الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كتابُ قتالِ أهلِ البغي (6)
كلُّ طائفةٍ كانت لهم مَنعةٌ وشوكةٌ وخَرجُوا عَنْ قَبضةِ الإمامِ وراموا
خَلعَهُ أو مخالفَتهُ
__________
(1) نقلها عنه أبو طالب. الشرح الكبير 10/ 335.
(2) انظر: المغني 10/ 340، وشرح الزركشي 4/ 105.
(3) نقل كلامه ابن قدامه في المغني 10/ 340.
(4) انظر: المغني 10/ 341 - 342.
(5) قال المر داوي في الإنصاف 10/ 236: ((هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير
الأصحاب)).
(6) البغي: هو التعدي، وبغي رجل على رجل: استطال عليه والخروج عن القانون
يسمى بغيا، والباغي هو الذي يخرج على الأمام العادل، والخارجون على الأمام
أربعه أصناف:
الأول: قوم امتنعوا من طاعته وخرجوا عن قبضته بلا تأويل أو بتأويل غير
سائغ، فهولاء قطاع الطريق.
الثاني: قوم خرجوا عن قبضة الإمام أيضا، ولهم تأويل سائغ الا أنهم غير
ممتنعين لقتلهم.
الثالث: الخوارج الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير.
ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم الا من خرج معهم.
الرابع: قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرون خلعه لتأويل سائغ وإن
كان صوابا.
انظر: المغني 10/ 49 - 50، وشرح الزركشي 3/ 655 - 657، والصحاح 6/ 228،
والمعجم الوسيط: 65 (بغى).
(1/543)
بتأويلٍ محتمَلٍ فَهُم بُغَاةٌ، وعلى
الإمامِ أن يراسِلَهُم ويسألَهم ما يَبغونَ مِنْهُ، فان ذكروا مظلمةً
أزالَها، وان ذكروا شبهةً كَشَفَها وبَيَّنَ لهمُ الحقَّ فيها. وإن أبوا
قبولَ الحقِّ وَعَظَهُم، فإنْ أصَرُّوا خَوَّفَهم بالقتالِ، فإن لحوا
قاتلَهم، فان استنظروا مُدةً ليتفكَّروا فإن رَجَا رجوعَهم أنظَرَهُم، وإنْ
خَافَ اجتماعَهُم على حَربِهِ لم ينظِرْهُم ويقاتلُهم حتى يفيؤا إلى اللهِ
تعالى والدخول /396 ظ/ في الجماعةِ. ولا يستعينُ على حربِهِم بالكفارِ. وهل
يستعينُ بسلاحِ أهلِ البغي وكراعِهِم (1) على حربهم أم لا؟ يَحتَمِلُ
وجهينِ (2)، ولا يتبعُ مُدبرَهم ولا يُجبروا على حَربِهِم، وإذا أسرَ
مِنْهُم حَبَسَهُ حتى يقضِيَ حربَهم ويُطلقه، ولا يَغنمُ أموالَهم، ولا
يَسبِي ذَرارِيَّهُم، وأذا أسَرَ مِنهُم امرأةً أو صَبياً خَلاَهُ، في
أحَدِ الوجهَينِ. وفي الآخَرِ: - يحبِسُه (3). ولا يقاتِلُهم بما يعَمُّ
إتلافُهُ كالنَّارِ والمنجَنيقِ إلاَّ لِضَرورَةٍ، وما أتلفَه أهلُ العدلِ
على أهلِ البَغي في حَالِ القِتالِ غَيرُ مَضمونٍ.
وَهلْ يَضمنُ ما أتلفَهُ أهلُ البَغيِ على أهلِ العَدلِ أم لا؟ على
روايتَينِ (4)، وَما أتلَفوهُ في غَيرِ حَالِ الحَربِ بَعضُهم على بَعضٍ
فَهو مَضمونٌ، وَمَن وَجَدَ مَالَهُ في يَدِ الآخَرِ فله أخذُهُ ويَنفذُ
مِن قَضاياهُم ما يَنفذُ مِن قَضايا أهلِ العَدلِ، وتُقبلُ شَهاداتُهُم ما
أخَذوهُ مِن زَكاةٍ وأجِزيةِ اعتدَّ بِهِ، وَمَن ادّعى دَفعَ الزَّكاةَ
إليهِم قُبِلَ مِنهُ، وإنِ إدَّعى ذِميٌّ دفعَ جِزيَتِهِ إليهِم لَمْ
تُقبلْ إلا بِبَينةٍ (5). وإنِ ادَّعى مَن عَليهِ الخراجُ دَفَعهُ إليهِم
فَهلْ تُقبلُ بِغيرِ بَينةٍ أمْ لا؟ عَلَى وَجهَينِ (6)، وإذا استَعانوا
عَلَى قِتالِ أهلِ العدلِ بأهلِ الحَربِ وأعطَوهُم الأمانَ لَمْ يَصُحَّ
أمانُهم وَجازَ لَنا قَتلُهم وسَبِي ذَرارِيهِم، واستغنامُ أموالِهِم، وإنِ
استَعانُوا بِأهلِ الذِّمةِ فَقاتَلوا مَعهُم طَوعاً مَعَ عِلمِهم بأنَّ
ذَلِكَ لا يَجوزُ فَقَد نَقَضوا العَهدَ، وهم كَأهلِ الحَربِ.
__________
(1) أي الخيل والسلاح. المعجم الوسيط: 783.
(2) الأول: لا يجوز؛ لأنه لا يحل أخذ مالهم لكونه معصوما بالإسلام، وانما
أبيح قتالهم لردهم إلى الطاعة يبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق الا
أن تدعو ضرورة فيجوز كما يجوز أكل مال الغير في المخمصة.
والوجه الثاني: يجوز قياسا على أسلحة الكفار. الشرح الكبير 10/ 58،
والأنصاف 10/ 314.
(3) لأن فيه كسر البغاة. الشرح الكبير 10/ 60 وقال المرداوي في الإنصاف 10/
315: ((الصواب النظر إلى ما هو أصلح من الإمساك والإرسال)).
(4) انظر: المغني 10/ 61، والإنصاف 10/ 315.
(5) أما إذا كان بغير بينة ففيه وجهان: الأول: لا يقبل قوله. وهو المذهب.
الثاني: يقبل قوله مع يمينه.
الإنصاف 10/ 311.
(6) الأول: لا يقبل. الثاني: يقبل مع يمينه. انظر: المحرر 2/ 166، والإنصاف
10/ 318.
(1/544)
وإذا ادَّعُوا شُبهةً بأنْ قَالوا: ظَنَنا أنَّ كُلَّ طَائِفةٍ مِنَ
المُسلِمينَ إذا استَعانُوا بِنَا لَزِمَنا مَعونَتَهُم، وَمَا عَلِمنَا
أنَّهُم أهلُ العَدلِ، والبَاغِي إذا قَتَلَ مَورُوثَه العَادِل لَمْ
يرِثْهُ. فإنْ قَتلَ العَادلُ البَاغِيَ فَهلْ يَرِثُهُ أم لا؟ عَلَى
رِوايَتَينِ:
فإنْ أظهرَ قومٌ رأيَ الخَوارجِ ولَمْ يَجتَمعوا لِحَربٍ لَمْ يَتعرضْ لهم
بقتَالٍ، وَكانَ حُكمُهم حُكمَ أهلِ العَدلِ فِيما لَهُم وَعَليهِم، وإنْ
صَرَّحُوا بِسَبِّ الإمَامِ عَزَّرهُم، وإن أتوا بما يُوجِبُ حَدَّاً
أقامَهُ عليهِم، وإذا أقتَتلَ طَائفتَانِ لِطَلبِ رِئاسَةٍ أو عَصَبيةٍ
/397 و/ فَمالها بحاله وإنَّ لُكلِّ وَاحِدَةٍ مِنهُما ما أتلفَتْ عَلَى
الأخرَى مِن نَفسٍ ومَالٍ، ومَنْ قَصَدَ نَفسَ رَجلٍ أو حُرمَتُه أو
مَالَهُ فَلهُ دفعُهُ بأسهَلِ ما يُمكِنُ، فأنْ زَالَ إلى قَتلِهِ فَلا
ضَمانَ عَليهِ. وَهلْ يَجِبُ عَليهِ دَفعُهُ؟ يحتَمِلُ وَجهَينِ، وإذا
قَتَل إنسَاناً وادَّعا أنَّه دَخَلَ لِيسرُقَ مَالَهُ أو لِيقتُلهُ ولَم
يَدفَعْ إلا بِقَتلِهِ، فإنْ كَانَ لَهُ بِينَةٌ بِما قَالَ، وإلا فَعَليهِ
القِصاصُ. |