الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كتابُ الصَيدِ وَالذَبائحِ وَالأَطعِمَةِ
يُشتَرطُ في إباحَةِ الصَيدِ ثَلاثةُ أَشياءَ:
- أَهلِيةُ الصَائدِ، وصَلاحِيةُ الآلةِ، /400 ظ / وَكَيفيةُ الاصطِيادِ.
فأهليةُ الصَائدِ بأنْ يكونَ مِنْ أَهلِ الذكَاةِ كَالمسلمِ والكِتابيِّ
إذا كانا مُمَّيزَينِ فَأَمَّا مَنْ ليسَ مِنْ أَهلِ الذَكاةِ فَلا يَحلُّ
صَيدهُ إلا صَيدَهُ للسَمكِ والجرادِ فَإنَهُ على رِوايتَينِ (1):
إحدَاهُما يُباحُ وهوَ اختيارُ الخِرَقيِّ (2) والأُخرى لا يُباحُ (3)،
فانْ رمَى مسلِمٌ وَمجوسيٌّ صَيدَاً فقتَلاهُ لم يَحلَّ وكذلِكَ إنِ
اشترَكا في إرسَالِ الجارحَةِ أو شَارَكتْ جَارِحَةُ المسلِمِ جارِحةَ
المجوسِيِّ أو جَارِحةً غَيرَ مُعَلَّمَةٍ في قَتلِ الصَيدِ لَم يحلَّ
فَإنْ أَصَابَ سَهمُ إحداهما المقتَلَ وسَهمُ الأخرى غيَر المقتَلِ غلبَ
حكمُ مَن أَصابَ سَهمُهُ المقتلَ وَيحتملُ أنْ لا تحلَّ (4) فَإنْ أَرسَلَ
مسلمٌ كَلبَهُ فَفاتهُ الصَيدُ فَعارضَهُ كَلبُ مَجوسيٍّ أو كَلبٌ غَيرُ
معلَّم فَردَّهُ عليهِ فَعقَرهُ كَلبُ المسلِم أُبيحَ وَإنْ أرسَلَ مسلِمٌ
كَلباً لِوَثَنِيٍّ فَأَصَابَ أُبيحَ وَبعكسهِ لو
__________
(1) الروايتين والوجهين 195/ب.
(2) انظر: مختصر الخرقي 1/ 134.
(3) ووجه عدم الإباحة: إنه صيد مجوسي فلا يباح، دليله صيد البر. انظر:
الروايتين والوجهين 195/ب.
(4) انظر: المحرر في الفقه 2/ 193.
(1/548)
أَرسلَ مجوسِيٍّ كَلبَ مسلِمٍ فَأَصَابَ
لَم يُبحْ وَعنهُ أنَّ مُعلِّمهُ مَجوسيٌّ لا يباحُ صَيدُهُ (1)، وَلو
أَرسلَ مَجوسِيٌّ كَلبهُ فَزجَرهُ مُسلِمٌ لم يُبحْ وإن أرسَلَه مُسلِمٌ
فَزجَرهُ مَجوسِيٌ أُبيحَ.
فَصلٌ
فأمَّا الآلةُ فعلَى ضَربَينِ: جَوارِحُ، وَغيرُ جَوارِحَ فَالجوارِحُ
ضَربَانِ: حَيوانٌ، وَمحدودٌ فَالجوارِحُ مِنَ الحيوانِ يحلُّ مِن صَيدِهَا
ما اصطَادَتْهُ بعدَ تَعليمِهَا إلاّ الكَلبَ الأَسوَدَ البَهيمَ فلا
يُباحُ صَيدُهُ بحالٍ نَصَّ عَليهِ وهي نَوعانِ: أَحدُهمَا: يصيدُ (2)
بنَابهِ كَالكَلْبِ وَالفَهدِ وَالنَّمرِ فَتعْليمُهُ يَحِلُّ بِثَلاثةِ
أشياءَ أَنْ يَستَرسِلَ إذا أُرسِلَ، وَينزَجِرَ إذا زُجِرَ وَإذا أَمسَكَ
لَم يأكُلْ وَلا يُعتَبرُ تَكررُ ذلِكَ مِنهُ (3) وَالثاني: - بمِخلابِهِ
كَالبازِي (4) والصَّقرِ والعُقابِ وَالشَّاهينِ فَتعليمُهُ بأَنْ
يَستَرسِلَ إذا أَرسَلَهُ وإذا دعَاهُ رَجعَ إليهِ وَلا يُعتَبرُ في
تَعَلُّمِهِ الأَكلُ وَعدمُهُ، فَإِنْ أَكَلَ ذو النَّابِ مِنْ صَيدٍ بَعدَ
تَعلُّمِهِ لَم يَحرمْ ما تَقدمَ مِنْ صُيودِهِ وَهلْ
/ 401 و/ يَحرمُ ما أَكلَ مِنهُ أَمْ لا؟ عَلى رِوايتَينِ (5) وَإذا أَكلَ
ذو المخَالبِ مِنْ صَيدهِ لَم يَحرمْ وإذا قَتَلَ الجارِحُ الصَيدَ
بصَدمتِهِ أو خَنقِهِ لم يَحلَّ أكلُهُ (6) وَقالَ ابنُ حَامدٍ: يَحلُّ
أكلُه (7) على ظاهِرِ كَلامِ أَحمدَ رَحمهُ اللهُ، وَإنْ جَرحَهُ فَماتَ أو
بقِيتْ فيهِ حَياةٌ غيرُ مُستَقِرَّةٍ كَحَركَةِ المذبُوحِ فَلم يُذَكِّهِ
حتى مَاتَ حَلَّ أكلُهُ وإنْ بقِيتْ فيهِ حَياةٌ يَجوزُ بَقاؤُهُ معَها
مُعظمَ اليَومِ لم يَحِلَّ أَكلُه حَتى يُذبَحَ فَإنْ لم يجدْ مَا يَذبحُهُ
فَأَشْلا (8) الجارِحَ عَليهِ فقَتلهُ حَلَّ أَكلُهُ في
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 192/ب و 193/أووجه عدم الإباحة ما احتج به
الإمام أحمد رضي الله عنه من قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ
فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} فأباح الأكل من الجوارح التي
علمناها فاقتضى الظاهر أنه لا يباح أكل ما علمه غيرنا.
(2) في الأصل: ((يصاد)) والصواب ما أثبتناه والله أعلم. انظر: المقنع: 313.
(3) خالفه صاحب المغني فقال: ((إنَّ تركه للأكلِ يحتمل أن يكون لشبع ويحتمل
إنه لتعلم فلا يتميز ذلك إلا بالتكرار وما اعتبر فيه التكرار اعتبر ثلاثا))
انظر المغني 11/ 7.
(4) ضرب من الصقور يستخدم في الصيد انظر: المعجم الوسيط: 76.
(5) إحداهما: يباح والثانية لا يباح. انظر: الروايتين والوجهين 193/أ-ب،
والمغني 11/ 8، وشرح الزركشي 4/ 234 - 235.
(6) وبه قال القاضي في الجامع، والشريف، والشيرازي، وأبو محمد في المغني
انظر: المغني 11/ 9، وشرح الزركشي 4/ 236.
(7) وهو ظاهر كلام الخرقي. انظر: شرح الزركشي 4/ 236.
(8) قال ابن درستويه: ((من قال أشليت الكلب على الصيد فإنما معناه دعوته
فأرسلته على الصيد)).
انظر: لسان العرب 14/ 443.
(1/549)
أصَحِّ الرِوايتينِ (1) وإنْ لم يَفعَلْ
ذلكَ وتَركَهُ حَتى مَاتَ فقالَ: يُباحُ أَكلُهُ (2)، وَعندِي لا يُبَاحُ
أَكلُهُ (3)، وَكَذلِكَ الَموقُوذَةُ (4) والمتردِّيةُ والنَّطِيحَةُ وما
أَكلَ السَبعُ إنْ لم يَكنْ فيها حَياةٌ إلاَّ كحَركَةِ المذَبوحِ لم
تُبَحْ بِالذَّكَاةِ وإنْ كانَ فيها حَياةٌ يَجوزُ بَقَاؤُهَا مَعَها
مُعظَمَ اليَومِ حَلَّتْ بالذَّبحِ، وما أَصَابهُ فَمُ الكَلبِ أو الفَهدِ
أو النَّمرِ فَإِنهُ يَنجَسُ وَيجِبُ غَسلُهُ في أَحَدِ الوَجهينِ،
وَالثاني لا يَجِبُ غَسلُهُ بل يُعفَى عَنهُ (5)، وَأَمَّا الجَوارِحُ مِنَ
المحدَودِ فكلما رَمَى بِهِ الصَيدَ فَجَرحَهُ وأَنهرَ دَمه حل أَكلُهُ
إلاَّ السِنَّ وَالظُفرَ فإنه لا يُباحُ الصَيدُ بِهمَا، فَإنْ رَمَى
الصَيدَ بِمحدَّدٍ فَقتلَهُ بثقلِهِ ولَم يجرحْهُ لم يحلَّ، وإنْ نَصبَ
منَاجِلَ أو سَكاكينَ وسَمَّى فَجرحَتِ الصَّيدَ ومَاتَ أُبيحَ أكلُهُ،
وإنْ رمى صَيدَاً أو ضَربَهُ فأَبَانَ منهُ عُضوا فإن بَقيَ فيهِ حَياةٌ
مُستقِرةٌ لَم يَبحْ أكلُ ما بانَ مِنهُ وإنْ مَاتَ في الحَالِ حلَ أكلُ
الجَميعِ في إحدى الرِّوايتينِ (6) والأخرى لا يباحُ ما بانَ مِنهُ (7)،
فإنْ رَماهُ فقَطعَ مِنهُ عُضواً وَبقيَ مُعلَّقاً بجِلدِهِ وَماتَ أُبيحَ
أكلُ الجَميعِ روايةٌ واحدةٌ (8) فإنْ أبانَ منَ الحوتِ جُزءاً وأفلَتَ
حَيَّاً حلَّ أكلُ ذَلكَ الجزءِ، وكذلكَ إذا رَمَى طَائراً بِسَهمٍ
فأصَابهُ /402 ظ/ وَوقعَ على الأرضِ فَوجدَهُ مَيتاً حلَّ أكلُهُ، وإنْ
وَقعَ في مَاءٍ أو وَقعَ على جَبلٍ أو شَجرةٍ ثَّم تردَّى إلى الأرضِ فإنْ
كانَتِ الجراحَةُ غَيرَ موحيةٍ لَم يحلَّ أكلُهُ وَإنْ كَانَتْ موحِيَةً
قَد وَقَعَتْ في
__________
(1) في المسالة روايتان: الأولى: لا يكون له ذكاة واختاره أبو بكر، لأنه
مقدور عليه وذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة، والثانية: إن ذلك ذكاة له
وهو اختيار الخرقي، لأن هذه الحال يتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة في
الغالب فجاز أن يكون ذكاته على حسب الإمكان. انظر: الروايتين والوجهين
194/ب
و195/أ، ومختصر الخرقي 1/ 133، والمغني 11/ 14.
(2) حكي عن القاضي أنه قال في هذا: يتركه حتى يموت فيحل لأنه صيد تعذرت
تذكيته فأبيح بموته من عقر الصائد له كالذي تعذرت تذكيته لقلة لبته. انظر:
المغني 11/ 14.
(3) ووجه الاستدلال ((لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة
الذكاة فلم يبح بغيرها إذا لم يكن معه آلة كسائر المقدور على تذكيته)).
انظر: المغني 1111/ 14.
(4) التي وقذت بالعصا حتى ماتت. انظر: المعجم الوسط: 1048.
(5) انظر: الشرح الكبير 11/ 32، وشرح الزركشي 4/ 237.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 195/ب، والمغني11/ 24، والشرح الكبير11/ 21،
وشرح الزركشي4/ 247.
(7) انظر: الشرح الكبير 11/ 21، والمحرر 2/ 194.
(8) ذكر الزركشي قول للخرقي، بأنه إذا بان منه عضواً ظاهراً إنه لو بقي
معلقا بجلده حل بحل الصيد بلا خلاف، وهو كذلك وصرح به أبو الخطاب وغيره.
شرح الزركشي 4/ 248، وانظر: الروايتين والوجهين (195/ب).
(1/550)
مَقتلٍ فَهَلْ يَحِلُّ أَم لا؟ على
رِوَايتَينِ (1) وكذلِكَ الحُكمُ في المُذَكَّاةِ إذا تَحَامَلَتْ فَوقَعتْ
في مَاءٍ (2) فإنْ رَمى صَيدَاً فغَابَ عَنهُ ثمَّ وجَدَهُ مقتُولاً
وسَهمُهُ فيهِ حَلَّ (3)، وعنه إنْ كانَتِ الجراحَةُ موحيةً حلَّ وإلاّ
فَلا يَحلُّ (4)، وَعنهُ إنْ وُجِدَ في يَومِهِ حَلَّ وإنْ بانَ عنهُ لم
يَحِلَّ (5)، وَكذلكَ حُكمُ الكَلبِ (6) وإذا رمَى صَيدَاً بسَهمٍ مَسمْومٍ
فقَتلهُ لم يبحْ أكلُهُ إذا غَلبَ عَلى ظنِّهِ أنَّ السُمَّ أَعانَ عَلى
قَتلِهِ، فأما الضَربُ الثاني وهوَ غَيرُ الجَوارحِ كَالشَبكَةِ والشَّرَكِ
والفَخِّ والأُحبولَةِ (7) وما أشبهَ ذَلِكَ إذا وقَعَ فيهِ الصَيدُ ولا
يبُاحُ إلا أن يُدرِكهُ الصَّيادُ وَبهِ حَياةٌ فَيذكِّيهِ وكذلكَ إذا رمَى
الصَيدَ بالبُندُقِ والحجَارةِ والخذافةِ ونحو ذلكَ لم يبحْ إلا أن يبقَى
فيهِ حَياةٌ مستقِرَةٌ فَيذكِّيهِ.
فَصلٌ
فأمَّا كَيفيَّةُ الاصطِيادِ فَيُشتَرطُ في ذلِكَ ثَلاثةُ أَشياءَ أنْ
يُسمِّيَ وَيقصِدَ الاصطيادَ ويُرسِلَ كَلبَهُ أو سَهمَهُ عَلى صَيدٍ
فأَمَّا إنْ تَركَ التَسميةَ لَم يبُحِ الصَيدُ سَواءٌ تركَهَا عَمْداً أو
سَهواً (8) وكذلِكَ لو أتى بغَيرِها مِنَ الأذكَارِ وَعنهُ (9) أنه [إنْ]
(10) نَسيَ التَسميَةَ على السَهْمِ أَبيحَ صَيدُهُ فأمَّا علَى الكَلبِ
فَلا، وَعنهُ أَنهُ إنْ نَسِيَ التَسميَةَ على جَميعِ الجَوارِحِ أُبيحَ
فإنْ أَرسَلَ سَهمَهُ إلى هَدَفٍ فَقتلَ صَيدَاً لم يَحلَّ وَكذلِكَ إنْ
رأى حَجَراً فَظنَّهُ صَيدَاً فرمَاهُ فأَخطَأهُ وأَصَابَ صَيدَاً لم
يَحِلَّ وَيَحتمِلُ أنهُ يَحلُّ كَمَا لَو رمَى صَيدَاً فأصَابَ غَيرَهُ
فإنَّهُ يَحِلُّ نَصَّ عَليهِ (11) فإنْ أرسَلَ كَلبَهُ أو سَهمَهُ يُريدُ
الصَّيدَ وَيسَمِّي وَهوَ لا يرَى صَيدَاً فأصَابَ صَيدَاً
__________
(1) قال الزركشي عنه أنه أوجب التحريم، وقال أبو محمد أنه المشهور، وهو
ظاهر كلام الخرقي، وأبي بكر، وبه جزم الشيرازي. شرح الزركشي 4/ 246، وانظر:
الروايتين والوجهين (196/أ)، والمغني 11/ 21، والشرح الكبير 11/ 16.
(2) انظر: الروايتين والوجهين (195/ب).
(3) انظر: المغني 11/ 19، والشرح الكبير 111/ 18، وشرح الزركشي 4/ 243.
(4) انظر: الشرح الكبير 11/ 18، وشرح الزركشي 4/ 244.
(5) انظر: المغني 11/ 19 - 20، والشرح الكبير 11/ 18، وشرح الزركشي 4/ 243
- 244.
(6) انظر: المغني 11/ 19، والشرح الكبير 11/ 18.
(7) الأحبولة: المصيدة وجمعها ((أحابيل)). انظر: المعجم الوسيط: 153.
(8) قال الخرقي مثل هذا القول وعلق الزركشي في شرحه فقال: ((وظاهر كلام
الخرقي لا فرق بين الصيد بالكلب والسهم)). انظر: شرح الزركشي 4/ 252.
(9) نقل هذه الرواية جعفر بن محمد. انظر: الروايتين والوجهين (154/أ).
(10) زيادة يقتضيها السياق.
(11) انظر: مسائل ابن هانيء 2/ 141.
(1/551)
لَم يَحلَّ، وإذا استَرسَلَ الكَلبُ
بنَفسِهِ فَصاحَ بهِ وسَمَّى فَمضَى علَى مَا كَانَ فأَصادَ لم يَحلَّ /403
و/ وإنْ زَجرَهُ فَوقَفَ ثُمَّ أَشلاهُ أو لَم يقِفْ لكن زَادَ في عَدْوِهِ
بإشلائهِ حَلَّ صَيدُهُ، فَإنْ أَرسَلَ سَهمَهُ على صَيدٍ فأعانَتِ الريحُ
السَهْمَ حتى وَصَلَ إلى الصَّيدِ فَقتَلَهُ ولولا الرِّيحُ ما وصَلَ
حَلَّ، وإذا غَصَبَ كَلباً أو فَهْداً أو سَهْمَاً فأصَادَ بهِ فَالصَيدُ
لصَاحِبهِ، وإذا مَلَكَ صَيدَاً ثم أرسَلَهُ مِنْ يدِهِ أو قَالَ
أَعتَقتُكَ لَم يَزُلْ مُلكُهُ عَنهُ، وإذا رَمى صَيدَاً فَأَثبَتَهُ ثمَّ
رَماهُ آخَرُ فَقتَلَهُ لَم يَحلَّ أكلُهُ وعلى الثَّاني ضَمَانُ (1)
قِيمَتِهِ مَجروحَاً، وَلَو أَصابَ الأَولُ مَقتَلَهُ ثمَّ جَرحَهُ
الثَّاني حَلَّ ولم يَلزَمِ الثَّانيَ إلا غُرمُ مَا خَرقَهُ مِنْ خرقِهِ،
فإنْ جَرحَهُ الأَولُ فتَحامَلَ فدخَلَ خَيمةَ الآخَرِ فَهوَ لِمَنْ هوَ في
خَيمتهِ، وكذلِكَ لو كَانَ في سَفينَةٍ فَوثَبتْ سَمكَةٌ فوقعَتْ في
حِجرِهِ فَهيَ لَه دونَ صَاحِبِ السَّفينَةِ، فإنْ وَقعَ الصَّيدُ في
شَبكَةِ صَيَّادٍ فَخَرقَها وَخَرجَ مِنهَا فأَصَادهُ آخرُ فَهوَ للثاني
فَإنْ أصَادَ سَمكَةً فوَجدَ في جَوفِهَا سَمكَةً أُخرى أو أَصَادَ طائراً
فَوجَدَ في جَوفِهِ جَراداً أو حِنطَةً أو شَعيراً فَهلْ يُباحُ أَكلُ مَا
وَجدَ في جَوفِهِ علَى رِوايتَينِ (2)، ويُكرَهُ صَيدُ السَمَكِ بِشَئٍ
نَجسٍ وَصَيدُ الطَّيِر بِالشباشبِ (3) لأَجلِ تَعذيبِ الشباشبِ.
بَابُ الذَبائِحِ
لا يُبَاحُ شَيءٌ مِنَ الحَيوانِ المأكُولِ بغَيرِ ذَكَاةٍ إلا السَّمَكَ
والجَرادَ وَعنهُ (4) في بَقيَّةِ حَيوانِ البَحرِ أنهُ يُباحُ بِغَيرِ
ذَكاةٍ كَالسَّمَكِ وَعَنهُ (5) في الجَرادِ لا يؤكَلُ إلا أنْ يَموتَ
بِسَببٍ كَتَحرِيقِهِ وَطبخِهِ وَكَبسِ بَعضِهِ عَلى بَعضٍ فَيُخرَّجُ في
السَّمَكِ مثلُ ذَلكَ وَأَنه لا يباحُ الطَّافي وَلا تَحِلُّ ذكَاةُ
المجوسِيِّ والمرتَدِّ والوثَنيِّ وَمَنْ أَحدُ أَبويهِ مَجوسِيٌّ أو
وَثَنيٌّ والمَجنونِ والسَّكرانِ وَغيِر المُميِّزِ مِنَ الصِبيَانِ، وفي
النَّصَارى العَربِ رِوايتَانِ (6) وَيَجوزُ الذَّكَاةُ بكُلِّ آلةٍ لَها
حَدٌّ يَقطَعُ ويُنهِرُ الدَّمَ إلا السِنَّ والظُّفرَ فَإنْ ذَبحَ بآلةٍ /
404 ظ/ مَغصُوبَةٍ فَهلْ يُباحُ عَلى وَجهينِ (7) وَيُكرَهُ أَنْ توجَّهَ
الذَّبِيحَةُ إلى غَيرِ القِبلَةِ وأَنْ تُذبَحَ
__________
(1) ورد في المخطوط ((الأول)) وما أثبتناه هو الصحيح. انظر: المحرر في
الفقه 2/ 195.
(2) نقل أبو الصقر رواية الجواز، ونقل مهنأ رواية النهي. انظر: الروايتين
والوجهين (196/ب).
(3) (شباشب: وهو طائر تخاط عيناه أو تربط) انظر: كشاف القناع 6/ 224.
(4) انظر: مسائل عبد الله 3/ 890.
(5) انظر: مسائل عبد الله 3/ 883 - 884.
(6) نقل حنبل رواية الجواز، ورواية النهي رواها ابن منصور فقال أما النسك
فلا يجوز ولكن تصح في الأضحية، انظر: الروايتين والوجهين (198/ب).
(7) أصح الوجهين الإباحة. انظر: المقنع: 310، وكشاف القناع 6/ 204.
(1/552)
بسِكِّيٍن كَالٍّ (1) وأَنْ يَحدَّ
السِّكينَ وَالحَيوانُ يُبصِرُهُ وَيجِبُ أَنْ يُسَمِّيَ فإنْ تَركَ
التَسميَةَ عَمْداً فأَكثرُ الرواياتِ أَنَّهُ لا يحلُّ (2) ونَقلَ عَنهُ
المَيمونيُّ أَنهُ يَحِلُّ وَإنْ تركَهَا سَهْواً فأكثرُ الرواياتِ أَنه
يُبَاحُ ونَقلَ عَنهُ أبو طَالبٍ: لا تجزي الذَّبيحَةُ إلا باِلتَّسمِيةِ،
وَظَاهِرُ هَذا أنها لا تَحلُّ معَ تَركِهَا سَهوَاً، وَذَبيحةُ الأخرَسِ
إذا أَومَأَ إلى التَّسمِيةِ وَأَشَارَ إلى السَّمَاءِ
ولا تَحصُلُ الذَّكَاةُ في الحَيوانِ المقدُورِ عَليهِ إلا بقَطعِ
الحُلقومِ (3) والمريءِ (4) وعنه (5) أنهُ يُشتَرطُ معَ ذلكَ قَطعُ
الودجَينِ (6) (7)، فأَمَّا غيرُ المقدُورِ عَليهِ مِنَ الصُّيودِ ومَا
يوحِشُ مِنَ النَّعمِ فَذكَاتُهُ بِعَقرِهِ في مَوضِعٍ كَانَ مِنْ يدَيهِ
ويُستَحَبُّ نَحرُ الإبِلِ وَذَبحُ بقيَّةِ الحيوانِ ولا يَكسِر عُنقَها
ولا يَسلَخهَا حتى تَبردَ وإذا أَخطَأَ فذَبحَ الحَيوانَ مِن قَفاهُ
فأَتَتِ السِّكينُ على المقَاتِلِ وهوَ حَيٌّ أُبيحَ وَإنْ تَعمَّدَ ذَلكَ
فَهلْ يُباحُ تحمل وَجهَينِ (8)، وَتَحصلُ ذكَاةُ الجَنينِ بذَكَاةِ
أُمِّهِ إذا خَرجَ مَيتاً أو متحَرِّكَاً كَحرَكَةِ المذبوحِ ولا فَرقَ
بينَ أنْ يكونَ قد كَملَ ونَبتَ عَليهِ الشَعرُ أو لم يُشعِرْ.
__________
(1) كال من كل: وهو ضعف يقال كل السيف ونحوه لم يقطع فهو كليل وكل. انظر
المعجم الوسيط: 796.
(2) من هذه الروايات رواية إسحاق بن إبراهيم كما في مسائل ابن هانيء 2/
131، والميموني وصالح كما في الروايتين والوجهين 193/ب، وهذا الرأي أصح.
انظر: المقنع: 311، والمغني 11/ 32 - 33، وشرح الزركشي 4/ 252، وكشاف
القناع 6/ 207، وهناك روايات إباحة الأكل على ما لم يسم عمدا وهي روايات
حنبل، وأحمد بن هاشم، وبكر بن محمد. انظر: الروايتين والوجهين (193/ب).
(3) الحلقوم: وهو تجويف خلف تجويف الفم، وهو مدار الطعام والشراب والنفس.
انظر: المعجم الوسيط: 193.
(4) المريء: وهو مجرى الطعام والشراب من الحلقوم إلى المعدة. انظر: المعجم
الوسيط: 860.
(5) انظر مسائل عبد الله 3/ 867.
(6) الودجان: عرقان متصلان من الرأس إلى السحر وجمعهما أوداج أو الأوداج
وهي ما أحاط بالحلقوم من عروق وقيل أيضاً الودجان هما عرقان عظيمان عن يمين
ثغرة النحر ويسارها. انظر تاج العروس 6/ 256.
(7) نقل حنبل أنه يشترط في الذبح أن يقع على الحلق واللبة وينبغي قطعهما.
وظاهر ذلك أنه يجزي في ذلك قطع الحلقوم والمريء وهو اختيار الخرقي ولكن نقل
إبراهيم وعبد الله بن أحمد أنها يجب أن تذبح على الحلقوم والأوداج وظاهر
هذا الأمر أن الذكاة تحصل بقطع أربعة الحلقوم والمريء والودجين.
انظر مسائل ابن هانيء 2/ 131، ومسائل عبد الله 3/ 867، والروايتين والوجهين
198/أ.
(8) الرواية الأولى: تباح: إذا أتت السكين على الحلقوم والمريء بشرط أن
تبقى في حياة مستقرة قبل قطعها وهو المذهب. والرواية الثانية: لا تباح.
انظر: الإنصاف10/ 394.
(1/553)
|