فالقطعُ عَلَى الداخلِ خاصةً، فإن قَرَّبَهُ من بَابِ النَقَبِ، فأدخلَ الخارجُ يدهُ، فأخذَهُ، فالقطعُ عَلَيْهِمَا، فإن نَقَبَ أحدُهُما، وَدَخَل الآخرُ، فأخرجَ المتاعَ، فلا قَطْعَ عَلَى واحِدٍ منهُما، ويحُتملُ أن يُقطَعا، إلا أن ينقبَ أحدُهما، ويمضيَ، فيجيءَ آخرٌ من غَيرِ علمٍ، فيرى هَتْكَ الحِرزِ، فيدخلَ ويأخذَ، فلا يُقطعانِ وجهاً واحداً، وإذا نَقَّبَ الحرزَ فَقَالَ لِصغيرٍ ادخلْ فأخرِج المالَ، فأخرَجَهُ، أو دَخَلَ وتركَ المالَ عَلَى بهيمةٍ فخرجتْ بِهِ، فَعَلَيهِ القَطعُ، والسارقُ من غيرِ حِرزٍ لا يُقْطَع، والأحرازُ تَخْتَلفُ باختلافِ الأموالِ والبلدانِ /390 ظ/ وعدلِ السلطانِ، وجورهِ،
__________
(1) يقطع الْمُسْلِم بسرقة مال الْمُسْلِم والذمي ويقطع الذمي بسرقة مالهما، وكذلك المرتد إذا سرق لان أَحْكَام الاسلام جارية عَلِيهِ، انظر المغني 10/ 276.
(2) اختلفت الرواية عَن أحمد فِي قدر النصاب الَّذِي يجب القطع بسرقته فروى عَنْهُ أبو اسحاق الجوزجاني أَنَّهُ ربع دينار من الذهب، أو ثَلاَثَة دراهم من الورق أو ماقيمته ثَلاَثَة دراهم من غيرهما. وعنه أن الأصل الورق ويقوم الذهب بِهِ، فإن نقص ربع دينار عَن ثَلاَثَة دراهم لَمْ يقطع سارقه. انظر مسائل الامام أحمد (رِوَايَة أبنه عَبْد الله) 3/ 1286 (1787)، ومسائل أحمد (برواية ابْن هانيء) 2/ 89
(1561)، والمغني 10/ 242.
(3) فِي الأصل بدون كلمة " القطع " فأثبتناها لإتمام الكلام والفائدة.
(4) وذلك لأن النصاب أحد شرطي القطع، فاذا اشترك الجماعة فِيهِ، كانوا كالواحد قياساً عَلَى هتك الحرز، ولأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع، فاستوى فِيهِ الواحد والجماعة كالقصاص، وبدون تفرق بَيْن كون المسروق ثقيلا يترك الجماعة فِي حمله وبين أن يخرج كل واحد مِنْهُ جزءاً ونص أحمد عَلَى هَذَا.
انظر: المغني 10/ 295 - 296، والمحرر فِي الفقه 2/ 157.

(1/536)


وضَعْفِهِ، وقوتهِ عَلَى قَوْلِ ابْن حامدٍ.
فحرزُ الثيابِ، والحِليِّ، والدراهمِ، والدنانيرِ، والجواهرِ فِي الصنادِيق وراءَ الأقفال أو الأغلاقِ الوثيقةِ (1) فِي العمرانِ، وَحِرزُ القماشِ من الصُّفرِ، والنُّحاسِ، والزلالي، والفُرُشِ فِي الدورِ والدكاكينِ، والأبوابِ، والأغلاقِ، وَحِرزُ البَقلِ، وقدرُ الباقلاني وراءَ الشرائجِ إذا كَانَ فِي السوقِ حارساً وحِرزُ الحطبِ أن يُعبأَ بعضَهُ عَلَى بعضٍ فِي الحظائرِ ويُربَطَ بحبلٍ، وحِرزُ الثيابِ فِي الحمامِ بالحافظِ، وحفظُ المواشي بالرَّاعي، ونظرهِ إليها، وحِرزُ السُّفُنِ فِي الشطِّ بِرَبْطِها، وحِرزُ الحمولَةِ من الإبل بالفقطيرِ والسائقِ، وحرز الماشيةِ بنظرِ الراعي إليها، وحرز الكَفَنِ عَلَى الميتِ بالقبرِ، فعلى هَذَا لَوْ جُعِلَ الجَوهَرُ، والذهبُ، والفضةُ، والثيابُ والقماشُ فِي وراءِ الشرائِجِ لَمْ يكنْ ذَلِكَ
حِرزاً، وكذلكَ لَوْ جُعِلَ القُدورَ فِي الحظيرةِ وراءَ الجبلِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: الاحراز لا تختلفُ فما كَانَ حرزاً لمالٍ كَانَ حرزاً لمالٍ آخرَ، وعندي: أنَّ قولهَما يرجِعَ إلى اختلافِ حالينِ فما قَالَ (2) أبو بَكْر يرجعُ إلى قوةِ السلطانِ وعَدْلهِ، وبسطِ الأمنِ، وما قالهُ ابْن حامدٍ يرجعُ إلى ضعفِ السلطانِ، وعادُ البلدِ مَعَ الدمارِ فِيهِ، وإذا نقب حرزاً فدخلَ وابتلعَ ديناراً، أو جوهراً، وخرجَ، وجبَ عَلِيهِ القطعُ وإنْ سرقَ منديلاً لا يساوي نصاباً، وفِي طرِفِهِ دينارٌ مشدودٌ لا يعلمُ بِهِ لَمْ يلزمْهُ القطعُ، وكذلك إذا يساوي نصاباً فِيهِ خمرٌلم يُقطَعْ عَلَى قولِ أصحابِنا، وعندي: أنّه يُقطَعُ، وَهُوَ ظاهُر كلامِ أحمدَ (رحَمهُ اللهُ (فِي روايةِ حربٍ فيمن سرقَ كتاباً فِيهِ علمٌ لينظرَ فِيهِ، وهل يُقْطعُ؟ فَقَالَ كلُّ مَا (3) بلغَ قيمتُهُ ثَلاَثَةَ دراهمَ قُطِعَ فِيهِ، فعلى هَذَا يقطعُ بسرقةِ المصحفِ، وكتبِ الفقهِ، والحديثِ، وَقَالَ أبو بكرٍ وشيخُنا لا يقطعُ بسرقةِ المصحفِ، وإن سرقَ رِتَاجَ الكعبةِ قُطعَ، وإن سرقَ الستارةَ المعلقةَ عَلَى البيتِ فظاهرُ كلامِهِ فِي روايةِ إبراهيمَ أنّهُ لا يُقْطعُ /391 و/ لأنّه قَالَ من سرقَ شيئاً من الكعبةِ قُطِعَ، وإن كانَ خارجاً مِنْهَا لَمْ يُقْطع، وَقَالَ شيخُنا: يُقْطعُ بسرقةِ الستارةِ المخيطةِ عَلَيْهَا، وإن سرق تأزيرَ المسجدَ وبابَهُ قطعَ (4)، فإن سرقَ قناديلَهُ،
__________
(1) فِي الأصل: (والوثيقة).
(2) فِي الأصل: كال.
(3) فِي الأصل: كُلَّمَا.
(4) حكى ابْن قَدامة فِيهِ وجهين:
أحدهما: القطع مذهب الشَّافِعِيّ وأبي الْقَاسِم صاحب مَالِك وأبي ثور وابن المنذر، لانه سرق نصابا محرزاً بحرز مثله لا شبهة لَهُ فِيهِ، فلزمه القطع كباب بيت الادمي.
والثاني: لا قطع عَلِيهِ وَهُوَ قَوْلِ أَصْحَاب الراي؛ لانه لامالك لَهُ من المخلوقين فلا يقطع فِيهِ.
انظر: المغني 10/ 255 (256.

(1/537)


وحصيرَهُ فهل يُقْطع؟ يحتملُ وجهينِ (1)، وإذا سرَقَ آلةَ اللَّهْوِ، لَمْ يُقطعْ. فإن سَرَقَ صليباً، أو صنماً من ذهبٍ، فَقَالَ شيخُنا: لا يُقطعُ وعندي: أنّه يُقطعُ. فإن سَرَقَ صغيراً من حرزٍ قُطعَ إذا كَانَ عبداً (2)، وإن كَانَ حراً فهل يقطع؟ عَلَى روايتينِ فإنْ قلْنَا لا يُقطع فسَرقَه وعليه الحِليُّ فهل يقطَعُ؟ يحتملُ وجهينِ (3)، فإن سرقَ ثياباً من الحمَّامِ أو عِدْلاً من السوقِ وهناك حافظٌ فعليه القطعُ، وإذا قَطَّ (4) جيبَ رجلٍ فسقطَ مِنْهُ المالُ فأخذهُ فعليهِ القطعُ، وعنهُ لا قطعَ عَلِيهِ، وإذا قُطِع بسرِقَةِ عَينٍ ثُمَّ عادَ فسرقهاَ وجَبَ عَلِيهِ القطعُ، ومن أعارَ دارَهُ، أو أجرها ثُمَّ سُرقَ مِنْهَا مالُ المُستعيرِ أو المستأجِرِ لَزِمَهُ القطعُ، وإذا سُرِقَ المسروقُ مِنْهُ أو المغصوبُ مِنْهُ مال الغاصب أو السارقِ من الحرزِ الَّذِي فِيهِ العينُ المسروقةُ أو المغصوبةُ لَمْ يلزمْ القطعُ فِي أحدِ الوجهينِ، وفي الآخرِ يلزمُهُ القطعُ، فإن سرقَ الأجنبيّ المالَ المسروقَ من السارقِ أو المغصوبَ من الغاصبِ فلا قطعَ. فإن كانَ لَهُ عَلِيهِ دينٌ فسرق مِنْهُ مقدارَ دينهِ، فَقَالَ شيخُنا: يقطعُ، وعندي: إن جَحدَهُ دينَهُ فسرقَ مِنْهُ بمقدَارِ دَينهِ فلا قطعَ عَلِيهِ. ومنْ سَرَقَ من مالٍ لَهُ فِيهِ شبهة كمالِ بيتِ المال، أو المالِ الَّذِي لَهُ فِيهِ شريكه، والغازي إذا سَرَقَ من الغنيمةِ قَبْلَ القسمةِ، والابن وإن سَفلَ من أبيه، والأبِ وإن علا من ابنهِ، والعبدِ من مالِ سيّدِه، لَمْ يقطعْ، وإن سَرَقَ أحدُ الزَّوجَينِ من الآخرِ فهل يقطعُ؟ عَلَى روايتينِ (5)، وإن سَرَقَ الأخُ من أخيِهِ قُطِعَ، وكذلكَ بقيَّةُ الأقاربِ، ويُقطع (6) الْمُسْلِمُ بسرقةِ مالِ الذميِّ والمستأمَنِ، ويَقطَعُ الذمِّيُّ والمستأمَنُ بسَرِقَةِ مالِ الْمُسْلِمِ، ومن سرقَ عيناً وادّعى أنها ملكُهُ /392 ظ/ لَمْ يُقْطَعْ فِي إحدى (7) الرِّواياتِ، والثانيةُ: أنّه يُقطعُ، والثالثةُ: إن كَانَ معروفاً بالسرقةِ قُطِعَ، وإلا فلا يقطعُ،
__________
(1) ذكر ابْن قدامة أنَّ فِي سرقة حصر المسجد وقناديله، وجهاً واحداً، وَهُوَ عدم القطع لا غيره، لكونه مِمَّا ينقطع بِهِ فيكون لَهُ فِيهِ شبهة فَلَمْ يقطع بِهِ كالسرقة من بيت المال. انظر لمغني 10/ 256.
(2) وهذا عَليهِ عامة أهل العلم، قَالَ ابْن المنذر: ((أجمع عَلَى هَذَا كل من نحفظ عَنْهُ من أهل العلم)) والصغير الَّذِي ينقطع بسرقته هُوَ الَّذِي لايميز، فإن كَانَ كبيراً لَمْ يقطع سارقه، إلا أن يكون نائماً، أو مجنوناً، أو عجمياً، لا يميز بَيْن سيده، وبين غيره فِي الطاعة فيقطع. انظر: المغني 10/ 245.
(3) انظر المغني 10/ 245.
(4) فِي الأصل: رط، ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(5) نقل صالح لا قطع عَلِيهِ، وَهُوَ اختيار الخرقي وأبي بَكْر ونقل حَنْبل: عَليهِ القطع.
انظر الروايتين والوجهين 179/ب.
(6) فِي الأصل: ويقع.
(7) فِي الأصل: (احد).

(1/538)


ويُقطعُ النباشُ بسرقةِ كفنِ الميتِ من القبرِ، ولا قطعَ عَلَى من انتهبَ، أو اختلسَ، أو خانَ، فأما جاحِدُ العاريةِ فَنصَّ عَلَى أنّهُ يُقطَعُ وقالَ أبو إسحاقَ بْنُ شاقلا: يُقطَعُ، وَهُوَ الصَّحيحُ، ولا يقطعُ السارقَ إلا الإمامُ أو نائبُهُ، ولا يقطعُ بمطالبةِ المسروقِ مِنْهُ اختارَهُ الخِرَقِيُّ، وَقَالَ أبو بكرٍ: يقطعُ من غيرِ مُطالَبةٍ (1)، ولا يُقطَعُ إلا بشهادةِ رَجُلينِ عَدْلينِ، وإقرار مرَّتينِ (2)، وإذا رجَعَ بعد الإقرارِ سقَطَ القطعُ، وإذا وَجَبَ القطعُ قُطِعَتْ يَدُهُ اليمنى، فإن [عاد] (3) قطعت، رجلهُ اليسرى، فإن عادَ لَمْ يُقطعْ، وحُبِسَ وعزِّرَ فِي إحدى الرِّوايتينِ، وفي الأخرى تُقطعُ يَدُهُ اليُسرى وإن عادَ الرابعةَ قُطِعَتْ رِجلُهُ اليُمنَى (4)
__________
(1) المذهب المختار للقاضي والخرقي وأصحابه أن لاقطع وأن اعترف بالسرقة، أو قامت بينة، حَتَّى يأتي مالك المسروق يدعيه؛ لأن المال مِمَّا يباح بالبذل، فيحتمل أن مالكه أباحه له، أَوْ وقفه عَلَى طائفة السارق منهم، أو أذن لَهُ فِي دخول حرزه، ونحو ذَلِكَ، فا عتبرت المطالبة لتزول الشبهة، وعلى هَذَا يخرج الزنا فإنه لا يباح بالإباحة، ولأن القطع أوسع فِي الإسقاط، ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فله بِهِ تعلق فَلَمْ يستوف من غَيْر حضور مطالب بِهِ، والزنا حق الله تعالى محض فَلَمْ يفتقر إلى طلب بِهِ. انظر: المغني 10/ 300.
وَقَالَ أبو بَكْر فِي الخلاف: لا يشترط المطالبة، وَهُوَ قوي، عملاً بإطلاق الآيَة الكريمة، وعامة الأَحَادِيث، فإنه لَيْسَ فِي شيء مِنْهَا اشتراط للمطالبة ولا ذكرها، ولو اشترطت لبين ذَلِكَ، وذكرها وألا يلزم تأخير البيان عَن وقت الحاجة، والإخلال بما الحكم متوقف عَلِيهِ، وأنه لايجوز.
انظر: شرح الزركشي 4/ 83.
(2) انظر: شرح الزركشي 4/ 81 - 82، وكشاف القناع 6/ 143.
(3) زيادة يقتضيها السياق.
(4) فِي إحدى الروايتين عَن أحمد، واختيار الخرقي، وأبي بَكْر فِي خلافه، وابن عقيل، والشيرازي، وأبي مُحَمَّد وغيرهم لعموم قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} (المائدة: من الآية33) إلى قوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} (المائدة: من الآية33) وهذا محارب لله ولرسوله، فشملته الآيَة وقد اشار عَلِيّ - رضي الله عنه - إلى ذَلِكَ فروى سَعِيد، حَدَّثَنَا أبو الأحوص، عَن سماك بْن حرب عَن عَبْد الرحمان بْن عابد قَالَ: أُتي عُمَرُ - رضي الله عنه - برجل أقطع اليد والرجل قَدْ سرق فأمر به عُمَر - رضي الله عنه - أن تقطع رجله فَقَالَ عَلِيّ - رضي الله عنه -: إنما قَالَ الله تعالى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ =
= اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المائدة: من الآية33) إلى آخر الآية وقد قطعت يد هَذَا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله، فتدعه فاستودعه السجن)) ولأن ذَلِكَ بمنزلة إهلاكه، فإنه لايمكنه أن يتوضأ ولا يغتسل، ولا يحترز من نجاسة، ولا يزيلها عَنْهُ ولا يدفع عَن نفسه، ولا يأكل، ولا يبطش، وبذلك علل عَلِيّ بْن أبي طالب - رضي الله عنه -.
والرواية الثانية: تقطع يده اليسرى فِي الثالثة، والرجل اليمنى فِي الرابعة لما رَوَى جابر - رضي الله عنه - قَالَ:
((جِىءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق، فَقَالَ: اقتلوه، فَقَالَوا: يارسول الله إنه سرق فَقَالَ: (اقطعوه فقطع ثُمَّ رمي بِهِ الثالثة فَقَالَ: اقتلوه فقالوا: يارسول الله إنه إنما سرق. فَقَالَ: اقطعوه، فقطع، ثُمَّ جىء بِهِ الثالثة فَقَالَ: اقتلوه، قالوا: يارسول الله إنما سرق فَقَالَ: اقطعوه، فقطع ثُمَّ أتي بِهِ =

(1/539)


ومنْ سرقَ، ولا يَدَ لَهُ، قُطِعتْ رجلُه اليُسرى، فإن سَرَقَ ولَهُ يمنى فَلَمْ يُقطع حَتَّى ذَهَبَتْ سَقَطَ القطعُ، فإن وَجَبَ عَلِيهِ القطعُ، فَقَطَعَ القاطعُ يسارَهُ عمداً، اقتيدَ من القاطعِ، وهل تُقْطع يمينُهُ أم لا (1)؟ عَلَى وجهين أصلهما هَلْ يقطع أربعته أم لا؟ عَلَى روايتين، وإن قطعَهَا خطأً أُخِذَ مِنَ القاطعِ الدِّيَّة، وهل تقطع يمينُه؟ عَلَى وجهين، وإذا قطع حُسِمتْ يمينه بالزيتِ المغلي، وهل يخرجُ من بيتِ المالِ، أو من مالِهِ؟ يحتمل وجهين، وتُرَدُّ العينُ المسروقَةُ، أو قيمتُها إن كَانَتْ قَدْ تَلَفَتْ مَعَ القطعِ، ومَنْ سَرَقَ التمرَ من النخل، أو الشجرِ وهِيَ فِي غيرِ حرزِ، فلا قطعَ عَلَيهِ، ويضمن عوضها مرتين، وإذا أقَرَّ العبدُ بسرقةِ مالٍ فِي يدِهِ من رَجُلٍ فصدَّقه، وكذَّبه السيدُ، فالمالُ للسيدِ، ويقطع العبدُ، وإن كَانَ المالُ تالفاً ثبتَ فِي ذِمَتِه.

بابُ حدِّ قطَّاعِ الطريقِ (2)
قطاعُ الطريقِ همُ الذينَ يُشهرُونَ السلاحَ، ويُخيفُونَ السبيلَ فِي البراري، والصَّحاري، فأمّا بينَ البُنيانِ فِي الأمصارِ /393 و/ فَقَدْ تَوقَفَ إمامُنا أحمدُ -رَحِمَهُ الله- عَن الجوابِ، واختلَفَ أصحابُنا، فظاهرُ كلامِ الخرقِيِّ أنّهُ لا يكونُ قاطعُ الطريقِ إلا خارجَ المِصرِ، وَقَالَ شيخنُا، وأبو بكرٍ حُكمُهُم فِي المِصرِ حكمُهم فِي الصحراءِ ولا فرقَ بينَ البَردِ والمباشرةِ، ولا بَيْنَ النِّساءِ والرِّجالِ. وعلى الإمام أن يطلُبَهم، فإن ظَفَرَ بهم قبلَ أنَ يُقْتَلُوا ويَأخذُوا المالَ فإنّه ينفيهم، فلا يَدَعُهُم يقطُنونَ فِي بَلَدٍ، وعنه أنه يطلبهُم فإذا ظَفَرَ بهم عَزَّرهم بما يَرْدعُهم فإن ظَفَرَ‍بِهم وَقَدْ أخذَوا من المالِ مايُقْطَعُ فِيهِ السارقُ لا شبهةَ لهم فِيهِ، قُطِعَ من كلِّ واحدٍ منهم يدُه اليمنى، ورجلُه اليسرى فِي مقام ٍواحدٍ وجسمهما، وإن كَانَ دونَ النصابِ، فلا قَطْعَ عليهم وإن كانوا قَدْ قتلوا مكافئاً لهم
__________
= الرابعة، فَقَالَ: اقتلوه فقالوا: يارسول الله إنما سرق فَقَالَ: اقطعوه فقطع، فأتي بِهِ الخامسة، فَقَالَ: اقتلوه قَالَ: جابر - رضي الله عنه - فانطلقنا بِهِ فقتلناه، ثُمَّ اجتررناه، فألقيناه فِي بئر، ورمينا عَليهِ الحجارة))
أخرجه أبو داود 4/ 142 (4410)، والنسائي 8/ 90. انظر: شرح الزركشي 4/ 73 - 74.
(1) فِي الأصل بدون ((لا)).
(2) الأصل فِي حكمهم قَوْلِ الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (المائدة: من الآية33) وهذه الآية فِي قَوْلِ ابْن عَبَّاس، وكثير من العلماء نَزَلَتْ فِي قطاع الطريق من المُسْلِمِين.
انظر المغني 10/ 302.

(1/540)


قتلوا حتمَاً، وهل يُصْلَبون؟ عَلَى روايتينِ (1) وإن قَتَلوا غيرَ مُكافيءٍ فهل يُقْتَلون أم لا؟ عَلَى روايتينِ (2)، وإن قَتَلَوا وأخذَوا المالَ، قُتِلوا وصُلبوا حَتمَاً، وعنه: أنَّهم يُقْطعونَ، ويقتلونَ، ذكرهُ شيخُنا فِي " المجردِ "، ولا توقيتَ فِي الصَّلبِ إلا أنهم يُصلبونَ بمقدارِ مَا يُشْهَرُ صلبُهم، وَقَالَ أبو بَكْر: مقدارُ مايقَعُ عَليهِ اسم الصَّلبِ، وإن جَنى قاطعُ الطريقِ جنايةً توجبُ القصاصَ فيما دونَ النفسِ، فهل يتحتمُ القصاصَ فيها؟ يحتملُ وَجهينِ (3) ولايسقط حكمُ الجرحِ بالقتلِ فِي المحارِبةِ، بل إِذا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وقتَلَ آخرَ قُطِعَ ثُمَّ قتل. فإن قَطع يسارَ رجلٍ ثُمَّ أخذ المالَ قُطِعت يسارُهُ قِصاصاً، وَقُطِعَت رجلُه اليسرى. وهَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ اليُمْنى؟ بنيَ عَلَى الرَّوايتينِ فِي السَّارِقِ، إن قُلْنَا لا نقطعُ أرْبَعَتَهُ لَمْ تُقْطعْ يُمْناه هَاهُنا، وإنْ قُلْنَا تُقْطعُ أربَعَتُهُ قَطِعتْ يُمْناهُ وإذا اجْتَمَعَتْ عَلِيهِ حُدودُ اللهِ تعالى من جنْسٍ، مثل إن زنا مِراراً أو سرقَ مراراً حُدَّ لكلِّ جنسٍ حَّدٌ واحدٌ، وكذلك إذا كَانَتْ من أجناسٍ وَفيها قَتْلٌ مثل إن سرقَ وزنا وشرِبَ الخمرَ وقَتَلَ فِي المحاربةِ، قُتِلَ وسَقَطَت /394 ظ/ بقيةُ الحدودِ، وإن لَمْ يكن فيها إستُو فيَتْ جميعها، وكذلك إن كَانَتْ جميعها للآدميين إستوفيت، سواءٌ كَانَ فيها قَتْلٌ أو لَمْ يكنْ، وإن كَانَ بعضها للآدميِّ وبعضها لله تعالى بُديءَ بَحقّ الآدمي، نحو أن يقذِفَ ويَقطَعَ يدَ مكافٍ ويزنيَ ويشربَ الخمرَ، فإنا نقطعُ يدَهُ قِصاصَاً، فإذا بَرِيءَ حَدَدناه للقذفِ إذا قلنا هُوَ حقُّ آدميٍ، فإذا بَريء يحدُّ للشُربِ، وإذا بريء يحدُّ للزنا وإذا تابَ المحاربُ قبلَ أن يقدرَ عَلِيهِ سقطَ عَنْهُ كُلَّمَا كَانَ حقاً لله تعالى من أحكام القَطْعِ والقَتْلِ والصَّلْبِ وَيُسْتَوْفى مِنْهُ مَا كَانَ حقاً للآدمي، من
__________
(1) فإنهم يقتلون ولا يصلبون، وعن أحمد رِوَايَة أخرى أنهم يصلبون؛ لأنهم محاربون، يجب قتلهم فيصلبون كالذين أخذوا المال قَالَ ابْن قدامة: والأولى أصح؛ لأن الخبر المروي فيهم، قَالَ فِيهِ: ((ومن قتل ولم يأخذ المال قتل)) ولم يذكر صلبا، ولأن جنايتهم بأخذِ المال مَعَ القتل تزيد عَلَى الجناية بالقتل وحده، فيجب أن تكون عقوبتهم أغلظ، ولوشرع الصلب هاهنا؛ لاستويا. انظر: المغني 10/ 309 - 310.
(2) انظر: المغني 10/ 307، وشرح الزركشي 4/ 89 - 90.
(3) أحدهما: - لايتحتم؛ لان الشرع لَمْ يرد بشرع الحد فِي حقه بالجرح فان الله تعالى ذكر فِي حدود المحاربين القتل، والصلب، والقطع، والنفي فَلَمْ يتعلق بالمحاربة غيرها فلا يتحتم بخلاف القتل، فأنه حد فتحتم كسائر الحدود، فحينئذ لايجب فِيهِ أَكْثَر من القصاص والثاني: - يتحتم؛ لان الجرح تابعة للقتل، فيثبت فيها مثل حكمه ولانه نوع قود اشبه القود فِي النفس والأولى أولى، وإن جرحه جرحاً لا قصاص فِيهِ كالجائفة فليس فيه الا الدِّيَّة، وإن جرح انسانا وقتل آخر اقتص مِنْهُ للجراح وقتل للمحاربة.
انظر: المغني 10/ 310.

(1/541)


القَصاص وضَمَانِ المَالِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فإن تَابَ الزاني والسَّارِقُ وَشَارِبُ الخَمْرِ قَبْلَ أن يقام عَلِيهِ الحدودُ فهل يسقطُ عَنْهُ الحدُّ أم لا؟ على روايتينِ؛ إحداهُما: تسقطُ الحدودُ بمجردِ توبتِهِ ولا يُعتبرُ معَ ذلكَ إصلاحُ العَملِ، والثانيةُ: لا يَسقُطُ ويكونُ من تمامِ تَوبَتِهِ تطهرهُ بالحدِّ، فإنْ ماتَ من اجتمعتْ عليهِ هذهِ الحدودُ قبل الاستيفاءِ سقطَ عنه استيفاءُ ما كانَ حقاً للهِ تعالى وما كانَ حَقَّاً للآدَميِّ مما يوجِبُ المالَ كالقَتلِ والجراحِ فيسقطُ إليه.

باب حد المسكر (1)
كلُّ شرابٍ أسكرَ كثيرُهُ فشُربُ قليلِهِ وكثيرهِِ حرامٌ، سواءٌ كانَ مِنْ عَصِيْرِ العِنَبِ أو مِنَ التَّمرِ والعَسَلِ والحِنْطَةِ والشَّعيرِ والأرزِّ والذِّرةِ والدخنِ والجَزَرِ وسواءٌ شُرِبَ للذَةِ أوِ العَطَشِ والتداوي ويسمى خَمرَاً. ويجب بهِ الحدُّ على المسلِمِ المكلَّف الحرِّ المختَارِ ثمانونَ (2) في إحدى الروايتينِ وفي الأخرى حَدُّهُ أربعونَ (3)، والرَّقيقُ على النصفِ منْ ذلكَ (4)، فأمَّا الذِّمِي فلا يُحَدَّ بشُربِهَا والسكر مِنْهَا في الصحيحِ من المذهَبِ، وعنه (5) أنه يُحَدُّ ويُستوفى الحَدُّ بالسَّوطِ إلا أن يرى الإمامُ استيفَاءَهُ بالنِّعالِ والأَيدي، وإذا جَلَدَهُ
__________
(1) قال الزركشي في شرحه 4/ 92 - 93 ((تحريم الخمر إجماع أو كالإجماع، وقد شهد لذلك من الكتاب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون - إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 90 , 91) قال بعض العلماء: والتحريم في الآية من نحو عشرة اوجه: تسميتها رجسا، وهو المستقذر، وجعلها من عمل الشيطان، والآمر باجتنابها، وجعل الفلاح مرتباً على اجتنابها، فمن لم يتجنبها لا يفلح، وجعلها توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ثم طلب الانتهاء عنها بقوله سبحانه {فهل انتم منتهون} أي جدير وحقيق أن ينتهي عن شيء جمع هذه الأوصاف)).
(2) وهي اختيار الخرقي وابن عقيل والشيرازي. شرح الزركشي 4/ 96 وانظر المغني 10/ 329.
(3) وهي اختيار أبي بكر. انظر: المغني 10/ 329، وشرح الزركشي 4/ 96.
(4) أي على النصف من حد الحر وهو أربعون إن قلت: أن الحد ثمانون ويستوفي في ذلك العبيد والامة، وعلى الرواية الأخرى عشرون. الشرح الكبير 10/ 334.
وقال ابن قدامة في المغني 10/ 339: ((بدون سوط الحر - أي يحد بدون سوط الحر - لانه لما خفف عنه في عدده خفف عنه في صفته كالتعزير مع الحد، ويحتمل أن يكون سوطه كسوط الحر، لانه إنما يتحقق التنصيف إذا كان السوط مثل السوط أما إذا كان نصفا في عدده وأخف منه في سوطه كان أقل من النصف والله تعالى قد أوجب النصف بقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب} النساء 25. وانظر: شرح الزركشي 4/ 104 - 105.
(5) لانه شرب مسكر عالما به مختاراً أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله. الشرح الكبير 10/ 334.

(1/542)


الإمامُ في حَدِّ الخَمْرِ فماتَ فلا ضَمَانَ عَلَيهِ فإنْ زادَ على الحَدِّ سَوْطَاً فمَاتَ المحدودُ فَعَلَيْهِ كمَالُ الدِّيَّةِ /395و/ في أَحَدِ الوَجْهَينِ، وفي الآخَرِ نِصْفُ الدِّيَّةِ، فإنْ تَعَمَّدَ لَزِمتهُ في مالِهِ، وإنْ سَهَا فهل يكونُ في بَيْتِ المَالِ أو عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ على روايتينِ، وإذا أقَرَّ بِشُربِ الخَمْرِ ثُمَّ رَجَعَ قَبلَ رُجوعِهِ، ولا يَجِبُ الحدُّ بوجوبِ الرائحَةِ، وعَنْهُ يَجِبُ الحَدُّ إذا شُمَّ مِنْهُ ريحُ المسكِرِ (1)، وحَدُّ السُّكرِ الذي يمنعُ صحةَ العباداتِ ودخولَ المسجدِ ويوجِبُ فسقَ شَارِبِ النَّبيذِ ويختَلِفُ في وُقوعِ طَلاقِهِ مَعَهُ هوَ الذي يجعلُهُ يَخْلِطُ في كَلامِهِ، وإذا وَضَعَ ثَوبَهُ معَ ثيابِ غَيْرِهِ أو نَعلَهُ مع نِعالِ غَيرِهِ لم يعرفهُ، وإذا أتى على العَصيرِ ثلاثةُ أيامٍ حُرمَ شُربُهُ، وإن لمْ تظهرْ فيه الشدةُ نصَّ عليه، وذكرهُ الخِرَقيُّ (2)، وعندي (3) أنه محمولٌ على عَصيرِ الغالبِ منهُ أَنْ يتخمرَ في ثلاثٍ، ولا يكرهُ أن يُنبذَ التمرَ أو الزبيبَ في الماءِ ليأخُذَ ملوحتَهُ ويشربَهُ ما لم يَشتدَّ، فان شَدَّ التَّمرُ والزَّبيبُ أو البرُّ والتمرُ كرِهَ شربُهُ، وإن وَجَدَ فيه الشِّدَّةَ حرمَ شُربُهُ، ويكرهُ أن يُنبذَ في الدبَّاءِ وهي القرعَةُ والحَنْتَمُ وهي شِبهُ الجرَّةِ الصَّغيرةِ، والنَّقيرِ وهي خَشَبَةٌ تخرطُ كالبرنيةِ والمز فَّتِ وهوَ ماقير بالزفتِ في إحدى الروايتينِ، وفي الأخرى لا يكرهُ ذلكَ (4) وهي الصحيحةُ (5).